23‏/6‏/2007

براتيبها باتيل صاحبة البركات الهندوسية


معمر عطوي
لم تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية الهندية، أول من أمس، بعيدة عن تأثيرات العامل الديني في بلد مشحون بالنزاعات الطائفية (هندوس وسيخ ومسلمون) رغم دستوره العلماني، ذلك أن كرسي الرئاسة انتقلت من العالم النووي المسلم أبو بكر زين العابدين عبد الكلام إلى حاكمة ولاية راجاستان الشمالية، براتيبها باتيل (72 عاماً)، التي سبق لها أن تحدّت مشاعر المسلمين عبر انتقادها للحجاب، وادعّت لنفسها «بركات» اكتسبتها نتيجة مخاطبتها لروح أحد مؤسسي المذاهب الهندوسية.ورغم معارضة قادة الجالية الإسلامية، التي تشكل 14 في المئة من عدد سكان الهند (1.1 مليار نسمة)، لترشيح باتيل لكونها «تتعمد إهانة الإسلام»، استطاعت مرشحة التحالف التقدمي المتحد الحاكم أن تصبح المرأة الأولى التي تتسلم سدة الرئاسة، بعد فوزها على منافسها مرشح التحالف الديموقراطي الوطني المعارض، نائب الرئيس بهايرون سينغ شيخوات (84 عاماً)، بحصولها على 66 في المئة من أصوات الهيئة الناخبة المؤلفة من نواب في البرلمان الوطني والبرلمانات المحلية.لكن إشكالية الرئيسة الهندية الجديدة، التي ترتدي اللباس الهندوسي المحتشم الذي لا يتميز كثيراً عن حجاب المسلمات، هي أنها قد فتحت في وقت سابق أبواب الجدل الحاد، عندما وجهت انتقادات حادة للنقاب الإسلامي وقالت إنه زي «همجي بدائي متخلف».ويبدو أن التحالف الحاكم بقيادة رئيسة حزب المؤتمر، صونيا غاندي، قد عزّز من خلال دعمه لباتيل هذا الجدل، الذي قد يحيي العنف الطائفي في البلاد، ولا سيما بعدما وصف التحالف تصريحات الرئيسة حول النقاب بأنها “تعبّر عن رأيها الذي تراه ينطبق على نساء الهند كافة بصفة عامة”، في حين رأت غاندي أن وصول امرأة إلى سدة الرئاسة سيساهم في مكافحة التمييز الذي تعاني منه النساء في الهند.ولعل باتيل استطاعت أن تتفوق على رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي، حتى لو كان منصب الرئاسة في الهند فخرياً، ذلك أن فوزها أتى بعد تعرضها لانتقادات لاذعة خلال الحملة الانتخابية بسبب اتهامها بالمحسوبية وسوء الإدارة المالية والتستر على شقيقها الذي اشتبه بتورطه في عملية قتل، وعلى زوجها الذي اشتبه بتورطه في فضيحة وعملية انتحار.وظهر واضحاً أن أبرز أسباب هذا الفوز هو الدعم السياسي الكبير الذي قدمته أحزاب التحالف التقدمي المتحد بقيادة حزب المؤتمر العريق، الذي أسسه المهاتما غاندي، إضافة إلى جبهة اليسار والأحزاب العلمانية الأخرى.وكانت باتيل، التي تؤدي القسَم بعد غد الاربعاء، قد تنقّلت بين العديد من المناصب الوزارية الهامة في ولاية ماهاراشترا، مسقط رأسها، كما انتخبت عضواً في البرلمان ونائب رئيس مجلس الشيوخ.لكن المفارقة الأهم في فوز باتيل، التي تحتل أيضاً منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هي ادعاؤها في وقت سابق أنها أجرت اتصالاً مع روح الكاهن بابا ليخراج، مؤسس مذهب «هيندو براهما كوماريس»، أحد المذاهب الحديثة للديانة الهندوسية، الذي توفي في عام 1969، بعدما دخلت «روح ليخراج جسد إحدى مريداته». ووصفت باتيل الأمر بأنه مؤشر سماوي يفيد بأن مسؤولية أكبر ستسند إليها، ما جعل أنصارها يصدقون «بركات» بابا ليخراج، التي جعلتها مرشحة للرئاسة وتحقق فوزاً «إلهياً» بامتياز.
"الاخبار"٢٣ تموز2007

9‏/6‏/2007

هـــل بـــدأ العـــدّ العكـــسي لسقـــوط مشـــرف؟


معمر عطوي
ليس حادثاً عرضياً ما يحصل من اضطرابات هذه الأيام في باكستان، حيث يكمن المعقل الأساسي لطلبة العلوم الدينية، الذين شكّلوا نواة «الإمارة الإسلامية» في أفغانستان، تحت إمرة الملا عمر، وبدعم من الاستخبارات الباكستانية.يمكن القول، إن أزمة المسجد الأحمر في إسلام آباد، ليست وليدة حادثة عابرة، بقدر ما يمكن أن تندرج في سياق تنفيس احتقان للشارع الباكستاني، الذي لا يزال يعيش مناخات الاضطرابات التي حصلت على خلفية إقالة الرئيس برويز مشرف لرئيس القضاة افتخار محمد شودري، من منصبه تحت حجة «سوء التصرف». يشار إلى أن شودري، الذي عُرف بقراراته الصارمة ضد بعض تصرفات الحكومة، هو من المحسوبين على التيار الإسلامي العريض في البلاد، حيث تنتشر كبرى الجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، «الجماعة الإسلامية»، التي يتزعمها قاضي حسين احمد، والتي ضاعفت من انتقاداتها لسلطة مشرف منذ غزو أفغانستان عام 2001، لدرجة اتهامه بالعمالة للاستخبارات الأميركية.كما تأتي القضية الكشميرية، وما شهدته في السنوات الأخيرة من تراجع، بعد وقف الحكومة دعمها للأعمال المسلحة ضد الهنود، لتمثّل أحد الأسباب التي زادت من نقمة الشارع الباكستاني، على سياسة الحكومة، رغم أن مشرف كان قائداً للجيش إبّان القتال العنيف بين الهند وباكستان عام 1999 في مرتفعات كارغيل، التي انتهت بانسحاب المقاتلين الكشميريين منها بضغط من رئيس الوزراء السابق نواز شريف.وأكّدت قضية هذا الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان، هذا الشرخ الكبير الذي حصل بين السلطة والشرائح الاجتماعية التي يمثّل الإسلاميون غالبيتها، ولا سيما أن كشمير أصبحت في وعي العديد من الحركات الإسلامية قضية كبرى مثل قضية فلسطين وقضية الشيشان.هذا ما دفع زعماء الجماعات الإسلامية «الجهادية» الى اتهام مشرف بمحاولة استرضاء الأميركيين، على أساس أن الإدارة الأميركية تمارس ضغوطها على باكستان لتعترف بهيمنة الهند على المنطقة.ويبدو واضحاً فشل مشرف في محاولة استرضاء الجماعات الإسلامية، على غرار ما فعل سلفه شريف، الذي استطاع توظيف هذه الجماعات الى حد كبير لخدمة أهدافه السياسية.ولعل سبب هذا الفشل يعود إلى أمرين: الأول، هو تعاون مشرف مع الغرب في القضاء على حركة طالبان في أفغانستان، وخصوصاً أن هذه الحركة ترتبط برابط إثني مع امتداداتها البشتونية في منطقة القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية، ولا سيما إقليم وزيرستان، وبرابط عقائدي مع باقي التيارات الإسلامية، التي وجدت في معاهد ومدارس القرآن في باكستان مجالاً حيوياً لتحركها الدعوي والتنظيمي، وفي الساحتين الكشميرية والأفغانية مجالاً حيوياً لإعداد عناصرها عسكرياً وجهادياً.أمّا الثاني، فهو مصادرة قضية كشمير، التي تمثّل أحد مناطق الرباط والجهاد ضد «الكفار» في نظر الإسلاميين.هذا ما جعل مشرف يخسر شارعه ويكتفي بدعم الاستخبارات الأميركية والمحلية الموالية له، ما يفسر تعرضه منذ سيطرته على السلطة في انقلاب قاده ضد شريف، في خريف عام 1999، لمحاولات اغتيال عديدة كانت آخرها منذ يومين، وذلك في تأكيد واضح لما ذكرته مصادر إسلامية باكستانية منذ أشهُر عن إمكان حدوث عملية تغيير قد تطيح النظام العسكري.المصادر الإسلامية المعارضة كانت دائماً تراهن على أن «اليوم الذي سيقابل فيه مشرف مصيره المهزوم ليس بعيداً»، وأن كل الزعماء الذين سبقوه لاقوا المصير نفسه من ذو الفقار علي بوتو الى ايوب خان الى بنازير بوتو وصولاً حتى نواز شريف. فهل بدأ العد العكسي لسقوط الجنرال الذي تمادى كثيراً في محاباة الأميركيين من دون أن يكترث للشارع الذي يزداد احتقاناً يوماً بعد آخر؟
الأخبارالاثنين ٩ تموز 2007