5‏/11‏/2012

السياسة تقتل الثقافة فينا

معمر عطوي
 
بؤس بكل معنى الكلمة نعيشه هذه الأيام، حيث تقوم السياسة بغزو عقولنا وقلوبنا وتسلبنا حتى لحظاتنا الحميمية من غرف نومنا، لصالح شغف في غير محله، أو هوس مُدمّر قاتل للإنسان في دواخلنا لمصلحة المجرم القذر الذي يجلس على عرش الحكم ويتحكم بالشارع لمصلحة بقائه واستمراره في ممارسة الاستبداد.

البؤس ليس في الاهتمام بالسياسة، انما في ادعاء القائل بأن خطه السياسي هو الخط الطهراني النظيف الشريف وكل ما دونه خائن وعميل وفاسد. البؤس في هذا التعصب الحزبي الذي يجعل الحزب فوق الانسان والآيديولوجيا فوق القيم. البؤس في مصادرة الثقافة لحساب مفاهيم سياسية مغلوطة، لحساب شعارات حزبية تنتهي مع انتهاء الصعود السياسي، والظروف الاقليمية.
البؤس في تحويل العلاقة الحميمة بين الانسان والله الى علاقة مع المذهب والشيخ والمطران والحزب الطائفي والمؤسسات الدينية التي تستغل الفقراء وتزيدهم فقراً.
نعم السياسة تقتل الثقافة فينا، حين يزعم كل منا أنه يمسك بناصية الحقيقة ويقبض على جمر القداسة، حين ينبري كل منا للتحليل في شؤون وشجون المنطقة وتداعياتها من غير علم ولا فهم ولا حيازة لثقافة سياسية تنير الطريق وتوضح معالم النفق المُظلم.
بهذا المعنى تقتلنا السياسة وتقتل فينا كل مخزون ثقافي جمعناه عبر عقود، تقتلنا بكلمة متهوّرة أو بموقف متعصّب أو بنزعة طائفية عمياء أو بتحليل في غير محله أو ردة فعل منافية للعقل والمنطق.
الثقافة أقوى من السياسة، وأقوى من استبدادهم، وأعلى من هامات عمائمهم وشهاداتهم الفخرية وكتبهم العقائدية الصفراء.
لكي نتجاوز هذا البؤس التاريخي الذي يمخر مجرّتنا، علينا الرجوع الى اللوحة الفنية والرسم والنحت والشعر والقصة والأدب والمسرح والسينما والتصوير الفوتوغرافي الخلّاق. علينا أن نعود الى الرواية والفلسفة، الى الكتب التي تُطلعنا على آخر مبتكرات العلم والاكتشاف في الطب والهندسة والفلك.
بؤس السياسة لا يمكن أن يستمر على حساب الثقافة التي ينبغي إعادة صياغتها لتلائم ادوات العصر التكنولوجية، فنعود للقراءة بنهم ولو على شاشة مضيئة، أو هاتف ذكي.
لنعد الى الحب الكامن داخلنا، الى الجمال الذي يحرّك انسانيتنا، إلى عمق العمق الذي يقتل هذا البؤس ويعيد القافلة الى طريقها الصحيح.
"برس نت" 2012/11/05

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق