31‏/8‏/2007

السياسة الاقتصادية لنجاد والمفترق الصعب


معمر عطوي
تأتي استقالة محافظ المصرف المركزي الإيراني إبراهيم شيباني، بعد سلسلة استقالات وتبدلات في مراكز وزارية ورسمية مهمة، لتؤكد حجم المعضلة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، في ظل حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تتعرَّض سياسته الاقتصادية للانتقادات، حتى من رأس القيادة الروحية ممثلة بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ما يُظهر عدم وجود انسجام كاف بين مراكز القرار في النظام الإسلامي حول هذه القضية.وتشير هذه البرودة بين السلطة التنفيذية والولي الفقيه إلى مدى خروج نجاد عن ثوابت الخطة الاقتصادية العشرينية التي وافقت عليها حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، عام 2004، والتي تهدف إلى تحوُّل إيران الى قوة اقتصادية وعلمية إقليمية كبرى خلال هذه الفترة إذا طُبّقت بنودها.ولم يقتصر الاتهام المبطَّن لنجاد بعدم السير وفق هذه الخطة على خامنئي، بل انسحب على رموز أخرى من النظام، أبرزها رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي اتهم الرئيس أيضاً بعدم تطبيق بنود الإصلاح، والبرلمان الذي وقّع نحو 40 من نوابه الإصلاحيين رسالة الى نجاد وخامنئي طالبوا فيها بإنقاذ الأداء الاقتصادي للحكومة.وهكذا، يبدو من الطبيعي أن يكون استقبال خامنئي لنجاد وأعضاء حكومته الأحد الماضي، مقروناً بحثِّه على ضرورة أن تعمل الحكومة بجدِّية أكبر لتنفيذ الخطة العشرينية، و«تقوية الانسجام مع السلطات الأخرى»، في ظل بلوغ نسبة التضخم 16.6 في المئة وزيادة نسبة الفقر، وارتفاع نسبة البطالة الى ما فوق 12 في المئة.ومع استقالة شيباني التي جاءت بعد أيام من استقالة وزيري النفط كاظم وزيري همانة والمناجم والصناعة علي رضا طهمسبي، بدت البلاد أمام مفترق صعب، وسط الحديث عن وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأميركية، بما تمثل هذه المؤسسة العسكرية العقائدية، من امتدادات واسعة في قطاعات إنتاجية وخدماتية واقتصادية حساسة في الجمهورية الإسلامية.بيد أن هذا المُفترق لا يتحمل نجاد وحده مسؤولية حدوثه، في ظل تمسُّك الدولة بقيم الثورة، وتحمُّلها ضغوطاً سياسية وعقوبات اقتصادية برزت مصاديقها من خلال حصار دولي خانق وقرارات دولية (1737 و1747) على خلفية استمرار البرنامج النووي. وقد دفع ذلك نجاد إلى البحث عن خيارات متعددة أبرزها البحث عن استثمارات جديدة في مجال الطاقة وتحرير هذا القطاع نسبياً من يد الدولة، ومد جسور التعاون مع دول عديدة، ولا سيما في أميركا اللاتينية، وفي المنطقة، من أجل تعزيز التنمية في قطاعات النفط والغاز والتبادل التجاري.ويندرج في هذا الإطار تعيين حسين نقره كار شيرازي نائباً للعلاقات الدولية لوزير النفط، الذي ستشمل مهماته التواصل مع الشركات والحكومات الأجنبية.وربما لجأ نجاد الى ذلك بعد فشل محاولاته السابقة التي تمثّلت بتجميد أسعار بيع منتجات عديدة، بعد ارتفاعها بنسبة 16.1 في المئة، ورفع قيمة فوائد المصارف والإسراف في إنفاق عوائد النفط التي ارتفعت مع ارتفاع أسعار الذهب الأسود خلال المدة الأخيرة.هنا لا يمكن فصل المشهد السياسي عن مجريات الوضع الاقتصادي المتفاقم، الذي يتجه نحو نسبة عالية من التضخم قد تصل في العام الجاري الى 22.4 في المئة، وفق دراسة للبرلمان الإيراني، وخصوصاً بعد أزمة تقنين توزيع البنزين الذي يُشكِّل مفارقة غريبة في بلد يستورد أكثر من 40 في المئة من حاجاته من هذه المادة المكرَّرة، على رغم أنه رابع دولة مُنتجة للنفط في العالم.لقد حدَّد خامنئي ثوابت الحكومة الإيرانية بخصائص عديدة، لعل أبرزها التغيير والإصلاح الحقيقي والصمود أمام «الأطماع الاستكبارية»، بما ينسجم مع شعار نجاد الذي أطلقه قبيل تسلّمه مهماته عام 2005 حول التوزيع العادل للثروة. لكن السؤال يبقى حول إمكان الرئيس المحافظ التوفيق بين شعاراته في محاربة القوى العظمى واستمرار برنامجه النووي، وخططه الاقتصادية التي يحاول من خلالها تعزيز مواقعه قبل الانتخابات البرلمانية في ربيع العام المقبل، التي تتبعها انتخابات رئاسية عام 2009.
"الأخبار"٣١ آب 2007

22‏/8‏/2007

عندما ينقلب السحر على الساحر

معمر عطوي
تُدرك طهران جيداً أن التعاون الذي تبديه تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لن يجدي نفعاً لجهة ترك النظام الإسلامي يسير في طموحاته النووية المثيرة للجدل، من دون عوائق جديدة وعقوبات مشدّدة قد يتخذها مجلس الأمن، بعد تقديم التقرير المُرتقب للمدير العام لوكالة الطاقة محمد البرادعي إلى حكام الوكالة في العاشر من الشهر المقبل في فيينا.فالجولات المكوكية من المحادثات «الثنائية الاتجاه» (مع الأمم المتحدة ممثلة بوكالة الطاقة، ومع الاتحاد الأوروبي ممثلاً بمنسِّق السياسة الخارجية والأمنية خافيير سولانا) لن تصبح في يوم ما (أقلّه في المدى القريب) تأشيرة دخول الجمهورية الإسلامية إلى النادي النووي، حيث يتّضح أن الخلاف الدائر الآن هو بشأن «المسائل العالقة» في البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، حين كانت الأنشطة الحساسة بعيدة عن أعين المفتشين الدوليين.وربما كان حديث نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد سعيدي، أول من أمس، عن «الطريق الطويل» لهذه المحادثات، ودعوته البرادعي إلى التعاون في تقريره المُرتقب، تعبيراً واضحاً عن صعوبة المخاض في هذا الملف الذي يتأثر، بلا شك، بملفات أخرى، على غرار العلاقة المُلتبسة مع دول عربية مثل السعودية والبحرين، والأزمة مع الولايات المتحدة في موضوع «الأمن العراقي»، ومواضيع أخرى، أبرزها لبنان وفلسطين وأفغانستان.في هذا السياق، لا يمكن التوهّم بتاتاً أن كل هذه الملفات قابلة للتفاوض والوصول إلى حل سحري، فيما البدائل الأميركية لمعالجة الملف النووي جاهزة، أمام التعقيدات المُحتملة والمُرجَّحة، في ظل تراجع خيارات الحرب، وتقدم خيار التفاوض، بعدما انقلب السحر على الساحر.لعل أبرز هذه البدائل كان قرار واشنطن وضع الجيش العقائدي لإيران (الحرس الثوري الإسلامي) على لائحة الإرهاب، كإجراء هدف الأميركيون من خلاله إلى تأكيد تفرّدهم وتميّزهم عن شركائهم الأوروبيين، باتخاذ القرارات، رغم جنوحهم للخيار الأوروبي جزئياً باعتماد سياسة العصا من دون الجزرة.فالعقوبات الاقتصادية أصبحت، على ما يبدو، تؤتي ثمارها على الصعيد الإيراني الداخلي، من خلال تفاقم أزمات التضخم والبطالة وتقنين البنزين وزيادة معدلات الفقر، التي أدت الى حصول استقالات في وزارات مهمة أخيراً، فيما بدا أن الخيار الأميركي «بزعزعة النظام الإسلامي من الداخل»، لا يزال سارياً مع استمرار ملاحقة شبكات تجسسية في إيران، تذكِّر بسياسة «الثورات المخملية»، طبعاً من دون تجاهل خطورة تسليح الولايات المتحدة لدول شرق أوسطية تمهيداً لدور محتمل ضد طهران.هذه المعطيات تشكّل مؤشرات واضحة إلى تراجع نفوذ صقور الإدارة الأميركية، التي أصبحت مقتنعة بأن خوض حرب عسكرية، في ظل تخبُّط جنودها في المستنقع العراقي، لن يؤدي سوى إلى الانتحار.لهذا بدت هذه الإدارة الهشة وكأنها تفسح في المجال للمفاوضات السياسية، بغية تحاشي مواجهة مباشرة مع جيش عقائدي، أصبحت تهديدات قادته بإحراق الخليج، معزوفة شبه يومية، تؤكد عدم نية طهران تقديم أي تنازلات إلى إدارة فاشلة.
"الاخبار"٢٢ آب 2007

عندما ينقلب السحر على الساحر

معمر عطوي
تُدرك طهران جيداً أن التعاون الذي تبديه تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لن يجدي نفعاً لجهة ترك النظام الإسلامي يسير في طموحاته النووية المثيرة للجدل، من دون عوائق جديدة وعقوبات مشدّدة قد يتخذها مجلس الأمن، بعد تقديم التقرير المُرتقب للمدير العام لوكالة الطاقة محمد البرادعي إلى حكام الوكالة في العاشر من الشهر المقبل في فيينا.فالجولات المكوكية من المحادثات «الثنائية الاتجاه» (مع الأمم المتحدة ممثلة بوكالة الطاقة، ومع الاتحاد الأوروبي ممثلاً بمنسِّق السياسة الخارجية والأمنية خافيير سولانا) لن تصبح في يوم ما (أقلّه في المدى القريب) تأشيرة دخول الجمهورية الإسلامية إلى النادي النووي، حيث يتّضح أن الخلاف الدائر الآن هو بشأن «المسائل العالقة» في البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، حين كانت الأنشطة الحساسة بعيدة عن أعين المفتشين الدوليين.وربما كان حديث نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد سعيدي، أول من أمس، عن «الطريق الطويل» لهذه المحادثات، ودعوته البرادعي إلى التعاون في تقريره المُرتقب، تعبيراً واضحاً عن صعوبة المخاض في هذا الملف الذي يتأثر، بلا شك، بملفات أخرى، على غرار العلاقة المُلتبسة مع دول عربية مثل السعودية والبحرين، والأزمة مع الولايات المتحدة في موضوع «الأمن العراقي»، ومواضيع أخرى، أبرزها لبنان وفلسطين وأفغانستان.في هذا السياق، لا يمكن التوهّم بتاتاً أن كل هذه الملفات قابلة للتفاوض والوصول إلى حل سحري، فيما البدائل الأميركية لمعالجة الملف النووي جاهزة، أمام التعقيدات المُحتملة والمُرجَّحة، في ظل تراجع خيارات الحرب، وتقدم خيار التفاوض، بعدما انقلب السحر على الساحر.لعل أبرز هذه البدائل كان قرار واشنطن وضع الجيش العقائدي لإيران (الحرس الثوري الإسلامي) على لائحة الإرهاب، كإجراء هدف الأميركيون من خلاله إلى تأكيد تفرّدهم وتميّزهم عن شركائهم الأوروبيين، باتخاذ القرارات، رغم جنوحهم للخيار الأوروبي جزئياً باعتماد سياسة العصا من دون الجزرة.فالعقوبات الاقتصادية أصبحت، على ما يبدو، تؤتي ثمارها على الصعيد الإيراني الداخلي، من خلال تفاقم أزمات التضخم والبطالة وتقنين البنزين وزيادة معدلات الفقر، التي أدت الى حصول استقالات في وزارات مهمة أخيراً، فيما بدا أن الخيار الأميركي «بزعزعة النظام الإسلامي من الداخل»، لا يزال سارياً مع استمرار ملاحقة شبكات تجسسية في إيران، تذكِّر بسياسة «الثورات المخملية»، طبعاً من دون تجاهل خطورة تسليح الولايات المتحدة لدول شرق أوسطية تمهيداً لدور محتمل ضد طهران.هذه المعطيات تشكّل مؤشرات واضحة إلى تراجع نفوذ صقور الإدارة الأميركية، التي أصبحت مقتنعة بأن خوض حرب عسكرية، في ظل تخبُّط جنودها في المستنقع العراقي، لن يؤدي سوى إلى الانتحار.لهذا بدت هذه الإدارة الهشة وكأنها تفسح في المجال للمفاوضات السياسية، بغية تحاشي مواجهة مباشرة مع جيش عقائدي، أصبحت تهديدات قادته بإحراق الخليج، معزوفة شبه يومية، تؤكد عدم نية طهران تقديم أي تنازلات إلى إدارة فاشلة.
"الاخبار"٢٢ آب 2007

18‏/8‏/2007

على ضفاف "الهافل"








معمر عطوي




تتألق برلين بثوبها الثقافي البرّاق. هنا في العاصمة الألمانية نمط آخر من الحياة، "سستام" مختلف ينطبق على كل التفاصيل، بدءاً من الالتزام التام بمواعيد تحرك وسائل النقل وصولاً الى العقلية العلمية التي أصبحت إحدى ميزات الحياة الاو روبية، مروراً بصورة البنيان "العلائقي" بين الدولة والمواطن.
الوصول الى برلين من بوابة أثينا يعفيك من المرور على حواجز التفتيش والأمن العام مرة أخرى، ذلك انه بمجرد الدخول الى إحدى الدول الاو روبية، يصبح التحرك بين الدول الأخرى الأعضاء في هذه المنظومة الحديثة العهد، عبارة عن رحلات داخلية.
هذا الشعور الجارح انتابني لحظة وضعت قدمي على الرصيف الخارجي لمطار "تيغل" في برلين. عرفت أن عليّ التعايش مع مناخ جديد، يبدأ المرء بالتعاطي معه بحذر وترقب يتلازمان مع علامات التعجب والانبهار. بعدها، يتحول الى نمط هو أحد شروط امكان الانتقال من مرحلة الفوضى الفكرية غير "المُسَستمة" الى مرحلة المنهجة التي لا تطال الجانب الفكري والثقافي فحسب، بل تنسحب على الكثير من ميادين الحياة. ان معروف عن الألمان، انضباطهم والتزامهم المواعيد وإتمام العمل المطلوب منهم. ويصفهم الآخرون بأنهم صارمون في تطبيقهم القوانين والنظام.
أزعم أن هذه المنهجية، هي خارج إطار التفكير والمبتغى لكثير من العرب الذين هاجروا الى أو روبا بهدف العيش أو الدراسة. ولعل صعوبات الاندماج، التي يتحدث عنها المسؤولون عن الجاليات وبعض القيمين على صنع القرار في هذه البلدان، هي احد تجليات البعد عن هذا "السستام"، الذي يشكل للأسف في نظر البعض مناخاً للرهاب الاجتماعي بذريعة تهديد أخلاقي أو تخلٍ عن تقاليد وقيم تتخذ صفة المقدس عند هؤلاء المهاجرين.
في برلين يحتار المرء من أين يبدأ، هل من المعالم التاريخية التي تحكي تاريخ ألمانيا بدءاً من بسمارك مروراً بهتلر وصولاً الى الألمانيتين وجدار برلين، أم من كانط وغوته وفيختة مروراً بهيغل وماركس ونيتشه وصولاً الى غونتر غراس وهابرماس وكليبرغ. قائمة لا تنتهي، تعج بأسماء كبيرة في ميادين عديدة لا تقتصر على الفكر والثقافة، بل تنسحب على العلوم والابتكارات التقنية التي حولت ألمانيا الى دولة صناعية كبرى لها حضورها الكوسموبوليتي.
يصح وصف العاصمة الألمانية بالقلب النابض لكثافة الأنشطة الثقافية فيها، إضافة الى المظاهر الفنية العابرة التي يشهدها الزائر في الأماكن العامة.
النشاط الاول الذي تتألق به برلين كل سنة، هو المهرجان السينمائي العالمي "برليناري" الذي يقام في ساحة الممثلة مارلين ديتريش. كما تتواصل الأنشطة على مدار العام في بيت الثقافات، بما ينطبق على عنوانه. ففي هذا المكان الواقع على ضفاف نهر "شبري" وسط المدينة بين بوابة براندنبورغ وساحة عمود النصر (التي تجري فيها كل سنة فعاليات مهرجان الحب "لاف بارادي")، تقام انشطة ثقافية من جميع أنحاء العالم، تشتمل على عروض أفلام ومسرحيات، لوحات فنية وصور وكتب مترجمة، إضافة الى أعمال تجهيز وحفلات فنية وندوات ومحاضرات وقراءات تقام على الهامش. أما المتاحف، فتحتاج الى مساحة أخرى للكتابة عنها، لكثرة ما في برلين من متاحف، إذ يصح تسميتها بـ "مدينة المتاحف".
الفن في برلين ينساب مع الهواء، فلا يبقى زائر لهذه المدينة إلا ويستنشق عبيره. في الساحات العامة مثل ساحة "ألكسندر" أو "الكودام"، قد تصادفك فرقة موسيقية من أميركا اللاتينية تعزف أعمالاً من تراث الهنود الحمر، أو واحدة افريقية تعتمد على قرع الطبول، أو قد تشاهد فرقة دينية لجماعة كريشنا التي تحظى بمريدين كثر في ألمانيا يرتدون الزي الخاص بهم، ويصلوّن عند قارعة الطريق على أنغام آلة موسيقية قديمة من أعمال شبه القارة الهندية.
وفي محطات القطار، يكثر عازفو البيانو والغيتار وربما الناي والبزق وغيرها من آلات لا يبتغي أصحابها من المارة سوى بعض السنتات يشترون بها زجاجة بيرة وبعض الطعام. "تسوّل بشرف" كما قال لي صديقي المغربي.
وأحيانا يختلط الفعل السياسي الاحتجاجي بالفن كما في اعتصامات الأكراد التي تنتهي بحلقة دبكة، أو احتجاجات المعارضة الصينية التي يمارس أعضاؤها رياضة اليوغا في الساحات العامة الى جانب لافتات الاعتراض. وهناك أنصار البيئة الذين يرتدون في مسيراتهم وجوه حيوانات معرضة للانقراض. أما مهرجان الحب السنوي، فيحتاج الى مساحة أخرى للكتابة، حيث يتحرك مئات الآلاف على أنغام موسيقى التكنو وعروض التعري.
فنون في الهواء الطلقهناك معارض فنية في الهواء الطلق قد يشارك بها كبار الفنانين، وهي تقام احياناً في ساحة "بوتسدامر"، الحديثة بأبنيتها الشاهقة ومنها مبنى "سوني سنتر"، وهي قريبة من مبنى كونسرتو برلين للموسيقى "الفيلارموني" المواجه للمعهد الفني ولمكتبة المدينة الضخمة.
المكتبات العامة جزء من المشهد البرليني، فهي تنتشر في جميع المناطق والأحياء. أما "بسطات" الكتب والأشرطة الموسيقية الكلاسيكية التي تباع بأسعار زهيدة، فهي منتشرة بكثافة أمام المراكز التجارية الكبرى والساحات العامة، وكذلك في أسواق يوم الأحد التي تحتوي على كل ما هو رخيص.
الى جانب ذلك، تأسرك الألعاب البهلوانية سواء على عجلات "المزلاج" أو على الدراجات الهوائية، بتناغمها مع الموسيقى التي يحضرها هؤلاء الشباب معهم الى الساحات العامة لكسب بعض المال لقاء ما يقدمونه من عروض مميزة للمارة. ومن اللافت أيضا أن لكل شارع في برلين عيداً خاصاً في السنة. في هذا اليوم، تعرض البضائع والمأكولات والألعاب الخاصة بالأطفال الى جانب ما يسمى "حدائق البيرة" حيث يمكن للزائر أن يحتسي البيرة الأصلية من مصنعها مباشرة. وللنبيذ "البلدي" مساحات أخرى من هذه الاحتفالات.
مدينة كئيبةللوهلة الاولى عندما وطئت قدماي أرض برلين، بدت لي مدينة كئيبة، ربما لان ذاكرتي استحضرت في تلك الدقائق تاريخ المدينة المجبول بالحروب والدمار والتقسيم، ولعلها تلك الرمزية التي لا زلنا نستعير شعارها لوصف كل فعل عنصري، عنيت الرايخ الثالث وما تركه من آثار مدمرة على ألمانيا الحديثة. لعل أحدى صور هذه الكآبة الكنيسة المحترقة الجاثمة في ساحة "كورفرستن دام"، التي تركها الألمان مثلما هي كشاهد على فظاعة الحرب وأهوالها. لكن الشعور بهذه الكآبة سرعان ما يتلاشى أمام ما تحمله المدينة من مظاهر فرح، وقلب نابض بكل ما هو جميل. حتى الجدار الذي كان يفصل بين شطري العاصمة لم يبق منه إلا قسم صغير لا يتعدى طوله الأمتار قرب منطقة الفارشاوار، وأخرى في ساحة بوتسدامر التي أصبح فيها البرج الذي كان معداً للمراقبة بين الجانبين مقراً لمجموعة من الهبيين الذين يبثون أغاني الراب والروك كدلالات لمعنى ابدال الحرب بالموسيقى.
تستمد المدينة جاذبيتها من سحر نهري "الهافل" و"الشبري"، اللذين ينسابان طولاً وعرضاً، مباشرة أو عبر روافد كثيرة تم حفرها بجهود العمال. لا يقتصر دور هذين النهرين على الملاحة التي تخدم المصانع والتجار فقط، بل يتعدى ذلك الى دور سياحي، حيث تقام رحلات بواسطة الزوارق والسفن الصغيرة، على مدار الساعة للتمتع برؤية المدينة وما فيها من غابات ومعالم وصروح عريقة، إضافة الى جزيرة المتاحف.
وعلى ضفاف النهرين تنتشر المنتزهات المجانية المكللة بالأشجار والمزدانة بالحشائش والأزهار. وفي الأيام المشمسة، تنتشر في هذه الأمكنة الحمامات الشمسية التي يُقبل عليها الألمان بشغف كحالة تعويض عن الأيام الباردة التي تحتل معظم أيام السنة. ناهيك عن حدائق العراة التي يصبح فيها الجسد مُلكاً للطبيعة.
تكثر البحيرات التي تزينها ارهاط البط والوز ومالك الحزين. يمكنك قراءة كتاب أو جريدة على ضفة البحيرة، ففي هذه المدينة أضحت القراءة جزءاً من المشهد العام. كما يمكنك الاستمتاع بوجبة غذائية تلقى بقاياها الى هذه الطيور الجميلة التي ألفت البشر حتى غدت متعايشة معهم بلا أدنى خوف. التعايش مع جميع الحيوانات أيضاً جزء من جمال المشهد. حتى الغربان أصبحت أحد عناصر هذا المشهد الجذاب. يقول كبار السن أنها كانت تتغذى خلال الحرب من جثث القتلى، أما الان فهي تعيش على خيرات هذه البلاد من الحبوب والخضرة التي يصعب تحديد آفاق حقولها.
وللأطفال مساحات واسعة يمكنهم فيها ممارسة العديد من الألعاب، ففي كل حي ملاعب رياضية وحدائق خاصة بالأطفال. أما الدراجات الهوائية، فتكاد تكون إحدى صور المدينة الأكثر حيوية.
العمل شيء مقدس عند غالبية الألمان، علماً أن نسبة البطالة في تزايد (11%). ترى معظمهم يهرول مسرعاً في الصباح الى وسيلة النقل، ولا يعود من عمله حتى المساء.
ضرورات العمل تفرض عليهم النوم باكراً، لذلك لا تشعر بوجود أي ضجيج بعد الساعة التاسعة. أما يوما السبت والأحد، فتجد شعباً آخر يعيش العطلة على طريقته. منهم من يختار تناول زجاجة فودكا في القطار مع بعض الأصدقاء. ومنهم من يرتاد المراقص والحفلات الخاصة أو السينما والمسرح والكونسرتو، بالإضافة الى المنتزهات. ويحرص كبار السن على حضور حفلات الاوبرا أو دعوة الأصدقاء الى عشاء متواضع. وهناك من يرغب بارتياد الملاهي الليلية والعلب الحمراء، أو رحلة بواسطة الدراجة الهوائية وسط الغابات الكثيفة.
مشاهدة السكارى في الشوارع والحدائق ومحطات المترو والقطار أمر شبه اعتيادي. ففي هذه المدينة، ومثل باقي المدن الاوروبية، هناك من اختار طريقة أخرى للعيش. هؤلاء يتقاضون راتباً من الدولة التي تؤمن لهم الماوى أيضاً. وفي الساحات العامة، يوزع عليهم الحساء الساخن، إذ غالباً ما تقوم بذلك هيئات مدنية أو كنسية. وهناك بعض الساحات التي يتم جمعهم فيها ورشّهم بمياه سيارات الإطفاء حتى لا تتفاقم أمراضهم المتكونة من إهمالهم لأنفسهم، والبقاء دائما تحت تأثير الخمرة.
الحوار مع الاسلامفي برلين ثلاث جامعات عريقة هي: الجامعة الحرة، جامعة هومبولدت والجامعة التقنية، إضافة الى معاهد للدراسات العليا التي تختص بالفنون والسينما والمسرح. تلعب هذه الجامعات دوراً رائداً في نشر الأبحاث الفكرية والثقافية والعلمية. وتنظم بشكل متواصل ندوات ومحاضرات يشارك فيها أساتذة ومبدعون من جميع أنحاء العالم. كما أن تعدد الأعراق واللغات التي ينتمي إليها الطلاب وبعض أساتذة الجامعات يعطي مشهد التنوع غنىً فريداً.
أما الحوار الثقافي والحضاري الذي ترعاه وزارة الخارجية، فيشكل مساحة مهمة جداً لتلاقي الثقافات ويصب تلقائياً في مصلحة حوار الحضارات بعيداً عن أية شعارات. ففي ألمانيا، مراكز مهمة لهذا النوع من الحوارات. واذكر على سبيل المثال، نموذج الحوار مع العالم الإسلامي، الذي لم يتراجع مع أحداث 11 أيلول كما في دول غربية كثيرة، إنما تم رفده والسير به الى الأمام. إضافة الى اهتمام المؤسسة الإعلامية "دويتشة فيلله" على هذا الصعيد، تم تأسيس مجلة الكترونية تحت اسم " قنطرة" مهمتها متابعة كل ما يتعلق بفهم الآخر، أي الإسلام كحضارة، بكافة ميادينه السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية. ويدخل في هذا الإطار مشروع حوار الشرق والغرب الذي يشجع التلاقح الثقافي بين الحضارتين.
حرية القول والعمل مضمونة ما دام الأمن في منأى عن الخطر. المصليات والمساجد تنتشر بكثرة وكذلك الجمعيات العربية والإسلامية، حيث تكاد تضاهي بوجودها محلات المواد الغذائية العربية أو المطاعم، إذ يمكنك ان تحظى بصحن كبة وتبوله على الطريقة اللبنانية أو كسكس مغربي أو حلويات شامية. والحرية في ألمانيا مطلقة مع بعض الاستثناءات لعل أهمها الابتعاد عن كل ما يمكن أن يحرض على الكراهية والعنصرية، وكل ما يمكن ان يعيد تحريك عقدة الذنب تجاه اليهود، التي يبدو أن البعض بدأ يتحرر من ضغطها، خلال ما تشهده برلين من نشاطات وتحركات شبابية تصب في مصلحة القضية الفلسطينية أو معارضة الحرب على العراق، التي دفعت البعض لتجاوز موقف الدولة الرافضة لهذه الحرب عبر المطالبة بوقف انطلاق الطائرات الاميركية من قواعدها على الأرض الألمانية... تلك القواعد الجاثمة منذ أيام الحرب الباردة.


تحولات العدد25

14‏/8‏/2007

الفيليبين قصة تمرّد وفساد

معمر عطوي
لم يتّسم عهد الرئيسة الفيليبينية الحالية، غلوريا ماكاباغال أرويو، بمزايا افضل من عهد سلفها جوزف إسترادا، بسبب استمرار الفساد الذي عشش في زوايا السلطة، إلى جانب استمرار الفشل في معالجة بؤر التوتر بدءاً من الجنوب، حيث تدور معارك مع متمردين
مسلمو الجنوب يسعون للانفصال... وشيوعيو الشمال لا يزالون متمسكين بـ«الثورة»
سادت الفيليبين، خلال حقب متتالية، حالات من فساد السلطة التي أدت إلى ظهور ثورات وانقلابات كانت تأتي في كل مرة بمن هو أكثر فساداً. وفي كانون الثاني من عام 2001، استقال الرئيس جوزف إسترادا من منصب الرئاسة، تحت ضغط التظاهرات الشعبية في أعقاب اتهام البرلمان له رسميّاً بالفساد.وحلّت مكان استرادا نائبته غلوريا أرويو، الكاثوليكية المحافظة، التي أكدت بعد توليها سدة الحكم عزمها على مكافحة الفساد وإزالة الفقر، والاستناد إلى القيم الأخلاقية والدينية في كل خطواتها السياسية، معبّرة عن ذلك بالقول «لديّ شعور بأن الله وضعني على هذا المفصل».وكان إسترادا قد انتخب رئيساً في 1998 لولاية من ست سنوات، واتُّهم بعد أقل من 3 سنوات بالفساد.يُذكر أن الرئيس الفيليبيني الأسبق، فيردناند ماركوس، الذي حكم البلاد بالحديد والنار على مدى 21 عاماً، كان قد عمد في نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات إلى تدبير سلسلة من التفجيرات، انتهت بفرض الأحكام العرفية في البلاد عام 1972. وظل ماركوس في الحكم إلى أن سقط إثر ثورة شعبية في عام 1986.ولم يكن عهد الرئيسة الحالية ارويو أفضل حالاً، فقد فاحت رائحة الفساد في عهدها، الذي حظي بدعم غير محدود من الولايات المتحدة، وذلك بحجة «محاربة الإرهاب» المتمثّل بجماعة ابو سياف الإسلامية السلفية المقرّبة من تنظيم «القاعدة».وشهدت الانتخابات الأخيرة لاختيار أعضاء مجلسي النواب والشيوخ والمجالس المحلية في مقاطعة مندناو الجنوبية، التي جرت في 14 أيار الماضي، صورة أخرى من صور الفساد، حين نقلت صحف ومحطات التلفزة أن القائمين بإحصاء الأصوات تلقّوا أوامر بملء صناديق الاقتراع بأسماء مرشحين مؤيدين للحكومة. وتمكّنت المعارضة من تحقيق فوز في مقاعد مجلس الشيوخ وعدد من مقاعد المجلس التشريعي، في وقت عمّت فيه الاضطرابات والعنف في العديد من المدن والمناطق، الأمر الذي أدى إلى سقوط اكثر من 160 قتيلاً.لكن حزب «لاكاس» الحاكم شدّد على أن التحالفات السياسية للرئيسة أرويو فازت بأكثر من ثلثي مقاعد مجلس النواب. وقال مؤيدون للتحالف الحاكم إنهم حصدوا 190 من مئتي مقعد مخصص للمقاطعات.
تفشّت أخبار الفساد، الذي نخر عهد الرئيسة المحافظة، حتى وصلت إلى خارج البلاد، إذ تعرضت خلال زيارتها الاخيرة إلى العاصمة النيوزيلاندية، ولنغتون، لنقد حاد من أعضاء البرلمان، حين وصف المتحدث باسم حزب «الخضر» كيث لوك، في بيان صحافي، الفيليبين بأنها «منطقة كوارث لحقوق الانسان»، مشيراً الى أن مئات من المدافعين عن حقوق الانسان قتلوا منذ تولي أرويو المنصب في عام 2001.وشهدت الفيليبين حالةً من عدم الاستقرار والتظاهرات المتواصلة واستقالات جماعية في الحكومة، للضغط على الرئيسة الفيليبينية كي تتنحّى بعد اتهامات وُجِّهت إليها بالتلاعب في الانتخابات الرئاسية في عام 2004، إضافة إلى الفساد المالي.وفي 25 شباط 2006، أعلنت ارويو حال الطوارئ في البلاد بعد اعتقال عدد من كبار ضباط الجيش الذين اتهموا بمحاولة انقلاب مفترضة. وبُعيد الاعلان عن حال الطوارئ، اكدت الرئيسة في خطاب متلفز أن «الحكومة سحقت هذا التحرك غير الشرعي». وقالت «بوصفي قائداً للجيوش، فأنا أسيطر على الوضع».وأدّت الرئيسة بالتعاون مع حلفائها في إقليم مينداناو المسلم (جنوب)، الذي يطالب بالاستقلال عن مانيلا، دوراً بارزاً في رسم خطة محكمة في الانتخابات التشريعية لعام 2005، كان من شأنها فوز حليفها، زالدي أمباتوان، بمنصب حاكم الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي، فيما كان عددٌ من زعماء «الجبهة الوطنية لتحرير مورو» الإسلامية، قد أعلنوا مقاطعة الانتخابات، متهمين رئيسة الفيليبين بدعم أمباتوان الذي خاض الانتخابات على قائمة الائتلاف الحاكم.ورأت مصادر إسلامية أن الهدف الأبرز من دعم الحكومة لأمباتوان هو إقصاء جبهة مورو، التي تحكم الإقليم منذ 1997، بعدما انقلبت الحكومة على رئيس الجبهة نور ميسوراي في عام 2000 وأودعته السجن، بتهمة التحريض على الثورة على حكمها، ثم فر لاحقاً إلى ماليزيا.وتعوم مينداناو فوق آبار من البترول غير المكتشَف والمقدَّر بنحو 2.3 تريليون برميل، علاوةً على ملايين الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي. وهذا ما يفتح شهية الحكومة على المماطلة في تسليم الأقاليم الباقية لمواطني المنطقة الجنوبية ذات الغالبية المسلمة (تم اعطاؤهم 5 أقاليم من 15).وفي هذا الصدد، ذكر موقع «إخوان أون لاين» «ان مسار التفاوض بين الحكومة الفيليبينية والجيب المسلم، والذي أدّت منظمة المؤتمر الإسلامي دور الوساطة فيه بين حركة مورو الوطنية والحكومة، كان يستهدف حلاًّ عادلاً داخل إطار السيادة الفيليبينية ووحدة التراب الوطني والحصول على الحكم الذاتي فقط، وتم التفاوض حول الحكم الذاتي في مدينة جدة السعودية في عام 1975، لكنه فشل، ثم بدأت جولةٌ ثانية من التفاوض في كانون الأول من العام نفسه وأطلق عليها اسم اتفاق طرابلس».ويضيف الموقع أنه «بموجب هذا الاتفاق، تم الإقرار بمنح المسلمين الحكم الذاتي في 13 منطقة، ثم أصبحت 15 منطقة، وتكونت فيها إدارات ومراكز إدارية أخرى داخل هذه المناطق، غير أن الاتفاق لم ينفَّذ، ودخلت مورو الوطنية في اتفاق ثانٍ في عام 1996، الذي أوصى بالحكم الذاتي في أربع مناطق فقط من 13، ليصل بعد ذلك إلى بقية المناطق التي تم الاتفاق بشأنها في اتفاق طرابلس».ويشير الموقع الاسلامي إلى أن «الحكومة عملت ضد هذا الاتفاق من خلال الادعاء بأن المسلمين سيعملون على طرد السكان المسيحيين من هذه المناطق حين يحكمونها. وعندما طبِّق الحكم الذاتي، حُدِّد في خمس مناطق أو يزيد بالرغم من أن اتفاق طرابلس أفقد المسلمين 42 في المئة من أراضيهم عام 1996، وعلى الرغم من ذلك، لم تنفِّذ الحكومة الفيليبينية بنود الاتفاق، وبالتالي فقد المسلمون الاستقلالَ وأراضيَهم وضُمُّوا إلى الفيليبين بعدما كانوا دولةً مستقلةً تكافح لأكثر من 500 سنة للحفاظ على أراضيها وقيمها الإسلامية».جبهة مورو الإسلاميةنشأت «جبهة مورو الإسلامية»، نتيجة انشقاق عن «حركة مورو الوطنية»، التي فقدت شعبيتها نتيجة التفاوض «غير العادل» مع الحكومة. واعترفت منظمة المؤتمر الإسلامي بالجبهة ممثلاً لمسلمي الفيليبين.وجبهة تحرير مورو تقاتل منذ سبعينيات القرن الماضي من أجل الانفصال عن الفيليبين، وتكوين دولة إسلامية تضم جزر «مينداناو» و«سولو» و«بالاوان» جنوب البلاد، التي قامت مانيلا بضمِّها إلى أراضيها.وبدأت حكومة الفيليبين مسلسل التفاوض مع «جبهة مورو الإسلامية» منذ عام 1997، إلا أن المحادثات انهارت في عام 2000، حين شنَّ الجيش الفيليبيني هجوماً واستولى على العديد من قواعد الجبهة في الغابات، بينها معسكر أبو بكر في إقليم ماغو مينداناو.أبو سيافثمّة جماعة إسلامية أخرى في الفيليبين تتخذ من العنف وسيلة لتحقيق مطالبها تدعى «جماعة أبو سياف»، وهي مجموعة من الاسلاميين المتشددين، لا يزيد عددها على 500 عنصر. وغالبا ما تستولي القوات الحكومية على مناطق زراعية خصبة لأهالي الجنوب بحجة ملاحقة هذه الجماعة التي اتصفت بخطف الرهائن وممارسة أبشع انواع القتل بحق بعضهم.
تواجه الحكومة الفيليبينية نوعاً آخر من التمرد، يتمثل بالثورة الشيوعية التي تنشط في البلاد منذ 1969، وهو ما يجعل حركتهم إحدى أقدم حركات التمرد اليسارية في آسيا.ويقود «الجيش الشعبي» التمرد الشيوعي، ولا سيما في شمال البلاد. وهم يقومون بعمليات عسكرية متواصلة ضد افراد الشرطة في اكثر من منطقة. وتقدر السلطات الفيليبينية عدد عناصر «جيش الشعب» بـ 7000 أي أقل بثلاث مرات على الأقل مما كان عليه في الثمانينيات.وفشلت محادثات سلام رعتها النروج بين المتمردين الشيوعيين والحكومة في عام 2004 بسبب رفض مانيلا إقناع الولايات المتحدة وأوروبا برفع جيش الشعب عن قائمة الإرهاب.غير أن قائد الجيش الفيليبيني الجنرال هيرموجينس ايسبيرون، دعا إلى استئناف محادثات السلام المجمدة مع المتمردين الشيوعيين، مؤكداً على ضرورة موافقتهم على وقف لإطلاق النار لمدة ثلاث سنوات خلال المفاوضات.بأي حال، لم تستطع أرويو أن تمارس ما يحلو لها في البلاد كما كانت تشاء منذ البداية، ولا سيما بعدما خسرت محاولة لتعديل الدستور لتوسيع صلاحياتها، بسبب معارضة الكنيسة الكاثوليكية، التي دعا رؤساء أساقفتها الى اجتماع لـ «التأمل والصلاة» احتجاجاً على هذه المحاولة، الأمر الذي أجبر البرلمان على التخلّي عن خطته. ويبدو أن الرئيسة، التي تخطّت الكثير من الصعاب حتى الآن بدعم أميركي واضح، لا تزال معرّضة للسقوط في اي وقت، تحت وطأة نقمة الجنوبيين المطالبين بالاستقلال وتمرد الشيوعيين المطالبين بالعدالة الاجتماعية وصولاً إلى لوائح الفساد الذي لطّخ العديد من قادة هذا البلد المضطرب.
أرويو تقبل بـ«تجربة» وطن للمسلمين
أعلنت رئيسة الفيليبين غلوريا ماكاباغال أرويو امس أن حكومتها مستعدّة لتجربة اقتراح بإقامة وطن للمسلمين في إطار الجهود الرامية إلى تخفيف التوترات في جنوب البلاد المضطرب.وقالت أرويو، في كلمة أمام رجال أعمال فيليبينيين، «إذا لم يؤثر ذلك سلباً على الوضع التفاوضي للفيليبين ويثر قلقاً بين المسيحيين، يتعين تنفيذ اقتراح بإقامة منطقة يحكمها المسلمون في أرض الأسلاف على سبيل التجربة لإظهار صدقنا في تحقيق السلام».وأضافت أرويو «لقد أعلنّا الكثير من مناطق الحكم (الخاصة) على أرض الأسلاف بين السكان الأصليين.. لا أرى أي سبب يجعل أي شخص يفزع إذا أعلنت أي منطقة خاضعة لحكم المسلمين في أرض الأسلاف».وأوضحت أرويو أنها تريد إجراء محادثات عاجلة مع جبهة تحرير مورو برعاية ماليزيا التي تتوسط في المفاوضات في وقت تستعد فيه القوات الحكومية لشنّ هجمات على المتشددين الاسلاميين في جنوب الفيليبين.وكان قد جرى ضم 600 قرية إلى منطقة الحكم الذاتي للمسلمين في مينداناو، إلا أن جبهة تحرير مورو تريد ضم أكثر من ألف قرية. وكان الجانبان قد أوقفا في أيلول الماضي محادثات السلام بعد فشلهما في الاتفاق على تسمية المناطق التي يجب أن يشملها الوطن المقترح للمسلمين.(د ب أ)
جمهورية الفيليبين
هي جزيرة تقع في جنوب شرق اّسيا (تاريخياً كانت جزءاً من مايكرونيزيا خلال الغزو الأميركي قبل الاستقلال العام 1946). عاصمتها مانيلا.-يتكوّن أرخبيل الفيليبين من 7,107 جزر تقع في غربي المحيط الهادي شرق فيتنام.
"الاخبار" ١٤ آب 2007

3‏/8‏/2007

الشيوعيون السوريون في مهبّ التاريخ (وفي ظل السلطة)



معمر عطوي
هل البعد «الرومانسي» هو كل ما بقي من الشيوعية في دمشق؟ ماذا بقي اليوم من هذه الحركة التقدمية التي حملت الوعي الثوري عربياً، وصولاً الى السعوديّة؟ في كتابه «اليسار السوري في واقعه الراهن» (دار عشتروت)، يقدم الباحث سلامة كيلة مساهمة جادة في الإجابة عن هذا السؤال
يكتسب الحديث عن حركة يسارية سورية أهمية مزدوجة، في ظل حكم الحزب الواحد الذي ذابت فيه الايديولوجيات، تماهياً أو استسلاماً، عبر عقود. يكمن البعد الأول في ما يمكن تسميته عراقة اليسار السوري متمثّلاً بالحزب الشيوعي الذي لم يكن محصوراً بسوريا فحسب، بل امتد الى ما يعرف بسوريا الطبيعية. إذ كان على المستوى اللبناني السوري حزباً واحداً، قبل أن تبرز عوامل تنظيمية داخلية وسياسية في كلا البلدين، قسّمت الحزب الى حزبين. أمّا على المستوى الأردني والسعودي، فكان لليسار السوري الفضل في نشر مبادئه وأفكاره في مثل هذه البلدان التي لم تكن أنظمتها منفتحة على دول المنظومة الاشتراكية، مثل دمشق. أما البعد الثاني، فيتمثل في مدى استفادة النظام السوري البعثي من هذه الحركة النقابية العمالية. إذ كان يحتاج الى شعاراتها، مع بداية انغراسه في الحقل السياسي المتعطش إلى التغيير في وجه الاقطاعيات. هذه النقاط يتناولها «اليسار السوري في واقعه الراهن» للكاتب سلامة كيلة الذي صدر عن «دار عشتروت» في بيروت (تُصدر أيضاً مجلة «عشتروت» الفكرية الثقافية).يمثّل الكتاب تجربةً غنية تحفل بالمعلومات والأحداث والمفاصل الأساسية التي مرّ بها اليسار ممثلاً بالحزب الشيوعي السوري. وهو يؤلّف مادة أرشيفية تحتاج اليها المكتبة العربية، خصوصاً أنّه لم يصلها الكثير عن المشهد السياسي السوري الغارق في أحادية الحزب الواحد، فيما تسعى الأحزاب الأخرى الى التماهي في «جبهته التقدمية» الى درجة الذوبان أو معارضة النظام وتالياً اختيار السجن أو المنفى في ظلّ محاولات فاشلة للالتفاف على السلطة.يقصد سلامة كيلة باليسار السوري، اليسار الماركسي الشيوعي الذي مرّ بمراحل كثيرة ومتنوعة، حاولت خلالها الإنتلجنسيا «المتنوّرة»، المشبعة بأفكار الماركسية اللينينية السوفياتية، تحقيق الاستقلال والتطوّر والوحدة القومية. كان ذلك قبل 1937، العام المفارقة في حركة الشيوعيين السوريين الذين ظلُّوا حتى أواسط الستينيات يدعمون التطور الرأسمالي «عبر الالتحاق بالبورجوازية تحت شعار تحقيق الديموقراطية في إطار سيادة الملكية الخاصة».أمّا المرحلة الثالثة فشهدت التحاق الحركة الشيوعية بالنظام الذي كان يُمثّل الفئات الوسطى والريفية، ويطمح الى تدمير البنى (الإقطاعية) القديمة، ويدعو الى تدخّل الدولة في البناء الاقتصادي، ويسعى إلى تحقيق الإصلاح الزراعي وإقرار حقوق العمّال تحت شعار الاشتراكية. ويرى الكاتب أنّ هذه المرحلة «كانت تحقّق التطور الرأسمالي وإن في شكل جديد، لأنها تنطلق من تقديس الملكية الخاصة».يدخل كيلة في مناقشة مستفيضة لا بالتحوّلات التي عصفت بتيارات اليسار من الناحية السياسية وتطورات المشهد السياسي السوري والعربي فحسب، بل بالتطور الايديولوجي العقائدي لهذه التيارات والمخاضات العسيرة التي مرّت بها، فيما كانت تسعى الى التوفيق بين شعاراتها ذات البعد السوفياتي وواقعها القطري والقومي والتحديات المصيرية التي مثّلت قضية فلسطين أبرز تجلياتها.ولا يمكن هنا استبعاد الجانب الأمني الذي اتسمت به الأنظمة التوتاليتارية. فهذا الجانب الذي كان النظام السوري أحد أبرز الانظمة العربية المحترفة في استخدامه على الساحة السياسية، أسهم الى حدّ كبير من خلال لغة الترهيب، في زرع الشقاق داخل التيار اليساري. هكذا تحوّل إلى مجموعة تيارات متنافسة، منها مَن تنافس لكسب ود النظام البعثي وفق «اجتهاد» خاص، يسوّغ لمفهوم الاستمرارية والبقاء، ومنها مَن تنافس مع الآخر على خلفية الرضوخ أو عدم الرضوخ لإملاءات السلطة.نتيجة هذا التنافس الذي أوجد تيارات عدّة تتبنى الطروحات اليسارية، برز الشقاق واضحاً بين مَن رضي أن يكون مطيّة في يد النظام لمحاربة «المد الأصولي»، خصوصاً في الثمانينيات حين شهدت مدن سورية مثل دمشق وحماة احداث عنف غير مسبوقة بين السلطة والإخوان المسلمين. فيما كان احتضان النظام لشريحة أخرى من اليسار، نتيجة للتقارب بين دمشق وموسكو خلال حقبة الاتحاد السوفياتي السابق.ربما كانت سنة 1969 بداية الانشقاق داخل الحزب الذي اكتمل عام 1972. هنا يرى الكاتب أنّه مع هذا الانشقاق «كانت تتزامن لحظتان، الأولى تلك التي عبّرت عن السعي إلى إعادة الحزب الى ما كان قد تبلور عليه في ثلاثينيات القرن العشرين... واللحظة الثانية هي تلك التي تبلورت في رؤية تنطلق من ضرورة الديموقراطية في إطار اقتصادي رأسمالي، وضرورة التحالف في سبيل نظام ديموقراطي، وكانت تتردد أكثر في مواجهة انتصار الوحدة المصرية السورية وسلطة عبد الناصر، ثم سلطة البعث في مراحلها الأولى، حيث كان الحزب مع النظام الديموقراطي على أساس الملكيّة الخاصّة».وفي المرحلة الاخيرة أي الخمس سنوات الأخيرة التي مرّ بها اليسار السوري، ضاع بين برنامجين، الأول يميني يدافع عن السلطة والآخر يميني أيضاً يدعو الى الليبرالية.وهنا لا نستطيع بالطبع فصل المسار السوري عن التطورات في الساحة الدولية، ولا سيما بعد تفتّت الاتحاد السوفياتي، وما تركه هذا التفتت من انعكاسات أدّت الى شرذمة اليسار عالمياً، وتحول جزء منه الى الليبرالية. فيما اختار الجزء الآخر الدفاع عن البيئة أو مناهضة العولمة مثل أحزاب الخضر في أوروبا.يمكن أن يمثّل «اليسار السوري في واقعه الراهن» ـــــ إلى جانب كتاب «الانقياد» للكاتب يعقوب قريو الذي يتحدث فيه عن القيادي الشيوعي السوري خالد بكداش ـــــ مادةً «دسمة» تؤرخ للحزب الشيوعي السوري الذي أصبح ظلاًّ من ظلال السلطة، لا يملك سوى الدور «الرومانسي» الذي يجسّده شبان حالمون بالتغيير، لكن في الوقت نفسه راضخون للسلطة. هذه السلطة التي تتخذ من بعض شعارات اليسار «الرنانة» عناصر وهمية تضفي على «السينوغرافيا» السياسية الأحادية النظرة، أضواء باهتة للإيهام بأنّ ثمة تعددية في إطار الوحدة.
"الاخبار"٣ آب 2007