31‏/3‏/2011

ليبيا: الاعتراف بالمعارضة غطاء سياسيّ للتدخل العسكري

من الواضح أن الدول الغربية التي تتابع الأزمة الليبية هذه الأيام بكثافة وشغف، لا تعتمد فقط على قوّتها العسكرية بفرض حظر جوي فوق الجماهيرية تحت جناح قرار الأمم المتحدة رقم 1973، بل باتت تتجه نحو تثبيت المعارضة
كسلطة شرعيّة

24‏/3‏/2011

«الجبهة الوطنيّة»: أربعون عاماً في خدمة «البعث»

منذ نجاحه في الانقلاب على مناوئيه في قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي والسلطة السورية، أمين القيادة القطرية صلاح جديد والرئيس نور الدين الأتاسي، في 16 تشرين الثاني 1970، بدأ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بوضع دستور جديد للبلاد يتلاءم مع أهداف حزب «البعث»
معمر عطوي
ما بين فترتي انطلاق الحركة التصحيحية التي سبقت تسلّمه رئاسة الجمهورية بأشهر ثلاثة (في 22 شباط 1971) وتاريخ الانتهاء من وضع الدستور في 13 آذار 1973، عكف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على وضع قوانين موسومة بطابع حزب البعث. لهذا، حصر الدستور السوري في مادّته الثامنة المثيرة للجدل، والمُندرجة تحت فصل المبادئ الأساسية، السلطة في سوريا بحزب البعث، على قاعدة أن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمّة العربية».
ولم يعدّل هذا الدستور في تاريخه غير ثلاث مواد: المادة السادسة (عُدّلت في 29 آذار 1980) وتقول «يبيّن القانون علَم الدولة وشعارها ونشيدها والأحكام الخاصة بكل منها». وفي 3 تموز 1971، عُدّلت الفقرة الثالثة من المادة 84 من الدستور الخاصة بتوقيت انتخاب الرئيس لتصبح: «يتم انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة أشهر». وبعد وفاة الرئيس حافظ الأسد في حزيران 2000، وإفساحاً في المجال أمام تولّي نجله بشار (الرئيس الحالي) للرئاسة، عُدّلت المادة 83 من الدستور لتصبح: «يشترط في من يرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون عربياً سورياً متمتّعاً بحقوقه المدنية والسياسية متمّاً الرابعة والثلاثين عاماً من عمره».
وبناءً على استفتاء شعبي أجري في 12 آذار 1973، حصرت المادة الثامنة القيادة بحزب البعث العربي الاشتراكي وسمحت لأحزاب معيّنة، يوافق عليها حزب البعث، بالعمل في الحياة السياسية في إطار «الجبهة الوطنية التقدمية» تحت سقف تحدّده السلطة البعثية.
أمّا الجبهة الوطنية التقدمية، التي تأسست في 7 آذار 1972، فتتألّف من 7 أحزاب تمارس السياسة بذهنية حزب البعث وتعطي النظام صيغة تجميلية لمشهد التنوع السياسي والحزبي المُفترض. هذه الأحزاب هي: حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري (بجناحيه «وصال بكداش» و«يوسف فيصل») والاتحاد الاشتراكي العربي وحزب الوحدويين الاشتراكيين وحركة الاشتراكيين العرب والحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي والاتحاد العربي الديموقراطي. ومنذ أواخر عام 2001، يشارك الحزب السوري القومي الاجتماعي في اجتماعات الجبهة بصفة مراقب.
وبموجب الفقرة الأخيرة من المادة (3) من نظامها الأساسي، هناك إمكانية لانضمام أطراف أو عناصر أخرى إلى الجبهة، مثل الاتحاد العام لنقابات العمال والاتحاد العام للفلاحين.
وبدا مسوّغ تأسيس هذه الجبهة، كما ورد في بيان القيادة القطرية المؤقتة في 16 تشرين الثاني 1970، أنه «ينبغي حشد الطاقات التقدمية، والشعبية، ووضعها في خدمة المعركة، وذلك من خلال تطوير العلاقات باتجاه جبهة تقدمية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي».
وتحقق هذا الطموح في 7 آذار 1972، بالتوقيع على ميثاق للجبهة. وأدّت الجبهة دوراً في تبهير صورة التعدديّة الحزبيّة في سوريا، إضافة الى إعطاء القرارات السورية المهمة التي يصدرها أركان النظام شرعية سياسية توحي بالإجماع حولها.
ولكي يبقى حزب البعث هو الأقوى على الساحة السياسية، عمد الى إضعاف الأحزاب الموجودة في الجبهة من خلال مغازلة شخصيات أو تيارات معيّنة وعزل أخرى، علماً بأن حزب «البعث» نفسه انشقّ تاريخياً عن نصفه العراقي، ثم انشقّ عنه ابراهيم ماخوس وأسس حزب البعث العربي الاشتراكي الديموقراطي وهو خارج الجبهة أيضاً.
ولعل أهمّ الانشقاقات التي تعرّضت لها أحزاب الجبهة جاءت من الحزب الشيوعي الذي انقسم الى تيارات متفرقة؛ بات الحزب الموجود داخل الجبهة جناحين (جناح وصال بكداش وجناح يوسف فيصل)، فيما انضم جناح رياض الترك الى المعارضة غير المعترف بها من السلطة.
أمّا الاتحاد العربي الاشتراكي فقد عرف آخر انقساماته عام 1973، حين خرج جمال الأتاسي بجناحه المعارض من الجبهة وبقي فوزي الكيالي فيها، وكلاهما احتفظ بذات الاسم.
بدورها، حركة الاشتراكيين العرب، انقسمت إلى جناحين، أحدهما عضو في الجبهة الوطنية كان يرأسه عبد الغني قنوت حتى وفاته، والثاني في المعارضة ضمن التجمع الوطني الديموقراطي ويرأسه عبد الغني عياش.
وعلى المنوال نفسه سار الحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي عام 1974، الذي انضمّ إلى الجبهة منذ نهاية كانون الأول 1988. كان يقوده أمينه العام أحمد الأسعد منذ تأسيسه حتى وفاته في 9 آذار 2001. ثم اندلع الصراع على أشده بين فراس الأسعد نجل زعيم الحزب وبين العديد من أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي. وانتخب فراس أميناً عاماً للحزب الممثل في الجبهة.
في أي حال، لم تكن أحزاب الجبهة قياساً بحزب البعث، أحزاباً جماهيرية قادرة على الحشد أو إعلان نشاطات وتحركات خاصة بها بعيداً عن التنسيق مع جهاز الاستخبارات.
واللافت أن قيادات هذه الجبهة، الذين أصبحوا كباراً في السن أو من ضمن صفوف الحرس القديم للنظام وحافظي أدبياته في القومية والاشتراكية والوحدة، لم يقدّموا يوماً أي اقتراحات تركت بصماتها على المشهد السياسي السوري إلّا من قبيل مباركة قرارات البعث.
الأخبار: 24-3-2011

23‏/3‏/2011

ثالوث الانتفاضات: الاقتصاد والحريّات ... و«ويكيليكس»

معمر عطوي
ما الذي يعطي الثورات الشعبية الحالية في العالم العربي خصوصية، تجعلها محط أنظار العالم ومحل تعاطف الأمة؟ سؤال قد يجد أجوبته في مقاربة عادلة بين الثورات العفوية التي تبدأ بفعل شعبي، وبين «الثورات» التي تكون مطية للدول الكبرى، من أجل وضع أقدامها في الأماكن الخصبة والغنية بالثروات.
ثمة مقاربة سرعان ما قفزت الى الأذهان، بعد نجاح ثورة تونس، وانغرست أكثر بعد خلع الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم في مصر. مقاربة استفهامية، حول الفارق بين التخلص من نظام ظالم في العراق بمساعدة الدول المستعمِرة، وبين إسقاط أنظمة فاسدة بمجهود جماهيري في الشارع. الفارق كبير جداً، ليس فقط في المعطيات والدوافع والقيم الأخلاقية التي تقف وراء العمل التغييري، بل أيضاً على مستوى التداعيات والنتائج. حصيلة ثورتي مصر وتونس لم يتجاوز ثمنها من الضحايا ألف شهيد، بينما وصل عدد ضحايا الغزو الأميركي ـــــ البريطاني للعراق إلى 655000 عراقي، منذ بدء الحرب في آذار 2003. مع ذلك ثمة تقاطع يصل بين هذين النمطين من التغيير.
«إنّه الاقتصاد يا غبي». عبارة قالها الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، بيل كلينتون، خلال حملته الانتخابية ضد الرئيس السابق جورج بوش الأب، في التسعينيات من القرن الماضي. بيد أنّ هذا القول، الذي كان عنواناً لتقرير سري صدر عن السفارة الأميركية في طرابلس الغرب في عام 2009، بات يشير إلى أهمية العامل الاقتصادي في التغيير السياسي.
انطلاقاً من هذا المفهوم، يمكن رصد عوامل تثوير الشباب العربي في بلاد يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، رغم الثروات النفطية الهائلة في بعضها، والثروات الطبيعية في أخرى.
ثمة دور رائد لما عُرف بقضية وثائق «ويكيليكس»، التي شكلت إرهاصات الثورات الحالية في الوطن العربي. فقد استفزّت الفضائح حول آليات إدارة الحكم في أكثر من دولة، مشاعر الجماهير التي بات طموحها ليس أقل من اعتماد الشفافية في الأداء السياسي لإدارة الحكم.
هناك أسباب عدّة لاندلاع هذه الثورات المفاجئة. أسباب نضجت بفعل الإجحاف الاقتصادي، وتوسّعت كردّ فعل قوي على أساليب القمع ومصادرة الحريات، لتصل إلى ذروتها بفعل التمييز الطائفي هنا، أو القبلي هناك، أو الطبقي (أغنياء/ فقراء) في كل دولة.
ومن المعروف أنّ فساد السلطة وزبانيتها قد نهشا مصر وتونس لعقود طوال، رغم افتقار هذين البلدين الى ثروات نفطية، على غرار ليبيا ودول الخليج. وفي ليبيا، أشارت وثيقة سريّة للسفارة الأميركية عام 2009، الى أنّ مواطني هذه الدولة الأفريقية، التي لا يتجاوز عدد سكانها 6.5 ملايين نسمة، سيظلون «هادئين من ناحية سياسية ما دام الوضع الاقتصادي مقبولاً».
بيد أنّ نبوءة الاقتصاد تحققت، بعد أشهر قليلة من صدور دراسة اقتصادية اجتماعية أفادت بأنّ نحو 29 في المئة من إجمالي الأسر الليبية تعيش تحت خط الفقر. وأضافت الدراسة، التي أعدّتها أمانة اللجنة الشعبية العامة للتخطيط والمالية (رسمية)، إنّ عدد السكان تحت خط الفقر زاد من نحو 605 آلاف في 1992 ــ 1993 إلى نحو 739 ألفاً عام 2001، حسبما نقل موقع وكالة «ليبيا برس»، في لندن.
هذه الدراسة هي غيض من فيض التقارير التي تقول إنّ نحو 60 في المئة من القوة العاملة الليبية تعمل في القطاع العام، بأجور لم تتغير منذ عشرات السنين، كما أنّ تقرير الفساد الدولي لسنة 2010 يضع ليبيا في المرتبة الـ 146 من بين 178 دولة. كذلك أفادت تقارير دولية عن ارتفاع نسبة العاطلين من العمل إلى 25 في المئة.
وفي موضوع الحريّات، ليس خافياً على مراقب، سياسات السجون والقمع والمنع وكمّ الأفواه التي تمارسها السلطات الليبية منذ نجاح ثورتها في عام 1969. فلا أحزاب ولا صحف حرة أو مستقلة ولا رأي مخالفاً للعقيد، يمكن تمريره. قمع ظهر مع بداية الاحتجاجات في 17 شباط الماضي، حين اندفع المئات من الليبيين الى مدينة بنغازي في تظاهرة سلمية للتضامن مع عائلات ضحايا مجزرة سجن بوسليم (1996)، فتدخلت قوات الأمن وميليشيات اللجان الثورية لقمع المتظاهرين الذين أصيب منهم 38 شخصاً بجراح.
أمّا وصول الأمور الى ذروتها وانفلات العقدة الأساسية، فكانت بحافز من ثورتين مجاورتين؛ في الشرق ثورة النيل المصرية وفي الشمال الغربي ثورة الكرامة التونسية. هذا ما يفسّر القلق الليبي من انتقال الثورات إلى البلاد من جيرانها. قلق عبّرت عنه السلطات الليبية بتضييق الإجراءات على المسافرين الآتين براً من تونس والجزائر ومصر، منذ اندلاع الثورات، كأنّها استشعرت الخطر مبكراً.
ولا بد هنا من التذكير بمواقف القذافي التي تعاطفت مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، في تناقض تام مع نبض الشارع العربي ومنه الشارع الليبي، والتي صبّت في غير مصلحة «ملك ملوك أفريقيا». مواقف تعززت بأداء للقذافي يجتر ما قام به الرئيسان المخلوعان.
ثمة ثورة ليبية حقيقية انطلقت في الشرق، حيث مدينة بنغازي التي كانت تاريخياً من أشرس المدن المقاومة للاستعمار الإيطالي، ومن أكثر المناطق رفضاً لسياسات السلطة، سواء كانت ملكية في عهد السنوسي سابقاً أو جماهيرية في عهد القذافي حالياً. وكانت السلطات الليبية تتبع، دائماً، سياسات تمييزية بين الشرق والغرب.
لكن في أي حال، اتخذت ثورات تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن والجزائر وغيرها، خصوصية معينة غير مسبوقة في تاريخ الثورات المعروفة. خصوصية تنأى بالثوار عن أي تنظيم أيديولوجي أو تشكيلات حزبية تقليدية أو حتى تيارات دينية تطالب بـ«حكم الله في الأرض». لقد تغيّرت صورة الثورات الحديثة المنطلقة من الشارع بطريقة عفوية والمُعززة بآليات تكنولوجية حديثة (فايسبوك وتويتر وغيرها من أساليب الاتصال والتواصل). أصبحت هذه الثورات، التي يمكن أن تستوعب من هم في أطر حزبية أو دينية أو نقابية، ثورات فضفاضة لا تتقيّد ببرنامج عمل مُسبق أو بمانيفستو يلتزم صيغة عمل الحزب ومبادئه وأهدافه السياسية والفكرية. ثورات تسعى الى المطالبة بحقوقها المهدورة في العيش والحرية والقيم الإنسانية عبر صياغة دستور يلائم تنوّع أطيافها ومشارب مواطنيها وطموحاتهم. دستور ينطلق من حاجات الناس وأهدافهم وطموحاتهم.
النقطة الأبرز هنا، أنّ الثورات التي تنطلق من وجع الناس وجراحاتهم، وتغيّر الواقع بدماء هذا الشعب وإصراره وتضحياته بعيداً عن أي تدخّل أجنبي، لا تتطلب حجماً من التضحية، بقدر الانخراط في مشاريع التغيير التي تأتي من الخارج. وهناك نماذج كثيرة على ذلك في العالم العربي، لعل آخرها في العراق، تبيّن كم يصبح البلد الذي «يتحرّر» من سلطته الديكتاتورية، بأيدي الاحتلال، مرهوناً لهذا الاحتلال سياسياً واقصادياً، فضلاً عما يتركه الاحتلال قبل رحيله، من فتن وقنابل موقوتة طائفية أو عرقية أو حتى حدودية، كما فعلت بريطانيا وفرنسا في البلدان العربية بعدما «حرّرتها» من الظلم العثماني عبر اتفاقية «سايس بيكو».
في النهاية، يبقى الاقتصاد هو الأساس بقطع النظر عن شكل الثورة وطبيعتها. الاقتصاد هو من دفع الدول الرأسمالية إلى دعم مكونات سياسية واجتماعية في بعض البلدان التوتاليتارية من أجل السيطرة على منابع النفط في هذه البلدان. كما أنّ الاقتصاد هو من دفع أبناء تونس ومصر الى الشارع لوقف مصادرة ثرواتهم ورغيف خبزهم من حيتان السلطة والمال والاستخبارات.


الاخبار: لاربعاء ٢٣ آذار ٢٠١١

21‏/3‏/2011

الصين والجماهيريّة: المصلحة أوّلاً


11‏/3‏/2011

الصيــن تطلــب «علــم الثــورة» مــن العــالم العــربي

لا شك في أن الأحداث التي يشهدها الشارع العربي هذه الأيام وضعت بكين أمام موقف مشوب بالترقب والحذر أمام مناطق توتر تعارض النظام السائد. قلق يبدو جليّاً من خلال تصريح رئيس الحزب الشيوعي في إقليم شينجيانغ، تشانغ تشون شيان، «ينبغي أن نعي الدروس من الشرق الأوسط على المستوى التقني»


معمر عطوي
في زيارة قام بها وفد من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة»، بقيادة أحمد جبريل، إلى الصين في بداية السبعينيات، سأل أحد أعضاء الوفد الزعيم الصيني آنذاك، ماو تسي تونغ، أن يعطي الوفد نصائح في الثورة، فكان جواب ماو الذي عُرف بثقافته الواسعة، «لديكم (الإمام) الحسين» وتسألونني عن الثورة؟ حادثة يمكن البناء عليها في الوقت الحالي، حيث يحاول المسؤولون الصينيون اتّخاذ العبر من الثورات العربيّة القائمة، ولا سيما بعدما حاول ناشطون معارضون للنظام الصيني التجمّع بالمئات في شنغهاي نهاية الشهر الماضي.
جواب ماو للوفد الفلسطيني وسعي المسؤولين الصينيين لفهم ما يجري في الواقع العربي، يطرحان إشكاليّة ثقافية حول الصيغة العلائقية للتبادل الثقافي بين أمةٍ حثّ نبيّها محمد على طلب العلم «ولو في الصين»، وبين حضارة أنتجت ثورة ثقافية رائدة، باتت تستجدي الحلول لمشاكلها «ولو من عند العرب».
الحدث انطلق من إقليم شينجيانغ في شمال غرب الصين، حيث تعيش غالبية مسلمة، تعرضت في السنوات الأخيرة لاضطهاد من الحكومة المركزية في بكين. بيد أنه انتقل الى شنغهاي (إحدى البلديات المركزية الأربع في البلاد وتقع في وسط ساحل بر الصين)، والى مدن أخرى باتت تطالب برفع المظالم عن الشعب الصيني.
لعل حضور الدرس العربي كان لافتاً خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث ألقت الشرطة القبض على عشرات المعارضين في عدة مناطق صينية، بسبب دعوات هؤلاء من خلال المدوّنات والمواقع الإلكترونية إلى تنظيم تجمعات تطالب بالديموقراطية، على غرار التجمعات التي تشهدها بعض الدول العربية.
وربما بسبب الرابط الديني الإسلامي بين سكان إقليم شينجيانغ، الذي يتحدث أهله التركية، مع غالبية مواطني العالم العربي، كان زخم المعارضة في شينجيانغ أقوى من باقي الأقاليم الصينية، فقد انتشرت أعداد كبيرة من رجال الشرطة تحسّباً لأيّ اضطرابات تعيد مشهد العنف الدموي (العرقي ـــــ الديني) الذي وقع في عاصمة الإقليم، أورومتشي، عام 2009، والتي أدّت الى سقوط 200 قتيل.
ثمة خشية حقيقية لدى المسؤولين الصينيين إزاء هذا الإقليم، لذلك ذكّر رئيس الحزب الشيوعي في إقليم شينجيانغ، تشانغ تشون شيان، الويغورييين بالإصلاحات التي بدأت قبل ثلاثة عقود ودفعت الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، مضيفاً «إذا أردنا استقراراً طويل الأمد فينبغي أن نضمن أن ينعم المواطنون ويستفيدوا حقاً من ثمار الإصلاح والانفتاح». وفي محاولة للتقارب مع الأقليات، لم ينس المسؤول الصيني دعوة سكان شينجيانغ البالغ عددهم 21.6 مليون نسمة إلى أن يندمجوا أكثر في القاعدة العريضة للمجتمع الصيني.
هذا على صعيد مناطق الويغور، أما على مستوى المدن الأخرى، فقد أفردت صحيفة «واشنطن بوست» في عددها الصادر نهاية الشهر الماضي، تقريراً بعنوان «الصين تخمد الاحتجاجات المُستلهَمة من الشرق الأوسط قبل أن تنجح في تحركاتها».
ووصل الأمر الى حد أن رئيس الحكومة الصينية وين جياباو، لجأ الى الإنترنت لينصح بتطهير البلاد من المسؤولين الفاسدين الكبار في الدولة، وبكبح الزيادة في التضخم وارتفاع أسعار المساكن.
واتّبعت الحكومة الصينية، أمام ما لاحظته من امتعاض جماهيري واضح تغذّى من نجاحات ثورتي تونس ومصر، تكتيكات دفاعية وعدائية في آن. لعل الخطوة الأولى التي اتّبعها المسؤولون هي محاولة توضيح الفارق بين طبيعة الأنظمة العربية والنظام الصيني الذي يمثّل مفارقة في اعتماده الليبرالية الاقتصادية، بينما يعلن اعتناقه الشيوعية.
وأبرز التكتيكات الدفاعية التي قام بها المسؤولون، حسبما ذكرت «واشنطن بوست»، هي اعتماد خطوات تصعيدية إزاء تعليقات الجمهور التي تركّز على الاحتياجات، داعية الى «نضال اجتماعي» يعالج المشكلات الناتجة من تفاوت المداخيل بين الأغنياء والفقراء.
وعلى المستوى العدائي، اعتقلت السلطات عدداً من الناشطين الحقوقيين وحجبت مواقع إلكترونية اعتبرت أنها حساسة. كما أن الشرطة الصينية ومتطوعين من الشبيبة الشيوعية وضعوا في حال استنفار دائم في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما يوم 27 شباط الماضي. استنفار لم تشهده فقط العاصمة بكين، إنما مدينة شنغهاي أيضاً ومدن أخرى دعت المعارضة الى تسيير احتجاجات فيها.
إجراءات عديدة شهدتها هذه المدن، منها منع الصحافيين من دخول مناطق الاحتجاج ومعاملة العشرات منهم «بخشونة»، والتعامل مع التجمعات بالقمع ومنع التصوير، بالرغم من اعتماد المتظاهرين لغة الصمت.
لم يكن الشعب الصيني لينتظر ثورات في المقلب الآخر من آسيا، حتى يهبّ للمطالبة بحقوقه وبحريته وبمعاقبة الفاسدين، فقد شهدت الصين العديد من الاحتجاجات على مدى أكثر من خمسين عاماً كانت دائماً تُجابه بالقوة. والأحداث الدموية التي شهدتها ساحة تيان أن مان، وسط بكين، في عام 1989، تؤكد طبيعة الشباب الصيني الذي يطالب دوماً بالديموقراطية والإصلاح.
العدد ١٣٦٠ الجمعة ١١ آذار ٢٠١١

5‏/3‏/2011

المشروع النوويّ الليبيّ بين الكوريتين وروسيا والصين

سعي القذافي إلى امتلاك السلاح النووي دفعه إلى طرق مجموعة من الابواب، ولا سيما الباب الكوري الشمالي، قبل أن يعدّل وجهته نحو سيول، بحثاً عن نووي سلمي، في أعقاب تصالحه مع الغرب
معمر عطوي

ليس خافياً أن ليبيا حاولت امتلاك برنامج نووي عسكري وسارت في هذا الاتجاه، لكنها لم تكمله، إذ كان للتحولات العسكرية والسياسية التي عصفت بالشرق الأوسط خلال العقد الأخير دور كبير في تخويف الزعيم الليبي معمر القذافي، ليتّخذ إجراءاته الاستباقية الشهيرة وتسليم ما لديه من مواد يمكن استخدامها في المجال النووي وصنع أسلحة غير تقليدية. كذلك لم يعد خافياً الدور الكوري الشمالي، إلى جانب الأدوار الصينية والروسية والباكستانية، في تمكين ليبيا سابقاً من الحصول على موادّ نووية.
لقد كان قرار القذافي في عام 2003، التخلّي عن أسلحته غير التقليدية وتجميد برنامجه النووي والسماح للمفتشين الدوليين بالتأكد من ذلك، انعطافة مهمّة في السياسة الليبية نقلت «الهضبة الأفريقية» إلى موقع آخر. موقع باتت معه طرابلس تفكّر في برامج نووية سلمية لتوليد الطاقة وتحلية المياه، فاتجهت الى دول عديدة، بينها كوريا الجنوبية التي تعدّ نقيضاً لكوريا الشمالية؛ الأولى متطوّرة على المستوى التسليحي والنووي والثانية متقدّمة تكنولوجياً وصناعياً.
وتنقل «واشنطن بوست» عن مسؤول عسكري أميركي قوله إن بيونغ يانغ ساعدت طرابلس على تطوير صواريخ قادرة على قطع مسافة 500 ميل. وساد اقتناع بأن ليبيا كانت الهدف من شحن تكنولوجيا متعلّقة بالصواريخ على ظهر السفينة الكورية الشمالية «كولسان»، التي فتشها ضباط جمارك هنود سنة 1999 في ميناء كاندلا. وكانت السفينة تحمل مئات من العناصر المكوّنة للصواريخ ومكائن ومخططات تفصيلية لصواريخ «سكود بي» و«سكود سي».
وفي أكثر من مناسبة وتقرير، أكّد مسؤولو استخبارات غربية وخبراء في حظر الانتشار النووي، أن ليبيا تلقّت مساعدات عسكرية كورية شمالية. ففي 11 آب 2000، اتهمت الولايات المتحدة كلّاً من روسيا والصين وكوريا الشمالية بتوفير برامج تكنولوجيا الصواريخ إلى كل من إيران وباكستان وليبيا. وقال تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) إن كوريا الشمالية صدّرت معدّات ومكوّنات وخبرة تقنية لها علاقة بالصواريخ الى دول في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا.
ولعل قصّة البرناج العسكري غير التقليدي لطرابلس الغرب بدأت في سبعينيات القرن الماضي، حين عقدت ليبيا اتفاقية تعاون مع الأرجنتين من أجل تشييد مفاعل نووي تجريبي. لكن الأرجنتين فسخت العقد تحت الضغط الأميركي، فلجأت ليبيا الى روسيا، حيث وقّعت اتفاقاً ينص على إمدادها بمفاعل تجريبي وبناء عدد من المعامل النووية في منطقة تاجوراء شرقي طرابلس. وبلغت قيمة تلك الصفقة أربعمئة‏ مليون دولار.
وتردّدت أنباء بأن ليبيا كانت تموّل البرنامج الباكستاني على أمل الحصول على إحدى القنابل الذرية من إسلام آباد، استناداً إلى اتفاق شرفي بين الزعيمين ذو الفقار علي بوتو والقذافي. لكن إطاحة الرئيس بوتو قضت على هذا الاتفاق.
وعلى مستوى الخطوات العملية، أسست ليبيا عام 1975 «مفوضية الطاقة الذرية» لتشرف على تطوير برنامجها النووي الواعد. وكان أول الغيث توقيع اتفاق مع فرنسا في عام 1976، لتمدّها بمفاعل نووي تبلغ طاقته 66 ميغاوات. كذلك وقّعت طرابلس في عام 1977، أثناء زيارة العقيد القذافي للاتحاد السوفياتي السابق، اتفاقية تضمنت بنداً ينصّ على تعهد الاتحاد السوفياتي بمدّ ليبيا بمفاعل نووي يستعمل للأغراض السلمية، طاقته 44 ميغاوات، وهو مفاعل مزدوج الأداء يمكن استعماله في تحلية مياه البحر إلى جانب استخدامه في توليد الكهرباء.
لكن لحظة الجنوح الى السلم والتخلّي عن «معاندة» المجتمع الدولي، أتت في التاسع عشر من شهر كانون الثاني 2003، حين أعلنت ليبيا على لسان وزير خارجيتها آنذاك، عبد الرحمن شلقم، تخلّيها طواعية عن برامج أسلحة الدمار الشامل المحظورة دولياً.
وبعد شهرين من القرار الليبي، تسلّمت واشنطن من طرابلس ما يزيد على ألف طن من المعدّات الخاصة ببرنامج نووي، وخمسة صواريخ «سكود» بعيدة المدى كانت ليبيا قد اشترتها من كوريا الشمالية.
أمّا في ما يتعلّق بالعلاقة بين طرابلس وسيول، فقد وجدت ليبيا في التعاون مع كوريا الجنوبية، الحليف القوي للولايات المتحدة، فرصة لتحسين صورتها في الغرب، فاستبدلت تعاونها مع سيول، من خلال برنامج نووي سلمي، بتعاونها السابق مع بيونغ يانغ في المجال العسكري. وحتى الشهر الماضي كانت المفاوضات بين كوريا الجنوبية وليبيا تسير في اتجاه تحقيق هذا التعاون، رغم الأزمة التي عصفت بالعلاقات بين البلدين منذ عام 2009، حين طردت السلطات الليبية مسؤولين من الاستخبارات الكورية الجنوبية، بعدما اتّهمتهم بالتجسس على أعضاء في الحكومة الليبية.
وعلى ما يبدو، فإن حل هذه الأزمة أعاد عجلة التعاون النووي بين سيول وطرابلس. بيد أن كوريا الجنوبية، التي ربطت مصالحها بمصالح الولايات المتحدة منذ وقوف الأخيرة إلى جانبها في الحرب الكورية (1950-1953)، أبت إتمام هذا التعاون مع الجماهيرية من دون مباركة أميركيّة.
فتحت عنوان «سيول تتابع مشروع نووي سلمي مع ليبيا»، ذكرت صحيفة «كوريا تايمز» في 6 شباط الماضي، أن كوريا الجنوبية تشاورت مع الولايات المتحدة العام الماضي حول تعزيز البرنامج النووي المدني لليبيا، وذلك نقلاً عن برقية دبلوماسية صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية سرّبها موقع «ويكيليكس».
واستناداً الى هذه البرقية، سأل السفير الكوري لدى طرابلس، تشانغ دونغ هي، نظيره الأميركي، جين كريتز، عما إذا كانت واشنطن تعارض مثل هذا التطوير (لمفاعل نووي). فأخبر تشانغ كريتز بأن السفارة الكورية في واشنطن أجرت مقاربة للموضوع مع الحكومة (الأميركية) من دون أن تلقى رداً.
ويبدو أن العقيد الليبي الذي تخضع علاقات بلاده مع الدول لمزاجية غريبة طالما أساءت الى جوهر هذه العلاقات، حافظ على عدم وضع البيض في سلّة واحدة، فوقّعت حكومته في السنوات الأخيرة اتفاقات نووية مشابهة مع فرنسا والأرجنتين وكندا وأوكرانيا وروسيا، حسبما ورد في البرقية السرية التي لفتت إلى نية العقيد العمل مع واشنطن في هذا الحقل.
لقد نجحت واشنطن في إقناع العقيد العنيد، بتغيير سياساته تحت سطوة حربي العراق وأفغانستان، وإغراءات تبييض سجل «الإرهاب الدولي»، فتمكّنت من تحويل أوراق اعتماداته من دولة اشتراكية ستالينية في شمال شبه الجزيرة الكورية الى الشطر الجنوبي الذي يرتمي في أحضان الولايات المتحدة، ولا يقيم علاقات تعاون إلّا وفق مشورتها. هذا ما يفسّر لحظة الانتقال من التسليح الى إنتاج الطاقة لأغراض مدنيّة.