30‏/8‏/2008

هكذا حفظت «أرض الفرسان» المسيحيّة... بأحضان الصخور





تنطلق الرحلة من الإسكندرون نحو ما بقي من ربوع تركيا، متجاوزة جبال طوروس الشهيرة، مروراً بأضنة وكابادوكيا وقونيا، وصولاً حتى بورصة
كابادوكيا ــ معمر عطوي


يستمتع سائق الحافلة الأرمني بسماع الأغاني التركية. يترنّم بكلماتها التي يفهمها جيداً، رغم العداوة التاريخية بين شعبه والأتراك. يقول: «تعلمت هذه اللغة من جدّي. أنا أتذوّق الغناء التركي وأفهمه جيداً».كذلك هو غريغور، رفيق الرحلة الذي ذهب إلى «موطن الأعداء»، يتقن التركية. ما يثيره غريغور عن الأزمة التركية ـ الأرمنية، يدفع للحديث عن منطقة كيليكا وعلاقتها بالقضية الأرمنية. إذ إن المنطقة التي تمثّل حاضرة تاريخية ومركزاً دينياً، هي شاهد على تحولات تاريخية هائلة وضعتها على مفترق طرق.كيليكيا، التي تُعَدّ اليوم حاضنة مدينة أضنة الشهيرة، تلتف على مجموعة من المدن والقرى التي كانت في الأصل سورية قبل عام 1939. لقد وعد الفرنسيون أوائل القرن الماضي الأرمن بأن يجعلوا منطقة كيليكيا وطناً قومياً لهم. لكن هذا الوعد أثار حفيظة الأتراك. وعندما نجح حزب الاتحاد والترقّي (القومي المتطرف) في انقلابه على السلطان العثماني عبد الحميد سنة 1908، انتهج سياسة متشددة في تتريك الشعوب التي كانت خاضعة لسلطان الإمبراطورية العثمانية.الأرمن كان لهم نصيبهم من حملة التتريك هذه، فدفعوا الثمن الأكبر مجازر ذهب ضحيتها الآلاف، وخصوصاً عام 1915. وكانت منطقة كيليكيا الواقعة شمالي مدينة حلب أحد معاقل الأرمن. لكن خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914، دأب الأرمن في كيليكيا على تزويد روسيا بمعلومات عن الجيوش التركية بعدما وعدتهم موسكو بمساعدتهم في بناء دولة مستقلة، لذا قررت الدولة العثمانية ترحليهم خارج أراضيها.غير أن غريغور الذي لم ينس «المجازر» بحق أبناء جلدته، لا يرى ضيراً من زيارة تركيا. يقول: «تعلمت التركية أنا وزوجتي لنعرف لغة الأعداء، لكننا لا نلجأ إلى العنف في تسوية هذه المشكلة. الأتراك اليوم جيل لا ذنب له في ما ارتكبه أجدادهم. لكننا أبسط ما نطلبه من الحكومة التركية الاعتراف والاعتذار».يحط رحال القافلة في مدينة مرسين البحرية. هنا ازدحام أسواق وبشر من كل حدب وصوب. مدينة مرسين هي عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم نفسه وتقع في جنوب تركيا في مقابل جزيرة قبرص.أما كابادوكيا، فهي مدينة سياحية بامتياز. تقع وسط هضبة الأناضول، وهي من عجائب الطبيعة؛ في نهاية سلسلة جبلية، تنتشر المنازل القديمة المحفورة في الصخور، التي تحكي قصصاً بدأت منذ حوالى 4 آلاف عام، وتواصلت مع ظهور المسيحية، حيث وجد الرهبان الهاربون من الجيوش الوثنية في هذه الصخور الجيرية ملاذاً آمناً، فحفروا مغاور وكهوفاً مخفية تألفت من طبقات عديدة لتستوعب آلاف الأشخاص.اسمها مستوحى من كلمة قديمة تعني «أرض الفرسان»، بسبب استقدام الخيول قديماً لخدمة الجيوش في الحروب.وفي هذه المدينة، مرج «غورميه»، المركزي، الذي يحتضن المناظر الطبيعية الخلاّبة والأعمدة الحجرية الشامخة والضخمة التي نتجت بفعل التآكل الذي استمر على مدار السنوات بسبب المياه والرياح، فيما تتكوّن مدينة «قايماقلي» المبنية تحت الأرض، من ثماني طبقات.في الطريق إلى بورصة الواقعة في سفوح الجبل العظيم والقريبة من الساحل الشمالي للبلاد، تمر القافلة في أكسراي، ومن ثم منطقة قونيا التي تحتضن قرية نبع أفلاطون الغزير أو «أفلاطون بينار». وفيها نصب تذكاري يتكوّن من الحجارة المستطيلة المنقوشة، والموجودة على جانب أحد مصادر المياه.وفي قونيا أيضاً بحيرة الملح أو بحيرة «توز» التي تبلغ مساحتها حوالى 1500 كيلومتر مربع، والتي يمكن زائرها أن يتمشى على الجزء الجاف منها.في بورصة، التي كانت في إحدى مراحل الدولة العثمانية مركزاً صيفياً للخلافة، يمكن الزائر الاستمتاع برحلة عبر التلفريك إلى الجبل العظيم، حيث يمكن الحصول على وجبة من الشواء التي يعدها السائح بنفسه بين غابات الصنوبر.
الأخبار:٣٠ آب ٢٠٠٨

29‏/8‏/2008

«اللواء السليب» في أحضان أتاتورك




الإسكندرون جامع «الأمجاد» ورابط الشرق بالغرب



الإسكندرون ــ معمر عطوي


إذا صحّت ادعاءات القوميين السوريين وبعض القوميين العرب، فإن الأراضي السورية السليبة الواقعة في مجال «الهلال الخصيب»، التي سيطرت عليها تركيا بداية القرن الماضي، لا تقتصر على كيليكيا وأنطاكيا ولواء الإسكندرون وماردين، بل تتعدّى ذلك لتشمل ديار بكر في جنوب شرق تركيا (شمال شرق منطقة القامشلي السورية)। وبذلك تصبح مساحة «الأراضي السليبة» في الجنوب التركي، تساوي (180 ألف كيلومتر مربع)، أي ما يوازي مساحة سوريا تقريباً (185180 كيلومتراً مربعاً). بيد أن تقديرات بعض المراقبين تشير إلى أن مساحة الأراضي التي سلبتها أنقرة من سوريا وضمّتها في عام 1939، وتنازلت عنها سوريا في السنوات الأخيرة، لا تتعدّى 18 ألف كيلومتر مربع.
حين دخلت الحافلة منطقة لواء الإسكندرون، في طريقها إلى الداخل التركي، وعلى مشارف المصانع والمعامل التي يزخر بها ساحل مدينة الإسكندرون وميناؤها الهام استراتيجياً بالنسبة إلى الدولة التركية، استحضرني كلام لقائد الانقلاب العسكري التركي في عام 1980، كنعان أفيرين، قاله يومها لمجموعة الضباط التي سيطرت على مقاليد الحكم آنذاك: «إذا تنازلنا عن لواء الإسكندرون لسوريا، فسيطالبون بمناطق أخرى»।في الحقيقة، لواء الإسكندرون ومنطقة كيليكيا مرتبطان عضوياً بجغرافية سوريا الطبيعية। هذا ما يلاحظه الزائر للمنطقة، حيث يرى تشابه التضاريس بين منطقة طرطوس ومنطقة إسكندرون، أو ما يعرف تاريخياً بإسكندرونة. يعزز ذلك علاقات النسب والقرابة بين منطقة حلب السورية على الخصوص وهذه المنطقة، التي تدفع السلطات في البلدين في الأعياد والمناسبات لتسهيل التزاور بين الأقرباء من دون تأشيرة دخول.تقول لي صديقتي الحلبيّة، إن هذا اللواء تنازلت عنه دمشق لتركيا دفعاً لأي مشاكل مع جارتها التي باتت دولة مهمة في حلف شمالي الأطلسي ترتبط بعلاقات دفاعية مع إسرائيل. تشير إحدى المواطنات السوريات المقيمات في اللواء السليب إلى أن «الرئيس بشار (الأسد) أراد بالتنازل عن هذا اللواء درء خطر الأتراك»، ولا سيما بعد مشكلة المياه التي تفاقمت معهم (خصوصاً ما يتعلق بالاستفادة من مياه نهر الفرات). وتؤكد أن سوريا قد أصدرت بعد اتفاقياتها التي وقعتها مع جارتها بشأن تعزيز التجارة والعلاقات الاقتصادية والاستثمارات، خرائط لا تتضمن لواء الإسكندرون كما في السابق، كما سارعت إلى حذف «عروبة» اللواء من المناهج المدرسية السورية.قد يكون أحد أهم الأسباب التي دفعت دمشق للتنازل عن لوائها السليب، هو خشيتها من تداعيات الاتفاقية الدفاعية بين إسرائيل وتركيا، ومن تهديد قاعدة انجيرليك العسكرية الأميركية في أضنة (جنوب تركيا) التي كانت على مسافة غير بعيدة من سوريا.مع العلم أن وصول حزب الرفاه الإسلامي، بقيادة نجم الدين أربكان في عام 1997 إلى السلطة، هو الذي عزّز الحوار بين أنقرة ودمشق. حوار استأنفه وعزّزه حزب العدالة والتنمية الذي تسلّم الحكم في تشرين الثاني من عام 2002.لم يعط الأتراك لسوريا المياه رغم ذلك، فبقي نهر القويق مقطوعاً من الجانب التركي عن سكان حلب وحمص وحماه منذ 30 عاماً، ما أجبر الحكومة السورية على إقامة مشروع جُرّت بموجبه المياه من نهر الفرات إلى ممر نهر قويق، «للتخلص من مشكلة الروائح الكريهة والمياه الآسنة على الأقل»، كما توضح صديقتي الحلبيّة.لقد كان لواء الإسكندرون المنفذ البحري التاريخي لولاية حلب. أمّا اليوم، فمدينة الإسكندرون من أهم الموانئ البحرية التي تعتمدها تركيا لتصدير النفط. وللمعامل والمصانع حيّزها الواسع الذي تمكن ملاحظته على طريق ساحل البحر المتوسط؛ يشهد اللواء حركة صناعية في قطاع النسيج والزجاج.تاريخيّاً، كانت مدينة الإسكندرونة التي بناها الإسكندر الأكبر عام 333 ق.م، (تخليداً لانتصاره على الفرس في شمال غرب لواء الإسكندرون، في رأس الخليج)، مركزاً للتجارة بين الشرق والغرب. وهي لا تزال كذلك بفضل موقعها على البحر المتوسط، فضلاً عن أنها منتجع سياحي هام.يمكن وصف هذا اللواء بأنه جامع المجد من أطرافه، إذ إن خصوبته وموقعه الاستراتيجي وغناه بالمصانع، ولا سيما الحديد والمعادن، (تتمتع هذه المنطقة بثروات طبيعية غنية مثل الذهب والنحاس والبترول والكروم والنيكل)، لا يسلبه دوره السياحي، نظراً لاحتوائه على مدن تاريخية وسط الطبيعة الغنّاء.كما يمكن المسافر ملاحظة خصوبة المنطقة، حيث تمتد حقول القطن والحبوب والتبغ والمشمش والتفاح والزيتون على مدى المساحات. يقول أحد سكان «اللواء السليب» إن «معظم المقيمين هنا أتراك ولا وجود كبير للسكان الأصليين كما هو حاصل في أنطاكيا. لقد رفدت أنقرة هذه المنطقة بالعناصر البشرية والصناعية وحوّلتها إلى مناطق صناعية كبرى» فبات العنصر التركي هو الغالب.يتدخّل رفيقه ليؤكد أن «حدود الأراضي السورية هي جبال طوروس التي تمتد من الساحل الغربي إلى منطقة هاتاري (إمبراطورية آشورية سابقاً)». لكنه لا يتشجّع للحديث عن مصير هذه المنطقة، مفضلاً ترك الأمور للسياسيين في تسوية المشكلة.وجبال طوروس هي سلسلة جبال كردستان الشمالية في جنوب شرق هضبة الأناضول التركية، وينحدر منها نهر الفرات إلى سوريا.لكن أحد القوميين السورييين الاجتماعيين، مقيم في القامشلي، ويتردد على تركيا، وهو يصرّ على سوريّة الأراضي بقوله إن «الهلال الخصيب يمتد من الغرب إلى الجنوب الشرقي من الأراضي التي تسمى اليوم تركيّا. هذه الأراضي مسلوبة ونطالب بها». ويضيف أن «مساحة الأراضي السليبة تبلغ جميعها 180 ألف كيلومتر مربع». لكن بعض المراقبين يرى أن الأراضي التي تعود لسوريا لا تتعدّى مساحتها 18 ألف كيلومتر مربع.«هنا اللواء السليب»، يصرخ أحد ركاب الحافلة. وسط اندهاش معظم المسافرين، الذين لم يدركوا معنى كلمة سليب. ويسكن لواء الإسكندرون أكثر من 900 ألف مواطن سوري، يؤمنون بانتماء هذه الأرض إلى سوريا، ويعمل معظمهم بالزراعة وصيد الأسماك وصناعة الزجاج والنسيج، ويعملون كذلك في التجارة عبر البر والبحر.





لواء الإسكندرون
منطقة واسعة تقع في أقصى الشمال الغربي من تركيا، ضمتها وريثة الاإمبراطورية العثمانية في عهد مصطفى كمال أتاتورك بمنحة فرنسية في عام 1939. حينها أعطت فرنسا، التي كانت تحتل سوريا آنذاك، لواء الإسكندرون لتركيا، لضمان تأييد الأخيرة لدول الحلفاء في بداية الحرب العالمية الثانية. وخالفت فرنسا بذلك صك الانتداب الذي يوجب على السلطة المنتدبة الحفاظ على الأراضي التي انتدبت عليها.وتبلغ مساحة اللواء 4800 كيلومتر مربع. من أهم مدنه أنطاكيا والإسكندرون وعنتاب ونصيبين وأضنة وأورفة، ومرسين. هو ذو طبيعة جبلية، وأكبر جباله: الأمانوس، والأقرع وموسى والنفاخ. بين هذه الجبال يقع سهل العمق. أما أهم أنهاره فهي: نهر العاصي ونهر الأسود ونهر عفرين.يطل هذا اللواء على البحر المتوسط، ويشرف على سهول حلب واللاذقية جنوباً، بينما يطل شمالاً على سهول كيليكيا وجبال طوروس.
الأخبار:٢٩ آب ٢٠٠٨

28‏/8‏/2008

أنطاكية الكئيبة على ضفاف العاصي


ماردين عربيّة... لكنّها لا تسعى إلى «حضن أمها»
الدخول إلى تركيا من بوابة باب الهوى السورية، يشعرك بتسلسل المشهد الطبيعي بلا انقطاع، لولا تلك الحدود التي تفصل بين البلدين، وتميّز الدولة الطورانية عن جارتها العربية بكثافة خضرتها
أنطاكية ـ معمر عطوي

على الضفة اليسرى من نهر العاصي اللبناني، الذي ينخر عباب الأراضي السورية وصولاً إلى لواء الإسكندرون، تجثم مدينة أنطاكية التاريخية الكئيبة، التي لا تبعد عن شاطئ البحر سوى 30 كيلومتراً.في أنطاكية، حال مختلفة عما هو سائد في بقية المناطق التركية التي زرناها، وخصوصاً الشمال والوسط والغرب. فالمدينة العريقة الواقعة في أقصى الجنوب الغربي من تركيا، لا تزال مهملة وفقيرة، كأنها خارجة من رحم التاريخ، ليس فقط بمعالمها القديمة، بل حتى بوجوه مسنّيها وأسواقها الشعبيّة النابضة بعبق التراث وبساطة العيش.تتبع أنطاكية لمحافظة «هاتاي» التركية الجنوبية منذ 1939، حين سلبتها أنقرة من سوريا بدعم فرنسي، بينما كانت في الأصل تتبع للواء الإسكندرون السوري.يقول أحد رتباء الشرطة إن «المدينة طبعاً فقيرة لأن أهلها مزارعون وفقراء في الأصل. لكن هذا لا يمنع من كونها مدينة تركية وتتمتع باهتمام الحكومة كغيرها من المحافظات».تشعر وأنت تذرع طرقاتها الضيّقة وسوقها المغطى على غرار سوق الحميدية الدمشقي بأنك في بلاد الشام؛ الناس يتحدّثون العربية ويتشابهون في عاداتهم وتقاليدهم مع السوريين. حين تسأل عامل الفندق عن وجود أكراد في المدينة يجيب بصرامة «كلنا أتراك هنا. معظم أهالي المدينة من الطائفة العلوية». الإجابة عن سؤال ذي طابع إثني هنا، تتخذ طابعاً دينياً، إذ إن العلوي في تركيا يُعدّ أحد أبناء شريحة واسعة انحازت منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى علمانية الدولة التي وجدت فيها ملاذاً آمناً أفضل من خلافة تتبع للمذهب السنّي. يمثّل العلويون حوالى ربع سكان البلاد، أي حوالى 19 مليوناً من 73 مليون تركي.يخبرني بائع البندق بأنه يحنّ إلى موطنه الأصلي سوريا. لكنّه يضيف «هنا نعيش جيداً، أفضل من أهلنا في سوريا. لكن علاقتنا مع أقربائنا خارج الحدود متواصلة. في الأعياد تفتح الحدود بيننا من دون تأشيرة».
■ جائزة فرنسية
ويبدو أن الدول الغربية التي عملت على تفكيك السلطنة العثمانية منذ بداية القرن الماضي قد ساعدت في عودة أنطاكية إلى سوريا بعد انهيار تركيا العثمانية في عام 1923. بيد أن هذه العودة لم تدم طويلاً، إذ قدّمت الحكومة الفرنسية التي كانت منتدبة على سوريا (1920 ـــ 1946) لواء الإسكندرون على طبق من فضة لتركيا. وكانت أنطاكية من أهم المعالم التاريخية ضمن هذه «الجائزة» التي حصلت عليها أنقرة في عام 1939.إضافة إلى البعد التاريخي والموقع الاستراتيجي، تمثّل أنطاكية معلماً دينياً مهمّاً لدى المسيحيين في الشرق. فهي أحد الكراسي الرسولية إلى جانب روما والإسكندرية والقسطنطينية (إسطنبول) والقدس، فيما يحمل بطاركة الطوائف التالية: السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس والسريان الكاثوليك والروم الكاثوليك والسريان الموارنة، لقب «بطريرك أنطاكية». وفيها كنيسة القديس بيار، التي تقع في أسفل جبل الحاج «ساوريس». ويوجد في أرضيتها قطع فسيفساء تعود إلى القرن الخامس. أمّا المتحف الأثري الذي يعدّ الثاني في العالم من حيث موجوداته من الفسيفساء، فيمثّل أحد عناصر المشهد الأنطاكي التاريخي والجمالي.
■ ماردين أيضاً عربية
ومن أنطاكية إلى ماردين مسافة بين الوريد والوريد. هنا أيضاً تشعر بأنك في بلد عربي، رغم غلبة العنصر الكردي. في هذه المحافظة الواقعة على الحدود مع سوريا، والتي يبلغ عدد سكانها قرابة مليون نسمة، عبق عربي واضح يفوح من شوارعها وأحيائها الفقيرة كما من لهجة أبنائها الذين تشعر بحنينهم إلى موطنهم الأصلي. هنا يستمتع الزائر بخرير مياه متدفقة من شلالات دفنة. كما تختال المدينة بتماثيل ولوحات قديمة وفسيفساء وأعمدة قصور ومعابد.عاصمة هذه المحافظة هي مدينة ماردين الواقعة على الحد الفاصل بين الأناضول وبلاد ما بين النهرين. كانت هذه المدينة في الماضي البعيد مدينة سريانية وتعني «الحصن». ولكن السريان أصبحوا أقلية فيها، ويسكنها اليوم بشكل رئيسي الأكراد والأتراك والعرب.وفي ماردين أقدم ديرين مسيحيين في العالم: دير مار حنانيا ودير مار كبرئيل. وتعدّ هضبة طور عبدين ومدينة مديات من معاقل المسيحيين الرئيسة.ويشير أحد أبناء ماردين، الذي يعمل في تأجير الخيول للسياح في الجبل العظيم، إلى هجرة أبناء ماردين نحو غرب تركيا وشمالها بحثاً عن عمل، بسبب ارتفاع نسبة البطالة هنا.يتحدّث يوسف المارديني، الذي يعمل في إسطنبول، عن عروبة المدينة رغم سيادة العرق الكردي فيها، لكنّه يتحفّظ لجهة الإجابة عن سؤال عن علاقة السكان السياسية بسوريا، لافتاً إلى أن «ماردين اليوم تركية ولا تسعى للعودة إلى حضن أمها الأصلية، على الأقل في المدى المنظور».
الأخبار:٢٨ آب ٢٠٠٨

27‏/8‏/2008

مصطفى كمال أتاتورك «أقنوم» لا يمكن تناوله بسوء


تحوّلات سياسيّة تنعكس نموّاً اقتصاديّاًتحولات هائلة شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة على صعيد تنمية الصناعات والزراعات والاقتصاد وتعزيز السياحة. دولة علمانية الدستور إسلامية الهوى، تحلم بالانضمام إلى «جنة» الاتحاد الأوروبي
إسطنبول ـ معمر عطوي


الرحلة إلى«تركيا الحديثة» براً من ناحية سوريا، توفّر للزائر رؤية الجزء الأكبر الممكن من هذا البلد المقبل على تحولات كبيرة، حيث يمكن السائح أن يرصد تطورات البلاد بدءاً من ترتيب مقارّ الأمن العام الحديثة، وصولاً إلى التنظيم المدني والتخطيط العمراني البالغ الدقة، مروراً طبعاً بالمساحات الخضراء الشاسعة والمناطق الصناعية الكبيرة.مسافات طويلة تقطعها الحافلة من لواء الإسكندرون، مروراً بأضنة وجبال طوروس وقونيا وضواحي أنقرة، وصولاً حتى حدود الاتحاد الأوروبي، حيث عاصمة السلاطين، إسطنبول.
■ تضاريس متنوعة
تضاريس متنوّعة من جبال ووهاد وسهول وأنهار وبحيرات، خضرة كثيفة ومزروعات تشمل القطن والتبغ والفواكه والخضار (36,3 في المئة من المساحة الكلية للزراعة)؛ إضافة إلى الغابات التي تغطّي 26,2 في المئة من الأراضي.
■ سيّدة محجّبة
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002، شهدت تركيا نمواً اقتصادياً لافتاً وصل إلى حدود 9 في المئة، إلى جانب تقدم محاولات محاربة الفساد. تطور واضح يمثّل انعكاساً للحراك السياسي الذي تشهده البلاد باستمرار، رغم سلطة المؤسسة العسكرية. حراك تمثّل بوصول حزب ذي جذور دينية أوصل معه سيدة محجّبة للمرة الأولى في تاريخ «تركيا الحديثة» إلى القصر الرئاسي. حصل ذلك رغم كل القيود التي وضعها النظام العلماني، على مدى ثمانين عاماً أو أكثر.وبات حزب العدالة والتنمية (47 في المئة من أعضاء مجلس النواب) هو المسيطر على مقاليد الحكومة، فيما يتألّف البرلمان من غالبية إسلامية وأحزاب علمانية وقومية: حزب الحركة القومية اليميني وحزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي أسّسه مصطفى كمال أتاتورك. وحزب المجتمع الديموقراطي الكردي وحزب اليسار الديموقراطي.
■ إصلاحات وطموحات
لا يمكن فصل الإصلاحات والتطورات التي طالت المؤسسات الدستورية والسياسية والقطاعات الإنتاجية والسياحية والإنمائية، عن طموحات أنقرة بدخول الاتحاد الأوروبي في محاولة لتلبية بعض الشروط التي تؤهلها لبدء مفاوضات جديّة بهذا الخصوص. إذ تمثّل تركيا بعدد سكانها الذي يتعدى 70 مليون نسمة، عنصراً ديموغرافياً مهماً لتعديل آليات الإنتاج في الاتحاد الأوروبي؛ الأتراك أكبر نسبة عرقية (نحو 70 في المئة)، والأكراد (25 في المئة)، والعرب (2 في المئة).
■ بين الشرق والغرب
مما لا شكّ فيه أن موقع تركيا الجيو ـــــ استراتيجي بين آسيا وأوروبا، بين الشرق والغرب، هو الموقع الذي يجعلها بلداً سياحيّاً بامتياز। إذ تمتد وريثة الدولة الطورانية على مساحة تبلغ 779,452 كيلومتراً؛ الجزء الآسيوي منها يدعى الأناضول، ويمثّل حوالى 97 في المئة من مجموع أراضيها، بينما يمثّل الجزء الأوروبي 3 في المئة (23,623 كيلومتراً) ويدعى تراقيا।الممتع في زيارة هذه البلاد هو طول الحدود البحريّة التي تتميّز بجمال مناظرها وخضرتها ومنتجعاتها التي يقصدها السياح من الشرق والغرب. ( طول الحدود حوالى 9,848 كيلومتراً، 7,200 كيلومتر منها شواطـئ بحرية).تركيا شبه جزيرة واقعة بين ثلاثة بحار: بحر إيجة في الغرب، والبحر الأبيض المتوسط من الجنوب والبحر الأسود من الشمال. كذلك تتقاسم حدودها البريّة ثماني دول: جورجيا وأرمينيا (شمال شرق) وإيران وأذربيجان (جنوب شرق)، سوريا والعراق (جنوباً)، واليونان وبلغاريا (غرباً) والبحر الأسود (شمالاً).هذه المساحات الشاسعة المتنوعة في تضاريسها وعادات مجتمعاتها وتقاليدها، تمتد على مدى سبعة مناطق هي: منطقة إيجة ومنطقة البحر الأسود، ومنطقة وسط الأناضول ومنطقة شرق الأناضول ومنطقة مرمره، ومنطقة البحر المتوسط، ومنطقة جنوب شرق الأناضول. أمّا الجبال العالية فهي جزء أساسي من المشهد التركي؛ تحتوي على سلسلة من الجبال الشاهقة، منها: أرارات (5137 متراً) وأولودوروك وبوزول وغيرها.كذلك هي غنية بمصادر المياه كالأنهار والبحيرات؛ أهم الأنهار كيزيليرماك والفرات ومراد ودجلة وجيهان.أما أكبر بحيرات البلاد، فهي: بحيرة فان (3713 كيلومتراً) ثم تأتي في المرتبة الثانية توز أو بحيرة الملح (1500 كيلومتر) ثم بحيرة بيشيهير (656 كيلومتراً).قد تكون بحيرة الملح التي تمثّل ما يقارب 1/7 من مساحة لبنان، من أهم المعالم في منطقة قونيا الواقعة وسط تركيا، والتي تعطي 30 في المئة من إنتاج تركيا من الملح. على هذه البحيرة يمكن المشي سيراً حيث تتجمّد في أماكن واسعة قريبة من اليابسة وتصبح صلبة مثل التربة.المفارقة في هذا البلد العلماني الذي يمثّل مؤسسه مصطفى كمال أتاتورك أحد الأقانيم «المقدسة» الممنوع تناولها بأي سوء، أن ثمانين عاماً من الحكم العلماني الصارم، لم تستطع سلب تركيا هويتها الإسلامية، فبقيت محافظة على تراثها الديني، حيث ينتشر الحجاب بين الفتيات رغم التضييق والحظر في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية.ويمكن ملاحظة كثرة عدد المساجد في القرى والمدن المستحدثة، وكأنه تحدٍّ واضح للنظام العلماني المدعوم من العسكر. في غمار الرحلة إلى تركيا تفاصيل كثيرة يمكن متابعتها في المشاهدات.





بورتريه


ولد مصطفى علي رضا الملقب بـ«أتاتورك» أي «أبو الأتراك» عام 1881 في مدينة سالونيك اليونانية (كانت عثمانية). لقّبه أحد مدرسيه في الكليّة العسكرية، بكمال لنبوغه الدراسي، فأصبح اسمه مصطفى كمال. توّج بطلاً قوميّاً لبطولاته في الحروب، وخصوصاً في مضيق الدردنيل. في عام 1921، انتخب بالإجماع رئيساً للجمهورية «الحديثة». وفي 3 آذار 1924، ألغى الخلافة العثمانية، وطرد الخليفة وأسرته من البلاد، وأعلن أن تركيا دولة علمانية.
الاخبار:٢٧ آب ٢٠٠٨

15‏/8‏/2008

نجاد يسرق الأضواء في إسطنبول

يبحث وأردوغان اليوم أنابيب الغاز والأزمة النوويّةيقترب الحزب الحاكم في تركيا من إيران، لجهة القيم الدينية المشتركة. لكن لكل منهما تكتيكه الخاص في التعاطي مع الإسلام كنظام سياسي
معمر عطوي

تحمل زيارة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، إلى تركيا إشارات عديدة، تتعدّى العلاقات الثنائية وروابط الجيرة، الى أدوار سياسية مرتقبة يمكن أن تنتج ممّا يحاك في أنقرة من وساطات لتقريب وجهات النظر بين طهران والغرب حول أزمة الملف النووي للجمهورية الاسلامية.البعد الأيديولوجي واضح في زيارة الرئيس الإيراني المحافظ، الذي يتميّز نظام بلاده عن الحركة الاسلامية التركية بمبدئيته الصارمة، بينما تتميّز الثانية ببراغماتية نجحت الى حد بعيد في التوفيق بين احترامها لعلمانية الدولة ومحافظتها على قيم الدين الإسلامي.بدا ذلك جليّاً في محاولة الرئيس التركي عبد الله غول، الذي التقى نجاد امس، إنقاذ الموقف الذي وُضع فيه الرئيس الايراني، بسبب تجنّبه زيارة ضريح مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال اتاتورك، البروتوكولية في أنقرة. فقد غُيّر البرنامج من عنوان «زيارة رسمية» الى «زيارة عمل»، ونقلت المحادثات من العاصمة الى مدينة إسطنبول، حيث سيلتقي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اليوم.وتأتي زيارة نجاد التاريخية في أعقاب تشديد الدول الأوروبية العقوبات على طهران، وفي ظل الحديث عن مبادرة تركية لحل النزاع بين النظام الإسلامي والغرب، على غرار رعاية المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل؛ ربما كانت هذه المبادرات التي تقوم بها تركيا تصبّ في تهيئة الظروف لإيجاد دور هام لها في المنطقة كحلقة اتصال بين أوروبا وآسيا وبين الشرق والغرب، تمهيداً للانضمام الى الاتحاد الأوروبي.ومن المفيد الاشارة هنا الى أن التقارب الإيراني ـــــ التركي بدأ أواخر التسعينيات، بعدما وصل حزب «الرفاه» الإسلامي الى سدة الحكم في الدولة العلمانية عام 1997؛ حينها عقد رئيس الوزراء آنذاك، نجم الدين أربكان، مع طهران اتفاقات عديدة أهمها اتفاق استيراد الغاز. وباتت تركيا تعتمد على إيران كمورد ثان بعد روسيا للغاز، في وقت تتوق فيه الى توسيع عمل شركاتها في مجالات الاستثمارات في حقول الطاقة الايرانية؛ تعهدت تركيا باستثمار 3.5 مليارات دولار في مراكز إنتاج الغاز الإيرانية، وهناك اتفاق شامل للاستثمار التركي في حقول جنوب فارس. لكن الملف الأكثر صعوبة في هذه المحادثات هو إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من إيران الى تركيا، الملف الذي أبلغ مسؤولون إيرانيون صحيفة «زمان» أنه سيكون مطروحاً في المحادثات بين نجاد وأردوغان اليوم.وفي ملف العلاقات التجارية، وصلت التجارة بين البلدين الى 5 مليارات دولار في النصف الأول من العام الجاري، فيما تسعى أنقرة الى تنمية هذه العلاقات لتصل في نهاية العام الى 10 مليارات دولار.ربما كان أحد أهم أسباب التقارب بين أنقرة وطهران في السنوات الأخيرة، الملف الأمني، حيث يواجه البلدان مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة «بيجاك» الكرديين.في الموضوع الأكثر إثارة للجدل، ورغم إبداء تركيا العلمانية شيئاً من الودّ غير المسبوق تجاه جارتها الدينية، بيد أنها تتخوّف من البرنامج النووي على حدودها الشرقية، الذي قد يتحوّل الى برنامج عسكري يهدّدها. في هذا الإطار، نقلت صحيفة «توركيش دايلي نيوز» عن مسؤول تركي قوله «أخبرنا الايرانيين: أنتم تحتاجون إلى الطاقة النووية. ونحن نحتاج إليها أكثر منكم. لكن البرنامج النووي ينبغي أن يكون شفافاً ويقع على عاتقكم إثبات سلمية برنامجكم».من الطبيعي أن ثمة مفارقات في العلاقة الإيرانية ـــــ التركية، تبدأ من عضوية أنقرة في حلف «الأطلسي» الذي تعاديه طهران، وتنتهي بالعلاقات الوطيدة بين أنقرة من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، بينما ترتبط طهران بعلاقة عداء مع العاصمتين. لعلّ ذلك تجلّى أكثر في الصحف التركية التي انتقدت استقبال انقرة لأحد منكري المحرقة النازية والداعين لإزالة إسرائيل عن الخريطة.نهاية المطاف هنا، سؤال عن وجه الفائدة من زيارة الرئيس الإيراني الى تركيا. سؤال يجيب عنه دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى لوكالة «رويترز» بقوله إن «الزيارة لن تكون مفيدة لتركيا بقدر ما ستكون كذلك بالنسبة لنجاد الذي سيسرق الأضواء لمدة 15 دقيقة مطلقاً العنان لهجماته ضد إسرائيل والولايات المتحدة».
الأخبار:١٥ آب ٢٠٠٨

4‏/8‏/2008

رايس «تُطبّع» مع القذافي




لا يمكن فصل الانفتاح السياسي الأميركي تجاه ليبيا، عن السباق المحموم بين واشنطن والعواصم الأوروبية على المصالح الاقتصادية والنفطية في أفريقيا


معمر عطوي

دلالات عديدة تحملها زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى ليبيا اليوم(4 ايلول2008)، لا سيما أنها تأتي بعد أقلّ من شهرين على زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى طرابلس الغرب، وعقب أيام من زيارة مماثلة لرئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني. زيارة تتوّج مسيرة تطبيع العلاقات بين البلدين بعد نحو 40 عاماً من العداء، وصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك بأنها «مهمة وتاريخية.. تفتح فصلاً جديداً من العلاقات الثنائية الأميركية ــــ الليبية».

لعلّ تاريخيتها تتمثّل في أنها الأولى من نوعها منذ عام 1953، حين قام وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالس (في عهد الرئيس دوايت إيزنهاور) بزيارة طرابلس، حيث التقى الملك السابق محمد إدريس السنوسي.ومنذ ثورة «الفاتح من سبتمبر» في عام 1969، تاريخ سيطرة العقيد معمر القذافي على السلطة في ليبيا، بدأت صفحة جديدة من العلاقات الضدّية بين طرابلس «الثورية» وواشنطن «الإمبريالية».

علاقات وصلت إلى حد القطيعة الكاملة في عام 1981، إثر اتّهام الولايات المتحدة لليبيا بدعم الإرهاب.في الواقع، لم تشهد العلاقات بين البلدين أي تطورات إيجابية منذ السنوات الأولى للثورة التي أثارت سياساتها خوف الولايات المتحدة وسخطها تجاه شعارات رأت أنها تصبّ في دعم الإرهاب ورعايته، ولا سيما أن هذه السياسات كانت تتضمن العمل لتحقيق الوحدة العربية، وإجلاء القواعد البريطانية والأميركية (1970)، وتأميم شركات النفط ( 1973)، ودعم حركات التحرر في العالم ومساعدتها.لذلك، اعتمدت واشنطن تجاه الثورة الحديثة في شمال أفريقيا خطوات عديدة من شأنها استفزاز نظام القذافي، مثل رفضها سنة 1972 إجراء حوار وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة على مستوى السفراء.وذهبت الإدارة الأميركية أبعد من ذلك، حين انتهكت إحدى طائراتها في صيف عام 1973 المجال الجوي أثناء المناورات التي كان يجريها الأسطول السادس قبالة الساحل الليبي. مناورات تكررت في 1978 وفي عام 1991، بينما حاولت طائرات تابعة للأسطول السادس في 27/ 6/ 1980 إسقاط الطائرة المقلّة للعقيد القذافي من دون أن تنجح في ذلك.وفي عام 1981، قامت الطائرات الأميركية باختراق المجال الجوي الليبي وأسقطت طائرتي استطلاع ليبيّتين فوق خليج سرت. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أدرجت اسم ليبيا على قائمة أعداء الولايات المتحدة سنة 1977.

كذلك أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في أول عام 1978 أن ليبيا في مقدّمة الدول التي تعتزم الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات ضدها بسبب موقفها من القضية الفلسطينية.وازدادت حدة التوتر لتدخل المواجهة المباشرة في 24 و25 آذار 1986، حين شنّت الولايات المتحدة عدواناً بحرياً وجوّياً على أهداف مدنية وعسكرية في خليج سرت، وأغرقت عدداً من الزوارق الليبية، وتبعه هجوم جوي واسع في 15/ 4/ 1986 على مدينتي طرابلس وبنغازي، راح ضحيته المئات من المدنيين الأبرياء، من بينهم ابنة القذافي بالتبنّي.ووصلت القضية بين واشنطن وليبيا إلى مجلس الأمن، حيث أصدر في عام 1993 القرار (883) الداعي إلى فرض حظر نفطي على طرابلس.

رغم كل هذه التطورات، دخلت العلاقات الليبية الأميركية في عام 2003 مرحلة جديدة، كانت طرابلس هي صاحبة المبادرة فيها، عبر اتخاذها إجراءات استباقيّة لدرء خطر واشنطن التي كانت قد اجتاحت العراق. واستؤنفت العلاقات بين البلدين في عام 2004 بعد إعلان الزعيم الليبي تخلّي بلاده عن برنامج لاقتناء أسلحة دمار شامل.غير أن هذه المبادرة لم تدخل حيّز التنفيذ إلاّ في عام 2006، حين شُطبت ليبيا عن اللائحة الأميركية للدول المتهمة بدعم الإرهاب، وسمّى كلّ بلد سفيراً له في البلد الآخر. علاقات لم تُطبّع تماماً، إذ اختلقت الولايات المتحدة ذرائع عديدة لتأجيل خطوات التطبيع، بدءاً بالعقبة المتمثّلة بالتعويضات المتفق عليها مع طرابلس لضحايا اعتداءي لوكربي وبرلين.ومن المهم الإشارة هنا إلى أهمية دور مزاجية الزعيم الليبي الذي اشتهر بمواقفه المتذبذبة بين التشدّد والانتقاد من جهة، واللين والانفتاح من جهة أخرى. العقيد «المزاجي» الذي وصل إلى مرحلة تخلّى فيها عن طموحاته في دعم تحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين ودعا إلى أفضل العلاقات مع الغرب، كان له موقف مثير للجدل، الاثنين الماضي، حين قال إن «ليبيا لا تطمح إلى أن تصبح صديقة للولايات المتحدة، بل تريد فقط أن تتركها واشنطن وشأنها، كما تترك ليبيا الولايات المتحدة وشأنها».
الأخبار: ٤ ايلول ٢٠٠٨