29‏/12‏/2007

إيران: «نصر» نووي ينتظر ترجمة داخلية

إيران: «نصر» نووي ينتظر ترجمة داخلية
معمر عطوي
يمكن وصف عام 2007 بالنسبة إلى إيران بأنه العام النووي بامتياز، إذ شهد احتدام الجدل بين طهران والغرب، على خلفية البرنامج النووي المثير للجدل، ووصلت المواجهة بينهما إلى ذروتها، لتخرج الجمهورية الإسلامية في نهاية المطاف «منتصرة» بتقرير استخباري أميركي يثبت أنها أوقفت الأنشطة النووية العسكرية منذ عام 2003يصح القول إن طهران انتهت عام 2007 من «الفترة الصعبة» للقضية النووية، على حد تعبير ممثل المرشد الأعلى في مجلس الأمن القومي، علي لاريجاني، الذي أوضح أن بلاده، بعد مضي أكثر من عامين، «توصلت إلى قدرة نووية لا يستهان بها».ويبدو أن التقرير الأميركي، الذي أعده 16 جهازاً استخبارياً، والذي «برأ» طهران من قضية العمل على إنتاج قنبلة ذرية في الوقت الحالي، ساعد طهران على تجنب رزمة جديدة من العقوبات الدولية، وذلك بعد معارضة كل من روسيا والصين لقرار جديد في مجلس الأمن الدولي، ولا سيما أن العام الجاري شهد قراراً مماثلاً، هو الثاني من نوعه في غضون سنتين، حمل الرقم 1747.وإذ قالت طهران، على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد، إن هذا القرار هو مجرد «قصاصات ورق» لا قيمة لها، واصلت واشنطن تشديد إجراءاتها الأحادية، التي تمارسها على المصارف والشركات الدولية الكبرى لردعها عن الاستثمار في الاقتصاد الإيراني، وأصدرت قراراً تاريخياً باعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.وظهر الانقسام بين القوى الكبرى عند منعطفات عديدة، حيث فشلت الدول الست (5+1) في التوصل إلى قرار بالعقوبات المشددة. وتجلى الانقسام أكثر إثر التقرير الاستخباري الأميركي، فبدت واشنطن، ومن خلفها لندن وباريس، من دعاة تشديد العقوبات مع إبقاء خيار الحرب مطروحاً على الطاولة.على الجانب الروسي، كانت العلاقة جيدة مع طهران لولا المماطلة التي سارت بها موسكو لأشهر بشأن إنهاء مفاعل بوشهر الكهروذري، الذي كان من المفترض تدشينه في أيلول الماضي. غير أن العقدة شهدت أخيراً بعض الحلحلة، بعدما توصّل الجانبان إلى تسوية تقضي بتدشين المفاعل في ربيع العام المقبل.طهران دخلت المشهد السياسي العالمي من بابه الواسع في عام 2007، إذ تمكنت من تعزيز صناعاتها الدفاعية والعسكرية، فأعلنت إنتاج صواريخ يصل مداها إلى 1800 و2000 كيلومتر وغواصات حربية وطائرات مقاتلة وقنابل ذكية عملاقة. وفي الوقت نفسه، واصلت عمليات تخصيب اليورانيوم، وزادت من عدد أجهزة الطرد المركزي المعدة للتخصيب في مفاعل ناتنز، ليصل عددها في أيلول إلى ثلاثة آلاف جهاز، وهي عتبة تسمح لها نظرياً، في ظروف تشغيل جيدة، بالحصول في غضون سنة على كمية من اليورانيوم العالي التخصيب تكفي لصنع قنبلة ذرية.هذه التطورات ترافقت مع مناورات عسكرية كبيرة قامت بها جميع الأجهزة العسكرية من جيش وحرس ثوري وقوات تعبئة «باسيج». وشكّلت ردوداً غير مباشرة على مناورات أخرى قامت بها القوات الأميركية في مياه الخليج قبالة السواحل الإيرانية.في المقابل، أبدت الجمهورية الإسلامية بعض المرونة في التعامل مع المجتمع الدولي، فسمحت لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة مواقع حساسة وأبدت استعدادها للكشف عن جوانب غامضة في برنامجها النووي. وجاءت النتيجة في تشرين الثاني في تقرير المدير العام لوكالة الطاقة، محمد البرادعي، الذي أكّد رفع مستوى التعاون الإيراني مع الوكالة، وإن تخوف من استمرار عمليات تخصيب اليورانيوم.وفي محاولة لتطويق ذيول أي حرب مفترضة تُشَنُّ على النظام الإسلامي، شهدت العلاقات الإيرانية ـــــ الخليجية، تحسناً ملحوظاً، إذ حاول نجاد الانفتاح على هذه الدول، التي تحتضن مواقع عسكرية أميركية كبرى. ورغم التهديدات التي أطلقها مسؤولون عسكريون إيرانيون ضد دول الخليج إذا حوّلت أراضيها إلى منطلق للهجمات الأميركية، تميزت سياسة نجاد بزيارات عديدة شملت بعض هذه الدول، ولا سيما السعودية التي زارها ثلاث مرات، فيما كان لافتاً حضوره قمة الدول الخليجية الست في الدوحة.التطورات الدولية المتسارعة سارت بالتوازي مع أزمة داخلية حادة، كان الاقتصاد أحد أبرز عناوينها الرئيسية، تمثلت بتزايد في مستوى التضخم ليتجاوز الـ 16 في المئة نتيجة ارتفاع حجم المداخيل بالعملات الأجنبية بفضل ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة. حصل ذلك نتيجة لسياسة حُسن نية اتّبعها نجاد للإيفاء بتعهد قطعه يقضي بوضع «أموال النفط على الطاولة».هذه الطفرة النفطية لم تساعد نجاد بنظر معارضيه من الإصلاحيين والمعتدلين، في تحسين سياسته الاقتصادية، وخصوصاً أن سياسة تقنين توزيع البنزين على السائقين، في بلد هو رابع دولة منتجة للنفط في العالم، أصبح يمثّل نقطة سوداء في تاريخ هذا النظام، بعدما أدى التوتر، على خلفية قرار التقنين، إلى افتعال أحداث شغب وحرق محطات توزيع للوقود في طهران وبعض المدن الأخرى.لعل ما وقعت فيه حكومة المحافظين، إلى جانب الورطة الاقتصادية، كان موضوع حرية الرأي، إذ شدّدت من السيطرة على المجتمع، فلاحقت طلاباً وسياسيين وأكاديميين بتهم عديدة، أدت إلى تحرك منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران والعالم.ولا يمكن فصل ما شهدته إيران من استقالات في قيادة الحرس الثوري وأمانة المجلس الأعلى للأمن القومي وحاكمية المصرف المركزي ووزارات التعليم والصناعة والنفط، وغيرها من المراكز، عن السياق العام لسياسة نجاد. وفسر المراقبون هذه التغييرات بأنها تأتي في سياق الاستعداد لحرب مقبلة على الجمهورية الإسلامية، بينما رأى آخرون أنها تصّب في سياسة تعزيز الجبهة المحافظة الداخلية في وجه الإصلاحيين تمهيداً لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة التي تليها انتخابات رئاسية في عام 2009.لهذا نشط المعتدلون، وفي طليعتهم الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، والإصلاحيون بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي، والمحافظون الوسطيون بقيادة رئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي، في العمل على تشكيل حلف ضم أكثر من 20 حزباً لخوض الانتخابات النيابية في آذار المقبل، موحدين في وجه المحافظين.يبدو أن القطار النووي الإيراني الذي تجلى بأقوى صوره هذا العام، يسير من دون توقف، في ظل استبعاد قيام الولايات المتحدة بضربة عسكرية لإيران. لكن الصورة السياسية خلال الأشهر المقبلة قد تحمل تغييرات في هيكلية النظام، قد تكون إحدى نتائجها إعادة الإصلاحيين والمعتدلين إلى السلطة لتنسجم سياسة طهران المقبلة مع مناخات التسويات المرتقبة، ولا سيما بعدما نجحت ثلاث جولات من المفاوضات بين واشنطن وطهران في ضبط إيقاع المقاومة العراقية.
(الأخبار)عدد السبت ٢٩ كانون الأول

27‏/12‏/2007

دموعك تصنع كآبتي

دموعك تصنع كآبتي

شفافة أنت مثل أيقونة
تشعرين باليأس حيناً
فينهمر مطر عينيك في أخاديد السواد
يجرف أفنان الارادة من دون جذورها
يطرق رذاذه صفيح قلبي، فيصنع كآبتي.

شفافة أنت مثل قنديل البحر
ُتمسك مجساته بتلابيب نخوتي
تعتصر ألمي
تولج حزنك في متاهات رؤاي.


أهرول لانتشالك من غياهب الاحباط
لنصعد معًا او نبقى في قعر الخضوع
نشق طريقنا في أرض يباب
مكسوة بأشواك المقدس وأهوال التقاليد.

تصادر الاوراق الصفراء حلمنا
تصنع حواجز بين الحب والاوردة
تقتلنا في اليوم الف مرة
بعدد مرات التقاء عيوننا
بقوة رحيق العطر يفوح من جسدك.

لا تشكريني حين انتشلك من اليأس
لاني انتشل نفسي
انا الغارق في يأسك
أنا أسير هذا التمثال الحاضر في عرشك
أنا الكئيب بدموعك...

لا تشكريني، فأنا محتاج
الى دموعك كإحتياجي لحبك.



تجمعنا طيبة القلب
ورهافة الحس
وصبر الانتظار.

قلبي سيفك المسلول في وجه التشاؤم
تنعتينني بالمغامر
نعم... انا المغامر
طامح الى مابعد النجوم
وانت مغامرتي ونجمتي وطموحي
قلبي منديل يكفكف دمعك
يسد مآقيه بقبلة، بقصيدة، بحبر الكلمات المهذبة...
معمر عطوي
27-12-2007
بيروت

19‏/12‏/2007

الحاج نجاد

معمر عطوي
لا يمكن تفسير زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الى السعودية، بأنها مجرد تلبية لدعوة وجهها إليه الملك السعودي عبد الله، لتأدية فريضة الحج، وخصوصاً أنها تأتي بعد تحولات مشهودة في الموقف الإيراني تجاه دول الخليج العربي.وقد يرى البعض أن رمزية الزيارة هي في كونها أول زيارة لرئيس إيراني يؤدي فريضة الحج بدعوة من ملك سعودي منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. لكن ما شهدته المنطقة من تطورات سياسية في الآونة الأخيرة، تجعل لهذا الحج دلالات سياسية تتجاوز الطابع الرمزي الى مرحلة من الغزل السياسي بين البلدين.في هذا المجال، من المفيد الإشارة الى أن الحاج نجاد قد كثّف من خطابه الإيجابي تجاه دول الخليج، التي كانت تخشى أن تتحوَّل بعض أراضيها الى منطلق لضربات عسكرية أميركية مفترضة لأهداف في إيران.وبما أن السعودية هي القطب الأبرز من بين هذه الدول، فإن سياسة نجاد تجاهها أصبحت تشير بوضوح إلى وجود نية إيرانية في كسب ودّ الخليج الذي يحاول التملص من التورط في حرب تخوضها الولايات المتحدة، وقد ظهر هذا جلياً أثناء الاجتماع الأمني الذي عقد قبل أسبوعين في المنامة، حيث لاقى تحذير وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس لهذه الدول من التهديد الإيراني، استهجاناً من بعض المسؤولين الذين وجدوا أن إسرائيل أخطر من جارتهم المسلمة.ولا بد من النظر بإيجابية الى تحركات الحكومة الإيرانية المكثّفة نحو دول الخليج، سياسياً واقتصادياً، التي تكلّلت بتقديم نجاد خلال حضوره التاريخي قمة دول مجلس التعاون الست في الدوحة أول الشهر الجاري، مقترحات شملت التعاون الاقتصادي والأمني. وقد أصبح نجاد أول رئيس إيراني يزور السعودية للمرة الثالثة منذ تولّيه الحكم في صيف 2005، في ما يبدو أنه محاولة جادة لتقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية، لينعكس ذلك بدوره إيجاباً على أكثر من بقعة توتر مذهبي في العالم العربي.المفارقة أن الرياض التي انتقدت دمشق مراراً متهمة إياها بأنها «تابعة» لنظام الملالي، هي من يتجه أكثر نحو تعزيز العلاقات مع طهران، في الوقت الذي تواصل فيه إطلاق سهام نقدها تجاه سوريا ونظامها.غزل سعودي ـــــ إيراني لا بد أن يجد انعكاساته الإيجابية على أكثر من ملف خلافي في المنطقة، وخاصة بعد سقوط الخيار العسكري الأميركي، وحتى خيار تشديد العقوبات حيال إيران. لكنه بالتأكيد لا يعني قراراً سعودياً بتغيير تحالفاتها في المنطقة والعالم.
عدد الاربعاء ١٩ كانون الأول

18‏/12‏/2007

صفقة بوشهر» وطموح طهران نحو الاكتفاء «النووي»

معمر عطوي
تحمل الموافقة الروسية على إرسال شحنات من الوقود النووي إلى محطة بوشهر الكهرو ـ ذرية الإيرانية، دلالات واضحة على تبدُّل في موقف موسكو تجاه بعض القضايا الاستراتيجية في المنطقة، رغم أن هذا الموقف يبقى أسير مصالح مفترضة مع الغرب.ويأتي تصريح رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيراني، غلام رضا آغازادة، أمس، عن وصول أول دفعة من الوقود النووي إلى محطة بوشهر، بعد مخاضات عسيرة شهدتها المحادثات الثنائية بين البلدين، من أجل مواصلة بناء هذا المفاعل، و«تزويده بالوقود على مدى شهرين»، حسبما قال مصدر في شركة «آتوم ستروي أكسبورت» التي تشرف على بناء المحطة.دلالات هذا التبدل في الموقف الروسي بدأت تظهر شيئاً فشيئاً منذ زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى إيران لحضور قمة دول بحر قزوين في 17 تشرين الأول الماضي. لكن مؤشرات نجاح هذه المحادثات تجلّت أكثر مع زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى العاصمة الروسية الأسبوع الماضي، حيث توصل مع المسؤولين الروس إلى اتفاق على موعد إكمال مشروع بناء محطة بوشهر.زيارة متكي هذه، لا يبدو أنها تنفصل عن تحولات عديدة شهدتها المنطقة، منها التقارب الإيراني ـــــ الخليجي والتقرير الأخير لوكالات الاستخبارات الأميركية حول الأنشطة النووية الإيرانية، وازدياد حجم التباينات بين أميركا وروسيا حول العديد من القضايا مثل كوسوفو والدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا وغيرها.لقد بدا الروس هذه المرة واضحين في موقفهم حين دحضوا نقطة أساسية من التقرير الاستخباري الأميركي أفادت عن توقف أنشطة نووية عسكرية منذ عام 2003، لينفوا علمهم بوجود أي نشاط عسكري نووي إيراني حتى قبل هذا التاريخ، علماً بأن الأشهر السابقة شهدت مماطلة بين البلدين حول بناء المفاعل، وتسليم الوقود، وذلك على خلفية اتهامات روسية لإيران بالتأخر في دفع المستحقات المالية التي تترتب عليها، الأمر الذي كانت تنفيه طهران المتخوفة من نجاح ضغوط واشنطن على الدب الروسي لعرقلة هذا التعاون. بيد أن بوتين عزا التأخير إلى معدات قديمة مهترئة تحتاج إلى تجديد، ما يشير إلى أن أسباب المماطلة ليست مالية كما يقول الروس.ثمة قراءة أخرى، يحاول من خلالها الجانب الأميركي تفسير سبب تسليم روسيا وقوداً نووياً لبوشهر. هذه القراءة أتت أمس على لسان الرئيس جورج بوش، الذي رأى أن تسليم روسيا اليورانيوم إلى إيران يعني أنها ليست بحاجة إلى أن تقوم هي نفسها بعملية التخصيب، مكرراً اتهام طهران بأنها تشكل تهديداً للسلام.غير أن اللافت في المسألة هو أن طهران، لا يمكنها الوثوق بموسكو دائماً؛ فبعد مسيرة طويلة من المماطلة، اكتشفت طهران أن الحل الوحيد هو السعي نحو الاكتفاء الذاتي. موقف كررّه الإيرانيون مراراً، وجدّده أمس رئيس منظمة الطاقة الذرية غلام رضا آغازادة، من خلال رفضه الربط بين قيام روسيا بتسليم طهران وقوداً نووياً واستمرار إيران بعمليات التخصيب.وذهب المسؤول الإيراني أبعد من ذلك، ليعلن بناء مفاعل نووي آخر « بقوة 360 ميغاوات في دارخوين» في ولاية خوزستان الغربية، مؤكداً في هذا السياق أن «الحصول على الوقود لهذه المحطة ينبغي أن يكون من (محطة التخصيب في) ناتنز».أما مدير مركز دراسة إيران المعاصرة في موسكو رجب صفاروف، فقد كشف عن أن «القيادة الإيرانية ستعرض على روسيا بناء محطتين أخريين بقدرة 3 آلاف ميغاواط وبكلفة 4 مليارات دولار أميركي تقريباً». لعل هذه المعطيات كافية لتأكيد الطموح النووي الإيراني المكتفي بذاته.
عدد الثلاثاء ١٨ كانون الأول

14‏/12‏/2007

صباح المطر


صباح المطر يا جرح قلبي
ينهمر بغزارة كأنه نظراتك العاتبة
او كأنه كلماتك العذبة
ينظف شراييني من صدأ السنين

ينهمر مطر كانون كرذاذ مشاعري
يحمل الي رسائل حبك
ألقي بمظلتي الى العابرين.

ينغرس الرذاذ بين شتات أفكاري
فأنسى العذاب ويتركني الأنين


أسابق الريح
أمتشق كلماتي اللطيفة
وعدة النحو والصرف وتعابير الحنين.

اركض من دون التفاتة نحو الوراء
او الشمال او اليمين.

أنظر نحو البرق باسماً
غير آبه لتبلّلي
انا الغريق في بحر عينيك ِ.


مطر ينهمر بغزارة
فوق سطح قلبي.

معمر عطوي
14-12-2007

12‏/12‏/2007

القطبة المخفيّة


معمر عطوي
لا يمكن تفسير الكشف عن مضمون تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية عن الأنشطة النووية الإيرانية، الذي صدر مطلع الشهر الجاري، بمعزل عن قراءة التحولات السياسية التي يمر بها الشرق الأوسط والعالم. ذلك أن السماح لـ16 جهازاً استخبارياً بنشر تقرير يتضمّن معلومات حساسة تناقض تصريحات متكررة للإدارة الاميركية وللرئيس جورج بوش، لا يمكن أن يكون قد تم بمعزل عن موافقة البيت الابيض.لكن ثمة قطبة خفية في نسيج العلاقة بين الاستخبارات والإدارة السياسية، يمكن من خلالها استشفاف لعبة توزيع أدوار، بين رئيس مصرّ على وجود خطر نووي إيراني وجواسيس يؤكدون وقف الأنشطة النووية العسكرية الإيرانية في هذا الإطار منذ 4 سنوات، وبين مؤسسات أمنية وعسكرية ترفض الوقوع مجدداً في فخ أكاذيب أسلحة الدمار العراقية.غير أن التطورات التي مرََّّت بها منطقة الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، يمكن أن تحمل مسوّغات مقنعة للإدارة الأميركية، بالرضوخ لبعض المطالب الايرانية، بهدف الخروج ـــــ بأقل خسائر ممكنةـــــ من المستنقع الذي علقت في وحوله منذ غزوها أفغانستان ومن ثم العراق، إذ يبدو أن بوش، الذي تحوَّل خطابه من تهديد بحرب نووية عالمية الى تلويح بفرض عقوبات مشدّدة على النظام الإسلامي، قد وجد سبباً مقنعاً دفعه لأن يسمح بكشف مضمون التقرير الاستخباري. لعل هذا السبب المركَّب، يبدأ من إيمان بوش العميق بأن نفوذ إيران في العراق، ورقة رابحة في يد من كان يظنهم «ملالي مجانين». وربما ينتهي هذا السبب في لبنان، حيث فشلت أميركا، ومعها إسرائيل، العام الماضي في القضاء على حزب الله، وحيث لا تزال تواجه عقبات كبيرة تحول دون نجاح مشروعها السياسي.لعبة توزيع الأدوار هذه، التي تحفظ للرئيس الأميركي «كبرياءه»، تتمحور بين ضغط سياسي كبير يواجهه داخل إدارته، تقوده وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس من أجل الدخول في تسوية مع إيران، وبين جنرالات يعملون على إجهاض أي مشروع حرب جديدة قد تقودها الولايات المتحدة وراء البحار.ومن الواضح أن الرئيس الأميركي قد وجد في هذا التقرير مُبرراً لتغيير لهجته «الاستعلائية» تجاه طهران، وخصوصاً بعد ما فقده من أوراق قوة منذ غزو جحافل جيوشه المنهزمة لبلاد الرافدين. تغير ربما يستهدف الانتقال من المواجهة المباشرة «إدارة أزمة» بانتظار السيد المقبل للبيت الأبيض، أو محاولة التوصل إلى تسوية مع النظام الإسلامي، لا بد أن تكون «مذلة» إذا ما قورنت بمعايير إدارة بوش.مهما يكن من أمر، تبدو واشنطن حريصة على الحفاظ على خط الرجعة. حرص قد يكون أبرز دليل عليه تصريح وزير الدفاع روبرت غيتس الاسبوع الماضي في المنامة عن «خطر إيراني» يتهدد دول الخليج، ودعوتها الى إقامة نظام دفاعي صاروخي جوي لمواجهته.
عدد الاربعاء ١٢ كانون الأول

10‏/12‏/2007

انتظر مجيئك

في كل يوم انتظر مجيئك
أشعر بصوت حذائك يطرق بلاط فؤادي
تبزغين من باب الغرفة كأنك الشمس
تتوهج أحاسيسي
أغالب مكابرتي بإختلاس نظرة سريعة الى وجهك
يقفز قلبي مسرعاً لاستقبالك
بيننا وريد من الوجد
أشعر انك مرآتي... تقوِّم صورتي
أبصر نفسي بين ثنايا شعرك الناعم
طيفك أقوى مني
يتخطّى الحواجز ليرافقني
يسمو بروحي فوق الكلمات
أنتظر مجيئك لتنزعي عني كآبتي
لتحضنيني بتعابير وجهك البريئة
لأشعر اني لست وحدي.
معمر عطوي
10-12-07
بيروت

7‏/12‏/2007

عندما يترنّح «الصقر»

معمر عطوي
عندما يعترف نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني بأن التقرير الأخير لوكالات الاستخبارات الأميركية، الذي أفاد عن توقف البرنامج النووي الإيراني العسكري في عام 2003، يمكن أن يعرقل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة في مواجهة طهران، فإن المسألة تستحق النظر بتمعّن أكثر في قضية العقوبات التي لا تزال محور مشاورات بين المديرين السياسيين للدول الست الكبرى (5+1).المفارقة هنا هي أن تشيني، الذي حذَّر ايران سابقاً من «العواقب الوخيمة» التي يمكن أن تواجهها ما لم توقف تخصيب اليورانيوم، قد تراجع في خطابه بعد صدور التقرير الاستخباراتي، الى القول «أعتقد أنه من المهم أن نواصل الطريق ونحاول إقناع إيران بالوسائل الدبلوماسية».أمام هذا «الصقر» الأميركي الوحيد الباقي الى جانب الرئيس جورج بوش، الذي يرى أنه مرشده الروحي، يصبح الحديث عن تبدُّل أو تليين في موقف كل من روسيا والصين، ضرباً من قصر النظر.يدعم هذا الاستنتاج رأي للمستشار الرئاسي السابق لشؤون الشرق الأوسط، بروس ريدل، الذي يقول إن التقرير الاستخباري «ساند روسيا والصين في تأكيدهما على عدم امتلاك ايران برنامج أسلحة، ولن تؤيدا الآن عقوبات جديدة» ضد طهران.وإذا كانت موسكو وبكين من الإساس قد حالتا لأشهر دون توصل القوى الكبرى الى اتفاق على عقوبات مشددة في مجلس الأمن ضد ايران، فإن التقرير الأميركي ذهب أبعد من ذلك بسحب مسألة العقوبات من التداول نهائياً، على الأقل في المدى القريب.فمندوب الصين لدى الأمم المتحدة كان واضحاً، غداة صدور التقرير، عندما أكد أن الاتفاق المبدئي، الذي جرى التوصل اليه السبت في باريس بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا لصياغة مشروع قرار عقوبات جديد، قد يخضع للمراجعة في ضوء ما أفاد به تقرير الاستخبارات الأميركية.أمّا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فقد ذهب أبعد من ذلك، بقوله إن بلاده لا تملك معلومات تفيد أن إيران كان لديها برنامج نووي عسكري قبل عام 2003، مشيراً إلى أن التقرير الأميركي «سيكون عنصراً هاماً» يحسم قضية الحاجة الى فرض عقوبات جديدة على إيران. في المقابل، فإن الولايات المتحدة بذهنيتها «الإمبراطورية» المكابرة، وبريطانيا بما تحمله من إرث استعماري، تصرّان على السير في خيار العقوبات المشددة.لكن ترنّح الصقر الأميركي يشير إلى أن جلسة مجلس الأمن في الثامن عشر من الجاري قد ترسي أسلوباً جديداً في التعامل مع «نظام الملالي»، على غرار ما فعله التقرير الجديد للاستخبارات.
عدد الجمعة ٧ كانون الأول

6‏/12‏/2007

دلالات وعبـر

معمر عطوي
يمكن وصف التقرير الاستخباري الأميركي الأخير عن إيران بأنه حمّال أوجه، رغم أنه يدحض تقريراً سابقاً صدر عن الجهة نفسها في عام 2005 عن «تصميم» طهران على تطوير أسلحة نووية.الوجه الأول يتعلق بسحب الذرائع من صقور الإدارة الاميركية، وخصوصاً الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني، لجهة ما أفاد به عن إيقاف إيران عام 2003 خططها لحيازة السلاح النووي.أما الوجه الثاني، فمن شأنه إبقاء فرضية الحرب الاستباقية على بساط البحث لدى هؤلاء الصقور، لجهة إشارته إلى احتمال إيران إنتاج كمية من اليورانيوم المخصَّب تكفي لصنع سلاح نووي «بين عامي 2010 و2015». وإلى أن الاستخبارات لديها «احتمال ضئيل» و«ثقة بدرجة متوسطة» بأن أقرب موعد يمكن أن تصبح فيه إيران قادرة تقنياً على إنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصّب لإنتاج أسلحة هو عام 2009.لكن الوجه الثالث يرسِّخ «رؤية وسطية» يدعمها دعاة سياسة العصا والجزرة (الحل الدبلوماسي والعقوبات المشددة)، وفي مقدمهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ووزير الخزانة هنري بولسون ووزير الدفاع روبرت غيتس، ومن ورائهم جنرالات الجيش.بأي حال، يُعبِّر التقرير عن «تجربة وعبرة» استفادت منها المؤسسات الأمنية والعسكرية الأميركية، بعد فشلها في إثبات تقاريرها الكاذبة عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل في عام 2002 والتي أعطت الإدارة الأميركية وحلفاءها مسوّغاً «أخلاقياً»، لغزو العراق في عام 2003!أما الحديث عن «ضغوط دولية» أجبرت طهران على وقف برنامجها كما جاء في التقرير، فلا يبدو دقيقاً، في ظل تمسك النظام الإسلامي بتخصيب اليورانيوم رغم تهديدات الغرب.ومن المفيد هنا الإشارة إلى ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» أمس من أن توقيف إيران لبرنامجها النووي في عام 2003 تلازم مع زوال خطر نظام الرئيس صدام حسين.ثمة أمر آخر أوردته الصحيفة الأميركية قد يكون أقرب إلى المنطق، يتحدث عن تبدّل في الرؤية النمطية التي كانت سائدة لدى الدوائر الأميركية عن «نظام الملالي المجانين»، وقناعة هذه الدوائر بأن حكام إيران «عقلانيون يملكون وعياً سياسياً وحنكة دبلوماسية».مهما يكن، لقد أعاد تقرير الاستخبارات خلط الأوراق من جديد على الصعيد الأميركي الداخلي من خلال تعزيز الجبهة الرافضة للحرب، والمطالبة «بسياسة جديدة حيال إيران». أماّ على الصعيد الخارجي، فيؤكد التقرير صحة وجهتي نظر الصين وروسيا الرافضتين لتشديد العقوبات على طهران، بما ينزع فتيل «تفجير» قرار جديد بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي.
عدد الخميس ٦ كانون الأول

العداء للسامية ام تقديس الاجرام

معمر عطوي
لم تنجح ثورات التغيير الثقافي في أوروبا، في انتزاع الصورة النمطية للصهيونية، من رواسب العقدة التاريخية المحملة بالذنب، من منظورذهنية مفترض ان تكون موضوعية، في تعاطيها مع المسالة اليهودية.
لعل الجدل السياسي والثقافي الذي تحمله الينا صفحات الجرائد الغربية، يظهر كيف تخرج الاراء المنتقدة للسياسة الاسرائيلية في الشرق الاوسط على استحياء وسط سهام الاتهام بالعداء للسامية.
ربما تشكل بعض الاضاءات، التي تزخر بها كتابات مثقفين وسياسيين غربيين بين وقت وآخر، ارهاصات لحراك سياسي- ثقافي جديد ينسجم مع ذهنية موضوعية مفترضة، في مرحلة «ما- بعد عصور الظلام»، لعل الكاتب النرويجي جوستين غاردر هو احد صانعي هذه الاضاءات بانضمامه الى قافلة مناوئي «تابوهات
النيو- ليبرالية»، امثال آنا ليند والاب بيار وجان جينيه، وروجيه غارودي، ويورغن موليمان ونعوم تشومسكي وجورج غالاوي الخ...
كل ما قاله الكاتب والروائي النرويجي هو ان اسرائيل بمجازرها واعتداءاتها المتواصلة على العرب خسرت شرعية وجودها. منطلقا من فكرة اساسية ان الدفاع عن النفس الذي تحاول الدولة العبرية من خلاله تسويغ مجازرها وشرعنتها لا يعطيها الحق في رفض القوانين الدولية.
من الطبيعي ان هذا الرأي لا يعجب شريحة واسعة من أعضاء «الانتلجنسيا» الغربية التي تزعم محاربة التطرف الديني والسياسي بالتسلح بتطرف آخر اسمه«معاداة السامية» الذي تحول الى « فزاعة» جعلت من قيمة الحرية في الغرب قيمة استثناءات.
يمثل هذا الاتجاه الكاتب السياسي الالماني رالف غيوردانو الذي حمل رسالة الدفاع عن الصهيونية ليشوه وجه هذه الحرية التي طالما اعتبرناها نحن في الشرق امثولة التحول نحو الافضل، متهما «زميله» النرويجي« بالعداء للسامية».
غيوردانو المولود من ام يهودية، يأبى الا ان ينضم الى قافلة الُمطبلين لـ«العهر» الصهيوني مدافعا عن مقولة «شعب الله المختار» ومدعيا ان ما قاله غاردر لا يثير اهتمامه طالما انه اعتاد هذا النوع من النقد في الاوساط الالمانية.
ربما ساهمت سياسة «طول الجلد» التي يعتمدها بعض النخب العربية، في تمسكها بالحقوق المشروعة، في احياء نهضة بدأت تنخر المجال السياسي انطلاقا من معطيات ثقافية أدركت خطورة استمرار التعامي عن هذه الحقوق التاريخية والامعان في اتهام المدافعين عنها بالارهاب، فبات من غير المقبول لدى شريحة متنورة في الغرب اليوم المزج بين الايمان بالحرية وتقديس الاجرام. لعل هذا النقاش الساخن بين كاتبين اوروبيين يشيرالى تصاعد وتيرة الحراك الثقافي واتساع مدى الرؤية السياسية الى خارج المحظورات التاريخية وتُرهات «عقدة الذنب» لعل في ذلك عودة الامورالى نصابها.
تحولات عدد 28 الخميس 6 كانون الأول (ديسمبر) 2007.

5‏/12‏/2007

بين «أثننة» السياسة وتسييس الإثنيّات



معمر عطوي
«صناعة» الإرهاب نتيجة مصادرة الحقّ في المقاومة«مصادفة الولادة» تعبير استعاره الكاتب الألماني كارستن فيلاند من جملة للسلطان صلاح الدين قالها لناتان الحكيم، ونقلها الفيلسوف الألماني غوتهولد افرايم ليسنغ (1729ـــــ1781) في إحدى كتاباته.هي مصادفة لكنها سرعان ما تتحوّل إلى مشروع كامل يبدأ من العصبوية القبائلية الصغيرة ويطمح إلى بناء دولة ـــــ أمّة تضمّ المشتركين في هذه «المصادفة»، لجهة روابط العرق واللغة واللون والتقاليد، واستطراداً الدين. انطلاقاً من هذه الفرضيّة، يعالج الكاتب الألماني موضوع الإثنيات وتأثيرها في تشكيل الكيان السياسي، ودور السياسة في تحويل الإثنية من حالة اجتماعية إلى مشروع سياسي قومي. وذلك في كتابه «الدولة القومية خلافاً لإرادتها» الذي نقله إلى العربية محمد جديد، ونشرته دار المدى في دمشق.يخصّص الكاتب عمله لمعالجة موضوع «تسييس الإثنيات وأثننة السياسة»، مخصّصاً بحثه حول واقع عاشه ميدانياً من خلال عمله صحافياً، في البوسنة والهرسك والهند وباكستان. لذلك كانت القوميّة عنده مرتبطة بالدين حتّى أنه جعل الدين هنا أحد العناصر المشكِّلة للقومية. ثنائية لا يبدو أنها دقيقة ما دام الدين لا يطرح ذاته وسط قومية معينة أو إثنية بحدّ ذاتها.يقول فيلاند «حين خرج الكتاب في عام 2000 إلى المكتبات، بدا كأنّ عقداً من السياسة الدولية قد اختتم، وكان حافلاً بألوان الصراع الإثني، وكانت معظم الأزمات والمناقشات الدولية تدور حول انموذج الإثنية بعد انحلال النماذج القديمة من الصراع أيام الحرب الباردة في أنموذج الدول القومية».بمعنى آخر، ارتبط مفهوم الإرهاب بالجماعات الإثنية التي تطالب بحقوقها السياسية، أو بتلك الجماعات، ولا سيما الأقليات، التي سمحت لنفسها أن تصبح لقمة سائغة يستخدمها اللاعبون على رقعة الشطرنج الدولية، من أجل تحقيق مصالحهم.نعم، لقد دخلت «الإثنية» و«الإرهاب» في تحالفات، وحاول الغرب أن يلصق هذه الاثنية بجماعة دينية على غرار المسلمين بعد أحداث 11 ايلول الشهيرة. لكن فيلاند هنا يرى أنّ من النادر أن يقوم التحالف بين الإثنية والأصولية الدينية، مستثنياً بذلك باكستان «التي نشأت عن طريق قومية إثنية إسلامية، وطوّرت نفسها في اتجاه الأصولية الإسلامية بعدما تمّ تحقيق مشروعها القومي الإثني».يتحدّث الكاتب هنا عن الغاية السياسية من توظيف الايديولوجيا، التي تتغذّى حكماً من مصادر الدين والثقافة، معتبراً أنّ محاولة مكافحتها قلّما تجدي على الصعيد السياسي حصراً.ويقع الكاتب في مغالطة كبيرة حين يقول إنّ «الحرب التي تتسم بالسمة الانغلو ـــــ أميركية بوجه خاص كما حدث ضدّ العراق في 2003، كانت نتيجة مباشرة لأحداث 11 أيلول، على الاقلّ عندما يتابع المرء البادئين بالحرب». يتناسى الكاتب هنا أنّ هذا الحلف الانغلو ـــــ أميركي هو من أسس ظهور العصبويات الإثنية في فلسطين والعالم العربي، وهو ما أسهم إلى حدّ كبير في ايجاد مناخات ملائمة لتطوّر جماعات إثنية أو ايديولوجية أو قومية أو دينية، تستخدم المقاومة المسلحة لتحقيق أهدافها. هذه السياسة التي دعمت الدولة العبرية، تصبّ في خانة أثننة السياسة، ومحاولة جعل دولة اليهود دولة ذات ثنائية قومية ـــــ دينية ولو بالقوّة.ثمة مغالطة تجعل مشروعية الضحية في تحصيل حقّها، سبباً للاعتداء عليها، هي الذهنية السائدة في أكثر «البلاطات» السياسية، حيث تؤدّي سياستها ذات المعايير المزدوجة ومصادرتها لحقّ الإنسان في المقاومة من أجل تحصيل حقوقه، إلى ظهور حالات متطرّفة تغذيها أفكار دينية وقومية، لتخرج بها عن سياق الحقّ المكتسب بالدفاع عن النفس وتحقيق الأهداف إلى العمل الإرهابي.هذه السياسة هي التي صنعت الإرهاب، وهي التي توظّفه سواء من خلال عصبوية إثنية أو دينية أو مذهبية في معاركها من أجل تحقيق مطامعها وأهدافها الاقتصادية.

نجاد وحلم "الدول السبع"

معمر عطوي
لم يعد الحديث عن تطمينات متبادلة بين إيران ودول الخليج العربي الست، مغرياً، على الأقل من الناحية الإعلامية، بعدما تحوَّل حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القمة الخليجية في الدوحة، إلى حدث بعينه، حمل بحد ذاته العديد من الدلالات.فقد تجاوز الرئيس الإيراني قضية بث تطمينات إلى الجانب الخليجي على غرار المعزوفة المكررَّة عن أن «البرنامج النووي سلمي»، وأن «التهديدات العسكرية لا تستهدف الضفة العربية من الخليج الفارسي»، ليؤدي دور المسؤول الذي يحمل همّ «الأمة» الإسلامية ويسعى إلى لمّ شملها وإبعادها عن التدخل الأجنبي، متجاوزاً مسألة «نحن» و«هم»، في جملة مقترحاته التي تتحدث عن تعاون «الدول السبع» بدلاً من «الدول الست». بيد أنه في الوقت نفسه جهد ضمناً لإفهام القادة الخليجيين أن هناك قضيتين خارج النقاش معهم، وهما البرنامج النووي الإيراني ونفوذ بلاده في العراق.وكان واضحاً أن الرئيس الإيراني تجنّب الخوض في الملفات الخلافية، وأبرزها مشكلة الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) المتنازع عليها مع الإمارات. كما تجنّب إثارة العديد من الملفات الإقليمية المثيرة للجدل وبينها الحشود العسكرية الأميركية في الخليج.ولعل أبرز الإشارات التي حملها نجاد إلى الحضور كان دخوله المفاجئ ممسكاً بيد الملك السعودي عبد الله، الذي شهدت العلاقات بين بلاده وإيران توترات منذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979. ودلالة هذه «الحميمية» بين الزعيمين تكمن في ما يمكن أن تتركه من انطباع إيجابي على العالم الإسلامي برمّته، حيث تؤدي السعودية دور المرجعية بالنسبة إلى الكثير من أتباع المذهب السنّي، فيما تؤدي إيران الدور نفسه بالنسبة إلى الشيعة.ربما أراد الرئيس الإيراني من خلال حضوره، الذي جاء بناءً على طلبه، تذكير الدول الخليجية بالأهمية الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية لإيران، وما يمكن أن تقدمّه هذه الدولة «الثورية» لجاراتها «الليبرالية» من فوائد، بدلاً من التهديد والوعيد.لهذا كان تركيزه على مسألة التكامل في العديد من المجالات، ولا سيما الأمنية، مُستخدماً تعبير «مجلس تعاون أمني»، على اعتبار أن «أمن دول المنطقة متشابك». وحين يقدم نجاد اقتراحاً أمنياً بهذه الصورة، تصبح مسألة «التطمين النووي» تفصيلاً لا فائدة منه. لقد حملت السلّة الإيرانية 12 مقترحاً، تدل في معظمها على نيّة إيرانية بالانتقال من مرحلة «إبداء حسن النيات» في العلاقة مع دول الخليج الست، إلى مرحلة تأسيس مجلس «لدول الخليج السبع» بضفتيها الإيرانية والعربية.لكن السؤال الذي يطرح نفسه على قادة هذه الدول، التي «تستضيف» على أراضيها قواعد عسكرية أميركية كبرى، كيف يمكن أن يتحّول كل ما قدّمه نجاد من «مغريات» الغاز والماء و«السياحة النزيهة» إلى فكرة يُمكن البناء عليها في ظل المفاضلة بين تعزيز العلاقات مع «دولة مارقة» أو «شيطان أكبر»؟
عدد الأربعاء ٥ كانون الأول

3‏/12‏/2007

قمّة «التطمينات المتبادلة» في الدوحة اليوم

قمّة «التطمينات المتبادلة» في الدوحة اليوم
معمر عطوي
ربما كان لافتاً حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تبدأ اليوم في الدوحة، في وقت تتصاعد فيه حدّة الأزمة النووية الإيرانية، التي باتت معظم دول الخليج ترى فيها تهديداً مباشراً لأمنها، وهي التي تسعى إلى إطلاق برنامج نووي مشترك في ما بينها.وقد يكون حضور نجاد، الذي يعدّ الأول من نوعه لرئيس إيراني منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، فرصة لتبادل التطمينات. تطمينات لم يترك المسؤولون الإيرانيون في الآونة الأخيرة فرصة إّلا وبثّوها، في محاولة لكسب ودّ جيرانهم الذين تزوّدوا بأسلحة أميركية بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.تطمينات لا بد منها، في وقت يواجه فيه البرنامج النووي الإيراني أزمة دولية قد تُفضي إما الى حرب أو الى عقوبات مشددة. وهي فرصة تجدّد من خلالها الدول الخليجية تأكيدها أنها لن تكون طرفاً في أي ضربة محتملة ضد إيران. لكنها في المقابل، تحتاج الى تطمين إيراني بأنها لن تكون هدفاً لصواريخ طهران التي تطوّرت الى درجة بالغة التعقيد.وقد تكون القمة فرصة لترتيب البيت الخليجي بضفتيه الفارسية والعربية قبل حدوث أي تطور عسكري محتمل في المنطقة. ترتيب يندرج في سياقه حضور الملك السعودي عبد الله، رغم ما يسود من فتور في العلاقات بين بلاده وقطر.لعل الحاجة أصبحت متبادلة لدى الإيرانيين والخليجيين، على السواء، الى مثل هذه اللقاءات. حاجة تنبع من اعتبارات عديدة: منها ضرورة تعزيز العلاقات مع الرياض من أجل امتصاص التوتّرات المذهبية في لبنان والعراق، واستكمال المحادثات الإيرانية ـــــ البحرينية، التي بدأت قبل أسبوعين، مع زيارة نجاد الى المنامة بغرض طمأنة الجزيرة الخليجية إلى أن لا أطماع إيرانية فيها.وتعزز هذه الفرضية زيارة قام بها وفد عسكري عماني الى طهران أمس، بينما تدعو إيران باستمرار إلى إبرام معاهدة للتعاون الأمني مع دول الخليج باعتبارها الحل الأمثل لتأمين المنطقة وتخليصها من القوات الأميركية. رغم أن هذه الدعوة تقابلها دول الخليج بالتجاهل، نظراً لارتباطها بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة التي تحتفظ بقواعد عسكرية كبيرة على أراضي هذه الدول.من المؤكد أن هناك مشكلات عديدة لا تكفي التطمينات لحلِّها، لعل أبرزها مشكلة الجزر الثلاث بين إيران والإمارات (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، والمؤجّلة الى حين. لذلك استبقت أبو ظبي زيارة نجاد بتأكيد تصميمها مجدداً، على استعادة الجزر، داعيةً طهران، على لسان الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد آل نهيان الى مفاوضات ثنائية مباشرة أو اللجوء الى التحكيم الدولي لتسوية هذا النزاع.وربما كانت النكسة الثانية لإيران، عشية هذه القمة، إعلان الرياض عن استبعادها فك ارتباط عملتها بالدولار، بعدما دعت الإمارات إلى إصلاحات في نظام صرف العملة في المنطقة.هذا الإعلان السعودي، الذي كان هاجس إيران وفنزويلا في قمة الدول المصدرة للنفط «اوبك» في الرياض الشهر الماضي، ورد على لسان وزير المالية السعودي إبراهيم العساف عقب اجتماع لوزراء مالية مجلس التعاون في الدوحة أمس.من اللافت هنا الإشارة الى أن وزراء المالية والخارجية في دول مجلس التعاون قد ناقشوا أمس، في اجتماعات مشتركة ومنفصلة، جدول أعمال القمة التي ستبحث الوضع الإقليمي المتوتر جراء أزمة الملف النووي الإيراني ومشروع الوحدة النقدية الخليجية المترنّح وضعف الدولار الذي يؤجّج التضخّم في دول الخليج ويقضم عائداتها النفطية.وبرأي دبلوماسي غربي في الدوحة تحدث أمس لوكالة «فرانس برس»، فإن الدوائر الدبلوماسية الغربية في الخليج تنظر «باهتمام بالغ» إلى زيارة نجاد «غير المتوقعة»، التي تمثّل «خبطة إعلامية».كما يرى المحلّل والكاتب السعودي، خالد الدخيل، أن مشاركة نجاد في القمة «لافتة جداً»، لأنها تأتي في هذا الوقت تحديداً بعد مؤتمر أنابوليس وفشل المحادثات الأخيرة بين طهران والاتحاد الأوروبي. ويرى الدخيل أن «الظروف توحي أنه إذا استطاع الخليجيون أن يجعلوا إيران تشعر بمزيد من الارتياح إزاء نيّاتهم تجاهها وهم حلفاء واشنطن، فإن ذلك قد يسهم في دفع طهران باتجاه التجاوب مع المطالب الدولية».لكن ثمة مسلّمة ثنائية يبدو أن نجاد سيشدّد عليها في لقاءاته، هي طمأنة جيرانه إلى أن أراضيهم لن تكون عرضة لصواريخ بلاده، وفي الوقت نفسه إصرار طهران على المضي قدماًَ ببرنامجها النووي رغم ما يثيره من جدل.
(الاخبار)عدد الاثنين ٣ كانون الأول

30‏/11‏/2007

من يوقف «القطار النووي» الإيراني؟

معمر عطوي
يُرجّح أن يواجه اجتماع مجموعة «5+1» في باريس غداً لمناقشة نص قرار إلزامي لمجلس الأمن يتضمن عقوبات بحق ايران، بعض المشاكل، على غرار اجتماعات سابقة، بسبب الانقسام في صفوفه بشأن جدوى قرار كهذا.الواضح أن واشنطن، وبالتعاون مع فرنسا، تحشد كل قواها السياسية بالتلازم مع تهديدات عسكرية لإيران، من أجل التوصل إلى قرار بالعقوبات المشددة. لهذا يحضر مساعد وزيرة الخارجية للشؤون السياسية الأميركية نيكولاس بيرنز، قبل توجهه إلى باريس، اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الذي بدأ أمس في مدريد، على أمل أن يتحول هذا الاجتماع إلى حشد تأييد واسع لقرار العقوبات، أحد أهم النقاط التي سيناقشها مع المسؤولين الأوروبيين.لذلك، حمل بيرنز سلفاً الثمن الذي ستقدمه بلاده لقاء المواقف الأوروبية المرتقبة، بتأكيده أن «الولايات المتحدة ستعبّر من جديد عن دعمها للمنظمة والعمل المهم الذي تقوم به لتشجيع حقوق الإنسان والديموقراطية»، بما يفتح عيون الأوروبيين على إيران، تلك الدولة «غير الديموقراطية»، التي «لا تعير حقوق الإنسان أي اهتمام».ويمكن استشراف فرط عقد الاتفاق بين الدول الست (الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، في اجتماع باريس غداً، من خلال مواقف مُسبَقة تؤكد أن موسكو وبكين ما زالتا في صف المعارضة لفرض عقوبات على حليفتهما الإسلامية.يدعم هذا التوجه تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس، أمام سفراء أجانب في الكرملين بشأن «ضروره حل وتسوية الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية». ويعززه أكثر ما ذكره وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف من أن «الرفض المستمر للاعتراف بالخطوات الإيجابية التي اتخذتها إيران في اتصالاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقلّص من فرص إيضاح المسائل مباشرة».أمّا الصين، التي تلقَّت هذا الأسبوع عرضاً «مغرياً» من باريس، تمثل بتوقيع عقود تجارية بقيمة 18 مليار يورو لتوريد محطات طاقة نووية وطائرات ركاب إلى الصين، فلم ترضخ للضغوطات الأميركية ـــــ الفرنسية، بل استمرت في سياستها التجارية والاقتصادية مع الجمهورية الإسلامية، مع إعلان شركات نفط صينية تجديد عقودها لشراء الخام الإيراني للعام المقبل، وسعيها لزيادة وارداتها من إيران.في هذه المناخات، يبدو أن البرنامج النووي الإيراني هو بمثابة «قطار يسير من دون توقف»، وإلى أجل غير معروف، وخصوصاً أن هذا الاندفاع يسير بالتوازي مع تدشين إنجازات الصناعات العسكرية الإيرانية، كان آخرها غواصة حربية، وصاروخ يمكن أن يطال القواعد الأميركية في المنطقة.. وخارجها.
الاخبار الجمعة ٣٠ تشرين الثاني

29‏/11‏/2007

القضاء الإيراني يدخل لعبة التجاذبات السياسية

معمر عطوي
يبدو أن الخلافات السياسية الداخلية في إيران قد تجاوزت الحقل الاقتصادي و«النووي» لتلامس الجانب القضائي، حيث أصبحت السلطة الثالثة عرضة لتجاذبات سياسية فاضحة بين الرئيس محمود أحمدي نجاد وخصميه في خط «الاعتدال»، الرئيسين السابقين محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني.جوهر الخلاف هو قضية المفاوض النووي السابق حسين موسويان، الذي خضع لتحقيق مطوَّل وأوقف لبضعة أيام في أيار الماضي بتهمة إفشاء معلومات نووية، قبل أن يُفرج عنه بكفالة.خلاف استعر في اليومين الماضيين بعدما أعلن القضاء أول من أمس وقف ملاحقة موسويان بتهمة التجسس وحيازة وثائق سرية، مخالفاً بذلك رأي حكومة نجاد، فيما لا تزال التهمة الثالثة «الدعاية ضد النظام» تلاحقه.وبدا واضحاً حرص نجاد على عدم تحقيق خصومه لأي نصر في هذه القضية، حينما سارع أمس إلى تأييد موقف وزير الاستخبارات، غلام حسين محسني إيجائي، الذي جدد التأكيد، رغم قرار القضاء، أن موسويان نقل معلومات رسمية إلى سفارات أجنبية، مبدياً استعداده لنشر تفاصيل عن القضية.وكانت هذه الخلافات قد طفت على سطح المشهد السياسي الإيراني، عندما انتقد نجاد القضاء، للمرة الأولى منذ توليه السلطة في آب 2005، متهماً إياه بتسييس «قضية التجسس النووي».واتهم الرئيس الإيراني موسويان بأنه «بطل» هذه القضية، مشيراً إلى أنه زود السفارة البريطانية في طهران بمعلومات سرية، وعقد 15 لقاءً على الأقل مع غرباء، ومطالباً بكشف محتويات هذه اللقاءات على الملأ.وما يؤكد وجود هذا الخلاف السياسي، حديث نجاد عقب اجتماع لمجلس الوزراء أمس عن أن «المسألة ليست فنية (قانونية)، بل سياسية». ومرد البعد السياسي فيها يرجع إلى أن المتهم كان قد عمل مع الرئيسين السابقين خاتمي ورفسنجاني، اللذين لا يريد أي منهما إدانة موسويان بالتجسس، وخصوصاً أن حدة التنافس بين التيارين المحافظ والإصلاحي ـــــ المعتدل، تزداد تأججاً قبل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية المقررة في آذار المقبل.ولعل ما يدل على حجم الانشقاق بين التيارين، انتقاله إلى الشارع، حيث تجمع طلاب جامعيون إسلاميون أمام مقر السلطة القضائية للاحتجاج على قرار «تبرئة» موسويان، الذي كان الرجل الثاني بعد كبير المفاوضين في فريق التفاوض النووي السابق حسن روحاني (2001ـــــ2005).وللخلاف «النووي» مسيرة طويلة بدأت مذ وافقت حكومة خاتمي على وقف عمليات تخصيب اليورانيوم لمدة سنتين، بخلاف موقف المحافظين الذين يصفون أي موقف في هذا الاتجاه «خيانة» وطنية، مسوِّغين صحة مواقفهم هذه بأن الطاقة النووية حق لإيران، وبأن وقف التخصيب لم يحظ بثمن مقابل من دول الغرب يخدم البلاد.من المفيد التذكير هنا بأن نجاد، الذي يعتبر أول رئيس «يتحدى» السلطة القضائية المقربّة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، كان قد دعا مراراً إلى استقلال هذه السلطة عن التدخلات السياسية، وصعَّد من موقفه في هذا الاتجاه حين اتهم الرئيسين السابقين، من دون أن يسميهما، بممارسة ضغط على القضاة للحيلولة دون إدانة موسويان بالتجسس.تندرج تبرئة موسويان في سياق لعبة شد الحبال بين نجاد والإصلاحيين. هي نقطة لمصلحة هؤلاء الذين يتهمون الرئيس المحافظ باستفزاز الغرب في «الملف النووي» وبفشل السياسة الاقتصادية. لذلك، بدا نجاد، ومن ورائه الاستخبارات التي لا تزال ـــــ على ما يبدو ـــــ إلى جانب المحافظين، حريصاً على عدم تمتع خصومه بهذا الإنجاز النسبي، متهماً إياهم بـ«الخونة.. الذين مارسوا ضغوطاً على القاضي لتبرئة جاسوس».ولم يبتعد وزير الاستخبارات عن هذه الأجواء حين أكد تصريحات نجاد بقوله إن «العديد من الأشخاص النافذين طلبوا من القاضي» الإفراج عن موسويان، الذي ظهر في 12 تشرين الثاني إلى جانب رفسنجاني خلال اجتماع انتقد فيه الأخير ضمناً السياسة النووية التي يعتمدها نجاد.ثمة قضية أخرى، تشير إلى حجم تأثر القضاء الإيراني بالتباينات السياسية، تتمثل بقرار القضاء فتح دعوى جديدة في مقتل المصورة الكندية ـــــ الإيرانية زهرة كاظمي، خلال اعتقالها في إيران في عام 2003.
عدد الخميس ٢٩ تشرين الثاني

28‏/11‏/2007

شعراء تخرّجوا من مدرسة سعادة ليختطّوا مدارسهم



معمر عطوي
«تأليه» الشخصية يصادر «عبقريّتها»
عرفنا مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة، المفكّر الفيلسوف الحالم بوطن قومي سوري في بلاد الشام أو ما يُعرَف بالهلال الخصيب، وقرأنا الكثير عن مشروع القوميّة الاجتماعيّة وامتداداتها السياسيّة وتداعيات إعدام «الزعيم» عام 1949 على المشهد السياسي اللبناني وتناقضاته المذهبية والطائفية، في وقت كان فيه طرح العلمانية يجترح طريقه وسط حقول الألغام الأمنية والدينية والسياسية.بيد أنّ ما قام به الشاعر نعيم تلحوق، من إعداد وتقديم لمجموعة قصائد تحت عنوان «انطون سعادة شعراً»، يكشف عن جانب آخر من شخصية هذا الزعيم لكن على لسان مجموعة من الأدباء والمفكّرين والشعراء الذين تخرَّج معظمهم من مدرسة سعادة الفكرية ليختطّ فيما بعد مدرسته الأدبية بطريق مستقل.يقول تلحوق في مقدّمة كتابه: «المخاطر الوحيدة التي يمكن أن تقع في هذا الكتاب هي الإحاطة الكاملة بتفاصيل الحدث؛ صورة، فكراً وأدباً، باعتبار أنّ الرجل لم يكن شخصانياً لندلّل على وجه التفاصيل الذاتية، بقدر ما جعل سعادة شخصه يخرج إلى رحاب الفهم العاقل لصورة الشخص الإنسان. لذا فقد سعى الشعراء إلى إبراز الوجوه المتعددة المختلفة فيه، حتى دخلت صورة سعادة في الميثولوجيا الشعرية لتصبح ذات دلالة أسطورية، يدخل في طياتها كل معاني الدفق والخصب، الانبعاث والتمرّد، الشجاعة والمغامرة...».انطلاقاً من هذه الرؤية، تصبح هذه الأسطورية التي تحدّث عنها تلحوق مسيئة للمفكر أو للزعيم السياسي، إذ إنها تبحث عن الميتا ـــــ بشري في الإنسان، مع أنّ الإبداع يتجسّد في البعد البشري لا الأُسطوري أو الإلهي، وإلّا فستصبح مجهودات الشخص مجهودات الآخر لا الشخص نفسه، بما يعني مصادرة للعبقرية من قوى ميتافيزيقية أو أسطورية.هذه التجسيد المُبالغ فيه، الذي لا يبتعد عن مفهوم «العصمة» في الخطاب الديني، وقع فيه عدد من الشعراء الذين تجاوزوا في مديحهم لشخصية «الزعيم» إبراز المحاسن أو تقدير الإنجازات إلى مرحلة من التأليه أو التقديس، الذي قد يثير الاشمئزاز في بعض الأحيان، فيما نحى البعض الآخر منحى أكثر جماليّة، معطياً لقصيدته بعدها الصوري متجاوزاً الخطابي منها، فاستغرق في الفكرة على حساب المديح الشخصاني.نقرأ ذلك في قصيدة سعيد عقل «صخب البحر»:صخب البحر أم الجيش السخي أم بلاد تملأ الدنيا دوي.أمّا أدونيس فيقول في قصيدته «قالت الأرض»:يا شهيد الحياة، أي نداء يترامى زهراً وطيباً وغاراً انت حيّ فينا جمالاً ونوراً أنت حيّ فينا حديداً وناراً.تمّ تقسيم الكتاب إلى ثلاث لوحات:الأولى: قصائد الفصحى وفيها قصائد لمحمد الماغوط وخليل حاوي وكمال خيربك وغسان مطر وأنور سليمان وغيرهم.أمّا اللوحة الثانية فقد ضمّت قصائد من الشعر المحكي لوليم صعب وخطار أبو ابراهيم ورفعت مبارك وأديب حداد وأدونيس الخطيب وفؤاد ذبيان وآخرين، بينما اقتصرت اللوحة الثالثة على قطعة نثرية للكاتب نصري صايغ بعنوان «قبلة الهاجس بعده النار».

22‏/11‏/2007

الجنرال العنيد

معمر عطوي
بعيداً عن طبيعة المحادثات التي أجراها الرئيس الباكستاني برويز مشرف في السعودية خلال اليومين الماضيين، لا بد من الإشارة إلى الدلالات الشكلية لهذه الزيارة، في هذا الوقت الذي تشهد فيه باكستان اضطرابات غير مسبوقة؛ فمغادرة الجنرال ـــــ الذي قلّ أصدقاؤه وكثر أعداؤه ـــــ تؤكد قدرة المؤسسة العسكرية على الإمساك بالوضع القائم في البلاد.لا شك أن ما يعزّز هذه الصورة، نجاح مشرّف في ترتيب البيت الداخلي، بدءاً من إطلاق 3400 سجين سياسي وصولاً إلى استقالته المحتملة من قيادة الجيش قبل أن يقسم اليمين لولاية رئاسية جديدة نهاية الأسبوع الجاري.لقد تخطَّى مشرّف عوائق عديدة كان من الممكن أن تقف حجر عثرة أمام طموحاته السلطوية، بدأت بالتخلّص من سلفه الرئيس السابق نوّاز شريف، الذي عاد من المنفى إلى المنفى على وجه السرعة، وانتهت بخصومة لا رجعة عنها مع رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو، مروراً طبعاً بإسقاط الطعون التي رفعتها المعارضة ضد إعادة انتخابه رئيساً للبلاد.ساعدته على ذلك رغبة أميركية بدت واضحة بإبقاء جنرال باكستان في السلطة. رغبة عبَّر عنها الرئيس جورج بوش، من خلال اعتبار مشرّف «رجل يؤمن بالديموقراطية» رغم بقاء نحو ألفي معارض سياسي رهن الاعتقال. وكرّستها السعودية، بدورها، حرصاً على عدم انتقال البرنامج النووي الباكستاني ـــــ الذي ساهمت الرياض الى حد كبير في إنشائه ــــــ الى أيدي المعارضين الإسلاميين الأكثر حظوظاً في تسلّم السلطة.طبعاً هذا الخوف لم يكن طارئاً، إذ إن الإدارة الأميركية كانت تدفع إلى تحالف ثلاثي (مشرف ـــــ شريف ـــــ بوتو) في وجه التيار الإسلامي الذي يسيطر على العديد من المجالس والحكومات المحلية. تحالف كان ضرورياً في مرحلة وصل فيها النزاع بين الجنرال والملالي إلى نقطة اللاعودة، منذ عزل رئيس القضاة افتخار تشودري وأحداث المسجد الأحمر الدموية في الصيف الماضي.أمام ما تمّ الإعلان عنه حول محادثات مشرّف مع المسؤولين السعوديين ولقائه رئيس الاستخبارات الأمير مقرن بن عبد العزيز، لا يمكن حصر مغزى هذه الزيارة في الجانب السياسي، والحديث فقط عن «تمنيّات» الجنرال على السلطات السعودية الضغط على شريف للحؤول دون عودته الى البلاد. بل لا بد من ملاحظة الجانب الأمني، هنا، إذ إن العنوان العريض للزيارة هو «اتخاذ تدابير مشتركة لمحاربة التطرف والإرهاب».لكن هذا لا ينفي وجود رغبة سعودية في إجراء تسوية بين شريف ومشرف، رغم رفض الأول لقاء الثاني، إذ إن تحالفاً كهذا يمكن أن يمتصّ بعض غضب الإسلاميين الأقرب الى شريف من مشرف، وبالتالي، يسهم في عزل بوتو، ويضمن بقاء باكستان في قبضة الجنرال العنيد.
الاخبار٢٢ تشرين الثاني

19‏/11‏/2007

عقــدة «التخصيــب» بيــن طهــران والغــرب


معمر عطوي
أن تبحث الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على مدى أشهر، مسألة توضيح «المسائل العالقة» في ما يتعلق بأنشطة سابقة لتخصيب اليورانيوم في البرنامج النووي الإيراني، وتؤكد في الوقت نفسه إعلان طهران عن تشغيل 3000 وحدة طرد مركزي، فإن في المسألة التباساً يصعب جلاؤه.يزيد من عقدة هذا الالتباس أن التقرير الأخير للمدير العام لوكالة الطاقة الدولية محمد البرادعي، قد حاول التوفيق بين عدم السقوط في «فخ عراقي» آخر، وبين إرضاء «نزوات» القوى الغربية، التي تمكّنت من التقاط الإشارات المناسبة لها في التقرير من أجل السير في مشروع قرار جديد يقضي بعقوبات مشدّدة على إيران.لكن السؤال الأبرز هنا، ماذا يمكن أن تستفيد وكالة الطاقة من تعاون إيران في جلاء الغموض بخصوص أنشطة سابقة، في وقت تعلن فيه طهران على الملأ، عدم تراجعها عن التخصيب؟ بل أكثر من ذلك، الإعلان عن زيادة أعداد أجهزة الطرد المركزي التي تستطيع تنقية اليورانيوم لاستخدامه ليس فحسب كوقود لمحطات الطاقة، بل في صنع قنابل ذرية.لا شك في أن التطوير السري الذي أجرته الجمهورية الإسلامية على أجهزة الطرد المركزي خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وكذلك تصاميم وأجزاء تم الحصول عليها من السوق السوداء، قد أسهم في تحقيق هذه الإنجازات، التي ستتوّج عما قريب بالإعلان عن امتلاك الوقود النووي.لذلك، جاء التقرير مبهماً في سياق شرحه لبرامج التخصيب، إذ أشار الى أن الوكالة غير قادرة على التأكد من عدم امتلاك ايران لبرنامج للتخصيب العسكري في أماكن سرية، لأن طهران لا تزال ترفض زيارات المفتشين الدوليين لبعض المنشآت.ومع إنشاء محطة «ناتنز» للتخصيب في عام 2002، انتقلت الأنشطة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم إلى مرحلة متقدمة، ولا سيما أن هذه المحطة قد صممت لتستوعب حوالى 50 ألف وحدة للطرد المركزي، وتكون قادرة على إنتاج حوالى 500 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب سنوياً.الأهمّ في الأمر أن اكتشاف تصاميم من الجيل الثاني من أجهزة الطرد من طراز «بي 2» سابقاً، التي كانت الى جانب طراز «بي1» مجال المفاوضات الإيرانية مع وكالة الطاقة، خلال الشهرين الأخيرين، قد أثار حيرة مفتشي الوكالة، ولا سيما أن مصدر هذه التصاميم كان شركة «يوريكو» النووية (وهي عبارة عن اتحاد ألماني ــــــ بريطاني ــــــ هولندي) للتخصيب.وربما كانت فترات ايقاف التخصيب التي عبرَّت من خلالها طهران عن استجابتها لضغوط الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) خلال اتفاق باريس عام 2004، أحد أسباب عدم تمكّن النظام الإسلامي حتى الآن من التوصل الى استخدام الطاقة النووية.لكن منذ تسلّم الرئيس محمود أحمدي نجاد للسلطة عام 2005، خطت ايران خطوات سريعة على طريق التطور النووي، حتى توصلت في العام الماضي إلى استخدام 164 جهاز طرد مركزياً، بإمكانها التخصيب بنسبة 3.5 في المئة.بيد أن الإعلان الأخير عن امتلاك 3000 جهاز للطرد، قد يمكّن إيران في وقت قريب من التوصل الى دخول النادي النووي.يدعم هذه الفرضية تصريح مسؤول في الأمم المتحدة أكد فيه أن «إيران ستحتاج الى حوالى 18 شهراً لإنتاج كميات من المواد الانشطارية اللازمة لصنع قنبلة واحدة، إذا قامت بتغذية ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي باليورانيوم بأقصى طاقة إنتاجية ولفترات طويلة».من الواضح أن ثمة التباساً في تعاطي المجتمع الدولي مع البرنامج النووي الإيراني، قد يشير الى قناعة تامة لدى قوى الغرب بأن امتلاك طهران المفترض للطاقة النووية أصبح أمراً حتمياً، لكن كيف يمكن منعها من إدراك ذلك. هذا ما يجعل وكالة الطاقة والقوى العالمية تتصرف مثل «بالع الموس» إزاء مفاضلة غير عادلة بين عقوبات مشدّدة وضربة عسكرية.
عدد الاثنين ١٩ تشرين الثاني

16‏/11‏/2007

معاقبة إيران بحسابات صينية

معمر عطوي
ليس من المصادفة أن تتجّه أنظار العواصم المهتمة بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على إيران، إلى الصين، التي باستطاعتها منع خطوة كهذه من خلال حقها في نقض قرارات الأمم المتحدة بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي.لعل ذلك السبب الرئيسي للزيارة التي يتوقع أن يقوم بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 25 تشرين الثاني الجاري إلى بكين، التي شهدت خلال الأشهر الأخيرة زيارات عديدة لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين.ضغوط تمارسها الدول الغربية على التنّين الصيني بهدف تليين موقفه من الأزمة الإيرانية. وهي تأتي في لحظات حرجة، لعل وجهة النظر الألمانية أفضل ما يعبِّر عنها، بإصرارها على توفير إجماع لفرض عقوبات، تدفع باتجاهها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.أما الصين فتصرّ، إلى جانب حليفتها روسيا، على أن المحادثات وليس العقوبات هي «الوسيلة لحل النزاع» مع طهران. إصرار تعززه مصالح هاتين الدولتين مع إيران، التي يبدو أنها نجحت، حتى الآن، في الاستفادة منها.لقد عملت طهران جاهدة، ومنذ سنوات طويلة، على إيجاد بدائل اقتصادية وتجارية للشركات الغربية، في الشرق، ولا سيما في الصين، التي يمكن أن تحلّ مؤسساتها التمويلية ومصارفها مكان المصارف الأوروبية التي تقاطع الجمهورية.في المقابل، شكلت شهية الصين المفتوحة لمصادر الطاقة الإيرانية حافزاً مهماً لدفع الاستثمارات باتجاه حقول النفط الإيرانية، وإبرام عقود تتجاوز قيمتها المئة مليار دولار.كما تستعد أكبر ثلاث شركات للطاقة في الصين («سينوبك» و«بتروتشاينا» و«سينوك») لإبرام اتفاقات بمليارات الدولارات لشراء الغاز من إيران.ويتوقع أن تستورد الصين نحو 10 ملايين برميل يومياً من النفط و30 في المئة من الغاز الإيراني المسال بحلول عام 2030.ويؤكد مسؤول تنفيذي صيني مشارك في مفاوضات نفطية صعبة (تم الاتفاق على 90 في المئة من بنودها)، تجرى منذ أربع سنوات بين البلدين، أن العلاقة مع إيران تتركز بشكل أساسي على التجارة، وأن السياسة لا تشكل العامل الأهم فيها.وعليه، تتحدى الصين النظام الدولي للعقوبات، الذي يسمح لواشنطن بمعاقبة الشركات الأجنبية، إذا استثمرت أكثر من 20 مليون دولار في قطاع الطاقة الإيراني.ويبدو أن بكين أصبحت مقتنعة بأن العقوبات التي تفرض من جانب واحد لا تفيد، لذلك تضغط من أجل الحفاظ على أكبر قدر من مصالحها في إيران، التي وصل حجم التبادل التجاري معها إلى 20 مليار دولار هذا العام. وتشير آخر التقارير الدولية إلى أن الصين هي أكبر شريك تجاري للنظام الإسلامي، الذي قد يصبح ثاني أكبر مزوّد للصين بالنفط.وثمة مصالح أخرى تمنع الصين من مقاطعة إيران، تتمثل بتجارة الأسلحة وتطويرها، ولا سيما الصواريخ البالستية؛ فقد أصبحت بكين ثاني أكبر مورّد، بعد موسكو، للسلاح إلى طهران، وأبرمت صفقات معها بمئات مليارات الدولارات.لا شك في أن المواجهة بين إيران والغرب تضع الصين أمام خيارات صعبة؛ فهي لا تريد خسارة مصالحها في إيران، وتتحاشى في الوقت نفسه الصدام مع الولايات المتحدة. وهي، بالتالي، تحاول التوفيق بين هاتين السياستين من خلال دعوتها طهران إلى «القبول بحلول وسط» والتعاون مع القوى الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الاخبار ١٦ تشرين الثاني

14‏/11‏/2007

لماذا ترفض طهران «كونسورتيوم» التخصيب؟

معمر عطوي
لم يكن اقتراح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بإنشاء اتحاد دولي «كونسورتيوم» في الخليج لتزويد دول المنطقة باليورانيوم المخصَّب، محل ترحيب من أكثر من دولة،ولا سيما إيران المستهدفة مباشرة من هذا الاقتراح، الذي يأتي في إطار سياسة هي في الظاهر سعودية، لكنها في الواقع أميركية، تهدف إلى الحد من الطموحات النووية للنظام الإسلامي ونفوذه المتعاظم في المنطقة.أحد أهداف الاقتراح، الذي نقلته مجلة «ميدل إيست إيكونوميك دايجست» عن الفيصل، كان محاولة لحل الأزمة بين الغرب وإيران. لكنه يُعبِّر، في الوقت نفسه، عن مخاوف خليجية واضحة من أن تذهب إيران في موضوع التخصيب بعيداً، فتمتلك قنبلة ذرية «شيعية ـــــ فارسية» في وجه قنبلة باكستان «السنية»، التي كانت الرياض من أكبر مموِّليها.ثمة مصلحة أميركية في هذا المسعى، الذي دعمته دول الخليج الأخرى ومصر والأردن والمغرب، تكمن في تعزيز دور ما يُسمى «دول الاعتدال» التي حظيت بصفقة أسلحة أميركية في الصيف الماضي، تجاوزت قيمتها أربعين مليار دولار، لمواجهة نفوذ طهران الذي تجاوز منطقة الخليج وأفغانستان إلى لبنان وفلسطين.من هنا، يبدو أن الاقتراح السعودي يتجاوز دوره ككيان جماعي لتوزيع الوقود النووي على كل محطة في المنطقة، إلى لعب دور استراتيجي في إعادة «هيكلة» الشرق الأوسط ليبقى تحت السيطرة الأميركية.لذلك، نشهد اقتراحات تحصر هذا المشروع بين مصر ودول الخليج، ولا سيما السعودية، التي ستقوم بتمويل المشروع، فيما تقوم مصر التي لديها تجربة نووية بالمشاركة في التشغيل.ويضمن الاقتراح السعودي إمدادات الوقود النووي لدول المنطقة التي أعلنت عن مشروعات نووية سلمية، مثل الأردن وليبيا والإمارات ومصر. وبالتالي، تصبح قضية التخصيب لا تمثل مشكلة، لأن امدادات الوقود لن تنقطع. كما يحد هذا المشروع من عمليات التلاعب بأسعار الوقود، والمماطلة على غرار ما تمارسه الشركات الروسية مع إيران في مفاعل بوشهر الكهروذري.طهران من جهتها، لم تتعاطَ مع الاقتراح بترحيب. صحيح أنها سبق أن قدمت اقتراحاً مماثلاً العام الماضي يقضي بإنشاء اتحاد للتخصيب بالتعاون مع فرنسا، لكن «الظروف تغيّرت»، إضافة إلى أن الاقتراح السعودي هو «إملاء أميركي».لكن الهاجس الأكبر هنا، هو الارتياب الروسي الذي ينظر إلى أي اقتراح خليجي على أنه امتداد للنفوذ الأميركي في المنطقة، ولا سيما أن موسكو كانت قد اقترحت على طهران نقل عمليات التخصيب إلى أراضيها، بيد أن الأخيرة رفضت. الموقف الروسي عبَّر عنه مدير الوكالة الفدرالية للطاقة الذرية، سيرغي كيريينكو، بقوله «نرى أن هذه المراكز يجب أن تكون كثيرة، ولكنها لا بد أن تقع في بلدان تمتلك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم كاملة، من أجل ألا تنتشر هذه التكنولوجيات في العالم»، مشيراً إلى المركز الدولي للتخصيب الذي أنشأته روسيا على أراضيها في أنغارسك (سيبيريا).حتى أوروبا شعرت ـــــ على ما يبدو ـــــ بخطورة الاقتراح الخليجي ـــــ الأميركي على سياستها في المنطقة، فسارعت إلى إجهاضه باقتراح تقدم به الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، يقضي بإقامة منشأة دولية لتخصيب الوقود النووي «تحت رقابة متعددة الأطراف»، موضحاً أنه «يمكن لكل الدول الوصول إلى هذا الوقود المخصَّب على أساس شروط متساوية وبأسعار تنافسية».غير أن طهران، وكما ردّت على الاقتراح السعودي، سارعت إلى الإعلان أنها ترحب بالاقتراحات الخاصة بإنشاء مشروعات مشتركة مع دول أخرى للتخصيب، «ولكن إذا كان الشرط هو وقف التخصيب في إيران، فإنها لن تكون مقبولة».وحجة إيران في ذلك هي أن الدول المسلّحة نووياً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تسعى إلى حرمان الدول الأخرى من التكنولوجيا النووية، وتتجاهل الالتزامات المطلوبة منها، وخاصة البنود المتعلقة بنزع السلاح في معاهدات مثل معاهدة حظر الانتشار النووي، بينما تشير دول أخرى إلى أن الأطر القانونية القائمة حالياً لا تتعامل بطريقة مناسبة مع انتشار الأسلحة الصغيرة التي تذكّي الكثير من النزاعات المحلية في أنحاء العالم.هذه المعطيات جعلت طهران، التي أعلنت أخيراً عن تشغيل 3000 وحدة طرد مركزي، تتمسك بخيار التخصيب الذي بدأت العمل به منذ عام 1985، لأن ما توصلت إليه من إنجازات على هذا الصعيد لا يمكن أن تتخلى عنه بسهولة، ولا سيما أنها دولة ذات إيديولوجية إسلامية، لديها طموحات تتعدى مجالها الحيوي الجيو ـــــ سياسي، وتسعى إلى الاكتفاء الذاتي عبر تأمين مصادر الطاقة، التي أصبحت اليوم من أهم مصادر الشعور بالاستقلالية والقوة، «من دون التسوّل من الغرب».
عدد الأربعاء ١٤ تشرين الثاني

12‏/11‏/2007

قلبي يرحل قسراً


يلازمني طيف قلبي
رغم جفاء حَوْل كامل
غفرت كل اخطائه، نسيت عذاباته
تجاسرت على وجعي
لم اجد سبباً يعيدني اليه.

قلبي الذي رحل قسراً منذ عام
في ليلة ماطرة
غادر دون طيفه
ترك لي أوجاعي وذكريات.

قلبي يرحل قسراً
يقطع شرايين الوصال بحرقة الغضب
يكافىء حبي بقسوة العتب
يتكابر على الشعور بالندم.

في تلك الليلة نكّست أسلحتي
ليبقى فؤادي نابضاً
ضحيت بأنانيتي على مذبح حلم غامض
علّه يعود املاً مشرقاً.


قلبي الذي رحل قسراً
يتغلغل في نسيجي
يعبق بأنفاسي
ينادمني في احتساء النبيذ
وقهوة الصباح.

قلبي رحل عضواً وبقي روحاً
أبى ان يفارقني
يخنقني بعشقه
يخمرني حتى الثمالة
أبقى اسير تلابيبه.

قلبي يرحل قسراً
اتنفّسُ بنبض شرايينه
بخفقانه الدائم
بمكابرته المتعسّفة
هو الراحل منّي إلي.

معمر عطوي
12-11-2007
بيروت

هل سمعتم بـ«الشاي الإقليمي»؟



معمر عطوي
لتحضير إبريق من الشاي في جبال زاغروس الواقعة على حدود ثلاث دول، العراق وإيران وتركيا، نكهة مميزة. فبعيداً عن الأزمة السياسية القائمة هناك، ظاهرة «طريفة» تبرز بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني، حيث تمكّن كوب من الشاي من جمع ما فرّقته السياسة. فالبرد القارس في تلك الجبال يدفع مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى الاختباء في كهوفها، ما يمنحهم الدفء، لذلك يعدّ ابريق الشاي أنيسهم الدائم. لكنّ هذا الإبريق بحسب قول أحد المقاتلين، «لا يمكن تحضيره بسهولة»، وهنا تكمن ميزته، «فعلى من يريد أن يشرب كوب شاي في تلك الجبال، أن يجمع الحطب من إيران ويأتي بالماء من العراق ويغلي الشاي في تركيا، حيث تقع القمة في منتصف الحدود الدولية الثلاثية».وتعدّ سلسلة جبال زاغروس ثاني أعلى سلسلة جبلية في إيران، وتضمّ أعلى قمة جبلية في العراق. ويرجع أصل تسمية زاغروس إلى أصول إغريقية ومعناه العاصف أو ذو العواصف. ويبلغ ارتفاع أعلى قمة فيها 5098 متراً.
عدد الاثنين ١٢ تشرين الثاني

10‏/11‏/2007

باهوز أردال:مع الفلسطينيين واللبنانيين في خندق واحد



حاوره معمر عطوي
• أكد القائد العام للجناح العسكري لحزب العمال الكردسـتاني الدكتـور باهـوز أردال أن الحكومة التركيـة هي التي تتحمـل مسـؤولية بـدء القتـال على الجبهـة مـع العنـاصر الكرديـة. ونفـى، في حديـث أجرتـه «الأخبــار» معـه عبـر الإنتـرنت، أي علاقـة لحزبـه بإسـرائيل، مؤكـداً من موقعـه العسـكري في سلسـلة جبـال زغـروس، على عمـق العلاقـة مع الشعبيـن الفلسـطيني واللبـناني
• قلتم في آخر تصريحاتكم إن «الأتراك لا يملكون مبادرة اجتياحهم الإقليم» الكردستاني. أمام ترسانة الجيش التركي الكبيرة، كيف يمكن لمنظمة لا يتعدى عناصرها الـ3500 عنصر مواجهة هذا الجيش؟ وما هي المعطيات التي تؤكد قدرتكم على تحقيق أهدافكم؟ـــــ كما تعرفون. يعدّ الجيش الإسرائيلي من الجيوش القوية جداً في المنطقة، وخلال محاولته اجتياح الجنوب اللبناني في الحرب الأخيرة في العام الماضي تكبَّد خسائر فادحة على يد قوات حزب الله اللبناني الأقل عدداً وعتاداً. في الطرف الآخر، الجيش التركي أقل تنظيماً من نظيره الإسرائيلي وأسلحته أقدم بكثير من سلاح الجيش الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، هناك جغرافية كردستان التي نتحرك فيها، أكثر وعورة من جنوب لبنان. ولنا تراكم من الخبرات في حرب الأنصار نستمدها من تجربتنا خلال ربع قرن من كفاحنا التحرري.
• برأيكم، ما هي الظروف الإقليمية والدولية، التي حرّكت الجبهة مع الأتراك في الآونة الأخيرة؟ وما هي مصلحتكم في استفزاز الأتراك في الأشهر الأخيرة عبر تصعيد عملياتكم؟ـــــ لسنا الطرف الذي صعّد من هذه الحرب، ولم نقم باستفزاز الجيش التركي. مثل هذه الادعاءات ليس لها أي اساس من الصحة؛ فنحنُ الطرف الذي أعلن مراراً وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد دون أن نلقى أي رد إيجابي من الطرف الآخر. لكن الجيش التركي زاد من حملاته العسكرية ضدنا. مع العلم بأن قواتنا العسكرية بقيت حتى الآن ملتزمة بنهج الدفاع المشروع؛ فالمسؤول الأول عن هذا التصعيد هو الجيش التركي الذي يستمر في حملاته العسكرية.لقد وصل نضال الشعب الكردي إلى مستويات متطورة جداً على الأصعدة السياسية والدبلوماسية والعسكرية، وهذا جلب معه زيادة الاهتمام الدولي بالقضية الكردية وتزايد المحاولات الكثيرة لحل هذه القضية دولياً.
• ما هي حقيقة الانشقاق داخل حزبكم؟ـــــــ ليس هنالك أي انشقاق داخل حزبنا. هذه الأخبار ليست إلا دعايات أطلقتها الدولة التركية وإعلامها ضد حركتنا بهدف إثارة الشكوك والريبة داخل جماهيرنا الكردية. إن كنتم تقصدون بسؤالكم انقطاع بعض الشخصيات بمن فيهم عثمان أوجلان سنة 2004، فهذا لم يكن انشقاقاً، بل محاولة انشقاق فاشلة، قام بها عدد قليل من الأشخاص وهم الآن قد تركوا النضال نهائياً وليس لهم أي تأثير. لقد جرت محاولة جر الحركة إلى نهج آخر بعيد عن نهجنا النضالي الأصيل، وكانت هنالك بعض الجهات الإقليمية والدولية وراء هذه المحاولة.أما بالنسبة إلى عثمان أوجلان، فهو شخص ترك النضال والحياة السياسية. تزوج وأسس عائلة وهو الآن يعيش في إقليم كردستان العراق. لقد انتهى بالنسبة إلينا، وهو خارج دائرة اهتمامنا نهائياً.
• هل صحيح أن هناك دعماً أميركياً لكم؟ وما هي مصلحة الأميركيين فيما لو كان ذلك صحيحاً؟ـــ ليس هنالك أي دعم أميركي أو من أية دولة أخرى لنا. لكن الدولة التركية تحاول كثيراً إظهار حركتنا وكأنها مدعومة من دولة ما؛ سابقاً كانت تتهم سوريا، وأحياناً كانت تتهم إيران، والآن باتت تتهم العراق وأميركا على أنهما تقدمان لنا الدعم. الدولة التركية تهدف من خلال هذه الدعايات لإظهار وكأن مصدر المشكلة هو القوى الخارجية. إنما الأمر هو أن هنالك قضية كردية في تركيا، قضية عشرين مليون كردي محرومين من جميع حقوقهم الإنسانية.الموقف الأميركي كان ولا يزال لمصلحة الدولة التركية. وأميركا كانت القوة الرئيسية في التآمر على اعتقال قائدنا السيد عبد الله أوجلان وتسليمه لتركيا سنة 1999. ولا تزال أميركا تصف حركتنا بـ«الإرهاب» وتمارس سياسة الكيل بمكيالين.وإن كانت القضية الكردية قد بقيت حتى الآن من دون حل، فإن لأميركا والاتحاد الأوروبي دوراً رئيسياً في ذلك.
• هل هناك علاقة بينكم وبين إسرائيل؟ـــ ليست لنا أية علاقات مع إسرائيل. ونحن كحزب العمال الكردستاني لم ولن ننسى مساندة الشعبين اللبناني والفلسطيني لنا في بدايات نضالنا. وما زلنا في خندقٍ نضالي واحد مع هذين الشعبين.
• هل ترون ثمة صفقة بين أنقرة وطهران وسوريا للعمل على محاربتكم؟ ما هي مصلحة كل بلد؟ وإلى أين يمكن أن تنجح هذه الصفقة؟ــــــ أجل، هناك تحرك مشترك للدول الثلاث تقوده تركيا، التي تحاول جر هذه الدول وبعض الدول الأخرى إلى استخدامها في حرب شاملة ضد الشعب الكردي. هذه السياسة التركية المتزمتة، التي لا تخرج عن الشعارات القوموية المهترئة، لن تنتج سوى التوتر والأزمات والصراعات الدموية بين الشعوب. ليس لدمشق ولا لطهران ولا لشعبيهما أي مصلحة في تتبع هذه السياسة التركية. إن سياسات أنقرة هذه تتسبب في تبرير التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة.الشعب العربي هو شعب صديق لنا، ولنا تاريخ نضالي مشترك. وقد تعاطف الشعب العربي، ولا سيما اللبناني والسوري، مع نضالنا طوال عشرين عاماً، وجميع الصفقات المعادية للشعب الكردي ولحركتنا ستفشل.
• ما هو دور سلطة الحكم الذاتي الكردستاني في العراق في هذه الحرب؟ــــــ الحرب بدأت في تركيا منذ سنة 1984. ولم تبدأ بعد قيام سلطة الحكم الذاتي الفتية في كردستان العراق. فالقضية موجودة منذ زمن بعيد داخل تركيا.وقواتنا الحقيقية موجودة داخل كردستان تركيا في آمد وديرسيم ووان، وحتى في جبال البحر الأسود وأمانوس. تحاول تركيا التحجج بوجودنا للتدخل في شؤون العراق وسد الطريق أمام التجربة الديموقراطية للعراق.بطبيعة الحال، النضال الذي نسيّره في الجزء الكردستاني من تركيا يؤثر على أجزاء كردستان الأخرى، وبالأخص في كردستان العراق. وكذلك الوضع الحالي في كردستان العراق يؤثر بشكل من الأشكال على التطورات الأخيرة ليس إلا.
• ما هو موقفكم من مشروع تقسيم العراق؟ وما هي مصلحتكم؟ــــــ لسنا مع تقسيم أية دولة في المنطقة. نحنُ مع الحل الديموقراطي والسلمي للقضية الكردية في كل الدول المعنية، من دون المساس بحدودها ووحدتها، مع العيش المشترك للشعوب على أساس الاحترام والأخوّة. هذا الحل قد يكون بصيغة فدرالية أو كونفدرالية أو ديموقراطية، ولسنا مع أي سيناريوهات لتقسيم العراق أو أية دولة أخرى.
• أين هو عبد الله أوجلان مما يجري؟ وهل صحيح أن طموحاتكم كانت بعد اعتقاله قد تراجعت من المطالبة بدولة كردية مستقلة إلى المطالبة بإطلاق سراحه؟ـــ قائدنا عبد الله أوجلان ليس قائداً سياسياً لحزبنا فحسب، بل هو قائد للأكثرية الساحقة من الشعب الكردستاني، وليس في كردستان تركيا فحسب. في العام الماضي، اعتبر أكثر من أربعة ملايين شخص، من خلال حملة استفتاء، القائد عبد الله أوجلان قائدهم وإرادتهم السياسية في كردستان.لذا، فإن موقعه حساس ومهم جداً بالنسبة إلى الشعب الكردي وحركتنا. هو معرّض لشتى الهجمات، وآخرها كانت تعرّضه لعملية تسميم مبرمجة داخل الزنزانة الانفرادية. وكذلك يعيش أصعب الظروف التي لا يمكن لأي سجين آخر تحملها، فهو مسجون لوحده ضمن حجرة انفرادية منذ سنة 1999 في جزيرة إيمرالي النائية في بحر مرمرة، ومحروم من كل الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها السجناء السياسيون الآخرون في تركيا وفي باقي الدول.ونحن نرى ضرورة حل القضية الكردية سياسياً ضمن الحدود الرسمية للدولة التركية وبالسبل الديموقراطية التي تضمن تمتع شعبنا بحريته وحقوقه الوطنية والقومية. مفهومنا لحل القضية الكردية يتجاوز الدولة القومية كثيراً. فالوضع الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط من توتر واقتتال، ليس إلا نتيجة الرؤية القوموية السائدة حالياً. فتجاوزنا لمفهوم الدولة القومية ليس من قبيل أننا قد ضعفنا أو قد تراجعت قوتنا، كلا، بل إننا نؤمن بأن الحل على أسس المفاهيم القوموية لن تكون مجدية في حل جميع مشاكل المنطقة.
• هل ترون أن هناك فرقاً بين المؤسستين العسكرية والسياسية في تركيا، ولا سيما أن في صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم العديد من الكوادر الأكراد؟ـــ حزب العدالة والتنمية يمثل الفكر الإسلامي القومي التركي، والعسكر يمثل الفكر العلماني القومي التركي. يمكننا القول إن الدولة التركية بعسكرها وساستها وقادتها ينسون كل خلافاتهم حينما يكون الأمر متعلقاً بالقضية الكردية. فقد تحالفت الحكومة الحالية مع الجيش للتضييق على الجماهير والحركة الكردية. السياسة التي تتبعها حكومة أردوغان لم تخرج عن نطاق سياسة الحكومات التركية السابقة في التقرب من القضية الكردية.هي أيضاً تنظر من منظور أمني إلى القضية الكردية، وتحشرها في موضوع «الإرهاب». ولحكومة أردوغان دور كبير جداً في تصاعد حال التوتر والحرب في الآونة الأخيرة، نتيجة الصلاحيات الواسعة التي أعطتها الحكومة للجيش التركي، وآخرها كانت المذكرة التي أعطتها للجيش والتي تسمح له بالدخول إلى كردستان العراق.أما بالنسبة إلى الأكراد الذين ضمن حكومة أردوغان أو حزبه، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم وليست لهم أي علاقة بالجماهير الكردية.
• هل تراهنون على انتفاضة شعبية في جنوب شرق الأناضول؟ـــ هنالك حالة غليان واحتقان ضمن المجتمع الكردي ضد الحالة السيئة التي يعانون منها جراء السياسات التقليدية للدولة؛ ففي القرن الحادي والعشرين، كل ممارسات الدولة التركية من اعتقال وتضييق وحملات عسكرية تزيد من حالة الاحتقان الموجودة ضمن الشارع الكردي وقد تؤدي إلى انفجار جماهيري كبير يخرج من نطاق السيطرة و التحكم.
• إلى أي مدى يمكن لكم الصمود في هذه الحرب؟ وهل تتوقع حصول تسوية ما تنهي التوتر أو تجمده؟ـــــ لقد أبدينا مقاومة قوية خلال السنوات الـ 24 الماضية، مع أننا لم نكن نواجه الجيش التركي فحسب، بل كان هذا الجيش مدعوماً من قِبل الكثير من الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض القوى الإقليمية وحتى بعض الأحزاب الكردية في كردستان العراق التي تحالفت مع الجيش التركي في حربها علينا. لكن ماذا كانت النتيجة؟ نحنُ ما زلنا باقين في كل مناطق تمركزنا، وما زلنا أقوياء وبإمكاننا الصمود. نحنُ أكثر قوة وقدرة بالمقارنة مع ما كنا عليه في السنوات الماضية. فكما فشل الجيش الإسرائيلي في حربه الأخيرة أمام التكتيكات الحربية الجديدة التي طوّرها حزب الله، سيكون فشل الجيش التركي أكثر فداحة.إن تصعيد القتال أو تراجعه مرتبط بموقف الدولة التركية؛ فنحنُ من جانبنا أعلنّا ونصرُّ على الحل السياسي للقضية الكردية. ونؤمن بأن الدولة التركية ستأتي في نهاية المطاف إلى نقطة التسوية السياسية للمسألة. فإن أقدمت حكومة أردوغان على خطوة إيجابية وأعلنت عن مشروع سياسي للحل، فهذا بطبيعة الحال سيكون له انعكاس إيجابي.
• هل تعتقد أن ضغوط حكومة بغداد على إقليم كردستان بدأت يؤتي ثمارها لجهة تضييق الخناق عليكم؟ــــــ لا، نعتقد إنه سيكون بإمكان حكومة إقليم كردستان وحكومة بغداد تضييق الخناق علينا. حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان لم تستطيعا بعد التحكم في شؤونهما الداخلية وتحقيق الأمن. فحلّ المسألة ليس في بغداد أو أربيل أو أي مكان آخر، الكرة في ملعب تركيا منذ زمن طويل، وعليها ألّا ترميه لا إلى بغداد ولا إلى أربيل ولا حتى إلى واشنطن.
الدكتور باهوز أردال كردي سوري، اسمه الحقيقي حسين فايمان، التحق بحزب العمال الكردستاني في عام 1987، تاركاً دراسة الطب البشري في دمشق. تولى قيادة جبهات الحرب على مدى 15 سنة داخل الحدود التركية.هو المسؤول العسكري الفعلي والميداني لقوات حزب العمال في إيران والعراق وتركيا، تمتد من البحر الأسود وحتى كرمانشاه في إيران، مروراً بكردستان العراق.
عدد السبت ١٠ تشرين الثاني 2007

9‏/11‏/2007

معاقبة إيران... وعقدة المصالح

معمر عطوي
يبدو واضحاً أن القوى الغربية المعنية بوضع مسوّدة قرار عقوبات مشددة ضد إيران، على خلفية برنامجها النووي، عاجزة عن التوصل الى اتفاق على طبيعة هذه العقوبات حتى الآن. بل أكثر من ذلك، تواجه الصيغة الجديدة للقرار المُرتقب مشكلات متشعبة ناشئة إمّا عن خوف من أن تكون العقوبات مقدمة لحرب تطيح المصالح الاقتصادية لبعض الدول الغربية في المنطقة، أو أن تصبح بمثابة محاولة لتنفيس احتقان أميركي يضع خيار الحرب جانباً
مما لا شك فيه أن المشاورات التي تجري بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة الى ألمانيا، لبتّ رزمة جديدة من العقوبات المالية والاقتصادية المُشددّة على إيران، تشهد تباينات كبيرة بين دول مصرة على إقرار أشد العقوبات مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا، وأخرى مترددة مثل ألمانيا، التي تدعمها دول أوروبية من خارج مجموعة (5+1)، وبين دول معارضة تماماً لخطوة كهذه مثل الصين وروسيا.ويستطيع المراقب تفهُّم طبيعة الموقف الروسي، إذا ما علم أن حجم التبادل التجاري بين طهران وموسكو قد بلغ حالياً ما يقارب ملياري دولار، فيما تعمل الآن في منطقة بوشهر الايرانية الجنوبية زهاء 300 مؤسسة وحوالى ألفي خبير من روسيا. موقف معارض للسياسة الاميركية، لم يتغير رغم زيارات المسؤولين الاميركيين الى موسكو، مصحوبين بإغراءات اقتصادية وسياسية، ورغم محاولات فرنسا تليين موقف قادة الكرملين، عقب تصريحات مسؤوليها عن «توقع الاسوأ» في الملف الإيراني.فالعلاقات الروسية الإيرانية شهدت تحسناً كبيراً منذ تولى الرئيس فلاديمير بوتين مقاليد الحكم عام 2000، إذ ارتفع حجم التبادلات التجارية بين البلدين، ولا سيما في المجال العسكري، حيث بلغت مبيعات الاسلحة الروسية للجمهورية الاسلامية حوالى 6 مليارات دولار.ومع ذلك، لا يمكن وصف العلاقة بين موسكو وطهران سوى بـ«زواج مصلحة»، إذ إن روسيا، الحريصة على بقاء هذا العلاقة المُربحة اقتصادياً، لم تألُ جهداً في تحويل الملف النووي الإيراني الى ورقة من شأنها تحسين شروط الكرملين في منافسته مع الغرب، بينما تقوم في الوقت نفسه، بالضغط على طهران من خلال المماطلة في استكمال بناء مفاعل بوشهر. وهذا إن دل على شيء فهو يعبّر عن موقف موسكو الرافض لامتلاك دولة تحمل أيديولوجية إسلامية تقع على حدودها، للقنبلة الذرية.أمّا بالنسبة الى الصين، فقد شهدت في الفترة الأخيرة توقيع عقد استثماري بقيمة 6‚3 مليارات دولار لتطوير واستثمار حقل غاز في جنوب إيران. ويتوقع أن تستورد بكين نحو 10 ملايين برميل يومياً من النفط و30 في المئة من الغاز الإيراني بحلول العام 2030، لتصبح إيران ثاني أكبر مزود للصين بالنفط. أما قيمة التبادل التجاري بين بكين وطهران فقد ارتفعت من 3‚3 مليارات دولار عام 2001 إلى 14 ملياراً عام 2006.في المقابل، تبدو فرنسا، في علاقتها مع إيران، أقرب إلى صقور البيت الأبيض. ومنذ وصول ساركوزي الى السلطة، باتت أقرب الى المصالح الاميركية، ربما في محاولة لتعويض ما خسرته من مكاسب نتيجة معارضتها غزو العراق. ولم يأخذ الإليزيه بالاعتبار حجم الاستثمارات الفرنسية في إيران، التي تقدر بمئات ملايين اليوروات، حيث تعمل شركات فرنسية عملاقة للنفط والغاز على غرار «توتال» و«غاز دوفرانس»، وشركات سيارات مثل «رينو» و«بيجو».أما بريطانيا فتبدو في ظل رئيس الوزراء الجديد غوردون براون، أكثر حذراً بعد تراجع شعبية حزبه (العمال) بسبب التورط في المستنقع العراقي.في هذا السياق يظهر التمايز الألماني واضحاً، إذ تبدو برلين، ومن خلفها بعض عواصم الاتحاد الاوروبي مثل روما ومدريد، مترويّة في شأن عقوبات أشد على إيران.ولعل هذا التروّي مصدره ما رشح عن بيانات المفوضية الأوروبية من أن 27.8 في المئة من التعاملات التجارية لإيران في العام 2006 كانت مع الاتحاد الاوروبي، الذي أصبح أكبر شريك تجاري للجمهورية الإسلامية.وقد انفردت برلين بالتحفظ على إحالة ملف إيران النووي تلقائياً إلى مجلس الأمن، مفضلةً بقاءه في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، فيما تفيد بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي أن ألمانيا صدّرت سلعاً قيمتها 4.1 مليارات يورو لإيران في العام الماضي، بينما صدرّت إيطاليا سلعاً قيمتها 1.9 مليار يورو.وكان المصرفان الألمانيان «دويتشه بنك» و«كوميرتس بنك» وغيرهما من المصارف، قد أوقفت تعاملاتها المالية مع إيران، بضغط أميركي. لكن المصرفين المذكورين، اللذين كانا قد وضعا الى جانب شركتي «باسف» و«سيمنز» الألمانيتين ضمن قائمة أميركية ضمت المؤسسات التي ترتبط بعلاقات تجارية واستثمارية مع «الدول المارقة»، وصفا القرار الاميركي بـ«المبتز»، مطالبين حكومة برلين بوضع خطوط إرشادية ألمانية أو أوروبية تتولى في المستقبل التصدي للضغط الأميركي.لعل سبب هذا الاستياء الألماني يوضحه إعلان المكتب الألماني للتجارة الخارجية، أول هذا الشهر، أن الصادرات إلى إيران على مدى الشهور السبعة الأولى من العام الجاري تراجعت بنسبة 18 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.يبقى السؤال الاساسي الذي يطرح نفسه أمام هذه المعطيات، هو مدى إمكان توصل هذه الدول الى حل وسط يردع طهران عن السير في طموحاتها النووية، التي أصبحت أشبه بـ«فوبيا» للغرب، وفي الآن نفسه يحفظ مصالحها لدى بلد يزيد عدد سكانه على سبعين مليون مستهلك.
الأخبار٩ تشرين الثاني 2007

7‏/11‏/2007

مناقشة لدور الدين في المجتمع والسياسة




رؤية نقدية من منطلق ماركسي
معمر عطوي
ما بين الطبعتين الأولى والثانية (1986ـــــ2007) من كتاب مصطفى التواتي «التعبير الديني عن الصراع الاجتماعي في الإسلام»، حصلت تحوّلات هائلة في العالم، من سقوط الاتحاد السوفياتي إلى نشوء نزاعات دينيّة وطائفية في أكثر من بلد في العالم، إلى تطوّر حركات الإسلام السياسي وصناعة تاريخ جديد أصبح يُعرَف بـ«ما بعد 11 أيلول».هذه التحوّلات دفعت الكاتب إلى إصدار طبعته الجديدة عن دار الفارابي في بيروت، ودار «أنيب» في الجزائر، مزيدة ومنقَّحة، تحاكي المرحلة. إذ يرى الكاتب هنا أنّ كلّ الأحداث التي ظهرت في العالم «أعطت لموضوع هذا الكتاب أهميّة خاصّة، إذ أعادت مفهوم التعبير الديني عن الصراعات الاجتماعية على المستوى الدولي بين الشعوب الفقيرة».يبدأ التوّاتي أطروحته من منطلقات إيديولوجية ماركسية ليُحاكم الدين. لهذا حمل الفصل الأوّل عنوان: «المسألة الدينية لدى ماركس وأنجلز ولينين»، مشيراً إلى أنّ الماركسية تتكَّون من 3 مستويات مترابطة ومتمايزة في آن واحد، إذ هي في الوقت نفسه فلسفة (نظرة معيّنة إلى الكون) وعلم (للتحليل الاجتماعي) وسياسة (للعمل على تغيير الواقع وعدم الاكتفاء بتفسيره).ويرى الكاتب هنا أنّ عدم التمييز بين هذه المستويات، وعدم فهم كيفية التمفصل والترابط بينها، لعبا دوراً في تشويه موقف الماركسية من المسألة الدينية، مناقشاً في هذا المجال مقولة الفيلسوف الألماني كارل ماركس: «الدين أفيون الشعوب».والهدف هنا واضح عند الكاتب في التعاطي مع الدين، لا من منطلق الدور الاجتماعي للدين وأهميته في تنظيم مجموعات بشرية تؤمن به، بل ليتجاوز تلك الصورة الطقوسية والميتافيزيقية إلى نواحٍ عملية تمسُّ حياة الإنسان وتعاملاته الاجتماعية والتجارية والسياسية وغيرها.وفي محاولة لتبرئة الماركسية من إرساء النقد التهفيتي للدين، يستشهد الكاتب بمقولة لماركس جاء فيها: «إنّك إذا حوّلت الدين إلى نظرية في الحقوق، ستجعل الدين نفسه ضرباً من الفلسفة». وُفِّق الكاتب في اجتراح منهجية موضوعية، تعامل من خلالها مع الدين كمعطى اجتماعي فلسفي يستحقّ الدراسة، منتقداً «أصحاب النظرة الدوغمائية من المنتسبين إلى الماركسية نفسها... الذين يتماهون مع المتديّنين من جهة معاكسة في فهم واحد للموقف الماركسي من مقولة «الدين أفيون الشعوب».ويخلص الكاتب من خلال تحليل فلسفي مُطعَّم بآراء فلاسفة وعلماء اجتماع ومفكّرين معروفين، إلى أنّ «نقد الدين ليس بدعة ماركسية، لكنه كان عنصراً أساسيّاً في الفلسفة المادية الكلاسيكية ما قبل ماركس، ودعامة جوهرية للفكر البورجوازي عموماًَ في حربه مع الإقطاع، الذي يُعدّ الدين من أهم دعائمه الإيديولوجية...» .ثمة عناوين عديدة لفصول هذا الكتاب لا يمكن مناقشتها في هذه العجالة، لعلّ أهمّها: المجتمع العلماني، وتفكّك النظام القبلي، وصحوة الوعي القومي لدى العرب، والإسلام ثورة من؟ إضافة إلى المسلمين والإسلام، وقراءة النص الديني وآلياتها في الفكر الأصولي المعاصر.


7-11-2007


6‏/11‏/2007

ألمانيا تتوّج يوليا فرانك «سيدة الظهيرة»




معمر عطوي
تركت مرحلة انقسام الألمانيتين بصماتها على الأدب الألماني، ولا سيما أعمال الروائيين الشباب. وقد تجلّت هذه الحقبة بأحداثها المعقّدة والملتبسة من خلال روايات نالت شهرتها أوروبياً وعالمياً، لعل آخرها رواية «سيدة الظهيرة» للكاتبة يوليا فرانك التي فازت بـ«جائزة الكتاب الألماني» خلال معرض فرانكفورت الأخير.«تأسر يوليا فرانك القارىء بشهوانية شديدة وغير معتادة وتكاد تكون مخيفة»، بهذه العبارات، قدّم موقع «مداد» الأدبي الألماني الناطق بالعربية، الروائية الشابة (37 عاماً) التي تحكي في «سيدة الظهيرة»، قصة جدّتها الممرضة هيلين التي كافحت شظف العيش خلال الحرب العالمية الثانية. بعد قصة حب عاصفة لكن قصيرة بسبب وفاة حبيبها، تزوجت هيلين ابنة العائلة اليهودية رجلاً آخر ورزقت منه طفلاً (فرانك والد يوليا)، لكنّ حياتها الزوجية لم تدم طويلاً، إذ اتّخذت القرار المفاجئ بترك عائلتها ولمّا يتجاوز ابنها الثامنة بعد.تنتمي يوليا فرانك إلى الجيل الأحدث من كتّاب جمهورية ألمانيا الشرقية (السابقة): ولدت في برلين الشرقية عام 1970، ثم انتقلت مع أسرتها إلى غرب ألمانيا، ومنها الى الولايات المتحدة حيث عاشت فترة طويلة. وفي أميركا الوسطى، أكملت تحصيلها العلمي في الدراسات الأميركية القديمة، لكنّها عادت الى برلين لتدرس الأدب الألماني الحديث والفلسفة. عندما انتقلت يوليا وهي ابنة ممثلة من برلين الشرقية، مع عائلتها الى الغرب الألماني عام 1978، بقيت تحمل فكرة كتابة هذه القصة لمدة عشر سنوات ولم تنفك تبحث عن جدتها لتعرف منها السر. بعدما تنقّلت هذه الروائية الشابة بين مهن عديدة من نادلة، فمفرغة للتسجيلات، إلى صحافية في وسائل إعلامية متنوعة، نشرت باكورتها «الطباخ الجديد» عام 1997 وتلتها أربعة أعمال أخرى.في عام 2003، نشرت «نيران المخيم» التي صدرت ترجمتها العربية في القاهرة. في هذه الرواية، تناولت يوليا فرانك الواقع السياسي في ألمانيا خلال حقبة الانقسام عبر أربعة أشخاص هاجروا من ألمانيا الشرقية الى الجزء الغربي حيث اجتمعوا في مخيم «مارينفيلد» للاجئين الذي تعرفه المؤلفة من خلال تجربتها الخاصة عندما انتقلت مع أسرتها إلى الغرب. وفي حديث أجرته مجلة «أخبار الأدب» الإلكترونية مع فرانك، أشارت الكاتبة الى أنّ الرواية ليست سياسية، بل هي رواية عن الانتقال والصداقة والحب والوحدة وفقدان الثقة. وأوضحت أنّها «حسب رأي كثيرين، تُعتبر أوّل مَن كسر تابو الحديث عن اللاجئين الشرقيين، إذ تحدثت بوضوح عن السياسة الغربية تجاههم، لكن يمكن القول إنّ الرواية تعتبر نقداً للحاضر من خلال منظور تاريخي»، غير أنّها أضافت أنّ الرواية هي «رد فعل على تصرّفات أمي التي كانت تشعر بمسؤولية تجاهي وتجاه إخوتي، فقررت الهجرة أملاً في حياة أفضل لنا، على رغم أنّني كنت أتمنى البقاء حيث ولدت ونضجت. أعتقد أنّها كانت تتصرف من أجل مصلحتنا». تجدر الإشارة إلى أنّ جائزة «الكتاب الألماني» (37500 يورو أوروبي) شبيهة بجائزة «بوكر» البريطانية و«غونكور» الفرنسية، لكنها تختلف عن «بوكر» بأنّ الجائزة الألمانية تُمنح بناء على توقّعات لجنة التحكيم بنجاح الكتاب جماهيرياً، لا لجهة أفضليّتها من الناحية الفنية أو التقنيّة، إذ يمكن كل دار نشر من ألمانيا والنمسا وسويسرا ترشيح روايتين لهذه الجائزة.
الأخبار٦ تشرين الثاني 2007

2‏/11‏/2007

العقوبات الاقتصادية على إيران: من المتضرّر؟

معمر عطوي
لن تكون إيران المتضرر الوحيد من الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الاميركية على التعاملات التجارية والاستثمارية معها، في ضوء ما يظهر من انزعاج وسط شركات ومؤسسات اوروبية وأميركية، تضررت نتيجة هذا القرار.بيت القصيد هنا يكمن في أن السياسة الأخيرة لطهران بتحويل عائدات النفط من الدولار الاميركي إلى اليورو الأوروبي والين الياباني، قد فتحت شهية المؤسسات المالية الأوروبية على استغلال هذا الوضع لمصلحتها اقتصادياً.بيد أن تحذيرات نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الجمعة الماضي، لكل من يقيم علاقات تجارية واستثمارية مع ايران، بأنه «سيواجه مشكلات في التعامل معنا في هذه المجالات»، ترك آثاره على حجم تعاملات الشركات العاملة.هذا ما عكسته قيمة ضمانات القروض الائتمانية الألمانية لإيران، والتي تراجعت من نحو ملياري دولار في عام 2005 إلى نحو 715 مليون دولار في العام الجاري.أما المصارف الفرنسية، فقد خفضت بدورها ائتماناتها لإيران من 5.7 مليارات دولار في عام 2005 إلى 3.8 مليارات دولار في نهاية العام الماضي، بينما ذكرت وزارة المال الأميركية أن نحو 40 مصرفاً معظمها في أوروبا، قد قلّصَت تعاملاتها المالية مع طهران استجابة لابتزاز الولايات المتحدة، حسبما ذكر تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الاثنين الماضي.ومن المؤكد أن تذمُّر العديد من الشركات، لا سيما الالمانية منها، قد دفع مسؤولي الحكومة في برلين إلى تقديم شكوى إلى مسؤولي الإدارة الاميركية في واشنطن من هذه الضغوط، مشيرين إلى أنها لا تقع ضمن بنود قانون العقوبات الاميركي.أما الشركات الأميركية فقد رأت أن هذه العقوبات تفوّت عليها فرصاً كبيرة في الاستثمارات النفطية في الجمهورية الاسلامية التي تستحوذ على 20 في المئة من احتياطي النفط في العالم أي 93 مليار برميل.ولعل ما أشار إليه المكتب الألماني للتجارة الخارجية من تراجع في الصادرات الالمانية الى إيران على مدى الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بنسبة 18 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، يؤكد اهمية التعاملات المصرفية مع الجمهورية الاسلامية، خاصة من خلال تأكيده أن «انسحاب مصارف أوروبية سبب جزئي للتراجع الحاد في اتجاهات التصدير إلى إيران».ومع ذلك، فقد صدرت الشركات الالمانية بنحو 4.12 مليارات يورو (5.9 مليارات دولار) لإيران العام الماضي. وحتى إذا تراجعت تلك الصادرات بمقدار الخُمس هذا العام، فإن حجمها سيزيد على 3 مليارات يورو.وربما هذا ما دفع الجانب الاميركي الى بعث رسالة لألمانيا على لسان وكيل الخارجية الاميركية لمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية ستيوارت ليفي، خاطب فيها المصارف الألمانية قائلًا «أوقفوا تعاملاتكم المالية وبسرعة».من المرجح أن أهمية السوق الاوروبية لإيران وحاجة الشركات الاوروبية للمستهلك الايراني، يعودان الى ما باعته هذه الشركات للجمهورية الإسلامية من معدات تكنولوجية، لا يمكن طهران أن تؤمن قطع غيارها إلا من اوروبا نفسها، مع عجز دول مثل الصين وروسيا عن توفير قطع الغيار اللازمة لتشغيل هذه المعدات.الجمهورية الاسلامية، التي تستشعر خطر المرحلة، ارادت عدم وضع البيض في سلة واحدة، فعملت على نقل تجارتها من الغرب إلى الشرق بانتظام، خصوصاً منذ قرار العقوبات 1737 الذي فرضه مجلس الامن عليها في كانون الاول من العام الماضي.وزادت قناعة طهران في هذا الاتجاه، حين خسرت مراهنتها على «الحصان» الألماني في تعويض ما خسرته، لا سيما بعدما اعلن احد اكبر مصرفين في ألمانيا «دويتشه بنك» و«كوميرتس بنك» عن خفض تعاملاتهما مع طهران، التي كانت قد نقلت في الآونة الأخيرة بعض عائداتها بالعملة الاجنبية الى المصارف الالمانية، لتتجاوز في شهر أيار الماضي نحو 6.55 مليارات يورو، أي نحو 9 مليارات دولار، حسبما ذكر تقرير «واشنطن بوست».وعزّز الخوف الايراني وقف شركات مثل «رويال» و«داتش» و«شيل» و«توتال» الفرنسية و«ايني» الايطالية المحادثات بشأن اتفاقات بشأن مشاريع جديدة في حقول الغاز والنفط الايرانية خلال السنوات الاخيرة.الامر نفسه كان مع اليابان التي انسحبت من بعض مشاريع الطاقة في ايران.لكن البدائل الإيرانية لهذه «الفجوة» الاقتصادية قد تكون في العالم العربي ـــــ الاسلامي وآسيا، حيث من المُرجَّح أن تحلّ المصارف الصغيرة ومؤسسات التمويل الإسلامية والمصارف الآسيوية محل المصارف الأوروبية التي تقاطع إيران، حسبما ذكرت وزارة المال الاميركية.إلا أن جدوى هذه العقوبات، التي توّجتها الولايات المتحدة بعقوبات أحادية الجانب طالت أخيراً مؤسسات الحرس الثوري، والتي تمسك بمفاصل السياسة والاقتصاد في النظام الاسلامي، تحدث عنها المسؤول السابق في وزارة المال الأميركية جيفري سكوت قائلًا إن «واشنطن حقّقت بعض النجاح في حظر مؤسسات مالية كانت تشارك في قرارات تتخذها مصارف كبيرة لوقف أو تقليص الأعمال التجارية في إيران». لكنه أضاف «لا أعتقد أن مستوى التعاون الدولي أو التدخُّل سيُسفر عن نتائج ملحوظة ويحول دون أن تحقق إيران أهداف سياستها».وربما كانت قناعة روسيا والصين غير بعيدة عن رؤية سكوت، اذ يرى البلدان اللذان يرفضان تشديد العقوبات على حليفتهما التجارية الاكبر في المنطقة، أن سياسة العقوبات هي إحدى مقدمات اندلاع حرب على الجمهورية الاسلامية.
الاخبار٢ تشرين الثاني2007

27‏/10‏/2007

حرب باردة تركيّة ــ أميركيّة... وقودها الأكراد

معمر عطوي
توحي التوترات الدائرة في شمال العراق بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، بوجود مناخات حرب تركية ـــــ أميركية باردة، يحاول خلالها الطرفان رفد أدوات النزاع بوقود كردي، رغم سعي واشنطن إلى عدم تطور هذه الحرب إلى درجة قد تقوض أحلامها في بلاد الرافدين.ومن الواضح أن الانشقاقات التي يعانيها حزب العمال الكردستاني بجناحيه التركي والإيراني، منذ اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان في تركيا في عام 1999، تُظهر مدى جنوح البعض في هذا الحزب اليساري إلى طلب الدعم الأميركي لاستكمال معركته من أجل تحقيق الاستقلال.هذا التورط الأميركي بدعم أطراف كردية مناهضة لإيران وتركيا وربما سوريا، الذي أكدته تقارير إعلامية واستخبارية، دفع الجانب التركي إلى تعزيز روابطه مع دول الجوار على حساب علاقته التاريخية مع حليفه الأكبر في حلف الأطلسي، ولا سيما بعد اتساع حجم الهوة بين أنقرة وواشنطن، منذ رفض أنقرة فتح آراضيها أمام غزو القوات الأميركية للعراق في عام 2003.الجانب التركي أيضاً يشهد شبه انقسام بين مؤسستيه العسكرية والسياسية؛ ففيما تسعى الأولى إلى محاربة الأكراد لتأكيد دورها السياسي مدافعةً عن الدولة العلمانية، وتعزيز البعد القومي في وجه التمدد الديني، تتريَّث الأخرى في شن هجوم شامل على الأكراد لاقتناعها بأن الحل العسكري في جبال القنديل، حيث يعسكر حوالى 3500 مقاتل كردي، لن يحل المشكلة الكردية المستعصية جذرياً، مع وجود رافد بشري وإيديولوجي لحزب العمال في جنوب شرق الأناضول التركي.إضافة إلى ذلك، يمتلك حزب العدالة والتنمية قواعد شعبية كردية داخل تركيا أسهمت في إيصال عدد لا بأس به من النواب الأكراد على لوائحه الانتخابية، كما يرتبط بعلاقة طيبة مع حزب المجتمع الديموقراطي الكردي، الذي أوصل أكثر من 20 نائباً إلى البرلمان التركي في انتخابات تموز الماضي.أماَّ الجانب الأميركي فهو في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحريك جبهة الأكراد من أجل الضغط على تركيا وإيران، وفي مرحلة لاحقة على سوريا، يسعى أيضاً إلى عدم بلوغ الأزمة مرحلة الانفجار الذي يمكن أن يقوّض أهدافه في تحقيق الفيدرالية في العراق، انطلاقاً من إقليم كردستان في شمال البلاد.ولاتساع الهوة في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا أسباب عديدة، أبرزها سعي الكونغرس الأميركي إلى وصف المجازر التي ارتكبها العثمانيون إباَّن الحرب العالمية الاولى بـ«الإبادة الجماعية» ودعم إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لاستقلال إقليم كردستان، ولمسلحين أكراد ربما انشقُّوا عن حزب الحياة الحرة «بيجاك» في غرب إيران، من أجل زعزعة النظام الإسلامي.كما أثار امتعاض أنقرة تحويل الاحتلال الأميركي بلاد الرافدين إلى معقل للمتشددين الإسلاميين، الذين يمكن أن يؤثّروا بشكل أو بآخر على استقرار تركيا ذات الغالبية الإسلامية «المعتدلة».أماّ الجانب الآخر من المشكلة فيكمن في تعزيز أنقرة لعلاقاتها مع دول هي إما خصوم أو أنداد للإدارة الأميركية مثل سوريا وإيران وروسيا وحكومة حركة «حماس» في فلسطين؛ فمستوى التبادل التجاري والاستثماري بين أنقرة وإيران ارتفع في الأشهر الأخيرة، مع اعتزام أنقرة استثمار ‏3.5‏ مليارات دولار في الغاز الإيراني، الذي أصبح في المرتبة الثانية بعد الغاز الروسي كمصدر للطاقة في تركيا، التي تصر على هذه الاتفاقيات رغم معارضة واشنطن. ويشير مسؤولون أتراك إلى أن البلدين وقّعا اتفاقاً مبدئياً لضخ الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر تركيا‏.وكانت العلاقات الإيرانية ـــــ التركية، التي شهدت فتوراً بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، قد شهدت تطوراً في بداية القرن الحالي، على خلفية الاتفاق على الحد من طموحات الأكراد الاستقلالية، حيث أجريت صفقة تتخذ بموجبها تركيا إجراءات حيال منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، في مقابل إسهام طهران في ملاحقة عناصر حزب «بيجاك».‏ومنذ طرد سوريا لعبد الله أوجلان في عام 1999، شهدت العلاقات بين أنقرة ودمشق تحسناً بالغاً، عززته زيارة الرئيس بشار الأسد إلى تركيا منذ أسبوعين، ولا سيما بعد مباركته ضرب قواعد حزب العمال، ما يعكس مخاوفه من انتقال عدوى «الاستقلال» الكردي إلى شمال سوريا.هذه العلاقة انعكست على تحسُّن التبادل التجاري بين البلدين، الذي يمكن أن يشهد ارتفاعاً قد يبلغ ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار في الحدِّ الأدنى نهاية العام الجاري، ولا سيما بعد دخول منطقة التجارة الحرة السورية ـــــ التركية حيِّز التنفيذ مطلع هذا العام.أما بيت القصيد في هذا الفتور الذي تشهده العلاقات الأميركية ـــــ التركية فيكمن في تعزيز أنقرة لعلاقاتها مع الجانب الروسي، الذي يعتمد خياراً استراتيجياً مناهضاً لواشنطن. وأضحت موسكو نتيجة هذه العلاقات ثاني أكبر مستورد للبضائع التركية بعد ألمانيا، بينما تستثمر تركيا أكثر من 12 مليار دولار في حقل البناء في روسيا.مما لا شك فيه أن الحرب الباردة بين واشنطن وأنقرة قد بدأت ملامحها تظهر في شمال العراق، لكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يتحمل الجانبان عواقب حرب ساخنة على تخوم بلاد الرافدين؟
الأخبار٢٧ تشرين الأول2007

23‏/10‏/2007

طهران تفاوض "الشيطان الأكبر"؟






كتب معمر عطوي*
لا يبدو تاريخ الثامن والعشرين من أيار/مايو، الذي شهد اول لقاء رسمي ايراني اميركي منذ بداية الثورة الاسلامية عام 1979، سوى محاولة لكسب الوقت من جانب طهران التي أدمنت المناورة في فن التفاوض الشاق مع الغرب في الملف النووي، فيما اصرت على الاستمرار بأنشطتها النووية الحساسة، بالرغم من صدور 3 قرارات ضدها عن مجلس الامن ( 1737 - 1747 - 1996).


لم تحمل الجولة الاولى من المفاوضات المباشرة التي أجريت في بغداد، سوى انتقادات متبادلة بين الجانبين، رشحت عنها تصريحات المسؤولين في البلدين، والذين كان كل منهم يطالب الآخر بتقديم نتائج ملموسة. إذ طالبت واشنطن الايرانيين بـ"التوقف عن إثارة المشاكل في العراق"، بينما ردت ايران بدعوة الادارة الاميركية "لتصحيح سياساتها" وعدم التدخل في شؤون المنطقة.وبدا واضحًا أن هذه المحادثات التي قادها كل من السفيرين لدى بغداد، الايراني حسن كاظمي قمي والاميركي رايان كروكر، وفي حضور ممثل عن الحكومة العراقية، لم تؤد الى أي انفراج واضح على صعيد تحديد موعد للانسحاب من الجانب الاميركي كما يطالب الايرانيون في خطاباتهم وتصريحاتهم، او على صعيد وقف هجمات المقاومة العراقية، كما يريد الاميركيون. ومن المهم القول، ان موافقة طهران على لقاء "الشيطان الأكبر" كانت في سياق سياسة جديدة بدأتها الحكومة الاسلامية، برئاسة محمود أحمدي نجاد، بعدما شعرت انها مهددة بالعزلة على خلفية الاستمرار في البرنامج النووي المثير للجدل من جهة، وبسبب تصريحات نجاد العنيفة في شأن اسرائيل ووجودها في المنطقة، وتشكيكه بحصول المحرقة النازية من جهة أخرى.
مقابلة الشيطان
وبالرغم من أن هذه المفاوضات، لاقت معارضة من بعض التيارات السياسية الايرانية، التي لم يدخل في ادبياتها "الخمينية" بعد مقابلة "الشيطان"، باشرت الجمهورية الاسلامية مفاوضاتها مستفيدة من عوامل عدة من شأنها ان تصب في مصلحتها، في ما لو عرفت كيف تقتنص الفرص. ذلك ان نظام الملالي يعرف جيدا حجم المأزق الذي وضعت به قوات الاحتلال الاميركي في العراق، ويدرك تماما حجم التناقضات في الداخل الاميركي نتيجة هذه الحرب المكلفة، ولا سيما بعد فوز الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس وما يمكن ان يمثله ذلك من تغير في وجهة السياسة الاميركية تجاه العراق بالتحديد وتجاه العلاقة مع سوريا وايران، بمعنى ان الايرانيين وجدوا فرصة ثمينة لجر خصمهم الى "فخ" التفاوض، لحظة فشله في مواجهة المقاومة العراقية وبعض القوى المعارضة للسياسة الاميركية في لبنان وفلسطين وأفغانستان، ولحظة انقسام داخلي واضح في المشهد السياسي الاميركي.وربما أدرك الايرانيون أيضا ان فرص توجيه ضربة عسكرية اميركية الى مفاعلاتهم النووية او مراكزهم العسكرية الحساسة، صار احتمالا ضعيفا جدا، بعدما أدرك الغرب التطور الهائل الذي توصلت اليه طهران على صعيد الصناعات العسكرية والتقنيات النووية والتطور في عمليات التخصيب الصناعي لليورانيوم، ما يجعل أي عمل عسكري ضد هذا البلد مغامرة مجهولة العواقب، وفي أضعف الاحتمالات لن تكون نزهة.من هنا ربما فهم الغرب رسالة المناورات الايرانية المكثفة التي جرت في الخليج في الشهور الأخيرة، والتي جرى خلالها اختبار صواريخ يمكن ان تهدد المصالح الاميركية في المنطقة وقاعدتها الاساسية اسرائيل، الى الاعلان عن صناعة مدمرة حربية وغيرها من الانجازات العسكرية التي تمكنت جمهورية الملالي من التوصل اليها بامكانات ذاتية في ظل حصار وقيود كثيرة مفروضة على استيرادها للمعدات العسكرية غير التقليدية والتجهيزات وقطع الغيار.
جس نبض
انطلاقا من هذه المعطيات تخوض ايران مفاوضات ليس من شأنها سوى تضييع الوقت في انتظار تسلم الديمقراطيين في الولايات المتحدة السلطة الذين يرفضون سياسة بلادهم في العراق. وبذلك يعمل الايرانيون على قاعدة عدم التنازل مرتين، فيما لو اضطروا الى ذلك: مرة للجمهوريين وأخرى للديمقراطيين.ومما لا شك فيه ان مفاوضات بغداد، كانت بمثابة جس نبض متبادل بين الجانبين، او استمزاج آراء لاستشراف مدى تنازل كل طرف للآخر في ملفات عدة، ولا سيما ان بين العدوين اللدودين ملفات يمكن المساومة في شأنها، بدءا من الواقع العراقي والتأثير الايراني في بعض حركات المقاومة مرورا بالملف النووي وتداعياته وصولا الى المسألة الفلسطينية والأزمة اللبنانية. بالرغم من تصريحات المسؤولين في البلدين ان مجال المحادثات هو العراق فقط.

هواجس مبررة
إلا ان هذا العنوان لم يرض أطرافاً عراقيين مقربين من ايران أيضا، وهذا ما تمثله تصريحات قائد "جيش المهدي" مقتدى الصدر، الذي أعلن معارضته لهذا النوع من المفاوضات على أرض العراق، معتبرا اياها تدخلا في الشؤون العراقية. ولهذا التصريح، دلالات تفوق التفسيرات "السيادية" التي عبر عنها، مضيفا في معرض انتقاده للرافضين لانسحاب القوات الاميركية "إنهم غالبا ما ينسون او يتناسون، في مثل هذه المفاوضات، أن يطالبوا المحتل بالخروج من العراق".
احمدي نجاد: توصلنا الى المرحلة النووية الصناعية
وبات الصدر كغيره من الحركات النضالية التي تدعمها ايران، يستشعر الخطر من امكان المساومة على سلاحه اذا ما اقتضت المصلحة الايرانية. ولهذا أكد في تصريحات لاحقة ان "جيش المهدي وحزب الله في خندق واحد" في محاولة لإيصال رسالة الى طهران التي بدت حريصة على حزب الله اكثر من نظرائه في العراق، حين شدد الرئيس نجاد، في حديثه للصحافيين الاجانب في طهران في ذكرى مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله الخميني، على عدم وجود أية صفقة على حساب "حزب الله" وسوريا.ولهواجس الزعيم الشاب، مبرراتها، حيث كان للنظام الإسلامي سوابق في تسهيل دخول الاميركيين الى أفغانستان ومن ثم الى العراق، وبدعم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية بقيادة الراحل محمد باقر الحكيم، على الرغم من انخراط الأخير تماما في المشروع الاميركي لغزو العراق تحت حجة "تحريره من الديكتاتورية".ومن الواضح ان الخطر الذي شعرت به بعض التيارات الشيعية من امكانية تفريط ايران بها على مائدة التفاوض قد امتد الى الحركات السُنّية أيضا، اذ انتقدت جماعة دولة العراق الاسلامية المحادثات بين ايران والولايات المتحدة ووصفتها بانها شيطانية، مكررة معزوفة "الخطر الصليبي الصفوي".بأي حال يبدو ان الانفراج في هذه العلاقات بعيد المنال في ظل تصاعد حدة المواجهات بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال الاميركي والبريطاني في المناطق ذات الغالبية الشيعية. ذلك ان عدد قتلى الاحتلال في تزايد مستمر، فيما لا يزال ملف الايرانيين الخمسة الذين خطفتهم قوات الاحتلال الاميركي في اربيل في كانون الاول/ديسمبر الماضي عالقا.
حرب أمنية
ومن المفيد القول إن هذه المفاوضات بدأت على وقع صفارات إنذار البوارج الحربية الاميركية التي تجوب مياه الخليج قبالة السواحل الايرانية، وفي الوقت الذي تلوح فيه بوادر حرب أمنية ظهر أحد فصولها باختفاء نائب وزير الدفاع السابق ومسؤول الأمن التابع للحرس الثوري علي أصغري في تركيا في شباط/فبراير الماضي، في حين أعلنت أميركا عن اختفاء عميل سابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي في جزيرة كيش الايرانية بعد أسابيع من ذلك، فيما لا تزال طهران تلاحق ايرانيين يحملون الجنسية الاميركية بتهم التجسس لصالح الاستخبارات الغربية، ومنهم (الاكاديمية هالة اصفندياري وعالم الاجتماع كيان تاجبخش والصحافية بارناز عظيمة). في هذه الأثناء، تخوض الولايات المتحدة حرب "الحريات السياسة والدينية" ضد طهران على خلفية محاكمات واعتقالات لناشطين وناشطات وإقفال صحف ليبرالية معارضة لسياسة المحافظين. والأدهى من ذلك، تلعب واشنطن ورقة التباينات في المشهد السياسي الايراني (محافظون - اصلاحيون - متشددون) في مراهنة واضحة على حدوث انقسام في الشارع، يمهد لـ "زعزعة" النظام من الداخل. ولعل بعض فصول ذلك بدت في أزمة تقنين البنزين، وأزمة "الثياب المحتشمة وصرعات الشباب".ولا يمكن في هذا السياق تجاهل أزمة الثنائيات القومية والمذهبية: حيث تدور أحيانا، معارك عنيفة بين حرس الثورة والمتمردين الأكراد في ولاية أذربيجان الغربية الواقعة على الحدود مع العراق وتركيا، وأخرى مع متمردين سُنّة في ولاية سيستان بلوشستان الواقعة على الحدود مع باكستان (جنوب شرق).
الثمن المطلوب
النقطة الأكثر حساسية في ملف التفاوض مع الغرب، تتمثل بالثمن الذي يمكن ان تدفعه ايران في العراق فيما لو قيض لها ان تتنازل لقاء احتفاظها ببرنامجها النووي الذي قطع أشواطا مهمة باعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.وربما صارت طهران مقتنعة ان تقديم تنازل في العراق قد يؤجل ضربة عسكرية لبرنامجها النووي. لكن تصريحات نجاد المتكررة في شأن "يقظة شعوب المنطقة" وما أكده في تصريحاته بذكرى وفاة الخميني في شأن امكانية تطور المقاومة في الخليج وصولا حتى طرد المحتل، يشير الى ان طهران لن تكون صمام أمان الفوضى الخلاقة في العراق، والتي يبدو انها وصلت الى مرحلة لا يمكن معها للمساومات ان تنجح في ضبط الاوضاع، ولا سيما ان اللاعبين على هذه الساحة كثر، وايران حتى لو قلصت من نشاط قوات القدس التابعة للحرس الثوري في بلاد الرافدين، لن تستطيع وقف مقاومة وجدت لتبقى حتى رحيل آخر جندي أجنبي.وتاليا فان الحديث عن تنازلات بين واشنطن وطهران قد يكون سابقا لاوانه قبل ان تظهر ملامح السياسة الاميركية الجديدة. وبعد معرفة ما سيؤول اليه العديد من الملفات ولا سيما الملف النووي، الذي يطبخ على نار هادئة في أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن، حيث قد تظهر بعض النتائج في غضون اسابيع قليلة.
الحل العسكري
بالعودة الى التهديدات الاميركية والاسرائيلية بضربة عسكرية تقوّض جهود ايران النووية، صار هذا الاحتمال ضعيفا، في ظل الحديث عن تطور ايراني في مجال الطاقة النووية. كما ان الاحتمال الذي لا يزال قائما في تصريحات بعض المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين المبطنة، صار بلا جدوى في نظر بعض أرباب السياسة في البلدين، مع تمسك الاوروبيين بأقصى العقوبات الاقتصادية كبديل عن الضربة العسكرية، مشددين على ان العقوبات تساهم في عزلة النظام الإسلامي؛ وهذا ما شهد عليه شاهد من اهله، حين كشف وزير النفط الايراني كاظم وزيري همانة أن الضغوط الدولية على المصارف الاجنبية "تعوق تمويل المشاريع النفطية في ايران"، اضافة الى تراجع حجم الاستثمارات الخارجية في قطاعات عدة في البلاد.يدعم هذا الاحتمال تصريحات طهران الأخيرة عن ان المطالبة بتعليق تخصيب اليورانيوم قد "فات اوانه"، بالتزامن مع اعلانها عن امتلاك تقنية التخصيب الصناعي لليورانيوم.ولعل ابرز "المفاجآت" التي كان قد وعد بها الرئيس الايراني نجاد العام الماضي، قد تم الاعلان عنها على لسان نجاد نفسه في نيسان/أبريل الماضي، ومن مفاعل ناتانز بالذات، حين قال إن ايران توصلت الى "المرحلة الصناعية" من تخصيب اليورانيوم.
ضربة عسكرية مؤجلة
هذا الاعلان الذي لم يضف اليه الرئيس الايراني أية تفاصيل، عززه خبراء في مجال الانتشار النووي، باعتبارهم انه يمكن التوصل الى المرحلة الصناعية اثر تشغيل ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي. وبحسب مسؤول رفيع المستوى قريب من وكالة الطاقة، فإن الجمهورية الاسلامية سيكون في مقدورها تشغيل ثلاثة آلاف جهاز لتخصيب اليورانيوم في نهاية حزيران/يونيو الماضي او نهاية تموز/يوليو الحالي.واضاف انه فيما لو تمكنت طهران من الوصول الى هذه المرحلة فهذا يعني انها ستتمكن في غضون عام، من انتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة ذرية.غير ان المفارقة تكمن في تصريحات المدير العام لوكالة الطاقة محمد البرادعي، الذي يبدو انه غير مقتنع بهذه المقولة، فهو يشير الى ان ايران تحتاج ما بين 3 إلى7 سنوات لامتلاك هذا السلاح. في حين ينقل دبلوماسي في فيينا عن البرادعي نفسه، ان ايران قد ترفع عدد أجهزة الطرد الى ثمانية آلاف بحلول نهاية كانون الاول/ديسمبر القادم.وهذا الحديث عن التطور الايراني يعززه أيضا تقرير البرادعي نفسه الذي نشرت بعض تفاصيله صحيفة "التايمز" اوائل حزيران/يونيو الماضي، والذي افاد أن المهندسين الايرانيين يستعملون ما يقارب الـ 1300 جهاز طرد مركزي منذ أيار/مايو الماضي، وأنهم ينتجون وقوداً قادراً على تشغيل المفاعلات النووية.لعل هذه المعطيات هي التي تؤخر تحرك الغرب نحو توجيه ضربة عسكرية قد لا تُحمد عقباها، فيما صار بعض مسؤولي الحكومات وخبراء الأمن على قناعة بأن "الوقت قد فات لمنع ايران من الحصول على القنبلة"، وفقا لما قاله الباحث في معهد "كارينغي" للسلام الدولي في الولايات المتحدة جون وولفستال.وربما كان الاعلان عن زيادة أعداد اجهزة الطرد المركزي، محاولة ايرانية ناجحة لفرض أمر واقع جديد يخضع له الاوروبيون في محادثاتهم مع ايران، بيد ان هذه المحاولة، بحسب المفتش السابق لدى الامم المتحدة، ديفيد اولبرايت "ستحد بشكل كبير من فرص التفاوض مع الاوروبيين".لكن في أي حال هناك أحاديث تدور عن واقع جديد بدأ يفرض نفسه، يؤكد ذلك المحلل الاسرائيلي في نشرة "جيينز" العسكرية البريطانية، آلون بن ديفيد، بقوله إن "البعض داخل اسرائيل يتحدث فعلاً عن القنبلة الايرانية كقضية مسلم بها يتعين التعايش معها"، فيما يقر مسؤولون اسرائيليون في المحافل الخاصة بأن الخطر الوشيك الذي يرونه لا يكمن في معركة بالصواريخ النووية مع ايران لكن في تنامي فرص نشوب حروب "تقليدية" استنادا الى القول بأن طهران ابطلت سلاح الردع الاستراتيجي الاسرائيلي.وهذا ما عبر عنه المؤرخ العسكري الاسرائيلي ميخائيل اورين بقوله: "عام 1973 حوّل الخيار النووي الاسرائيلي حربا كان من الممكن ان تكون حربا على حق الوجود الى صراع محكوم".وأضاف إن وجود "ايران المسلحة نوويا يغامر بتحويل الصراع المحكوم الى صراع اقليمي وعالمي".
إطمئنان اسرائيلي
واذا كان الاعلان عن وصول جمهورية الملالي الى مرحلة تشغيل 3000 طرد مركزي قد اثار كل هذه الزوابع فكيف سيكون عليه الحال في ما لو تحققت "نبوءة" رئيس الوكالة الايرانية للطاقة الذرية غلام رضا اغازاده، التي اطلقها في العاشر من نيسان/أبريل الماضي، والتي تفيد ان ايران مصممة على تثبيت 50 الف جهاز طرد مركزي في مصنع "ناتانز" لتخصيب اليورانيوم؟.بيد ان الجانب الاسرائيلي الذي يبدو انه أكثر حرصا على عدم امتلاك ايران للتقنية النووية حتى لو كانت سلمية كما تقول طهران، يحاول في الوقت نفسه الايحاء ان الخطر وان كان حاصلا فهو مؤجل وهذا ما بدا واضحا في رد مسؤول عسكري اسرائيلي على ما كشفته مجلة "تايمز" حيث نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عنه قوله: إن المعلومات الواردة في المجلة الاميركية لا تغير من تأكيد الجيش الاسرائيلي على أن ايران لن تكمل إنتاج قنبلتها النووية قبل نهاية العقد الحالي.ويشير الخبراء المعنيون بدراسة ابعاد البرنامج النووي الايراني، الى انه حتى لو امتلكت ايران قنبلة نووية فهدفها الاول سيكون تفادي أي هجوم تقوده الولايات المتحدة. كما ان أمامها سنوات قبل ان تصل الى كفاءة الترسانة الاسرائيلية المتقدمة التي يعتقد أنها تضم ما يتراوح بين 80 و 200 رأس نووية.لكن في ظل ازدواجية المعايير حول شؤون الشرق الاوسط ووضع اسرائيل كطفل مدلل في المنطقة، يبدأ التخطيط الاستراتيجي النووي بالتفريق بين الدول التي تملك أقوى سلاح من أسلحة الدمار الشامل وتلك التي لا تملك هذه الاسلحة، فقنبلة واحدة تعطي حق الانضمام الى هذا "النادي" الذي توفر عضويته ميزة هائلة في الصراعات غير النووية.ثمة اسباب عدة تدفع الغرب لعدم الموافقة على توجيه ضربة عسكرية ضد الجمهورية الاسلامية، مع بقاء هذا الاحتمال قائما طبعا في ظل شعور اسرائيل بالخطر الايراني "غير التقليدي" هذه المرة.لكن النزاع السياسي الذي يدور في أروقة الإدارة الاميركية بين اتجاه الصقور الذي يمثله نائب الرئيس ديك تشيني، وبين اتجاه آخر يفضل التماهي مع الموقف الاوروبي، تمثله وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، قد يكون أحد مصاديق هذا التراجع للاحتمال العسكري.هذا من دون ان نتجاهل طبعا المناورات العسكرية الايرانية التي تكثفت في الأشهر الأخيرة، والتي كانت تقترن دائما بتهديدات المسؤولين الايرانيين في شأن صد الاعتداء المفترض وحماية الأمن القومي للبلاد. في هذا السياق لا بد من الأخذ في الاعتبار ما يمكن ان ينتج عن سيطرة الايرانيين على مضيق هرمز، والذي يعتبر المنفذ الأساسي للنفط الخليجي المُصّدر نحو دول العالم، هذا ما يفسر الخسائر الاقتصادية والتجارية التي يفكر بها الغرب جيدا قبل إقدامه على مغامرة غير محسوبة العواقب.
*كاتب وصحافي لبناني
مجلة "الراي الآخر" العدد11 تشرين الاول 2007