17‏/7‏/2009

استقالة آغازاده والسياسة النوويّة الإيرانيّة


هل دفع رئيس هيئة الطاقة ثمن علاقته التاريخيّة بموسوي؟

لا يمكن فصل استقالة رئيس هيئة الطاقة الذريّة الإيرانيّة، غلام رضا آغازاده، عن مجريات تركيب الصورة المقبلة للنظام الإسلامي، بعد تولّي محمود أحمدي نجاد، الرئاسة لولاية ثانية


معمر عطوي
تأتي استقالة غلام رضا آغازاده من رئاسة هيئة الطاقة الذريّة الإيرانية، ومن منصب نائب رئيس الجمهوريّة، في ظل ما تقوم به طهران من إعداد لرزمة اقتراحات دبلوماسية جديدة تتعلّق بالقضايا «السياسية والأمنية والدولية»، التي ستعرضها على المفاوض الغربي ممثلاً بمجموعة «5+1»، فيما يبدو أن الرئيس محمود أحمدي نجاد يقوم بالإعداد للمرحلة المقبلة، بعد فوزه بولاية ثانية.ويبدو أن الاستقالة المزدوجة، التي أكدها آغازاده أمس لوكالة الأنباء الطلابيّة الإيرانيّة (إسنا) بعد عشرين يوماً من حدوثها، هي نتيجة طبيعية لتباين واضح في الرأي حول كيفية إدارة الملف النووي، حسبما يرى مصدر مطّلع لـ«الأخبار»، موضحاً أن هذا الملف تتجاذبه أربع مرجعيّات سياسيّة في البلاد، هي رئاسة الجمهورية، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ووزارة الخارجية، وهيئة الطاقة الذريّة.
المعارضة الإيرانيّة تستعرض قوّتها في صلاة الجمعة اليوم خلف رفسنجاني
وقد تكون هذه الاستقالة في هذا الوقت بالذات، امتداداً للمواجهة القائمة بين نجاد ومنافسه الخاسر في الانتخابات الرئاسية مير حسين موسوي، وخصوصاً أن رئيس هيئة الطاقة مقرّب من الزعيم الإصلاحي، منذ عام 1979 (تاريخ انتصار الثورة). فحينها عاد آغازاده من الولايات المتحدة، حيث كان يتابع دراسته في هندسة الكمبيوتر، لينضم الى الثوّار. ثم بدأ نشاطه الى جانب موسوي في إدارة مجلة «جمهوري إسلامي». وتطورت العلاقة بين الرجلين مع تعيين موسوي وزيراً للخارجيّة عام 1980، إذ عمل آغازاده مساعداً للوزير للشؤون الاقتصادية والمالية.وبعد أشهر من تسلّم موسوي رئاسة الحكومة عام 1981، عيّن آغازاده وزيراً للشؤون التنفيذية، مُلحَقاً بمكتب رئاسة الوزراء، ليصبح بعدها بفترة نائب رئيس الحكومة للشؤون التنفيذية المتعلّقة بالتفاوض مع الشركات الأجنبية في ملف النفط، الى أن قادته موهبته في هذا المجال، إلى تولي وزارة النفط في تشرين الأول 1985. منصب شغله حتى عام 1997.ورغم أن آغازاده اليوم، محسوب على خط الأصوليين، بيد أن تألّقه السياسي برز في عهد الإصلاحيّين، إذ عيّنه الرئيس السابق محمد خاتمي، حين تسلّم السلطة عام 1997، نائباً لرئيس هيئة الطاقة الذريّة، التي تولّى بعد ذلك رئاستها حتى تاريخ الاستقالة.المفارقة أن علاقة آغازاده بالمرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، شابها بعض الفتور منذ عام 2003، حين قرّر المرشد سحب ملف البرامج النووية الايرانية من يدي آغازاده، وإسناده الى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني، المقرّب من رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني. إثر ذلك تعرّض آغازاده لأزمة قلبية عنيفة، بعد سماعه خبر تكليف روحاني بأمور تدخل في إطار صلاحياته ومسؤولياته. ونُقل عنه تفكيره الجدّي بالاستقالة من منصبه.من وجهة نظر أخرى، قد تمثّل استقالة ابن منطقة آذربيجان (شمال غرب)، التي ينتمي إليها خامنئي وموسوي أيضاً، امتداداً للخلاف حول إدارة الملف النووي بين رئيس البرلمان علي لاريجاني والرئيس نجاد، الذي أدى الى استقالة لاريجاني من رئاسة أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي في خريف عام 2007. خلاف أكد شخصيّة نجاد السلطوية، ومحاولته الدائمة الاستئثار بإدارة الملفات الحسّاسة، لدرجة أنه سعى منذ تسلّمه الرئاسة عام 2005 الى الإمساك بحزم بتفاصيل الملف النووي، وعمد الى قصّ أجنحة كل من حاول التدّخل بهذا الملف، ولا سيما رفسنجاني.في أي حال، يبدو أن الرئاسة، مدعومةً من المرشد الأعلى، هي التي ربحت معركة التجاذبات حول الملف النووي. ورست سياسة نجاد على أن البحث في هذا الملف مع القوى الكبرى «أصبح وراء ظهورنا»، وأن رزمة المقترحات الإيرانية المقبلة تقتصر على تقديم رؤية أمنية واقتصادية للعالم، لا مجال فيها لمناقشة حق إيران في تخصيب اليورانيوم. موقف بات مثار انتقادات واسعة في الوسط الإيراني، على اعتبار أن الغرب يجعل من هذا الملف قميص عثمان، لا يمكن فصله عن ملفّات أخرى هي موضوع نقاش مفترض بين طهران والقوى الكبرى، التي وإن اعترفت بأحقيّة إيران بامتلاك الطاقة النوويّة السلميّة، فإنها لن تتركها تقوم بعمليّات التخصيب على هواها لدرجة تسمح بصنع قنبلة.لعلّ ما يصبّ في دعم هذه الفكرة تصريح رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، أمس، الذي حدّد الخطوط العريضة لاستراتيجية بلاده الجديدة بشأن الأسلحة النووية، معتبراً إيران «حالة اختبار» قبل القمة المقرّرة عام 2010 في الولايات المتحدة لمراجعة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.ويبدو أن الغزل بين طهران وواشنطن متواصل، حتى لو كان في سياق دبلوماسية التعزية بضحايا الطائرة المنكوبة، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن «الولايات المتحدة تقدّم تعازيها لأسر من فقدوا أرواحهم في تحطم طائرة شركة خطوط قزوين الجوية اليوم (الأربعاء) التي كانت تقل ركاباً من طهران في إيران إلى العاصمة الأرمنية يريفان».
الأخبار: 17-تموز-2009

16‏/7‏/2009

إيران وكعكة الثورة الناعمة


معمر عطوي
طرحت الأحداث التي شهدتها إيران خلال الأسابيع الأخيرة أسئلة جوهريّة بشأن مفهوم «الستار الحديدي» ونجاعته، في ظل ثورة الاتصالات والمعلوماتية، التي جعلت العالم قرية كونيّة واحدة. وبدا من خلال سياسة التعتيم التي قامت بها الجمهوريّة الإسلامية، على ما يجري داخل طهران وبعض المدن من احتجاجات واعتقالات وقمع وقتل، أنّ هذه السياسة تضرّ بسمعة النظام وتزيد من نقمة الداخل وشماتة الخارج، بدلاً من إخفاء معالم «جريمة مفترضة».ذلك أن الصمت عمّا يجري، أو عدم إيضاح بعض الالتباسات التي تظهر عن حادثة هنا أو عملية اعتقال هناك أو جريمة قتل هنالك، يزيد من مساوئ الحدث، ويعرّض النظام لجرعة أكبر من الاتهامات المسنودة بتقارير أصبحت بفعل الانتشار الإلكتروني مُتاحة للجميع. بل هي وجدت الساحة أمامها مفتوحة لتتسلل من دون محامي دفاع، إلى ما خلف الحدود، حيث تتوثّب جمعيات حقوقية ودول ومنظمات سياسية ومدنية وراء منصة محاكمة جاهزة بكل الملفات والحيثيات، لاتهام النظام الإسلامي.
حاول أوباما حفظ «خط الرجعة» مع إيران بما أنه لا يمكن تسوية الملفات الحساسة من دون التفاهم معها
هكذا بدا المشهد منذ 12 حزيران، حين نزل أنصار المعارضة الإيرانيّة إلى الشارع على اختلاف توجهاتهم وتطلعاتهم، للاعتراض على نتيجة الاقتراع للرئيس محمود أحمدي نجاد، لولاية ثانية. بدا المشهد كأن المعركة هي بين حكومة دينية متشددة تفرض قادتها على الشعب بالقوة، ودعاة للحرية وللدولة المدنية العصرية التي لا تستقي مبادئها من أسس لاهوتية وميتافيزيقية. بطبيعة الحال، كان المشهد يضم بعضاً من هذه العناصر، من دون أن يختصر النزاع بمحوريتها. فالاستغراق في ما نقله «الفايسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» من تقارير وصور عمّا يجري في الشارع، لم يكن إلا صورة مشوّهة لواقع معقّد في الأصل، لا يمكن اختزاله بشعار «أين صوتي؟»، أو «نجاد ديكتاتور» أو «الباسيج قتلونا». حالة بكائية، ربما عرفت المعارضة كيف توظّفها لمواجهة الحكومة، وتمكّنت الدول التي لها تاريخ من العداء مع النظام الإسلامي، من استغلالها، لكنها لم تكن سوى أداة تعويم لتيارات هي في الأصل غير متّفقة على برنامج واضح بديلاً لنظام الملالي.كان ينقص هذه الطفرة الإعلامية المستحدثة، التي عوّضت عن سياسة التعتيم وكسرت عنق الرقابة المحليّة، أن تحمل في المقابل مشروعاً واضحاً لما يريده الإيرانيون من نظامهم، ومعرفة طبيعة الديموقراطية الشعبية التي يؤمنون بها. إذ إن مقولة التزوير لا يمكن أن تصمد أمام الفارق الكبير بين ما حازه المرشّح الأول الأصولي (محمود أحمدي نجاد) والمرشّح الثاني الإصلاحي «قسراً» (مير حسين موسوي). فحين نجد أن أكثر من عشرين مليوناً من الشعب الإيراني يختار التشدد والنظام الإسلامي، بما فيه من ولاء لشخصية «قداسوية» شبه معصومة، ممنوع عليهم مناقشتها، وحين تبنى المعتقدات على أساطير تحرّك الوعي الجماعي نحو عالم طوباوي طهراني «خال من الظلم والجور ومليء بالقسط والعدل»، لا يمكن الوقوف ضد إرادة من يختار ذلك، سوى بالمنطق والحوار، من منطلق احترام اللعبة الديموقراطية.بالتالي تصبح حركة الشارع، ممثلة بالشباب والشابات، الذين تمنّوا لو تطول هذه التحركات لسنوات، مستغلين فرصة الفوضى وغياب الرقيب ـــــ الفتيات والشبان في الشارع معاً، يرقصون ويغنّون ويصرخون بشعارات سياسية قد لا تكون من أولويات أهدافهم ـــــ تعبيراً يؤكد ميل الجيل الذي لم يعش مناخات الثورة والالتزام بمبادئها، نحو مزيد من الاختلاط والتعبير عن الهواجس، وعيش مرحلة المراهقة والشباب من دون أي كبت أو قمع أو تابوهات.ماذا يعني أن يرفع المزيد من شباب طهران، وبالتحديد الجزء الشمالي من العاصمة الإيرانية حيث غالبية المؤيّدين للإصلاح، الرايات الخضراء تعبيراً عن تأييدهم لمير حسين موسوي؟ هل هم أغبياء إلى هذه الدرجة حتى يجهلوا أن المرشّح الإصلاحي هو في الأصل محافظ ومتديّن ومتشدد في أفكاره وقناعاته على غرار الرئيس الذي يرفضونه؟ أم أنهم صدّقوا لعبة الإصلاحيين الذين خذلوهم خلال ولايتين كان خلالها الرئيس السابق محمد خاتمي أشبه بالمحافظين، لولا بعض الضغوط التي رفعها نسبياً من الشارع، لمصلحة الحريات، ولولا تكراره الدائم لمقولة فلسفية، لم تجد طريقها إلى الحقل السياسي، على غرار «حوار الحضارات».في معزل عن الشعارات التي طرحت، ومعظمها مشروع ويؤكد نبض الشارع وميله نحو التغيير، كان لا بد خلال أسبوعين من العنف والمواجهات، التي شهدتها إيران وبالتحديد مدينة طهران وضواحيها، من رصد عوامل التدخّل في هذه الأحداث، خارجياً، وأسباب تمظهر قوى غير معهودة في الساحة، داخلياً. وبين الخارج والداخل علاقة عضوية لم تنفصل عراها رغم ثلاثين عاماً من سيادة الجمهورية الإسلامية.على المستوى الخارجي، بدت الولايات المتحدة، التي من المفترض أن تكون المعنية الأولى بالتغيير في إيران، في موقف حرج وخجول، لا يتناسب مع «عظمة» الإمبراطورية الممتدة إلى ما وراء البحار. لقد وضعت خيارات الانفتاح والحوار مع «العدو اللدود» ورأس محور الشر، على محك الصدقيّة في مباشرة الحوار، ما يمنع مساهمتها السافرة مباشرة في استنهاض «ثورة مخملية» ضد النظام الإسلامي. خطوة قد تعوق سياستها الجديدة، التي لا يبدو أن ثمة بديلاً منها في ظل فشل خيار الحسم العسكري.لذلك بدت تدخلات أميركا بالوكالة، ومن خلف حُجب، رغم انتقادات الجمهوريين. وكان ذلك محاولة من الرئيس باراك أوباما لحفظ «خط الرجعة» مع الجمهورية التي لا يمكن تسوية الملفات الحساسة في الشرق الأوسط من دون التفاهم معها. أمّا وكلاء واشنطن في هذه الحرب، فكانوا موزعين على جهات عديدة، أدّت دوراً أمنياً بحدود خفيفة جداً، فيما كان للإعلام الحصة الأكبر من هذه المعركة، التي نجحت نسبياً في فضح بعض آليات النظام الأمنية في التعاطي مع شعبه. وكلاء يمكن أن تتقاطع مصالحهم مع مصلحة الاستخبارات الغربية، على غرار الأقليات العرقية في بلوشستان وكردستان وخوزستان، من دون أن يعني ذلك عمالتهم للخارج. في الدرجة الثانية، تأتي الجمعيات الحقوقية وتلك المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان، والمنظمات الأهلية وبقايا حاشية النظام الشاهنشاهي البهلوي، والتي تجد في بعض عواصم الغرب متنفساً لها للصراخ ضد الملالي، سواء من خلال نشاطات منظمة ومدروسة ومدعومة من كبريات المنظمات الدولية، التي ترعى «ثورات» مخملية وبرتقالية وناعمة، خلف الأسوار الحديدية. ويمكن لحظ غياب الأحزاب اليسارية، وهي عريقة في التجربة السياسة الإيرانية، وخصوصاً «حزب تودة» الشيوعي، عن المشهد السياسي. أمّا عن الموقف العربي الصامت، الذي اكتفى بتحريك آلاته الإعلامية في السعودية ومصر والأردن، فوفّر على نفسه ارتكاب سخافة رشق الزجاج من بيوت الزجاج، بما يشبه سخرية المرأة المنقّبة من مرتدية التشادور، بما أن هذه الدول لا تعرف الديموقراطية أساساً.لعلّ الدور الأكبر الذي أدّته بعض العواصم الغربية وإسرائيل، وكالة عن واشنطن، التي تأخر موقفها حوالى أسبوعين عن اللحاق بأقرانها الغربيين، كان يسير في اتجاه مدروس مع إدراك تام لمحدودية الحركة والتأثير على الواقع الإيراني الصلب. على كل حال، حاولت كل ألوان الطيف السياسي والثقافي، وإلى حد ما الإثني، أن تجد لها موطئ قدم وسط هذا الزحام، حتى ولو من خلال استغلال بعض ما نشرته مواقع الإنترنت، لكنها لم تنجح في السير قدماً، حتى في استغلال مقتل الشابة نِدا سلطاني، لما للواقع السياسي الإيراني المتشابك مع العامل الأمني الحساس من تعقيدات لا يمكن من خلالها الجزم بصدقية «خبر النت»، كأداة لنجاح ثورة مخملية مفترضة.بيت القصيد هنا، أن ثمة معركة تتصاعد بين تيارين ينسجان أفكارهما من قماشة واحدة. هذه المعركة عززتها شعبية كلا التيارين واندفاعهما نحو تأكيد حضورهما أو الدفاع عن مصالحهما. وبالتالي، كان هناك من يستغل هذا الموقف وسط حركة الشباب الذي يتمتع بقضيته الخاصة، لعلّه يحظى ولو بفُتات من كعكة «الثورة الناعمة»، التي بدت بوضوح من غير أفق.
عدد الخميس ١٦ تموز ٢٠٠٩

2‏/7‏/2009

فسيفساء هشّة جمعت المتناقضات

المرشح الخاسر عجز عن قيادة تيارات استغلّت الإصلاحيين لتغنّي موالها
تطرح الأحداث المُتسارعة التي شهدتها إيران، خلال النصف الثاني من الشهر الماضي، أسئلة عديدة عن واقع معقّد تداخلت فيه عوامل الضعف الداخلية مع محاولات التأثير والاستغلال الخارجية، لتخرج بمشهد يحمل ملامح ثورة مخمليّة مُفترضة، فيما هي في الواقع مجرد فسيفساء هشّة
معمر عطوي
لم تكن تحرّكات المعارضة في شوارع طهران وضواحيها، التي استمرت ما يُقارب أسبوعين وأدّت إلى سقوط أكثر من 20 قتيلاً وعدد من الجرحى والمعتقلين، نتيجة حركة مدروسة ومنظمة مسبقاً، حسبما يرى مصدر مطّلع على الأوضاع هناك.لقد كانت التظاهرات والاعتصامات والمواجهات، في الظاهر، ردة فعل عفوية على نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أكدت فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. لكنها أخفت في الباطن بواعث أخرى، لدرجة أن المرشّح الإصلاحي مير حسين موسوي بدا غير مستعد للسير في تحمّل تبعات كونه «زعيم المعارضة الإيرانية».ثمة تيارات عديدة في الشارع، بعضها مدعوم من الخارج عبر منظّمات أو دول، استغلّت الفوضى لإثبات وجودها في المشهد السياسي.
بيد أن حجر الرحى في كل ما جرى كان تيار الإصلاحيين الذي يقوده حزبان أساسيان هما «المشاركة» برئاسة محمد رضا خاتمي، و«مجاهدو الثورة» وأبرز قياداتها بهزاد نبوي. وعلى الهامش، يقف حزب «كوادر البناء» الذي يتزعمه رئيس مجلس الخبراء علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وحزب علماء الدين المناضلين و«حزب اعتماد ميللي» بقيادة المرشّح مهدي كروبي، إلى جانب بعض مؤيّدي المرشّح محسن رضائي.
أمّا الرئيس السابق محمد خاتمي، فيؤدي دور المحرّك الخلفي، فيما يقوم رفسنجاني بتمويل هذا التيار ودعمه من وراء الكواليس.في الشارع، ثمة تيارات عديدة اخترقت صفوف الإصلاحيين، «لتغنّي موّالها» الخاص. من هذه التيارات «منظمة مجاهدي خلق» بزعامة مريم رجوي، «وتتلقى دعماً من بريطانيا وفرنسا»، بحسب المصدر، بعدما انحسر دورها في العراق بإقفال «معسكر أشرف».ويرى المصدر أن «مجاهدي خلق» هم التنظيم الأكثر انضباطاً والتزاماً بتكتيكات معينة، يعرف أهدافه بدقة، ويعمل وفق خطط مدروسة، وخصوصاً أنه «يتلقّى دعماً من عواصم غربية»، فيما تقوم الولايات المتحدة، التي تزعم أنها تضعهم على لائحة الإرهاب، باستضافة عشرات محطات التلفزة التابعة للمنظمة، تبث برامج سياسية باللغة الفارسية موجهة إلى داخل إيران.
أمّا باقي ألوان الطيف السياسي، فتشمل بقايا «حاشية» الشاه الراحل محمد رضا بهلوي، ثم تتوزع بين شرائح قومية كردية وعربية وبلوشية انفصاليّة، وبين أقليّات مذهبيّة. وفي نهاية القائمة، تقف حركات الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والمنظمات المطالبة بالحريّات الشخصية وحرية الاختلاط بين الجنسين. جوامع مشتركة دفعت كل هؤلاء إلى تبنّي شعار موسوي «أين صوتي؟»، وحمل الرايات والشارات الخضراء التي ترمز إلى حملة المرشّح الإصلاحي كستار لتحقيق أهدافهم في الانتقام من النظام الإسلامي.وفي ظل هذه الفوضى، التي وضعت حكومة المحافظين أمام تحدٍ كبير، كان لا بد لمؤسسات «حفظ النظام الإسلامي» من حرس ثوري وتعبئة «باسيج» و«أنصار حزب الله» المتشددين الذين يقودهم «كرم الله»، من التحرك لضبط إيقاع ما يجري والتخفيف من مدى استغلال الخارج لتناقضات الداخل.ويكشف المصدر أن الحرس الثوري تدخّل من وراء الكواليس منذ الأيام الأولى للتظاهرات، لكنه لم يُظهر تدخّله العلني إلا بعد حوالى عشرة أيام، حين هدد «بتصدّ ثوري» لأي عملية إخلال بالأمن.
ويضيف المصدر أن السلطات نجحت في تفكيك القيادة «الشرسة» لهذه المعارضة، باعتقال كلّ كوادر الصف الثاني مثل بهزاد نبوي (حزب مجاهدي الثورة)، ومحمد رضا خاتمي وميردا مادي وسعيد حجاريان (حزب المشاركة)، ومحمد علي أبطحي المقرّب من كروبي (مجمع روحانيون مبارز)، الذين اعتقل بعضهم في مبنى لحزب المشاركة شمال طهران في الأيام الأولى للتحركات.وتبين أن خاتمي وموسوي نأيا بنفسيهما عن قيادة المعارضة مباشرة، حيث بقيا طوال فترة الأحداث في الظل، فيما بدا رفسنجاني، بعد اتهام عائلته بالفساد من قبل نجاد، حريصاً على تسوية الأمور وفق صفقة تُزيح عنه سمة الفساد، بما يعني «لملمة القضية».
وكما اجتمعت عوامل عديدة لإلهاب الشارع، تكاملت أيضاً أسباب عديدة للتهدئة، من بينها حرص المرشد الأعلى علي خامنئي على حفظ موقع رفسنجاني رغم خلافه مع نجاد المدعوم من المرشد أيضاً، إضافة إلى تدخّل الحرس الثوري المباشر بما يملكه من «هيبة» وقدرة على الإمساك بالمفاصل الحيوية، إلى جانب حساسية بعض تيارات المعارضة وخشيتهم من إمكان اتهامهم بالعمالة للخارج، ولا سيما أن تصريحات العواصم الغربية المنتقدة للنظام كانت تؤذي هذه التيارات أكثر من أن تخدمهم.ويبقى السؤال: ماذا يمكن أن يواجه نجاد خلال أربع سنوات مقبلة من ولايته، بعدما تجاوز مجلس صيانة الدستور كل الطعون وانتقادات الداخل والخارج، بحسم فوزه، في ظل اتجاه لإطلاق قادة المعارضة، وتصميم موسوي على مقارعة السلطة حتى تثبت عمليات التزوير؟
عدد الخميس ٢ تموز ٢٠٠٩