27‏/5‏/2008

هل تنجح آليّات الحكومة الإيرانيّة في حلّ المعضلة «النفطيّة»؟


ما الذي يجعل إيران تستورد 40 في المئة من حاجاتها النفطية المكرّرة، رغم أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث إنتاج البترول، في منظمة «أوبك»؟ وما هي الآليات التي يحاول النظام الإسلامي اتّباعها من أجل التغلّب على مشكلات الحصار الغربي والاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة؟
معمر عطوي
من الواضح أن الحكومة الإيرانية، بقيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد، باتت في وضع صعب على أعتاب الانتخابات الرئاسية التي تجرى العام المقبل، ولا سيما لجهة استفحال أزمة تأمين النفط المُكرّر وخصوصاً البنزين، لجميع أبناء الشعب الإيراني.لذا، دأبت هذه الحكومة منذ العام الماضي، مع صدور قرارين لمجلس الأمن يقضيان بالعقوبات ضدها، على استحداث آليات جديدة تحاول من خلالها الحدّ من انعكاسات العقوبات الغربية، التي طالت بالدرجة الأولى، الصناعات النفطية والغازيّة. انعكاسات تمثّلت في تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية، بعدما رفضت معظم الشركات الغربية الاستثمار في إيران، خوفاً من العقوبات الأميركية.وتوصّلت الجمهوريّة الإسلاميّة إلى قناعة راسخة بأن الاعتماد على الشركات الأجنبيّة لن يحلّ هذه المعضلة النفطيّة، التي تضطر بموجبها الى استيراد 40 في المئة من البنزين، في بلد يصل فيه معدل الاستهلاك اليومي إلى 65 مليون ليتر، في مقابل 42 مليوناً هو الإنتاج المحلّي. وأدى إقرار التقنين في مادة البنزين بين حزيران وكانون الأول 2007، إلى حدوث اضطرابات وحرق محطات للوقود في طهران والعديد من المدن الإيرانية.لقد أعلنت طهران، السبت الماضي، أنها ستحقّق الاكتفاء الذاتي في إنتاج البنزين من خلال إنشاء مصافٍ جديدة وتحسين أداء المصافي الموجودة، في السنوات الثلاث المقبلة. ولهذا الغرض، تم البدء بتنفيذ مشاريع تنمية كل المصافي الموجودة في البلاد باعتماد قدره 7 مليارات دولار أميركي. خطوة تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للبنزين حوالى 34 مليون ليتر يومياً حتى نهاية عشرين آذار 2012.ومن شأن هذه الخطوة، رفع طاقة تكرير النفط الخام من 1.6 مليون برميل يومياً في عام 2007 إلى 3.3 ملايين برميل يومياً في عام 2012، لتصبح الدولة الثانية في الشرق الأوسط في هذا المجال.فرضيّة أكدها أحد مسؤولي الشركة الإيرانية الوطنية لتكرير وتوزيع المشتقات النفطية، أمين الله أسكندري، بقوله إن تنمية المصافي الموجودة وتدشين المصافي الجديدة سيجعل البلاد في غنى عن استيراد البنزين من الخارج.الخطوة الأهم في سياسة الحكومة، التي يرى المراقبون أنها قد تؤتي ثمارها، هي السير في طريق الخصخصة، حيث ستتم كل الاستثمارات المعتمدة لإنشاء المصافي الجديدة بمشاركة القطاع الخاص.هذا ما كان قد أعلن عنه في التاسع من أيار الجاري، مسؤول تنفيذي في شركة النفط الوطنية الإيرانية، إذ أوضح أن بلاده تنوي خصخصة 47 شركة عاملة في قطاع الطاقة قيمتها 90 مليار دولار وتأسيس شركة قابضة لهذه الأصول التي ستدرجها للتداول في أربع بورصات عالمية.والخصخصة هنا لا تتوقف على الشركات المحليّة، بل تتوسّع لتشمل شركات أجنبية من الدول التي لا تزال تتعامل مع إيران بهامش معيّن؛ الشركات الآسيوية التي تتفاوض مع إيران من أجل الاستثمار في هذا القطاع. تشير إلى ذلك، نشرة «ميدل ايست ايكونوميك دايجست» (مييد)، التي تحدّثت عن خطة تشمل وضع شركات النفط والغاز تحت مظلّة مجموعة قابضة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية.وقد يكون تصريح العضو المنتدب لشركة النفط الحكومية الإيرانية، سيف الله جاشنساز، الأحد الماضي، عن أن إيران ستسعى لزيادة إنتاجها من النفط إلى 4.3 ملايين برميل يومياً بحلول آذار المقبل، خطوة أخرى على طريق تحسين آليات الحلّ. لكن ثمة ما يعكس تخبطاً في اتخاذ القرار داخل الحكومة، بدا واضحاً من خلال تصريح للرئيس نجاد قبل 3 أسابيع، يتحدّث فيه عن دراسة اقتراح يقضي بتقليص إنتاج النفط الخام، بما يناقض ما أعلنه جاشنساز.وبحسب وزير النفط الإيراني، غلام حسين نوذري، فإن إنتاج إيران من النفط بلغ 4.184 ملايين برميل يومياً في الخامس من شباط الجاري ليسجل أعلى مستوى منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.وفي بلد تبلغ فيه الاحتياطات النفطية 136 مليار برميل، يسعى المسؤولون العالقون بين سندان العقوبات التي تقلّص حجم الاستثمارات الأجنبية في تطوير صناعة النفط، ومطرقة السياسة العقيمة للحكومة، كان لا بد من وضع خطة في وزارة النفط لتطوير حقول نفطية صغيرة ورفع مستوى العائدات، ولا سيما أن ما جنته الجمهورية الإسلامية من دخل بسبب الطفرة النفطيّة بلغ حوالى 60 مليار دولار في العام الإيراني المنتهي في 20 آذار 2007.ثمة معضلة أخرى، قد تحول دون استكمال هذه الخطوة، تتمثل في البدء بأعمال تطوير حقل كبير للنفط والغاز بين إيران والكويت، بسبب خلاف على الحدود البحرية بينهما.من الطبيعي أن هذه الآليات التي تحاول إيران السير وفقها، لا تخلو من عقبات وعوائق قد تؤخّر إنجاز ما هو مرسوم، لذلك كان رأي وزير النفط، غلام حسين نوذري، أن هذه العقبات قد تضمحّل مع تنفيذ نوعين من المشاريع في صناعه النفط، تشمل مشاريع تنموية ومشاريع قيد التنفيذ وقيد الإنتاج في الحقول.وما يساعد على تخطّي هذه العقبة برأي الوزير نفسه أن وزارته «لا تواجه مشكلات في توفير الموارد المالية للمشاريع قيد الإنتاج».ويصبّ في هذا الاقتراح، العمل على سحب أكثر من 10 مليارات دولار من احتياطي العملات الأجنبية لمشاريع صناعة النفط.مما لا شك فيه أن خطوات تحسينية كهذه يمكن أن تعيد إلى حكومة نجاد بعض ماء الوجه الذي فقدته من جرّاء سياستها الفاشلة اقتصادياً. بيد أن حصاد البيدر هو الذي يؤكد ما الذي ستزرعه في هذا الحقل.
عدد الاخبار: ٢٧ أيار ٢٠٠٨

24‏/5‏/2008

إيران تقتحم القارّة السمراء

حين يعلن وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، أن عام 2008 هو «عام تعزيز التعاون بين إيران والدول الأفريقية»، فإنه يقصد بذلك التوجّه الإيراني نحو القارة السمراء لإيجاد بدائل اقتصادية عن خيارات أوروبية وغربية فقدتها الجمهورية الإسلامية بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها
معمر عطوي
ربما كان التقارب الإيراني ـــ الأفريقي، أحد تجليّات فلسفة وزير الخارجية الإيرانية، منوشهر متكي، التي تسير باتجاه «تعزيز العلاقات مع دول قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية، وتشجيع الاستثمارات الإيرانية في أفريقيا، والحوار بين الجنوب والجنوب».لكن هذا التركيز الإيراني على منطقة مشحونة بالنزاعات القبلية وبالتجاذبات الأميركية ـــ الفرنسية، هو، بالدرجة الأولى، محاولة لتخطّي المشكلات الاقتصادية والاستثمارية التي تعانيها إيران بسبب العقوبات والضغوطات الدولية عليها، على خلفية برنامجها النووي.لعلّ إرهاصات هذه العلاقات التي تسير مع أفريقيا نحو الأفضل، بدأت بزيارات مكثّفة ومتبادلة في السنتين الأخيرتين، بين القادة الأفارقة والمسؤولين الإيرانيين. زيارات أنتجت رؤىً جديدة كانت حاضرة على هامش اجتماع قادة الدول الأفريقية في أديس أبابا، في شباط الماضي، من خلال مداولات وزير الخارجية الإيراني مع رؤساء كل من الجزائر وموريتانيا ومالاوي وزيمبابوي وناميبيا ورئيس وزراء ليسوتو ورئيس المجلس الاتحادي الإثيوبي. كان سبقها ملتقى الفرص التجارية الإيرانية ـــ الأفريقية، في طهران في تشرين الثاني الماضي.أول الغيث كان انتزاع مواقف عديدة تؤيد المشروع النووي الإيراني السلمي. وتالياً وُقّع العديد من الاتفاقيات التجارية، وأخرى للتعاون الصناعي والاستثمارات مع دول عديدة مثل غانا وكينيا والكونغو وأريتريا والسنغال وغيرها.في التفاصيل العملية التي تؤكد تقدم الروابط بين إيران والقارة السمراء: عزم كل من طهران وغانا على توظيف متبادل للاستثمارات، وتوقيع مرتقب لمذكرة تتعلق بمجالات التعاون في المحافل الدولية وبناء منشآت البنى التحتية والتجارة والزراعة وصناعة السيارات والطاقة. هذا ما أُعلن عنه خلال زيارة وزير خارجية غانا، أكواسي أوسي أدجي، إلى طهران الثلاثاء الماضي.زيارة تمخّضت عنها رغبة أفريقية بعلاقات جديدة تأتي من خارج جدلية المستعمِر والمستعمَر، التي سادت القارة السمراء لقرون عديدة، عبّر عنها أدجي بقوله «إن أفريقيا بدأت عهداً جديداً من العلاقات.. نحن لا نريد أن تكون ثرواتنا موضعاً للنهب.. نريد أصدقاء يأخذون بأيدينا نحو التقدم والازدهار للطرفين».ومن الواضح أن العلاقات الاقتصادية هذه، تحاول طهران توظيفها في معركتها السياسية مع الغرب، من خلال توسيع مروحة الدول التي تؤيد البرنامج النووي السلمي لإيران، وتدافع عنها في المحافل الدولية، لا سيما أن بعض الدول، مثل جنوب أفريقيا وليبيا، أدت هذا الدور لمصلحة طهران من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي. من هنا كان تشديد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، خلال استقباله رئيس جمهورية أريتريا أسياس أفورقي، الشهر الحالي، على أن دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بإمكانها تغيير العلاقات الدولية الراهنة من خلال تطوير التعاون في ما بينها.في السياق نفسه، تأتي زيارة رئيس مجلس الشيوخ السنغالي، باب ديوب، إلى إيران، الثلاثاء الماضي أيضاً، لتؤكد أهمية علاقات طهران مع داكار، حيث أنشأت الأولى مصنعاً ضخماً للسيارات. ودخل البلدان أيضاً في علاقات عسكريّة من شأنها «توفير الاحتياجات الدفاعية للسنغال في مختلف المجالات»، خلال زيارتين قام بهما وزير الدفاع السنغالي، بكاي جيوب، إلى طهران في غضون العامين الأخيرين.المغزى السياسي لهذه العلاقات عبّر عنها الرئيس محمود أحمدي نجاد نفسه، أثناء استقباله وزيري الطاقة والنفط والإسكان في جمهورية الكونغو، حين شدّد على أن علاقة طهران مع برازافيل، تتجاوز المصالح الاقتصادية، وأن «كلا البلدين يواجهان الأعداء أنفسهم»، وأن التعاون بينهما «لا يعود بالفائدة على الشعبين فحسب، بل سيعود بالفائدة على السلام والأمن العالميين أيضاً».ولعلاقة طهران بالسودان قصة أخرى، بدأت منذ وصول الإسلاميين إلى السلطة في الخرطوم أواسط الثمانينيات. وكانت إحدى ثمار هذه العلاقات توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الدفاعي بين البلدين في 7 آذار الماضي.طبعاً، الشمال الأفريقي أيضاً، له علاقات جيدة مع إيران، وخصوصاً أن دول هذه المنطقة ذات غالبية إسلامية. وهناك اتفاقات مهمة على صعيد التعاون في مجال الطاقة بين الجزائر وإيران، لا سيما أن البلدين من الدول المنتجة للغاز.وعلى الجانب الليبي، قام النائب الأول للرئيس الإيراني، برويز داودي في 27 كانون الأول 2007، بزيارة إلى طرابلس الغرب، وأشرف، إلى جانب رئيس الوزراء الليبي بغدادي المحمودي، على التوقيع على 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم، على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية.وبالعودة إلى مرحلة حكم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، فإن التوجّه الإيراني أفريقياً، دخل مخاضه مع زيارات قام بها الرئيس الإصلاحي إلى سبع دول أفريقية في كانون الثاني 2005. وكانت مبادرة مثّلت بالفعل منعطفاً مهماً في مسيرة تحسين العلاقات بين الطرفين. وخصوصاً أن أفريقيا تمثّل للجمهورية الإسلامية بوابة نحو العالم عبر المياه الدوليّة، وتوفّر لها أسواقاً تجارية على المحيطين الهندي والأطلسي. فيما تؤمّن لها أيضاً المواد الخام الطبيعية.أما في ما يتعلق بمستوى التبادل التجاري، فإن التقديرات تشير إلى أن حجمه بين إيران والدول الأفريقية يصل إلى حوالى 300 مليون دولار سنويًّا وهو مرشَّح للارتفاع خلال السنوات المقبلة، كما تسعى إيران لإقامة بعض التكتلات مثل التكتل الأفريقي ـــ الآسيوي.في الأفق القريب، قد يكون الاجتماع المرتقب لمساعدي وزراء خارجية إيران والدول الأفريقية، الذي يعقد في طهران قريباً، إحدى الخطوات المهمة لتعزيز فكرة متكي بشأن اقتحام الدولة الفارسية للقارة السمراء، بحثاً عن متنفس بديل يخفف من تداعيات العقوبات على النظام الإسلامي.
الأخبار:٢٤ أيار ٢٠٠٨

21‏/5‏/2008

ناصيف نصّار في ميزان نقد قرم والبرقاوي

«باب الحريّة» لم يجعل منه مناضلاً سياسيّاً
معمر عطوي

«إذا كانت الفلسفة ــ في أحد تعريفاتها الشهيرة ــ فنّ صياغة المفاهيم، فإنّ ناصيف نصّار فيلسوف بامتياز. وليس قولي هذا نوعاً من التقويم، بل تأكيدٌ لأولئك الذين ما انفكّوا يصرخون في عالم العرب: أين هم الفلاسفة العرب؟». بهذا القول استهل المُفكّر السوري أحمد برقاوي، مناقشته للفيلسوف ناصيف نصّار، في مطارحة عميقة تحت عنوان «فلسفة السلطة عند ناصيف نصّار والسلطة العربية».المناسبة، تكريمٌ أرادته الجامعة الأنطونية، على طريقتها، في نشر سلسلة كتب تحت عنوان «اسم علم»، فكان الكتاب الأول مناقشة لمقولات نصّار في الفلسفة والفكر السياسي تحت عنوان «ناصيف نصّار ــ علم الاستقلال الفلسفي».ولأنّ العقل عند نصّار هو المنطلق، فقد أخذ البحث نصيبه الكافي في مناقشة رؤيته للعقل والتفكير. مناقشة بدأت مع أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس في الرباط، د. محمد المصباحي بعنوان «جدليّة العقل والمدينة في فلسفة ناصيف نصّار». يوضح فيها عناية الأخير بالعقل العملي بدل العقل النظري «ما أضفى على نظرته الفلسفية سمات الواقعيّة والجدليّة والعمليّة».ومن المعروف تأثر نصّار، أستاذ الفلسفة العربية في الجامعة اللبنانية بعالم الاجتماع العربي ابن خلدون، الذي كان موضوع أطروحته للدكتوراه في فرنسا، حيث صدرت الطبعة الأولى باللغة الفرنسية تحت عنوان «الفكر الواقعي عند ابن خلدون». هنا تحتدم المناقشة عند المصباحي لنصّار حين يرى أنّ ابن خلدون منقذه من «الفشل الفكري»، مضفياً على كتابته بعداً أصيلاً من خلال «طرافة موضوع الفكر الخلدوني، الفساد العمراني والفشل الحضاري».هذه الإشكالية النظرية في رأي المصباحي «أحاطت بنصّار أثناء تكوينه الفلسفي الأساسي وخروجه من القوّة إلى الفعل فيلسوفاً له رؤية تكاد تكون متبلورة للعالم».لعلّ في هذا التوصيف وإن خلص إلى الاعتراف بمكانة نصّار كفيلسوف، بيد أنّ فيه بعض الإجحاف بحقّ صاحب «منطق السلطة»، إذ إنّ اتساع مطالعات نصّار الفلسفية والفكرية العربسلامية والغربية، تجعله في موقع أقوى من أن يكون مرتهناً لمنبع فكري واحد في تسلّقه عرش الفلسفة.المناقشة الثانية كانت للمفكّر السياسي ــ الاقتصادي، جورج قرم، بعنوان «ناصيف نصّار والحداثة العربية». أهمية هذه المناقشة تشابه الاهتمامات بين نصّار وقرم، اللذين تجمعهما الرؤية العلمانية، وتفرّقهما المشارب الإيديولوجية، فيما تصحّ المقاربة بين رؤيتي الرجلين تجاه النهضة العربية والفكر السياسي الإسلامي وتموضعه في الحقل الاجتماعي العربي.من هنا، «يرى قرم أن هدف نصّار في كل كتاباته هو مساعدة المجتمع العربي على التكيّف مع الحداثة التي هجرها منذ زمن».وبالعودة إلى الفكر الذي يمثّل المحور الرئيسي في فلسفة نصّار إلى جانب الحريّة، يقفز قرم نحو «تصنيفات المثقّف» لدى الكاتب الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، ليجري مقارنة بين إدوارد سعيد ونصّار، على ضوء اهتمام المفكر بالسياسة وعلاقته بالشأن العام.ويستحضر قرم «صور المثقّف» للمفكّر الفلسطيني الذي يستقي رؤية غرامشي في سياق حديثه عن المثقّف التقليدي والمثقّف العضوي. ويخلص قرم الى أنّ الفارق بين نصّار وسعيد هو أن صاحب «باب الحرية»، هو «مفكّر ليس همّه إلّا الفكر... وليس مناضلاً سياسياًً»، بينما يقف سعيد في صفوف المناضلين كونه فلسطينياً منفيّاً.غير أنّ مقاربة برقاوي لفلسفة السلطة عند نصّار والسلطة العربية، كان من شأنها توريط صاحب «طريق الاستقلال الفلسفي» في الشأن السياسي من خلال إضاءة جوانب من تحليله لعلاقة السلطة السياسية بالتسلّط الإيديولوجي للنظر إلى تلك العلاقة المتعيّنة في الوطن العربي.

16‏/5‏/2008

إدارة نجاد للشؤون الداخليّة: إقالات وتخبُّط

ما المغزى من السياسة التي يسير بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، منذ توليه رئاسة البلاد في عام 2005، لجهة عدد الإقالات على مستوى وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى، والتخبُّط الاقتصادي والمعيشي الذي يشهده أداء الحكومة؟
معمر عطوي
سؤال ربما أجابت عنه صحيفة «واشنطن بوست» جزئياً في 11 شباط الماضي، حين تحدّثت عن أداء جديد يعتمده المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بتعزيز دور الشباب في الإدارات العامة في مقابل إقصاء «الملالي» و «الحرس القديم».لكن الجزء الآخر من الجواب يكمن في الإقالات نفسها والظروف الموضوعية المُسبِّبة لها، حيث كان آخر ضحاياها، وزير الداخلية، مصطفى بور محمدي.اللافت أن محمدي، رجل الدين الذي يحمل صفة «حجة الإسلام»، يختلف مع رئيسه على ملفات عديدة، من بينها تشجيع «زواج المتعة». اقتراح رفضته الحكومة العام الماضي.في المقابل، يتميّز الوزير الجديد (بالوكالة) مهدي هاشمي، بإلمامه بعلم الإدارة، الذي تخصَّص به أكاديمياً، وبكونه ليس من مجتمع الملالي. وفي ذلك خطوة إيرانية غير مسبوقة، لجهة التقليد الذي ساد منذ انتصار الثورة في عام 1979، باختيار رجل دين لحقيبة الداخلية وكذلك حقيبة الاستخبارات.ولعلّ ما يزيد حظوظ هاشمي (55 عاماً) هو تاريخه الشبيه بتاريخ نجاد، إذ كان نائباً لقائد قوات الباسيج «التعبئة» للشؤون الهندسية، المنظمة التابعة للحرس الثوري، الذي حضن نجاد في شبابه. ورافق هاشمي نجاد في مسيرته السياسية، منذ كان نائباً له أثناء توليه رئاسة بلدية طهران، وكان خياره الأول لشغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية في التشكيل الحكومي في آب 2005. إلا أن هاشمي لم يتمكن من الحصول على ثقة البرلمان.يبدو واضحاً أن الرئيس الإيراني المحافظ، الذي يواجه انتقادات لاذعة من الإصلاحيين والمبدئيين على السواء بسبب سياسته الاقتصادية الفاشلة، يتخبّط في موضوع اختيار الأشخاص المناسبين للمناصب الحساسة، ولا سيما في الشأن الاقتصادي. تخبُّط ليس طارئاً على الحكومة الإيرانية التي شهدت تسعة إقالات في مناصب وزارية كانت آخرها، في نيسان الماضي، حين أقيل وزير الاقتصاد والمالية، داود دانيش جعفري، الذي عارض نجاد علناًَ بسبب سياساته الاقتصادية.وخلال الأشهر الماضية خرج من حكومة نجاد وزراء الشؤون الاجتماعية، والجمعيات التعاونية، والنفط، والصناعة، والاقتصاد، والتعليم، إضافة إلى استقالة أو إقالة رؤساء عدد من أجهزة التخطيط ومحافظ المصرف المركزي.أمّا قضية السياسة المصرفية، فتحتاج إلى معالجة أخرى، وخصوصاً أن استقالة المحافظ السابق إبراهيم شيباني في شهر آب من العام الماضي، لم تحلّ مشكلة الفائدة المصرفية، التي حددها نجاد بما بين 10 و12 في المئة في مقابل 14 و17 في المئة سابقاً.المشكلة بدت جليّة، حين كشف المحافظ الحالي، طهمسب مظاهري، عن خلافه علناً مع نجاد بسبب قرار الأخير الجديد بشأن تحديد قيمة الفائدة. فقد أعلن مظاهري صراحةً لصحيفة «سرماية» الاقتصادية، أن «هذا القرار لا يمكن إبلاغه للمصارف». فالعديد منها يرفض إقراض أموال لأن نسبة التضخم بلغت في نيسان 24.2 في المئة خلال سنة. وذلك بسبب سوء سياسة الرئيس في توزيع عائدات «الطفرة» النفطية على المواطنين والمشاريع في المناطق.لذلك طلب مظاهري الشهر الماضي ربط نسب فوائد القروض بنسبة التضخم، مشيراً إلى أن الحكومة رفضت هذا المُقترح.يفسِّر هذا الخلاف بين مظاهري ونجاد، سبب إقالة وزير الاقتصاد والمالية الذي كان قد دعا إلى جانب محافظ المصرف المركزي في كانون الثاني الماضي، إلى تحرير نسبة الفائدة المصرفية، في معارضة واضحة لسياسة نجاد.ويبدو أن مظاهري (54 عاماً )، الذي تبوأ منصب محافظ المصرف المركزي أيضاً من 1991 إلى 1994، وتولّى حقيبة المالية والاقتصاد في حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، حريص على إتقان الأداء المالي للحكومة رغم «حرتقات» نجاد غير الملمّ أصلاً بالشأن الاقتصادي، فهو من الداعين إلى أن تكون سياسة النظام المصرفي في البلاد مستقلّة عن الحكومة. ومن الداعين أيضاً إلى تطبيق سياسة اقتصادية تخفض التضخم في البلاد إلى الصفر أو إلى نسبة قريبة منه، وإلى حذف الأرباح من القروض المصرفية.بيت القصيد هنا أن سياسة التبديل في بعض المناصب لا تتلاءم فقط مع رؤية المرشد لضخ الدم الجديد في شرايين المشهد السياسي، بل تسهم أيضاً في تعديل بعض الرؤى الاقتصادية في محاولة لإنقاذ نجاد قبل بلوغ الاستحقاق الرئاسي في العام المقبل.
الاخبار: 16-5-2008

6‏/5‏/2008

«الباسدران» الإيراني: حارس الثورة... وعصب الدولة


معمر عطوي
لم يكن تأسيس منظمة الحرس الثوري الإيراني «الباسدران» في أيار عام 1979 مُجرَّد محاولة وقائية لحماية منجزات الثورة الإسلامية من «أعداء الداخل والخارج»، لكن بيّنت الأحداث في ما بعد أن هذه المنظمة ما هي إلا هيكلية كاملة للنظام الإسلامي، تتجذَّر في فكر مؤسس الجمهورية الإمام الخميني وتمتد أغصانها إلى جميع مفاصل الدولة، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والعسكرية والثقافية. بينما تُلقي بظلالها على المجتمع الإيراني من خلال قوات التعبئة «الباسيج» التي تتولّى مسألة فرض الشريعة الإسلامية على الأفراد والمجتمع.وكان «الحرس» في بداية الأمر مجرَّد مجموعات صغيرة تمارس حرب العصابات لم يتجاوز حجمها عشرة أفواج وبعض الخلايا الفدائية، حتى عام 1981، حينها بدأت عملية تكوين قوات المشاة ليبلغ حجمها عام 1985 مئة وخمسين فرقة عسكرية مدربّة، تخوض الحرب مع العراق. وتوسعت مسؤوليات الحرس الثوري في التسعينيات لتشمل الإشراف على تطوير البرنامج النووي والصناعات العسكرية المتطورة إلى جانب إدارته لمشاريع إنتاجية واقتصادية.والحرس الثوري هو بمثابة الجيش العقائدي، والحرس الوفيّ لقائده الذي يعطيه الأوامر، المرشد الأعلى للثورة، آية الله علي خامنئي، وهو مؤسسة مستقلّة عن الجيش.أما في ما يختص بعدد هذه القوات، فإن هناك تناقضاً بين المصادر. إذ يرى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن أن عدد عناصر الحرس يُقدّر بنحو 350 ألفاً، بينما يرى معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن عدد أفراده لا يتجاوز 120 ألفاً.لعلَّ المفارقة الأهم التي أرساها الحرس الثوري في إيران، هو العمل على إظهار مجموعة من الشُبَّان المتدينين المؤيدين لـ«خط الإمام»، لكنهم من خارج المؤسسة الدينية «الحوزة». لذلك، أنتج الحرس نخبة سياسية غير «مُعمَّمة»، على غرار رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد وعمدة طهران، قائد الشرطة السابق محمد باقر قاليباف، والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني وغيرهم، بعدما سيطر لفترة طويلة حضور رجال الدين، ما أعطى إيران صفة «جمهورية الملالي».وخلال ثلاثة عقود، تغلغل الحرس الثوري في المؤسسات السياسية للدولة، ليتمكن في عام 2005 من إيصال نجاد، وهو أحد ضباطه، إلى سدة الرئاسة، فيما عيَّن الأخير لدى اعتلائه منصبه خمسة وزراء في حكومته من الحرس الثوري، الذي وصل عشرات من أفراده إلى البرلمان.على الصعيد العسكري، تمكَّن «الباسدران» من تحقيق نقلة نوعية في الصناعات الدفاعية، وامتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ بعيدة المدى، مثل بطاريات الصواريخ «شهاب»، وأنظمة صواريخ بإمكانها حمل رؤوس عنقودية، يمكنها رمي 1400 قنبلة صغيرة على الهدف. وباتت القُدرة الصاروخية لدى هذه المنظمة تُهدّد السفن الحربية التي تجوب الخليج وخليج عُمان وإسرائيل.وفي تشرين الأول من العام الماضي، حذَّر قائد المدفعية وشبكات الصواريخ في القوات البرية التابعة للحرس الثوري، الجنرال محمد شهرباقي، من أن بلاده ستطلق في الدقيقة الأولى لأي غزو تتعرَّض له 11 ألف صاروخ وقذيفة مدفعية على قواعد العدو.ومما لا شك فيه، أن هذه المنظمة أسهمت في تأسيس «الباسيج»، وهي منظمة شبه عسكرية غالبيتها من الشباب وطلاب الجامعات ويُقدَّر عدد عناصرها بعشرة ملايين شخص.لقد أسهم الحرس الثوري إلى حد كبير في دعم منظمات عسكرية في لبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق. وأنشأ «فيلق القدس» لهذه الغاية تحت عنوان «تصدير الثورة»، ما دفع الإدارة الأميركية في أيلول الماضي، إلى وضعه على لائحة الإرهاب.كما تضمنت قرارات مجلس الأمن الدولي (1737 و1747و1803) تجميد أصول ضباط الحرس الرفيعي المستوى، وذلك بسبب «روابطهم بالبرامج النووية والصاروخية الحسّاسة».ويرى المتخصص في قسم الأبحاث التابع للكونغرس الأميركي، كينث كاتزمان، أن الحرس الثوري، منذ نهاية النزاع العراقي ـــــ الإيراني عام 1988، اختار لنفسه دوراً عسكرياً دفاعياً مع قيامه ببعض المهام المدنية في مجال إعادة الإعمار. وكان في عام 1985 قد أسَّس وحدات جويّة وبحريّة خاصة به، ثم طوَّر هيكلية رسمية لتجنيد وتدريب جنود الجبهة الأمامية وعملاء الثورة الإسلامية الذين حاولوا نشر الثورة في العالم العربي بجميع الوسائل.أمّا الدور الاقتصادي للحرس، فيقول كاتزمان إنه يرتكز على درجة النفوذ التي كان بوسعه أن يمارسها على مؤسسة ثورية أخرى هي جهاد البناء، التي كانت الأداة لتطبيق السياسة الاقتصادية للحكومة في المناطق الريفية على وجه الخصوص.وشقَّ «الباسدران» عدداً كبيراً من الطرق السريعة، كما بنوا سدوداً، مثل سد كركيه (غرب) وحصل على وكالات شركات دولية مثل «مرسيدس بنز». وفاز العام الماضي بعقد بقيمة 1.3 مليار دولار لمد أنبوب غاز بطول 900 كيلومتر بين حقل فارس ـــــ جنوب ومحافظة سيستان ـــــ بالوشستان (جنوب شرق).من هنا، أصبح دور الحرس الثوري في الكثير من المناطق الساخنة في المنطقة، ملتبساً، إذ إن امتداداته الخارجية، وضعته في موقع الاتهام، للاشتباه بتورطه في دعم أعمال عنف ذات طابع طائفي ومذهبي، فيما يرى آخرون أنه أسهم إلى حد كبير في دعم حركات تحرّرية على غرار حزب الله و«حماس» والمقاومة العراقية.

الأخبار: ٦ أيار ٢٠٠٨