12‏/11‏/2012

شهداء... ولكن!!

معمر عطوي
من السهل إطلاق الألقاب المقدسة على أعمالنا، ووصفها بالطهرانية المُتسامية، والأسهل من ذلك أن نجد مسوّغات لجرائمنا وأفعالنا المشينة فنجعلها واجبات أو تكاليف شرعية، فإذا ما مات أحد منا دون تحقيق هذه الأفعال وصفناه شهيداً ووضعنا اسمه على لائحة «أنبل بني البشر» الذين «هم أحياءٌ عند ربهم يُرزقون».

من السهل إطلاق الفتاوى التي تُمجّد استفزازاتنا للآخرين باسم الدعوة وباسم إحياء الشعائر الدينية وباسم «رفع الغبن عن الطائفة المقهورة».
وأسهل من ذلك أن نجد الفتاوى التي تبرّر لنا قتل الأبرياء بذريعة «قتال الفئة الضالة»، وأن نفجّر جموعاً غفيرة من الشعب حتى لو كانوا داخل مسجد او احتفال ديني، بذريعة أنهم «من المشركين والضالين والزنادقة» ونحن ندرك أن في المكان الكتاب المُقدس الذي نؤمن به وقد صار اشلاءً من أثر الانفجار؟!.
لكن حين نُعمل عقلنا جيداً، ويذهب مفعول أفيون الشعوب عن ضمائرنا وحواسنا، من الصعب أن نُقنع أنفسنا أننا بالفعل نقوم بما هو واجب شرعي ومُقدّس، حين نقتل الأبرياء في سوريا بذريعة محاربة «مؤامرة خارجية» ضد نظام «مُمانع»، أو في المُقابل حين نهاجم قرىً شيعية على الحدود السوريّة اللبنانية، فقط لأن بعض الشيعة يؤيدون نظام بشار الأسد الاستبدادي.
من الصعب جداً، حين نتصّف بالموضوعية والعقلانية، أن نطلق وصف شهيد على شخص متورط في جرائم الشبيحة ضد الشعب السوري، أو نطلق الوصف نفسه على شخص قتل فئة من أجل دينها أو مذهبها أو توجهاتها السياسية وهي غير مقاتلة.
الشئ نفسه يحدث مع من ينخرط في فتنة مذهبية داخلية فيظن نفسه أنه يجاهد في سبيل الله فيما هو يقوم بازالة شعارات حزبية ودينية لطائفة أخرى ويتسبب بحدوث اقتتال مذهبي لا تُحمد عقباه.
بالله عليكم، كيف يمكن وصف هذا العمل بالواجب الشرعي، وهو فتنة أشد من القتل؟ أليس هناك أولويات في موضوع الجهاد في الفقه الاسلامي، تجعل عدو الأمة الأول والأولى قتاله اليوم هو الصهيونية؟ أم أن أولويات بعض المشايخ أصبحت سحب سلاح المقاومة في لبنان وقد نسي أن الشعب بحاجة الى خبز وكرامة. ولعله لا يدرك هذا الشيخ الذي يعطّل مصالح الناس ويبث الخوف والتوتر في نفوسهم، أن هذا السلاح قد ساهم في إخضاع اسرائيل وجعلها أوهن من بيت العنكبوت؟ هل يشرّفه «الجهاد» ضد سلاح رفع رأسنا عالياً؟
هل دماء شبابنا رخيصة الى هذا الحد الذي نجعلهم ضحايا لرجال دين مهووسين بالمال والسلطة يعتاشون على الفتنة ويصعدون على دماء الأبرياء؟ أم نجعلهم مصفقين لرجال سياسة فاسدين باعوا أنفسهم لأكثر من دولة من أجل تحقيق مصالحهم ومشاريعهم الخاصة، مستخدمين الدين فتيلاً للتفجير، والطائفة عنوان لقتالٍ هم غير مشاركين فيه إلاّ من بعيد، من على المنابر المُدرعة ضد الرصاص والشاشات السخيفة والسيارات المُصفحة «الُمفيمة»؟
قبل أن نمشي وراء هؤلاء واولئك، قبل أن نصفق لذاك أو تلك، قبل أن نموت من أجل هذا الشعار او ذاك العنوان، ألا نسأل أنفسنا لماذا نموت؟ هل سألنا هؤلاء من أين لكم هذه النعم التي ظهرت فجأة قبل أن نطمع بقبض راتب شهري منهم يسلبنا كرامتنا قبل حياتنا.
إنه زمن البؤس زمن مُصادرة العقل والضمير، حين يحل أفيون الشعوب على هاماتنا ونفوسنا فيسلبنا كل ما هو جميل.
هل يفرح أهل الشاب الذي يموت بين أقدام الرعاع بأنه نال لقب شهيد؟! بئس الشهداء.
"برس نت" 12 تشرين الثاني 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق