17‏/8‏/1996

واحات السراب


... من رآهم أولئك الأطفال الغارقين في أحلام السراب.. مثل معظم شعوب الأرض يبحثون عن حقهم في الحياة.. عن حقهم في رغيف خبز وعلبة دواء.
لم يعد نفط بابل ليوقد نار أفرانهم فالنفط أضحى "فيزا"لدخول الرغيف
لا قمح لا دواء بلا نفط كل "العصافير المزقزقة"في بطون الأطفال الجياع تنتظر....لا قمح ولا دواء الا مقابل النفط.. تبا ليوم النفط.. تبا ليوم المساومة على رغيف الخبز.
ما ذنبهم؟ ذنبهم انهم ولدوا في بابل ولعبوا في حقول نخيلها.. أكلوا من ثمرها وشربوا من "دجلهاوفراتها" وتنعموا ببترولها..
... ذنبهم أنهم أفاقوا يوما على الحباة ليشهدوا وطنهم محمية بيد الأقوياء
أضحى وطنهم بلا وطن في ظل الأقوياء..بنوا لهم القصور ليسكنها الأقوياء
اشتروا لهم العربات الفارهة ليركبها الأقوياء وملأوا بطون المصارف الأوروبية بأموال نفط وأثمان رقيق...
أضحى وطنهم بلا وطن وتشرد المبدعون في عواصم العالم ينتجون شعرا وفنا وأدبا وفكرا..
لم يستطع أنين جياعهم أن يخرق جدار الصمت العربي فكان صوتهم في مؤتمرات العرب صمتا وصمتا ..صوتا من دون صوت ..لم يعودوا عربا لم يعودوا بابليين..
لم يعودوا سوى مشردين في أصقاع الأرض ,وجثثا بلا قبور ومعتقلين بين سياط جلاديهم وحصار "أبطال العاصفة" و"الأخوان" العرب...
لم يكف مشهد سقوطهم كالأغنام في الصحراء بقنابل التكنولوجيا.. لم يكف تشردهم الى حيث لا مأوى .. فسقطوا وسقط معهم الخبز وتبخر النفط..
لكن "السيناريو بحاجة الى " action " أكثر وبحاجة الى اثارة أكثر والى عنف ورعب أكثر .لأن المشاهد العربي يحب الصدمات ويحب لغة الهزائم .. كما يحب الأوسمة في عز الانكسارات ..
هؤلاء العرب سقوا نخيل البصرة الوارف من جراحاتهم وسقطوا جثثا مكدسة في مياه دجلة.. وحفرت لهم المقابر الجماعية في الموصل ونينوى وواسط والأنبار..
حتى الواحات أضحت سرابا وتبخرت مياهها مع حقول النفط .. كما تبخرت أنفاسهم لتكون غيوما سوداء تخيم في هذا الليل العربي الطويل.
السفير في:17/8/1996. معمر عطوي