13‏/12‏/2006

فيجي: جنرال “الأكثرية” يقود انقلاباً لمصلحة الأقلّية

معمر عطوي
رغم الشعار الذي رفعه قائد الجيش الفيجي الادميرال فوريكي باينيماراما، عنواناً للانقلاب الذي وقع الاسبوع الماضي، وهو “محاربة الفساد”، فإن البعد العرقي الذي يتجذر في المشكلة الفيجية بين هنود وسكان اصليين يطرح نفسه بقوة في “رزمة” اسبابه.ومعروف أن فيجي تجمع على أراضيها مجموعات عرقية متباينة تضم هنوداً وسكاناً أصليين من الميلانيزين والبولينيزين بينهم مسلمون ينحدرون من أصول هندية وباكستانية.وبدأت الخلفية العرقية لهذا الانقلاب تتجلى بعد ايام من حدوثه في جمهورية هي عبارة عن أرخبيل مكون من 322 جزيرة، أكبرها فيتي ليفو وفانوا ليفو.ويمكن تتبع بدايات المشكلة من الانتخابات التشريعية التي شهدها الارخبيل في ايار 2006، والتي شهدت استقطاباً على اساس عرقي في الساحة السياسية؛ فقد فاز فيها حزب فيجي الموحد (ميلانيزيون وقوميون) بزعامة رئيس الوزراء لايسينيا كاراسي، الذي هو الآن رهن الاقامة الجبرية، بـ36 مقعداً في البرلمان الذي يضم 71 مقعداً. وحصل حزب العمال بزعامة م. شودري، الذي يمثل الاقلية الهندية، على 31 مقعداً.وكان شودري قد أطيح في انقلاب عام 2000 وأزيح عن رئاسة الوزراء، بعدما كان أول هندي يتولى هذا المنصب، ليخلفه كاراسي فيه.ويبدو أن هذه الوقائع اسست لحالة من التوتر العرقي، ازدادت منذ اشهر، مع تهديدات بحدوث انقلاب عسكري، لوّح به قائد الجيش، الذي يتبع لقومية الميلانيزين، لكنه معروف باعتداله ووقوفه الى جانب الاقلية الهندية؛ فقد طلب الادميرال فوريكي باينيماراما التخلي عن مشروع قانون يعفو عن بعض القوميين الذين دبروا انقلاب عام 2000 الذي كاد يودي بحياته.ومن المفارقات “المضحكة” للانقلاب الحالي، إعلان الجيش المتواصل عن نيته تنفيذه قبل أشهر من حدوثه، خصوصاً انه الرابع في البلاد التي لا تتجاوز مساحتها 18270 كيلومتراً مربعاً.اما المفارقة الاخرى فهي تأجيل موعده من يوم الجمعة قبل الماضي الى الثلاثاء بسبب متابعة قائد الجيش والضباط المؤيدين له مباراة “الركبي”، والتي دارت بين الجيش والشرطة، لتكون بمثابة “بروفا” للانقلاب “الابيض” الذي نفذ بسيطرة الجيش على اسلحة الشرطة من دون اي عنف.والمفارقة الاهم في هذا الانقلاب، تتمثل في الاعلان الذي وضعه الانقلابيون في الصحف المحلية بحثاً عن وزراء للحكومة الجديدة، فيما وصلت صورته “المضحكة” الى اوجها مع اعلان رئيس الحكومة المعيّن من قيادة الجيش الطبيب العسكري البالغ من العمر 77 عاماً، سينيلاغاكالي، أن الانقلاب “غير شرعي”.غير أن السبب الآخر للانقلاب، والمتمثل بمحاربة الفساد، بدأ يتبلور من خلال طرد العديد من الوزراء المتورطين في صفقات مشبوهة؛ فمنذ وقوع الانقلاب، أعلن النظام العسكري عن إجراء تحقيق في الممارسات الفاسدة لنظام الحكم السابق. وأقال العديد من الشخصيات البارزة في البلاد. وقال قائد الجيش إنه يرغب في أن يلتقي مجلس زعماء القبائل سريعاً من أجل إعادة تنصيب الرئيس راتو جوزيف أيلوليو، الذي كان يتولى سدة الحكم قبل انقلاب عام ألفين.والجدير ذكره أن المجلس الأعلى للزعماء، وهو الهيئة التقليدية في البلاد التي تمثل أقاليم فيجي الأربعة عشر، يعارض إطاحة الجيش لرئيس الوزراء كاراسي ويصفها بأنها غير مشروعة.وكان رئيس المجلس، راتو أوفيني بوكيني، الذي وصف الانقلاب بأنه “غير شرعي وغير دستوري”، قال إن زعماء القبائل ما زالوا يعترفون بكاراسي رئيساً للوزراء وبراتو جوني مادراويوي رئيساً للبلاد.إلا أن قلة من السكان الاصليين، الذين يؤلّفون حوالى نصف سكان فيجي، يدعمون الانقلاب الذي قاده باينيماراما الذي يتحدر من اصول ميلانيزية، ويؤكد انه مدافع عن حقوق الاقلية الهندية التي تؤلّف 37 في المئة من السكان.ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذا المشهد السياسي الجديد في الارخبيل “الهادئ” عن تداعيات عدم قبول الدول التي تتمتع بنفوذ مباشر في البلاد، خصوصاً استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، التعاون مع الهيئة الحاكمة الجديدة؛ ويبدو أن الانقلابيين استعدوا لهذه المرحلة من وقف وصول الدعم العسكري والاقتصادي، باللجوء الى قوى اقليمية مثل الصين وتايوان وإندونيسيا إذا تعرّض الارخبيل لعقوبات.لكن، في أي حال، سيترك “تدويل” الازمة انعكاساته على الوضع الداخلي، وبالتالي على طبيعة التحالفات بين الدول الاقليمية، وربما هذا ما دفع استراليا الى رفض التدخل العسكري الذي طلبه رئيس الوزراء الفيجي المخلوع اثناء محاصرته في منزله. فانقلاب “الاقلية” الذي يقوده جنرال منحدر من قومية الاكثرية يترك اكثر من علامة استفهام عن الاهداف والغايات.
عدد (الاخبار)الاربعاء ١٣ كانون الأول 2006

11‏/11‏/2006

أنت غيرتي



تقولين لي اني أغار
نعم اغار
وهل يصلح العشق دون غيرة؟
أنت غيرتي
والحب نار

...

تلوميني لأني اغار
وأنا المجروح بخمسة من الاسهم
أنا الخارج من ُلجّج الدمار

...

وتسأليني عن غيرتي
أنت غيرتي
والغيرة لا تعني ريبة ً
بل مللا من طول انتظار

...

تعيرّيني بغيرتي
وأنت قلبي
فهل من يملك قلبا كقلبي
لا يغار؟!

...

غيرتي حبٌ فائض
وعشقي خوفٌ عليك من نسمةٍ
وفي هذا المقام
الغيرة فخار

...

أغار عليك من حجابك
وان كان لشعرك دثار

...

اغار من فرشاة اسنان
ُتقبل ثغرك وتبقي اثار

...
اغار من ثوبك الدرّي
يغطي جسمك كأوراق غار

...

أغار من عطر يعانق جسمك
وهل يحتاج العناق الى قرار؟

...

هوني عليك يا حبيبتي
أنا الغيران مني
يكفكفني دمعك
دقات قلبك المسكونة بالخوف
وابتسامة وجهك
المتلأليء كالمنار

أنا الغيران مني
أبحث عنك
ولا أبغى انتصار


معمر عطوي
11-11-2006

31‏/10‏/2006

صائد القنافذ يكلّل مسيرته بقتل ضبع


معمر عطوي
صيد القنافذ بدل الطيور عادة لدى بعض أهالي الشحّار الغربي. وقد احتل صلاح أبو عاصي (62 سنة)، الصدارة في تنفيذ هذه المهمة، فأصبحت الطبيعة جزءاً من حياته، يتسلل إليها شاقاً الدروب بين الأشجار والأعشاب الشائكة نحو “منطقة المناجم” التي تعتبر معقل حيوانات متعددة مثل الثعالب والقنافذ (النيص) والخنازير.الوادي الواقع على شكل مثلث، بين عين درافيل وبعورتا وعبيه، صار شبه مهجور في الفترة الأخيرة، سُدّت الطرق المؤدية إليه، وتحولت مناجم الفحم القديمة التي كانت تستخدم لتزويد القطارات بالطاقة في منتصف القرن الماضي، الى ملاذات للقنافذ والضباع والثعالب.يروي أبو عاصي أن رحلة الصيد كانت تتم على النحو التالي: يذهب الصياد نهاراً فيضع على باب جحر القنفذ، عيداناً صغيرة، ثم يعود قبل منتصف الليل، حاملاً سلاح الصيد و“ضوءاً” يعمل على البطارية، فإذا كانت العيدان مقلوبة باتجاه الخارج يعرف ان القنفذ خرج ليرعى، وسيعود قبل طلوع الفجر. عندها يجلس الصياد أمام الجحر وينتظر عودته. وعندما يسمع صوته أو يراه قادماً، يقترب منه ويوجّه إليه الضوء، ويقوم بالوقت عينه بقنصه بالبندقية.بعض الصيادين يستخدمون كلاب الصيد المدرّبة، يخرجون مع كلابهم ليلاً ويطلقونها لتقتفي أثر القنافذ السارحة. وعندما تصل الكلاب الى أحد هذه القنافذ، تحيط بها، ولا تسمح لها بالهروب حتى يصل إليها الصياد.والقنفذ هذا الحيوان الغريب الذي ما إن ترى صورته حتى يقشعر بدنك، ورد اسمه في المعاجم على النحو التالي: إنه الدلول أو الدلدول، المعروف شعبياً بالقنفذ أو النيص. وهو حيوان بري يغطي ظهره ومؤخرته شوك طويل وحاد، يدافع به عن نفسه. وحول رأسه وبطنه، شعر خشن. يأكل الخضر والفاكهة والبلوط، وله أسنان قوية جداً يستطيع بواسطتها كسر حبة الصنوبر السوداء وأكل ما بداخلها. ويروي الصيادون، ان لحم القنفذ من أطيب اللحوم وأطراها، وهو يشبه الى حدٍ كبير لحم الأرنب، ويؤكل نيئاً أو مشوياً أو مطبوخاً.أما الريش أو الشوك الذي على ظهر القنفذ، والذي يشبه المسلّة، ويمتاز باللون الأسود والأبيض، فيستخدمه سلاحاً للدفاع عن نفسه، نظراً إلى رأسه الصلب والحاد جداً. وقد يكون إطلاق اسم “ريش” عليه عائداً إلى استخدامه ريشةً للكتابة. غير انه في الواقع لا يشبه ريش الطيور في شيء.عندما ذهب أبو عاصي للمرة الأولى في رحلة صيد بحثاً عن القنافذ، كان يبلغ من العمر 22 سنة. ويروي أنه خلال “تجربته” الطويلة تمكّن من اصطياد أكثر من ثمانين قنفذاً وعدداً من الثعالب والخنازير، وقد كلل هذه المسيرة “الحافلة” قبل سنتين بقتل “ضبع كاسر”، كما يروي.على رغم تقدم سنه لا يزال صلاح يخدم المزارعين الذين يطلبون منه التخلص من “الوحوش التي تفتك بمزروعاتهم”. لكنه يعترف أن للنيص فوائد لا يدركها كثيرون، ويقول “طبعاً هناك خلل يحدث لدى قتل النيص. لأن لكل حيوان مهمة إيجابية في الحياة الفطرية. لكن القنفذ يسبّب أيضاً بعض الأضرار للمزروعات”، وهذا ما يبرر رغبة المزارعين في التخلص منه.
عدد الثلاثاء ٣١ تشرين الأول

14‏/10‏/2006

محمد يونس: رجل السلام قدّيس الفقراء

معمر عطوي
بقطع النظر عن المعايير المتبعة في منح جائزة نوبل، التي جاءت تكفيراً عن ذنب ارتكبه ألفرد نوبل باختراعه لمادة الديناميت القاتلة، فإن تحوّل الجائزة المخصصة للسلام من الفضاء السياسي الى الفضاء الاقتصادي والإنمائي يعيد مصطلح السلام الى بيئته الأصلية، ذلك أن المجتمع السويّ الخالي من التعقيدات والفاقة والظلم يؤلّف مناخاً ممكناً لمجتمع قائم على الحوار بدل الاقتتال
“إنكم تدعمون حلماً بصياغة عالم خال من الفقر”. عبارة نطق بها البروفسور البنغالي محمد يونس أمس، عقب فوزه بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع مصرف “غرامين” أي “بنك القرية”، الذي أسسه عام 1976، لتثير تساؤلات عن مدى تحقق شروط إمكان وجود عالم خال من الفقر.الفكرة بحد ذاتها ضرب من الخيال، لكن يونس اختار أن يضيء شمعة على أن يلعن الظلام. فتحول النموذج الذي قدمه، من خلال “بنك غرامين”، طوق النجاة الذي أنقذ عشرات الملايين من الفقراء في بنغلادش وبعض دول العالم النامي من هول الفقر.النقطة الأبرز في هذا الحدث هي التحول الذي طرأ على هذه الجائزة، التي كانت تعنى بالسياسة فانتقلت الى الاقتصاد والتنمية، لتكتشف أن ثمة علاقة جدلية بين مشاريع القضاء على الفقر وبين إيجاد مناخ ملائم للسلام، ذلك أن مع انتشار الفقر الى جانب الظلم والتخلف والأمية لا يمكن تحقق مناخ كهذا. من هنا جاء بيان لجنة نوبل النروجية أمس ليؤكد أن “تحقيق السلام الدائم لن يكون ممكناً من دون تمكن مجموعات كبيرة من السكان من التخلص من الفقر. حيث تمثل القروض الصغيرة إحدى هذه الوسائل”.رسالة في الحياةومحمد يونس (مواليد عام 1940)، الذي يقف وراء حركة غرامين للمصارف المتناهية الصغر التي تعرف باسم (مصارف الفقراء)، والتي قدمت مساعدات لملايين من مواطني بنغلادش، هو ابن مدينة شيتاغونغ الساحلية، التي كانت تعدّ في ذلك الوقت مركزاً تجارياً لمنطقة البنغال الشرقي في شمال شرق الهند.من هناك، وفي أسرة تتمتع برغد العيش (هو ثالث أبناء أسرة رزقت بـ14 طفلاً، توفي خمسة منهم بعد ولادتهم بسنوات قليلة)، يعمل الوالد فيها صائغاً، انطلق الاقتصادي الواعد نحو تحقيق طموحاته. كان لأمّه صفية خاتون دور في تكوين شخصيته، وهي التي كانت لا تردّ سائلاً من المحتاجين، فعلّمته أن تكون له رسالة في الحياة.بدأت طموحاته تكبر شيئاً فشيئاً، بعدما حصل عام 1965 على منحة من مؤسسة “فولبرايت” لدراسة الدكتوراه في جامعة “فاندربيلت” في ولاية تينيسي الأميركية، حيث بدأت خلال فترة وجوده بالبعثة حرب تحرير بنغلادش واستقلالها عن باكستان عام 1972. وهو ما دفعه للاشتراك في الحركة الطالبية البنغالية المؤيدة للاستقلال، ليعود بعدها الى بنغلادش المستقلة حديثاً ويصبح رئيساً لقسم الاقتصاد في جامعة شيتاغونغ. كان أهالي بلاده يعانون في ذلك الحين ظروفاً معيشية صعبة.ولعل فترة المجاعة التي مرت فيها بنغلادش في عام 1974، والتي قتل فيها نحو مليون ونصف مليون شخص، كانت محطة من محطات التحول نحو تحقيق الطموحات. وبدأ يونس منذ عام 1974 بقيادة طلابه في رحلات ميدانية إلى قرية “جوبرا” القريبة من الجامعة.وفي هذه القرية، لمعت في ذهنه فكرة أثناء محاورته امرأة هناك كانت تصنّع كراسي من البامبو، فقد علم من المرأة أنها لا تملك رأس المال الخاص بها، ولذلك فهي تلجأ إلى اقتراضه من أحد المرابين في القرية لشراء البامبو الخام، وكان هذا الوضع ينسحب على أحوال الملايين من الفقراء الذين لاحظ أنهم لا يحتاجون سوى لرأس مال يتيح لهم الاستفادة من عوائد أموالهم، فبدأ مشروعه بإقراض 42 امرأة يعملن في نسج السلال نحو 27 دولاراً لتوسيع أعمالهن، من جيبه الخاص، ومن دون فائدة، ودونما تحديد لموعد الرد، معتبراً أن تشجيع النساء على العمل وتحسين ظروفهن هو المنطلق لتحسين ظروف المجتمع.لكنه بعد ذلك خاض صراعاً مريراً في سبيل إقناع المصرف المركزي بوضع نظام لإقراض الفقراء من دون ضمانات، واستمر هذا الصراع من عام 1976 حتى عام 1979 عندما نجح المشروع الذي أقامه في قرية جوبرا بمساعدة طلابه نجاحاً باهراً وغيّر مسار حياة 500 أسرة من الفقراء. عندها، اقتنع المصرف المركزي بنجاح الفكرة وتبنّى “مشروع غرامين” الذي حصل على صفة مصرف في عام 1983. وكبر المصرف مع الوقت حتى بات يمنح 5.7 مليارات دولار من القروض الصغيرة تتوزع على نحو 6.5 ملايين مقترض. وانتشرت صيغته في أكثر من 40 بلداً، كما تبنّى البنك الدولي فكرته.“قديس الفقراء”لعل أبرز ما يمتلكه “رجل السلام” الجديد، أو كما يعرف بـ“بقديس الفقراء”، هو نظرته النقدية لمؤشرات التنمية السائدة، واهتمامه بالطبقة الاجتماعية المسحوقة، اي نظرة تبدأ من القاع الى القمة وليس العكس.اضافة إلى ذلك، عمل يونس وفق المثل القائل “لا تعط الفقير مالًا بل علّمه حرفة”، معتبراً أن حثّ الفقراء على مساعدة انفسهم بأنفسهم هو المحرك الأساسي لعجلة التنمية في أي مجتمع، مؤكداً ذلك بقوله إن “الاحسان ليس الحل للفقر، لأنه يقضي على روح المبادرة”.دكتوراه فخريةمن الجدير ذكره أن البروفسور يونس حاز في 24 حزيران الماضي شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الاميركية في بيروت، حيث وصف الدكتوراه بأنها تدعم رؤياه لأهمية القروض الصغيرة في التغلب على الفقر وفي حفظ الكرامة الانسانية، قائلاً “إني اؤمن بأن في الإمكان بناء عالم خال من الفقر، الفقر يجب أن يكون في المتحف، والصغار سيلومون آباءهم لأنهم قبلوا به لفترات طويلة”.مكتشف الرأسمال الاجتماعيوقال عنه رئيس الجامعة الاميركية في بيروت واتربوري “اكتشف يونس في السبعينيات من القرن الماضي ما سمّي لاحقاً الرأسمال الاجتماعي، الذي يمثّله تعاون مجموعات من الناس، محمد يونس اطلق هذا الرأسمال بين النساء البنغاليات فأطلق معه ثورة مصرفية وإنمائية”.لقد كانت “جائزة نوبل” التي سيتسلمها يونس في العاشر من كانون الأول المقبل محطة مهمة على طريق تعزيزه مشروعه “نحو عالم خال من الفقر”؛ فقد قال أمس “ستشتد الحرب على الفقر في شتى انحاء العالم. سيتعزز النضال ضد الفقر من خلال القروض الصغيرة في غالبية الدول”.لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن تحقيق ذلك في ظل تضخم السياسة الرأسمالية التي تشنّ حرباً “هوجاء” على العالم فتزيد الفقراء فقراً والأغنياء غنىً؟ من السهل التكهن بإيجاد “عالم محمد يونس” لكن الإرادة وحدها قد لا تكون كفيلة بإيجاد شروط إمكان تحققه.
105 أعوام على جائزة نوبل للسلام
منحت جائزة نوبل للسلام للمرة الأولى عام 1901 الى مؤسس اللجنة الدولية للصليب الاحمر هنري دونانت (سويسرا) ومؤسس جمعية السلام الفرنسي فريدريك باس.وحصل على هذه الجائزة خلال الاعوام الـ15 الماضية كل من: الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومحمد البرادعي (مصر)، ونغاري ماتاي (كينيا) وشيرين عبادي (إيران)، وجيمي كارتر (الولايات المتحدة)، ومنظمة الأمم المتحدة وأمينها العام كوفي انان (غانا)، وكيم داي ـــ جونغ (كوريا الجنوبية) ومنظمة “أطباء بلا حدود” غير الحكومية الفرنسية.كما حصل عليها كل من جون هيوم وديفيد تريمبل (ايرلندا الشمالية)، والحملة العالمية لحظر الألغام المضادة للأفراد ومنسّقتها جودي وليامز (الولايات المتحدة)، والاسقف كارلوس بيلو وجوزيه راموس هورتا (تيمور الشرقية)، وحركة “بغواش” المناهضة للأسلحة النووية (تأسست في كندا)، وجوزف روتبلات (بريطانيا)، وياسر عرفات (فلسطين) وإسحق رابين وشمعون بيريز (إسرائيل)، ونلسون مانديلا وفرديريك دو كليرك (جنوب افريقيا)، وريغوبرتا مينشو (غواتيمالا).وتبلغ قيمة الجائزة اليوم 10 ملايين كرونة (1.37 مليون دولار). وهي تقدم عادة في العاشر من كانون الأول الموافق ذكرى وفاة مخترع الديناميت السويدي ألفريد نوبل.
عدد(الاخبار) السبت ١٤ تشرين الأول 2006

2‏/10‏/2006

الأزمة الجورجية ــ الروسية: أعمق من قضية تجسس عابرة


معمر عطوي
لا يمكن اختصار النزاع الدائر حالياً بين جورجيا وروسيا بقضية تجسس عابرة، ابطالها ضباط روس يعملون في القاعدة العسكرية الروسية في تبليسي، ذلك ان الخلاف اعمق من ذلك في بلد يتمتع بموقع جيو ــ ستراتيجي مهم على السفوح الجنوبية لجبال القوقاز.
تعود الازمة بين موسكو وتبليسي الى سنين طويلة خلت، منذ كانت جورجيا “دولة مشاغبة” من دول الاتحاد السوفياتي। لكن منذ حصولها على الاستقلال عام 1991 بعد تفكك المنظومة الاشتراكية، تشهد العلاقات بين البلدين لعبة شد حبال تحضر فيها واشنطن كلاعب هام، في محاولة لتعزيز نفوذها في القوقاز على حساب “الدب الروسي”।لعل أبرز تداعيات هذه التجاذبات الدولية قيام ثورة “الزهور” في عام 2003، التي أسقطت الرئيس إدوارد شيفاردنادزه وأتت بميخائيل ساكاشفيلي رئيساً للبلاد. وهو الذي لا تنظر اليه موسكو بعين الرضا منذ وصوله الى السلطة عام 2004 بسبب سياساته المؤيدة للغرب بما في ذلك الانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي.ويبدو البعد الدولي للصراع الدائر في جورجيا، القريبة من ثروات بحر قزوين النفطية، واضحاً في الاحداث الاخيرة التي فجرت ازمة دبلوماسية بين موسكو وتبليسي. فقد ظهر هذا البعد خلال المحادثات التي جرت الجمعة الماضي بين حلف شمالي الاطلسي وروسيا، حيث اتهم وزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف بعض دول الحلف ببيع أسلحة سراً للدولة السوفياتية السابقة، فيما اتهمت وسائل الاعلام الروسية ساكاشفيلي بتأجيج الصراع بدعوة من الولايات المتحدة. وعزز ذلك في الأشهر الماضية، تكثيف التعاون الأمني بين جورجيا والولايات المتحدة، بإرسال واشنطن نحو 200 من القوات الخاصة الأميركية بهدف إعادة تأهيل الجيش الجورجي.ولطالما كانت جورجيا احدى مناطق التوتر بين الروس والاميركيين؛ ففي عهد الرئيس الاميركي جورج بوش (الأب) كانت صفقة مقايضة عدم الاعتراض السوفياتي على الحملة الأميركية على العراق في عام 1990، في مقابل عدم الاعتراض الأميركي على التدخل السوفياتي في منطقة البلطيق، احدى النقاط الاساسية في المفاوضات بين واشنطن وموسكو.في المقابل، تنظر موسكو تقليدياً إلى الجمهورية القوقازية على أنها تقع في نطاق نفوذها وتشعر بالغضب من جهود جورجيا للتحول نحو الغرب، ومن بين ذلك طلبها الانضمام إلى عضوية حلف شمالي الاطلسي، كذلك مراهنة تبليسي الدائم على الولايات المتحدة في طرح مبادرات سلام جديدة تأمل في أن تعيد لها منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (اعلنتا انفصالهما عن جورجيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991)، وينتشر هناك حوالى 3000 جندي روسي كقوة لحفظ السلام.وقد تكون قضية التجسس، التي سببت ازمة دبلوماسية بين جورجيا وروسيا، احد اهم الارهاصات التي تسعى جورجيا من خلالها الى اعادة تسليط الضوء على المسألة الابخازية، بيد أن تحويل موسكو القضية الى مجلس الامن الدولي قد يكون علامة فارقة في تدويل هذه الازمة المستعصية.
عدد (الأخبار)الإثنين ٢ تشرين الأول 2006

1‏/10‏/2006

كوريا “تقتحم” النادي النووي

معمر عطوي
تفجير في ذكرى ميلاد كيم إيل سونغ واستشهاد تشي غيفارا
بإعلانها عن نجاح تجربتها النووية الأولى أمس، تكون كوريا الشمالية قد وضعت حداً للتكهنات والشكوك، لتنضم «رسمياً» الى النادي النووي العالمي، وإن بصورة “غير شرعية” بحسب المعايير الدولية التي يضعها “السيد الأميركي”। وبهذا تكون شبة الجزيرة الكورية قد دخلت فصلاً جديداً من «مسلسل الرعب النووي»، الذي يطرح إشكاليات معاصرة حول خطورة الأسلحة غير التقليدية وجدوى استخدام ورقة التهديد بامتلاكها أو باختبارها، في لعبة تحسين شروط المواقع على ساحة التجاذبات السياسية الدولية.
ربما ليس مصادفة أن يتزامن موعد التجربة النووية الكورية مع ذكرى ميلاد الزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم ايل - سونغ (1912 ــ 1994)، والد «الزعيم» الحالي لكوريا الشمالية كيم جونغ - ايل، ومع ذكرى استشهاد الثائر الأممي أرنستو تشي غيفارا؛ فالتوجهات الايديولوجية الشيوعية للنظام الحاكم تشكل بحد ذاتها «مصدر إزعاج» واضح للولايات المتحدة وحلفائها في آسيا، في عملية استحضار، قد تكون رمزية، لملامح الحرب الباردة।فكوريا الشمالية مصممة، على ما يبدو، الى جانب دول أخرى أطلقت عليها الولايات المتحدة اسم “الدول المارقة”، ألا تكون “مكسر عصا” لواشنطن، طالما أنها باتت تشكل تهديداً فعلياً، ليس فقط للقواعد الأميركية في اليابان، بل حتى للأراضي الأميركية نفسها।ولم يكن إعلانها الرسمي والعلني، عن امتلاكها السلاح النووي، في شهر شباط 2001، وتعليقها إلى أجل غير مسمى مشاركتها في المفاوضات حول برنامجها النووي، صدفة للأميركيين الذين يرصدون، منذ أيام الحرب الباردة، تحركات بيونغ يانغ وطبيعة نشاطاتها العسكرية مع الاتحاد السوفياتي السابق، الذي كان يشكل رافداً أساسياً، الى جانب الصين، لما تمتلكه من ترسانة غير تقليدية للأسلحة.القوة تحمي العدالةكان إعلان كوريا الشمالية عن تطوير أو امتلاك أو تجارب تتعلق بالأسلحة النووية، مرتبطاً دوماً بخطر واشنطن في المنطقة، ذلك أن اميركا، بنظر الدولة الشيوعية، هي الخطر الذي لا يمكن أن تأمن جانبه طالما انه يسعى الى السيطرة على العالم بذهنية تسلطية، ويلاحق كل الفلول الباقية من المنظومة الاشتراكية، إضافة إلى القوى الاسلامية واليسارية التي تقف على يسار “الامبراطور الاميركي”.وكانت بيونغ يانغ، لدى إعلانها عن حيازتها للأسلحة النووية عام 2001 ، قد اتهمت واشنطن بالسعي إلى إسقاط نظامها. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في عاصمة كوريا الشمالية “نحن صنعنا أسلحة نووية للدفاع عن النفس والتعامل مع سياسة إدارة بوش الهادفة إلى عزل وتقييد (الشمال)”، مضيفاً أن “الواقع الحالي يثبت أن القوة فقط هي التي يُمكنها حماية العدالة والحق”.وفي عام 2002، اعترفت كوريا الشمالية بتطوير “إجراءات عسكرية مضادة قوية، بما في ذلك أسلحة نووية” لمواجهة ما سمته “تهديدات نووية من الولايات المتحدة”.وكانت معلومات صحافية واستخبارية عديدة تتحدث منذ سنوات طويلة عن إخفاء بيونغ يانغ معلومات حول تطويرها لأسلحة خطيرة وصواريخ باليستية ذات قدرات على حمل رؤوس بيولوجية وكيميائية ونووية.
المثير للجدل أن المفاوضات السداسية التي تشمل كلاً من الولايات المتحدة واليابان وروسيا والصين والكوريتين الشمالية والجنوبية لم تفلح في إقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن تطوير أسلحة نووية، ذلك أن التجربة مع واشنطن والدول التي تدور في فلكها لا تثبت حسن نيات “الكاوبوي الأميركي” الذي يسعى لاصطياد “الثيران” المعارضة لسياسته في العالم واحداً تلو الآخر।حبر على ورقووافقت كوريا الشمالية، بموجب معاهدة العام 1994، على تجميد برنامجها النووي في مقابل الحصول على نصف مليون طن من وقود النفط في العام على شكل مساعدات।لكنها ألغت المعاهدة عندما اعترفت مصادر عسكرية أميركية أن مدمرتين من طراز “آجيس”، التي تحمل صواريخ موجهة مضادة للصواريخ في أوزاكا اليابانية، ستتمركز على مقربة من الشاطئ الكوري الشمالي.وقد اعتمدت بيونغ يانغ، خلال مفاوضاتها المتقطعة حول برنامجها النووي، سياسة حافة الهاوية والتصعيد المتواصل في سبيل الحصول على مساعدات اقتصادية، لطالما وصفتها بـ“التعويض الكافي” على وقف البرنامج النووي.الأزمة الراهنةومنذ طرد العاصمة الكورية الشمالية للمفتشين التابعين لوكالة الطاقة الذرية الدولية في كانون الأول من العام 2002، ثمة محاولات استخبارية مكثفة لرصد تحركات أو غازات معينة تثبت إجراء محاولات لاستخلاص البلوتونيوم، علماً أن المعالجة الكيميائية للوقود المنضب من مفاعل ينبعث منها غاز الكريبتون 75، الذي لا يمكن رصده.ويرجح جون وولفستال، الذي عمل مراقباً ميدانياً تابعاً للحكومة الأميركية في كوريا الشمالية خلال العامين 1995 و1996، أن الولايات المتحدة نشرت أجهزة رصد للكريبتون 75 في كوريا الجنوبية وفي المياه قبالة كوريا الشمالية، وفي الجو من خلال طائرات تجسس، مشيراً إلى تقارير تفيد عن رصد مسؤولين أميركيين لغاز الكريبتون.وكانت كوريا الشمالية دوماً بمثابة عالم مجهول بالنسبة للاستخبارات، على حد قول وولفستال، الذي يؤكد أنه «نادراً ما يخرج من هذا البلد، الذي يعيش بمعزل عن الدنيا، أي شيء يمكن الاعتماد عليه».خطر الصواريخولعل ما يمكن أن يقوم به السلاح الصاروخي اليوم من تهديد، قد أعاد خلط الأوراق وعزز مخاوف الدول تجاه بعضها البعض. وبات واضحاً ان معظم البلدان تجنح الى السلم في اتخاذ قراراتها ضد الدول المعارضة للسياسة الأميركية، مثل إيران التي تعاونت مع كوريا الشمالية لإنتاج صواريخ شهاب 5 و6، بسبب ما يمكن أن تشكله هذه الدول من خطر بامتلاكها لصواريخ بعيدة المدى وعابرة للقارات.ويعتقد مسؤولون أميركيون أن صاروخ «تايبودونغ» الكوري الشمالي، قادر على ضرب ألاسكا وهاواي وغيرها من مناطق الساحل البعيدة عن البر الأميركي، في حين أن نسخة معدلة من الصاروخ تدعى «تايبودونغ ـ 2» يمكن أن تضرب مناطق أخرى من الأراضي الأميركية.وليس أدل على التذرع بهذا الخطر، من بدء طوكيو وواشنطن العمل الحثيث على إقامة درع صاروخي، بعدما أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً فوق اليابان عام 1998.مخاوف واشنطنوالحديث عن إمكانية امتلاك كوريا الشمالية لأسلحة غير تقليدية، قد دفع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية الى تشكيل ما يشبه الحلف لمواجهة خطر محتمل، كما بدت الصين وروسيا، الحلفاء التقليديون لبيونغ يانغ، بعد تجربة الصواريخ في الخامس من تموز الماضي، أكثر حذراً تجاه ترسانة الحليف الشيوعي، وهذا ما تجسد في مواقفها الداعية الى “ضبط النفس”، والتي تطورت مع التجربة الاخيرة الى مستوى الانتقاد الشديد ووصف إجراء بيونغ يانغ بـ“التجاهل السافر” للضغوط الدولية.مخاوف متبادلةومما لا شك فيه أن المخاوف لا تقتصر على الدول التي أعطت لنفسها حق امتلاك أسلحة غير تقليدية بل أيضاً لكوريا الشمالية هواجسها ومبرراتها؛ فقد أعلنت أكثر من مرة أن أنباء اختبارات نووية كورية جنوبية جعلتها أكثر إصراراً على عدم التخلي عن برنامج التسلح النووي.ودعمت بيونغ يانغ موقفها بمعلومات عن قيام سيول باختبارات سرية لانتاج 0.2 غرام من اليورانيوم المخصب في العام 2000.كما تشكل القواعد الأميركية المنتشرة في اليابان وشمال شرق آسيا تهديداً كبيراً للدولة الشيوعية التي تسعى الى حماية وجودها وسط تحولات عالمية بدأت مع الحرب الباردة وتصاعدت وتيرتها مع تفكك المنظومة الاشتراكية وظهور الاسلام السياسي، ومن ثم رواج ما يسمى “الحروب الاستباقية” و“الحروب الوقائية” التي تحمل مشروعاً جديداً للعالم، لا يهدد فقط بالسيطرة على الثروات النفطية والطبيعية، بل بـ“فوضى خلاقة” لا إمكانية معها للرضوخ لشروط المجتمع الدولي في عدم امتلاك الطاقة النووية كحق طبيعي.

الأخبار-الثلاثاء ١٠ تشرين الأول 2006

21‏/9‏/2006

تايلاند: سياسة الحكومة تجاه «الثعابين» تطيح رئيسها

معمر عطوي
ما الذي قصد به قادة الجيش التايلاندي بـ «حماية وحدة البلاد» لتبرير انقلابهم على حكومة تاكسين شيناوترا؟سؤال يطرح نفسه، أمام حالة الهدوء النسبي التي تشهدها تايلاند بعد عملية انقلاب عسكري ناجحة، قام بها قائد الجيش سونثي بونياراتغلين الذي حل الحكومة، وعطل دستور العام 1997، بمباركة الملك بوميبول ادولايدج، الذي وافق على تعيينه رئيساً موقتاً للمجلس العسكري للإصلاح السياسي الحاكم.وفيما تشير المعارضة إلى أن الهدف الأساسي للانقلاب هو الفساد الذي تغرق به الحكومة ورئيسها، تُظهر المعطيات السياسية والميدانية أن ثمة مشكلة أكبر من موضوع الفساد، تتعلق بأقاليم يالا وباتاني وناراثيوات الجنوبية، الواقعة قرب الحدود الماليزية، وتقطنها غالبية مسلمة من شعب الملاي، على خلاف الأقاليم الأخرى ذات الغالبية البوذية.
فهذه الأقاليم الثلاثة، التي تشهد اضطرابات مسلحة، تطالب بالاستقلال منذ بداية العام 2004، إضافة إلى احتجاجات شعبية على صلة بالوضع الاجتماعي والخدماتي المزري، أوجدت شرخاً بين بعض قادة العسكر، وعلى رأسهم قائد الجيش الذي ينتمي للطائفة الإسلامية المؤيدة بمعظمها للملك، والحكومة التي يرأسها شيناوترا، بسبب سياسات الحكومة التي تعامل مواطني هذه الأقاليم كمواطنين من الدرجة الثانية، والتي دفعت قائد الجيش أكثر من مرة إلى انتقاد أسلوبها في مواجهة التمرد الإسلامي، والدعوة إلى التفاوض معهم.فالجنرال بونياراتغلين يرى أن الحكومة بحاجة إلى انتهاج أسلوب آخر غير هذه الاستراتيجية التي تتبعها منذ فترة طويلة وتقوم على استخدام القوة ضد المقاتلين المسلمين في الجنوب ورفض التفاوض معهم، فيما دعا مسؤول عسكري تايلاندي إلى التفاوض مع من سماهم «الثعابين» كاستراتيجية يتوجب اتباعها من أجل الوصول إلى سلام دائم في البلاد.يبدو أن «وحدة البلاد»، التي يتذرع بها الانقلابيون، لم تكن السبب الوحيد وراء هذا الانقلاب الذي شهدته بانكوك هذا الأسبوع، فالفساد السياسي والمالي الذي تعيشه السلطة الحاكمة ربما كان وراء تشكيل لجنة إصلاح سياسي، تم بين قائدي الجيش والشرطة .ولعل إرهاصات التطورات السياسية الأخيرة، قد بلغت ذروتها الشهر الماضي أمنياً مع مقتل قائد الجيش في إقليم يالا العقيد سوثيزاك برايرتساري، في كمين مسلح اتهم بنصبه مسلحون إسلاميون.والمتابع للتطورات في تايلاند يكتشف أن المؤسسة العسكرية التي انقلبت على الحكومة لم تكن بعيدة عن ممارسة العنف ضد مواطني الأقاليم الثلاثة، بذريعة محاولة القضاء على المتمردين، فلطالما تعاملت الحكومة مع هذه المناطق انطلاقاً من منظور أمني، بيد أن فرضية كهذه حرمت الأقاليم الجنوبية الكثير من حقوقها المدنية والاجتماعية لم تكن لتنال رضا الملك، الذي يسعى إلى كسب ثقة 1.8 مليون مسلم في جنوب البلاد.وعلى ما يبدو فإن مشكلة تايلاند متشعبة إلى مشكلات أمنية سببها الحكومة والمتمردون، وأخرى اقتصادية، ربما ساهمت في خلق مناخ مناهض للحكومة تحول إلى أرض خصبة لاحتضان العنف.الأمر الآخر الذي عزز مناخ المعارضة لرئيس الوزراء «المخلوع» هو استشراء الفساد الذي دفع بأنصار المعارضة مراراً إلى تنظيم مسيرات شعبية هدفها الضغط على شيناوترا لدفعه إلى التنحي عن منصبه بعد اتهامه بالفساد وسوء استخدام السلطة.قد يكون هذا الهدوء الذي تشهده تايلاند بعد الانقلاب، إرهاصاً لتطورات دستورية يكون فيها الملك اللاعب الأساسي في اختيار رئيس حكومة جديد يرضي المعارضة والمؤسسة العسكرية على السواء. وقد يكون هذا الوضع بمثابة الهدوء الذي يسبق عاصفة سياسية وأمنية لا تُحمد عقباها.
(الأخبار)عدد الخميس ٢١ أيلول 2006

16‏/8‏/2006

يانوكوفيتش يُعيد بوصلة كييف باتجاه موسكو

معمر عطوي

رئيس الوزراء الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش لموسكو بعد ايام قليلة من عودته الى الحياة السياسية، لترسّخ معالم جديدة على الخريطة السياسية في اوكرانيا، التي تؤكد حدوث توافق، ولو على مضض، بين تيار موال لروسيا تعيش غالبيته شرقي ضفة نهر «دنايبر»، وآخر ذي اتجاه غربي تدعمه الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية ويتركز نفوذه في غربي النهر.
ومما لا شك فيه ان تصريحات يانوكوفيتش منذ ايام حول عدم اعادة النظر باتفاقات الغاز مع موسكو، تأتي في سياقها الطبيعي اذا ما علمنا أن للبعد الاقتصادي تأثيره في لعبة «عض الاصابع» بين روسيا واوكرانيا، اللتين أبرمتا اتفاقاً، يحدد أسعار الغاز الروسي بــ 230 دولاراً لكل ألف متر مكعب، دخل حيز التنفيذ في اول العام الجاري. ففي وقت تمارس الولايات المتحدة جهوداً واضحة في دعم تيار الرئيس فيكتور يوتشينكو للحد من النفوذ الروسي في كييف، تحاول أوروبا التوفيق بين استقلالية القرار المحلي عن التأثير الروسي، والحفاظ على خيط رفيع من العلاقات الودية مع موسكو، لضمان استمرار وصول الغاز الروسي الى دول الاتحاد الاوروبي، الذي يمر عبر اوكرانيا، وبخاصة ان نجاح «الثورة البرتقالية» العام 2004، الذي أزعج الكرملين، قد دفع «الدب الروسي» الى رفع اسعار الغاز ثلاثة اضعاف عن السعر الذي كان معمولاً به في عهد الرئيس السابق ليونيد كوتشما.
ولعلّ الامر الذي ساهم في زيادة تعقيد الوضع السياسي في أوكرانيا هو أن الانتخابات التشريعية، التي جرت في أيار الماضي، لم تفرز غالبية واضحة لتشكيل الحكومة من دون الدخول في تحالف واسع، وهو ما ادى الى انحسار نفوذ «الثورة البرتقالية» بقيادة يوتشينكو وصديقته رئيسة الحكومة يوليا تيموشينكو.
غير ان اتفاقاً تمّ بين يوتشينكو ويانوكوفيتش أدى الى ضمان الحفاظ على دور الغالبية الروسية. وفي الوقت نفسه، حافظ على علاقة جيدة مع الغرب، وجنَّب البلاد الدخول في حالة من الفوضى كان من الممكن ان تقود الى مواجهة على غرار ما حصل اثر الاتهامات المتبادلة بين تيار «الثورة البرتقالية» وحلفاء روسيا.
ولعلَّ ما قامت به كتلة «أوكرانيا لنا»، الموالية للرئيس يوتشينكو، بانضمامها إلى الائتلاف البرلماني الذي يشارك فيه حزب الأقاليم (الذي يتزعمه يانوكوفيتش) والحزبان الاشتراكي والشيوعي، قد جنَّب البلاد مواجهة جديدة، كان من شأنها اعادة أوكرانيا الى ساحة التجاذب بين روسيا والغرب، التي ليست لمصلحة اي من الطرفين، في ظل الشرخ الدولي الواضح في الملف النووي الايراني وانقسام اوروبا على العديد من القضايا الساخنة في العالم.
وشكّل تصريح يوتشينكو في موسكو في 24 كانون الثاني الماضي حول «شراكة استراتيجية للأبد» بين أوكرانيا وروسيا، خطوة متقدمة على طريق تحسين العلاقات. ولم يتناقض هذا التصريح مع توقيع كييف على «اعلان مبادئ» يحمي المساعى الاوكرانية الرامية الى تحقيق مزيد من التقارب مع اوروبا والى دفع اصلاحات السوق.
ويبدو ان اهتزاز التحالف الذي كان قائما بين أحزاب «الثورة البرتقالية» ويوتشينكو في أيلول 2005 بعد إقالة تيموشينكو على خلفية اتهامات بالتقصير ومزاعم بالفساد، قد صرف النظر عن اتهامات تتعلق بالفساد الاداري طالت «تيار روسيا»، وساهم بالتالي في اعادة اتجاه البوصلة نحو روسيا لكن من دون فك الارتباط بالغرب.



(الأخبار)عدد الاربعاء ١٦ آب

8‏/8‏/2006

زينب

زينب

دمعة ساخنة

عين ثكلى

خريطة بلدان محروقة

واوطان ينمو فيها الانسان...

تسال زينب خالتها

عن سر طول الوقت

عن باب "مخلوع" في الصف الخامس

عن صنبور لا "يبصق"

عن رجل يسلبها المذياع في الليل

يتمرآى بصورة سجان...

تبحث زينب في علب الطبشور

عن رائحة وسادتها

عن حبة رمل تشبهها

عن صوت ينسيها الاشجان...

تجلس في الصف السادس

في حضن امرأة لا تعرفها

في يدها كسرة خبز

كأس شاي بلا سكر

وحديث خوف يصطك الاسنان

زينب تسال عن أم ٍ

في بيت

لايشبه مآواها..

عن صورة جدٍ

تلتصق أزلا بالحائط

عن قلم فارق اناملها

في لحظات منسية

عن اوراق

عن الوان..

زينب تسأل خالتها

عن سر الوقت الابدي

في غرف قاتمة

رؤوس تصطف نائمة

شبان يأتون بالرز

وعلب الفول والحمص

وعجوز تشعل موقدة

تطبخ ما حضر من رزق

تستحضر صور المآساة

ويغيب الفنان...

في مدرسة رسمية

في الصف السادس

أمام رزمة خرائط ملونة

تفتقد زينب عائلةً ً

تفتقد زينب ذاكرةً

مدرسة

العابا

وطحين الفران...

زينب تسأل خالتها

عن سر الوقت

عن صوت يستلب نافذة

يكسر بابا

يلقي اشلاءً في الملعب

يختطف جسرًا

ذاكرةً

أحلامًا

ينتزع الافنان...

معمر عطوي

بيروت. 08.08.2006

8‏/7‏/2006

رحلة الاستشراق الطويلة من القاهرة الى بيروت مروراً ببغداد ... مارتن ماكدرمت...

يسوعي اهتم بأبحاث التيارات والفرق في الحضارة الاسلامية
معمر عطوي الحياة - 08/07/06//

الأب الدكتور مارتن ماكدرمت (1932) راهب يسوعي أميركي من أصل ايرلندي، اختار حياة الكهنوت منذ كان في الثامنة عشرة من عمره، حين انضم الى الرهبانية اليسوعية في بوسطن. مستشرق تخصص بعلم الكلام عند الشيعة، وكتب أطروحة الدكتوراه حول الشيخ المفيد. في البداية درس القاضي المعتزلي عبد الجبار، وزار مصر لهذا الغرض. ثم اختارته الرهبنة ليعيش في بغداد فسافر الى هناك عام 1958، ليقيم في جامعة الحكمة التابعة للآباء اليسوعيين، والتي كانت تشكل الى جانب كلية بغداد أحد الصروح العلمية في عراق الخمسينيات. درس في كلية بغداد اللغة العربية وبعد سنتين عاد الى أميركا لإتمام الدروس الكهنوتية. انضم الى جامعة شيكاغو لدراسة العلوم الشرقية وحصل على الدكتوراه في علم الكلام عند الشيعة. التقيته في بيروت حيث يقيم منذ اكثر من 35 سنة، وكان هذا الحوار:
> ما هي مشاريعكم في المدى القريب؟
- الآن أنا بصدد نشر كتاب تحقيقي عن كتاب العالم المعتزلي محمود بن محمد الملاحمي.
> ما الذي دفعك للمجيء الى لبنان؟
- في العام 1968 وبسبب التغيرات السياسية التي حصلت في العراق، ترك اليسوعيون بغداد حيث صادرت الدولة العراقية المدرستين التابعتين لهم. ولم أستطع العودة الى بغداد. لكن سنة 1971 وبعد انتهائي من الدراسة في جامعة شيكاغو، أتيت الى بيروت لالتحق بالجامعة اليسوعية.
> المعروف ان أشهر أقطاب مدرسة المعتزلة كانوا من السنة، ما سبب اختيارك لمعتزلي شيعي؟
- كنت اخترت دراسة الشيعة لأنه كان لليسوعيين إرساليات في بغداد. وذلك لإعانة المسيحيين في الشرق. اخترت بغداد على رغم اني لم أكن أفكر بالسفر الى اي بلد عربي. وذلك لأن الكنيسة أرادت ذلك. أما اختياري لدراسة الشيعة فيعود الى ان أحد الآباء اليسوعيين، كان قد تخصص في أكسفورد في الشيخ الباقلاني الأشعري، ولاحظت أن معظم المستشرقين يتخصصون في المجال السني، ونادراً ما يلتفتون الى أعمال الشيعة، فاخترت الشيخ المفيد الذي عاش في العصر نفسه الذي عاش فيه الباقلاني. لهذه الغاية زرت النجف في ذلك الوقت، ورحبوا بي لأني اهتم بدراسة ما لديهم. هناك التقيت العديد من العلماء، ودارت بيننا حوارات فكرية.
> هل تأثر الشيعة بالمعتزلة؟
- الشيعة اخذوا الكثير من المعتزلة، لأنهم كانوا بحاجة الى بناء فكري، فوجدوا الكثير من الأفكار التي تخدمهم، عند المعتزلة، علماً ان المعتزلة رفضوا تعيين الإمام علي في الخلافة. ومع ذلك ينفي الشيعة أنهم اخذوا شيئاً من المعتزلة الذين يسمونهم بالهراطقة، لكن في الحقيقة فكرتهم عن إرادة الحرية عند الإنسان تتماهى مع ما يقوله المعتزلة. في كل مكان هناك حقيقة ينبغي للإنسان ان يعثر عليها.
> ما الذي جذبك في أفكار المعتزلة؟
- أبرز ما جذبني عند المعتزلة، أنهم يضعون العقل في مراتب عليا. لا أعتقد أن هناك من يفكر مثل المعتزلة بين المذاهب الإسلامية اليوم، لكن هناك حركة اجتهاد في شكل او آخر. الشيعة كانوا يقولون بأن لا تقليد للميت، لكن مع الخميني تغيرت الفتوى. صارت أفكاره كالقرآن. ولاية الفقيه شيء جديد ليس موجوداً بالأصل عند الشيعة. هذا اجتهاد خميني كما يقول شريعت مداري.
> ما الذي لاحظته حين زرت إيران؟
- رؤيتي حول واقع الإسلام الشيعي في إيران، لم تكن وليدة مطالعات ومتابعات إعلامية فقط، بل رأيت الأمور عن كثب، حين زرت إيران في 1968 (أي قبل الثورة بعشر سنوات)، ثم عدت وزرتها في العام 1994 لحضور مؤتمرات. تغيرت إيران كثيراً من مرحلة البهلوية الى مرحلة الثورة. أصبح هناك رجال دين يحكمون. وأنا أرى أن من الخطورة أن يقود رجال الدين البلد. لأن رجال الدين يحكمون باسم الله ويسقطون على أحكامهم قدسية لا يستطيع معها الناس أن ينتقدوهم. أنا رجل دين، وأرفض سلطة رجال الدين على الشعب.
> كيف تنظر الى حركة الاستشراق في الجامعات الأميركية اليوم؟
- الحركة الاستشراقية في الجامعات الأميركية ما زالت متواصلة، لكن ليس كالسابق حيث كانت التخصصات في مراحل القرون الوسطى، هناك حالات تخصص بالحركات السياسية الإسلامية أكثر، هناك إهمال للجانب العميق من الإسلام والشرق أي الجانب الفكري والعقائدي لحساب الجانب السياسي.
> هذا يقود للحديث عن المقولة، التي تشير الى أن المستشرقين خدموا السياسة «الكولونيالية» ما مدى دقة هذه المقولة؟
- في هذا الموضوع أرى أن هذا الأمر ساد في الستينات، من خلال أطروحة إدوارد سعيد عن الاستشراق. حين اتهم المستشرقين بخدمة المستعمرين. «هذا الحكم كان تعميمياً. أظن أن هناك شيئاً من الصحة في ما يتعلق بهذا القول، لكن هذا لا يعني إنها الحقيقة الوحيدة عن الاستشراق، لأن هناك من كان يدرس الشرق لأهداف علمية بحتة، لكن هناك من المستشرقين من كان يعمل للدولة.
> كيف وجدت علاقة الشرقيين بالدين مقارنة مع الغربيين؟
- من خلال معايشتي للشرقيين، ومنهم العرب، لمست أن الناس في الشرق يعيشون دينهم علانية، لا يستحيون منه، في حين تنعكس الصورة في أوروبا وأميركا، لأن هناك الكثير من الناس، يستحيي من إظهار دينه؛ بسبب سيطرة المجتمع العلماني. أنا ضد هذا الوضع لكنني ألاحظ تغيراً في معايير الأخلاق بين الناس، منذ أتيت الى العالم العربي وحتى الآن. معيار الأخلاق متغير من واحد لآخر. وهناك مخالفة دائمة للقيم تحت ضغوط عدة. هناك الكثير من الناس في الغرب يفتقرون لعمق ديني في بنائهم. يشعرون أنهم ليسوا في حاجة لله. ولكن في الشرق أيضاً هناك الكثير من الناس ممن يفكرون بالطريقة نفسها، لكنهم لا يستطيعون إظهار ذلك، بحكم أن المجتمع متدين، ويمكن أن يوصموا بالكفر وبالإلحاد اذا ما عبروا عن حقيقة قناعاتهم.
> هل واجهتك صعوبات اختلاف الذهنية بين حضارتين؟
- لم أواجه صعوبات في التعايش بين الذهنيتين الشرقية والغربية. لكني كونت انطباعاتي الخاصة حول حياة الشرقيين والفهم المتبادل مع الغرب. هناك عدم فهم بين الشرق والغرب، والصورة هي عكس ما تصوره لنا هوليوود. الحياة في لبنان مهمة وممتعة، مثيرة للجدل، تنام ولا تعرف ما سيحدث صباحاً. هذا يعني ان الحياة غير منتظمة غير موضوعة في سيستام. وأنا أفضل العيش في هذا البلد. السياسيون في كل بلد يكذبون، يمكن أن يكونوا هنا أكثر كذباً، لأن ليس هناك من يحاسبهم. لكن الكذب بالسياسة موجود في كل مكان. المشكلة أن السلطات تعمل على وقف التفكير، في حين ان هذا حق لكل إنسان في ان يفكر.

11‏/6‏/2006

الحوار الأميركي ــ الإيراني: لعب في الوقت الضائع
معمر عطوي
يدرك الغرب جيداً أن التفاوض مع إيران ليس نزهة يمكن من خلالها تحقيق ما يصبو إليه.وهو، وإن سعى إلى خوض مفاوضات مع نظام رفع شعار «لا شرقية ولا غربية» وحرّم التعاطي لعقود مع «الشيطان الاكبر»، يدرك مدى صعوبة المناورة مع اسلوب تفاوضي طويل النفس، تماهياً مع المثَل الايراني «الذبح بالقطنة».ورغم السيطرة العسكرية السافرة على مياه الخليج ومصادر الطاقة في معظم البلدان العربية، ورغم التأييد الكبير الذي تحظى به الادارة الاميركية من حلفائها في الدول العربية والاسلامية، استطاعت طهران السير في مناوراتها السياسية مع الغرب على مستويين: الاول يتمثل في المحادثات بشأن الملف النووي، والثاني يتمثل في المفاوضات التي بدات في 28 أيار الماضي مع الولايات المتحدة حول العراق.في الملف الأول، استمرت طهران على مواقفها الرافضة لتعليق التخصيب، وذلك بالرغم من صدور ثلاثة قرارات من العقوبات في مجلس الأمن ضد طهران (1969 و1737 و1747).اما في الملف التفاوضي الآخر، فيبدو أن طهران، التي استغلّت تورط اميركا في مستنقع العراق الدامي، مستعدة لقطف ثمار هذه المفاوضات التي رآها البعض خرقاً لمحرم، فيما مثّلت هواجس للبعض الآخر، بينهم زعيم جيش المهدي السيد مقتدى الصدر.ورغم ما يحدث ميدانياً في مياه الخليج من حركة مناورات حربية اميركية قبالة سواحل ايران في مقابل مناورات ايرانية مماثلة، لا يمكن الرهان على توجيه ضربة عسكرية الى النظام الاسلامي، في ظل انقسامات واضحة بين الاميركيين حول هذا الخيار، رغم الحرب الامنية المستعرة بين البلدين، مع استمرار اعتقال دبلوماسيين إيرانيين في العراق منذ كانون الاول الماضي على أيدي قوات الاحتلال الأميركية.كل هذه المعطيات تفتح الباب امام تأويلات كثيرة حول مدى صعوبة حقل ألغام التفاوض بين العدوّين اللدودين، اللذين يبدو أنهما يستخدمان سياسة العصا والجزرة.صحيح أن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد أكد أخيراً أنه لن يساوم على حزب الله وسوريا، في تصريح يوحي بإمكان استبعاد المقاومة العراقية من هذه اللاءات. لكن أي تنازل في هذا الملف يبقى مستبعداً هو أيضاً في الوقت الراهن.فالمسؤولون الايرانيون يدركون جيداً على ما يبدو عمق الفخ الذي وقع فيه الاميركيون، وهم بالتالي غير مستعدّين لتقديم تنازلات تفقدهم بعض الاوراق الرابحة، وتعطي في الوقت عينه مكافأة لعهد الرئيس جورج بوش الذي شارف على نهايته.تصريحات هؤلاء المسؤولين تشير الى انهم متمسكون بالاستمرار في الانشطة النووية الحساسة، وفي الوقت نفسه متمسكون بالمطالبة بخروج الاحتلال من المنطقة. وأمام هذا الاصرار على الاحتفاظ بملفين شائكين، يبدو أن الإيرانيين ماضون في المناورة في الوقت الضائع والعمل على كسب الوقت وإدارة الأزمة بأقل تكاليف ممكنة، الى ما بعد الانتخابات الاميركية نهاية العام المقبل.
"الأخبار"الاثنين ١١ حزيران 2007

18‏/3‏/2006

ضفاف الدمع

بين جنوني وصمتك حاجز من نار

دخان الحقيقة لا يشعل مدفأة قلبي

والعطر بخور وعود..

تتعثر كلماتي بألفِ غصةٍ

والدمع مستور..

تنفرد الرؤية بأنوار طيفك

فيغزل المنوال ثوب الوجع

ُيمزّق أوراق النميمة ..دون جدوى

يقذف قلبي شهوته دمًا

يمسح تضاريسه بمنديلك الُمطرّز

يستريح عند كتف المعضلة ..

يهرب الوقت سريعًا من حديقة أنسكِ

ينقلب المشهد حطامًا أمام عبارات التوديع

ينتحر ما تبقّى من رجولتي

على ضفاف دمعي

أنا أسير المرحلة..

الحديث في حضرتك صمت

الصمت في عينيك كلام

حجابك رسالة عفـّةٍ

تهذيبك إغراء

صخبك هدوء

والحاحي هرولة..

معمر عطوي


جبل لبنان- 18-3-2006

26‏/2‏/2006

يا زهرة البيلسان



تتمخترين عاليا في النور
في بقعة ضوء خافتة
كطهرانيةٍ متسامية..

تصبرين على ظلم القدر
تصمتين أمام سهام الكلمات العابرة
تتعالين بصمتك.. بصبرك.. بحبك
فوق الكلمات.. الى ما بعد السؤال..

كأنك أيقونة انتزعت من ذاتها صفات البشر..
تبصر نفسها في سحر الشمس ..
في عتمة الحقيقة
في عرش الله...


حين تفرّ يدك من يدي
ويهرب خدك من ومضة قبلةٍ تتشظى في الفراغ
تعود أناملي لتكمل عصر ما تبقى من دم قلبي
تستغرق شفتاي الوقت في التمتمة
ويغوص وجدي في أعماق الذاكرة
علني نسيت فن الاتيكيت ...
أو ربما أردت تحدي القدر..


أيها القدر
أتحمل الوجع الى أوردتنا الطرية؟
أم تسلبنا نشوة الامل.. في ذروة اللحظة؟
أم تعذبنا بلعبة روليتٍ جديدة..





لماذا نهرب من ذواتنا
في لحظة وصول التيار الى شرايين افئدتنا ؟؟
هل لأننا نكره الحياة ؟
أم أن الحياة تلفظنا.. حين نستسلم لتقاليد الخرافة؟؟


حبيبتي.. يا نسمة البيلسان
وعبق الياسمين ..
تحلقيّن في فضاء روحي
تنخرين عباب تفاصيلي ..
ترجعيني الى سن المراهقة
في لحظة توتر..
لحظة وصول التيار الى كل أنسجة الجسد
لحظة كهرباء لا ُتستعاد..

كيمياء الغرام
يصنع قنبلة..
أو يعيد الحياة الى بقعة الضوء
الى حيث يكون النبيذ شفتين..
واللذة جرح.. غادر كبته..
والفرح.. نظرة تستحي من نفسها
السؤال دائمًا لعنة..
فاصل ما بين الجنون .. وعشق المرحلة...

معمر عطوي- جبل لبنان
26-2-2006