12‏/4‏/2012

الطائفية المقدّسة



  • 2012/04/12

معمر عطوي
باستثناء الحزب الشيوعي اللبناني والحزب القومي السوري الاجتماعي، لا يمكن لأي حزب لبناني من الأحزاب الفاعلة أن يدّعي أنه حزب غير طائفي، بل من غير المنطقي أن يتحدث هؤلاء عن مواطنية صحيحة، بينما يغرقون في انتماءاتهم العقائدية الدينية حتى آذانهم.
المشكلة لا تنحصر بهذا الادّعاء الكاذب لكل حزب من الأحزاب الطائفية بأنه حريص على بناء الدولة المدنية العصرية، بقدر ما تكمن خطورتها في تداعيات أي مشكلة أو قضية تتحول الى موضوع انقسام بين الأحزاب، حيث تصبح المشكلة طائفية بامتياز متجاوزة لما هو سياسي أو حزبي او حتى اجتماعي اقتصادي معيشي.
لعل القضية الأكثر حساسية اليوم هي قضية كتاب التاريخ وما يثيره من انقسامات عميقة مع تحوّل بعض «الزعامات» السياسية الطائفية الى “مقدّسات لا يجوز المس بها”.
فكيف يمكن للشعب اللبناني أن يقرأ تاريخه على نحو مغاير للأخلاق الوطنية، ويقبل بأن يكون أحد الخونة الكبار من عملاء العدو الاسرائيلي في لبنان، رمزاً من رموز البلد؟ فقط لأنه مدعوم من ابناء طائفته ومن كهنوت يفسّر الخيانة وفق مصالحه السياسية والديموغرافية. تسويغ غريب غير منطقي ولا أخلاقي.
إذن المشكلة الطائفية تعرقل أبسط الأمور المتعلقة ببناء الدولة، وهي عمل القضاء من أجل اجتثاث أقذر جريمة عرفها التاريخ وهي الخيانة للوطن وتجاهل الدم الذي أُريق أو الخسائر التي حلّت بالبلد نتيجة هذه العمالة للعدو.
إذن تبرير الخيانة بمعايير طائفية هو أحد جوانب المشكلة، أمّا الجانب الآخر من المشكلة فيكمن في هوية المقاومة التي أخذت على عاتقها تحرير الأرض ودحر العدو عن الجزء الأكبر من لبنان.
فلو كانت هذه المقاومة وطنية حقيقية غير منتمية الى فكر مذهبي أحادي، لكانت بعد تحرير القسم الأكبر من جنوب لبنان استطاعت اقامة محاكمات ميدانية لكل الخونة ومن كل الطوائف من دون أن يهتز لها جفن.
لكن هذه الهوية “المقدّسة” هي التي أعاقت اتمام عملية التحرير بشكل كامل. لأن التحرير لا يمكن إنهاء فصوله مع بقاء الخونة من دون حساب أو بمحاكمات تافهة لا قيمة لها على مستوى ردع هذه الجريمة في المستقبل.
القضية نفسها يمكن قياسها على الموضوع السوري وما أحدثه من انشقاقات في لبنان، فوقوف حزب الله الى جانب سوريا في وقت يتقدّم فيه أكبر تنظيم اسلامي عالمي (الإخوان المسلمون) لاستلام السلطة في أكثر من بلد عربي، هو غباء سياسي بامتياز، حتى ولو كان مسوّغ الموقف هو دعم سوريا الطويل للمقاومة وما تجود به حناجر جهابذة عملاء الاستخبارات السورية في لبنان على شاشات التلفزة حول الموقع الاستراتيجي لهذه الدولة “الممانعة” وصد المؤامرة.
فمن ناحية لا يجوز لحزب يدّعي الطهرانية الأخلاقية أن يقف مع المجرم ضد شعبه، فيما هو يحتفل كل عام بثورة الإمام الحسين على يزيد بن معاوية الظالم والشبيه الى حد كبير ببشار الأسد وبغيره من الحكام العرب.
ومن ناحية ثانية لن يكون موقف الحزب، في ظل هذه الاصطفافات المذهبية وانخراط الجزء الأكبر من الأحزاب المحسوبة على الطائفة المسلمة السنية في صفوف الثورات العربية، موقفاً ذكياً خصوصاً أنه يغذّي الهواجس حول ما كان حتى يوم الأمس مجرد «مؤامرة»، وهو ما صرّح به الملك الأردني عبدالله الثاني منذ سنوات عن هلال شيعي من ايران الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا.
لا أظن أن من مصلحة حزب الله معاداة شريحة واسعة من التيارات السياسية والدينية التي كان بالأمس يتغنى بالتعاون معها تحت شعار الوحدة الإسلامية، فيما يبدو أن المستقبل لهذه الأحزاب. وبالتالي هذه الأحزاب التي وصلت الى السلطة في مصر وتونس، والى حد ما في المغرب، ليست علمانية ولا وطنية انما هي مذهبية بامتياز، وهي لا تنظر الى النظام السوري إلاّ من منطلق كونه نظاماً علوياً «حاقداً على اهل السنة» حتى لو كان كل أهالي دمشق وحلب من أهل السنة الى جانبه. هذا العامل أيضاً يغذّي حرباً مستقبلية بين السنة والشيعة، إذا لم يع الجانبان خطورة مواقفهما المستندة الى أدبيات حرب الجمل وموقعة كربلاء، بدلاً من فهم واقع الأطماع والمصالح ولعبة السلطة.
إذن، الهوية الطائفية لأي جهة من الجهات، هي هوية قاتلة– على حد وصف الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف- ومن لا يع تأثير هويته الطائفية على طبيعة مواقفه السياسية، فالأفضل ألاّ يعمل في السياسة ويبقى أسير المحراب وحلقات الذكر وجلسات المساجد، لأن ذلك أسلم له ولغيره.
أما الحديث عن بناء دولة مدنية عصرية في ظل أحزاب معظمها طائفي، (حتى العلماني منها التحف غطاء الطائفيين)، فهو من أكثر الأمور خيالاً، ومن أصعبها تحققاً، ولن يكون هذا التمسك بعمائم رجال الدين وهذه العنجهية المذهبية سوى هويات قاتلة لطوائف تدّعي لنفسها القداسة، فيما هي من أكثر الظواهر تخلفاً وبعداً عن قيم الأخلاق والدولة المدنية.

11‏/4‏/2012

"دموع غزة" تنهمر في بيروت


  • 2012/04/11
 
 معمر عطوي
جميل أن توثق الأحداث وتصورها في شريط واقعي ينقل التفاصيل، حتى المملة منها، لكن أن تنقل تفاصيل كارثة حلّت بمجموعة من البشر إلى الجمهور في شريط تسجيلي، فإن جهدك كمخرج ومصوّر سيتضاعف، وتقديرك لن يكون كافياً بمجرد جائزة يمنحها أحد مهرجانات السينما المعروفة.
هذا ما يمكنك قوله حين تشاهد فيلم «دموع غزة» للمخرجة النروجية، فيبيكا لوكيبرغ، الذي عُرض الأسبوع الماضي في صالة مسرح المدينة في بيروت، ضمن نشاطات «الأسبوع الثقافي اللبناني النروجي» الذي نظمتة جمعية “نحن” بالتعاون مع السفارة النروجية في لبنان ومؤسسة «نورلا» النروجية.
هذا الشريط الذي أنتجه النروجي تيريا كريستيانسن، يشكل وثيقة أساسية لإدانة الإجرام الصهيوني بحق الفلسطينيين العُزّل، حيث ينقل سيرة قطاع غزة منذ ما قبل الحرب التي شنتها عليه إسرائيل في نهاية العام 2008، والحصار المفروض عليه منذ سنوات طويلة.
يبدأ الشريط بنقل آراء مجموعة من الفتيان الذكور والإناث، يتحدثون حول طموحاتهم التي تشبه واقعهم، هواجسهم وحاجاتهم. يطلّ بنا على واقع الحياة اليومية في غزة وعلاقتها بالبحر، المتنفس الوحيد للسكان والذي لم يسلم من عمليات التضييق والتنغيص.
بحر غزة تجوبه بوارج حربية تابعة لقوات الاحتلال تمنع الصيادين من الإبحار لمسافات ليست بعيدة في الواقع، وتهدّد كل من يخرق قواعدهم الجائرة بوابل من رشقات سلاح رشاش يبعث الرعب في قلوب الأطفال ويجعل مهمة تحصيل الرغيف مجبولة بالدم.
أما أحلام الأطفال فهي نابعة من صلب المعاناة، حيث يكون طموح أحدهم دراسة الطب «لمداواة جرحى الاعتداءات الاسرائيلية»، بينما تعبّر رفيقته التي لا يتجاوز عمرها العشر سنوات عن رغبتها بأن تصبح محامية لتدافع عن قضية فلسطين.
تنتهي الحوارات عن الطموحات وصور الحياة اليومية للانسان الغزّي فجأة حين تستلم القنابل «الغبية» محور الحديث فتسيطر النار والدخان والأشلاء والدماء على المشهد راسمة لوحة تراجيدية واقعية، لا هي من بنات أفكار كاتب سيناريو، ولا هي ايعازات من منتج أو شطحات خيالية من مخرج.
تلك هي حرب غزة التي وقف العالم مشدوهاً أمام هولها ومصائبها لمدة 22 يوماً، كانت كفيلة بتحقيق انجاز كبير في عالم الإجرام، من حيث عدد القتلى والجرحى الأطفال، لكنها فشلت في اخضاع المقاومة الفلسطينية لشروط العدو.
200 ساعة، هي مدة هذه الوثيقة المصوّرة التي تجاهلتها جامعة الدول العربية، حسبما أكدت المخرجة والمنتج في حوارهما مع الجمهور في صالة المسرح، لكنهما أكدّا أن هذا الشريط المشحون بعواطف إنسانية وبصور مؤذية أحياناً لفظاعتها ودمويتها هو موجّه الى الرأي العام الغربي، «الذي تغيّب عنه مشاهد معاناة الفلسطينيين» حسب قول كريستيانسن.
المنتج النروجي سخر من «حرية التعبير التي يتباهى بها الغرب بالدفاع عنها في ظل واقع تعمل فيه أجهزة الرقابة على منع إطلاعه على مأساة شعب».
أما المخرجة، فتطرقت إلى مسألة هامة تتعلق بأخلاقية عرض مشاهد الأشلاء والدماء والأجساد المثقوبة بالشظايا والقذائف، كما أظهرها الفيلم لحظة بلحظة، فاعتبرت لوكيبرغ أن «منع هذه المشاهد عن المشاهدين الغربيين لا يهدف إلى حمايتهم من الأذى النفسي الذي من الممكن أن تسببه لهم بل هي سياسة ينتهجها الغرب لحماية نفسه».
لقد نجح الفيلم النروجي بتقديم شريط توثيقي نقل حرب غزة يوماً بيوم، الى الجمهور العالمي، ونجحت المخرجة في أنسنة شريطها، فلم نر فيه أي شعار سياسي أو حزبي حتى لم يظهر في الشريط أي مقاتل لا من حركة حماس ولا من بقية الفصائل الفلسطينية، فكان جلّ تركيزها على الانسان في غزة بحياته اليومية ومعاناته مع الاحتلال والحصار وطموحاته وهواجسه، ثم انتقل الزمن بالفيلم الى مشهدية الحرب القاسية فكانت الضحية تصرخ بأشد الألم الذي جعل «دموع غزة» تنهمر في بيروت، لا في مسرح المدينة فقط كما ارتأى القيمون على مهرجان “الأسبوع الثقافي اللبناني النروجي”، حسبما كان عنوان ملخصّهم عن الفيلم.
ربما حفل الأسبوع الثقافي المذكور بالعديد من النشاطات الفنية والموسيقية والشعرية والأدبية والحوارات الفكرية التي جسدتها شخصيات من حضارتين مختلفتين، لكن فيلم «دموع غزة» كان الأكثر حضوراً بالمعنى الانساني والأخلاقي، بل شكّل المنعطف الرئيس في سياق ما يمكن أن نصفه بنظرة الآخر للأنا.
"أخبار بووم"

10‏/4‏/2012

غونترغراس و"ما ينبغي قوله"


  • معمر عطوي
ليست المرة الأولى التي تثير فيها تصريحات الكاتب الألماني غونتر غراس (84 عاماً)، ردود فعل واسعة من دوائر الصهيونية العالمية ومن يدور في فلكها ويتبع مصالحها. فتهمة ”معاداة السامية” جاهزة لكل من ينتقد سياسة اسرائيل ومسؤوليها، حتى طالت العديد من الكتاب والمفكرين ونجوم سينما وفنانين كان لهم رأيهم الصريح في هذه السياسة القمعية الاستيطانية.
فحامل جائزة نوبل للآداب الاشتراكي اليساري الألماني بقي وفياً لمبادئ حزبه، «الاشتراكي الديموقراطي»، فيما انخرط سياسيون من الحزب نفسه في لعبة «عقدة الذنب» وانضموا الى مسايرة الصهاينة في اطار موجة البكائين على ضحايا الهولوكوست وفق تلك المعزوفة التي أصبح معظم الأوروبيين يملّون تكرارها.
في المرة السابقة منذ نحو ست سنوات خرج صاحب ”الطبل الصفيح” ليعترف في مذكراته بأنه خدم في عداد شبيبة هتلر المسلّحة ”إس إس” خلال الحرب العالمية الثانية وأُسر على أيدي الأميركيين. كان هذا الاعتراف الذي لا يشير الا الى واقع فرضته النازية على أبناء الشعب الألماني قسراً، بمثابة ذريعة لهجوم واسع ومنظّم من دوائر الصهيونية العالمية على الأديب اليساري الذي كان دائماً نصيراً للمظلومين ومنتقداً للظلم حتى لو أتى من كيان يحمّل بلده الأم عقدة ذنب أبدية عن ممارسات النازية بحق اليهود.
لقد طفح كيل غونتر غراس أخيراً ليتفجّر قصيدة نثرية قال فيها «ما ينبغي قوله».
لهذا كان من المفيد ترجمة هذه القصيدة السياسية بامتياز، والتي دافع فيها صاحب “الرقصات الأخيرة” عن برنامج نووي سلمي لإيران وانتقد بحدة ”نفاق الغرب” في المسألة الاسرائيلية. لهذا انقل هذه القصيدة الى العربية عن صحيفة ”زود دويتشه” الألمانية، حيث نشرت في الرابع من نيسان الحالي بالتزامن مع صحف أخرى مثل "ريبوبليكا" الايطالية و"البايس" الإسبانية.

ما ينبغي قوله

لماذا أصمت؟، أخفي طويلاً ما هو جليّ ومُحاكى
هل أصمت الى حين نكون نحن الناجين،
في أحسن الأحوال، مجرد حواشي؟
حتماً ستدمّر الضربة الأولى المزعومة، التي يثرثرون حولها،
الشعب الإيراني،
لمجرد اشتباه أصحاب النفوذ ببناء قنبلة ذريّة.

ولماذا أحظر على نفسي،
تسمية بلد آخر يملك قدرات نووية متنامية ومتاحة منذ سنوات..
لكنها خارج السيطرة، والتفتيش محظور؟

هذا الصمت المعمّم على هذه الوقائع، والذي يُخضعني للسكوت،
أشعر بأنه كذبة ثقيلة وإكراه،
ومن يخرق هذا الصمت، العقوبة جاهزة:
مألوف هي تهمة ”معاداة السامية”.

لكن اليوم، لأن من بلدي،
وهو المُلاحق مرة إثر أخرى
بجرائم فطرية،
من جديد ومن أجل أهداف تجارية بحتة
يناقشون بشفاه رشيقة التعويض.
ينبغي أن تُسلمّ غواصة أخرى إلى إسرائيل،
مع ميزة خاصة بإمكانية حملها رؤوساً مدمّرة،
إلى هناك، حيث لا دليل على وجود
قنبلة نووية واحدة
لكن الخوف يحتل مكان قوة الدليل،

لكن لماذا سكتت حتى هذا الوقت؟،
لأني فكرّت، بأن خلفيتي، التي أُبتليت بلطخة العار،
حظرت هذه الواقعة كحقيقة واضحة،
إسرائيل التي أتضامن معها وأريد أن أبقى كذلك.
لماذا أقول الآن، وقد بلغت من العمر عتياً وبما تبقى من حبر قلمي،
بأن القوة النووية الإسرائيلية تهّدد السلام الهش في العالم؟
لأن ما ينبغي قوله الآن قد يصبح متأخراً غداً.

أيضاً لأننا نحن الألمان تحملنا بما فيه الكفاية
يمكن أن نصبح مورّدين لجريمة يمكن توقعها،
ولهذا قد لا يمكن التكفير
عن اشتراكنا في الذنب ساعتها
بكل الأعذار المعتادة.

وأضيف: لن أصمت بعد الآن،
لأني سئمت من نفاق الغرب مثلما لدي الأمل
بأن يتحرر الكثيرون من صمتهم

ويطالبوا المتسبب في الخطر المحدق
بنبذ العنف.

ينبغي على حكومتي اسرائيل وايران السماح لعمليات مراقبة دائمة وبلا عراقيل
للترسانة النووية الاسرائيلية والمنشآت النووية الإيرانية

بهذه الطريقة فقط
على الإسرائيليين والفلسطينيين
وعلى كل من يعيشون
مكدسين في مناطق متجاورة حياة عدائية
أن يساعدونا في النهاية.

SüddeutscheZeitung 4-4-2012

2‏/4‏/2012

المرأة أنثى أم إنسيّة؟





معمر عطوي
يزايد المؤمنون، وخصوصاً المسلمون منهم، على من يسمونهم بالعلمانيين أو الملحدين بأنهم أحرص الناس على حفظ أنوثة المرأة وتقديمها إلى المجتمع كإنسانة لا كأنثى، مثلما يفعل الإعلام بجعل جسدها آداة لترويج البضائع، بينما الواقع يثبت أن أكثر من يُسلعن المرأة ويجعلها آداة للمتعة الحسيّة هم المتدينون وتعاليمهم وتراثهم مع النساء.
وقبل الخوض في جدلية العلاقة بين المرأة وجسدها في تصورات البعض، لا بد من الإشارة الى مصطلح «إنسي» الذي نحتته أستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتورة إلهام منصور – وهي استاذة كاتب هذه السطور- حيث تقول إن «المرأة أنس وليس أنثى، وأنس من إنسان وليس نسياناً، بمعنى أنسي وأنس ينتج عنهما ثنائية هي الإنسان». اذن إنسي هي لفظة بديلة من لفظة إمرأة. لكن الفارق أن الأنثى قد تحمل صفة تمييز بيولوجية عن الذكر، فيما الأنسي مشتقّة من إنسان.
أما كيف تتم سلعنة المرأة وتحويلها الى مجرد كيان مثير للشهوات دون الرجل، فهو الحجاب المفروض عليها تاريخياً، والذي يشير بشكل أو بآخر إلى هذه الكيانية الجسمانية التي لا علاقة لها بإنسية المرأة لا من قريب ولا من بعيد، مع ان شعر الرجل ايضا يثير شهوة بعض النساء.
وبغض النظر عن شرعية فرض الحجاب في الإسلام وعلاقة ذلك بطقوس المجتمع وتقاليده، فإن مجرد تحويل المرأة الى كائن تحيطه الحُجب يجعل منها كياناً يغذّي الخيال الذكوري بالكثير من الصور الشبقية التي ما كانت لتنوجد لو أن المرأة تصرفت بشكل طبيعي وسارت في المجتمع باحتشام من دون مبالغة في شكل الرداء أو العكوف عن مصافحة الجنس الآخر.
على سبيل المثال، تسعى المؤسسات الإسلامية الى فرض الحجاب على الأطفال الفتيات بحجة دخولهن سن التكليف – حسب التعبير الشرعي وهو قد يكون 9 سنوات – مع ان الفتاة في هذه السن هي طفلة بريئة لا تعير أهمية لـ «خطورة» جسدها وجمال شعرها الآخاذ، فتأتي عملية التحجيب وكأنها لفتح عيني الطفلة على الجانب الشهواني من كيانها، في عملية مُصادرة كريهة لبراءتها. بل قد يخلق لديها هذا الالتباس الذي تم زرعه في شخصيتها الواعدة، حالة من اللاتوازن حين ترى الفارق بينها وبين بنات جنسها ممن لم يدخلن هذا الطقس القمعي.
لذلك تتحول خطوة التحجيب من طريقة لحفظ عفة الفتاة، كما يتذرع أهلها ومن خلفهم المشايخ الموسوسون، الى حالة غير سوية تدفع الفتاة في هذه الحالة من اللاتوازن الى ممارسات خاطئة، وخصوصا اذا بقي تعاطي أهلها معها يسير وفق منطق «هذا عيب» و«هذا حرام».
خطورة ذلك أن الفتاة تصبح من سن مبكرة عرضة للتفكير بنفسها كأنثى لا إنسية، وبأن جسدها خُلق فقط للإغراء. أما لو تعاملنا معها بشكل طبيعي، من منطلق أنه، وبحسب العُرف الاجتماعي، ليس عيباً كشف الشعر مع بقاء الفتاة في مجال الاحتشام واللياقة الأدبية، فإننا بذلك نؤسس لترويج مفهوم إنسية المرأة بدلاً من أنوثتها.
فالتعاطي مع الفتاة كأنثى ليس خطيئة تجار الاعلانات ومروجي البرامج الإباحية والقوّادين فقط، بل هو خطيئة رجال الدين في تشديدهم على أن ترتدي الحجاب، بل تشجيعها على ارتداء ما هو أكثر قتامة واساءة لمظاهر التدين من الحجاب، مثل التشادور والنقاب والخمار، مدّعين انهم يتحدثون بلسان الله.
ولو عدنا إلى سيرة الأديان منذ مرحلة أنبياء بني اسرائيل حتى مرحلة خاتم الأنبياء محمد، لوجدنا كم هي المرأة مُسلعنة وكم هي مجرد آداة متعة ليس إلاّ، مهما تغنت السيرة النبوية بدور فاطمة وعائشة وخديجة وزينب وخولة بنت الأزور وغيرهن.
فما بالك بما يحكي عنه العهد القديم من أساطير عن الأنبياء، خصوصاً عمّا ارتكبه لوط مع بناته حين ثمل، أو ما قام به داوود حين أرسل قائد جيشه أوريا الى معركة لا لزوم لها، لينفرد بزوجته الجميلة،. كذلك قصص النبي محمد وزوجاته الـ 11 وتصوير زواجه من عائشة، وهي في التاسعة من عمرها، كأمر طبيعي لا يزال أغنياء الخليج وبعض بلدان العالم الاسلامي يحتذونه مثلاً، مستغلين العائلات الفقيرة في اليمن ومصر وغيره. يُضاف الى ذلك قصة زواج الرسول محمد من زوجة إبن عمه زيد بعدما أمره بتطليقها، وقصة خالد بن الوليد مع زوجة مالك بن نويرة، الذي قتله “سيف الاسلام” من أجل أن يتزوجها.
كل ذلك، الى جانب نظام الجواري وتعدد الزوجات، والزواجات التي تهدف فقط الى الحصول على اللذة مثل المسيار والمتعة والعرفي والزواج بنية الطلاق – تحدثت عنها في مقالي السابق بعنوان “قليل من الحب»، يبرهن كم هي المرأة في الدين الاسلامي مجرد خطيئة تمشي على رجليها، أو مجرد آداة لامتاع الرجل، ومن هو خبير بطبائع النساء يعرف أن نظرة المرأة للجنس ليست كنظرة الرجل، انما هي نظرة الى الحب بصورته الراقية وشكله المتكامل.
وبالتالي فإن موضوع إنسية المرأة ينبغي أن يكون دائماً على بساط البحث العقلاني في ظل استفحال ظاهرة الأصولية الدينية والسلفية التي تحمل الينا فتاوى غريبة عجيبة هدفها تسهيل جعل المرأة لقمة سائغة لمتعة المشايخ الذين لا يفكرون سوى بشهواتهم ولا يتمتعون بأي حس انساني أو أخلاقي، فإذا كان سفاح القربى مشكلة اجتماعية تربوية موجودة في مجتمعاتنا وفي الغرب ايضاً، فهذا لا يبرر للشيخ السعودي محمد العريفي، أن يفتي بعدم جواز بقاء الاب مع إبنته في البيت اذا كانت زوجته في الخارج، بذريعة مثيرة للقرف والاشمئزاز وهي أن خلوة الأب مع ابنته او الشاب مع شقيقته قد تفتح الباب أمام الشهوة.
هل هناك نظام أكثر سوءاً من نظام كهذا يحاسب على النوايا ويفترض الخطيئة استباقاً وفق ما يعمل الشيطان في رؤوس المشايخ، بينما يتبين أن حصول كوارث أخلاقية على هذا الصعيد لا علاقة له بوازع ديني ولا بمجتمعات معينة، انما هوعلى علاقة بالبيئة الاجتماعية للظاهرة والتربية الأخلاقية التي تتحكم في العائلة المُعرضّة لحالات شاذة مثل هذه. حقاً إن خير أمة أًخرجت للناس لم تبصر النور ما دامت المرأة لا تزال ذلك الكائن الملتبس الذي لم يدخل نادي البشر بعد.