30‏/3‏/2008

ديمبسي يتولَّى قيادة «الحرب»

معمر عطوي
رغم تعيينه «المؤقّت» على رأس القيادة الأميركية الوسطى، وبغضّ النظر عن رتبته العسكرية التي قد لا تسمح بتكليفه بشكل دائم، يمكن الملازم في جيش الاحتلال الأميركي، مارتن ديمبسي، أن يؤدّي دوراً كبيراً في خدمة سياسة بلاده في الشرق الأوسط. دور تبدو ملامحه واضحة بعدما تمرّس الرجل في مهمات عديدة كان آخرها موقعه كنائب لقائد القيادة الوسطى، المستقيل، وليم فالون، وإلمامه بالشؤون العراقية الداخلية، ولا سيما قانون توزيع النفط الذي كانت بصماته واضحة في «مباركته».وعلى الأرجح لن يكون تعيين الجنرال ديمبسي، الذي جرى أول من أمس، مؤقتاً، في قاعدة ماكديل الجوية في ولاية فلوريدا الأميركية الجنوبية، سوى مقدمة لاختياره من جانب الرئيس جورج بوش، قائداً دائماً لهذه المنطقة التي تشمل الشرق الأوسط وآسيا، والمتضمنة خصوصاً العراق وأفغانستان.أمّا تاريخ الاختيار فلن يحدّد قبل تقرير قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال، دايفيد بترايوس، عن أثر تعزيز القوات في هذا البلد، الذي سيرفعه إلى الكونغرس في التاسع من الشهر المقبل.وقد تكون لتعيين ديمبسي مدلولات سياسية، تتعلق بالخيارات الأميركية المقبلة في المنطقة، ولا سيما تجاه إيران. إذ إن الاستقالة المفاجئة للقائد السابق فالون (63 عاماً)، في منتصف آذار الماضي، كانت متعلقة بمعارضته خيار الحرب ضد إيران، بحسب تقرير صحافي نفاه فالون.من المؤكد أن القائد «المؤقت» والأوفر حظاً بتسلّم القيادة بشكل دائم، لن يكون في وضع يُحسَد عليه، إذ يتصاعد التوتُّر في العراق في ظل مواجهات عنيفة بين القوات العراقية المدعومة من الجيش الأميركي وقوات جيش المهدي، ووسط ما تشهده أفغانستان من تصاعد في عمليات عسكرية تشنُّها حركة طالبان ضد قوات الاحتلال هناك.مع العلم أن ديمبسي، خريِّج الأكاديمية العسكرية في ويست بوينت، الذي ينتمي إلى سلاح البر، قد خدم مرتين في العراق، كقائد للقوات الأميركية في بغداد أولاً، ثم قائداً لعمليات تدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية.وكان ديمبسي قد عمل في الفترة بين عامي 2001 و 2003 رئيساً لبرنامج تحديث قوات الحرس الوطني السعودي، ثم قائداً للفرقة الأولى المحمولة جواً في العراق خلال الفترة بين عامي 2003 و 2004، كما عمل قائداً مسؤولاً عن عمليات تدريب قوات الأمن العراقية.ومن المعروف عن ديمبسي تحذيره حين كان مسؤولاً عن تدريب الجيش العراقي، من النقص في عديد القادة في هذا الجيش. وكان يعتقد أن الجيش الأميركي يواجه صعوبة في العثور على قادة عراقيين مناسبين لأداء المهمة. من خلال مقولته الشهيرة «على الرغم من أن الجيش الأميركي وضع كثيراً من القادة العراقيين في بركة السباحة، فإن قلة منهم تمكّنت من الوصول إلى حافتها».وكانت للجنرال المؤقت بصماته الواضحة في عملية التدخّل في الشأن العراقي، حين ادّعى علناً، أنّ مسودة مشروع قانون النفط سوف تقود إلى تحقيق تقسيم عادل لعائدات النفط بين سكان محافظات العراق، وبالتالي تمهيد الطريق أمام المصالحة السياسية في بلد مزقّته الحرب الطائفية وصراع المصالح والنفوذ. وذلك في مقولة ترويجية واضحة لسياسة الإدارة الأميركية التي تُمهِّد لتقسيم العراق.على الأرجح، ستحدد كفاءة ديمبسي خلال الأيام المقبلة مصيره من بين المرشحِّين لمنصب قائد المنطقة الوسطى الدائم، مثل الجنرال بترايوس وكبير مستشاري وزير الدفاع، الجنرال بيتر كياريلي. لكن المفارقة هنا أن الرئيس بوش رشّح ديمبسي لتولي قيادة القوات الأميركية في أوروبا، وصادق مجلس الشيوخ الأميركي على هذا الترشيح.بأي حال، عبَّر ديمبسي في كلمته خلال حفل تعيينه، وبشكل غير مباشر، عن رؤية واشنطن المقبلة للمنطقة بقوله إن «المهمات التي أمامنا ستبقى واضحة. إننا قيادة تخوض الحرب».
الأخبار:٣٠ آذار ٢٠٠٨

29‏/3‏/2008

ملامح معركة بين المحافظين على الرئاسة الإيرانية

معمر عطوي
يبدو أن الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الإيرانية، التي تُجرى في 25 نيسان المقبل، لن تكون أفضل من سابقاتها بالنسبة إلى الإصلاحيين، بل على الأرجح ستزيد حدة التنافس بين المحافظين أنفسهم، وتفتح معركة الرئاسة في العام المقبل على مصراعيها.الانشقاق الحاصل بين تيار الرئيس محمود أحمدي نجاد (جبهة المدافعين عن المبادئ) وتيَّار الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني (الائتلاف الموسَّع للمدافعين عن المبادئ)، فرض معادلة جديدة على حلبة التنافس السياسي، إذ انتقلت المنافسة بين «محافظين وإصلاحيين» إلى منافسة بين «محافظين ومحافظين»، ولا سيما بعد حصول تيار لاريجاني المدعوم من عمدة طهران محمد باقر قاليباف والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي، على عدد من المقاعد في الدورة الأولى، ولا سيما في طهران.الواضح أن انتخابات طهران ستكون الأعنف، وخصوصاً أن مرشحي التيار المحافظ «المُنشق» والتيار الإصلاحي يمتلكون حظوظاً أفضل في العاصمة، من المناطق الأخرى التي عكف الرئيس محمود أحمدي نجاد منذ تسلّمه منصبه في عام 2005، على القيام بزيارات إلى الأقاليم النائية، مصحوبة بتوزيع الأموال لمشاريع واستثمارات وقروض مُيسّرة على المواطنين، فانعكس ذلك سلباً على حركة الاقتصاد، ما زاد من نسبة التضخم لتصل إلى حدود 20 في المئة.وطهران التي تنتظر انتخاب 11 نائباً في الدورة الثانية، بعد اختيار 19 نائباً في الدورة الأولى، تترقّب اختراقاً إصلاحياً، إذ إن عدد المرشّحين من هذا التيار الذين لم تُحسَم نتيجتهم بعد، يبلغ 32. وربما كانت العاصمة هي الحلبة الوحيدة التي تنافس فيها مؤيدو نجاد مع مؤيدي لاريجاني، وخصوصاً أن المحافظين لهم حضور قويّ في الأحياء الجنوبية الفقيرة من طهران. وخلافاً للمحافظات حيث المواضيع المحلية تُمثِّل أولوية، فإن التصويت في العاصمة هو سياسي قبل أي شيء آخر.لكن على الصعيد العام تجرى الدورة الثانية في 44 دائرة انتخابية، منها طهران وري وشميرانات وإسلام شهر، فيما كانت الدورة الأولى قد أجريت في 146 دائرة انتخابية، اكتسحها المحافظون، وأدت إلى انتخاب 189 نائباً من أصل 290 هم مُجمَل عدد أعضاء مجلس الشورى الإسلامي. والمفارقة أن عدد الإصلاحيين في الدوائر التي أُجريت فيها الانتخابات في دورتها الأولى زاد من 40 مقعداً إلى 44 مقعداً، لكن هذا لم يمنع المبدئيين «المحافظين» من الفوز بنحو 70 في المئة من مقاعد البرلمان.لقد أدّى مجلس صيانة الدستور، الذي ينظر في صلاحية المُرشَّح ويُدقِّق في مدى التزامه مبادئ الإسلام ووفائه للنظام، دوراً في حصر المعركة بين تيار محافظ أصولي وآخر محافظ «معارض»، مستبعداً أكثر من ألفي مرشّح معظمهم من تيار محمد خاتمي الإصلاحي والمتحالفين معه في إطار جبهة المشاركة الإسلامية. مع العلم أن تياري المحافظين يحظى بدعم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، والمؤسسة الدينية في قُم.لعلّ هذه الصيغة التي نجح النظام الإسلامي في فبركتها، كان من شأنها تعزيز تعدّدية النظرة تجاه قضايا اقتصادية ومعيشية، في إطار وحدة المبدئيين، مع ترك المسائل الكبرى مثل الملف النووي والسياسة الخارجية في يد خامنئي. وهنا تكمن ثُغر الديموقراطية والانتخابات في إيران التي تبقى محصورة في إطار سلطة المؤسسة الدينية.على ما يبدو هنا، أن مرحلة ما بعد الدورة الثانية، قد تحسم مسألة استبعاد «خطر «الإصلاحيين»، ليتفرّغ المحافظون بجناحيهم لمعركة تنافسية من نوع آخر، هدفها منصب الرئاسة، وتجرى الانتخابات بشأنها العام المقبل. يدعم هذه الفرضية ما أكده محمد علي أبطحي، وهو حليف مقرب من خاتمي، بقوله: «سيواجه الرئيس تحديات في البرلمان التالي أكثر من التي واجهها مع البرلمان الحالي».وبات من الواضح أن الانتخابات الحالية قد رسمت ملامح المواجهة إلى حدٍّ كبير، إذ تعزَّزت فرص الرئيس نجاد للفوز بفترة ولاية ثانية، وفي الوقت نفسه انبرى لاريجاني المُختلف مع الرئيس على إدارة التفاوض في الملف النووي، إلى حلبة هذا التنافس بقوة بعد فوزه كممثل نيابي عن مدينة قم الدينية، مدعوماً من الملالي وخامنئي، مع التذكير هنا بأن تأييد خامنئي لنجاد، كان السبب الرئيسي لفوزه المفاجئ بالرئاسة في عام 2005 .
الأخبار٢٩ آذار ٢٠٠٨

19‏/3‏/2008

حدود الديموقراطية الإيرانية

معمّر عطوي
رغم كل ما يؤخذ على الانتخابات التشريعية الإيرانية من قيود تمنع سير العملية الديموقراطية وفق المُقتضى، وبقطع النظر عن دور الحرس الثوري الإيراني والمؤسسة الأصولية بقيادة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، في الإمساك بمفاصل البلاد السياسية والاقتصادية. تتشابه الجمهورية الإسلامية في بنيتها الانتخابية مع كثير من الدول المُتقدّمة ديموقراطياً ومؤسساتياً، من حيث سيادة الثنائية في تداول السلطة: مبدئيون وإصلاحيون في إيران، ديموقراطيون وجمهوريون في الولايات المتحدة، عمال ومحافظون في بريطانيا. لكن الفرادة الإيرانية هنا تكمن في أن كل تيار لا يُشكِّل حزباً بمفرده، وإنما هو مجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية التي تلتفّ حول طروحات شخصية محورية أو عدد من الشخصيات التي لكل منها طموحاتها ورؤيتها للشؤون العامة. الإصلاحيون ومعهم الوسطيون، الذين مُنوا بهزيمة واضحة في الدورة الأولى من هذه الانتخابات والمُرجّح أن تزيد خسارتهم في الدورة الثانية في نيسان المقبل، ينشطون تحت عباءة ثلاثة رؤوس أساسية: الرئيس الأسبق محمد خاتمي ورئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي ورئيس مجلس خبراء القيادة الحالي (وسطي) أكبر هاشمي رفسنجاني.أما في الجهة الأخرى، فقد أدّت الخلافات حول إدارة الملف النووي مع الغرب الى حدوث شرخ وسط المبدئيين، فبات كبير المفاوضين السابق، علي لاريجاني، متميزاً عن صديقه رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد. وشكَّل الى جانب القائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي، وعمدة طهران الحالي محمد باقر قاليباف، تياراً «إصلاحياً» داخل المبدئيين، من شأنه إجهاض هذه «الثنائية التداولية»، وترك العملية الانتخابية ذات هامش أوسع لجهة اختيار الشعب لتيار ثالث قد يصبح خارج هذه الثنائية.جُلّ ما في الأمر، أن هذا الهامش من شأنه تحديد صورة الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي بات مُرجَحاً أنها ستكون لعبة تنافسية قاسية بين تياري المبدئيين أنفسهم ـ إذا ما انتخب لاريجاني رئيساً لمجلس الشورى فستصبح حظوظه أكبر في الوصول الى كرسي الرئاسة.لعلّ أفضل ما أنتجه النظام الإيراني المحكوم بقيود «تيولوجية» تضعها المؤسسة الدينية ويصونها الحرس الثوري، هو هذا الإخراج الذكي للعبة الانتخابات. لعبة من شأنها تأكيد دور الشعب في تشكيل العديد من المؤسسات مثل مجلس الخبراء (جزئياً) والمجلس النيابي ورئاسة الجمهورية والبلديات. وأكثر من ذلك، هو عدم الارتهان (تماماً) للعبة الثنائية القائمة، من خلال توزيع الأدوار بين صقور وحمائم وسط كل تيار، ونفي الطابع الإيديولوجي الصنمي لبعض الأحزاب المتحرّرة من سطوة عباءة التيار «الحاضن»: نموذج أصدقاء لاريجاني ونجاد لدى المبدئيين، ونموذج كروبي وخاتمي لدى الإصلاحيين. حراك سياسي يسير بامتياز أكثر إذا ما لاحظ المراقب دور الوسط بقيادة رفسنجاني، المُمسك بمفاصل مهمة في البلاد، والذي نجح في تكوين رؤية توليفية تتفق مع الإصلاحيين لجهة تحرير الاقتصاد وتوسيع هامش الحريات، ولا تبتعد عن المرشد لجهة الحفاظ على المبادئ الأساسية للثورة ولخط الإمام الخميني.أمام هذا المشهد، تصبح ثغر الانتخابات الايرانية أمراً هيّناً أمام «التداولية الثنائية الديكتاتورية» في بعض الدول الديموقراطية. إذ يصبح خيار المواطن المحصور بين حزبين كبيرين، قيداً شبيهاً بما يضعه النظام الإيراني من قيود لا تسمح بوصول من هم خارج «العباءة» الى مراكز القرار.
عدد الاربعاء ١٩ آذار ٢٠٠٨

15‏/3‏/2008

بيننا وبينهم...شتان

معمر عطوي
لطالما كانت الغربة عن الوطن وجعًا يرافق الإنسان في حَله وترحاله بين الحواضر التي قصدها إمَا ركضًا وراء لقمة العيش وإما بحثا عن العلوم والثقافة. لكن في وطننا العربي الُمثقل بإرث الحكومات الأوليغارشية، أصبح للغربة دافع أخر هو البحث عن مناخات الحرية بكافة أشكالها وأنواعها رغم كل الخطوط الحمراء التي تحدد مجالات الاستفادة من الحريات في أكثر البلدان ديموقراطية كبلدان أوروبا الغربية،ورغم كل القيود التي فرضتها أميركا بعد 11 سبتمبر وأحداثه الشهيرة.
فالحرية، هذا المفهوم الذي يحمل تفاسير شتى في كيفية تطبيقه وإمكانيات انخراطه في الممارسات السياسية والثقافية والاجتماعية، لم يعرف بعد طريقه إلى «النخبة» الحاكمة في دويلاتنا العربية القبلية رغم إطلاع هذه الزمرة (وليس النخبة) أو تلك على أهمية الحرية في تشكيل مجتمع قادر على صنع الكثير من ظواهر التطور، ورغم إدراك هؤلاء لمدى فعل الديموقراطية في الجسم السياسي للأمة متعددة المذاهب أو القوميات أو الاتجاهات السياسية.
ولم يتوقف الأمر عند هؤلاء الذين رفضوا تقديم أفضل قيمة إنسانية لشعوبهم عند هذا التجاهل( الهادف لإبقائهم على كراسيهم) بل قاموا بصياغة مفهوم مضاد للحرية بدعم من بعض تيارات الظلامية مستخدمين الدين تارةً والعادات الاجتماعية تارة أخرى لإقناع العامة من الناس أن الحرية هي رديف الانحلال الأخلاقي وأن الديموقراطية هي حكم الشعب وليس الحكم بما أنزل الله، الذي أوكلوا هم وليس غيرهم بتطبيقه متسلحين بالآية الكريمة«أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم».
أما حقوق الإنسان فأزلامهم ورجال استخباراتهم أولى بحمايتها من كل القوانين والأنظمة التي صاغها الغرب (يكفي أنهم يدركون مصلحة المواطن أكثر من نفسه فإذا ما «أخطأ» اختفى عن وجه البسيطة في مكان لا يعرفه سوى الله والراسخون في علم الأجهزة الأمنية قالوا آمنا ...).
وهكذا أصبحت معظم دول العالم ملجئاً لموطنينا العرب الهاربين من أكثر من جحيم إلى ما أسماه البعض منفى أو إلى ما يمكن تسميته
«مناخ خاص بالإنسان»، بحكم أن من يعيش في بلداننا المستلبة يشعر أنه كومة لحم وعظم لا انسان .
هكذا يصبح الوجع وجعين، وجع الانسلاخ من المكان، الطفولة ،الأصدقاء والأهل،والوجع الناتج عن الرؤية المقارنة لمجتمعاتنا ومجتمعاتهم. وإذا صح القول فأنه لا مجال للمقارنة طالما أن الخطوط البيانية للتنمية والصناعة والتحولات الايجابية على أكثر من صعيد عندهم تشير إلى إمكانيات لا يمكننا حتى الحلم بها للأسف الشديد.
وإذا ما عدنا لمفهوم «الانبهار» الذي تحدث به الكثير من المفكرين العرب وبالأخص الاسلامويين منهم لوجدنا كم يكذب هؤلاء ليس علينا (خصوصا في عصر الانترنت والفضائيات) بل على أنفسهم ولوجدنا كم هي عقيمة تلك الطروحات التي يخدَرون بها أنفسهم وشعوبنا كالقول مثلا (نحن أصحاب الحضارة وهم أخذوا منا كل شئ)، ألم يدرك هؤلاء أن كل ما صنعه الاقدمون في الحضارات العربسلامية ما هو إلا نتاجات وإضافات أخذوها من غيرهم وطوروها ؟ ألم يدرك هؤلاء أن من صنع الحضارة سواء كانوا من العرب أو من العجم، هم آخرون وليسوا نحن (أم أن الصلعاء تتباهى دائما بشعر ابنة خالتها) حقا إننا لا نحتاج فقط إلى نظام وقوانين وحرية وديموقراطية بل نحتاج قبل كل شيء إلى تحديد معاني المصطلحات التي نطلقها، نحتاج إلى برامج توعوية حول تحديد فهمنا للهوية وللأخلاق وللفعل السياسي، ولا أود أن أسوق المزيد من الوصفات المستهلكة طالما أني أنا نفسي الحديث العهد بمعايشة الأوروبيين أحتاج إلى المزيد من الوقت لكي أستيقظ من صدمة التحولات بين مجتمعاتنا ومجتمعاتهم ، فأمام ما
يمكن للمرء أن يراه من تطور يصبح الانبهار واجبًا لا بد منه لكن ليس للتوقف عنده بل لمحاولة وضع أسس في مجتمعاتنا لصنع عوامل أخرى للانبهار بعيدا عن روعة الاهرامات المصرية أو أعمدة بعلبك وجرش وتدمر، فالحضارة يا «زعمائنا» ليست أطلالا يتغزّل بها الشعراء والسواح، بل هي قيم إنسانية لم تصل بعد إلى بلادنا رغم ثورة الاتصالات العالمية، لعل ذلك يتحقق في اتجاهين: الأول منع أسباب ودوافع الهجرة لغير طلب العلم والسياحة وسقوط آخر الأنظمة الو راثية في القرن الواحد والعشرين. فكفانا كذبًا وخداعًا، لعل أخطر أنواع الكذب هو الكذب على النفس.

تحولات: السبت 15اذار 2008.
العدد الواحد والثلاثون

14‏/3‏/2008

الإيرانيّون يجدّدون «ولاية» المحافظين اليوم



الاقتصاد حجر الرحى... و«النوويّ» في قبضة المرشد


يحتّل العنوان الاقتصادي صدارة الحملات الانتخابية في إيران، حيث يتوجّه اليوم حوالى 40 مليون ناخب الى صناديق الاقتراع لاختيار 290 عضواً في الدورة الثامنة من انتخابات مجلس الشورى الاسلامي، فيما يتوقَّع بدء إعلان النتائج الاثنين المقبل.
معمر عطوي
ما بين الشعار الإصلاحي الداعي إلى «السيطرة على الأسعار المرتفعة وإحلال اقتصاد مزدهر»، والشعار «المحافظ» الداعي الى «الحد من التضخُّم والقضاء على احتكار الدولة»، يقف الشعب الإيراني اليوم أمام اتجاهين لا ثالث لهما. الأول، قد يقود البلاد نحو مزيد من الإصلاحات الاقتصادية والانفتاح على الخارج وتوسيع هامش الحريات. والثاني يدعو الى التمسُّك بالخيار النووي وبالقبضة الحديدية، مهما كانت نتيجتها على الوضع الداخلي اقتصادياً، وعلى الوضع الدولي لجهة تعريض البلاد لمزيد من العزلة الدولية.المناخ السائد في إيران اليوم هو أن المبدئيين (المحافظين) هم من سيشكِّل غالبية المجلس المُقبل، بعد استبعاد أكثر من 2000 مرشَّح معظمهم من الإصلاحيين. لكن السؤال يبقى حول هوية المحافظين الآتين الى المسرح السياسي المقبل، في ظل انشقاق هذا التيار بين محافظين «إصلاحيين»، أبرز من يُمثّلهم علي لاريجاني، ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي لدى المجلس الأعلى للأمن القومي، ومحافظين «أصوليين» بقيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد.فالتيار المحافظ الرئيسي، الذي يضمّ أنصار نجاد «المسترشدون بالمبادئ»، يخوض المعركة الانتخابية تحت اسم «جبهة المدافعين عن المبادئ». وتحظى هذه الجبهة بدعم صريح من جمعية «روحانيات مُبارز» (رجال الدين المناضلين)، التي يرأسها أحد أبرز رجالات الدين في الحوزة العلمية آية الله مهدوي كني. وتلقى هذه الجبهة دعماً غير مُعلَن من الحرس الثوري.هذا التيار، الذي تُحمّله المعارضة مسؤولية تردّي الوضع الاقتصادي، بات في دائرة الاتهام، ولا سيما بعدما وصل حجم التضخُّم الى نسبة 19.2 في المئة، وازدادت الأسعار بما يفوق 16 في المئة، ومنذ أن تقلصّ هامش الحريات لدرجة ملاحقة واحتجاز طلاب أرادوا التعبير عن آرائهم في قضايا سياسية واقتصادية.ربما استطاع نجاد، الذي يقود حركة «عطر الخدمة الذكية»، أن يسير ببرنامج بلاده النووي الى نقطة يصعب معها القول إنه فشل. لكن نتائج ذلك على وضع الاستثمارات الاجنبية في الداخل وعلى العلاقات مع الغرب كانت محل انتقادات الكثيرين، عدا عن خطابه المتكرر «غير الدبلوماسي» تجاه إسرائيل والغرب.من هنا كان لكبير المفاوضين النوويّين السابق، علي لاريجاني، وجهة نظره الخاصة في الأداء التفاوضي مع الغرب، التي حملته على الاستقالة، ليتوجَّه بطموحاته نحو كرسيّ الرئاسة في انتخابات عام 2009. لعلّ أبرز نتائج هذا الاختلاف في وجهات النظر، دفع لاريجاني وأصدقائه إلى تشكيل تيار وسطي داخل المحافظين أطلق عليه اسم «الائتلاف الموسَّع للمدافعين عن المبادئ» ويضم رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي.لكن المفارقة هي في وجود مرشحين مشتركين لهذا التيار مع الجبهة الرئيسية، يبلغ عددهم حوالى 200 مرشح، بينما يبلغ عدد المرشحين على اسم التيار وحده حوالى 35 مرشحاً، ومعظمهم في طهران، حيث لا يوجد سوى تسعة مرشحين مشتركين بين الطرفين لملء ثلاثين مقعداً. مع العلم بأن «جبهة نجاد» تقدمّت بـ275 مرشحاً، في مواجهة 243 مرشحاًً «لائتلاف أصدقاء لاريجاني».ورغم أن لاريجاني قدَّم ترشيحه عن مدينة قم الدينية، حيث يحظى بدعم بعض المراجع هناك، فإن تياره يراهن على مقاعد العاصمة، في ظل ترجيح كفة تيار نجاد في المحافظات والقرى النائية، حيث قام الأخير بجولات على المناطق، وزّع خلالها الأموال الناتجة عن «الطفرة» النفطية، في محاولة لتنفيذ وعده «الانتخابي» بتوزيع الأموال النفطية على الفقراء، وهو ما أدى الى هذا الارتفاع الخطير في حجم التضخُّم والبطالة.في أي حال، لا ينظر الشارع الإيراني الى المنافسة بين الجبهة والائتلاف، على أنها قد تُغيّر كثيراً من الأمور الجوهرية، فالخلاف بدأ في الأساس لأسباب تتعلّق بطموحات رئاسية عند البعض وانتهى بخلاف على أسماء مرشّحين خصوصاً على مقاعد طهران، وعلى الحصة الكبيرة المعطاة على اللوائح لتيار «عطر الخدمة الذكية».لعلّ ما يميز الانتخابات البرلمانية الايرانية، هو كثرة «القادة» الحالمين بمنصب الرئاسة، فعلى الجانب الآخر من المشهد، يقف الإصلاحيون منقسمين أيضاً الى أكثر من لائحة: الأولى يتزعمها الرئيس السابق محمد خاتمي، وتضم حوالى 21 حزباً أبرزها: جبهة المشاركة الاسلامية وجمعية «روحانيون مبارز»، وائتلاف «2 خرداد»، إضافة الى «جمعية عمال البناء» و«منظمة مجاهدي الثورة».
والثانية يتزعمها رئيس مجلس الشورى السابق، رئيس حزب اعتماد مللي «الثقة الوطنية»، الشيخ مهدي كروبي، الذي يملك الحظ الأكبر في تحقيق نتائج نظراً لقبول معظم مرشّحيه على لوائح الترشيح.ومن المهم التذكير بأن التيار الإصلاحي الذي عكف منذ وصول نجاد الى الرئاسة عام 2005، على انتقاد الحكومة بسبب سياستها الاقتصادية والخارجية، وموضوع الحريات وغيرها من الأمور، لم يُحقّق أثناء فترة حكمه (1997ـ2005) نتائج كبيرة على مستوى برنامجه الاقتصادي، الأمر الذي أدى الى فشله أمام تيار المحافظين في الانتخابات الماضية لعام 2004.ومما زاد طين الإصلاحيّين بلّة، دعم خامنئي لتيار المبدئيين، على خلفية تضمُّن لوائح الإصلاحيين أسماءً مشكوكاً في «وطنيتها» لعلاقتها بالسفارات الأجنبية على غرار المفاوض السابق حسين موسويان وشقيق خاتمي، محمد رضا.انطلاقاً من هذه المناخات، وُظفت الشعارات الكبرى في المعركة الداخلية، حيث استغّل المبدئيون المواجهة الحامية مع الغرب على خلفية البرنامج النووي، واحتمالات التصعيد العسكري الأميركي ضد النظام الاسلامي، لإطلاق الاتهامات لشخصيات إصلاحية بالترويج ضد النظام الاسلامي، رغم أن كلاً من الطرفين يزايد على الآخر بشعار «الإخلاص لمبادئ الثورة والإمام الخميني».من هنا كانت دعوة المرشد الأعلى مواطنيه الى المشاركة بكثافة «رداً على إرادة ورغبة العدو» الأميركي، بينما كان تصريح رئيس مجلس الشورى الإيراني (المحافظ) غلام علي حداد عادل، يوحي بأن المعركة ستكون للحد من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، معتبراً أن واشنطن «لن تصل إلى مبتغاها» في جعل مجلس الشورى «تابعاً لها».وسط هذه المناخات، يقف الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، محافظاً على وسطيته في ظل لعبة التجاذب هذه؛ فرئيس مجلس خبراء القيادة الذي عرف بعلاقته الوطيدة مع خامنئي، وقف الى جانب الإصلاحيين في موضوع استبعاد مرشحين، لكنه لم يتوصل الى اتفاق معهم لخوض المعركة في لائحة واحدة.وأمام هذه الخريطة المُعقّدة لتوزيع التيارات السياسية في إيران، يمكن القول إن سلطة المبدئيين قد نجحت في تقليص فرص تقدُّم الإصلاحيين، عبر استخدامها طرقاً متعددة:1ـ استبعاد ترشيحات بحجة عدم الأهلية أو عدم توافر شروط الإخلاص للثورة والالتزام بالإسلام.2ـ فرض قيود على الحملات الإعلامية تحت شعار «نظافة المدن»، بما يمنع المرشحين من لصق صورهم في الأماكن العامة، فيما توافر لمرشحي المبدئيين فرص الظهور الإعلامي في الوسائل المملوكة من الدولة.3ـ استخدام الضغوط الدولية واتصالات بعض المسؤولين المحسوبين على الإصلاح بدوائر أجنبية، ورقة «تخوين» في وجه الإصلاحيين.4ـ توظيف «الانتصار» النووي، الذي استطاعت من خلاله الحكومة السير قدماً في أنشطتها الحساسة رغم صدور 3 قرارات بالعقوبات ضد طهران، ورغم الحظر التجاري المفروض من دول الغرب على النظام الإسلامي.5ـ دعم المرشد وقيادات الحرس الثوري الإسلامي لمرشحي المحافظين، علناً وضمناً، رغم ظهور خامنئي في أكثر من مناسبة كأنه على مسافة واحدة من الجميع: دعوته خلال الشهر الماضي الفصائل المتنافسة إلى ألاَّ «يدمّروا ويهينوا» بعضهم بعضاً في الحملة الانتخابية.نتيجة هذه السياسة المدروسة، استطاع تيار السلطة أن يمنع حصول منافسة حقيقية في البلاد، إذ إن مصير 160 مقعداً من مقاعد البرلمان قد تقرّر سلفاً، فيما لا يزال الإصلاحيون قادرين على المنافسة على 130 مقعداً فقط.زبدة القول، أن التيارات السياسية على اختلافها، وإن وظّفت الكثير من الملفات في معركتها الانتخابية، لم ولن تستطيع تجاوز المسألة الاقتصادية، التي تُعد حجر الرحى في المسائل المُلحة للشعب الإيراني. ففي نهاية الأمر، لن تُحدث نتائج هذه الانتخابات أي تحوّل كبير في السياسة الخارجية أو النووية، ما دامت في قبضة المرشد.

--------------------------------------------------------
البرلمان الايراني

يبلغ عدد أعضاء مجلس الشورى الإسلامي 290 عضواً، ينتخبهم الشعب مباشرة لمدة أربع سنوات. وهناك خمسة مقاعد للأقليّات، حيث يملك الأرمن مقعدين والزرادشتيون مقعداً واليهود مقعداً، إضافة الى مقعد للمسيحيين الأشوريين والكلدانيين.ومن أبرز شروط قبول المرشّح:1ـ الإيمان والالتزام العملي بالإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. (يستثنى من هذا الشرط أتباع الأقليات الدينية المعترف بها بالدستور ويستبدل الشرط بالإيمان التام بديانتهم).2ـ يجب أن يكون حاصلاً (إلا في بعض الاستثناءات النادرة) على شهادة تعادل سنتين من الدراسات العليا.3ـ الإعلان عن الإخلاص للدستور ومبدأ ولاية الفقيه.ويملك البرلمان الايراني صلاحيات واسعة ويصادق على اقتراحات القوانين الحكومية وتعيين الوزراء. إلا أن تشريعاته تخضع لموافقة مجلس صيانة الدستور المكلف التحقّق من تطابق القوانين مع الشريعة. وفي حال النزاع، يعود القرار الأخير الى مجلس تشخيص مصلحة النظام، جهاز التحكيم الأعلى في البلاد.ولا حصانة قانونية من القضاء لأعضاء المجلس إلا ما استثنى في المادة رقم (89) من الدستور من حيث حرّية النائب في إبداء الرأي في كل قضية تطرح في المجلس من دون أن يتعرّض لمساءلة من القضاء أو أي جهة أخرى.
الأخبار:١٤ آذار ٢٠٠٨

13‏/3‏/2008

برتولت بريشت.. حياة حافلة بالمغامرات النسائية

بيروت - معمر عطوي
لم تكن ماريا أيخ التي تناولتها رواية «عشيقة بريشت» الحاصلة على جائزة كونكور الفرنسية، للروائي الفرنسي جاك- بيار أميت، المرأة الوحيدة في حياة الكاتب المسرحي والأديب الألماني المعروف برتولت بريشت (1898-1956)، بل حفلت حياته بالكثير من المغامرات النسائية التي تعددت مثل أعماله الغزيرة وأسفاره المتواصلة. لقد كان بريشت زير نساء بامتياز، لاسيما إنه كان أبا لثلاثة أولاد من ثلاث نساء مختلفات منذ كان في السادسة والعشرين من عمره. وهو الذي كان يعتقد أن الحب والجنس متلاحمان لا يمكن فصلهما عن بعضهما. ولعل هذه العلاقات تركت تأثيرات إيجابية على أعماله الأدبية. إذ كان عشقه للعديد من النساء حافزاً ليكتب قصيدته الغزلية الأولى وهو في سن مبكرة.تعّرف ابن أوسبورغ في الثامنة عشرة من عمره بـ «باولا بانهولزر» وبعد ثلاث سنوات رزق منها بولده فرانك، ومع ذلك لم يتزوج بريشت باولا. لكنه في العام 1922 تزوج من مغنية الأوبرا ماريان زوف ولم يدم هذا الزواج طويلا. وتعرف بريشت بالممثلة هيلين فيغل، أثناء العرض الأول لإحدى مسرحياته في برلين، وبعد أربع سنوات رزق منها بولد.في سنة 1929 بعد ما يقارب مرور الخمس سنوات على ولادة ابنه الأول ستيفان وقبل نصف سنة من ولادة ابنته بربارا، دخل بريشت مرحلة جديدة من حياته هي مرحلة دخول العش الزوجي، لكن لم يكن هناك إخلاص.لقد تزوج من صديقته القديمة هيلين ودام هذا الزواج طوال حياته رغم تعدد علاقاته النسائية ومعرفة هيلين بها. فقد اعتنت هيلين بأطفالها ورافقت زوجها «الزير» في هجرته إلى الولايات المتحدة، وساهمت معه في تأسيس «برلينر إنسامبل» أي الفرقة البرلينية 1954. وكان من ثمار هذا الزواج طفلته بربارة التي ولدت سنة 1930. وبذلك أصبح لديه 3 أطفال خلال سنوات قليلة.المرأة الأخرى في حياته، كانت إليزابيث هاوبتمان التي ترجمت بعض أعماله من الإنجليزية إلى الألمانية، هي أفضل صديقة لبريشت كمؤلفة ومترجمة وكصديقة حميمة فهمت أعماله جيدا. وكان لها القدرة على محاورته ومناقشته. والمفارقة أن هذه العلاقة كانت قائمة، في وقت استمرت فيه علاقته بماريان وهيلين. ورغم ابتعاد إليزابيث عنه لفترة بسبب زواجها، فإنها عادت إليه خلال السنوات الأخيرة في المنفى.ولم تتوقف علاقاته عند هذا الحد، فقد ارتبط بعلاقة حميمة أيضاً مع زميلته وصديقته مارغريتا شتيفن، التي رافقته وعائلته حتى موتها بسبب إصابتها بمرض عضال. كما أقام علاقة مع الممثلة روث برلاو، ثم مع ماريا روز أمان، التي تعرفت إليه في حصة اللغة الإنجليزية وكان يبتغي إقامة علاقة طويلة معها لكنها لم تدم. وهناك أسماء أخرى في حياته مثل ماريا أستن وكيبر وزابينة وغيرهن.في 28 فبراير 1933، بدأ بريشت هجرته نحو المنفى الاختياري بسبب الأوضاع السياسية التي كانت سائدة في أوروبا في زمن الرايخ الثالث، فتنقل بين العديد من الدول وكان له العديد من العلاقات خلال هذه الأسفار التي مرَّ خلالها في العاصمة التشيكية براغ ثم العاصمة النمساوية فيينا وسويسرا والدنمارك، لينتهي به المطاف في فنلندا.وفي العام 1941، اختار بريشت الولايات المتحدة التي بقي فيها إلى ما بعد سقوط ألمانيا الهتلرية فعاد بعد تقسيم ألمانيا مباشرة سنة 1948 مختارا العيش في الشطر الشرقي من برلين، حيث تعرّف إلى عشيقته ماريا أيخ النمساوية التي كانت تتجسس عليه لمصلحة جهاز الاستخبارات (شتازي) والتي تحولت إلى بطلة الرواية الآنفة الذكر.لم يستمر هذا القلب الذي ظل يخفق بحب العديد من النساء طوال مرحلة تميزت بعطاء إبداعي زاخر، فأصيب في 14 أغسطس 1956 بذبحة أودت بالكاتب الكبير، الذي ترك تراثا عظيما قد يكون لنسائه دور كبير في إنجازه، ألا يجوز لنا القول إن وراء كل رجل عظيم نساء، رغم أن زوجته التي آزرته وصبرت على خياناته المتكررة كانت صاحبة الدور الأبرز في صناعة هذه العظمة.
13-3-2008 جريدة العرب-الدوحة

خاتمي: مرشّح الشباب الحالم بالرئاسة

معمر عطوي
لا شك في أن الحضور اللّافت للرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، على المسرح السياسي الإيراني، قد تجلّى أكثر قبيل الانتخابات التشريعية التي تجرى غداً في البلاد. إذ يُعدّ «مرشَّح الشباب» أحد أعمدة الحياة السياسية القائمةمعمر عطويرغم انحسار فرص التمثيل التي يمكن أن يحظى بها تياره الإصلاحي، بعد شطب السلطات أسماء عدد كبير من مرشحّيه، لا يزال الرئيس السابق، محمد خاتمي، يمتلك فرص الحفاظ على حضوره في المشهد السياسي الإيراني، مع إمكان عودته الى كرسي الرئاسة في انتخابات عام 2009.لقد بدا خاتمي، الذي وصف استبعاد اكثر من ألفي طلب مرشح إصلاحي بـ«الكارثة»، في صلب المعركة الانتخابية، حين وقف بين مؤيديه أمس، وسط مسجد الإمام الرضا في مدينة إسلام شهر عند أطراف طهران، ليوجّه دعوة إلى الناخبين للمشاركة بكثافة في الانتخابات التشريعية «دفاعاً عن الحرية».خاتمي المُنرعج بشدة من الحملة السياسية التي استهدفت شقيقه محمد رضا، واتهمته بالخائن لاجتماعه مع السفير الألماني لدى طهران، هربرت هونسوفيتز، حوَّل مسار المعركة من وجهة اتهام الإصلاحيين، إلى توجيه سهام النقد نحو المبدئيين (المحافظين)، بقوله «يُقال إن الرئيس الأميركي يدعم هذا الفريق أو ذاك، وإن هذه المجموعة أو تلك مرتبطة بأطراف خارجية.. إن الأميركيين هم في الواقع أنصار الذين يوفّرون لهم ذرائع للبقاء في المنطقة».وهكذا يُكرّر خاتمي انتقادات المعارضة لسياسة حكومة محمود أحمدي نجاد «الاستفزازية» التي تجلب العزلة والعقوبات على النظام الإسلامي، مستفيداً من بعض الممارسات التي طالت الحريات الشخصية في الفترة الأخيرة، ليؤكد شعاراته عن «الاستقلال وحرية اختيار المستقبل وحرية اختيار النظام السياسي وحرية محاسبة (القادة) وحرية القيام بتغيير من دون اللجوء إلى العنف».ربما شعر خاتمي، غير المُرشح شخصياً للانتخابات النيابية، بخطورة اتهامات المبدئيين لشقيقه، الذي يرأس حزب جبهة المشاركة الإسلامية (أحد أكبر أحزاب الإصلاحيين) وصهر عائلة مؤسس الثورة الراحل الإمام الخميني (متزوج حفيدته زهراء إشراقي)، وخصوصاً أن آخر الانتقادات وردت على لسان المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، أمس حين غمز من قناة محمد رضا بقوله «من المؤشرات التي تدلُّ على أن شخصاً غير مؤهّل لدخول البرلمان هي عندما لا يرسم حدوداً واضحة مع العدو ودمى العدو». حملة عنيفة شارك فيها أيضاً نائب رئيس مجلس الشورى، محمد رضا باهونار، الذي قال «إن الذين يجرون اتصالات مع العدو، والذين يلتقون سفراء أجانب لا يمكن أن يكونوا من أصحاب القرار في النظام».ولم يتوقف الهجوم على التيار الإصلاحي عند هذا الحد، بل كان هناك هجوم آخر قام به وزير الاستخبارات، غلام حسين محسني ايجائي، ضد المقابلة التي أجراها النائب الإصلاحي نور الدين بير مؤذن، مع تلفزيون صوت أميركا، إذ وصف هذه الخطوة بـ«الخيانة».أماّ بالنسبة إلى قضية الحضور اللافت لخاتمي، فقد يتجسّد ذلك، من خلال الهامش الضيّق الذي يُمكن أن يحصل عليه صاحب فكرة «حوار الحضارات»، من مقاعد قد تُكوّن صورة المعارضة المُقبلة للرئيس نجاد وسياسته الاقتصادية، ولا سيما أن من بين المرشّحين الإصلاحيين وزراء كانوا في حكومته، على غرار وزير الزراعة، عيسى كلانتري ووزير الصناعة والمناجم اسحاق جهانغيري.يمكن القول إن جمعية «روحانيون مبارز» (منظمة رجال الدين المناضلين) التي ينتمي إليها خاتمي، إضافة إلى جبهة المشاركة الإسلامية التي يتزعّمها شقيقه وائتلاف «2 خرداد»، هي التي تُؤلّف محور أحزاب المعارضة الإصلاحية.غير أن حظوظ «منظمة مجاهدي الثورة» و«جمعية عمال البناء» الأكثر ليبرالية داخل التيار الإصلاحي، قد تراجعت كثيراً، إذ كان نصيبهم من استبعاد المرشحين حصة الأسد. ولا سيما أن هذا التيار كان قد اقترح في السابق تعديل تقليص صلاحيات الولّي الفقيه.أماّ بالنسبة إلى خاتمي (63 عاماً) كشخصية كاريزماتية، تستقطب الشباب التواقين للحريات، فإنه يجمع إلى مؤهلاته السياسية، مركزه الديني، إذ بلغ مرحلة الاجتهاد في الدراسات الحوزوية الدينية، فضلاً عن حصوله على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة أصفهان.وفي سياق مسيرته السياسية، انتخب خاتمي نائباً في أول مجلس شورى بعد الثورة، ثم تولّى منصب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي لمدة 11 عاما (1981-1992)، والذي استقال منه، رافضاً الخضوع لضغوط وشروط المحافظين. كما تولَّى مسؤوليات عديدة أثناء الحرب مع العراق، بما فيها نائب ورئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة، ورئيس قيادة الحرب الدعائية. إلى أن عُين مستشاراً لرئيس الجمهورية (1992).وفي أيار من عام 1997، أصبح خاتمي الرئيس الخامس للجمهورية، محققاً نسبة 70 في المئة من الأصوات، ممثلاً بذلك أكثر من عشرين مليون ناخب، ثم انتُخب لولاية ثانية عام 2001 انتهت عام 2005.وفي عهد الشاه، كانت لخاتمي نشاطات سياسية معارضة، إذ شارك في نشر البيانات الصادرة عن مؤسس الجمهورية الإيرانية. وترأس مركز هامبورغ الإسلامي في ألمانيا في الفترة التي سبقت انتصار الثورة عام 1979.لعلّ أبرز ما يرتبط به المفكر الرئيس هو الإصلاح السياسي والانفتاح وحرية الصحافة والتحرُّر الاجتماعي وزيادة حجم مشاركة المرأة وارتفاع عدد الطلاب في المدارس والجامعات. مناخات شهدتها إيران نسبياً في عهده. أماّ على صعيد السياسة الخارجية، فقد ارتبط اسمه بتحسين صورة إيران في العالم، نسبياً أيضاً، ولا سيما أنه أعاد بعض الحرارة الى خط العلاقات مع الدول العربية والخليجية منها.لقد استطاع خاتمي خلال فترتي حكمه، تكوين رصيد من الإنجازات التي تُحفظ في سجلّه، لكن قطف ثمار هذه الإنجازات لن يكون قبل عام 2009، إذا ظلَّ نجاد على خطاه المتثاقلة في معالجة التدهور الاقتصادي.
الأخبار:١٣ آذار ٢٠٠٨

12‏/3‏/2008

ثمن «الامتناع» الإندونيسي

معمر عطوي
لم يكن وقوف إندونيسيا إلى جانب إيران في التصويت على قرار العقوبات الدولية الأخيرة في مجلس الأمن نهاية الشهر الماضي، مجّاناً، بل موقفاً مدفوع الثمن. ثمنٌ سرعان ما تبلوت طبيعته خلال الزيارة الحالية للرئيس الإندونيسي، سوسيلو بامبانغ يودويونو، إلى الجمهورية الإسلامية، مصطحباً معه إيصالات فواتير التعاون المقبل.وكان من الطبيعي أن يحمل التصريح الأول للرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، شكراً جزيلاً لنظيره الإندونيسي، لقاء امتناع بلاده عن التصويت على القرار الدولي الذي حمل الرقم 1803، وإشادة بالموقف اليتيم «العادل والقانوني» المُتفرّد من بين دول مجلس الأمن الـ15.لكن مصاديق هذا الشكر لم تتوقَّف عند الترحيب بالضيف، الذي تُعدّ بلدُه أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، بل ما تمخّض عن اجتماعات مسؤولي البلدين من اتفاقاتجرى توقيعها تتناول قطاعات الزراعة والتعليم وغرف التجارة وبناء المصافي النفطية. فضلاً عن «استعداد» إيران لتقديم تجاربها «القيّمة» إلى جاكرتا، وخاصة في مجال «التكنولوجيا السلمية النووية».لعلّ الثمن المُعجَّل للموقف الإندونيسي، هو توقيع اتفاق لإقامة مصفاة للنفط تبلغ طاقتها 300 ألف برميل يومياً، في إندونيسيا بالتعاون مع شريك ماليزي.ومن دون أدنى شك، بدت هذه الإغراءات الإيرانية، سبباً لوقوف إندونيسيا إلى جانب طهران، رغم تصويتها إلى جانب قرار العقوبات الأسبق الرقم 1737. إغراءات أثبتت نجاحها من خلال ما أعلنه الرئيس الأندونيسي في طهران أمس عن دعم للنظام الإسلامي، حين دعا بعد لقائه نجاد إلى ضرورة عدم تسييس نشاطات إيران النووية «السلمية»، معتبراً أن سبب اتخاذ بلاده هذا الموقف هو تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.المُثير في المسألة أن إيران، رغم هاجس العزلة الذي تعيشه، لا تزال رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية والدولية، بحيث تحسب لها الدول الكبرى أكثر من حساب لأهميتها الاقتصادية بالدرجة الأولى.يتجلّى هذا الالتفاف حولها كشريك اقتصادي، في استمرار التعاون بينها وبين كل من موسكو وبكين وبعض العواصم الأوروبية، رغم تصويت هذه الدول على قرار العقوبات الموسّعة. أكدت روسيا ذلك من خلال شركة صناعة الطائرات الموحدة، التي أشارت إلى استمرار سريان عقد تجهيز إيران بـ100 طائرة ركاب من طراز «تو ـ 204» و«تو ـ 214» قد يوقَّع في عام 2009 بقيمة تبلغ 2 ـ 5ر2 مليار دولار.أماَّ الصين، فقد شدَّدت غداة صدور القرار الدولي، على أن العقوبات الجديدة التي فرضها مجلس الأمن على طهران لن تؤثِّر على تجارتها مع إيران.من المؤكد أن التقاء البلدين حول «إسلامية الهموم» في فلسطين ولبنان والعراق، ليس السبب الذي دفع جاكرتا للوقوف إلى جانب طهران، فأمام رائحة النفط والمال قد تتغَّير معادلات كثيرة في هذا العالم.
الأخبار:١٢ آذار ٢٠٠٨

8‏/3‏/2008

رفسنجاني... هذا الرقم الصعب في المعادلة الإيرانيّة

معمر عطوي
أصبح من المألوف في المشهد السياسي الإيراني، حضور رئيس مجلس الخبراء، أكبر هاشمي رفسنجاني، بوصفه شخصية سياسية ودينية لها ثقلها على مسرح التوازنات، في ظل المعركة الحامية بين الإصلاحيين والمبدئيين (المحافظين) على المقاعد البرلمانية في الانتخابات المقبلة في 14 آذار الجاري.فالرئيس الإيراني الأسبق، الذي ينحدر من عائلة ثرية، لا يلبث أن يغيب عن المسرح السياسي، حتى يعود بقوة أكبر، ولا سيما في هذه الفترة التي تتحضّر فيها إيران للانتخابات. لقد استطاع هذا الرجل، رغم كل ما أُشيع عن تورّط عائلته بقضايا فساد ورشى، أن يحافظ على موقعه السياسي، مُحتفظاً برئاسة مجلس خبراء القيادة إلى جانب رئاسة مُجمَّع تشخيص مصلحة النظام، وبرصيد شعبي كبير اكتسبه طوال فترة خدمة الثورة الإسلامية منذ خمسينيات القرن الماضي.
رفسنجاني، الذي تعرَّض للملاحقة والسجن مرات عديدة على أيدي رجال استخبارات النظام الشاهنشاهي «السافاك» قبل نجاح الثورة، كان مولعاً بقضية فلسطين، التي كتب عنها قصائد من سجنه. لقد أسَّس أبن مدينة رفسنجان (محافظة كرمان الغربية)، رصيداً كبيراً من الإنجازات التي حوّلته إلى رقم صعب في المعادلة الإيرانية. لعلّ هذه الإنجازات بدأت مُذ كان طالباً في الحوزة الدينية، حيث درس على يد مؤسس الدولة الإسلامية، الإمام الخميني. وتواصلت مع نجاح الثورة في تسلُّم مقاليد السلطة في إيران، حين عُين رفسنجاني في مجلس الثورة. ثم انتُخِب رئيساً لمجلس الشورى عام 1980.ولم تتوقف مسؤولياته عند هذا الحد، بل تعدت ذلك إلى مشاركته في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي، وتولّيه مهمة رئاسة القوات المُسلّحة بالإنابة، في الفترة من (1988ـ1989).وبعد وفاة الخميني في عام 1989، كانت خبرة رفسنجاني السياسية في الداخل والخارج وانتهاجه مبدأ الوسطية سبباً لفوزه بانتخابات الرئاسة بنسبة 95 في المئة من الأصوات (وبقي لولايتين حتى عام 1997). هذه الوسطية تجلّت خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991، حين اتخذت طهران موقفاً محايداً، إذ أدان رفسنجاني كلاً من الولايات المتحدة والعراق، وأبقى بلاده بعيدة عن التدخُّل المباشر في الصراع الدائر في المنطقة.وعلى المستوى الداخلي، عمل الشيخ الرئيس على تخليص إيران من مشاكلها الاقتصادية بالانفتاح على العالم والاعتماد على مبادئ السوق الحرة، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية. وشهدت إيران في ظله، سياسة انفتاحية على الغرب، وتعاوناً مع الصين في تطوير برنامج التسلُّح النووي.لكن عودته الأقوى إلى المسرح السياسي، بعد فشله في الانتخابات الرئاسية في عام 2005، كانت حين انتُخِب في أيلول الماضي على رأس مجلس الخبراء (الهيئة المُكلّفة تعيين المرشد الأعلى للجمهورية وعزله ومراقبته)، فيما كان، ولا يزال، يتولىَّ رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام منذ عام 2002 (هيئة التحكيم السياسي العليا في إيران).ورغم وقوفه مع الإصلاحيين بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي، في قضية رفض الترشيحات للانتخابات المقبلة، لم يُعلن رفسنجاني دعمه الصريح للإصلاحيين أو نيّته التحالف معهم في وجه المبدئيين، بل بقي في الوسط كما كان دائماً. مع العلم بأنه أدى دوراً أساسياً في انتخاب خاتمي رئيساً في عام 1997 في وجه مرشَّح المحافظين أكبر ناطق نوري.لعل هذا الموقف الوسطي، يعود إلى هاجس الوحدة الداخلية الذي يعيشه دائماًَ: هو ينتقد سياسة حكومة محمود أحمدي نجاد في بعض جوانبها، لكنه يحافظ على علاقته بالمرشد الأعلى للثورة علي خامنئي. علاقة تعود إلى أيام دراستهما معاً في الحوزة.أماَّ اللغز الذي يحيط بشخصية هذا الرجل البراغماتي، فهو قدرته على التوليف بين المتناقضات: أثناء الحرب مع العراق، أجرى رفسنجاني اتصالات غير مباشرة مع الأميركيين من أجل الحصول على أسلحة، لقاء الإفراج عن رهائن غربيين في لبنان، ما أدّى إلى فضيحة «إيران غيت». وفي الوقت نفسه، هو من أشد المعادين للسياسة الأميركية في المنطقة، ولا سيما دعمها السافر لإسرائيل. ويُحذِّر دائماً من مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الأميركي «الذي يتّسم بالشر». لكنه يبارك قضاء هذا الشر على نظامي صدام حسين في العراق وطالبان في أفغانستان، فضلاً عن دوره الهام جداً في إقناع الخميني بقبول قرار مجلس الأمن الدولي الذي أنهى ثمانية أعوام من الحرب بين إيران والعراق.ورغم ما يُثار حول عائلة رفسنجاني من اتهامات بجمع ثروات طائلة ورشى من شركات نفطية أوروبية، يشتهر الرجل بقدرته على اتبّاع سياسة أسهمت في إعمار البلاد وتنشيط عجلة الاقتصاد.ربما أصبح «صانع الملوك» من خلال هذه التناقضات في شخصيته، «سياسياً براغماتياً مُحنَّكاً»، لا بد أن يبقى ـ على الأقل في المدى المنظور ـ أحد أعمدة النظام الإسلامي، ولا سيما بعد ظهور نتائج الانتخابات المقبلة.
عدد السبت ٨ آذار ٢٠٠٨

5‏/3‏/2008

القرار المخرَج

معمر عطوي
يُمكن وصف القرار الدولي الجديد الذي صدر أول من أمس عن مجلس الأمن في شأن إيران، بـ«القرار المَخرَج» الذي يُخفِّف من درجة الحرج لدى أصدقاء طهران الذين صوتوا معه، وفي الوقت نفسه، يحفظ ماء وجه القوى الغربية ــ بالحد الأدنى ـ لجهة صدقية هذه الدول في تعاطيها مع «التهديد» النووي الإيراني.من خلال نظرة مقارنة بين القرار 1747 الصادر في آذار 2007 والقرار الجديد الرقم 1803 الصادر أول من أمس، لا يمكن رصد الكثير من الإضافات باستثناء توسيع مروحة الأسماء والشركات التي تخضع للحظر. لكن معظم الفقرات التي وردت في النص الأول بدت كأنها قد نُسِخَت وأُلصقَت في نص القرار الثاني.ويبدو أن الموقف الأميركي الأكثر تشدداً في هذا المجال، بقي رغم تعنّته، ملجوماً ـ رغماً عنه ـ بتقرير وكالات الاستخبارات الأميركية حول توقيف طهران لبرنامجها النووي التسلّحي.أما الصين وروسيا فقد سارعتا إلى ترطيب الأجواء مع حليفتهما الإسلامية: الصين أعلنت أن الهدف من القرار الدولي الجديد ليس معاقبة إيران، بل الدفع لاستئناف المفاوضات في الملف النووي.وذهبت بكين أبعد من ذلك، حين أوضح المتحدث باسم وزارة خارجيتها، كين يانغ، أن العقوبات الجديدة لن تؤثّر على تجارة الصين مع إيران، وأن العلاقة التجارية «طبيعية». مع العلم أن القرار يدعو إلى فرض مزيد من القيود المالية والقيود على السفر ضد أفراد وشركات إيرانية.إلا أن روسيا بدت أكثر صلابة مع طهران من صديقتها الآسيوية، من خلال تبرير رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفدرالية، ميخائيل مارغيلوف، القرار بأنه يرجع إلى «عدم تعاون» طهران بدرجة «كافية» مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.هذا التبرير لم يمنع الحليف الروسي من التذكير بتعاون موسكو مع طهران، لكن على لسان مندوب روسيا لدى مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، الذي أشار إلى أن توريد روسيا الوقود لمحطة «بوشهر» النووية الإيرانية يُشجّع أيضاً إيران على تليين موقفها.لعلَّ هذا التذكير المقرون بالإشارة إلى إيجابيات تعاون طهران مع وكالة الطاقة، وفي الوقت نفسه التشديد على أن القرار الدولي الأخير يستبعد بوضوح شن العمليات العسكرية على الجمهورية الإسلامية، يَصبّ في مصلحة ترطيب الأجواء مع طهران بعد الوقوف ضدها في مجلس الأمن.ترطيب الأجواء هذا عبّرت عنه شركة صناعة الطائرات الروسية، التي سارعت غداة صدور القرار في نيويورك إلى إعلان توقيع عقد تجهيز إيران بـ 100 طائرة ركاب من طراز «تو ـ 204» و «تو ــ 214» في العام المقبل.في أي حال، قد لا يكون هذا القرار فعالاً لجهة ثني إيران عن السير في برنامجها لتخصيب اليورانيوم، لكن الهدف الأساسي الذي أرادته واشنطن من إبقاء الملف النووي الإيراني في مجلس الأمن بدلاً من إعادته إلى وكالة الطاقة، قد بات متحققاً.
الاخبار ٥ آذار ٢٠٠٨

غسّان عزّ الدين يدوّن مرحلة ما بعد إعدام سعادة

تكثيـف للوثائـق على حساب منهجيّة البحث
العنوان الأصلي حوار مع الذاكرة
الكاتب: غسان عز الدين
الناشر توزيع دار الفرات
معمر عطوي
لا يمكن «محاكمة» كتاب «حوار مع الذاكرة» في جزئه الثاني، من دون قراءة الجزء الأوّل، ذلك أنّ الكاتب غسان عز الدين، أراد توثيق مرحلتين مهمّتين بعد الاستقلال اللبناني. المرحلة الأولى هي التي تلي إعدام زعيم القوميّين الاجتماعيين السوريّين أنطون سعادة، والثانية هي المرحلة التي أعقبت المحاولة الانقلابية الفاشلة للحزب القومي ليل 30 ـ 31 كانون الأول 1961، ولغاية صدور العفو العام عن المحكومين بتاريخ 13 شباط 1969.وبغضّ النظر عن محتوى الجزء الأول، وعمّا إذا كان الجزء الثاني الصادر عن المؤلّف نفسه، الذي تولّت مهمات توزيعه دار الفرات في بيروت، قد أتى في سياق يتمّم ما قبله، فإنّ ما وقع فيه الكاتب لجهة تقنية الكتابة ومنهجية البحث، لا يعفيه من «مشرحة» النقد.ما يدفع إلى النقد في هذا الإطار، يبدأ من العنوان «حوار مع الذاكرة ـ لبنان منذ عهد الاستقلال ماذا تغيّر؟». عنوان لا ينطبق بتاتاً على مضمون الكتاب. سبب عدم الانطباق هذا يعود الى عدة أخطاء وقع فيها الكاتب الذي أراد تدوين دوره في الثورة القومية الاجتماعية الثانية، فوقع في اجترار عرض البيانات والخطابات والمقالات التي أخذت الحيز الأكبر من الكتاب، على حساب منهجية البحث المفترض أن يكون «حواراً مع الذاكرة» لا تجميعاً لوثائقومستندات.أمّا الجزء الآخر من العنوان «... ما الذي تغيّر»، فلا أظنّ أنّ الكاتب قد دخل في دراسة مقارنة بين الأمس واليوم، لملامسة جوهر العنوان. إنّما عرض تفاصيل مرحلة من مراحل العمل السياسي خلال النصف الثاني من القرن الماضي، تاركاً للقارئ إعمال مخيّلته في استنتاج ما الذي تغيّر بين الأمسواليوم.طبعاً، لا يمكن التقليل من أهمية ما احتواه الكتاب من وثائق وبيانات ومقالات صحافية تدعم رواية القارئ عن تلك الأحداث المهمّة في تاريخ لبنان. لكن كان من الأجدى لو قام عز الدين بوضع هذه الوثائق في فصل خاص في نهاية عمله بدلاً من تضييع سياق الرواية الأساسية التي بدأ بسردها، والتي تناولت تلك المرحلة التاريخية المشحونة بالأحداث السياسية من منظور قومي اجتماعي بحت.ربما كان سبب الخروج عن السياق الروائي هو رؤية الكاتب نفسه للتعامل مع الذاكرة، التي عبّر عنها بقوله في المقدمة «عندما يعتمد الواحد منّا على الذاكرة لرواية أحداث مرّت عليها سنوات طويلة، فليس بالمستغرب أن تجد بعض الاختلاف في رواية الحدث ذاته بين شخص وآخر، سواء في ذكر الأسماء والتواريخ، أو في حال اختصار الرواية والابتعاد عن الخوض في التفاصيل الدقيقة. الأمر الذي قد يؤدّي إلى غياب أو تغييب بعض الأسماء، وإبقاء رواية بعض الأحداث فيها في حال من الغموض».ويعترف الكاتب هنا بصعوبة سرد الأحداث بدقّة «أنا أدرك جيداً أنه ليس بالأمر السهل على الواحد منا، أن يكون دقيقاً مئة في المئة عندما يتعلّق الأمر برواية بعض الأحداث التي مرّ عليها أكثر من 50 عاماً، حيث يختلط بعض الأحداث ببعضها الآخر».يحتوي الكتاب على ثلاثة أبواب: الأوّل يتضمّن المرحلة التي تلت استشهاد «الزعيم»، وتناولت التحالفات والخصومات التي كانت بين الحزب القومي والشخصيات والتيارات السياسية في لبنان، متناولاً العلاقة مع كميل شمعون ورياض الصلحوغيرهما.في الباب الثاني وتحت عنوان أراد من خلاله الإضاءة على العلاقة الملتبسة بين لبنان وسوريا، التي تتشابه مع ما نعيشه اليوم. وربما كان العنوان «لبنان منذ عهد الاستقلال ماذا تغيّر»، قد عنى به الكاتب إجراء مقارنة تصبّ في هذا الإطار.
الأخبار ٥ آذار ٢٠٠٨

4‏/3‏/2008

روسيـا وإيــران و«علاقــة الضرورة»

معمر عطوي
رغم حركات المدّ والجزر التي تمّر فيها العلاقات الروسية ـ الإيرانية بين وقت وآخر، لا تزال طهران تراهن على دعم موسكو في التخفيف من حجم الانعكاسات السلبية للضغوط الدولية عليها، ولا سيما بعد اللكمة العنيفة التي تلقّاها الدب الروسي بعد نجاح الولايات المتحدة في منح إقليم كوسوفو استقلاله.ربما كانت ضربة كوسوفو هي التي قصمت ظهر العلاقات الروسية ـ الأميركية. لكن هذا لا يمنع من وجود ملفات خلافية شائكة بين موسكو وواشنطن. ملفات تبدأ من تضارب المصالح الجيو ـ استراتيجة، بعد تمدُّد نفوذ الولايات المتحدة إلى شرق آسيا والشرق الآوسط ودول في آسيا الوسطى، وصولاً إلى تصميم الإدارة الأميركية على إنشاء نظام الدرع الصاروخية في أوروبا.في ظل هذا المناخ، تبدو وريثة الاتحاد السوفياتي، كأنها تبحث عن أمجاد ضائعة، بين ركام التناقضات الإقليمية، لتجد في إيران إحدى الأوراق الرابحة في لعبة شد الحبال بينها وبين الغرب. بيد أن «مصائبها» في كوسوفو تحولت إلى «فوائد» لإيران، التي تسعى لفك عزلتها.ولطالما أتقنت موسكو المناورة مع جارتها الإسلامية، وخصوصاً على صعيد التعاون النووي الجاري في محطة بوشهر. إذ ماطلت الأولى كثيراً في الإيفاء بالتزامها الموعد المحدد لبناء المحطة. مماطلة بدت بمثابة فواتير على الحساب للجانب الأميركي لتسوية ملفات خلافية.ثمة قطبة مخفية في العلاقة الإيرانية ـــــ الروسية، تأكد وجودها أكثر حين أعلنت موسكو أخيراً نيتها دعم قرار دولي في مجلس الأمن ينص على فرض عقوبات جديدة على النظام الإسلامي. لكن رغم ذلك، لا يمكن استبعاد دورها عن أي وضع جديد قد يُفرض على إيران، رغم حركة المد والجزر هذه؛ فالمصلحة التي تربط بين الشريكين هي أقوى من المناورات التي قد يلجأ اليها أحد الطرفين من أجل تحسين شروطه عند الآخر، ولا سيما أن التهديد الذي تواجهه طهران بالعزلة، يجعل موسكو في وضع مريح يُمكنّها من فرض شروط أفضل على إيران.ربما كان ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وتأثيره على الدول الخمس الواقعة على بحر قزوين، أحد أهم الأسباب التي عزّزت وضع إيران في المنطقة. لكن انسحاب العديد من الشركات الغربية التي تستثمر في قطاع الطاقة في الجمهورية الإسلامية، بفعل الضغوط الغربية والحظر الناتج من قراراين دوليين (1737 و1747)، قد فتح شهية الشركات الروسية لالتهام ما بقي من الطريدة الفارسية، فارضاً شروطه التي لا يمكن أن تقبل بها طهران إذا ما كان وضعها الدولي في حال أفضل.وبات من المؤكد أن إعلان موسكو موافقتها على التصويت إلى جانب قرار العقوبات الجديد، لم يتناقض مع توسيع أنشطتها الاقتصادية وتعاونها العسكري والنووي مع إيران. إذ إن القرار الجديد لن يحمل عقوبات مشددة وفق الطلب الأميركي، بل سيقتصر على توسيع قائمة الحظر على شركات وشخصيات يُقال إنها على علاقة بالبرنامج النووي. هذا في ظل أرجحّية صدور قرار غير مُلزم عن مجلس الأمن.أما عن توسيع الأنشطة الاقتصادية، فثمة مبادرات إيجابية ظهرت بعد مسألة كوسوفو، من شأنها تعزيز هذا التعاون. مبادرات تتمثل في زيادة انخراط شركة «غازبروم» الروسية العملاقة للطاقة في عمليات التطوير الكبيرة لحقلي الغاز الإيرانيين، فارس الجنوبي وكيش الشمالي. الأول هو أكبر خزان للغاز الطبيعي في العالم، ويضم أكثر من 450 تريليون قدم مكعب من هذه المادة. أماّ الاحتياطي الموجود في حقل جزيرة كيش، فتُقدّر كمية الغاز الطبيعي فيه بحوالى 10 مليارات متر مكعب.لعل وجه الاستفادة الروسي مهم جداً في هذا الإطار، فما يمكن أن توفّره «غاز بروم» من موارد لمشاريعها في إيران إلى جانب وفرة السيولة النقدية لديها، هو تشغيل ما لا يقل عن نصف مليون عامل. أما إيران فتستفيد بأن تحدّ من آثار العزلة عليها، والبحث عن بدائل أخرى للتعويض عمّا خسرته نتيجة الحصار الدولي، بتطوير وسائل استغلال مصادرها الطبيعية الضخمة.أماّ الأفق المستقبلي للاستفادة الروسية، فقد يتعزز أكثر في حال قيام طهران كما صرحت، بخصخصة شركاتها النفطية. إذ إن خطة كهذه، وفي ظل استثناء الشركات الأميركية، ستُعزّز الفرص أمام شركات روسية وآسيوية لشراء شركات إيرانية.
الأخبار ٤ آذار ٢٠٠٨