30‏/1‏/2008

«حال الاتحاد» إيرانياً


معمر عطوي
ربما كان «التهديد الإيراني» هو الورقة الخارجية الأكثر رواجاً في الخطاب الانتخابي الأميركي، رغم تقارير الاستخبارات التي أكدت تراجع التهديد العسكري النووي للجمهورية الاسلامية.وقد يصح القول إن خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش عن حال الاتحاد أمام الكونغرس أمس، شهد تراجعاً في حدة اللهجة تجاه إيران، بعدما اعتبر طهران في المناسبة نفسها عام 2002 جزءاً من دول «محور الشر». تراجع بدا من خلال لغة «الحث» بدلاً من لغة التهديد التي وصلت في الأشهر الأخيرة الى التحذير من حرب عالمية ثالثة بسبب البرنامج النووي الإيراني.المعزوفة نفسها كرّرها الرئيس الجمهوري: دعوة إيران الى أن توقف برنامجها النووي الحساس.لكن كان لا بد، في المقابل، من أن يحاول إقناع جمهوره الحائر على أبواب الانتخابات الرئاسية، بأن الفشل في استخدام منطق القوة في أفغانستان والعراق، لا يمنع وجود «مكاسب أمنية»، لا بد من تعزيزها. وذلك من خلال تمويل قوات الاحتلال الأميركي في هذين البلدين بشكل كامل، وإرسال قوات إضافية الى أفغانستان.لعل تراجع اللهجة في خطاب بوش لم يحل دون مواصلته العمل على تعزيز فكرة «حضور العدو» طريقاً للهروب من الأزمات الداخلية التي يعيشها المواطن الأميركي؛ يتجلى ذلك من خلال قوله «اعلموا هذا.. أميركا ستواجه هؤلاء الذين يهدّدون قواتنا وسنساند حلفاءنا وسندافع عن مصالحنا الحيوية في الخليج الفارسي».مما لا شك فيه أن بوش، في خطابه أمام هيئة تشريعية معظم أعضائها من الديموقراطيين المعارضين لسياسته، قد سار في حقل من ألغام التعبير، نظراً لحساسية الموقف على أعتاب الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل.لذلك استخدم لغة وسطية متفلتة الى حد ما من سطوة الصقور، بل هي أقرب الى لغة الداعين إلى الحل الدبلوماسي مع إيران، بعدما فشلت الدول الست (5+1) في الاتفاق على عقوبات مشددة ضدها في مجلس الأمن: «رسالتنا الى زعماء إيران واضحة أيضاً.. علقوا التخصيب النووي بحيث يمكن التثبت منه حتى يمكن أن تبدأ المفاوضات».هذه الدعوة الى المفاوضات ليست جديدة في الخطاب الدبلوماسي الاميركي تجاه الجمهورية الاسلامية، لكنها كانت مقرونة دائماً بالتهديد بأن «كل الخيارات مطروحة»، بما فيها الحل العسكري. لا بد من أن للتقرير الاستخباري الاميركي دوراً في تراجع لغة الحرب.جورج بوش، الذي كان قد هدّد بزعزعة النظام الايراني من الداخل على طريقة «الثورات المخملية»، اكتفى هذه المرة بحثّ طهران على وقف «القمع» الداخلي و«دعم الإرهاب في الخارج».
عدد الأربعاء ٣٠ كانون الثاني ٢٠٠٨

29‏/1‏/2008

إيران ترمي كرة تطبيع العلاقات في الملعب المصري


معمر عطوي
كما كانت القضية الفلسطينية سبباً لقطع العلاقات بين مصر وإيران، أضحت هذه القضية سبباً للتقارب بين البلدين، ذلك أن «حرب الشوارع» لم تمنع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من الاتصال بنظيره المصري محمد حسني مبارك، لمناقشة الأوضاع المتفجرة في قطاع غزة
بدا واضحاً من خلال إعلان وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، أمس، عن نية طهران استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر، أن حرب الشوارع بين البلدين لم تكن عائقاً أمام هذه العودة المرتقبة للعلاقات الثنائية.هذه الحرب، التي بدأت على خلفية إطلاق اسم قاتل الرئيس المصري أنور السادات، خالد الإسلامبولي، على أحد شوارع طهران، في مقابل إطلاق اسم الشاه الإيراني الراحل رضا بهلوي على أحد شوارع مصر، لم تحل دون استمرار مسؤولي البلدين في السعي لتجاوز المشاكل العالقة تمهيداً لعودة المياه إلى مجاريها؛ فقد أعلن ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، خلال زيارته للقاهرة في الأول من كانون الجاري، أن قضية اسم الشارع وجدارية الاسلامبولي هما تفاصيل، فيما توارد أن طهران وافقت على تغيير الاسم إلى «الانتفاضة» الفلسطينية.وإن كانت محاولات ترميم العلاقات المقطوعة منذ عام 1980، قد بدأت مذ تسلّم الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي السلطة في عام 1997. إلا أن حكومة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد قد قطعت أشواطاً مهمة في هذه القضية.لعل أبرز نتائج هذه المحاولات ما ظهر في الأيام الماضية حين بادر الرئيس الإيراني إلى الاتصال بنظيره المصري، لبحث أوضاع الفلسطينيين في غزة، والذي أعقبه إرسال ممثل إيراني خاص إلى مصر للبحث في إرسال مساعدة إنسانية إلى سكان القطاع بعد اقتحام مئات آلاف الغزاويين للحدود عند رفح.والمفارقة أن القضية انتهت من حيث بدأت، إذ إن العلاقات بين طهران والقاهرة، قد توترت على خلفية اتفاقية كامب دايفد بين إسرائيل ومصر، التي اعترفت قبل غيرها من الدول العربية بالكيان العبري، متجاهلة حقوق الشعب الفلسطيني.وثمة أسباب أخرى، كانت وراء هذا التوتر، مثل منح مصر شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي اللجوء السياسي واحتضان جثمانه في أراضيها بعد ذلك، ناهيك عن دعم القاهرة لبغداد في حربها الطويلة مع طهران (1980ـ 1988)، والتي زادت من حجم التوتر بين الجمهوريتين الفارسيةوالعربية.على ما يبدو، فإن الكرة أصبحت في الملعب المصري. هذا ما يمكن استشفافه من إعلان وزير الخارجية الإيراني الذي قال «أجرينا كل المناقشات عن استئناف العلاقات السياسية الرسمية مع مصر... ننتظر أن يعلن الأشقاء المصريون أنهم مستعدون» لاستئناف هذه العلاقات، التي تتم الآن من خلال تمثيل دبلوماسي عن طريق مكاتب ترعى المصالح.لعل المحطة الأبرز التي شكلت مؤشراً إلى عودة الدفء إلى هذه العلاقات، كانت زيارة لاريجاني إلى مصر، والتي أعلن خلالها عن تقدم في المضمار، معلناً استعداد بلاده لمساعدة مصر نووياً، فيما كان الرئيس الإيراني قد أكّد مراراً أنه إذا وافقت القاهرة على تطبيع العلاقات الدبلوماسية «اليوم»، فإن إيران سترسل سفيرها إلى مصر «غداً».وبادرت طهران في مناسبات عديدة إلى إرسال مسؤولين إلى القاهرة، حيث استقبل رئيس مجلس الوزراء المصري أحمد نظيف، في كانون الأول عام 2006، وفداً إيرانياً برئاسة مساعد نجاد للشؤون البرلمانية والقانونية آنذاك، أحمد الموسوي.أما الرئيس السابق محمد خاتمي، فقد زار مصر في آذار 2007، بهدف المشاركة في ندوة عن حوار الحضارات، عقدت في مدينة الاسكندرية، والتقى في أثناء هذه الزيارة الرئيس المصري. زيارة كانت مناسبة ليطلق خاتمي من خلالها مقولته عن أن البلدين جناحان وساعدان قويان لا يمكن أن يكتمل العالم الإسلامي إلا بهما. وكشف الرئيس الإصلاحي أنه حاول كثيراً خلال فترة توليه رئاسة إيران أن يزيل العديد من المعوّقات بين البلدين في مجال السياسة لتعود العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما، مشيراً إلى أنه تم خلال السنوات الأخيرة تدعيم العلاقات الثنائية في المجالات الإنسانية والتكنولوجية والاقتصادية.أمام هذه التطورات، هل تكون مشاركة رئيس البرلمان الإيراني، غلام علي حداد عادل، في اجتماع رؤساء برلمانات دول منظمة المؤتمر الإسلامي في القاهرة، خطوة متقدمة على طريق وضع حد لحرب الشوارع بين البلدين؟
الأخبار٢٩ كانون الثاني ٢٠٠٨

26‏/1‏/2008

إيرانيّو دبي... و«الهروب نحو الحرية»



دبي ـ معمر عطوي

للإيرانيين في دبي حكاية أخرى، تبدأ من السياسة وتنتهي في التجارة. حضور تجاوز 400 ألف شخص بعد استفحال المواجهة بين إيران والغرب في السنوات الأخيرة، مع العلم بأن ما فرضته الثورة الإسلامية من قوانين تصادر الحريات الشخصية، كانت الدافع الأهم لهذه الهجرة نحو الجنوب
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أصبحت إمارة دبي الخليجية ملاذاً آمناً للهاربين من «بطش» قوات التعبئة«الباسيج»، التي فرضت على الشعب الإيراني قيوداً على نوعية الملابس والأزياء وبعض الممارسات، بحجة عدم ملائمتها للشريعة. أما معظم هؤلاء المهاجرين، وهم من أتباع المذهب السني، فقد هاجروا بعدما أعلن الإمام الخميني الراحل، أن مذهب التشيُّع وأهل البيت هو مذهب الحكومة الإسلامية.وبحكم موقعها القريب من إيران، وانفتاحها الاقتصادي، وجد رجال الأعمال الإيرانيون في دبي أرضاً خصبة لممارسة أعمالهم التجارية هناك، فيما تعاطى الناشطون السياسيون مع الإمارة منطلقاً للهجرة نحو الغرب، حيث تمكنوا من الحصول على اللجوء السياسي والإنساني في أوروبا والولايات المتحدة.في دبي، لا مجال للناشطين السياسيين المعارضين للنظام في بلادهم، «بسبب وجود اتفاق لتبادل المطلوبين بين البلدين، لذلك لا وجود هنا لمجاهدي خلق، بسبب أعمالهم الإجرامية»، حسبما يقول أحد الإيرانيين في منطقة عبد الناصر، حيث يقيم معظم أبناء الجالية.رغم ذلك، يمكن وصف بعض هؤلاء بأنهم معارضون لحكومة الملالي، بسبب ما تفرضه من «قيود وتعاليم قاسية». هذا ما يُعبّر عنه محمد رضا، الذي هاجر إلى دبي منذ 15 سنة، «لأعيش كما يحلو لي». محمد لا يكره بلاده، لكنه يعارض هذه الحكومة «التي سترمي إسرائيل في البحر». يقول الشاب الذي يرتدي «تي شيرت»: «هذا النوع من الملابس ممنوع على الشباب في إيران. لماذا؟! الباسيج هم طالبان الشيعة بلا أدنى شك».لكن صاحب بقالية إيرانية، يرفض أن يكون السبب هو النظام، يقول: «نحن هنا نعيش فقط للعمل. لا دخل للسياسة أو للحكومة الإيرانية في إختيارنا الهجرة. نسافر ونعود دائماً من إيران وإليها».مرتضى، الذي يؤيد الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، ويرى أن الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد «رجل متطرف»، يعارض بشراسة أي هجوم أميركي على إيران. مرتضى مؤمن تماماً بقدرة بلاده على إفشال أي محاولة أميركية للنيل منها، رغم معارضته لسياسة نجاد. يقول: «نجاد أخطأ في تصريحاته عن الهولوكوست وإسرائيل. هو طيب ونظيف، لكن في السياسة رجل فاشل. غير أن إيران خط أحمر، لا نسمح لأحد بتجاوزه، حتى لو كنا ضد النظام». لا يرى ضيراً في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، لكنه يرفض أن تحرِّر إيران مباشرة فلسطين: «لا بأس بدعم حماس وحزب الله. لكن التصريح عن زوال إسرائيل خطأ سياسي يضر بإيران والإيرانيين».اللبناني له مكانة خاصة في قلب الإيراني، هذا ما يلاقيه، ليس في دبي فقط. بمجرد أن تقول إنك من «Lebanon»، يبادرك بلهجة ترحيبية حارّة «?from Lobnan».يبارك محمد رضا دعم حكومته للشعب اللبناني بعد عدوان تموز. يقول: «لدينا مال كثير. نحن دولة نفطية. لمَ لا نساعد الشعوب المظلومة، وخصوصاً أشقاءنا في لبنان؟ الشعب الإيراني بمعظمه لا يعارض هذا النوع من الدعم. دعمنا البوسنة والشيشان وكوسوفا، فكيف لا ندعم اللبنانيين؟».لكن محمد، الذي يتحمس ضد إسرائيل وأميركا، ويعرب عن ثقته الكاملة بقدرة إيران على الدفاع عن نفسها، لا تعجبه السلطة الدينية الحاكمة في بلاده، «الباسيج هم طالبان الشيعة». يضيف أن «معظم الإيرانيين هربوا إلى هنا من أجل أن يصبح بإمكانهم تناول الكحول والتمتع بالحريات المتاحة هنا، مثل ارتداء ما يحلو لهم من الملابس. وهم يزورون إيران باستمرار. السياسيون رأوا أن دبي محطة ترانزيت نحو الغرب. لكن الناس هنا تجار، معظمهم يعمل ببيع الملابس».

من المهم القول إن استفحال المواجهة بين إيران والغرب بعد احتلال العراق رفعت نسبة هجرة الإيرانيين نحو دبي، ووصلت إلى ذروتها مع وصول نجاد إلى السلطة، حيث بدأت «المعركة النووية» وتضاعفت احتمالات المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة. توتر رفع عدد الإيرانيين في هذه الإمارة إلى ما يزيد على 400 ألف، حسبما يذكر بيان للقنصلية الإيرانية في دبي.هذه الهجرة الكثيفة، التي تضمنت رؤوس أموال ضخمة، وخصوصاً بعد تشديد الحصار على إيران بسبب برنامجها النووي، جعلت الإيرانيين يستثمرون مليارات الدولارات في دبي، حتى باتوا أبرز المستثمرين في مشاريع التطوير العقاري هناك، بينما أظهرت تقارير رسمية أن عدد الشركات الإيرانية المسجلة في الإمارة، ارتفع إلى ما يزيد على تسعة آلاف في عام 2007.وتقدر غرفة دبي حجم التبادل غير النفطي مع إيران بنحو ثمانية مليارات دولار.

لا يتناول الإيرانيون عادة مع زملائهم الإماراتيين مشكلة الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) المتنازع عليها بين إيران والإمارات. «هي مشكلة سياسية بين حكومتي أبو ظبي وطهران. نحن هنا لا نتدخل بها، ومواطنو دبي أيضاً لا يتحدثون معنا في هذه المشكلة». هذا ما يقوله صاحب مطعم إيراني مقيم في الإمارة منذ سنوات طويلة.كلام تؤكده ابنة دبي، التي تعمل في مجال الإعلام: «نحن والإيرانيون على علاقة طيبة هنا، لا دخل للسياسة في علاقاتنا التجارية والاجتماعية. المشكلة أصلاً مع أبو ظبي».ويختم الإيراني محمد بالقول إن «دبي لا تستطيع التورط في أي حرب مع إيران لأن مصالحها التجارية معنا تشكل 45 في المئة من حجم تجارتها».
الأخبار السبت ٢٦ كانون الثاني ٢٠٠٨

25‏/1‏/2008

دبي: مدينة اصطناعيّة تناطح السحاب



دبي ـ معمر عطوي

بمجرد أن تقيم في دبي لأيام قليلة، تكتشف أن تلك الهالة السياحية التي تحيط بالإمارة قد سقطت فالمدينة الإلكترونية الحديثة، ليست سوى مركز عالمي للتجارة الحرة، وواحة توفّر بعض الحريات الشخصية «المفقودة» للمواطنين الخليجيين، إضافة طبعاً إلى فرص العمل للأجانب
حين تحطّ بك الطائرة في مطار دبي، يسرح بك الخيال نحو ما يمكن أن تشاهده في «أرض اللبن والعسل»، مستحضراً كل ما سمعته أو قرأته أو شاهدته في وسائل الإعلام، عن صحراء قاحلة تحولّت في عهد حاكمها محمد بن راشد آل مكتوم، إلى جنة تجارية وخدماتية وسياحية، حتى تكاد تؤمن بأن الشعار المنتشر في بعض الشوارع من أن «الشيخ» قد «حرث البحر»، هو حقيقة واقعية، لولا أنك تدرك مسبقاً تلك المغالاة التي تحملها شعارات فضفاضة للسلطات العربية، عن «إنجازات» الملوك والأمراء والشيوخ والرؤساء.تصدمك المدينة باختفاء وجهها العربي، حيث لا تسمع سوى اللغة الإنكليزية حتى وسط المقيمين العرب. إذ إن ثاني أكبر إمارة في دولة الإمارات، لا يمثّل مواطنوها الأصليون ربع عدد السكان (حوالى 674 ألفاً من أصل مليونين ونصف مليون نسمة، معظمهم من الهنود والباكستانيين والإيرانيين).تحدثني الإعلامية الإماراتية ناديا، بشغف، عن تحولات المدينة. ترى أن هذه الهجرة الكبيرة من الوافدين نحو الصحراء، له نتائج سلبية، أبرزها ارتفاع أجور السكن وأسعار العقارات، والسلع الاستهلاكية.يمكن ملاحظة تداعيات هذا الضغط البشري، من خلال ازدحام السير المتواصل نهاراً ومساءً، الذي يكبد اقتصاد الإمارة خسائر بستة مليارات درهم سنوياً (1.6 مليارات دولار)، بسبب الوقت الطويل الذي يمضيه السكان فيها يومياً للانتقال من مكان إلى آخر.ابنة دبي المتفائلة التي تتحدث عن «إنجازات الشيخ محمد»، لا ترى ضيراً في ازدحام السير، ما دامت مشاريع «الترامواي» والقطارات باتت بحكم المنتهية قريباً. تقول إن الشوارع اتسعت كثيراً في السنوات العشر الأخيرة.هذه الإنجازات، لم تقنع طبيبة العيون الإماراتية أيضاً، بأن المدينة لا تزال صالحة للعيش «فإيجارات المساكن أصبحت مرتفعة بشكل كبير، والسلع والثياب ووسائل النقل ترهق المواطن الإماراتي قبل غيره». يُعقِّب السائق السوري على ذلك بقوله: «أصبحنا نبحث عن بيوت في إمارات أخرى حتى نستطيع توفير بعض المال لعيالنا في الوطن».ما يقوله السائق السوري يؤكده وسام، اللبناني الذي يدير إحدى الشركات بقوله: «استأجرت «فيلا» في إمارة الفجيرة من أجل التوفير. هناك أدفع سنوياً 20 ألف دولار، أما هنا فتكلف حوالى 40 ألف دولار. لذلك فضلت السير يومياً لمسافة أكثر من ساعة من المنزل إلى العمل، على أن أدفع نفقات السكن مضاعفة».لعل ما يزعج زائر دبي أكثر من الازدحام، هو قلة سيارات الأجرة وارتفاع تكاليفها، رغم أن حافلات النقل العامة رخيصة جداً؛ يتطلب الحصول على سيارة أجرة الاتصال المسبق بشركة خاصة، أو الانتظار لوقت طويل قبل العثور على سيارة فارغة، مع العلم بأن وسائل النقل العامة (الحافلات) مؤمنة بشكل مُنظم على الطريقة الأوروبية، لكنها باتت محصورة بالركاب الهنود والباكستانيين، وبعض الجنسيات الآسيوية الأخرى.الحديث عن دبي مدينةً للتسوق لا يعني أن الأسعار رخيصة، فلعبة المنافسة لم تنجح في توفير أسعار مناسبة إلا لأولئك الأثرياء الذين يقصدون المدينة فقط للتسوق والترفيه، وخصوصاً أبناء الخليج، الذين يقصد بعضهم أماكن اللهو والمتعة الجنسية والكحول لتعويض ما يفقدونه في بيئتهم المحافظة، فيما يقصد نساؤهم المراكز التجارية الكبرى لشراء آخر ابتكارات «الموضة».ورغم موقعها الصحراوي القاحل، ومحدودية ثروتها النفطية، بخلاف غيرها من الإمارات، يتميز موقع دبي بإطلالتها على الساحل الغربي بطول 72 كيلومتراً تقريباً، (مساحتها 3885 كيلومتراً مربعاً، من دون الجزر التابعة لها. وتعادل 5 في المئة من مساحة الإمارات). هذا الأمر يشجع بعض السياح الغربيين على ارتيادها والاستمتاع بشمسها الحارقة والغوص في مياه الخليج. وربما كان الحديث عن حركة سياحية نحو الإمارة الصحراوية فضفاضاً، إلى حد ما، لكنها لا تخلو من بعض المعالم السياحية، مثل مناطق: حتا والعوير والخوانيج والقصيص والصفوح والجميرة.هي مدينة اصطناعية بامتياز، تلتقي فيها ناطحات السحاب والمراكز التجارية الضخمة مع البيوت القديمة ذات الأبراج. وفيها مبانٍ ذات أشكال هندسية رائعة، لكن أكثر ما يشد المشاهد، هو ناطحات السحاب، التي قد تكون الوجه الأبرز لجمالية المدينة؛ فإضافة إلى برج العرب الذي يشق البحر، هناك برج دبي (قيد الإنشاء) الذي أصبح أعلى برج في العالم (أكثر من 700 متر) يناطح السحاب وسط الصحراء.
عدد الجمعة ٢٥ كانون الثاني ٢٠٠٨

22‏/1‏/2008

«العطاء العربي» نحو مأسسة العمل الخيري


دبي ــ معمر عطوي

لم يحل برد الصحراء القارس دون اجتماع أكثر من 300 شخص يمثلون مؤسسات خيرية وتربوية وتنموية ووسائل إعلامية تحت سماء دبي، التي بدأت أمس بالتحول نسبياً نحو الطقس الحار المعتاد، فيما اختتم مؤتمر «توجهات العطاء العربي ـ من العمل الخيري إلى التنمية» أعماله بإطلاق توصيات تعزز مأسسة العمل الخيري.وربما أصبحت المؤتمرات العربية الاجتماعية صورة مصغّرة عن المؤتمرات السياسية، التي تتخذ توصيات توحي بالتفاؤل والتغيير، لكن النتيجة تتلاشى تدريجاً تحت وطأة التجاهل واللامبالاة. لذلك وصف بعض المشاركين بحذر الأفق المتوقع للمؤتمر، فقالوا إن «هدفنا تعزيز التنسيق بين المؤسسات والجمعيات والمراكز العربية لا أكثر»، بينما أشار البعض الآخر إلى أهمية ما عرض من مناقشات وتجارب غربية، في محاولة لإسقاطها على الواقع العربي.وتضمنت الأفكار التي رأى المؤتمرون ضرورة وضعها موضع التطبيق عدداً من النقاط المهمة، بينها أهمية خلق حلقة لإيصال صوت الشباب العربي على مستويات صناع القرار في المنطقة، ودعم البحث وتدريب الشباب لدمجهم في شركات ومؤسسات التمويل الإسلامي، والدعوة إلى تأسيس هيئة تدعم حقوق الشباب العربي وخاصة الفئات المهمشة منه.وحفل المؤتمر بالعديد من الأفكار التي تحتاج الى آليات تنفيذ. ولكي تصبح ذات جدوى، لا بد أن يتحول العطاء من وضع التبرعات «السلطوية»، التي تساهم في رفع رصيد هذا المسؤول أو ذاك القيادي سياسياً، الى مشروع تنموي مؤسسي ينطلق من المجتمع باتجاه تطويره بعيداً عن لعبة السلطة. واللافت أن الجانب غير الرسمي في المؤتمر كان هو الطاغي؛ فخارج قاعة الجلسات كانت هناك حوارات عديدة في الأروقة بين مندوبين من جمعيات مصرية وسورية ولبنانية وأردنية وفلسطينية وخليجية، ناقشوا تجاربهم، كل في بلده.كما حظي الشباب العربي بمساحة واسعة من المناقشات، بعدما بات ضحية هذا الضعف التنموي والثقافي الذي يشكل انعكاساً للواقع السياسي الرديء. فبدل أن يكون صمام أمان التقدم والتطوير، أصبح عالة على مجتمعاته، بعدما تفشّت في صفوفه البطالة والبطالة المقنعة، وتغلغل اليأس الى نفوس الكثيرين منه نتيجة الكبت أحياناً والتغييب المتعمد عن المشهد السياسي غالباً.
الاخبار- الثلاثاء ٢٢ كانون الثاني ٢٠٠٨

لذة الفراق


أجمل من اللقاء الفراق.
يسبب البعد تضخماً للعشق.
هو إختبار إستمرارية البقاء
وامتحان القدرة على الإحتمال

يرافقني طيفك في تجوالي
يراقب نظراتي الخائنة
يجثم فوق صدري كإله بلا عقاب
عيناك تحجبان رؤيتي
تؤنسان وحشتي، غربتي
تشحنان غلوائي.

يا الهي .. بضعة ايام! كم طال السفر!
كأنها أشهر من فراغ...
في رحلتي ، عيناك جواز سفري
أنطلق الى الطائرة بوحيهما
أحن للإياب قبل الذهاب.
يا شرنقة أزهار روحي
من قال ان قيساً قد انقرض
أنت ليلاي وأنا إبن الملوح المجنون في بلاط قلبك.
دبي - 22-1-2008

21‏/1‏/2008

إيران والخليج: هل ينتهي التوتّر في العام التاسع والعشرين؟


معمر عطوي *
حُكي الكثير عن حنكة الإيرانيّين، وبراعتهم في شبك العلاقات الدبلوماسية، وكتب كثيرون عن سياسة الفرس المتماهية مع حياكة السجّاد العجمي، الذي يحتاج الى الصبر وطول أناة. لكن جمهورية الملالي التي وصفها الدكتور طلال عتريسي بـ«الجمهورية الصعبة»، تميزت بالعديد من المحطّات في علاقاتها مع جيرانها الخليجيّين. علاقة لا بدّ من إضاءة بعض جوانبها، قبل أسابيع قليلة من احتفال الجمهورية الإسلامية بالذكرى التاسعة والعشرين لانطلاق ثورتها عام 1979.لقد شابت العلاقات الإيرانية ــــــ الخليجية، وبالأخصّ منذ بدء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، علاقات توتر وجفاء بسبب دعم هذه الدول لنظام صدام حسين «العربي» في حربه ضدّ «الفرس»، وتماهياً مع السياسة الأميركيّة التي قطعت علاقاتها مع طهران منذ انتصار الثورة وبدأت تحاصرها من كلّ جانب.لكن بعد نهاية الحرب، وبالذات في عهد الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني، بدأت طهران باعتماد سياسة مرنة تجاه الدول الجارة. سياسة لم تؤتِ ثمارها إلّا حين وصل الإصلاحي محمد خاتمي الى السلطة (1997-2005).بيد أنّ الفترة التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد احتلال أفغانستان والعراق، وتمترس جحافل الغزو الأميركي على الحدود الإيرانية من الجانبين، دفع الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، الذي ينظر اليه بعض القادة الخليجيّين كمغامر «يستفزّ الغرب بتصريحاته التدميرية»، الى اتّباع سياسة أكثر اتزاناً تجاه الجيران، الذين أصبحوا بمثابة قنابل أميركية موقوته في أي حرب مفترضة ضدّ النظام الإسلامي.لعلّ الحاجة أصبحت متبادلة لدى الإيرانيّين والخليجيّين، على السواء، إلى مثل هذه السياسة الودّية. حاجة تنبع من اعتبارات عديدة: منها ضرورة تعزيز العلاقات مع الرياض من أجل امتصاص التوتّرات المذهبية في لبنان والعراق، ومع البحرين بغرض طمأنة الجزيرة الخليجية إلى أن لا أطماع إيرانية فيها، وتسوية قضية الجزر مع الإمارات إضافة إلى مشكلة الحدود البحرية مع الكويت.بأيّ حال، لم يكن حضور الرئيس الإيراني لأعمال قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة مطلع الشهر الماضي، حضوراً عادياً يقتصر على دوره كضيف مراقب. بل تعدَّى هذا الحضور الشكل البروتوكولي ليصبح حدثاً خليجياً يؤسَّس عليه الكثير من المشاريع والأفكار التي من شأنها تأسيس مجلس تعاون جديد يجمع بين ضفتي الخليج الفارسية والعربية.من هنا، كان خطابه دعوة إلى دراسة مجموعة من الاقتراحات، علّ أبرزها وأهمّها الدعوة الى تأسيس مجلس تعاون أمني، ومجلس آخر للتعاون الاقتصادي.لقد تجاوز حضور نجاد مسألة بثّ تطمينات عن ملفّات لم يأت أصلاً على ذكرها في خطابه أمام قادة الدول الخليجية الست؛ على غرار الملفّ النووي المثير للجدل وقضية العراق الشائكة والاحتلال الأجنبي العسكري للمنطقة، فضلاً عن الجزر الثلاث المتنازع عليها بين بلاده والإمارات والمشكلة الحدودية (الجرف البحري) مع الكويت وتداعيات التصريحات الإعلامية الإيرانية عن ضمّ البحرين الى «إمبراطورية» إيران.نعم، تجاوز حضوره مسألة بثّ تطمينات إلى الجانب الخليجي على غرار المعزوفة المكررَّة عن أن البرنامج النووي «سلمي»، وأن «التهديدات العسكرية لا تستهدف الضفة العربية من الخليج الفارسي»، وأنّ الجمهورية الإسلامية الشيعية «لا تسعى الى تشييع أهل السنة في الخليج والمنطقة» ولا تعمل على بث القلاقل من خلال مواطنين شيعة يؤيدون الثورة الإسلامية.كلّ هذه الهواجس باتت في خطاب الرئيس الإيراني «تفاصيل لا داعي للالتفات إليها أمام «مشروعه التنموي والاقتصادي» للمنطقة»، والذي حمل جملة من «الإغراءات» منها تزويد هذه الدول بالغاز والمياه.لقد كان واضحاً أن نجاد تجنّب الخوض في الملفّات الخلافيّة. كما تجنّب إثارة العديد من الملفّات الإقليمية المثيرة للجدل وبينها الحشود العسكرية الأميركية في الخليج، ليقول للدول الجارة المرتابة من منجزات عسكرية ايرانية وبرنامج نووي مثير للجدل، إنّ التطمينات الكلامية لم تعد تجدي، وإن دول المنطقة بعد فشل مؤتمر أنابوليس لا يمكن أن تراهن على دعم أميركي ينتشلها من أزماتها. لذلك كان تعبيره «الدول السبع» إشارة الى مشروع تكاملي يتجاوز التطمين.رغم ذلك، يصحّ القول إنّ حضور نجاد، الذي يعدّ الأول من نوعه لرئيس إيراني منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، فرصة لتبادل التطمينات. تطمينات لم يترك المسؤولون الإيرانيون في الآونة الأخيرة فرصة إّلا وبثّّوها، في محاولة منهم لكسب ودّ جيرانهم الذين تزوّدوا بأسلحة أميركية بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.وكانت لزيارة نجاد الى البحرين في تشرين الماضي، دلالات سياسية واضحة، تدعمها مبادرات اقتصادية، من شأنها العمل على تنفيس الاحتقان، وتمثّل اعترافاً ضمنياً باستقلال وسيادة البحرين. احتقان جاء على خلفية مقال صحافي كتبه رئيس تحرير جريدة «كيهان» الإيرانية المحافظة حسين شريعت مداري، رأى فيه المملكة الخليجية الصغيرة جزءاً من الأراضي الإيرانية.ما أراد الرئيس الإيراني تأكيده خلال زيارته الى البحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان، التي سبقتها ولحقتها ثلاث زيارات الى السعودية، هو تأكيد طهران أن دول الخليج ليست هدفاً لضربات عسكرية محتملة من إيران إذا باشرت الولايات المتحدة تنفيذ خططها العدائية ضدّ الجمهورية الإسلامية.لعلّ هذا التطوّر السياسي يشير بوضوح إلى محاولات كلا الطرفين الإيراني والخليجي نزع أي فتائل تفجير في المنطقة، في خطوة استباقية لحرب محتملة، لن تكون ايران وحدها من سيدفع ثمنها، إنما دول الخليج كلها.رغم ذلك، لا بدّ من القول إنّ حركة الانفتاح الإيراني هذه، تخدم في المحصّلة سياسة حكومة الرئيس نجاد المحافظة، بعدما فشلت هذه الحكومة في ضبط الوضع الاقتصادي والحدّ من التضخّم الذي تجاوز نسبة الـ16 في المئة وغلاء أسعار السلع والمواد الغذائية فضلاً عن تقنين توزيع البنزين على السائقين، نتيجة ضعف الحكومة في تأمين احتياجات البلاد من هذه المادّة «المكررة»، رغم أن إيران تحتلّ المركز الثاني من حيث إنتاج البنزين في منظمة الدول المصدرة للنفط «اوبك» ورابع دولة على مستوى العالم.المفارقة التي لا بدّ من ملاحظتها، هي أنّ كثافة الزيارات والاتصالات المتبادلة بين إيران ودول الخليج ، لم تسفر عن أيّ تنازل إيراني في أي من الملفات الخلافية مع هذه الدول. فلا هي سعت الى حل قضية الجزر الثلاث مع الإمارات (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى)، ولا هي حسمت موضوع الحدود البحرية مع الكويت، كما أنّها لم تسعَ الى تسوية بعض القضايا مثل صراع النفوذ على الساحتين اللبنانية والعراقية والفلسطينية وتهدئة الشارع البحريني.في السنة التاسعة والعشرين من الثورة الإسلامية، بدت إيران مهتمّة أكثر بترتيب شؤون البيت الداخلي، من خلال تعزيز حركة الاستثمارات والتجارة مع دول المنطقة، الذي سينعكس بلا شك، إيجاباً على الاقتصاد الإيراني الذي أصبح بمثابة حصان طرواده، تستخدمه المعارضة لخوض معركتها ضدّ السلطة، ولا سيما أنّ أسابيع قليلة تفصلنا عن استحقاق الانتخابات التشريعية، التي يمكن أن تحدّد شكل السياسة الإيرانية المقبلة، ومن ثم سياسة الرئيس الذي يمكن أن تحمله انتخابات الرئاسة عام 2009.وربما أتاح تراجع الخطر الخارجي الذي كانت المعارضة تُحمّل الرئيس نجاد بتوفير أجوائه من خلال تصريحاته «الاستفزازية» المجال أمام الحكومة للتفرّغ للشأن الداخلي، في محاولة منها لإجهاض انتقادات الإصلاحيّين بقيادة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي يدعمه رئيس مجلس الخبراء الرئيس السابق علي أكبر رفسنجاني.غير أن السؤال الرئيس الذي يطرح نفسه أمام هذه التطورات: هل ينجح نجاد في تعزيز موقعه الداخلي من خلال العلاقات الدبلوماسية الناجحة مع دول الجوار، وما مستقبل الثورة في ظلّ الدولة وما شهدتها من تحولات خلال ربع قرن ونيف؟
* من أسرة الأخبار
عدد الاثنين ٢١ كانون الثاني ٢٠٠٨

دبي تحدّد «توجّهات العطاء العربي»


دبي ــ معمر عطوي
استضافت مدينة دبي أمس مؤتمراً خيرياً ضمّ مؤسّسات اجتماعية وتربوية وإنسانية عربية، بهدف مناقشة استراتيجية جديدة للعمل الخيري والتنموي، إضافة إلى تبادل الخبرات تحت عنوان «توجهات العطاء العربي».وأعلن المدير التنفيذي بالإنابة لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، نبيل اليوسف، في افتتاح المؤتمر الذي يختتم أعماله اليوم، «أن الاجتماع يسعى إلى وضع تصوّر واضح للفرص والتحديات التي تواجه جهود العطاء في العالم العربي، من خلال تبادل الأفكار والمقترحات للارتقاء بمجالات العطاء في المنطقة، وتعميق أبعادها الاستراتيجية، وضمان نتائج إيجابية تعزّز قدرة المنطقة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية».وخصّصت الجلسة الأولى لبحث «توجهات العطاء العربي من العمل الخيري إلى التنمية»، فيما ناقشت الثانية موضوع «التحديات العربية الأساسية والحاجة إلى العطاء الاستراتيجي».وعرض رئيس مجلس إدارة «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم»، محمد القرقاوي، عدداً من المشكلات التي تواجه المجتمعات العربية، ومنها «الأمية التي تزداد بدلاً من أن تنقص»، مشيراً إلى تقرير المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة الصادر قبل أسبوعين، والذي أشار إلى أن عدد الأميين في العالم العربي وصل إلى مئة مليون شخص، فضلاً عن تفاقم البطالة وتوقع ازدياد معدلاتها في السنوات المقبلة.
الاخبار الاثنين ٢١ كانون الثاني ٢٠٠٨

حلم


سماء دبي لم تعد تشفع غيابي
أعود على جناح الحنين
أقف أمام عرش كبريائك
أختطف قبلة من شفتين بطعم النبيذ
أنا الواقف في باب مجدك أمسك بتلابيب قمرين في وضح النهار
أتغذّى من رحيق صنابيرها الدافئة
تغوص أناملي في مفردات شعرك
أسند هذا الجسد العاري بصدق أحاسيسي
أجول في غياهب الجب متصببا عرقا
أبحث بين قوسين عن سرّ ولادتي
وأذرع تضاريسك بحواسي الخمس
مستشعرًا إرتعاش هامتك وانزلاق الوريد من الوريد
على وقع ارتهاز جسدي يتدفق ماء لذّتي
تسطع الشمس من نافذتي لتجفف الرطوبة
ويختفي وجهك في سراب اليقظة
أغادر حلمي قسراً مستئنساً بحمَّام صباحي دافىء
أشرب قهوتي بلا سكّر
كطعم الحياة خارج الحلم

معمر عطوي
دبي -21-1-2008

17‏/1‏/2008

عندما يتحوّل الغاز أداة سياسيّة

معمر عطوي
مع موجة البرد القارس التي تضرب العديد من دول العالم، تعود قضية الغاز إلى دائرة التوظيف السياسي من جديد، لكن هذه المرة من بوابة إيران بدلاً من روسيا، حيث نشأت أزمة بين موسكو والغرب في عام 2005 على خلفية قطع الغاز الروسي عن دول أوروبا عبر البوابة الأوكرانية
المثير في ظهور قضية الغاز مجدّداً هو أن إيران، التي تعدّ ثاني منتج للغاز في العالم بعد روسيا، لا تزال تستورد هذا النوع من الطاقة من تركمانستان المجاورة، وذلك بسبب الحصار الدولي المفروض على الجمهورية الإسلامية، والذي يؤدي إلى بطء في تطوير آليات الاستثمار، التي من شأنها تحويل الغاز الخام إلى غاز مكرر.ومشكلة الغاز باتت تطل من جديد لتتحكم بطبيعة مشهد العلاقات السياسية بين الدول، لدرجة أن طهران وصفت أخيراً قيام عشق آباد بوقف إمدادات الغاز إليها، بأنه تصرف «غير أخلاقي»، متهمة إياها بأنها تحاول تغيير بنود العقد المتعلق بهذا الخصوص بينهما.تركمانستان، التي أوقفت منذ كانون الأول الماضي إمدادات يومية لإيران تصل إلى 23 مليون متر مكعب من الغاز، تذرّعت بمشكلات فنية، وبـ«تقاعس» طهران عن الوفاء ببعض الأقساط المالية، فيما أصرّت الأخيرة على أنها سددت جميع الأقساط.المشكلة إذاً ليست فنية ما دامت خاضعة للتجاذب السياسي. هذا ما يراه المسؤولون الإيرانيون، إذ يعزو نائب وزير النفط، أكبر تركان، السبب إلى أن عشق آباد تريد تغيير بنود عقد غاز، مدته 25 عاماً، قائم منذ عام 1999، مشيراً إلى أن «قطع تدفق الغاز في أشد أيام العام برودة غير أخلاقي».على ما يبدوإ فإن السبب الأساسي للمماطلة التركمانية هو مادي، إذ تسعى عشق آباد إلى رفع سعر إمداداتها إلى نحو الضعفين، أي ما يعادل 140 دولاراً لكل 1000 متر مكعب.لكن القضية ليست في الكمية التي تحصل عليها إيران من تركمانستان، والتي لا تتعدى خمسة في المئة فقط من احتياجاتها من الغاز، بل في ما يمكن أن يسبّب مشكلات مع دول أخرى التزمت إيران بتزويدها بالغاز مثل تركيا.فمنذ بداية العام، خفضت إيران بنسبة كبيرة صادراتها من الغاز إلى تركيا بسبب ارتفاع استهلاكها الداخلي الناجم عن موجة من البرد القارس الذي ضرب مناطقها الشمالية على وجه الخصوص.وبحسب الاتفاقات بين أنقرة وطهران، ينبغي على الجمهورية الإسلامية تزويد تركيا يومياً بعشرين مليون متر مكعب من الغاز، لكن حجم الإمدادات تدنَّى إلى أقل من خمسة ملايين متر مكعب، ما دفع الأتراك إلى التوجه نحو روسيا لتأمين الباقي من حاجتهم.لقد دخل الغاز الآن مرحلة التجاذب بين طهران وعشق آباد، وربما كان للتوظيف السياسي دور في هذا التجاذب، ولا سيما أن تركمانستان ترتبط بعلاقات طيبة مع عدوة إيران اللدود الولايات المتحدة. لعبة التجاذب هذه ظهرت من خلال تصريحات المسؤولين في البلدين، إذ قال وزير النفط الإيراني غلام حسين نوذري إن المحادثات بشأن الأسعار لا يمكن أن تبدأ إلا بعد أن تستأنف تركمانستان ضخ الغاز. وحذّر من أن إيران ستتوقف عن شراء الغاز من تركمانستان إذا لم تستأنف الإمدادات، فيما أكدت الأخيرة أن وقف إمداداتها بالغاز «مؤقت» وعائد إلى أعمال صيانة أنبوب.من الواضح أن إيران، التي تمتلك 16 في المئة من احتياطي الغاز في العالم، قد استخدمت هذه المادة في توجهاتها الدبلوماسية؛ فقد ظهر الغاز واضحاً كأحد أهم بنود الاتفاقات الاقتصادية التي كانت تجريها طهران مع العديد من الدول التي تسعى إلى التقارب السياسي معها. كما وقّعت إيران مع ماليزيا اتفاقاً قيمته ستة مليارات دولار حول استثمار حقلي غاز «اوف شور»، فردوس وغولشان قرب الخليج، في حين تجتذب الجمهورية الإسلامية اهتمام شركات هندية وصينية تسعى إلى استغلال هذه الطاقة، بعيداً عن الضغوط الغربية بسبب البرنامج النووي لإيران، التي تنوي أن تضاعف ثلاث مرات إنتاجها من الغاز بحلول 2015 ليبلغ 1.5 مليار متر مكعب يومياً، وتصدير نحو 330 مليون متر مكعب يومياً.أزمة الغاز هذه تذكِّر بحادثة قطع إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا في شتاء عام 2005. حينها، نشب الخلاف بعد أن رفضت كييف الخطط الروسية لرفع السعر. وكانت نتيجة القرار الروسي، حرمان ليس فقط جارتها ذات التوجه الغربي، بل دول أوروبا الغربية كلها وبعض الدول الشرقية من هذه المادة الحيوية؛ فأوكرانيا تستهلك من روسيا ثُلث حاجتها من الغاز. مع الإشارة إلى أن 80 في المئة من صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا تمر عبر الأراضي الأوكرانية.في تلك الأيام، ارتفعت صرخة العديد من الدول، وفي مقدمها ألمانيا، التي تحصل على 30 في المئة من احتياجاتها من الغاز الروسي، في حين انخفضت الإمدادات إلى رومانيا عبر أوكرانيا خمسة ملايين متر مكعب يومياً. أما حصة سلوفاكيا فقد تراجعت إلى نسبة 30 في المئة، بينما انخفضت في المجر إلى أكثر من 40 في المئة.تلك الأزمة فتحت عيون الغرب على أهمية مصادر الطاقة في اللعبة السياسية الدولية. وبدأت هذه الدول، وفي مقدمها الولايات المتحدة، تحسب ألف حساب لموسكو المنبعثة من إرث المعسكر الاشتراكي السابق.
الاخبار 17-01-2008

16‏/1‏/2008

مزحة «القرد الفيليبيني»

معمر عطوي
لم تكن حادثة تفتيش الزوارق الإيرانية للسفن العسكرية الأميركية في مضيق هرمز الأسبوع الماضي، مجرد حادثة عرضية، انتهت بإجراءات «اعتيادية»، حسبما ذكرت السلطات الإيرانية.الغريب في المسألة أن تصف الولايات المتحدة ما قامت به قوات الحرس الثوري تجاه سفنها المقتحمة بحار الآخرين بالعمل «الاستفزازي»، فيما لم تلحظ الإدارة الأميركية أن وجود سفنها في هذه المنطقة قبالة سواحل الجمهورية الإسلامية التي تناصبها العداء، هو الاستفزاز بعينه.وبعيداً عن ظروف الحادثة و«حرب الأشرطة المصورة» بين واشنطن وطهران، التي هدف من خلالها كل طرف إلى إثبات اتهاماته للآخر، لا يمكن فصل ما جرى في مضيق هرمز في السادس من كانون الثاني الجاري عن زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش للمنطقة، التي حملت عنواناً عريضاً هو «مواجهة الخطر الإيراني».هذه الزيارة التحريضية، كان لا بد أن يسبقها حدث يفتح عيون الخليجيين من جديد على الخطر الإيراني المفترض، ولا سيما بعد التقارب الذي حصل بين طهران والدول الخليجية في الأشهر الأخيرة، والذي توج بحضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قمة دول مجلس التعاون في الدوحة في الثالث من كانون الأول الماضي.لعل اختيار مضيق هرمز الحيوي، الذي يمر فيه 17 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يزيد على ثلث إجمالي شحنات النفط الخام العالمية، كان رسالة موجهة من واشنطن إلى دول الخليج بأن إيران لا تهدد هذه الدول فقط بالبرنامج النووي العسكري، الذي توقَّف باعتراف أجهزة الاستخبارات الأميركية نفسها، بل بقطع إمدادات النفط الخليجي عن العالم، في وقت تشهد فيه هذه الدول طفرة نفطية غير مسبوقة.من الواضح أن ما دحض هذه الهمروجة الأميركية في مضيق هرمز، كان الصحف الأميركية نفسها، حين شهد شاهد من أهله، في صحيفة «نايفي تايمز»، أن الرسالة الصوتية التي هددت بتفجير السفن الأميركية قد تكون «مزحة» من «القرد الفيليبيني»، وهو صفة للرجل الذي يمضي وقته في التدخل في الاتصالات بين السفن ويوجه الشتائم جزافاً.وحسبما ذكرت الصحيفة نفسها، فإن نوعاً كهذا من الرجال «القرود» منتشر في جميع أنحاء العالم، وعلى الأخص في مضيق هرمز نظراً لأهمية حركة الملاحة البحرية هناك.ما نقلته الصحيفة عن البحرية الأميركية، كان بمثابة اعتراف بأن البحرية غير قادرة على تحديد إذا ما كان التهديد صادراً عن الزوارق الإيرانية، بدليل أن الصوت المسجل في الرسالة مختلف عن صوت الضابط الإيراني الذي خاطب السفينة الأميركية «بورت روايال» عبر اللاسلكي.أما صحيفة «واشنطن بوسـت»، فقد رأت بدورها، أن الرسالة التي قيل إن الإيرانيين قد بعثوا بها، لم تكن موجهة على أغلب الظن إلى السفن الأميركية.هذه المعطيات تؤكد أن حادث مضيق هرمز كان سيناريو مُفتعلاً، قد تظهر نتائجه في سلوكيات الخليجيين تجاه جارتهم الفارسية بعد ملاحظة مفاعيل زيارة بوش إلى المنطقة.
(الاخبار)١٦ كانون الثاني ٢٠٠٨

12‏/1‏/2008

سيدة "حاجز شارلي" والثورات المخملية

معمر عطوي
ربما نجحت يوتا غالوس، في تصوير معاناتها من أجل "تهريب" ابنتيها، من "ظلم" الشيوعيين في جمهورية المانيا الاشتراكية الى الجهة الغربية (التي يصورها الاعلام الليبرالي بارض اللبن والعسل وسراويل الجينز والكوكاكولا )، من خلال فيلم "سيدة حاجز شارلي"، للمخرجة سيليا روثيموندو، الذي يُعرض هذه الايام في الصالات الالمانية. حيث يمكن للسجال السياسي ان يُوظف بنجاح البعد الانساني لخدمة اهدافه.
المفارقة ان غالوس استطاعت، استدرار عطف وتفاعل الجمهور الالماني بمن فيهم بعض اقطاب المرحلة الشيوعية، الذين صفقوا للمرأة التي كانت تعتصم في اواسط الثمانينات، عند شارع فريدريش وسط برلين، حيث يقع حاجز شارلي الاميركي الذي كان يفصل بين شطري المدينة، رافعة لافتة تطالب بالوحدة بين الالمانيتين وباعادة طفلتيها كلوديا وبيئاتي (9 و11 سنة)، اللتين كانتا في حضانة والدهما في جمهورية"دي دي آر" الشرقية.
لا خلاف حول حقيقة معاناة المرأة، وغيرها في ظل النظام الاشتراكي، الذي تستحق ممارسات بعض جلاوزته النقاش والمساءلة. لكن نظرة تقييمية للأمور في ظل التحولات التي شهدتها المانيا، بعد 17 عاماً من الوحدة، تؤكد أن سياسة ترويج "ثورة الكوكاكولا" لم تنجح في اقناع الناس ان التعليم وطبابة المجانيين يمكن ان يتوفرا في كنف المنظومات الرأسمالية على غرار ما كان سائداً في الدول الاشتراكية.
المستشارة الالمانية اكدت هذا التفاوت بين وريثة جهاز امن"شتازي" وقرينتها الغربية، حين تحدثت في ذكرى الوحدة(3 تشرين الاول) عن "ضرورة استمرار عملية اعمار شرق البلاد كأحد أهم واجبات الحكومة والمواطنين في غرب ألمانيا".
فبعد 17 عاماً ماذا جنت المانيا من "تحرير" جزئها الشرقي غيرتنامي التيارات العنصرية المتطرفة والحركات النازية، وفقدان الانماء المتوازن في احدى اكبر ثماني دول صناعية في العالم.
لقد أظهر تقرير صدر عن مكتب حماية الدستور (جهاز الاستخبارات الداخلية في ألمانيا) وقوع 1047 جريمة عنف ارتكبها متطرفون يمينيون في عام 2006 فقط، بزيادة 9.3 في المئة عن العام السابق .
يدعم هذا التوجه استطلاع حديث للرأي يبين أن 74% من الألمان الشرقيين سابقاً يعتبرون أنهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية بعد توحيد البلاد، مشيراً إلى 21% منهم يفضلون العودة إلى حقبة ما قبل سقوط جدار برلين و31% أبدوا استعدادهم للتصويت لمصلحة الحزب الشيوعي الحاكم سابقاً، حسبما ذكرموقع "دويتشيه فيليه".
اذا كانت المانيا(الدولة الصناعية المتقدمة)، نفسها تفتقد الى "الانماء المتوازن" بعد ما يقارب العقدين من رحيل "دكتاتورية الاشتراكية"، حيث لا تزال المناطق الشرقية تشهد انخفاض الاجور أقل بنسبة 25% عما هي في غرب البلاد، وارتفاع البطالة بين الألمان الشرقيين إلى 15% اي ضعف الرقم الموجود بين نظرائهم الغربيين، فما سيكون المغري في شعارات "الثورات المخملية" في العالم الثالث يا ترى؟ مرحباً للديموقراطية انذاك.
تحولات كانون الثاني 2008.

9‏/1‏/2008

توظيف الدين بين «حاكمية الله» و«الوعد التوراتي»



ديكورات اليوم تلزمنا بشدّة للكلام عن الجذور»
معمر عطوي

لطالما كانت المسألة الدينية موضوع بحث ونقاش، خاضع للنقد والتحليل حيناً أو لمعالجة تبشيرية دعويّة حيناً آخر، أو موضوع أساسي في تحليل ظاهرة علم الانسان أو سوسيولوجية أو بسيكولوجية، من منطلق حضور هذه المسألة في تفاصيل الحياة اليومية للمؤمن بدين معيّن، لا سيما الاديان «السماوية» الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية.اللافت في هذا الموضوع، أنّ البعد الديني أخذ يتمدّد في القرن الواحد والعشرين ليصل إلى أماكن لم يعد من المجدي التعاطي معه بيُسر،,!--لاقثشن--. حيث بلغ توظيف الدين ـ إلى حدّ فاضح ودموي ـ في الممارسة السياسية، بل صار أحد أهمّ الروافد التي تتغذَّى منها المواقف والممارسات السياسية، ليس على مستويات محلية دنيا إنما على المستوى العالمي (نظريّة الحرب المقدّسة عند الانجيليّين و«الفسطاطين» عند أسامة بن لادن، و«الوعد التوراتي» عند اليهود).هذا الموضوع المثير للجدل هو ما خصَّص له المفكّر اللبناني جورج قرم، صفحات كتابه «المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين» الصادر مترجماً عن دار الفارابي، والذي نقله إلى العربية الدكتور خليل أحمد خليل وراجعه المؤلّف نفسه بالإشتراك مع نسيب عون، بينما صدرت الطبعة الأصلية بالفرنسية عن دار «لا ديكوفيرت».قبل الخوض في مناقشات الكتاب المؤلَّف من ستة فصول، ينبغي هنا التنويه بأهمية الكاتب الذي تخرَّج من جامعة باريس في القانون الدستوري والعلوم الاقتصادية، وعمل خبيراً إقتصادياً ووزيراً للمالية (1998-2000). اذ يحتل الإقتصاد لديه موقعاً مميزاً في سياق تفسيره للظواهر الإجتماعية والتحولات السياسية. أمّا على مستوى رؤيته الخاصة بالدين، فقد برزت من خلال باكورة أعماله في العام 1977 من خلال مؤلّف تحت عنوان «تعدّد الأديان وأنظمة الحكم» وتبعه مؤلّف آخر صدر في العام 2003 بعنوان «شرق غرب: الشرخ الأسطوري». وبعد ذلك «إنفجار المشرق العربي» الصادر عن دار الفارابي في العام 2006.يجري الكاتب في أطروحته، مقاربة بين ما حدث في الغرب، مرحلة سيطرة الكنيسة في القرون الوسطى وبين ما نشهده في مجتمعاتنا العربية وبعض المجتمعات الإسلامية، من فوضى ناتجة عن سوء استخدام الدين في معركة الحضارة، أو ما يمكن تسميته «أسطرة» الصراع بين الشرق والغرب بين الاسلام والآخر (اليهودي والمسيحي).وبرؤية موضوعية نقدية يعالج قرم هذه الصور من مسلسل الصراع في سياقها التاريخي من ناحية، وفي بعدها السياسي ـ الاجتماعي، من ناحية أخرى، وفي مدلولاتها الغيبية الميتافيزيقية.هي رؤية شاملة يمكن وصفها بالتحليل النقدي الاستيعابي الذي يتميّز بعرض التطوّرات وتفسيرها على ضوء معطيات الواقع والذاكرة الجماعية، وفي ظلّ انغراس غير محدود لمفاهيم غيبية وأسطورية في الوعي الجمعي للجماعات الدينية، ما يؤسّس لتشكّل وعي ثقافي يتغذَّى من تعاليم الأديان، ويدفع نحو إثبات الذات «الهوية» في الحقل الكوسمبوليتي، من خلال رؤية «ثأرية» لممارسات الآخر. على طريقة ردّ الفعل، أو من خلال التمسّك بالهوية التي قد تتمثّل أحياناً بالحفاظ على ظواهر طقوسية وسلوكية، وقد تتعدَّى ذلك إلى المطالبة بتطبيق الشريعة و«حاكمية الله» على وجه أوسع.لقد تحدّث الكاتب عن «أدبيات مُفخّخة» يصدِّرها الغرب إلينا حول «عودة الديني» وحرب الحضارات والقيم «اليهودية ـ المسيحيّة» في مقابل قيم «عربية ـ إسلاميّة». بما يشير بوضوح إلى تحضيرات متوازية في المجتمعات المتناقضة دينياًً وحضارياً، هذه التحضيرات شكّلت إرهاصات ما نعيشه من فتن مذهبية وطائفية، يتحمّل مسؤولية تأجيجها هذه الذهنية الدينية المنغلقة التي تحاول تأكيد هويتها بمعزل عن قيم التفاعل مع الآخر، أو من منطلق الهيمنة والتسلّط، على غرار السياسات «الكولونيالية» الاستعمارية التي تستخدم النصّ الديني من أجل إضفاء شرعية «أسطوريّة» على ممارساتها اللاإنسانية، وحشد أكبر تأييد ممكن بين العوام.كخبير إقتصادي، يستطيع قُرم أن يعالج هذه الظاهرة القديمة المتجدّدة في سياقها التاريخي وبعدها الاقتصادي. هنا نعود إلى الفيلسوف كارل ماركس، في رؤيته للاقتصاد ودور هذا العامل في الصراعات السياسية ـ الدينية، إذ لا بدّ من التفتيش عن المصلحة في كلّ أزمة.يعالج الكاتب المسألة الدينية من وجهة نظر يسارية من دون أن تصادر وجهة النظر هذه منهجيته العلمية، محاولاً إستيعاب الظاهرة الدينية كبعد إنسانوي، بعيداً عن سياسة الفعل وردّ الفعل التي حولّت المسألة من نطاقها الإنسانوي العالمي، إلى منازلة دموية. رغم أنّ كافّة الأديان السماوية تدعو إلى نشر قيم أخلاقية وتسامحية موجّهة للعالم أجمع.ثمّة نقاشات متعدّدة يخوضها قرم في سياق متّسق، تبدأ من محاولة فهم كيفية استحواذ الظاهرة الدينية على اهتمامات العالم، وتمرّ بـ«مكوّنات هواجس الهوية» و«الحروب الدينية في أوروبا» و«الحداثة بوصفها أزمة الثقافة والسلطة» ثمّ يتناول الحرب والسلم في القرن الواحد والعشرين ليختم بدعوة إلى ميثاق علماني عالمي.يتساءل الكاتب في أطروحته، التي تحتاج إلى كتاب آخر لمناقشة مجمل ما تطرحه من أفكار تستحقّ الوقوف عندها، عن ماهية «الديكورات اليوم التي تُلزمنا بشدّة بالكلام على الهوية والجذور والدين في اجتماعاتنا السياسية وفي ندواتنا وسجالاتنا الفكرية؟». يشير بعد ذلك إلى أنّنا «حتّى لو كنّا لاأدريّين، فسنكون مدعوّين إلى إعادة اكتشاف قرآننا، إلى نقاش لامتناهٍ حول تأويل آياته، وإلى إعادة قراءة كتابنا المقدّس أو توراتنا، على أمل فهم أفضل والقبول بهذا الديكورالجديد أو المساهمة في محو معالمه الأكثر فظاظة وغِلظة».يمكن القول إنّ محاولة قرم هذه، قد استقت منطقيّتها وموضوعيّتها من نقد الذات والآخر معاً، لذلك تحدّث عن «سخافة الأفكار والرؤى السياسية التي تحملها القيادات السياسية الغربية ومدى الضرر الذي تلحقه بنا بشكل خاص». هو لم يتستغرق هنا في ذهنية «المؤامرة» ولا كان من مروجّي جلد الذات. لكنه أراد تحليل ظواهر متشابهة تؤثّر ببعضها ويكون الانسان هو الضحية الوحيد في معمعتها.(الاخبار) 9كانون الاول 2008

8‏/1‏/2008

«الرئيس» المفاوض!

معمر عطوي
يبدو أن ممثل مرشد الثورة الإيرانية في المجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني، قد أصبح رجل المرحلة بامتياز، بما يمسك به من ملفات حساسة، من شأنها رسم صورة الدور الإيراني المقبل في منطقة الشرق الأوسط.تبرز أهمية الرجل في متابعته قضايا شائكة، تعوِّل عليها طهران لتحقيق أكبر قدر ممكن من النفوذ، ولا سيما في لبنان والعراق وفلسطين. ما يؤكد أن استقالته من رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي في تشرين الأول الماضي، لم يكن تحييداً بل تعزيزاً لدوره وتقديراً لكفاءته.والواضح أن كل ما قيل عن خلافات بينه وبين الرئيس محمود أحمدي نجاد، في شأن ملف التفاوض النووي، لم يمنع إدارة المحافظين من تسليمه ملفات العلاقات المتوترة مع مصر، وقضايا شائكة مثل الأزمة اللبنانية والانقسام الفلسطيني والبركان العراقي. زيارته الى القاهرة الأسبوع الماضي، التي تلتها زيارة مطولة الى دمشق، تُعدّ أحد تجليات هذا الدور الصعب الذي يؤديه في المنطقة.النقطة الأبرز في الدور الراهن للاريجاني، لا يمكن فصلها عن جوهر السياسة الإيرانية، التي تحاول، رغم اختلاف وجهات النظر بين أقطابها، إظهار التماسك والتفاهم، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالنزاع مع الغرب؛ فالمفاوض «النووي» السابق، ورغم افتراقه في الأسابيع الأخيرة عن نجاد، أصرَّ على أن خلافات مسؤولي البلاد في شأن الملف النووي «تكتيكية» ولا تتعلق بالاستراتيجية العامة.والمفارقة أن لاريجاني، وهو ابن رجل دين، يُصنّف في خانة أقصى اليمين المحافظين، رغم أسلوبه المرن الذي اتّبعه في التفاوض مع الغرب في الملف النووي؛ فهو من المقربين إلى المرشد الأعلى، علي خامنئي، وصهر أحد أبرز قادة ومفكري الثورة الإسلامية مرتضى مطهري. وفي الوقت نفسه، هو من المقربين لرئيس مجلس خبراء القيادة، «الوسطي» علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي عينه وزيراً للثقافة في حكومته (1989-1997).ولعل اختلاف الرؤى بين لاريجاني ونجاد، رغم التوجّه المحافظ للرجلين، بدأ منذ عام 2005، على خلفية التنافس بينهما في الانتخابات الرئاسية، التي كان لاريجاني أبرز المرشحين فيها، وكانت استطلاعات الرأي ترجح فوزه، قبل أن تعلن النتيجة النهائية فوزاً مفاجئاً لنجاد.ويبدو أن المشهد يتكرر الآن قبل الانتخابات النيابية التي تجري في آذار المقبل، حيث يُصار الى تعويم صاحب شعار «لا يمكن إجراء إصلاحات مع شعب جائع»، من خلال تسليمه ملفات صعبة، بصفته خبيراً في فن التفاوض. هذا إن دلّ على شيء، إنما يدل على أن الدكتور المحافظ، مرشح جدي للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2009، وخصوصاً أن جبهة الإصلاحيين بدأت ترّص صفوفها منذ أشهر، فيما لا يزال التيار المحافظ، الذي فشل على صعيد السياسة الداخلية، يحاول إبراز أسماء لافتة قادرة على منافسة أسماء في التيار المعارض من وزن رفسنجاني ومحمد خاتمي ومهدي كروبي.
عدد الثلاثاء ٨ كانون الثاني ٢٠٠٨

5‏/1‏/2008

إيران تعيِّن نائب رئيسها سفيراً لدى دمشق

معمر عطوي
يحمل قرار تعيين نائب الرئيس الإيراني حجة الإسلام أحمد موسوي، سفيراً لطهران لدى دمشق، رسالة واضحة الدلالات إلى الغرب، بأن العلاقات السورية ـــ الإيرانية في أفضل حالاتها من التعاون والتنسيق، وخصوصاً في أعقاب الأنباء التي تحدثت عن فتور بين البلدين في الشهرين الماضيين، على خلفية مشاركة سوريا في مؤتمر أنابوليس
يحمل تعيين نائب الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية والقانونية، أحمد موسوي، في منصب سفير إيران لدى سوريا، أهمية كبيرة، لا تقل عن أهمية «مهندس العلاقات الإيرانية ـــــ السورية»، السفير السابق محمد حسن أختري.لعل في اختيار وزير الخارجية منوشهر متكي لموسوي إشارة واضحة إلى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي ـــــ معنوياً على الأقل ـــــ بما يخدم أهداف تعزيز العلاقات بين البلدين في هذه اللحظات الحرجة التي تمر بها المنطقة، فضلاً عن الدور الجيو ـــــ استراتيجي لسوريا في لبنان وفلسطين والعراق.والأهم من ذلك أن موسوي يرأس منذ تموز الماضي لجنة متابعة مصير الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المختطفين في لبنان. وهو من ضباط استخبارات الحرس الثوري وأحد متابعي قضية الرهائن الغربيين في لبنان.ولعل موسوي ضالع في شق الطرق أمام تحسين العلاقات العربية ـــــ الإيرانية. يمكن ملاحظة ذلك منذ أن ذهب إلى القاهرة في بداية عام 2006 على رأس وفد من المسؤولين الإيرانيين، في زيارة تاريخية إلى العاصمة المصرية التي لا تربطها بإيران علاقات دبلوماسية منذ عام 1980. خلال هذه الزيارة، بحث مع الأمين ‏العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، سبل دعم العلاقات مع الجامعة. كما كلفته طهران إجراء اتصالات بالحكومة الليبية لجلاء قضية اختفاء رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الإمام موسى الصدر.يبدو واضحاً أن طهران تضع ثقلها السياسي والدبلوماسي من أجل إبقاء دمشق إلى جانبها في مواجهتها مع الغرب، وخصوصاً عقب توتر العلاقات بين الجمهورية الإسلامية ومعظم الدول العربية منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980ـــــ 1988).ومعروف أن موسوي كان ممثل إقليم الأهواز في البرلمان، وهو يتمتع بعلاقات جيدة مع بعض العواصم العربية. وفي أعقاب الاضطرابات التي شهدها هذا الإقليم العربي في عام 2005، عُين موسوي نائباً للرئيس للشؤون القانونية والبرلمانية. طبعاً بعدما أدى دوراً في إسقاط المحافظ السابق للأهواز، فتح الله معين، المناهض للمحافظين.وبذلك تكون الدبلوماسية الإيرانية قد حافظت على مستوى تمثيلها لدى دمشق بعد مغادرة السفير السابق أختري، الذي وصفته الوكالة الإيرانية للأنباء بأنه «مهندس العلاقة الاستراتيجية السورية ـــــ الإيرانية» التي بدأت منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.من المفيد الإشارة هنا إلى أن أختري عمل سفيراً لدى دمشق بين 1986 و1998، قبل أن يعود ويتسلم المنصب نفسه مجدداً من عام 2005 وحتى تاريخ تعيين موسوي.لذلك، يرى بعض المراقبين أن قرار تغيير السفير لن يغير في سياسة إيران تجاه سوريا؛ فكلا السفيرين، السابق والجديد، مقربّان من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، ومن الرئيس محمود أحمدي نجاد، مع العلم بأن موسوي هو صهر ممثل خامنئي في إقليم الأهواز، آية الله محمد جزائري.وللسفير الجديد تجربة سابقة في سياق التعاون مع دمشق، حيث افتتح أخيراً مع الرئيس السوري بشار الأسد، مصنعاً للسيارات الإيرانية، ما يؤكد أن العلاقة مع هذا البلد العربي تتعدى الجانب السياسي إلى جوانب أخرى، تتعلق بالسير في طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى الصناعات المحلية.
عدد السبت ٥ كانون الثاني ٢٠٠٨