28‏/1‏/2009

جدل الدولة والأمّة في ضوء معركة غزّة

معمر عطوي
طرحت معركة غزة جدلاً واسعاً في أروقة السلطة في العالم العربي، عن أولوية الخيار بين الدولة والأمة. وباتت المصلحة الذاتية لهذا الحاكم أو ذاك، على محكّ السقوط، أمام ما سبّبته هذه الحرب من إحراج لبعض الزعماء العرب، في ظل تحرّكات شعبية كبيرة، متضامنة مع غزة ومنتقدة للنظام العربي الرسمي.بالتأكيد، بقي هذا الجدل غير مُعلن، وربما غير معبّر عنه في وسائل الإعلام.
بيد أنه تجسّد في طريقة تصرّف الحكّام، وأدائهم اللامسؤول تجاه قضيتهم المركزية، شاؤوا أم أبوا. أداء أوحى به السلاطين لوعّاظهم من رجال الدين المرتزقة وبعض مثقفي السلطة، لكي يُسهبوا في الحديث عن أهمية الحفاظ على الكيان وعدم تعريضه للفوضى والتفكك وانتشار الفتن.انطلاقاً من هذا الجدل، توالت «الفتاوى» والتصريحات من هنا وهناك؛ تارة عن ضرورة منع التظاهر واعتباره «عملاً غوغائياً»، وطوراً عن ضرورة احترام قرار السلطة المصرية بإغلاق المعابر أمام الجرحى والمضطهدين، بحجة أن مصر «لا تستطيع استيعاب لاجئين جدد» على أرضها التي تحتضن أكثر من 70 مليون بشري، أو أمام المساعدات الإنسانية والطبيّة التي تدخل من الجانب المصري.تصريحات سبقها كلام لشيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، قبل أيام قليلة من بدء العدوان على غزة، حين قال «غزة إي وحصار إي؟»، مستهيناً بما يعانيه «إخوانه» في القطاع المنكوب، ومتخليّّاً عن «مسؤولياته الشرعية» في إغاثة الملهوف وإعانة المظلوم التي أوصاه بها دينه ونبيّه في الأحاديث الواردة عن السلف: «ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه»، و«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
في الحقيقة، يتبيّن من خلال الممارسات السياسية السائدة، أن خيار الدولة هنا وحفظ وحدتها، ما هو إلا أكذوبة اخترعها القيّمون على الحكم، ونظّر لها بعض المثقفين ورجال الدين، من أجل بقاء السيد على عرشه، مهما حدث للآخرين. وإلا ما جدوى الدولة الحديثة السائدة في منظومتنا العربية القبائلية، في وقت تنعدم فيه آليات تداول السلطة، ويتفشى فيها الفساد من قمة الهرم حتى القاعدة، وينتشر الفقر رغم الثروات النفطية والطبيعية في هذه البلاد، وانعدام التوزيع العادل للثروة، حيث يتمتع الأغنياء بما يفتقده الفقراء.وأمام هذا الواقع، أين هو دور رجال الدين والمثقفين (الحريصين على وحدة الدولة وأمنها)، في إيقاف الحاكم عن طغيانه؟بهذا المعنى، كانت اتفاقية «كامب دايفيد» في عهد أنور السادات بنظر هؤلاء النفعيين، «مجلبة للمصالح» بالنسبة لمصر، تدرأ مفاسد الحروب وتوفّر «إلقاء الأنفس في التهلكة».
لهذا، إنبرى كل من شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية آنذاك، إلى إصدار الفتاوى التي تسوّغ للحاكم توقيع سلام مع الأعداء متسلحيّن بالآية القرآنية «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» (الأنفال ـــــ 61)، ولم يكن الفقهاء الذين روّجوا لتلك المعاهدة آنذاك، على بصيرة ثاقبة، يدركون من خلالها مدى حجم «المفسدة» التي سيجلبونها ليس فقط على مصر، بل على العالم العربي برمته، بخروج القاهرة من اتفاقية الدفاع العربي المشترك وبتوسيع دائرة المعارضين للحكم الذي لا ينسجم مع طموحات شعبه بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.حتى ذريعة تفكك الدولة التي تحدّث عنها الفقهاء كسبب للوقوف إلى جانب الحاكم والدولة ضد قضايا الأمة، كانت ذريعة ضعيفة وتافهة أمام ما حدث للأمة، منذ ذلك الوقت بالتحديد، من ضعف وتفكّك على أكثر من صعيد (وهذا لا يعني بتاتاً أنها كانت بحال أفضل بكثير من قبل طبعاً).
المشهد يتكرّر بعد حوالى عقدين أثناء غزو العراق، حين أفتى شيخ الوهابية السعودية عبد العزيز بن باز بجواز الاستعانة بالأجنبي من أجل مقاتلة حاكم ظالم «يهدد أمن الخليج» (صدام حسين)، مستشهداً بعدة الشغل من الآيات والأحاديث النبوية التي تشير إلى جواز الاستعانة بـ«الكافر» من أجل محاربة حاكم ظالم وما إلى ذلك من تبريرات.هذه الحرب دفع ثمنها الخليجيون، لا سيما السعوديين، بنشوء إرهاب جديد أقام صيغة توفيقية بين سلفية ابن باز في الرجوع إلى الأحاديث النبوية المروية عن السلف وحركية التنظيمات الإسلامية العريقة التي تنادي بالجهاد، ضد كل من يغزو أرض المسلمين.المفارقة تدور هنا حول وهم فكرة وحدة الدولة وأمنها، أمام ما حل بالدويلات من فوضى وما تفشى فيها من ظواهر عنف وتطرف، هي بالدرجة الأولى ردة فعل على قرار الحاكم وفتوى رجل الدين المؤازر له «شرعياً».هذا ما حل بالعراق أيضاً، في الغزو الثاني (2003).
يومها سوّغ بعض رجال الدين، وفي مقدمتهم المرجعيات الشيعية، الاحتلال تحت شعار التخلص من صدام حسين، حين أدخلوا العراق في متاهات الفوضى والمجازر المذهبية وكل ما من شأنه زرع الفوضى واللا أمن في البلاد.سياسة سارت فيها إيران أيضاً، حيت سهّلت للأميركيين غزو جارتيها أفغانستان والعراق، بذريعة التخلص من عدوّين، أحدهما يرفع الشعار القومي والآخر الشعار المذهبي. بالطبع كانت فتاوى رجال الدين والفقهاء هنا أيضاً جاهزة لتبرير التحالف مع «الشيطان الأكبر».في ظلّ هذه المعمعمة، ينبري السؤال واضحاً هنا، عن سبب هذا الانفصام الحاصل لدى السياسي أو لدى المفتي، ذاك الانفصام الذي تجلّى عريه من خلال ازدواجية معايير الفتوى بين الحفاظ على الدولة والدفاع عن الأمة. (تجربتا أفغانستان وفلسطين).
الإجابة تبدو واضحة هنا، في أفغانستان، التي تبعتها تجارب الشيشان وكشمير والبوسنة. أوعزت واشنطن ومن وراءها من دول الغرب للترويج للجهاد ضد «خطر الإلحاد السوفياتي». وساهم كل من بابا روما وشيخ الأزهر ومفتي السعودية في تشجيع الشباب للذهاب إلى قتال «الملحدين» في أفغانستان، من دون أن ينظروا يومها في مصلحة الدولة، وما يمكن لشعار الجهاد خلف الحدود أن يسببه على صعيد تفكك البنى الأمنية في هذه الدويلات بعد رجوع المقاتلين، محملين بأفكار «تكفير المجتمع» والسلفية الجهادية وتكفير الحكم الذي «لا يحكم بما أنزل الله».بهذه الطريقة، صنعت الأنظمة العربية الإرهاب الذي مارسته على مدى عقود ضد معارضيها، لتتحوّل الضحية إلى إرهابي شرس يضرب النظام بعنف، بل يضرب أسياده في عقر دارهم. (أحداث نيويورك ومدريد ولندن).
وبالعودة إلى فلسطين ومركزيتها في ضمير الشعوب العربية والإسلامية، لم تتجرأ الدول العربية ولا فقهاؤها «الأشاوس» على خوض تجربة أفغانستان في فلسطين. اكتفت هذه المؤسسات الرسمية، التي لا تمثل شعوبها، بالبكاء على أطلال فلسطين، من دون أن تعلن يوماً الجهاد لتحرير «بيت المقدس» وما يمثله من بعد رمزي للمسلمين أكثر من أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها.هنا الفتوى محظورة ما دامت تخالف مصالح السيد الجاثم على صدور حكام العرب في البيت الأبيض.أما فلسطين، فقد واصلت بأي حال، نضالها بلحمها الحي من دون أن تلتفت لهؤلاء المنافقين الذين يستخدمون الدين في السياسة حين يتلاءم مع مصالح أسيادهم، وبما يخدم بقاءهم في السلطة. وفي ما عدا ذلك يستغرقون في فتاوى تشريع زواج المتعة والمسيار وزواج الأطفال وما إذا كان يحق للمستنجي أن يضع إبريق الماء على يمينه وعن حكم الحائض والنفاس...لعلّ فتاوى التحذير من خطر إيران والتشيّع كانت ملائمة تماماً لتعليمات مصالح الدول العظمى. تحذير من خطر لا يزال هاجساً، مقابل خطر جاثم على الأرض ويمارس يومياً أبشع أنواع الإجرام بحق «إخوان في الدين والعقيدة». وبهذا المعنى، يصبح السنّة في لبنان بنظر مفتي السرايا الحكومية في دائرة الخطر الإيراني الشيعي، فيما سنّة فلسطين أنفسهم على بعد أمتار من دار فتواه، يعيشون التشريد والحرمان بسبب كيان لا مصلحة للدويلة هنا أو هناك في خوض حرب ضده. أما الأمة، فهي في غير قاموس. إذ لا يمكن الإشارة إلى مصالحها وتطلعاتها، إلا إذا سمحت أميركا بالحديث عنها.
الأخبار:28 كانون الثاني 2009

19‏/1‏/2009

بين التكفير والتفكير

ذهنية الإقصاء : النصّ والممارسة


التكفير أو التفكير، معادلة صعبة جداً في منظومة البُنى العلائقية بين البشر. الأول يفيد الإقصاء والنبذ وصولاً الى تسويغ القتل. والآخر يمثّل الحجة الأساسية التي تؤكّّد وجود العقل كحَكم بين المُنازعات ووسيلة كآداة تشريح لقضايا ومقولات هي موضوع خلافات بين البشر، بما يعني التقريب بدل النبذ والتعاون بدل الإقصاء والتسامُح بدل القتل.

معمر عطوي

مما لا شك فيه أن التفكير بحد ذاته، كفعل إستعمال للعقل، ونظراً لخصوصيّة الشخص المفكِّر والموضوع المفكَّرفيه، خاضع لمعادلة النسبية؛ إذ تتضمن مقاصد الشريعة الاسلاميّة، قاعدة أساسية يمكن من خلالها تصنيف الأحكام بما يتناسب مع العقل ومع الواقع، وبما لا يخرج عن القيمة الأساسية للنص. القاعدة الشرعية تقول بجلب المصالح ودرء المفاسد. ما يعني أنه اذا كان المفكَّر فيه عبارة عن مقولات تكفيرية من طرف لطرف آخر، عندها يترتب على هذه المقولات أفعال غير عقلانية حتى لو كانت وليدة عمل العقل (من منطلق تحديد هويّة الآخر او الملّة الأخرى). نتيجة هذا النوع من التفكير، الذي تتحكّم فيه الغرائز أكثر من المنطق، هو إشاعة الذُعر والفوضى والحقد في المجتمع وحدوث إنقسامات وحروب بين الجماعات، تحت ذريعة تطبيق حد الردة أو حد الكفر أو حد الشرك، وما إلى ذلك. وفي هذا الأمر مجلبة واضحة للمفاسد على الأمة.

في المقابل، ينبغي إعمال العقل لمصلحة كل ما يؤدي الى استيعاب الآخر والتعاون معه والعمل وفق "كلمة سواء"، انطلاقاً من القيم المشتركة كالصدق والوفاء والاخلاص والمناقب الأخلاقية والنظافة والترتيب وما الى ذلك من قيم تشترك فيها جميع الرسالات والأديان والمجتمعات، حتى لو تفاوتت نسبياً بين مجتمع وآخر. ولعل مكافحة العدو الصهيوني في مجتمعاتنا ، أحد أبرز هذه القيم. عندها يمكن القول أن التفكير أصبح نداً حقيقياً للتكفير.

ولمنطق التكفير السائد اليوم بين البشر، مسوّغات نصّية تتعلق بالكتب "المقدّسة" أو بالموروث الديني، إضافة الى البعد الأيديولوجي الذي يمثل دغمائية العقائد غير الدينية أو المُسماة قسراً بالعلمانيّة. بمعنى أن التكفير بما هو مُصطَلح لاهوتي يستخدمه المتديّنون من مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم، هو حال سائدة وسط العلمانيين والمُلحدين أيضاً، كذلك بين أصحاب النظريّات الشوفينية العنصرية التي قد تنطلق من ينابيع قوميّة أو وطنيّة أو عائليّة أو عرقيّة.

في الأصل إبن تيمية
والتكفير بما هو حكم يفيد عدم ايمان الآخر بما يعتقد به الأنا، وبما هو اتّهام يستوجب الحد، قد ظهر منذ فجر التاريخ لدى كافة الجماعات والأديان. لكن في الاسلام، الذي شهد معارك منذ عهد النبي محمد، ضد "الكفّار والمشركين والمرتدين"، ظهرت مدرسة جديدة مع ابن تيمية
[1]، الذي كفّر الشيعة والمتصوفة، وتطورت هذه المدرسة مع محمد بن عبد الوهاب( 1703 -1791 )[2] في الجزيرة العربية، الذي دعا الى اعتناق" الكتاب والسنة" والاقتداء بالسلف الصالح، معتبراً أن مذهبه الذي سمي في ما بعد بـ "الوهابية" ونال تغطية ودعم كاملين من سلالة آل سعود الحاكمة، هو المذهب السلفي "الصحيح".

وبما أن إشكالية التكفير السائدة في مجتمعاتنا اليوم، تنطلق من مشارب إسلاميّة، فإن الحديث عن التكفير لا بد له من أن يجتاز مسألة الإطار النظري، الذي يتسلّح به البعض إلى الإطار المُعاش، الذي يدحض بعض مقولات نكران التكفير وسط هذه الفئة أو تلك.

لعلّ الحَكم الأفضل في حلّ هذه الإشكاليّة هو العقل، الذي خصّه القرآن الكريم بآيات عديدة، منها: "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلاً". ومعنى التفضيل هنا كما يقول المفسرُّون هو العقل الذي حظي به الانسان دون غيره من المخلوقات
[3].

والحديث عن العقل، ليس تجاوزاً لمصادر التشريع (القرآن والسنّة والاجماع والقياس)، التي يؤمن بها معظم المسلمين، كأُسس لا بديل عنها للمحاججة (لا اجتهاد مع وجود النص). لكن وبما أن القرآن الذي يُعتبر مصدر التشريع الأساسي لدى المسلمين، "حمّال أوجه"، فهذا يعني أنه كأساس للمحاججة لا يمكن التعاطي معه بإطلاقيّة، بل يبقى تأثيرة أيضاً نسبياً.

فالرواة ينقلون أنه لما بعث الإمام علي بن أبي طالب، عبد الله بن عباس، للاحتجاج على الخوارج، قال له " لا تُخاصمهم بالقرآن فان القرآن حمّال أوجه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنّة، فانهم لن يجدوا عنها محيصاً".

والخوض في مناقشة مصادر التشريع، لا ينتهي بسهولة، خصوصاً إذا ما دخلنا في مصادر أخرى للتشريع، مثل القياس عند السنّة، والذي يقابله العقل عند الشيعة. وإذا ما توسّعنا أكثرفي الأدبيات الإسلامية، لتبيّن لنا أن مروحة مصادر التشريع تتوسّع لتشمل العًُرف الاجتماعي والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب. وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على أوجه القرآن المتعددة، واختلاف الأفهام بين البشر، بما يؤكد نسبية الأحكام والفتاوى المُستنبطة، وعدم قدسيتها أو إطلاقيتها.

والتكفير بما هو حكم مُنطَلق من فهم خاص للنصّ، هو أمر نسبي أيضاً، لا يمكن الإعتداد به، طالما أن اختلاف الآيات ومدلولاتها، والأخذ بالاعتبار أسباب النزول، والظروف الموضوعيّة لنزول الآيات، يجعل هذا النص فضاءً منفَتِحاًً على عمليات التأويل والتفسير والتبصّر والفهم المتعدد.
مصداق هذا التصوّر، أنه في حين يحتج التكفيريّون على أفكارهم وآرائهم بآيات قرآنية، نجد أن دعاة الوسطية والتسامح والحوار أيضاً يحتجّّون بآيات قرآنية.

وتسويغ التكفيرهنا، يمكن تلخيصه ببعض آيات مثل: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله. ذلك قولهم بأفواههم، يضاهون قول الذين كفروا من قبل، قاتلهم الله أنّى يُؤفكون"
[4]. وفي موضع آخر: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"[5].
وفي مجال تطبيق الحدّ على المرتّد يورد الإمام البخاري عن النبي محمد، قوله "من بدّل دينه فاقتلوه".
في مقابل ذلك، كم من آيات تدعو للتسامح والحوار مع المسيحيين، الذين اعتبرتهم الآية السابقة كفّاراً بحكم أنهم يؤمنون بالثالوث، في حين تقول الآية التالية "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ"
[6]. والمُلاَحظ هنا فصل المسيحيين عن المشركين بما يتناقض مع مقولات تتحدث عن شركهم بالله من خلال الثالوث.

وفي مجال حُسن المخاطبة آيات كثيرة منها: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"
[7].
كذلك الآية التي تخاطب النبي وتوصيه بقومه: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله"
[8].

التكفير بوصفه ممارسة
وقد يكون أحد أشكال التعبير عن التكفير، خارجاً بالأصل عن لائحة التصنيفات المُعلنة، بمعنى إدعّاء بعض الجماعات أنهم لا يكفّرون أحداً. لكنهم في تفكيرهم الغرائزي، يعتبرون الآخر من غير أهل الجنة، وصلاته غير مقبوله، أوأعماله غير مقبوله لأن "الأعمال بالنيات"، مثل عدم اعترافهم باستشهاد المقاومين العلمانيّين، بحجة أن جهادهم ليس في سبيل الله. ومنهم من يعتبر الآخر نجساً ماديّاً لا يجوز تناول طعامه أو مسّه جسديّاً. ومنهم من يلطّف مسألة نجاسة الكتابي أو الآخر بقوله بـ "النجاسة المعنويّة" التي لا توجب الامتناع عن لمسه أو تناول طعامه وما الى ذلك. والأخطر من ذلك من يقول أن فلاناً ليس في نظري كافراً بل ضالاً، ويتوّجب لعنه. مع ان اللعن وفق التعاليم الاسلاميّة، لا يكون الاّ لإبليس.
ونهى محمد أتباعه عن اللعن والسُباب، بعد أن كان يلعن في دعائه بعض القبائل، الذين غدروا أصحابه. إذ جاء في الكتاب الآية التالية: "ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذّّبهم فإنهم ظالمون".
[9] وبعد نزول هذه الآية قال النبي "أني لم اُبعث لعاّناً، وإنما بُعثت رحمة" (صحيح مسلم).

هذا في الإطار النظري، حيث يُعتبر القرآن ، المسوّغ الأساس لتبرير لغة الاقصاء، التي يتم وفقها تصفيات جسديّة تطال رموز الفكر والأدب والفنون والإبداع، وتطال عشرات الأبرياء، كما يحصل في العراق وباكستان والهند وربما -الى حد ما- في لبنان، بذريعة وجوب مقاتلة "الفئة الباغية".

بيد أن الإطار العملي، وهو الأخطر، يُعتَبر المعمل الأساس لهذه الإشكالية، التي نعيشها اليوم باسم " الجهاد المقدّس". ذلك أن الحركات الإسلامية الدعويّة والتي تحوّلت الى أحزاب سياسية، قد شهدت إنشقاقات كثيرة، كانت بمثابة ردة الفعل على سياسة قيادات في هذه الحركات أرادت استخدام لغة الحوار والوسطية، كما حدث لدى حركة الأخوان المسلمين "الأم"، التي لم يُعجَب بعض أعضائها، بشعار مؤسّسها الشيخ حسن البنا "نحن دعاة لا قضاة". فجنحوا الى لغة القتل والإرهاب. وظهرت حركات كثيرة بدأت بالجماعة الاسلاميّة والجهاد الاسلامي في مصر وتطورت الى الجهادية السلفية و"التكفير والهجرة" وصولاً الى تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن.
واستطراداً يمكن مناقشة أسباب ظهور هذه الحركات وما خلفها من فتاوى الإجرام في مجال آخر، حيث لا يمكن تبرئة النظام السياسي، لا سيما العربي، من المساهمة في تبلور هذه الظاهرة. سواءً من خلال القمع المتواصل الذي أدى الى ردة فعل عكسيّة شرسة، نموذج مصر وسوريا وليبيا والجزائر وغيرها.. أو من خلال إستخدام هذه الظاهرة ضمن تسوية تعطي المشروعيّة لسلطات العائلات الحاكمة في الخليج، مقابل إطلاق يد هذه الجماعات باسم الشرطة الدينية او باسم جهاد العدو السوفياتي المُلحد في أفغانستان والشيشان وغيرها.

فكر السجون
من هنا، ظهر ما عُرِف بفكر السجون، كونه صدر عن مفكرين إسلاميين كانوا معتقلين في سجون الأنظمة العربية الفاشية، مثل سيد قطب(1906-1966)
[10] في مصر، وعلي بن حاج[11] في الجزائر وغيرهم الكثير.

إنطلاقاً من هذا الفكر، فرّخت حركة الاخوان المسلمين العديد من التنظيمات والحركات التي انشقّت عنها، محتجّة على "الإسلوب التربوي"، الذي تمسكت به، رغم الاعتقالات ومحاربة السلطات لها ومصادرة حقوقها حتى في إصدار نشرة أو إعلان حزب. وكان سيد قطب الذي تبنى مقولة العلاّمة الهندي، أبو الأعلى المودودي (1903-1979م)
[12]، حول "حاكمية الاسلام". قد خطّ أفكاره في كتيب صغير كتبه من خلف القضبان في سجون الناصريّة، بعنوان "معالم في الطريق". وقسّم فيه المجتمعات بين مجتمعات إسلامية وأخرى جاهلية، بمعنى دار الاسلام ودار الحرب.

يقول قطب في كتابه الشهير "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية. تصوّرات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير ممّا نحسبه ثقافة إسلاميّة وفلسفة إسلاميّة وتفكيراً إسلاميّاً، هو كذلك من صنع الجاهليّة"
[13]. وفي رأي قطب "تدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم أنها مسلمة"[14].

ويشدّد قطب في أفكاره على عدم التشبّه بـ "الكافرين". ويحتجّ على ذلك بالآية التي تقول "يا أيها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياء"
[15].
وأخرى تقول "ما يوّد الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم خير من ربّكم"
[16]. إضافة الى الحديث النبوي الذي يقول: "لتتبَِعنّ سُنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى ؟ قال فمن؟".


وفي استراتيجيات الحركات الاسلاميّة، قتال حتمي لـ "المشركين والكافرين والضاليّن والمرّتدين". وإن كانت الضرورات السياسية والاجتماعية والظروف الذاتية لهذه الحركات، تبيح محظورات السكوت عنهم.
فغياب قتالهم "ظرفياً" لا يعني التخلّي عن أحكام التكفير والاتهام بالشرّك والضلال، ومروحة هذه الأحكام تتوسّع حسب توسّع مروحة الاختلافات في الفهم والتفسير.
ولدى الحركات الاسلاميّة مسوّغ قوي يعتدّون به لقتال حكوماتهم التي تزعم أن مصادر التشريع لديها "اسلامية". فهم يحتجّون بالآية التي تقول:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
[17].

ويعتبر حزب التحريرالاسلامي، أن الحريات: حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية الملكية والحرية الشخصية، تتناقض مع أحكام الاسلام .. فالمسلم ليس حراً في عقيدته فإنه اذا ارتدّ يُستتاب فإن لم يرجع يُقتل.. والنظام الديموقراطي نظام كفر، فهو من وضع البشر، وليس أحكاماً شرعية، لذلك كان الحُكم به حُكماً بالكفر"
[18].

وهناك من يرى أن الشيعة مُشركون، كونهم يتوسلّون بأهل البيت ويؤمنون بعصمة الأئمة الاثني عشر، ومنهم من يتهمهم بالكفر على اعتبار انهم يرجعون الى كتاب كانت فاطمة بنت النبي تدوّن فيه ما تسمعه عن أبيها وسُمي "مصحف فاطمة". وأصبح بعض مغالي السنّة يتوهّم أن "مصحف فاطمة" هو بديل عن القرآن ما يوجِب تكفير كل من يؤمن به. ويحتجّ السنة باتّهاماتهم الكثيرة للشيعة، بمبدأ التقيّة التي يؤمن بها الشيعة، على اعتبار أن هذا المبدأ يجيز لهم أن يعلنوا ما لا يضمرون.

واذا ما توسّع المرء في ما أتى به الشيعة والسنّة على السواء من نظريات وأحاديث ومقولات وتكهنات، لتوضّحت لديه الصورة: كم هو العقل مستبعَد ومُصَادر في الحقل الديني الاسلامي (ولا نريد الاستطراد إلى حقول الأديان الأخرى التي لا تقل خطورة عن الاسلام لجهة أساطيرها وصورها غير العقلانية).

وبالعودة الى استراتيجية سيد قطب، والتي يتبنّى مضمونها أو مدلولاتها معظم ابناء الحركات الاسلامية أو المتدينين، من سنّة وشيعة على السواء، يقول في كتابه الشهير "فإذا كفّ الله أيدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد، فهذه مسألة خطّة لا مسألة مبدأ، مسألة مقتضيات حركة لا مسألة عقيدة"
[19].
بمعنى أن ما يجهر به هؤلاء، ليس بالضرورة هو ما يعبّر عن صدق توجّهاتهم. والقول بالمبادىء قد يختلف عن التفكير بمضامينها وايحاءاتها. وباب "درء المفسدة" أو "سد الذرائع"، يحتمل الكثير من التأويلات في ما لو مُورس بعيداً عن سلطة العقل.
ولدى الدروز ما هو مشابه من حيث التعامل مع المجتمع بغير ما يؤمنون به من خلال مقولة سائدة بينهم تقول" الاستتار بالمألوف بين أهله". والأهل هم كل من يقيم لك معروفاً من دون أن يكون متفقاً معك في العقيدة.


ومن الواضح أن الفقهاء توسّعوا في تحديد معنى كل من المُشرك والكافر والضّال والمُنافق والفاسق، وغيرها من مُدرجات على "لائحة الاتّهام السوداء". حول هذا الأمر يقول الشيخ علي بن حاج في كتابه الذي خطّه خلف قضبان السجن: "المُراد بالكفر البوّاح الخروج عن أحكام الشريعة، إمّا بتبديلها أو الرضا بقانون وشرع غير شرع الله ، فمن فعل ذلك وجب منازعته والخروج عليه وردّ الأمر الى نصابه. ولا يُشترط أن يعلن هو بنفسه الكفر، كما يذهب اليه الكثير خطأ. وذلك يكفّرُون ثم يُخرَجون والحق أن الخروج يجب ولو لم يعلَن الكفر صراحة"
[20].

نجاسة المشركين
وثمة فارق ما بين نصوص التشريع الأساسية من آيات وأحاديث وبين الفتاوى المتداولة التي يُطلقها أنصاف المشايخ من هنا وهناك حول تكفير الآخر أو اتّهامه بالشرك ووصفه بالنجس على غرار الكثير من علماء المسلمين من شيعة وسّنة. بعضهم لا يأكلون عند من هم من خارج الملّة، ولا يشترون منهم البضائع ولا يجابرونهم في الأتراح ليتجنبوا قول "رحمه الله". كل ذلك لاعتبارهم "نَجَسْ". مصداقاُ للآية القرآنية " إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ "
[21].

ويذهب مغالو الشيعة أبعد من ذلك باعتبارهم أهل السنّة نجس أيضاً، مسوّغين أحكامهم انطلاقاً من بعض الكتب الصفراء التي تتّهم بعض أهل السنّة بالنواصب، كونهم وقفوا مع معاوية بن أبي سفيان ضد الامام علي بن أبي طالب، وسموا بالنواصب بزعم انهم يناصبون العداء لأهل البيت. وفي حقيقة الأمر هذه الفئة التي انحازت لمعاوية ويزيد ضد أهل بيت النبي، لم تعد موجودة في المجتمعات السنيّة اليوم الاّ لدى من لا يفقهون في التاريخ الاسلامي وفي تراث المذهب السنّي.
ويمكن القول، أنه ومنذ منع الخليفة عمربن عبد العزيز مسبّة ولعن أهل البيت من على منابر المساجد الأموية، لم يعد هناك لدى السنة من يكنّ كرهاً لأهل البيت، بيد أن بعض المغالين يفضلون الصحابة على أهل البيت، ويتعاطون معهم بدرجة المعصومين، حتى لو كان من أهل البيت من هو أكثر علماً وأوسع معرفة في أمور الفقه والدين.

في المقابل، يصف بعض مغالي أهل السنة أبناء الطائفة الشيعيّة بالروافض أو بالرافضة، لأنهم رفضوا خلافة الشيخين أبو بكرالصدّيق وعمربن الخطّاب ومن بعدهم عثمان بن عفّان. ويوجب هؤلاء قتل "الروافض" كما يحدث في العراق وباكستان.
كما يتعاطى بعض مغالي أهل السنّة مع الشيعة كـ "نَجَس"، على اعتبار أنهم "مشركون"، بحكم رجوعهم الى أهل البيت في كل شاردة وواردة، وتفضيلهم الائمة على الأنبياء، والتوسّل بأئمة أهل البيت في الدعاء والاستخارة وغيرها.
والحديث عن الشرك في الإسلام مسألة معقّّدة جداً، اذ أن الأخلاق الإسلامية تحرّم على الأبناء مقاطعة آبائهم الاّ في حال الشرك. وفي الآية ما يؤكد ذلك: "فأصدع بما تُؤمر وأعرض عن المشركين"
[22].
وفي شأن نظرة الشيعة الى الصحابة، لا سيما الخلفاء الثلاثة(أبو بكر وعمر وعثمان)، يقول بعض الشيعة المتنورين، إن الخلفاء ليسوا كفاراً ولا يجوز لعنهم، كما تفعل بعض العامّة من هذه الطائفة. وفي بحث ، جاء رداً على اتّهام الشيخ الوهابي محمد بن سلمان البراك، للشيعة بتكفير الصحابة، يقول العلاّمة محمد مهدي الآصفي "وليس من رأينا ولا من رأي أحد من علماء الشيعة المتقدّمين منهم والمتأخرّين تكفير أحد من الصحابة، فضلاً عن عامّتهم ، كما يقول البرّاك. ولا ننفي هذه النسبة عن بعض الغُلاة من فرق الشيعة، غير أننا لا نقول بقولهم، ولا نقرّهم على ذلك ولسنا منهم في شىء" ويضيف في موضع آخر: "نحن نتبرأ من القول بتكفير أحد من أصحاب رسول الله(ص)"
[23].


ومن غلاة السنّة من يقول أن الشيعة "ضالّون"، كونهم يؤمنون بأعلمية الامام علي على غيره من الصحابة الذين نزلت آيات قرآنية بحقّهم، وهم المبشرون بالجنّة، وبينهم علي نفسه.
ومنهم من يعتبر الشيعة "كفّاراً"، بحكم ايمانهم بـ "مصحف فاطمة" واعتقاد بعضهم بأن "الائمة المعصومين" يعلمون الغيب، وأنهم يؤمنون بتحريف القرآن، وبعقيدة البداء(التي تقول بأن الله قد يغيّر حكماً أتى به من قبل من أجل اهل البيت) وأن لديهم مصادر تشريع أخرى لا يكشفون عنها، انطلاقاً من مبدأ التقية.
هذا على مستوى السنّة والشيعة، لكن ما هو موجود بين الفرق السنيّة أيضاً أعظم بكثير، إذ تعتبر كل فئة من فئات المسلمين نفسها هي الفئة الناجية، تماهياً مع الحديث النبوي يقول: "تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، كلها في النار حاشا واحدة، فهي في الجنة".


في أي حال، يُمكن للمسلمين أن يلتقوا على كلمة سواء، هم أولى بممارستها في ما بينهم من اقتصارها على العلاقة مع "النصارى". والآيات كثيرة في هذا المجال. وجاء في القرآن الكريم في صورة الكهف الآية 29: "َقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن ومَن شَاء فَلْيَكْفُرْ". وفي صورة "الكافرون" الآية السادسة، يقول "لكم دينكم ولي دين" ).
وليس هناك ما هوأدلّ على وجود وسطيّة في الإسلام من تأكيد المفكّر المصري محمد عمارة في كتابه " فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية"
[24] " أن الإسلام ليس فيه سُلطة سوى الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر, وأنه ليس لمسلم، مهما علا كعبه في الإسلام، على آخر مهما انحطت منزلته فيه، إلا حق النصيحة والإرشاد، وبالتالي لابد من صيانة الإيمان من التكفير العبثي وعبث التكفيريّين".



الوهابيّة و"العقيدة الصحيحة"

ولعلّ أخطر ما في دوافع التكفير، الرؤية الآحادية الجانب، التي تقول بالفئة الناجية، أو اصحاب "سفينة النجاة"، أو "سلامة عقيدتنا وفساد الأخريات". وهذا ما اعتادت عليه جميع الفرق مع نسبية تبلورها في النصوص أو الواقع. وربما كانت الوهّابيّة، قد ذهبت أبعد من غيرها بكثير في هذا الامر اذ فُرِضت كمذهب وحيد في السعودية، وأصبحت فتاوى علمائها تنخر جسد الأمة الاسلامية من شرقها الى غربها بحكم الاغراءات المالية او اللعب على الأوتار المذهبية. ويروي أحد مشايخ الوهابية، الشيخ ناصر العقل، انه "حين اطلع علماء مكة وغيرهم على الدعوة ومنهجها عن كثب وحاوروا علماءها وأميرها سعود بن عبدالعزيز، وعرفوا أنها هي الدين الحق، واعترفوا بهذه الحقيقة قالوا: (نشهد –ونحن علماء مكة، الواضعون خطوطنا، وأختامنا في هذا الرقيم- أن هذا الدين، الذي قام به الشيخ : محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله تعالى -، ودعا إليه إمام المسلمين: سعود بن عبدالعزيز، من توحيد الله، ونفي الشرك، الذي ذكره في هذا الكتاب، أنه هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب. أشهد بذلك، وكتبه الفقير إلى الله تعالى: عبد الملك بن عبد المنعم القلعي، الحنفي، مفتي مكة المكرمة، عفي عنه، وغفر له"
[25].

بيت القصيد، أن ثمة خيط رفيع فاصل بين التفكير والتكفير، ففي حين يمكن للأول أن يلعب دوراً رائداً في جلب المصالح لأبناء المجتمع الواحد على اختلاف مشاربهم وأهوائهم، يلعب الآخر الدور الأكثر ظلماً بحق الانسانيّة، من حيث أحكامه المُعلنة أومن خلال صوره المُعاشة في الواقع وتداعياتها المُدمّرة.


[1] - هوأحمد بن عبد الحليم أبو العباس (، الملقب بشيخ الإسلام ولد في 661هـ) في حران وهي بلدة تقع في الشمال الشرقي من بلاد الشام في جزيرة ابن عمرو بين دجلة والفرات. توفي في سجن قلعة دمشق عن 67 عاما في سنة 728 هجرية، وله العديد من المؤلفات أشهرها: "الجمع بين العقل والنقل".

[2] - هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان المشرفي الوهيبي. ولد في العيينة في الجزيرة العربية. من اشهر مؤلفاته "كتاب التوحيد" و "الاصول الثلاثة".

[3] - الإسراء : 70
[4] - قرآن كريم: التوبة: 29-32
[5] - المصدر نفسه: المائدة 73
[6] - المصدر نفسه: المائدة:82
[7] - المصدر نفسه: فصلت / 34 ـ 35
[8] - المصدر نفسه: آل عمران / 159
[9] - المصدر نفسه: آل عمران 128
[10] - سيد قطب إبراهيم الشاذلي، كاتب وأديب ومنظر إسلامي ،يعتبر من أكثر الشخصيات تأثيراً على الحركات الإسلامية التي وجدت في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وهو من حركة الاخوان المسلمين، له العديد من المؤلفات والكتابات حول الحضارة الإسلامية، والفكر الإسلامي ومنها التفسير الادبي للقرآن بعنوان "في ظلال القرآن" ( 6 اجزاء) أعدمه النظام المصري في 29 اغسطس/آب 1966،.

[11] - علي بن حاج، نائب رئيس جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر، اعتقل في صيف العام 1991 الى جانب رئيس الجبهة عباسي مدني، اثر انقلاب المؤسسة العسكرية على نتائج الانتخابات النيابية، التي فاز فيها الاسلاميون. واُطلق في العام 2003.
[12] - هو زعيم الجماعة الاسلامية في الهند، ولد في مدينة أورنك أباد في ولاية حيدر أباد، من أسرة اشتهرت بالعلم الديني
[13] - سيد قطب ، معالم في الطريق: دار الشروق ص 21 ط- القاهرة 1990
[14] - سيد قطب، المرجع السابق- ص151
[15] - قرآن كريم: المائدة 51
[16] - قرآن كريم: البقرة 105
[17] - قرآن كريم: المائدة-44
[18] - دستور حزب التحرير- ص57-59

[19] - سيد قطب، المرجع السابق، ص91
[20] - علي بن حاج، "فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكّام" ص39- دار العقاب بيروت 1994
[21] - القرآن الكريم: التوبة 28
[22] - القرآن الكريم: الحجر94
[23] - العلاّمة محمد مهدي الآصفي، "وقفة مع الدكتور البرّاك"،"رسالة الثقلين"، ربيع 1008 -العدد 59،
[24] - محمد عمارة، " فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية"، وزارة الأوقاف المصرية، القاهرة
الطبعة: الأولى/2006
[25] - مجموع فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية - المجلد الثامن عشر (العقيدة).

مجلة "فكر" العدد 102-شتاء 2008-بيروت

16‏/1‏/2009

الأحكام السلطانيّة وبدعة فقهاء الوهّابيّة

معمر عطوي
ليس جديداً على الوسط الإسلامي ما أعلنه المفتي العام للسعودية، رئيس هيئة كبار العلماء، عبدالعزيز آل الشيخ، من أن التظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، هي «أعمال غوغائية وضوضاء لا خير منها». بل هو كلام في سياق العديد من الفتاوى التي تنتشر في بلاطات السلاطين وأروقة الحكّام.ليس هناك ما هو أدلّ على ذلك، أكثر من فتاوى «الديار» المصرية، التي تذرّعت بمفهوم «عدم إلقاء النفس في التهلكة»، من خلال الخضوع لقرارات القيادة السياسية «الحكيمة»، التي من شأنها تجنيب الدولة التصدّع والانهيار.
من هنا، كان التركيز على الآية القرآنية «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكّل على الله إنه هو السميع» (الأنفال ـــــ 61). بيد أن هؤلاء الفقهاء تغاضوا عن عشرات الآيات التي تحث على الجهاد والدفاع عن الكرامة والمال والنفس والدين والأمة، و«جاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم» (التوبة ـــــ41).
ثنائية واضحة بين الفقيه والسياسي، برز عريّها عند اتفاق كامب دايفيد المشؤوم بين مصر والدولة العبرية، حين انبرى الفقيه ليضفي المشروعية على خيانة الحاكم، بينما أطلق الحاكم يد الفقيه في المجتمع من خلال «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، ليفتي هذا الفقيه بقتل كاتب أو سجن فنان، أو ليحاسب الناس على مسائل تتعلق بحريّاتهم الشخصيّة تحت شعار معمول به في معظم الدول العربية والإسلامية، إن «مصدر التشريع هو الإسلام». مفارقة مذهلة، تبيّن مدى عقم العلاقة بين طرفي المعادلة القائمة، حيث يصبح رجل الدين في خدمة السلطان، متذرعاً بالآية «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» (النساء ـــــ 59).
على المنوال نفسه، أتت الوهابية في السعودية، لتخلق ثنائية جديدة بين العائلة الحاكمة سياسياً، والجماعة المسيطرة اجتماعياً. وأسست نمطاً جديداً من التشريع يدّعي التمسّك بالقرآن والسنة النبوية ونبذ «البدع». بل انتشر هذا النمط بصور مشابهة في دول المنظومة الخليجية، آخذاً في الاعتبار البُعد القبائلي والتقاليد الاجتماعية، على أساس أنه العرف السائد. والعرف في نظر معظم الفقهاء، مصدر من مصادرالتشريع.
لم يعد غريباً أن نسمع فتاوى، تحت حجج «درء الفتنة»، منسجمة تماماً مع تعليمات «وليّ النعمة»؛ وظيفة الفقيه هنا البحث عن مسوّغ شرعي، بغض النظر عما إذا كان المسوّغ منسوخ بمسوّغ شرعي آخر، أو إذا كانت الظروف الزمانية لإطلاق الحكم، مغايرة للظروف الحالية، وخصوصاً أن القرآن «حمّال أوجه».ربما كان آل الشيخ، الذي تربطه صلة قرابة مع آل سعود، محرجاً في البداية من إطلاق فتوى تناقض رأي الشارع ونبض الناس. لكنه أطلق «بالون اختبار»، حين أوعز قبل أسبوع من إطلاق فتواه، إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان، أن يصف التظاهرات بأنها «استنكار غوغائي». بالون اختبار رصد من خلاله ردة فعل الشارع السعودي (لكون الشارع العربي خارج اهتماماته، كما هي غزة خارج اهتمامات شيخ الأزهر المصري محمد سيدطنطاوي).
وعندما وجد مفتي آل سعود، أن هذا الشارع يمكن تنفيس غضبه بإطلاق حملات التبرعات المالية والعينية، تجرأ على فتواه الشهيرة التي قصمت ظهر بعير المؤسسة الدينية السنيّة. كما حدث مع رديفتها الشيعية في العراق منذ غزو بلاد الرافدين، حين سوّغت الاستعانة بـ«الشيطان الأكبر» من أجل إنهاء حكم البعث الظالم.ولم تكن فتوى آل الشيخ التي أطلقها حديثاً، أكثر غرابة من تحريمه فتح معبر رفح أمام أهل غزة المحاصرين بحجة الحفاظ على وحدة الدولة المصرية وأمنها، مشيراً إلى أن حاكم مصر هو من ينظر في مصلحة فتح المعبر أو عدمه (مقابلة على قناة سعودية الأسبوع الماضي). ولم يقف الشيخ عند هذا الحد، بل أطلق فتوى أخرى أدهشت مقدّم البرنامج نفسه، حين قال: «يحق للمسلم أن يودع أمواله في أي مكان يراه آمناً، حتى لو كان في أميركا». وحين لفت المقدّم إلى أن أميركا «بلاد الأعداء»، أجاب: «وإن يكن»، من دون أن يتذكّر الأزمة المالية التي وقعت فيها هذه البلاد أخيراً. ويقول آل الشيخ في هذه المقابلة المتلفزة والمباشرة التي أُتيح لكاتب هذه السطور بالصدفة، متابعة جزء منها: «نحن لا نستطيع أن نجبر أصحاب الأموال على مساعدة الفقراء في أفريقيا، هم أحرار بأموالهم أين يودعونها».وليس من المناسب في هذه العجالة، التطرق إلى الفتاوى التي تتحدث عن جواز الزواج من البنات الأطفال.لعلّ ما كان يؤخذ على المؤسسة السنية الرسمية من ارتهان للسلطة السياسية بسبب تبعيتها الإدارية والمالية للحكومة في هذا البلد أو ذاك، قد انسحب أيضاً على المؤسسة الشيعية التي لم تكن يوماً رسمية إلّا في ايران، وفي لبنان، حيث يتبع رئيس المجلس الشيعي لرئاسة البرلمان.فالسقوط الذي تعيشه المؤسسة الدينية يبدو متشابهاً، حيث يتكرر مشهد عناق بين السيد عبد العزيز الحكيم وممثل الاحتلال في العراق بول بريمر، مع مصافحة تمت بين الشيخ طنطاوي ورئيس كيان العدو، شيمون بيريز، في نيويورك منذ شهرين.كان هناك مقولة تشير الى تحرّر فقهاء الشيعة أكثر من فقهاء السنة، «الرسميين»، من حيث «صياغة» الفتوى. وفي هذه المقولة مغالطة، حيث يتبيّن أن ارتهان بعض فقهاء الشيعة لم يكن للسلطة السياسية، بل للمجتمع (وما فيه من تخلّف وجهل). المجتمع الذي يدفع أموال الخمس لعلماء الدين، بغية توزيعه أسهماً على المحتاجين، ومنها الثلث لإمام الزمان المهدي المنتظر، والثلث الآخر للسادة (أي العلماء من أهل بيت النبي). بذلك، يكون المال والسلطة توأمين في جرّ الدين إلى حظيرتهما، وتطويع الفتوى لما يلائم مصلحة الحاكم أو صاحب المال؛ قد تكون إيران هنا الاستثناء الوحيد، حيث يتبع السياسي للفقيه بدلاً من تبعية الفقيه للسياسي.في أي حال، تبرز إشكالية الوهابيّة وغيرها من المؤسسات الدينية، في الذرائعية، التي تلجأ إلى النص الديني بغية شرعنة فتاواها، ولا سيما القاعدة الشرعية التي تقول إن أهم مقاصد الشريعة تتمحور حول جلب المصالح ودرء المفاسد.
وفي نظر وعاظ السلاطين هؤلاء، أنّ المصالح تتجسد بحفظ الدولة والسلطة، حتى لو كانت جائرة. هنا تتجلى «الأحكام السلطانية» لأبي الحسن الماوردي، الذي كان يرى أن مشروع الإسلام هو مشروع الدولة، وأن الدولة جزء من مشروع الإسلام. مفضّلاً مسألة الحفاظ على الدولة حتى ولو كان رأسها «فاسقاً» أو «فاجراً» على العمل وفق النهج الإسلامي في إغاثة الملهوف والمظلوم ومقاومة المعتدي والظالم.وفي هذا الموضوع، قصر نظر واضح، حيث يسعى الفقيه لإرضاء السياسي، من أجل مصالح مادية وآنية ضيقة، فيما يفترض بالفقيه أن يكون صاحب استراتيجية طويلة المدى، لا تتعلق بالحفاظ على مكتسبات موجودة على حساب مشروع نهضوي تحرري طويل، ولو تطلّب العديد من الضحايا والخسائر.بهذا المعنى، تحتاج المؤسسة الدينية إلى فقهاء مناضلين، أمثال عز الدين القسام وعباس الموسوي وأحمد ياسين، ومحمد باقر الصدر. فقهاء يتحدثون بنبض الناس، يقاومون الظلم بعيداً عن تذمّر الحاكم أو دافع الأموال الشرعية. لأن معركة الحفاظ على الكرامة لا تنظر إلى معادلة الربح والخسارة إلا بحدود مصلحة المقاومة نفسها والظروف المحيطة بها والوضع الميداني المُتاح لفعل المقاومة. وما عدا ذلك هو فتاوى من شأنها تعزيز سلطة الظلم على حساب العدل، وتسويغ الخيانة لتصبح «اجتهاداً»، إن أخطأ صاحبه فله أجر واحد، ولتذهب الضحية إلى الجحيم.على كل حال، غزة اليوم لا تحتاج إلى فتوى كي تدافع عن نفسها. رجالها أسمى من فتاوى هؤلاء الأقزام الذين يلتحفون عباءات «القداسة.
الأخبار: 16كانون الاول 2009

6‏/1‏/2009

شبح الحرب النوويّة في شبه القارة الهنديّة

لم تشهد العلاقات الهندية ـــ الباكستانية منذ حرب عام 1971، توتراً يماثل ما حدث عقب هجمات مومباي الأخيرة التي أسفرت عن سقوط نحو 181 قتيلاً، لكن قرار الحرب لا يبدو في مصلحة أحد في المرحلة الحاليّة
معمر عطوي
ربما أنهت اتفاقية شملا (1972) بين الهند وباكستان بشأن إقليم جامو وكشمير، مرحلة من النزاع تخللتها ثلاث حروب (1947ــــ1965ــــ1971). لكن المنعطف الأهم على طريق التهدئة بين البلدين، كان في عام 2004، حين وقّعت نيودلهي وإسلام أباد عملية سلام استمرت مفاعيلها حتى تشرين الثاني الماضي، حين تعرضت العاصمة الاقتصادية الهندية، مومباي، لهجمات عنيفة قام بها متشددون يشتبه بعلاقتهم مع باكستان. هجمات لم تشهد الهند مثيلاً لها منذ عام 2001، حين هاجم إسلاميون متشددون مبنى البرلمان في نيودلهي.ويبدو أن الوضع الداخلي لكل من الجارتين النوويتين، دفع بالأمور قدماً نحو التصعيد، لتعود قضية جامو وكشمير إلى دائرة الضوء مجدداً، بعدما لجمت السلطة الحركات الجهادية في هذا الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان منذ الانفصال في عام 1947.باكستان من جهتها، تشهد نمواً متزايداً للحركات الإسلامية، ولا سيما حركة طالبان ورديفاتها، مثل «جيش محمد» و«لشكر طيبة» (جماعة طيبة)، التي تضغط باتجاه تصعيد التوتر مع الهند بهدف تحرير الجزء الأكبر من كشمير الذي يتبع لسلطات نيودلهي، وتعزيز الدعم اللوجستي لحركة طالبان الأفغانية في منطقة وزيرستان القبائلية.أما على الجانب الهندي، فتسعى أطراف هندوسية متشددة إلى الثأر من هجمات مومباي، بعد اتهامات هنديّة للاستخبارات الباكستانيّة بالتورّط فيها. غير أن التوتر وضحت معالمه أكثر، حين سحبت باكستان بعض قواتها العسكرية من شمال غرب البلاد المضطرب (منطقة القبائل) وأرسلتها إلى الحدود مع الهند. تصعيد قابله موقف هندي مشابه توّج في الأيام الأخيرة من خلال تسليم الحكومة أدلة بشأن تفجيرات مومباي، إلى الولايات المتحدة وباكستان، بما يؤكد حسب وزارة الخارجية الهندية، أن التفجيرات «لها صلة بعناصر في باكستان».هذه الخطوة الهندية، بدت بمثابة محاولة أخيرة تقوم بها نيودلهي لتجنب وقوع حرب بين البلدين. إذ إن شرط تسليم إسلام أباد المتورطين بهجمات مومباي وغيرها نقطة أساسية لإنقاذ شبه القارة الهندية من حرب «النوويتين».كذلك تسعى إسلام أباد إلى إزالة أي أسباب قد تؤدي إلى اندلاع الحرب، وإلى تفادي العزلة الدولية (في حال تورطها بدعم الإرهاب)، إضافة إلى محاولتها تجنب انفلات الأمور داخلياً، حيث تسعى الأحزاب الإسلامية إلى استلام السلطة.في المقابل، لا يمكن لحزب «المؤتمر» الحاكم في الهند، أن يتجاهل دعوات حزب «بهارتيا جاناتا» للثأر من مرتكبي «أعمال إرهابية» في عقر داره، وهو على أعتاب انتخابات برلمانية عامة في الربيع.فالحكومة، بنظر معارضيها، «تراخت وتقاعست» عن التصدي للإرهاب، وخصوصاً أن هجمات مومباي كانت الأخطر، لكونها استهدفت الشريان الحيوي للهند، وطالت محطات سكك حديدية ومستشفى ومركزاً يهودياً، ومقهى وفندقين فخمين. لذلك رضخ رئيس الوزراء مانموهان سينغ، للمعارضة القومية، مهدداً باتخاذ إجراءات ثأرية، خلال جولته على مومباي برفقة مرشح رئاسة الوزراء عن حزب «بهاراتياجاناتا»، ل.ك. أدفاني. جولة غير مسبوقة كهذه كانت مصدر قلق لمسلمي الهند، إذ إن أدفاني عضو دائم في تنظيم «آر. اس. اس» الهندوسي المتشدد.أحداث مومباي هي التي قسمت ظهر البعير، حيث بدا قادة «المؤتمر» في تماه واضح مع خصومهم من الصقور، واضعين الأسلوب الغاندي لمعالجة الأزمة على الرف، ظناً منهم أن صناديق الاقتراع لا يمكن أن تمتلئ لمصلحتهم إلا من خلال رائحة البارود.بأي حال، الطرف الباكستاني هو الأضعف في هذه المحاولة، حكومة ضعيفة، عالقة بين «الجهاديين» ومطالب واشنطن.أمّا نيودلهي فهي في وضع مريح أكثر، ولا سيما أنها تستطيع التوفيق بين إرضاء واشنطن من جهة، وتعزيز علاقاتها مع محاور أخرى كموسكو. إلا أن للهند المقبلة على انتخابات تشريعية المصلحة الأكبر في التوتير.
عدد الثلاثاء ٦ كانون الثاني ٢٠٠٩