29‏/2‏/2008

هل يستطيع اليسار إثبات حضوره على الساحة الألمانيّة؟

معمر عطوي *
فتحت الانتخابات المحليّة التي شهدتها ألمانيا في ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورغ، الباب أمام مشهد سياسي جديد، يُعاد تشكيله على ضوء الخريطة الجديدة للتحالفات الحزبية بما يتعارض مع احتكار الحزبين الرئيسيّين (الديموقراطي الاشتراكي والمسيحي الديموقراطي) للحكم. ورفد السلطة بتيّارات أخرى، بعضها غاب عن المسرح لفترة بسبب تحالف المحافظين والاشتراكيّين، وأخرى لم تكن لتحظى بنسبة الـ5 في المئة التي تخوّلها دخول البرلمان.وباتت هذه الانتخابات التي حملت قوى اليسار إلى برلمانات بعض الولايات، تُمثّل مؤشّراً واضحاً على تحوّلات كبيرة في الذهنية الانتخابية للشعب الألماني، وخصوصاً بعد فشل حكومة الائتلاف التي تقودها المستشارة أنغيلا ميركل في تحقيق وعودها الاقتصادية والإنماء المتوازن بين شطري ألمانيا الشرقي والغربي. فشل أدّى الى تعزيز فرص حزب اليسار الألماني، وفي المقابل صعود موجة اليمينيّة وتقدّم الحزب الألماني القومي المتطرّف.ربّما قصمت نتائج انتخابات ولاية هيسن في الرابع من شباط الماضي، ظهر بعير المحافظين (الاتحاد المسيحي) بعدما فقد رئيس حكومتها رولاند كوخ الغالبية التي تسمح بعودته إلى تشكيل حكومة جديدة. وخصوصاً أنّ الولاية الواقعة في وسط البلاد وتحتضن (العاصمة الاقتصادية) فرانكفورت، تعدّ بيضة القبَّان بالنسبة إلى الحزب المسيحي الذي يراهن على بقاء سيطرته في ولايات (مثل هيسن) كانت في الشطر الغربي من ألمانيا قبل الوحدة عام 1990.لعلّ المقترحات الانتخابية العنصرية التي سار بها كوخ، بشأن تشديد محاكمة الشبان الأجانب الذين يرتكبون جرائم أو جنحاً، هي التي عدّلت مزاج الناخب، ما أدّى الى تراجع حظوظ المحافظين وارتفاع رصيد الحزب الديموقراطي الحرّ (الليبراليون) وحزب الخضر. فيما كانت مفاجأة اليسار في بعض الولايات تجاوزه النسبة المقرّرة لدخول البرلمان(5 في المئة).لعلّ المفصل الأساسي في انتخابات هيسن، هو الدور الذي لعبته الحملة الانتخابية لرئيس حكومتها المحافظ في توتير الأجواء بين المحافظين والاشتراكيين الذين يتقاسمون السلطة في حكومة ذات تركيبة غير مسبوقة. تجلّى هذا التوتير من خلال تصريح وزير الخارجية، نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي، فرانك فالتر شتاينماير، الذي انتقد فيه كوخ، متّهماً إيّاه بأنه يسيء إلى سمعة ألمانيا بحملته ضدّ مرتكبي الجرائم من الشباب الأجانب. الأمر الذي دفع العضو المحافظ في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، كارل تيودر فرايهر، للردّ عليه بقوله في حديث مع صحيفة «باساور نويه بريسه»: «يبدو أن شتاينماير فقد التوازن أثناء مشيه على الحبل المرتفع بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية».على الضفة الأخرى، برز الحزب اليساري الألماني الجديد ليؤكّد ما جاء على لسان رئيسه لوثار بيسكي، في آخر اجتماع لحزب الاشتراكية الديموقراطية (الشيوعي سابقاً) العام الماضي، الذي قال فيه «لقد جئنا وسنبقى»، مشدّداً على مساعي حزبه للفوز بمقاعد في برلمانات ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورغ وبافاريا.لقد استطاع اليسار الألماني في السنتين الأخيرتين أن يوحّد صفوفه في إطار «الحزب اليساري»، محاولاً إعادة أمجاد سلفه حزب الاشتراكية الديموقراطية، الذي كان حاكماً أيام جمهورية ألمانيا الشرقية. تيّار جديد نشأ من تحالف بين حزب اليسار الجديد بزعامة غريغور غيزي والمنشّق عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي أوسكار لافونتين وبين «القائمة الانتخابية البديلة للعمل والعدالة الاجتماعية» في حزيران عام 2007، في إطار توحيد صفوف اليسار الألماني في وجه الثنائية الحاكمة. مع العلم أن غالبية ناخبي حزب اليسار هم من أوساط الجناح المنشق عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي.أمام هذا الواقع، توسّعت مروحة التحالفات على مستوى تشكيل حكومات محلية لتشمل أحزاباً أخرى، بدل اقتصارها ــــــ كما جرى في السنوات الماضية في معظم الولايات ـــــــ على الحزبين الرئيسين (الاشتراكيون والمحافظون) أو على حزب واحد كما هي الحال في هامبورغ (الحزب المسيحي). وبذلك أصبح بإمكان حزب الأحرار العودة إلى تحالفه التقليدي مع الاتحاد المسيحي الديموقراطي، فيما يواصل حزب الخضر التنسيق مع حليفه التقليدي الحزب الاشتراكي الديموقراطي، بينما بقي حزبان خارج دائرة التنسيق وهما اليسار الجديد والقومي اليميني.المفارقة في الخريطة الجديدة للتحالفات هي رفض الحزب الاشتراكي الديموقراطي التقرّب من الحزب اليساري رغم الكثير من النقاط التي تجمعهما، وخصوصاً أنّ الحزب الاشتراكي الذي يتزعّمه كورت بيك، كان قبل تحالفه مع الاتحاد المسيحي في الحكومة الحالية التي ترأسها المستشارة انغيلا ميركل، أقرب في طروحاته الاجتماعية إلى طروحات اليسار. بدا ذلك في خطاب لوثار بيسكي، الذي حمل انتقادات عنيفة لحلفائه السابقين في الحزب الاشتراكي، حين اتهمهم بالابتعاد عن برنامجهم الانتخابي منذ دخولهم الائتلاف مع الاتحاد المسيحي. ووصف بيسكي الحكومة الاتحادية بتبني سياسة «هدّامة وليست إصلاحية» فيما يتعلق بالتغيرات التي يجريها الاشتراكيون والمحافظون على نظام الضمان الاجتماعي.وذهبت رئيسة الحزب الاشتراكي في ولاية هيسن، أندريا يبسلانتي، أبعد من ذلك في رفض العلاقة مع اليسار حين وصفت عقب فوزها في انتخابات الولاية حزب اليسار بأنه «قوة رجعية»، حسبما نقلت عنها صحيفة «بيلد أوم زونتاغ».مع العلم أنّ رئيس الاشتراكيّين كورت بيك، كان قد دعا اليساريين قبل الانتخابات لدعم بسيلانتي وتمكينها من تولّي رئاسة الحكومة في ولاية. في مخالفة واضحة لمواقفه السابقة التي كرّر فيها رفضه لكلّ أشكال التعاون مع حزب اليسار. موقف يؤكّد أهمية بروز اليسار والثقل الذي بات يُحسَب له الحساب في الخريطة السياسية للبلاد.بيت القصيد هنا، أنّ صعود الحزب اليساري المفاجئ خلال السنتين الأخيرتين، أعاد خلط الأوراق على ساحة التجاذبات الحزبية في ألمانيا الاتحادية. هذا الصعود كان محلّ مراهنة العديد من النخب ولا سيما بعض أنصار وأعضاء الحزب الاشتراكي (ما يسمَّى الجناح اليساري في هذا الحزب) وشيوعيّين سابقين مستقلّين أو منضمّين إلى أحزاب بيئية ومنظّمات شبابية واجتماعية على غرار حزب الخضر.مراهنة بدت واضحة من خلال ظهور خلاف حادّ وسط الاشتراكيين، وخصوصاً بعد انتخابات هامبورغ التي تراجعت فيها مقاعد المحافظين الى مستوى لم يعودوا قادرين فيها على تشكيل حكومة منفردين. هذا الخلاف بين الجناحين اليميني واليساري نشأ على خلفية التعاون مع حزب اليسار. إذ حذّر ممثلو التيار اليساري في صفوف الحزب الاشتراكي من نتائج استبعاد الحزب اليساري وما يمكن أن ينتج من إقصائه من عوائق على صعيد إقامة تحالفات في وجه الحزب المحافظ.ولم يقتصر الجدل على الاشتراكيّين، بل امتدّ إلى المحافظين، حين هدّدت الأمينة العامة للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، كريستينه هادرتاور بإنهاء التحالف مع الاشتراكيين في حال تعاونهم مع اليسار في ولاية هيسن.وكانت المستشارة ميركل أوّل المتوجّسين من فوز اليسار عندما قالت إن حزبها سيتحدّث إلى كل الأحزاب الديموقراطية باستثناء اليساريّين.هذه الهواجس تؤكّد صورة الخريطة الجديدة التي حملت أحزاباً كان لها حضورها على مسرح السلطة، لكنها حملت أيضاً حزباً جديداً كان مغيّباً دائماً في الشطر الغربي قبل الوحدة، وتقلّص نفوذه أكثر على المستوى الاتحادي بعد الوحدة.وبانتظار انتخابات ولاية بافاريا الجنوبية التي تعدّ الولاية الأغنى في ألمانيا، يعيش اليسار حالاً من التوثّب، والشعور بالفخر، نظراً لما حقّقه وما يمكن أن يحقّقه. رغم صعوبة تقدّمه في بافاريا، التي يسيطر عليها منذ زمن طويل الاتحاد المسيحي الاجتماعي (شقيق الاتحاد المسيحي الديموقراطي). لكن ــــــ على ما يبدو ــــــ إنّ المحافظين أيضاً في هذه الولاية يعيشون هاجس تراجعهم، بعدما شهدوه من تقدّم لموجة اليسار. لعلَّ أصدق تعبير على هذا القلق ما جاء على لسان رئيس حكومة ولاية بافاريا، غونتر بكشتاين، الذي حذَّر من اتجاه البلاد نحو التيار اليساري، بقوله في حديث لصحيفة «باساور نويه برسه» إنّ ملامح المستقبل تشير إلى ضرورة تعوّد نظام حكم يشمل ائتلافاً مكوّناً من خمسة أحزاب.* من أسرة الأخبار
الأخبار٢٩ شباط ٢٠٠٨

27‏/2‏/2008

قبرص والصبغة الحمراء

معمر عطوي
بدت نبرة «الوحدة» واضحة في خطاب الرئيس الشيوعي الجديد للجزيرة القبرصية ديمتريس خريستوفياس، بعد فوزه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية متقدماً على منافسه المحافظ وزير الخارجية السابق يوانيس كاسوليدس.لكن فوز خريستوفياس، أول رئيس شيوعي في دولة من دول الاتحاد الأوروبي، لا يعني أن البلاد ستدخل ابتداءً من تسلّمه مهامه وقسمه اليمين الدستورية، مرحلة تأميم الصناعات والشركات، وإعادة توزيع الثروة بعدالة. هذا الأمر ربما أصبح ثانوياً في طروحات معظم الأحزاب الشيوعية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.فالرئيس الجديد للمستعمرة البريطانية السابقة، ملتزم مع حلفائه السياسيين برنامج «تسوية»، هو نتيجة لتحالف بين أضداد، الأمر الذي يجعل صورة الحكم المُقبل في غير مصلحة تطلعات حزب «آكيل» الشيوعي القبرصي المعروف بتشدّده.لقد حظي رئيس البرلمان السابق بدعم الاشتراكيين الديموقراطيين «حزب ايديك» وحزب ديكو (وسط يمين) بقيادة الرئيس السابق الذي خرج من حلبة المنافسة من الدورة الأولى، تاسوس بابادوبولوس. دعم يقوم على تعاون بين هذه التيارات بما يشير بوضوح إلى تقديم كل منها تنازلات للآخر على حساب روزنامته الاقتصادية، وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية بالتحديد.لكن ثمة عائق أهم أمام الحزب الشيوعي، يتمثل بعضوية قبرص في البرلمان الأوروبي. عضوية من شأنها أن تمنع الرئيس الأحمر من تغيير وجه الجزيرة كما يريد. ربما لجأ إلى التغيير التدريجي على غرار رفيقه في فنزويلا هوغو تشافيز. لكن بحكم نفوذ اليمينيين المدعومين من الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، وبحكم انتماء الجزيرة للاتحاد الاوروبي، واستضافتها قواعد عسكرية غربية إضافة إلى قضية التقسيم، كل ذلك من شأنه دفع الرئيس للبحث عن توليفة تجمع بين اقتصاد السوق والتعددية السياسية وتعزيز القطاعات الإنتاجية والخدمات الاجتماعية والنقابات.لعلَّ إشكالية الشيوعي الأول الذي يترشّح للرئاسة في تاريخ حزبه، هي في أنه لا يمتلك الفرص المشجِّعة بسبب عدم ميل حزبه إلى اقتصاد السوق والعولمة أو اعتماد اليورو، بما لا ينسجم مع عضوية الجزيرة في الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن جنوحه نحو وريثة الاتحاد السوفياتي، روسيا، حيث تلقى دراسته الجامعية، قد يؤدي دوراً في ازدياد العوائق التي ستقف أمام تحقيق تصوراته المستقبلية للجزيرة.لقد اعترف خريستوفياس بهذه الصعوبات أمام صور تشي غيفارا التي رفعها المحتفون بنصر الشيوعية بقوله: «غداً يوم آخر وسنواجه العديد من الصعوبات».وقد يكون الهاجس الأول بالنسبة إلى أستاذ فلسفة التاريخ هو توحيد الجزيرة، إذ إن رابطاً عاطفياً يدفع الرجل في السير بهذا المشروع، نظراً لأنه مولود في كيرينيا (الشطر الشماليالتركي).مهما يكن، فإن الانتخابات حملت مفاجأة على المستوى الأوروبي. قد لا تظهر تداعيات هذه المفاجأة في المدى القريب، لكن المشهد السياسي القبرصي ـــــ بأي حال ـــــ قد تخضَّب باللون الأحمر.
عدد الاربعاء ٢٧ شباط ٢٠٠٨

25‏/2‏/2008

الجنرال البراغماتي

معمر عطوي
لطالما كان راوول كاسترو (76 عاماً) رجل الظل، الذي يحمي أخاه فيديل ونظامه الاشتراكي في كوبا، من دون أن تجذبه الأضواء. لكن «الرجل الثاني»، الذي يُقال عنه إنه الشيوعي الأول من بين الثوار الذين أطاحوا الدكتاتور فولخنسيو باتيستا عام 1959، قد تميَّز أخيراً بطروحاته الانفتاحية، إذ عرض «غصن الزيتون» على عدوة بلاده اللدود، واشنطن.لقد جمع الجنرال راوول منذ نصف قرن بين مهمات عديدة، كنائب أول لرئيس مجلس الدولة (السلطة التنفيذية) والأمين الثاني للحزب الشيوعي ووزير الدفاع. وقاد بيد من حديد مؤسسة الجيش، التي تُعدّ دعامة النظام الاشتراكي، فيما يقوم بمهمات الرئاسة منذ تعرُّض شقيقه فيديل لأزمة صحّية في تموز 2006.هو الشاب المُتحمّس الذي اعتنق الشيوعية مذ كان في الثانية والعشرين من عمره. وكان من بين ثوار قلائل تعرفُّوا على هذه المدرسة، حين شارك في الهجوم على ثكنة مونكادا في 26 تموز 1953.إثر هذا الهجوم الفاشل، سُجن راوول إلى جانب رفاقه الذين نجوا من القتل، لكنه استفاد وإياهم من عفو الدكتاتور باتيستا في عام 1955، ونُفي بعدها إلى المكسيك، حيث بدأ التحضير للثورة مع فيديل والطبيب الأرجنتيني آرنستو تشي غيفارا وآخرين.وكان راوول بعد عودة الثوار إلى كوبا في عام 1956 أحد القادة الأقوياء الذين أداروا حرب العصابات مع جيش باتيستا، من جبال سييرا مايسترا (جنوب) والتي انتهت بانتصار الثوريين في الأول من كانون الثاني 1959 وفرار باتيستا إلى الخارج.في تلك الجبال، تعرَّف راوول على زوجته فيلما إسبين «السيدة الأولى الحقيقية» في البلاد، والتي توفيت في حزيران من العام الماضي. وأنجب منها أربعة أولاد.بعد نجاح الثورة، تحوّل راوول الى اعتماد الخط السوفياتي المُتشدّد وتولى مهمة إقامة جيش وأجهزة الاستخبارات وفق رؤية شقيقه، وعزَّز وضع المؤسسة العسكرية في الحياة العامة، وأصبح للجيش نفوذه في قطاعات سياسية وإقتصادية.لقد استطاع راوول أن يُقنِع شقيقه الصلب بمقدرته على تولِّي دفّة السفينة المتلاطمة بين أمواج العقوبات والحصار الغربي. لذلك كان فيديل واضحاً حين أعلن في عام 2001، أن راوول «الرفيق الذي يتمتع بأكبر سلطة بعدي وبأفضل خبرة وبالتالي فانه يتحلَّى بكل الصفات التي تخولّه ليخلفني».ويتصّف راوول بأنه رجل دولة إصلاحي من الطراز الأول، إذ إن حسّه الفكاهي وحبّه للحياة، يجعلانه أكثر براغماتية، ما ينعكس على رؤيته الاقتصادية؛ ولعلَّ أهم ما قام به في هذا المضمار تطبيق إصلاحات مستلهمة من التجارب الصينية والفيتنامية التي سيطرت علىاإهتماماته خلال زياراته المتكرّرة الى بكين وهانوي.ومنذ أن خلف شقيقه «مؤقتاً»، أبدى راوول ميله الى التغيير البراغماتي «ضمن الاستمرارية» الاشتراكية. وحث الكوبيين، في خطاب ألقاه في 26 تموز 2007، على الخوض في مشكلاتهم «بصدق وشجاعة»، الأمر الذي قام به الملايين إثر ذلك في مواقع العمل والأحياء.لكنه نبَّه إلى أنه لن يتحقق شيء «خارق للعادة» وأن التغيرات ستحصل «رويداً رويداً» لأنه يتعّين أن يتوصل الكوبيون الى «توافق»، مشدداً على أن النظام «ينبغي أن يكون أكثر ديموقراطية».وكان نتيجة هذه السياسة، موافقته على الإفراج عن أربعة منشقّين صدرت بحقهم أحكام قاسية عام 2003 وأبعدوا وعائلاتهم الى إسبانيا.أما بخصوص رؤيته للعلاقة مع الولايات المتحدة، فقد عبر عن ذلك منذ عام 2001 حين دعا الى تطبيع العلاقات مع واشنطن. وقد كرَّر هذا العرض في العام الماضي مرتين؛ الأولى في ذكرى العيد الوطني الكوبي في 26 تموز، والثانية في 2 كانون الأول، قائلاً خلال احتفالات العرض العسكري في هافانا «أستغل هذه الفرصة لأعرب عن استعدادنا لتسوية الخلاف بين كوبا والولايات المتحدة على طاولة المفاوضات شرط قبولهم باحترام سيادتنا وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية».وبموجب قرار الجمعية الوطنية الكوبية، التي اجتمعت أمس لانتخاب الرئيس، أصبح راوول خلفاً لفيديل، لكن برؤية براغماتية لم يحن الوقت بعد للحكم على نتائجها.
الأخبار٢٥ شباط ٢٠٠٨

24‏/2‏/2008

آخر اليساريّين... وداعاً

في الذكرى السنوية لوفاة الاستاذ جوزف سماحة اعيد نشر هذا النص
معمّر عطوي
هو اليساري الذي صمد في موقعه حين أصبح اليسار تهمة، فكان القلم الذي ننتظره في «السفير» بمثابة الخبز اليومي، يقدم لنا بأفكاره وتحليلاته تعزية عن موقف مفقود في الصحافة اللبنانية. فكانت افتتاحية السفير ربما العزاء الوحيد لقارئ يبحث عن نبضه الوطني والعربي، ولا أبالغ إذا قلت الإسلامي أيضاً.هو اللبناني بلا طائفة، العربي بلا عنصرية، اليساري بلا انتهاز، الإنسان الذي يخطّ نبض المقهورين والمحرومين بصدق وبراعة تجمع ما بين لغة الصحافة السهلة وعمق الفكرة.لم يكن جوزف سماحة مجرد كاتب صحافي، ولكن هو ذاك المفكر الذي أعطى الصحافة عمق مادتها، وهو الإعلامي الذي أعطى للعقل امتداداته في روح النقد السياسي، فكان فيلسوفاً سياسياً يبتكر الأفكار ويحلل المعطيات وينقل إلينا آخر تفاصيل المؤامرات من لغات متعددة، مفضّلاً أن يضيء شمعة لأبناء جلدته من المحرومين على أن يلعن ظلام الدكتاتوريات والرقابات وقوى الهيمنة.منذ سنوات عرفت جوزف الكاتب والصحافي الموضوعي الذي يوصل الفكرة الى القارئ بلا تشنّج ولا رفد أيديولوجي. ينقلك الى عالم خارج لغة الاصطفاف السياسي المعهودة في لبنان، وخارج لغة الطوائف. لكن في الأشهر الأخيرة وحين انضممت الى فريق جوزف سماحة «المقاوم» في جريدة «الأخبار»، عرفت جوزف الإنسان المتواضع البسيط الذي لا يشعرك بفارق الدرجة المهنية.يدخل الغرفة بتحية أصبحت معروفة «كيف الشبيبةط أو «كيف الشعب»، يناقش ويسأل أحياناً أصغر المحررين عن معلومة ليس متأكداً منها.مهما كتب أو قيل في حق جوزف سماحة لن ينال الرجل حقه، بالمقارنة مع ما دفعه في مسيرته النضالية التي تبدأ من فلسطين وتمتد حتى أقاصي الأرض، باحثاً عن عدالة مفقودة هنا أو سجين رأي هناك أو ضحية استعمار واحتلال هنالك.أمام هامة جوزف سماحة لا يسعنا إلا القول إنه باق في ضمائرنا، نتذكره عند كل عملية للمقاومة العراقية أو الفلسطينية أو اللبنانية. نفتكره عند كل وقفة عز تصدر عن مناضل حتى لو كان في أميركا اللاتينية، لأنه هكذا فهم الثورة.. عالمية أممية. فكان اليساري بحق.. إن لم يكن آخر اليساريين في الصحافة اللبنانية.
الأخبار٢٨ شباط ٢٠٠٧

22‏/2‏/2008

إيران: محافظون ضد المحافظين... لكن في لائحة واحدة

معمر عطوي
يبدو أن التيار المُعارض لسياسة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، داخل صفوف المحافظين، لم يحظ بالدعم الكافي لتشكيل لائحته الخاصة من أجل المشاركة في الانتخابات التشريعية التي تجرى في 14 آذار المقبل.تجلَّى ذلك من خلال انضمام ممثل المرشد الأعلى للثورة، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني، إلى لائحة التحالف الرئيسي للمحافظين «الجبهة المتحدة للمدافعين عن المبادئ» بقيادة نجاد.حدث ذلك رغم الامتعاض الواضح في صفوف بعض المحافظين من الأداء السياسي للرئيس في إدارة الملف النووي ومعالجة الشأن الاقتصادي. امتعاض دفع بعض عناصر معسكر السلطة للعمل على تشكيل تيار معارض لأصولية نجاد، من دون أن يلتقي هذا التيار مع الإصلاحيين.هذا التيار خرج من رحم الجبهة المتحدة تحت اسم «التحالف الموسَّع والشعبي للمدافعين عن المبادئ» بقيادة شخصيات ذات ثقل على المسرح السياسي، من طراز لاريجاني ورئيس بلدية طهران محمد باقر قليباف وسلفه القائد الأسبق للحرس الثوري، محسن رضائي.ويعود تبلور هذا التيار إلى أشهر خلت، بعدما أثارت انتقادات نجاد الشديدة للغرب وإسرائيل، تحفظَّات بعض أركان التيار المحافظ، وذلك في محاولة لتجنيب البلاد خطر العزلة.غير أن حساب الحقل لم يوافق حساب البيدر لدى هؤلاء، بعدما فشلوا في تشكيل لائحة مستقلة عن الجبهة المتحدة. لقد سعى المحافظون الجدد منذ أسابيع لتشكيل لائحة انتخابية مستقّلة عن لائحة أصوليي نجاد، وكان من المفترض أن يعلن عن هذه اللائحة في الرابع من الجاري. لكن إعلان انضمام لاريجاني إلى لائحة الجبهة المتحدة، حمل مؤشرات على إمكان فشل هذا التيار في خياراته «الاستقلالية».لعلَّ ذلك يعود إلى قناعة المفاوض النووي السابق، بأن وحدة الجبهة كأكبر تحالف للمحافظين، أهم من تشتيت الأصوات الذي سيصب بلا شك في مصلحة الإصلاحيين.هذا الهاجس كان قد عبّر عنه أحد أعضاء جبهة نجاد، علي رضا زكاني، بقوله «إذا لا سمح الله قدَّم المدافعون عن المبادئ لوائح منفصلة، فإنها لن تكون فعلياً متنافسة»، مشيراً إلى الاتفاق على منافسة الإصلاحيين «نعلم من هم خصومنا».من هنا يبدو أن الاختلاف في تقويم سياسة الحكومة لم يصل بعد إلى حد القطيعة بين التيارين. بل يمكن القول إن مناصري الرئيس المحافظ قد عززُّوا مواقعهم بعد رفض عدد كبير من طلبات مرشحي الإصلاح والوسط. وبات فوز «جمعية الأوفياء للإمام»، التي تضم 14 تنظيماً، بغالبية أعضاء مجلس الشورى شبه مؤكدة.وربما شعر الأصوليون بخطورة قيام أصدقاء لاريجاني، المرشَّح عن مدينة قم الدينية، بتشكيل لائحة يمكن أن تخرق جبهتهم، فعمدوا الى إجراء تسويات من شأنها التركيز على النقاط المشتركة بين تياري المحافظين.يؤكد ذلك تصريح أحد أقطاب المحافظين، شهاب الدين الصدر، الذي كشف أن تنظيمه يواصل التفاوض للحصول على انضمام رعاة الائتلاف المنافس ومن بينهم، إضافة الى لاريجاني، قاليباف ورضائي.الصدر، الذي وصف الائتلاف الموسّع بـ«الهامشي»، قلَّل من حجم الخلافات بين التيارين بحصرها بـ«نقاط بسيطة» ولا سيما في «قائمة طهران» التي ينتخب عنها 30 نائباً، مشيراً الى «خلافات على الأشخاص لا على المبادئ».مما لا شك فيه أن الشخصيات الثلاث الذين يمثلون «تيار الانشقاق» لا تربطهم علاقة مودة مع نجاد، ولا سيما لاريجاني الذي استقال في تشرين الماضي من منصبه كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي، بسبب خلافه مع الرئيس على تكتيك التفاوض في الملف النووي. إلا أن هذا التيّار البراغماتي، أراد من خلال تشكيل ائتلاف ضد الحكومة، استعادة بعض المواقع الوزارية والإدارية، التي قام الرئيس المتشدد بتغيير طواقمها لمصلحة سياسته. وأصبحت فرضية بروز شخصيات دينية متضرّرة من سياسة خامنئي الهادفة إلى استبدال الملالي بالشباب المتحمسين للثورة، أقرب الى المنطق.هذا ما ظهر في كلام لاريجاني نفسه حين تحدَّث عن نظرته السلبية لمسألة ترشحه، كاشفاً عن إيعاز من «زعماء دينيين» لم يسمّهم طلبوا منه المشاركة في الانتخابات.لكن في المحصّلة، بدا أن هذا التيار قد أدرك خطورة قيامه بتشكيل لائحة منفصلة عن الجبهة المتحدة. إدراك نابع من اعتبارات تتعلق بصورة الخريطة السياسية المقبلة للبلاد، في ظل تحديّات لا تزال تواجه إيران، أبرزها شبح الحرب الاسرائيلية ـــــ الأميركية، التي قد تأتي عاجلاً أو آجلاً.
عدد الجمعة ٢٢ شباط ٢٠٠٨

21‏/2‏/2008

مغزى الثورات والتغيير


معمر عطوي
يطرح بقاء الزعيم الثوري فيديل كاسترو على رأس الحكم في كوبا، لما يقارب النصف قرن، تساؤلات ذات جدوى عن مغزى الثورات والتغيير، في وقت يتّجه فيه العالم نحو نبذ أشكال الحكم التقليدية التي جاءت الاشتراكية والعلمانية في الأصل لمحاربتها واستبدالها بدماء جديدة.من المؤكد أن الزعيم الكوبي تأخر كثيراً في إعلان تنحّيه عن منصب رئيس مجلس الدولة وقائد القوات المسلحة، وتأكيده عدم «الطموح» إليها أو القبول بها. ذلك رغم جدارته في إدارة الحكم وبراعته في لعبة التوفيق بين التصدِّي للحصار الدولي وتأمين الحد الأدنى من مطالب شعبه.وبقطع النظر عن النتيجة التي يمكن أن يتمخّض عنها اجتماع الجمعية الوطنية (البرلمان) في الرابع والعشرين من الجاري، في شأن من سيكون الرئيس العتيد، لا بد من الإشارة الى أن النظام الكوبي قد وقع في مشكلة «التوريث» حين عُيِّن فيديل رئيساً وشقيقه راوول مساعداً أول له. مع العلم أن مجلس مساعدي الرئيس يضم خمسة أشخاص من كبار قيادات الحزبالشيوعي.وتجلىّ هذا الجنوح نحو «المحسوبية» في توريث السلطة في تموز عام 2006، حين أوكل فيديل لشقيقه مهمات الحكم، بسبب العملية الجراحية التي أجريت له في الأمعاء. ما يطرح علامة استفهام عن جدوى الثورة التي عجزت عن تقديم بديل لهذا القائد الفذّ، سوى شقيقه المرجَّح أن يتولى منصب الرئيس في الانتخابات المقبلة. مع العلم أن راوول هو أيضاً الأمين الثاني في الحزب الشيوعي الكوبي بعد فيديل.وراوول، البالغ من العمر 76 عاماً، هو أحد أقانيم النظام. لقد شغل إلى جانب مهماته نائباً أول للرئيس، منصب وزير الدفاع منذ بداية الثورة 1959وهو يقوم عملياً منذ تموز عام 2006 ـــــ وربما قبل ذلك ـــــ بمهمات الرئاسة.المفارقة أن هذا المشهد يتكرَّر لدى بعض الأحزاب اليسارية، على غرار نموذج هوغو تشافيز في فنزويلا. لقد سار وريث بوليفار على خطى «أبي» الكوبيين، حين باشر العمل على إصلاحات في الدستور تتضمّن الحقّ للرئيس في الترشُّح لولايات غير محددة في الانتخابات الرئاسية، وتمديد الولاية الرئاسية من ست إلى سبع سنوات. إضافة إلى صلاحيات تسمح للرئيس بتعيين نوابه أو إقالتهم. لكن الشعب الفنزويلي أدرك خطورة صناعة حرس قديم في بلاده، رافضاً هذه الإصلاحات في استفتاء كانون الأول الماضي.يقودنا هذا المشهد إلى رؤساء الأحزاب اليسارية، ليس فقط في العالم الثالث، بل حتى في أوروبا، على غرار غريغور غيزي، الذي تربَّع على عرش الحزب الشيوعي الألماني سنوات طويلة ولا يزال يتزعَّم الحزب اليساري الألماني.يطرح هذا التمسك بالسلطة لدى أحزاب تقدمية «غير تقليدية» أكثر من علامة استفهام عن مفهومها للعلاقة الجدلية بين الشخصانية والمؤسساتية. علاقة تبدو ملتبسة في ظل إبراز «القائد ـــــ الرمز» على حساب كفاءات لا تقل أهمية.
عدد الخميس ٢١ شباط ٢٠٠٨

20‏/2‏/2008

حكاية ثائر أنهكته القيادة... والمرض


معمر عطوي
كاد الزعيم الكوبي فيدل كاسترو أن يحصل على اليوبيل الذهبي (50عاماً) لتربّعه على عرش السلطة في كوبا،لولا أنه ترجّل أمس عن صهوة جواده مستسلماً للمرض وتعب السنين. واكتفى الثائر الهرِم بتسعة وأربعين عاماً قضاها صامداً في وجه الضغوط الأميركية والحصار الدولي
ربما جاء متأخراً إعلان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو تنحّيه عن الحكم في الجزيرة الشيوعية، التي تقاوم الضغوط والحصار منذ قرابة نصف قرن. لكن الواقع يشير إلى أن «أبا»الكوبيين كما يلقِّبه شعبه هو خارج السلطة منذ عَهَد بمهماتها «مؤقتاً» إلى شقيقه راوول في 31 تموز من عام 2006 إثر إجرائه عملية جراحية في الأمعاء.لكن الشيخ العنيد، الذي سقط خلال الأعوام الأخيرة مرتين مغمىً عليه أثناء إلقائه لخطاباته التي اشتهرت بطولها وحماستها، استسلم أخيراً للمرض الذي ألمَّ به منذ سنوات طويلة، وأعلن أمس أنه لا يطمح إلى «تولي مهمات رئاسة مجلس الدولة وقيادة القوات المسلحة».لطالما كان المحامي الشاب، الذي ولد في عام 1926 في بيران (جنوب شرق كوبا) وسط عائلة من أصل إسباني تعمل بالزراعة، أملاً كبيراً للتغيير ورمزاً من رموز الثورة في نظر ملايين الشباب في العالم. الشباب الذين سحرهم ببزّته العسكرية ولحيته الكثّة والسيغار الكوبي الفاخر، إلى جانب رفيق عمره الثائر الأممي آرنستو تشي غيفارا.لقد بدأ كاسترو منذ أيام الدراسة ثائراً على التقاليد والسائد. ورغم تعلُّمه على أيدي الآباء اليسوعيين، لم يعرف عنه تدينه أو إيمانه بتعاليم المسيحية. بدأ حياته، مذ تخرَّج في عام 1950 من كلية الحقوق، ناشطاً سياسياً، استطاع أن يؤسس في عام 1952 حركة سرية مسلحة رداً على انقلاب الجنرال فولخنسيو باتيستا.وكانت مهاجمة ثكنة مونكادا في سانتياغو برفقة 111 من أنصاره في تموز من عام 1953، أول الغيث في مسيرته النضالية. علماً بأنه اعتقل أثناء هذه العملية وحكم عليهبالسجن 15 عاماً مع 25 من الناجين، بينهم شقيقه راوول.لكن الرئيس باتيستا منحه العفو في 15 أيار 1955، ونفاه إلى المكسيك، حيث تعرَّف إلى الطبيب الأرجنتيني الشاب تشي غيفارا وأسس معه حركة «26 تموز». ومن هناك عاد على رأس 81 من الثوار، بينهم غيفارا، إلى كوبا على متن «غرانما»، القارب الذي سمَّوا صحيفة الحزب الشيوعي بعد انتصار الثورة باسمه.وكانت هذه العودة في عام 1956 عبارة عن محاولة إنزال سبَّبت مجزرة لمقاتليه، ما أجبره على التوجه إلى سلسلة جبال سييرا ماييسترا مع 16 من الناجين. عودة قطف ثمارها ليلة رأس السنة 1958ـــــ1959، حين نجح وأنصاره في السيطرة على مقاليد السلطة، وأجبر باتيستا على الفرار من البلاد.وفي 8 كانون الثاني 1959، دخل كاسترو ورفاقه العاصمة هافانا منتصرين. لكنه لم يكن يومها قد تبنىّ النظرية الشيوعية بعد، بل على العكس. لقد كلّف الرئيس الاشتراكي أحد البورجوازيين بترؤس الحكومة، تفادياً لضربات السياسة الأميركية المعادية للشيوعية. لذلك، سارعت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بالحكومة الجديدة.وفي نيسان من 1959، زار الرئيس كاسترو الولايات المتحدة والتقى مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، بعدما تذرّع الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور لعدم استطاعته لقاء الضيف الكوبي بارتباطه بلعبة الغولف، طالباً في الوقت نفسه من نائبه التحقق من انتماء كاسترو السياسي ومدى ميوله لجانب المعسكر الشرقي. وخلص نائب نيكسون إلى أن كاسترو «شخص بسيط وليس بالضرورة أن يميل إلى الشيوعية».غير أن العلاقات الأميركية الكوبية، سرعان ما بدأت بالتدهور منذ شباط 1960، عندما أمَّمَت كوبا الشركات. وبعدما سيطرت الثورة على كوبا كاملة، بدأ بتأميم كل الصناعات المحلية والمصارف وتوزيع ما بقي من الأراضي على الفلاحين، إلى أن أعلن صراحة في عام 1961، أن ثورته اشتراكية.وكانت الأزمة بين هافانا وواشنطن، قد استفحلت حين باشرت كوبا شراء النفط من الاتحاد السوفياتي ورفضت الولايات المتحدة، المالكة لمصافي تكرير النفط في كوبا، التعامل مع النفط السوفياتي، فأمّم كاسترو تلك المصافي.وفشلت واشنطن في عملية «خليج الخنازير» التي شارك فيها 1400 من معارضي كاسترو في عام 1961. واقتحمت الجزيرة الكاريبية ميدان الحرب الباردة، حين ظهرت «أزمة الصواريخ» الباليستية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بين 22 و28 تشرين الأول في عام 1962، التي انتهت بخيبة أمل الزعيم الكوبي من النظام السوفياتي الذي سحب صواريخه من كوبا نتيجة صفقة مع واشنطن، رافضاً مطالب حليفه الكوبي بشنّ هجوم نووي على أميركا.واتّسمت العلاقة بين الولايات المتحدة وكوبا بالعدائية، واستمرت الولايات المتحدة بدعمها لمحاولات اغتيال كاسترو وإطاحة حكمه من دون جدوى.لكن انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1990 كان له تأثيره السلبي على الجزيرة، الأمر الذي دفع كاسترو إلى السماح باستخدام الدولار وانفتاح اقتصادي بسيط عام 1993. بيد أنه عاد وأمر في عام 2004 بسحب الدولار من التداول.وربما شعر الشيخ العنيد بأن أميركا اللاتينية قد بدأت تتجه يساراً، فقام بالتحالف مع هوغو تشافيز بعد تسلمه مقاليد السلطة عام 1999.لقد تحدّى كاسترو المرض الذي أدى إلى وقوعه مغمىً عليه أمام جماهيره في عام 2001، والذي تكرر في عام 2004. لكن هذا المرض تربَّص به واستطاع أن يهزمه في تموز 2006. ومنذ ذلك الحين، يتابع فترة نقاهة لم تنته حتى تخليه نهائياً عن رئاسة كوبا بعد مسيرة طويلة من الصمود والتصدي للحصار والمؤامرات.
الأخبار٢٠ شباط ٢٠٠٨

19‏/2‏/2008

الخريطة السياسية الإيرانيّة ولعبة التوازن

معمر عطوي
أظهرت وفاة المدير السابق لمكتب مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني، آية الله محمد رضا توسلي، السبت الماضي، مدى تعقيدات المشهد السياسي في النظام الإسلامي، الذي يعيش هذه الأيام مناخات الانتخابات البرلمانية والانتخابات التكميلية لمجلس خبراء القيادة تتجلَّى تعقيدات المشهد السياسي الإيراني قبل الانتخابات التشريعية التي تجري في 14 آذار المقبل، من خلال تداخل الولاءات بين محافظين وأصوليين وإصلاحيين ومعتدلين. إذ إن بعض القريبين من الإمام الخميني، على غرار آية الله توسلي والرئيس السابق محمد خاتمي والرئيس السابق للبرلمان مهدي كروبي، وبعض أحفاد مؤسس الجمهورية هم في الجهة الإصلاحية من المشهد، التي تتحالف مع المعتدلين بزعامة الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني.وربما كان الدليل الأبرز على تعقيدات هذا المشهد، الطريقة التي توفي بها توسلي (77 عاماً)، حين أصيب بأزمة قلبية أثناء توجيهه خطاباً احتجاجياً على «الهجمات» التي تتعرض لها أسرة الخميني، وخصوصاً بعد رفض طلب ترشيح حفيد الإمام الراحل، المهندس علي اشراقي، للانتخابات، الذي عادت لجنة صيانة الدستور وقبلت به.لكن اللافت في هجوم توسلي «المُميت» هو انتقاده للمحافظين الذين من المفترض أن يكونوا أكثر تشدداً في الحفاظ على خط الإمام والتمسك بنهج الثورة.لقد عبّر توسلي عن نمط جديد من الخطاب، بما يشير صراحة إلى أن الأصوليين ليسوا وحدهم من يدّعون «شرف» التمسك بنهج الإمام، بل أيضاً الإصلاحيون الذين يريدون التغيير كذلك، لكن من دون الخروج عن «الثوابت».انطلاقاً من هذه الحدّة في الخطاب، وقف توسلي أمام مجلس تشخيص مصلحة النظام ليصف المحافظين، قبل دقائق من مفارقته الحياة، بقوله: «الظلاميون الذين يهاجمون أسرة الإمام الخميني وأفكاره...»، منتقداً في الوقت نفسه رفض طلبات بعض المرشحين. توسلي، الذي لازم الخميني لأكثر من 50 عاماً، لجأ إلى الإمام نفسه، مستخدماً إحدى رسائله التي كتبها في السنوات الأولى من الثورة الإسلامية، التي تدين «الظلاميين والرجعيين الذين يهاجمون عائلته وأقرباءه وأصدقاءه بحجة الدفاع عنه».وكان توسلي، عضو رابطة رجال الدين المجاهدين (روحانيون)، قد ترشّح للانتخابات التكميلية لمجلس الخبراء التي تجرى في 14 آذار المقبل، عن محافظة طهران، لينافس باعتباره مرشح الإصلاحيين، آية الله مهدوي كني.مما لا شك فيه أن وفاة آية الله توسلي، قد أظهرت بشكل واضح هذا التداخل على مستوى خريطة التحالفات السياسية، حيث يفترق المقربون من المؤسس عند منعطفات عديدة، كل بحسب فهمه لمبادئ الثورة.هذا الأمر يؤكد أن الإصلاحيين والمعتدلين، الذين طرحوا شعار تصحيح السياسة الاقتصادية الفاشلة للرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد وتغيير دفة الأداء التفاوضي في الملف النووي المثير للجدل، ليسوا في وارد تغيير مبادئ الثورة، بل هم في صميمها ومن أشرس المدافعين عنها.لعلّ ما يصب في هذا الاتجاه خطاب رفسنجاني، الذي أشاد بشخصية آية الله توسلي خلال مراسم تأبينه، مؤكداً أنه «دافع عن قيم الثورة حتى آخر لحظة من حياته».ويبدو أن الخلاف بين توسلي ونجاد لم يكن يتعلق فقط بالمعركة الانتخابية، فقد سبق، منذ سنوات طويلة، أن كان الشيخ الراحل من أشد منتقدي جمعية «الحجَّتية» التي انتسب إليها نجاد في مطلع شبابه، وكان توسلي آنذاك يستهجن تحريم أعضاء هذه الجمعية للجهاد في البداية، وإيمانهم به في ما بعد.وفي الواقع، فإن جمعية الحجتية أوقفت نشاطها في عام 1983، ولم يعد لها أي صفة رسمية، إلا أن موضوعها لا يزال مطروحاً رغم مرور تسعة وعشرين عاماً على انتصار الثورة. وهناك بعض الأقوال التي تفيد بأن ثمة عودة لنشاط هذه الجمعية التي كانت تؤمن بتوقف الجهاد حتى ظهور «الإمام الحجة» المهدي المنتظر.ورغم انحسار الشعور بالتفاؤل وسط جبهة الإصلاحيين التي تضم 21 حزباً، عقب استبعاد أكثر من ألفي مرشح، إلا أنها لا تزال تنشط على صعيد الحملات الانتخابية. وضمت قائمة الإصلاحيين ـــــ المعتدلين، حزب «كوادر البناء» الذي يتزعمه شقيق رفسنجاني، محمد هاشمي، وحزب الثقة الوطنية برئاسة مهدي كروبي، وجبهة مجاهدي الثورة التي نشطت في عهد خاتمي، الذي يرأس حالياً جبهة المشاركة، أكبر الأحزاب الإصلاحية الرئيسية.بأي حال، لا تزال مسألة رفض حوالى ألفي مرشح، نصفهم من الإصلاحيين، تسيطر على المشهد السياسي الإيراني، وتبعث القلق في صفوف معارضي الحكومة، بانتظار أن يبتّ مجلس صيانة الدستور مصير هؤلاء في الرابع من آذار المقبل. غير أن أقطاب المعارضة الثلاثة (رفسنجاني وخاتمي وكروبي)، الذين رفعوا شكوى بهذا الخصوص إلى آية الله علي خامنئي، لا يزالون يراهنون على تدخل المرشد الأعلى لإحداث توازن في الخريطة السياسية المقبلة لإيران، وخصوصاً أنه يدير بعناية لعبة التوازن هذه منذ توليه هذا المنصب في عام 1989.لقد سبق لخاتمي أن وصف رفض الترشيحات بأنه «كارثة». إلا أن هذه «الكارثة» لم تنجح كما حدث في انتخابات عام 2004، بدفع الإصلاحيين إلى مقاطعة الانتخابات.بالنتيجة، رغم حدّة المواجهة المُرتقبة بين التيارين، فإن الأمور لم تصل بعد إلى مرحلة انعدام الثقة، ولا سيما أن الإصلاحيين رفضوا دعوة مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات التشريعية، على اعتبار أنها «إهانة للمجتمع والمثقفين فيه». لعل هذا ما يجعل المشهد السياسي الإيراني معقداً، وما يشير إلى حصول تغييرات طفيفة في الخريطة الحزبية بما يضمن بقاء هذا التوازن.
الاخبار١٩ شباط ٢٠٠٨

13‏/2‏/2008

الثورة والحريات

معمر عطوي
«إن كل من ينضم إلى صفوف الثورة سيكون في عداد الأحرار وسينعم بالحرية والأمان». بهذه الكلمات عبَّر مؤسس الثورة الإسلامية في إيران، الإمام الخميني، عن استعداده لاستقطاب جميع التيارات السياسية والجماعات الدينية والقومية التي تعيش في بلاده، إلى ثورته على النظام الشاهنشاهي الملكي، بزعامة محمد رضا بهلوي آنذاك، قبل سنوات من نجاحها.وكان من الطبيعي انخراط تيارات غير إسلامية، مثل التيار الشيوعي العريض الذي كان «حزب توده» أكبر تنظيماته، وأخرى قومية، بهدف وضع حد لطغيان الشاه الذي حوّل البلاد إلى قاعدة أميركية في الخليج، وحكم العباد بالحديد والنار عبر جهازه الاستخباري «السافاك»، الذي بلغت قدرته مصاف الأجهزة الاستخبارية العالمية، لجهة ملاحقة معارضي الملكية والداعين إلى التغيير.قبل 29 عاماً، كان المشهد الإيراني مختلفاً عما هو اليوم؛ فقد تحوّلت ثورة يقودها رجل دين عبر أشرطة تسجيلية من مقرِّه في نوفل لو شاتو بفرنسا، وتُحرّكها مجموعة من طلبة الحوزات الدينية، إلى ظاهرة فريدة انضم إليها كل المُتضرّرين من سياسة الملكية والحالمين بجمهورية ديموقراطية تُرسي أسس التعددية وتداول السلطة.لكن على ما بدا بعد أشهر قليلة من نجاح الثورة، أن حساب الحقل لم يُطابق حساب البيدر. فالحريات التي وعد بها الإمام أعوانه في الثورة التي غيّرت وجه المنطقة، سرعان ما تلاشت، وأصبح اليساريون، وفي مقدّمهم حزب توده، خارج المشهد السياسي، تمهيداً لحظره ونفي قادته وأعضائه. وهذا الأمر حدث مع جميع الأحزاب التي لا تتبنى النهج الإسلامي، ولا سيما الشيعي منه.والحديث عن الحريات في إيران لا يزال محل جدل واسع، رغم ما تُسطّره أقلام المنظّرين لإيران ــــ الثورة وإيران ــــ الدولة. حريات تقتصر على كل نشاط أو اجتهاد من داخل المنظومة الإسلامية نفسها.لعل هذه الصيغة، التي يستطيع من خلالها الآن أكثر من عشرين حزباً إصلاحياً الائتلاف في جبهة موحدة في وجه المحافظين، الذين يُؤلّفون أيضاً مجموعة من الأحزاب الأصولية، تبرّئ النظام من تهمة «نظام الحزب الواحد»، وتعطي المسرح السياسي مساحة أوسع قد يستطيع من خلالها من هم خارج إطار الحرس القديم أو الملالي، تبوّء مراكز مهمة في مؤسسات الدولة وعلى رأس السلطة، على غرار الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد.غير أن بيت القصيد في ذلك كله هو أن وعد الإمام للذين انضموا إلى الثورة بمنحهم الحرية والأمان، كان شعاراً لم يستمر، بل على العكس، شهد العام التاسع والعشرين من هذه الثورة أكبر حملة اعتقالات لمعارضي النظام والمطالبين بتوسيع هامش الحريات الشخصية. أماّ الصحافة، فكانت أبرز ضحية من ضحايا «حرية الاستثناءات» التي جاءت بها الثورة.
الاخبار ١٣ شباط ٢٠٠٨

المعايير المزدوجة تؤسّس لمناخات «الرعب»

معمر عطوي
هل تستطيع مبادرات السلام وقف التسلّح النوويّ؟
هل صحيح أنّ تشجيع مبادرات السلام وتحريكها بين الدول المتخاصمة، يحدّان من انتشار أسلحة الدمار الشامل، أم أن هناك أساليب أخرى يمكن من خلالها التوصّل إلى عالم نظيف خالٍ من الترسانات النووية والكيميائية والبيولوجية؟سؤال من المهم طرحه أمام ما يجري في العالم من سباق محموم لامتلاك كل ما يؤدّي إلى التدمير وفناء البشرية.مناسبة هذا السؤال ترجمة كتاب صدر عن اللجنة المعنية بأسلحة الدمار الشامل، التي يرأسها السويدي هانز بليكس، تحت عنوان «أسلحة الرعب ــــ إخلاء العالم من الأسلحة النوويّة والبيولوجية والكيميائية»، والتي قام بها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.ربما كانت أهمية الكتاب نابعة من المهمّة الصعبة التي أوكلت إلى بليكس قبل غزو العراق، حين كان رئيساً لهيئة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل هناك. لذلك يحاول الدبلوماسي السويدي أن يعطي نظرة شاملة عن مسار العمل الدولي بشأن إخلاء العالم من أسلحة الدمار الشامل، مشيراً إلى دور رائد لوزيرة الخارجية السويديّة التي اغتيلت في أيلول من عام 2003، آنا ليند، في إنشاء اللجنة السويدية التي يرأسها اليوم، والتي قامت بوضع هذا الكتاب. يقول عن ظروف تأسيس هذه اللجنة إنه في حزيران من عام 2003، «اتصلت آنا ليند بي وأعربت عن اعتقادها بأنّ الوقت لم يحن فقط لاتّباع السياسات الأوروبية الجديدة، بل أيضاً لفكرة إنشاء لجنة دولية مستقلة لدراسة الكيفية التي يمكن أن يعالج بها العالم مشكلة أسلحة الدمار الشامل. وتساءلت ليند (الحديث هنا أيضاً لبليكس) عما إذا كنت أودّ أن أتولى رئاسة لجنة من هذا القبيل. وقد أجبت بأنني مستعدّ لذلك».ويُحذّّر الدبلوماسي السويدي، الذي عمل وزيراً لخارجية بلاده، من الدرع الصاروخية التي تنوي الولايات المتحدة إقامتها في أوروبا، مشيراً إلى ركود الجهود المبذولة لدعم معاهدات عالمية مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الأسلحة البيولوجية والسامّة، والمماطلة في تصديق معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.ويوضح في تمهيده للكتاب أنّ الدرع الصاروخية الأميركية قد تدفع الصين وروسيا لتدابير مضادّة في مجال الأسلحة النووية، «وربما يجري تطوير أسلحة نووية ذات مهمات جديدة في الولايات المتحدة وأنحاء أخرى».ويشير المدير العام الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية (1981 ــــ 1997) إلى أنّ استراتيجية الولايات المتحدة للأمن القومي في عام 2002 أوضحت أنّ واشنطن لها حرية استخدام القوة المسلّحة من دون إذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، «ليس فقط لصد هجوم وشيك... بل أيضاً لمواجهة تهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل».ويوجز التقرير الذي أعدّته اللجنة السويدية بأنه يستحيل إبطال اختراع أسلحة الدمار الشامل، لكن يمكن تحريمها مثلما حُرّمت الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وأصبح استخدامها لا يمكن تصوّره. لذلك، يحاول التقرير تقديم أفكار وتوصيات عن إمكانات المجتمع الدولي والحكومات الوطنية والمجتمع المدني في ترسيخ فكرة منع انتشار الرعب النووي.لقد نجحت معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1968 في جذب عدد كبير من المؤيدين لطروحاتها، بعد اعترافها بالموجة الأولى لخمس دول تمتلك أسلحة نووية، هي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تمتلك حق الفيتو (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا). ولكنها من جهة أخرى لم تمنع إسرائيل والهند وباكستان من تشكيل موجة ثانية، ثم أتت الموجة الثالثة لتحمل دولاً مثل ليبيا والعراق وكوريا الشمالية. أمام هذه الموجات المرشّحة للتزايد، نعود إلى السؤال المشروع عن جدوى تشجيع السلام في ظل سياسة المعايير المزدوجة، التي أسهمت إلى حد كبير في صناعة مناخات الرعب النووي وهاجس الخوف المدمِّر.
*من أسرة الأخبار

11‏/2‏/2008

أحفاد الخميني والثورة

معمر عطوي
لم يكن حسن الخميني، الحفيد الوحيد لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، الذي ينضم إلى قافلة منتقدي اللجنة الموكلة قبول الترشيحات للانتخابات التشريعية المقبلة في البلاد. فقد سبقه ابنا عمته علي وزهراء إشراقي الى انتقاد هذه اللجنة التي يسيطر عليها المحافظون بسبب رفضها لعدد كبير من المرشحين الإصلاحيين.المفارقة في هذه المعارضة «الخمينية» لنظام يدعِّي حفظ خط الإمام، أن الجمهورية الإسلامية، رغم بعض القيود التي ينّص عليها الدستور والتي تجعل أبرز وأهم الصلاحيات في يد المرشد الأعلى للثورة، قد نجحت في تجنُّب اعتماد «الوراثية السياسية» على غرار العديد من الأنظمة العربية المجاورة لها.وحسن الخميني، الذي توفي والده أحمد بنوبة قلبية عام 1994 وقتل عمه مصطفى على أيدي رجال الاستخبارات الشاهنشاهية «السافاك» عام 1978، يعمل بمثابة «حارس» لمرقد الإمام ولا يملك أي منصب سياسي. لكن ضراوة المعركة الانتخابية بين المحافظين (الأصوليين) والإصلاحيين، أخرجته عن صمته ليُعرب عن سخطه من المناخ السياسي السائد، في ظل استبعاد حوالى 2000 مرشح إصلاحي عن الانتخابات التي تُجرى في 14 آذار المقبل.لعل هذه التعددية في فهم «خط الإمام»، التي تتلفّح على تنوعها بعباءة الخميني، هي دليل صحي على الممارسة السياسية في ظل النظام الإسلامي، الذي يوحي فيه المحافظون أنهم الأقرب بتشددهم الى مؤسس الثورة، فيما يتخذ حفيد هذا المؤسس خطاً مختلفاً باستقباله قادة جبهة المشاركة الإصلاحية، واصفاً ما يجري على صعيد منع ترشيحات بقوله «هذه المقصلة لم تطل رؤوسكم فقط بل طاولت أيضاً رؤوس العديد من الأصدقاء في جميع شرائح المجتمع وهذا أمر مؤسف».حسن الخميني، الذي خرج عن صمته السياسي، تجاوز بانتقاده اللجنة المشرفة على قبول المرشحين الى الحرس الثوري، إذ رفض تدخُّل العسكريين في السياسة، في ردٍّ على ما أعلنه قائد الحرس الثوري، الجنرال محمد علي جعفري عن دعمه للمحافظين. وقال «هذا هو أحد معايير الوفاء لخط الإمام الخميني. إذا أراد عسكري ما دخول السياسة، فعليه أن ينسى كل ما هو عسكري لأن وجود البندقية في السياسة يعني نهاية أي حوار».لقد أثبت النظام الإسلامي، رغم ما فيه من ثُغَر وتعقيدات، بعده عن المحسوبيات المبنية على حسابات عائلية. تجلَّى هذا البعد الأسبوع الماضي، حين استبعدت لجنة صيانة الدستور ترشيح المهندس علي إشراقي، نجل ابنة الخميني، السيدة صديقة مصطفوي زوجة آية الله شهاب الدين اشراقي.وبدا أن عائلة الخميني في ظل هذا النظام لا تتمتع بأيّ حصانة، رغم سيطرة المحافظين الذين يزايدون على غيرهم بتمسكهم بنهج المؤسس. ذلك أن حفيد هذا المؤسس نفسه خضع قبيل الانتخابات لمراقبة مشددة تتعلق بسلوكياته الفردية. «جيراني أبلغوني بأنهم سئلوا عن حياتي الخاصة بما في ذلك ... إن كنت أحلق ذقني وما إذا كنت أصوم أو أصلي أو أدخن».المهندس الشاب، الذي كان طفلاً في الثانية عشرة من عمره حين أسقاط جدّه نظام الشاه قبل 29 سنة، أوضح أنه لا يريد أن يعترض علناً على قرار مجلس صيانة الدستور كي لا يسيء الى اسم عائلته.لكن شقيقته زهراء اشراقي كانت أكثر صدامية مع المحافظين، حين دعت إلی احتجاج الإصلاحيين علی اللجان المشرفة على الانتخابات، رافضةً المقاطعة في الظروف الراهنة. وانتقدت زوجة شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي، رضا خاتمي، التي ترأس لجنة الشباب في تحالف الإصلاحيين، حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد بإلغاء ترشيح الآلاف من الإصلاحيين، وفي مقدمتهم زوجها الذي يرأس حزب جبهة المشاركة الإسلامية.وكانت زهراء، التي استُبعِدت عن الانتخابات في دورة عام 2004، قد انتقدت بشدة في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في حزيران العام الماضي، الرداء الأسود الذي فرضته الثورة على النساء، «التشادور، لأنه فرض على النساء ارتداؤه في الأماكن الحكومية وبعض مدارس البنات». وبدا تميُّز زهراء عن جدها حين عبّرت بكل صراحة أنها تخالف رأيه الفقهي بشأن الغناء وترقص في البيت وترنّم الأغاني.
الاخبار-الاثنين ١١ شباط ٢٠٠٨

7‏/2‏/2008

هل كان الروائي غونتر غراس نازياً؟


2008-02-07
جريدة العرب-الدوحة
بيروت - معمر عطوي
لم ينتهِ الجدل في ألمانيا بعدُ حول انضمام الروائي الألماني غونتر غراس في شبابه إلى القوات الخاصة النازية «أس- أس»، فهذه التهمة لاتزال تلاحقه في أروقة المشهد الثقافي وتداعياته السياسية، لاسيَّما أن حامل جائزة نوبل للآداب هو أحد الملتزمين سياسياً بالحزب الاشتراكي الديمقراطي، أحد طرفي التحالف الذي يشكل الحكومة الألمانية الحالية.لقد أصبحت سيرة الكاتب الروائي، والأديب الثمانيني، محل جدل واسع على صفحات الجرائد والمنشورات الثقافية الألمانية في الأشهر الأخيرة، ما أرغم صاحب «الطبل الصفيح» على الوقوف أمام المحكمة للإدلاء بشهادته. التي اكتفى خلالها بالقول «التحقت بالقوات المسلحة للرايخ الثالث، لكن من دون اختياري».في كتابه «تقشير البصل»، يميط غراس اللثام عن تلك المرحلة، موضحاً أنه كان في الثانية عشرة من عمره حين بدأت الحرب، في داشيغ. و»تقشير البصل» كتاب يحمل معنًى رمزياً يدل على عنوانه، إذ تعني الكلمة إماطة اللثام تلو الآخر عن الذاكرة، إلى أن تصل إلى الجوهر، على طريقة تقشير شرائح البصل واحدة تلو الأخرى. في هذا الكتاب يقول غراس عن مرحلة انضمامه إلى النازية، التي أصبحت اليوم محل جدل واسع «كنت في السادسة عشرة من عمري، كان عليَّ أن ألتحق بالحرب، وبعد انتهاء الحرب عدت لأتابع الدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة في دوسلدروف وفي برلين. هذا هو الإطار الزمني الذي يحيط الرواية ومضمونه طفولتي وشبابي، لقد بقيت أكتب بالكتاب مدة ثلاث سنوات، وعندما تنهي كتاباً، تبقى مثل أعمى بالنسبة للعمل نفسه». مع العلم أنه حين بدأ بكتابة «الطبل الصفيح»،التي نال عليها جائزة نوبل للآداب في العام 1999 كان في الثلاثين من العمر.رواية غراس الذي وعى القارئ الألماني على رؤية شاربيه الكثيفين، وحضوره الأدبي الكبير في المشهد الثقافي، تمتع بحملة تضامن لا بأس بها مع تاريخه. فهذه الهمروجة الجديدة التي شاعت في الوسط الثقافي، ليس الألماني فحسب بل العالمي، دفعت العديد من الأدباء للتصدي للاتهامات التي تنال من غراس. لعل انخراط العديدين ومنهم: نورمان ميلر وكارل شيلر وغينشر في الدفاع عن قضية «تقشير البصل» يصب في هذا الإطار. في السياق نفسه، وقف محامي برلين ابن الثمانين عاماً المؤلف والرسام، بول هيرتن، ليحرر دعوى الأديب الهرم، لدى المحكمة في العاصمة الألمانية، ضد مجموعة النشر «راندوم هاوس»، والتي تُعتبر أكبر ناشر في العالم للكتب التجارية العامة باللغة الإنجليزية. في هذه الشكوى يُقسم غراس إنه تطوع في «الأس- أس» ليس إلا. ويطالب بحذف جملة يتيمة وردت في كتاب مايكل يورغز تقول: «أقر غونتر غراس بأنه التحق عمداً، في السابعة عشرة، بالقوات الخاصة الألمانية أس- أس». مجلة «شبيغل» الألمانية، واسعة الانتشار، نشرت تأكيد المحامي هيرتن، برفع موكله للدعوى، وعلل ذلك برغبة صاحب جائزة نوبل في التأكيد أن التحاقه بالقوات الخاصة كان إلزامياً وليس طوعياً. نظراً لسيطرة النازية على البلاد وإجبار الناس بالقوة على فعل ما لا يريدونه.يورغز وصف عمل غراس في كتابه «بورغر غراس» بأنه «غلطة سببها هفوة». هذا الكتاب الذي صدر في العام الماضي، عن دار نشر «غولدمان» التابعة لـ «راندوم هاوس»، حمل بعض التفاصيل المتعلقة بحياة غراس في أثناء شبابه، خصوصا الفقرة المتعلقة بالتحاقه حين كان في السابعة عشرة من عمره في المنظمة النازية، وفي هذا العمل يحاول يورغز التشويش على ما صرح به غراس في «تقشير البصل» الذي صدر في صيف 2006. لكن صاحب «القط والفأر» يوضح هنا قائلاً: «في عرضي لكتابي «تقشير البصل» تذكرت الأحداث بوضوح: كنت في الخامسة عشرة من العمر حين تطوعت في القوات النازية في غوتن هافن، وبعدها في خدمة السلاح البحري، وجرى التبديل لأنتقل إلى سلاح المدرعات. ثم تم تبليغي للالتحاق بالقوات الخاصة.. التجنيد في قوات الـ «أس أس»، التي لم أمارس فيها عملياً أي نشاط. لقد تم تبليغي بأوامر التجنيد في خريف العام 1944».ربما تأخرت إثارة هذه القضية المثيرة للجدل، لكن الدعوى تسير في الاتجاه المطلوب، إذ من المتوقع أن تتحول إلى محاكمة مفتوحة، بعد تقييم هيرتن. وقد تُستأنف في مارس المقبل. محامي دار النشر «غولدمان»، راينر دريسن، قال حول هذه القضية: «نحن نعرف بأي اتجاه تسير القضية، لقد توقعنا ذلك.. هناك الكثير من المستندات والحجج التي تدعم القصة، والتي تؤكد أن غراس التحق بالقوات النازية باختياره. ولم تسحب دار النشر هذا الكتاب».لكن غراس ينفي ذلك بقوله «هناك احتمال أنه تم تضخيم التبليغ المتعلق بسلاح المدرعات، من أجل خلق مسألة القوات الخاصة».غراس الذي عاش جيلين مكرساً حياته للأدب وللسياسة، كان قد اهتم بالحديث عن فترة صعود النازية واندحارها، في روايته «سنوات الكلاب» ومن خلال هذه الرواية أسَّس الكاتب اليساري شهرته كروائي كبير. لقد حظي صاحب «الطيور الخمسة» بدعم ليس أوروبيا فقط بل عالميا، شمل المثقفين العرب الذين أصبحت معظم روايات وأعمال غراس مترجمة بين أيديهم. هؤلاء الشعراء والكتاب تصدوا للحملة التي أرادت النيل من غراس موقعين على بيان. هذا البيان اعتبروا فيه أن زميلهم الألماني الذي كان مناصراً للقضايا العربية، ويحمل مودة خاصة للشعب العربي «كان محكوماً عليه بأن يعيش وهو في السادسة عشرة حتى انتهت الحرب وهو في الثامنة عشرة من عمره. فكيف يمكننا أن نحاسب صبياً مراهقاً واقعاً تحت سيطرة الدعاية النازية الجهنمية على تصرف كان في حقيقته اضطراراً لا اختياراً؟!». وأكد البيان أن «التحاق غراس بالقوات الخاصة أو بالشبيبة النازية في صباه حقيقة لم يكشف عنها أحد إلا غونتر غراس نفسه»، معتبرين أن «هذا الاعتراف لم يكن واقعاً تحت أي ضغط خارجي، ولم يكن فخوراً بما فعل أو مبرراً لما فعل، بل كان نادماً يقدّم اعترافه إرضاء لضميره الذي لم يسمح له بالاستمرار في التستر على ماضيه. وهذا صدق مع النفس، وشجاعة أخلاقية تستحق التقدير والاحترام».

مفاجآت نجاد» تلامس الفضاء: لا حلّ عسكرياً


معمر عطوي
يبدو أن الذكرى التاسعة والعشرين لقيام الثورةالإسلامية في إيران، قد حملت إلى الشعب الإيراني مفاجآت على صعيد تطور الصناعات العسكرية والتقنية، لدرجة أنها باتت تلامس الفضاء، بعدما أُطلق أول صاروخ مُخصَّص للأبحاث الفضائية، تمهيداً لإطلاق أول قمر اصطناعي في آذار 2009
تسارعت وتيرة الإعلان عن إنجازات عسكرية وتقنية، ولا سيما في عهد الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، مع وصول الأزمة النووية الإيرانية إلى ذروتها. إنجازات بدت كأنها إجراء وقائي، حاول النظام الإسلامي من خلاله هزّ العصا في وجه تهديدات واشنطن المترافقة مع وجودها العسكري الكثيف في منطقة الخليج.ربما كانت المفاجأة الأبرز الممكن إدراجها في لائحة «مفاجآت نجاد»، الذي وعد بها العام الماضي، إطلاق صاروخ «كاوشكر 1» المُخصَّص لأبحاث الفضاء هذا الأسبوع. وذلك في إطار تدشين أول مركز فضائي في البلاد، تمهيداً لإطلاق أول قمر اصطناعي في مناسبة بدء السنة الفارسية المقبلة التي تنتهي في آذار عام 2009.عملية إطلاق هذا الصاروخ التي حضرها نجاد، كشفت عن أول منظومة فضائية محلية الصنع للأغراض البحثية والعلمية، تتكون من قمر اصطناعي أُطلق عليه اسم «أميد»، أي «الأمل»، ومحطات تحت الأرض، بالإضافة إلى محطات إطلاق فضائية. وبهذا الإعلان، باتت إيران الدولة الحادية عشرة في العالم التي تمتلك مثل هذا النوع من التقنية. مع العلم أن التكنولوجيا المستخدمة لإطلاق أقمار اصطناعية يمكن أن تستخدم في الوقت نفسه لإطلاق أسلحة باليستية.هذا التطور يجسِّد قدرة طهران، خلال السنوات الماضية، على تحدِّي الدول العظمى والالتفاف على قرارات العقوبات الدولية، التي تفرض حظراً على استيراد تقنيات تطوير الصواريخ.لعل ما أظهرته الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006، من قدرات صاروخية، يؤكد المرحلة المتقدمة التي وصل إليها النظام الإيراني. ثمة مجموعة رائدة من الصواريخ التي اختُبرت في هذه الحرب مثل: صواريخ «فجر»، النسخة المعدّلة من «الكاتيوشا»، التي طُوِّرت في إيران ليبلغ مداها 35 ــــ 75 كيلومتراً. وهناك أنواع من هذه الصواريخ مثل «فجر 3»، ومداه 35 كيلومتراً، و«فجر 4»، و«فجر 5»، ومداهما 75 كيلومتراً. ويمتلك «فجر 3» قدرات هجومية واسعة تمكّنه من ضرب أهداف عديدة في آن واحد باستخدام رؤوس حربية متعددة.أما صواريخ «رعد»، فهي شبيهة بصواريخ «فروغ» الروسية، ويصل مداها إلى 70 كيلومتراً، وبعضها سقط على حيفا في فلسطين المحتلة. كما نجحت إيران في عام 2006، بتجربة صاروخ «البرق»، وهو صاروخ «أرض ــــ أرض» يتراوح مداه بين 80 و250 كيلومتراً. لكن الأهم من كل ذلك ما كانت قد توصلت إليه في عام 2005، حين تمكّنت من صنع صواريخ «زلزال» الباليستية، التي تعمل بالوقود الصلب.والحديث عن الجيل الآخر من الصواريخ البعيدة المدى، قد يأخذ منحى آخر في طريقة رصد هذا التطور. لقد أنتجت إيران مجموعة صواريخ «شهاب»؛ «شهاب 3»، يبلغ مداه تقريباً 2250 كيلومتراً، ويمكن التحكم به عن بعد، ويُعَدّ أكبر تهديد لإسرائيل وللقواعد الأميركية في الدول المجاورة. إضافة إلى ذلك، يوجد العديد من سلسلة شهاب (4 ــــ 5 ــــ 6 ) غالبيتها سرّية.وقد تكون المفاجأة الأكبر على هذا المستوى، القنبلة الذكية «قاصد»، التي تزن حوالى 2 طن، ولها قدرة عالية جداً على التدمير.ولم تتوقف الصناعات العسكرية التي يشارك فيها الجيش والحرس الثوري عند القدرات الصاروخية، بل تجاوزتها إلى تدشين خمسة خطوط إنتاجية لصناعة تجهيزات متطورة جداً في مجال الرادارات والحرب الإلكترونية، الأسبوع الماضي.ترافق ذلك مع الإعلان عن الانتهاء من مرحلة تصميم طائرات خفّية لا تكشفها الرادارات المتطورة.وكانت الجمهورية الإسلامية قد دشّنت في أيلول الماضي جيلاً جديداً من الطائرات المقاتلة الحديثة، تحت اسم «صاعقة»، شبيهة بطائرة «أف ـــ 18» الأميركية، فيما نجحت أيضاً في تطوير عدد من المروحيات العسكرية التي تشبه في أدائها مروحيات «الكوبرا» الأميركية.كذلك فقد تمكنت من صنع طائرات من دون طيار، من نوع «مهاجر 4»، أطلق عليها حزب الله اسم «المرصاد 1»، واستخدمها فوق شمال فلسطين المحتلة.وطالت قدرات إيران العسكرية، البر والجو والبحر، ولا سيما أن التهديد الأكبر يأتيها من الخليج، حيث تجوب البوارج الحربية الأميركية. وقد باتت إيران من الدول المصنّعة للناقلات البحرية والعسكرية من طراز «الجوشن». وتمكنت في العام الماضي من صناعة غواصة «الغدير». وأصبحت الغواصات العسكرية المتطورة من صنع إيراني، «سلسلة يونس»، تجوب الخليج، الأمر الذي دفع واشنطن إلى وضع رادارات لبارجاتها العسكرية هناك، تحسباً لأي هجوم إيراني.وكانت القوات العسكرية الإيرانية قد أجرت في عام 2006 تجربة ناجحة لصاروخ أرض ــــ بحر، يتفاوت مداه بين القصير والمتوسط، وقادر على المراوغة أمام أجهزة الرادار. هذا الصاروخ يسمى «الكوثر»، وهو مزوّد بأجهزة تحكم عن بُعد وأنظمة استكشاف. وفي العام الماضي، أجرت اختباراً لغواصة أطلقت بنجاح صاروخاً موجّهاً «بحر ــــ بر».سبق ذلك تجربة ناجحة لإطلاق «الحوت»، وهو طوربيد بحري يتحرك بسرعة 223 ميلاً في الساعة، ويمتلك قدرات عالية تخوّله مراوغة سفن العدو، ولا ترصده أجهزة الرادار.وكانت إيران قد دشّنت العام الماضي، خط إنتاج مدمّرة بحرية أسمتها «موج 2»، زنها نحو 1420 طناً، وتحمل صواريخ «بحر ــــ بحر» و«بحر ــــ جو». هذه الإنجازات التي توصلت إليها إيران في السنوات الأخيرة، تحمل رسالتين واضحتين إلى الغرب: الأولى تفيد بأن الحصار لم ينجح في منعها من امتلاك ترسانة عسكرية من صنعها المحلّي، لحماية برنامجَيها النووي والفضائي. أما الثانية، فتفيد بأن لا حل عسكرياً للأزمة المستعرة بينهما، وأن التسوية لن تخرج إلا من طاولة التفاوض.
الأخبار- الخميس ٧ شباط ٢٠٠٨

6‏/2‏/2008

جدوى التغيير الإيراني

معمر عطوي
من الصعب اليوم تحديد صورة المشهد السياسي المقبل لإيران في ظل تنافس ثنائيتين متضادتين (إصلاحيون ومحافظون)، رغم ما يلمسه المراقب من رغبة في التغيير قبيل الانتخابات التشريعية التي تجرى في 14 آذار.الصعوبة تكمن في صدقية كل تيار، خصوصاً أن الإصلاحيين حكموا البلاد لفترة طويلة في ظل الرئيس السابق محمد خاتمي (1997ـــــ2005) من دون أن يتركوا بصمات واضحة على الأداء الاقتصادي، رغم أنهم تميزوا بفتح مجالات أوسع أمام الحريات الشخصية والانفتاح على الخارج. لكنهم لم يرتقوا ببلد، يُعد الرابع من ناحية الإنتاج النفطي في العالم، ليصبح مكتفياً ذاتياً على صعيد إنتاج البنزين المُكرّر أو الغاز المسال.المثير للاهتمام في لعبة التجاذبات الانتخابية الإيرانية، أن الإصلاحيين لن يكونوا وحدهم في مواجهة تيار الأصوليين (المحافظين) المدعوم من المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، وقوات الحرس الثوري؛ فالتيار الوسطي المعتدل، الذي يتزعمه الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، وتيار المحافظين الخارجين عن تأييد الرئيس محمود أحمدي نجاد، يبدو أنهما حسما خيارهما في التحالف مع الإصلاحيين، وهو ما يشير إلى أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون بمثابة معركة كسر عظم بين التيارين.تدعم هذه الفرضية القيادة الثلاثية لتيار المعارضة (خاتمي ورفسنجاني ومهدي كروبي)؛ فالأول معروف بشعبيته وسط الشباب بسبب أفكاره الانفتاحية، والثاني صاحب نفوذ كبير، هو رئيس مجلس خبراء القيادة ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وله ثقل اقتصادي واسع في إيران. أمّا كروبي فهو رئيس سابق للبرلمان له حضوره القوي في المشهد السياسي.لكن ثمة قضية لا شك في أن لها تأثيراتها السلبية على وضع المعارضة في الانتخابات المقبلة، وهي رفض نحو نصف المرشحين الإصلاحيين من قوائم الترشيح.إضافة إلى ذلك، قد تحمل الأسابيع الأخيرة قبل الاستحقاق الانتخابي، الكثير من المعطيات التي تعيد إلى نجاد بعض ماء وجهه. هذا إذا تمكن الرجل من إثبات قدرته على المضي في البرنامج النووي بأقل خسائر ممكنة، وإذا تبيّن أن ما أقامه من علاقات واتفاقات، خصوصاً مع دول الجوار، قد تؤتي أكلها في المدى القريب، بانعكاسها على حركة الاستثمارات وبالتالي على الوضع الاقتصادي للجمهورية الإسلامية.في أي حال، قد يحمل الاستحقاق المقبل بعض التغيير في خريطة البرلمان، وقد ترسم هذه الخريطة ملامح صورة الانتخابات الرئاسية في عام 2009. في هذه الحال، قد يطرأ بعض التغيير على السياسة الداخلية، من قبيل دفع نجاد إلى تحسين صورته وتلافي ثغر أدائه السابق.لكن مفارقة السياسة الإيرانية هي في أن السلطة تبقى في قبضة المرشد الأعلى للثورة. فحين يقول خامنئي إن العلاقات مع واشنطن لن تبقى مقطوعة دائماً، فإن في ذلك إشارة إلى إمكان تبديل الطاقم في المستقبل ليتلاءم مع صورة الانفتاح المقبل، عندما يحين وقته.
الأخبارفي ٦ شباط ٢٠٠٨

4‏/2‏/2008

كتاب «إلى مطر قديم» لإسماعيل حيدر


سيرة «الأنا» وإشكالية النوع الأدبي
2008-02-04 جريدة العرب-الدوحة
بيروت - معمر عطوي
حين يختار الكاتب النوع الأدبي ليحكي تاريخه، قد يقع في إشكالية «الأنا» التي تجعل روايته أو نصوصه أو قصصه، تفتقد إلى الجانب النقدي، أو الإضاءة على الأماكن السلبية من شخصيته وسلوكياته. لكن بأية حال قد تكون «حكاية «الأنا» في هذا المجال مفتوحة على مشاهد أخرى تغني النص وتحوله إلى حكاية مكتملة الشروط.ربما وُفق إسماعيل حيدر في السير نحو هذا الاتجاه، بيد أنه لم يصبه. والإشكالية هنا، إضافة إلى استغراقه في لعبة الذاتية، أنه ترك تحديد النوع الأدبي لكتابه «إلى مطر قديم» (الصادر عن الدار العربية للعلوم في بيروت)، للقارئ من دون أن يضع في أسفل الغلاف كلمة «شعر» أو «قصص» أو «نصوص نثرية». عرفت إسماعيل صحافياً وكاتباً ملتزماً في بدايات حياته، لكن لم أعرفه ذلك الأديب الذي أراد أن يعبر عن اشتياقه لعالمه الماضي، من هناك حيث مكان عمله في صحراء دبي، بالتعبير عن الصخرة وشجر التين والزيتون وشقاء الطفولة.ربما كان إسماعيل حيدر متسرعاً في نشر كتابه الذي أراده «أحوال شخصية لم تكتمل»، إذ دمج فيه أنواعاً أدبية متباينة، الأمر الذي أفقده السياق المطلوب في العمل الأدبي. كان من الممكن أن يكتفي بما كتبه من قصص عن قريته في الجنوب اللبناني وأحوال أهلها وعلاقاته الطفولية البريئة وعالمه الخاص، في قصص أو رواية مصغرة، بدلا من هذا الهجين.هذا الهجين وان كان يحمل الكثير من جمالية العبارة ودقة الوصف والتعريف وينضح بالبعد الإنساني، فإنه فقد «هيبته» بسبب هذه الفوضى التي ربما أراد من خلالها تقديم نوع أدبي جديد أو قد يكون بهدف استكمال الشروط الصورية للكتاب من أجل الدفع به إلى المطبعة.على سبيل المثال، ثمة مقاطع تصلح لأن تكون تحت عنوان الشعر مثل «استرجاع» التي يقول فيها: حالما تتبدد المعتقدات، يصير المرء كخفاش، تائهاً في نهار.. ثم يهوي في بئر بلا قعر.أو في «كينونة» التي جاء فيها هذه العبارة فقط: أيتها المتوغلة في سرائري، محفوظة في السر، محفوظة في الجهر.كذلك كتب عبارات شاعرية بسيطة مثل «العمر»: يهرب مثل سارق.. فلا ندركه، إلا في لحظة الاستيقاظ الأخير.عناوين عدَّة كان يمكن تصنيفها على حدة لما تحمله من قوة المعنى وجمال العبارة وصورة الشعر. أما العناوين الأخرى على غرار، «أطياف التكوين» و «طير الذهب» و «حمام أبيض فوق الأسلاك» وغيرها.. فيمكن إدراجها تحت باب «النصوص النثرية».يقسم الكاتب عمله الجديد إلى أربعة أبواب: تبدأ بـ «أطياف النشأة الأولى» وتمر بـ «استئناف الوصل» و «تقاطيع الفصل» لينتهي بـ «أطياف النشأة الثانية». من خلال هذه العناوين كان يريد الكاتب القول إن ما كتبه يتعلق في سياق، لذلك بدا عمله بمثابة صور متلاصقة تحكي تجربة شخصية غنية، بيد أن هذه الصور تباينت في نوعها وشكلانيتها.

1‏/2‏/2008

هكذا «تألّق» نجاد... نوويّاً

معمر عطوي
أن يعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن بلاده تتحرك «نحو الذروة على الطريق النووي»، فمعنى ذلك أن سياسته التي قامت على عدم التنازل «قيد أنملة» في هذا الملف قد نجحت في تتويج مرحلة شاقة وحساسة من التعامل مع الغرب، قبيل بدء الاحتفالات بالذكرى الـ29 لانتصار الثورة الإسلامية
يبدو أن الانتقادات اللاذعة التي وجّهها الإصلاحيون والمعارضون لسياسة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لم تقف حائلاً بين الرئيس المحافظ والعمل على تحقيق ما وعد به شعبه، من مفاجآت في الملف النووي، العام الماضي.لقد تعرّض نجاد للعديد من الهجمات بسبب سياسته الاقتصادية الخاطئة، التي أوصلت البلاد الى مرحلة من التدهور، تجاوز فيها التضخم نسبة الـ19 في المئة. كذلك كان مصير خطابه «الاستفزازي» تجاه الغرب وإسرائيل.لكنه، في المقابل، وضع ثقل مؤسساته، من أجل إنجاح مشروعه النووي، الذي رفض دائماً التراجع في شأنه، حتى باتت المسيرة النووية متألقة في عهده، مصداقاً لقوله إن «المسألة النووية هي التحدي الأكبر منذ بداية الثورة (1979)».وربما كانت إحدى أهم المفاجآت التي وعد بها نجاد، الإعلان عن بداية إنتاج الوقود النووي محلياً وازدياد أعداد أجهزة الطرد المركزي المُعدَّة للتخصيب الى 3000 جهاز في مفاعلات ناتنز النووية (وسط إيران)، إضافة الى وصول ثماني شحنات من اليورانيوم المخصّب الروسي ــــــ بعد مماطلة طويلة ــــــ إلى محطة بوشهر الكهروذرية، ما دفع الرئيس المتفائل للإعلان عن أن «الكهرباء النووية ستتدفق في شبكة كهرباء إيران» العام المقبل في مثل هذا الوقت.وفي الحقيقة، فإن الطموح النووي الإيراني، هو إرث قديم، تلقّفته الثورة الإسلامية عن النظام الشاهنشاهي السابق. لكن بدء الحرب الإيرانية ـــــ العراقية عام 1980، أوقف عجلة أي محاولة لتطوير الصناعة النووية، وبقي الأمر على هذا الشكل حتى عام 1985.في ذلك العام، قامت الثورة بعمليات تخصيب متواضعة لليورانيوم، مستخدمة الوحدات التابعة لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، ومعتمدة على دعم روسيا وكوريا الشمالية والصين في هذا المجال.وفي عام 1997، خطت إيران خطوات جيدة على الطريق النووي، حيث انتقلت عمليات التخصيب إلى شركة «كالاي» الكهربائية، التي تمتلك ورشة كبيرة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي المعدة للتخصيب.لكن المرحلة الأهم كانت عام 2002، حين أنشأت الجمهورية الإسلامية محطة خاصة بالتخصيب تحت الأرض في ناتنز. وصمّمت هذه المحطة لتستوعب ما لا يقل عن 50 ألف جهاز للطرد المركزي، بهدف إنتاج حوالى 500 كيلوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب سنوياً.لكن ما عرقّل تقدم طهران ووصولها إلى مرحلة أكثر تطوراً في مجال عمليات التخصيب، هو امتثالها للضغوط الدولية من خلال اتفاق باريس الذي وقعته مع دول الترويكا الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في تشرين الثاني 2004. اتفاق يدعو إلى إيقاف طهران لأنشطتها في مجال التخصيب لأشهر.ولم تستأنف إيران هذه الأنشطة إلا عقب وصول مفاوضاتها مع الدول الأوروبية إلى طريق مسدود، بسبب الخلاف على الاقتراحات الأوروبية المقدمة إليها في 2005. حينها كان الرئيس نجاد قد تسلّم زمام الرئاسة: أعلنت إيران استئناف أنشطتها، وبدأتها على نطاق محدود في مجال تحويل اليورانيوم إلى غاز سداسي فلورايد اليورانيوم. ثم زادت من وتيرة هذه الأنشطة، حتى وصلت بها إلى مرحلة إجراء تجربة التخصيب في 2006، التي اشتملت على استخدام 164 جهاز طرد مركزي، لتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المئة، ما يسمح لها فقط بالاستخدام المدني.ولم تتوقف المسيرة عند إعلان مصادر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تشغيل طهران لثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي الخريف الماضي؛ فقد أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، علاء الدين بروجردي، في كانون الأول الماضي، أن محطة درخويين النووية الإيرانية، التي ستكون الأولى التي تبنيها إيران بالكامل، ستدخل حيز الخدمة في غضون تسعة أعوام.وكثيراً ما حاولت إيران إقناع المجتمع الدولي والقوى العظمى بأن برنامجها النووي لا يتعدّى في طموحاته الاستخدام السلمي للطاقة، كتوليد الكهرباء والاستخدام الطبي والعلمي، ولهذه الغاية وقعَّت عام 2003 البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، الذي يتيح لوكالة الطاقة القيام بعمليات تفتيش مباغتة.ويبدو أن موافقة موسكو على تسليم جميع دفعات الوقود النووي لإيران، لم تحل دون تمسك الجمهورية الإسلامية بعمليات التخصيب، الأمر الذي كانت تراهن عليه واشنطن، معتبرة أن استيراد اليورانيوم المخصَّب ينزع الذريعة من طهران باستمرار التخصيب.ورغم سياسة الكر والفر التي اعتمدتها طهران، حظيت في العام الماضي بشهادتين تدعمان توجّهاتها السلمية النووية: الأولى، كانت تقريراً للمدير العام لوكالة الطاقة، محمد البرادعي، تحدث فيه عن عدم وجود ما يثبت نيتها امتلاك سلاح نووي. والآخر تقرير صدر عن 16 جهاز استخباري أميركي يؤكد توقف البرنامج النووي العسكري لإيران منذ عام 2003، مع العلم أن كلا التقريرين كان حمَّال أوجه لجهة التحذير من إمكان النظام الإسلامي في أي وقت العودة الى تحقيق الأهداف العسكرية للبرنامج النووي.ثمة رسالة واضحة في ما أعلنه نجاد أول من أمس عن أن بلاده تتحرك «نحو الذروة...على الطريق النووي». رسالة تتخذ أهميتها من المكان الذي كان يخطب فيه نجاد أمام حشد من الإيرانيين، وهي منطقة بوشهر التي تتحضّر لتشغيل مفاعلاتها الكهروذرية. ما يؤشر إلى أن تحقيق الهدف النووي الذي سعى دائماً اليه قد يكون مفتاح حل للمشاكل الأخرى من دون أدنى شك.
الاخبار-١ شباط ٢٠٠٨