26‏/9‏/2007

سيرة هايدغر تتجاوز البعد السردي



معمر عطوي
هانز غادامر التأويلي يناقش «طرق» أستاذه الوجودي
«طرق هايدغر، شهادة إنسانية حيَّة يدوّنها فيلسوف كبير عن فيلسوف كبير»। بهذه العبارة يلخّص ناشر كتاب «طرق هايدغر» مضمون هذه «الوثيقة التاريخية الفلسفية» التي كتبها فيلسوف التأويل «الهيرمونوطيقا» الألماني هانز غورغ غادامر، عن أستاذه الفيسلوف الوجودي، مارتن هايدغر. والتي ترجمها الباحثان العراقيّان حسن ناظم وعلي حاكم صالح لـ «دار الكتاب الجديد المتحدة»، في بيروت.لا بدّ من القول، وبعيداً عن مناقشة مدى خيانة الترجمة للنصّ الأصلي، أنّ المترجمَين وقعا في أخطاء لا يمكن التغاضي عنها، كونها تتعلّق بأسماء علَم، من البديهي لمن يُتقن اللغة الألمانية ألّا يقع فيها. على سبيل المثال ورد اسم الفيلسوف الألماني (Heidegger) «هيدغر»، بينما كان ينبغي أن يكون «هايدغر»، أما المؤلف (Gadamer)، فورد على الشكل التالي: «غادامير»، بينما الأصح «غادامر». هذا الخطأ سببه القراءة الإنكليزية للأسماء لا القراءة الألمانية.لعل أفضل ما يُمِّيز هذا العمل، هو أنّ الكاتب يتناول طرق حياة وفلسفة وتفكير معلمه، بطريقة هي أشبه بسيرة تتجاوز في مدلولاتها البعد السردي إلى وصف مناخات اجتماعية وسياسية وفكرية، كوّنت شروط «تبيئة» الوعي لدى هذا الفيلسوف الذي اتُّهم بمحاباة النازية في زمن حكم الرايخ الثالث بزعامة أدولف هتلر. ويتناول غادامر في كتابه، الصياغات الأولى لمشروع هايدغر في مناقشة نصه «ما الميتافيزيقا؟»، فيبيّن أنّ محاولة هايدغر الأولى لتجاوز الميتافيزيقا «صيغت مع ذلك بلغة ميتافيزيقية».في فصل الوجودية وفلسفة الوجود، يجري غادامر مقاربة فلسفية لمدارس وجودية عديدة تبدأ من كارل ياسبرز وألبير كامو ولا تنتهي مع بول سارتر ومارتن هايدغر. فالفيلسوف الألماني يرى أن كلمة وجودية EXISTENTIALISM هي من ابتكار الفرنسيّين، حين استهلها سارتر في أربعينيات القرن العشرين، في الوقت الذي كان الألمان يحتلّون فرنسا، وهذا ما ظهر في كتاب الفيلسوف الفرنسي «الوجود والعدم». لكنّه يؤكّد في الوقت نفسه أثر الفكر الألماني على هذا المذهب الوجودي، من فريدرش هيغل إلى هايدغر وإدموند هوسيرل، كحافز يقف وراء فلسفة سارتر.ويعطي غادامر نظرة شاملة للوجودية، مناقشاً ياسبرز وسارتر وسورين كيركيغارد في مقاربة جميلة مع هايدغر في كتابه «الوجود والزمان» (1926). كذلك لا ينسى الكاتب الإشارة إلى البُعد الإنساني في علاقته بأستاذه حيث يعرض تحت عنوان: «مارتن هايدغر في عيد ميلاده الخامس والسبعين» (1964)، مسيرة نصف قرن من عطاء الفيلسوف، ويصف التعبير الذي استخدمه هايدغر لتسمية الحقيقة الإنسانية DASEIN (الموجود بوصفه الهناك)، والمقصود هو الوجود رغم التناهي والذي يؤسّس أصالة الإنسان زمانياً، بأنه تفوح منه «رائحة سرّ روحي». الكتاب مليء بالتحليل الفكري والرؤية الفلسفية النقدية لفلاسفة منذ اليونان القديمة، وصولاً إلى الفلاسفة المعاصرين، مستغرقاً في مقاربة تأويلية عميقة لأعمال فيلسوف الوجود إزاء فلاسفة تركوا آثارهم في أعمال هايدغر.يتضمن كتاب غادامر مجموعة مقالات حوالى 350 صفحة، مقسّماً إلى 15 فصلا، ناقش فيها بعمق «الوجودية وفلسفة الوجود»، و«علم اللاهوت في ماربورغ»، و«كانط والمنعطف التأويلي»، و«مارتن هايدغر المفكر»، و«لغة الميتافيزيقا»..."الاخبار" 26 ايلول 2007

20‏/9‏/2007

أكباد ألمانيّة لأثرياء سعوديّين

معمر عطوي
هل بات الإنسان شبيهاً بالآلة لجهة التعاطي مع أعضاء جسده كأنها قطع «أكسسوار»، يبيع ما يشاء منها تحت الضغط أو الحاجـة؟ وإذا كان الإنسان في الدول النامية مضطراً أحياناً لبيع أعضائه، فما الذي يجبـر مواطني الدول «المتحضرة» على الدخول في بازار هذه التجارة، التي بات لها أسواقها ووسطاؤها والبائعون والمشترون والعيادات التي تجري فيها عمليات النقل والزرع..؟ورغم أن القانون الألماني يحظر تجارة الأعضاء البشرية، كشفت صحيفة « شبيغل أون لاين» الإلكترونية الألمانية، في تحقيق حمل عنوان «أكباد من أجل العرب»، تورّط إحدى العيادات الطبية الجامعية في مدينة كيل، حيث يقوم بعض العاملين في قسم زراعة الأعضاء والبيوتكنولوجيا، بالتعـــــاون مع وسطاء عرب، بتأمين «متبرّعين» ألمان لبيع أعضائهم إلى مرضى سعوديين يسعون للحصول على أكباد وكلى وغيرها.واستطاعت الصحيفة خلال هذا التحقيــــــق، أن تنتزع تأكيداً من بعض العاملين في العيادة، بشأن إجراء عمليات نقل وزرع. وكشفت أن شاباً سعودياً يبلغ من العمر 17 عاماً كان بحاجة إلى زراعة كبد، قصد هذا المكان، وتمكن من الحصول على مراده، عبر تأمين كبد مواطن ألماني، حيث بلغت تكاليـــــف العملية برمتها حوالى 27 ألـف يورو.وبينمـــــــا لم تعلّق السفارة السعودية لدى برلين على هذا الموضـوع، تحدث التحقيـق عن تحذير الهيئات الطبية في ولاية شيلزفيغ هولشتاين، من حالات التلاعب بمنح الأعضاء، حيث كانـــــــــت المعلومــــــات تفيــد بأن مجموع ما دُفع من أموال سعودية لقاء زرع أعضاء قــــــــد وصل إلى 880 ألف يورو.
عدد الخميس ٢٠ أيلول

15‏/9‏/2007

مقاتلون من أجل «حريّة» كردستان

معمر عطوي
مسيـــرة نضاليـــة بدأت من ســـهل البـــقاع... واستقـــرّت في جـــبل القنـــديل
جولة الرئيس التركي عبد الله غول، إلى منطقة ديار بكر ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا، كثيرة الدلالات، وهي تؤكد نية السلطة «الإسلامية» فتح صفحة جديدة مع الأكراد الذين يخوضون منذ عام 1984 مواجهات عسكرية دامية مع الجيش التركي، حصدت حتى الآن أكثر من 37 ألف قتيل، للحصول على الاستقلال.فمذ وصوله إلى السلطة في تركيا في عام 2002، اعتمد حزب العدالة والتنمية (يمين الوسط) ذو الأصول الإسلامية، سياسة جديدة تجاه الأكراد، في محاولة لتلبية معايير الاتحاد الأوروبي، تمهيداً لانضمام هذا البلد الإسلامي إلى النادي الأوروبي.وتعهدت أنقرة بديموقراطية أوسع واحترام حقوق الإنسان في خطوة نتج منها إلغاء حكم الإعدام الذي كان سيطال زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل في جزيرة إمرالي في تركيا منذ عام 1999. وسمح بالبث باللغة الكردية على التلفاز الرسمي (وإن لفترات قصيرة جداً)، ذلك أن أبرز مطالب «حزب العمال» التي دفعته إلى النضال، كانت الدعوة إلى منح الأكراد الحقوق الثقافية، وإلى إجراء تعديلات دستورية وإلى إحترام حرية الرأي.ووضعت أنقرة، بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة، حداً لـ15 سنة من حال الطوارئ في جنوب شرق البلاد، في إطار جهودها الرامية إلى دخول الاتحاد الأوروبي، كما أصدرت عفواً جزئياً يطال بشكل رئيسي أعضاء حزب العمال، لكنه لم يشمل قادة الحزب.وكان حزب العمال قد بادر، في مناسبات عديدة، إلى عرض وقف إطلاق نار من جانب واحد مرات عديدة، كانت أولاها في عام 1999، عقب اعتقال أوجلان. لكن تركيا رفضت مراراً دعواته إلى التفاوض على حل للصراع الكردي. ولم تعترف بالهدنة، ما دفع بمقاتلي الحزب إلى إنهاء هذه الهدنة في حزيران 2004.وفي عام 2005، جدَّد الحزب دعوته إلى وقف أعمال العنف لمدة شهر بدءاً من 20 آب وحتى 20 أيلول، في خطوة لبناء الثقة مع الحكومة التركية، وذلك في أعقاب زيارة تاريخية لرئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، في 12 آب من العام نفسه، إلى ديار بكر.ولم ييأس الحزب، الذي غيّر اسمه العام الماضي إلى «مؤتمر الحرية والديموقراطية في كردستان»، والمعروف اختصاراً باسم «كادك»، من إطلاق مبادرات جديدة في هذا الاتجاه، فقد أعلن هدنة أخرى في تشرين الأول من عام 2006، بيد أن أردوغان رفض العرض، داعياً الحزب إلى ضرورة التخلي عن سلاحه من دون أي شروط.وكان الإعلان الأخير للهدنة من جانب الحزب في 12 حزيران الماضي، وإن أرفقه بتأكيد أنه لن يتوانى في الدفاع عن نفسه والتصدّي لأي هجوم تركي يستهدف الحزب وكوادره.غير أن الجيش التركي، الذي يتشدد تجاه هذا الحزب، اختار فترة ما قبل الانتخابات التشريعية التي جرت في 24 تموز الماضي ليقود حملته التحريضية على المتمردين الأكراد، في محاولة دعمتها الأحزاب العلمانية والقومية لحثّ الحكومة على إعطائه الضوء الأخضر، من أجل شنّ عملية عبر الحدود مع العراق ضد المقاتلين الأكراد، الذين يُقدَّر عددهم بنحو ثلاثة آلاف عنصر.من جبال القنديلحزب العمال الكردستاني هو حزب سياسي يساري مسلَّح ذو توجهات قومية كردية وماركسية ـــــ لينينية، هدفه إنشاء دولة كردستان المستقلة، للأكراد الذين يبلغ تعدادهم نحو 22 مليون نسمة، والذين يعيشون في الأراضي التركية والسورية والعراقية والإيرانية، لذلك يتجاوز الخوف من نشوء الدولة الكردية المستقلة أنقرة ليتعداها إلى طهران ودمشق أيضاً.ونشأ الحزب في سبعينيات القرن الماضي، وتحول بسرعة إلى قوة مسلحة بزعامة أوجلان، وحوّل منطقة جنوب شرق تركيا إلى ساحة حرب في الثمانينيات والتسعينيات.وكان الحزب حركة سرّية تبنت النهج الماركسي الثوري، ومن ثم اضطرت، إثر الهجمات الشرسة للدولة التركية، إلى الخروج إلى منطقة الشرق الأوسط (لبنان وسوريا) وتلقّي التدريب العسكري مع المقاومين الفلسطينيين. ومن ثم عادت بكوادرها المسلحة إلى المناطق الكردية الجبلية، حيث استقرت منذ عام 1985 في سفح جبل القنديل، الواقع على المثلث الحدودي بين تركيا وإيران والعراق، وهي منطقة شاسعة، جبالها مرتفعة ووعرة المسالك.والحزب موضوع في قائمة المنظمات الإرهابية على لوائح الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران وسوريا وأستراليا.وللحزب جناح عسكري، يُسمَّى قوات الدفاع الشعبي، ويهدف هذا الجناح إلى إنهاء سياسة التصفية والتجاهل للشعب الكردي، وحماية وتطوير المسيرة الديموقراطية لهذا الشعب حتى يتحقق الحل السلمي، ثم أضاف في ما بعد حرية القائد «آبو»، أي أوجلان، إلى لائحة مطالبه.أما أبرز أهداف الحزب، فهي: توسيع وتمتين العلاقات الشرق أوسطية كردياً وعربياً وتركياً وفارسياً، وترسيخ حياة آمنة مستقرة واقتصاد راقٍ لشعوب المنطقة.ويعتمد حزب العمال في الصراع على جهود المرأة والشبيبة في المناطق الكردية وتنشيط شرائح المجتمع كافة. ويشرك كل هؤلاء في حرب العصابات التي يخوضها.امَّا مصادر تمويله، فهي الشعب الكردي وأصدقاؤه العرب والأتراك في العالم. ويستفيد من الجمارك المارة من مناطقه العسكرية.ومنذ أشهر خلت، يقوم الجيش التركي بدق طبول الحرب على حزب العمال من خلال تعزيز مستويات قواته في جنوب شرق البلاد، حتى وصل عدد عناصره إلى أكثر من 200 ألف عنصر، معظمهم يتمركز على الحدود، معزّزين بدبابات ومدفعية ثقيلة وطائرات، بما يشير إلى نيّة تركيا القيام بعملية محتملة عبر الحدود.ووصلت مستويات هذه القوات في إقليم سيرناك إلى 50 ألف عنصر مقارنةً مع ما بين عشرة آلاف و20 ألف عنصر عادة، فيما أكدت حكومة أردوغان أنها وضعت خططاً لاحتمال القيام بتوغل عسكري في شمال العراق لضرب عناصر حزب العمال، الذين تتهمهم أنقره باستخدام هذه المنطقة كقاعدة خلفية لعملياتهم في جنوب شرق الأناضول.ترافق ذلك مع إعلان أردوغان، في السابع من آب الجاري، أن تركيا والعراق وقّعتا على هامش زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى أنقرة، وثيقة تهدفُ إلى مكافحة المتمردين الأكراد الأتراك المتمركزين في شمال العراق.«آبو» في الأسرمنذ الثمانينيات، أصبح عبد الله أوجلان رمزاً سياسياً وعسكرياً للحركة الكردية الاستقلالية، وتزايد عدد مؤيديه ومناصريه وسط الجاليات الكردية في كل أنحاء العالم. أوجلان، الذي يلقبه اتباعه بـ«آبو»، وُلد وسط أسرة تعمل بالزراعة في عام 1949 في بلدة أوميزلي التابعة لمحافظة سانلي على الحدود التركية ـــــ السورية. درس في جامعة أنقرة، حيث بدأ نضاله وسجن سنة 1972 لمدة سبعة أشهر بحجة نشاطه المؤيد للأكراد.في سنة 1978، أسسّ أوجلان حزب العمال الكردستاني. وفي سنة 1980، غادر تركيا ليعمل من المنفى، ولا سيما من دمشق، وسهل البقاع اللبناني حيث أقام معسكرات التدريب لأعضاء حزبه. ويُذكر أنه حوصِر مع مقاتلي الثورة الفلسطينية في قلعة الشقيف في جنوب لبنان في الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي عام 1982.في تشرين الأول من عام 1998، أُبعد أوجلان من سوريا، وذلك تحت الضغوط التركية الشديدة، التي كادت أن تتحوّل إلى حرب بين البلدين، بحجة اتهام أنقرة لدمشق بأنها تسمح لأوجلان ولحزب العمال الكردستاني بالتدرب والانطلاق من أراضيها ومن سهل البقاع اللبناني.وقد اضطرّ أوجلان عندها لأن يتوجه إلى أوروبا، حيث حاول الحصول على حق اللجوء السياسي، لكنه أخفق.ونجحت الاستخبارات التركية بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي في اعتقاله في الخامس عشر من شباط 1999 في نيروبي، عاصمة كينيا. ونقل إلى جزيرة إمرالي وسط إجراءات أمنية مشددة. وقد دفع منظر أوجلان وهو مختطف ومكبّل، أنصاره وأنصار القضية الكردية إلى التظاهر في العواصم الأوروبية أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية والتركية.وخلال المحاكمة، قام أوجلان، بصورة مفاجئة، بتقديم الاعتذار لأسر الضحايا من الأتراك الذين قتلوا في أعمال العنف التي نفّذها حزبه. كما طالب أعضاء حزبه بتسليم السلاح وترك أعمال المقاومة المسلحة، وأبدى استعداده لأن يكون وسيطاً بين تركيا والأكراد بشرط عدم إعدامه. إلا أن المحكمة العسكرية التركية، التي أُلِّفَت خصيصاً لمحاكمته، رفضت عرضه، وأصدرت عليه حكماً بالإعدام شنقاً.وقد لاقى هذا القرار الرضى والتأييد في تركيا، وأيّدته الولايات المتحدة التي رأت أن أوجلان هو «إرهابي دولي». أما الدول الأوروبية، فطالبت بعدم تنفيذ الحكم خوفاً من قيام الأكراد بتظاهرات عارمة تهزّ أمن هذه الدول، لهذا امتنعت تركيا عن إعدامه حتى الآن طمعاً في استمرار التفاوض مع الاتحاد الأوروبي من أجل الانضمام إلى منظومته.
"الأخبار"عدد السبت ١٥ أيلول 2007

11‏/9‏/2007

ألكسندر سولجنتسين... بقايا أسطورة


معمر عطوي
عــودة إلى «أرخــبيل الـغولاغ» على ضفاف موسكوفا
الرفيق خروتشوف كان وراء شهرته العالميّة، والرئيس بوتين نفض عنه غبار النسيان. بعد عودته من المنفى اعتكف في الصمت، لافتاً النظر بمواقفه المتزمّتة قومياً ودينياً. ماذا يبقى اليوم من سولجنتسين: تراثه الأدبي أم تاريخه السياسي كأشهر المنشقين عن الاتحاد السوفياتي؟
كان شغوفاً بقراءة الأعمال الأدبية منذ سن التاسعة، لكنّه اختار دراسة الرياضيات. في النهاية ستقترن حياة ألكسندر سولجنتسين بالأدب، وستقوده رواياته إلى السجن فالمنفى... قبل أن تدخله التاريخ بصفته أشهر المنشقين في زمن الاتحاد السوفياتي. في غيابه انهارت الامبراطوريّة الشيوعية، فعاد من المنفى إلى روسيا التي غنّى أمجادها وانتمى إليها حتى الشوفينيّة المقلقة. وها هو الروائي الروسي الشهير (1918) يعيش شيخوخته في عزلة بيت ريفي على ضفاف موسكوفا.كان سولجنتسين جندياً على الجبهة الألمانية، عام ‏1945، حين كتب الى أحد أصدقائه منتقداً ستالين، معتبراً أن الحكومة السوفياتية مسؤولة أكثر من هتلر عن تبعات الحرب على الشعب السوفياتي. وقعت الرسالة في يد السلطات... فكلّفه الأمر 8 سنوات في معسكرات الاعتقال... منها سيستمد مادة روايته الأولى «يوم في حياة ايفان دينسوفيتش» التي لم تُنشر إلا عام ‏1962 في مجلة «نوفي مير» السوفياتية، وذلك بعدما تدخّل الأمين العام للحزب شخصيّاً، وكان يومها نيكيتا خروتشوف. هذه الرواية هي التي دفعته الى واجهة المشهد الأدبي العالمي، لكنّها دشّنت أيضاً حقبةً جديدةً في مسيرة الروائي الإشكالي. فبعد ثلاث سنوات من صدورها، منعت أعمال سولجنتسين في الاتحاد السوفياتي، وبدأت تجربته المريرة... هذا في كل الأحوال ما تقوله الأسطورة التي أحاطت به كالهالة، وقد بلغت أوجها في زمن لم يكن «العالم الحرّ» يعبأ بالحريّة، قدر اهتمامه بتوظيف قضايا المنشقين في الحرب الباردة.في العام 1965 كتب «جناح السرطان» على شكل حدوتة فلسفيّة، مستوحياً تجربته الشخصية مع المرض في أواسط الخمسينيات. ولعلها أقرب رواياته إلى واقعية القرن التاسع عشر، إذ تقدّم صورة أمينة للمجتمع الروسي بعد موت ستالين. لكن صيت سولجنتسين ذاع سياسياً أكثر منه أدبياً، لكثرة ما اكتنفت كتاباته انتقادات حادّة للسلطة... لكن خروتشوف تباهى بدوره في بنشر «يوم في حياة ايفان دينسوفيتش» التي تفضح معاناة المثقفين في سجون ستالين. وكان خروتشوف يهدف يومذاك إلى مقارعة الحرس القديم، من فلول القيادة الستالينية. تُرجمت تلك الرواية الأولى إلى العديد من اللغات، وشهرته في العالم أجمع، بينما كانت أعماله الأخرى مخطوطات حبيسة الأدراج.هذا الحظر قد يكون أسهم الى حدّ كبير في حصوله عام 1970 على جائزة نوبل للآداب عن روايته «أرخبيل الغولاغ»، وجعلته شيخ الكتّاب المنشقّين عن المنظومة الشيوعية. لم يسافر سولجنتسين إلى استوكهولم لتسلّم الجائزة، ربما خشيته من عدم السماح له بالعودة. وداهم الـ «كي.جي.بي» منزله عام ‏1974‏ إثر تهريبه «أرخبيل الغولاغ» إلى فرنسا. في تلك الرواية يسرد معاناته في معسكرات الاعتقال الجماعي، واصفاً الآلة القمعيّة والطابع التوتاليتاري للنظام الستاليني. وكان سولجنتسين قد كتبها بين 1958 و1967 على وريقات صغيرة دفنها واحدة تلو الأخرى في حدائق أصدقائه، فيما أرسل نسخة الى الغرب ليهرّبها من الرقابة. ولم يقرّر نشرها إلا بعدما عُثر على إحدى مساعداته مشنوقةً: وكانت قد اعترفت للـ «كي. جي. بي» بالمخبأ الذي فيه نموذج الرواية. في جميع الأحوال «أرخبيل الغولاغ» كلّفت سولجنتسين غالياً. إذ دفعت السلطات الى تجريد الروائي من جنسيته، وسوقه إلى المنفى في شباط (فبراير) 1974... ليعيش فترةً في ألمانيا وفرنسا، قبل أن يتوجّه الى الولايات المتحدة عام 1976. هناك عاش، في ولاية فيرمونت، في ما يشبه العزلة، مكرّساً وقته لدراسة التاريخ الروسي بين ‏1914‏ و‏1917... وقد أحاط بتلك الحقبة بشكل واسع، ووضع في الخامسة والسبعين مؤلفاً ضخماً من عشرة أجزاء، بعنوان «العجلة الحمراء»، يرصد روسيا في زمن الثورة‏.في أميركا ترأس سولجنتسين حملةً لتدخّل الولايات المتحدة في الفيتنام، ثم البرتغال عندما استولى اليسار عليها عام 1974. ودافع عن سباق التسلّح ضد الاتحاد السوفياتي خلال حقبة ريغان. ولم يعد إلى روسيا إلا عام 1994، أي بعد خمس سنوات على سقوط جدار برلين، ليجدها مرتعاً للفساد والفقر. قرر الأسد العجوز أن يعتكف في الصمت.... حتى انتبه إليه الرئيس بوتين، فنفض عنه غبار النسيان، ومنحه جائزة الدولة التقديرية.هنا تكلّم صاحب «أرخبيل الغولاغ» أخيراً، ليعبّر عن رأيه بإنجازات الرئيس بوتين. ورأى أن بوتين استردّ بعضاً مما خسرته روسيا، بمحاربة الفساد... و«أيقظ الدب الروسي من سباته ليزرع الرعب في قلب أميركا»! والحقيقة أن المنشق السابق عايش أزمات روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، متنبّئاً بسقوط آخر في زمن روسيا الحديثة الليبرالية المنفتحة على الغرب. «بؤساء الوطن» كانوا محور اهتمامه منذ صدور كتابه «روسيا نحو الهاوية». ويروي سولجنتسين: «بعد صدور الكتاب طلب يلتسين شخصياً منحي وسام الدولة الأعلى، وأجبته بأني لا أستطيع قبول منحة السلطة التي جلبت لروسيا الدمار... لا أستطيع أن أقبل الجائزة من رئيس، بل من مجموعة خبراء ذوي كفاءة، من باحثين روس ومبدعين ومثقفين يحظون باحترام في مواقعهم».وأوضح سولجنتسين أنّه لدى عودته الى روسيا، كان يعيش حالة من التأليه للعالم الغربي ولنظم الحكم في دوله المختلفة. «لم يكن (ذلك) مبنياً على معرفة حقيقية أو اختيار واعٍ، بل على رفض طبيعي لنظام البولشفيك ودعايته المعادية للغرب». ويشير الى أنّ «هذا المزاج تغير بعد هجوم حلف الأطلسي بالقنابل على الصرب. حتى ذلك الوقت، كان الغرب يمثّل لنا فارس الديموقراطية. في الحقيقة، أصبنا بخيبة أمل في يوغوسلافيا، ذلك أنّ السياسة الغربية اعتمدت في الدرجة الأولى البراغماتية... ما حصل هو نتيجة تفاهتنا».ويحاول سولجنتسين أن يفهم اليوم التحولات التي شهدتها روسيا: «الكثير من الروس عايشوا سقوط إيديولوجيتهم... والغرب فرح بهذه النهاية للحرب الباردة المرهقة. وراقب سنوات حكم غورباتشوف ويلتسين، وضعف السلطة في روسيا. لقد اعتادوا أن ينظروا إلى روسيا كواحدة من دول العالم الثالث». أما نظرة الكاتب إلى بلاده فتقوم على الحنين إلى عظمتها، وعلى التعصب القومي وتمجيد ثقافة الأرض والريف. ولعلّ من أهم إنجازاته الجائزة الثقافية التي استحدثها لدعم المبدعين القوميّين من أنصار الفكر السلافي والروسي، أو ممن سمّاهم «الأرضيين». أولئك الذين يكتبون عن القرية، ومن بين من اختارهم «صندوق الكسندر سولجنتسين»، الأكاديمي فلاديمير توبوروف والأديب فالنتين راسبوتين والكاتب ليونيد بورودين وغيرهم.قد تكون أكثر أعماله إثارةً للجدل، روايته «قرنان معاً» (2002) التي كرّسها لتاريخ اليهود في روسيا في غضون قرنين وعلاقاتهم مع الأمة الروسية. انقسم النقاد الى معسكرين في اتخاذ موقف من الكتاب: غالبية القوميين الروس استقبلته بالترحاب، فيما رفضه أصحاب التوجّه الغربي ومن أصول يهودية واتّهموه بالعداء للسامية. سولجنتسين معاد للساميّة؟ خلال سنوات المنفى أبدى صاحب «أرخبيل الغولاغ» تعاطفاً مع الحركة الصهيونية، وتلقَّى دعوة إلى زيارة اسرائيل وجّهتها اليه يومها رئيسة الوزراء غولدا مائير. لكنّ هذا لم يمنع أيضاً «لجان الدفاع عن الحريات في لبنان» من دعوته الى بيروت أواسط السبعينيات بسبب مواقفه من النظام الشيوعي.في كل الأحوال، كثيراً ما كان سولجنتسين شخصيّة إشكالية أكان في مواقفه السياسية، أم في أعماله الأدبية التي تتفاوت النظرة النقدية إليها. هكذا، اعتبره بعض الكتّاب رجلاً مقاوماً وعنيداً يتمتّع بالحس القومي السلافي. فيما رأى بعضهم الآخر أنّ أعماله يشوبها الكثير من النقص. إذ قال عنه الكاتب الساخر فلاديمير فوينوفتش مرةً إنّه خرافة صاغها الخيال الجمعي، وإنّ إنجازه الوحيد هو «يوم في حياة ايفان دينسوفيتش» فيما الروايات الأخرى تبعث على السأم.وتحدث الكسندر أوستروفسكي عن ضرورة تحطيم تلك الأسطورة التي حيكت عنه كداعية إنساني، وككاتب عظيم وعبقري. ورأى أن قوى إصلاحية في الاستخبارات الروسية استغلته لترويج أفكار المنشقّين الإصلاحية وإضعاف النظام الشيوعي. وأعرب العديد من الأشخاص في الأوساط التقدمية في روسيا عن خشيتهم من قناعات سولجنتسين الدينية المتزمّتة.على رغم كل ما قيل عنه، فإنّ الروائي العجوز تمسّك في كل ما كتب بإيمانه العميق بروسيا، وبتفرّد ثقافتها‏، وتميّزها الروحي عن أميركا وأوروبا.
الاخبار ١١ أيلول 2007

7‏/9‏/2007

حرب المعنى وعدوان تموز في مجلة «مدارات»



معمر عطوي
حملت مجلة «مدارات غربية» في عددها الأخير رؤية فكرية سياسية متنوّعة للصراع العربي الإسرائيلي، بعد عدوان تموز (يوليو)، من خلال ملف خاص جاء بعنوان «حرب المعنى: أميركا ــــ إسرائيل ضد حزب الله»। وكتب ناشر المجلة محمد عماد الدين نعمة مقالاً بعنوان «خيبات الحرب الإسرائيلية»، فيما عنون رئيس التحرير محمود حيدر مقاله بـ«حرب من أجل المعنى».واشتمل الملف الأساسي في المجلة المتخصصة بنشر ترجمات فكرية غربية، على حوار مهمّ أجراه الدكتور نعمة مع المفكر السياسي الفرنسي آلان جوكس، تطرق فيه الأخير الى مفاصل محورية للاتجاهات التي حكمت الاستراتيجيات الأمنية والسياسية والثقافية، في لبنان والشرق الأوسط، بعد حرب تموز 2006. ورأى جوكس أنّ حرب تموز لا تزال تحفر تعقيداتها ومؤثراتها على المنطقة بأكملها...وتضمّن الملف ترجمات من الصحافة العالمية، بينها دراسة للباحثة البلجيكية كارولين بيليه بعنوان «إسرائيل ـــــ فلسطين ـــــ لبنان: الطريق الأطول نحو السلام». ومقالة بتوقيع الصحافي والكاتب الفرنسي الإشكالي تييري ميسان، رئيس «شبكة فولتير»، بعنوان «لبنان كهدف جديد: المحافظون الجدد وسياسات الفوضى البناءة». وتنشر المجلة مقالة لروبرت مالي، مستشار الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بعنوان «شرق أوسط جديد»، مأخوذة عن «نيويورك ريفيو أوف بوكس»... فيما نقرأ ترجمة لمقالة أوليفييه روا في صحيفة«لو موند» الفرنسية، بعنوان «إيران ترتفع في المزايدات».وفي محور المجلة، مقالة للأكاديمي اليوناني يانيس فولغاريس «الحرب في لبنان: مأزق للضحية كما للجاني»، وآخر للباحث الأميركي دانييل بايمان عن «إعادة تشكيل الأحلاف للحرب على الإرهاب ـــــ أميركا نموذجاً»، بينما كتبت النائبة في البرلمان الأوروبي، لوسيا مانيسكو، في الجريدة الإيطالية «إل مانفيستو» عن «المخطط الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط».وفي مدار الجدل مقالات أخرى لمجموعة من كتاب وباحثين غربيين عن «اليمين الديني «ايباك»، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة»، و«نحو بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي»، و«أرض في الشرق أم السلام على حوض المتوسط». كما تضمّنت «مدارات غربية» النصّ الكامل لتقرير فينوغراد وتقرير سيمور هيرش عن خفايا عدوان تموز.وفي «باقة الكتب»، قراءات في كتب «العصر الوسيط ظلال وأنوار» لجان فيردون، و«قرارات حياتي في السياسة» للمستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، و«التحليل السوسيولوجي للبروتستانتية» لجان بول ويليم. 7ايلول 2007"الاخبار"

3‏/9‏/2007

صفوي مســتشاراً للــمرشد... والجعــفري قــائداً لـ«الحــرس»

معمر عطوي
لا يمكن فصل ما تشهده إيران من إقالات واستقالات عن تطورات المشهد الإقليمي والدولي، في ظل تصاعد حدة اللهجة الغربية تجاه النظام الإسلامي بشأن البرنامج النووي والاتهامات الأميركية بـ«تورط» الحرس الثوري في المستنقع العراقي.فإقالة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي قائد الحرس الثوري اللواء يحيى رحيم صفوي من منصبه أول من أمس، تضع علامات استفهام عديدة بشأن التوقيت، في ظل احتدام المواجهة مع الغرب، ووسط حديث عن «محاولة زعزعة النظام الإسلامي» على طريقة الثورات المخملية. ولم يكن واضحاً أمس ما إذا كان تعيين صفوي مستشاراً لخامنئي يعدّ ترفيعاً في معرض المكافأة أو مكافأة في معرض التحييد.ومعروف أن الحرس الثوري، الذي كان صفوي من أبرز مؤسسيه في عام 1979 بعد نجاح الثورة، يواجه محاولة أميركية لإدراجه على «لائحة الإرهاب»، بعدما كان قرار الأمم المتحدة الرقم 1747 الخاص بالعقوبات ضد طهران، قد تضمن أسماء قيادات الحرس، وبينهم صفوي والقائد الجديد الذي عيّنه خامنئي لهذه المؤسسة العسكرية العقائدية محمد علي جعفري.وترى الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية أن الحرس الثوري من المساهمين الرئيسيين في البرامج النووية والبالستية الإيرانية، وهي تشير إلى أن هذه المؤسسة تأتمر مباشرة بأوامر خامنئي، الذي يُعد القائد العام للقوات المسلحة.ولطالما هدَّد صفوي الولايات المتحدة بأنها ستتلقى «ضربة موجعة» مستقبلاً من هذا الحرس، وبإحراق الخليج في ما لو حاولت قوات الاحتلال الأميركي ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، في وقت كانت قوات الحرس تحقق نجاحات على صعيد إحباط العديد من محاولات زعزعة النظام، وملاحقة متهمين بالعمل على تقويضه من الداخل.وأشاد خامنئي في أمر تعيين اللواء صفوي مستشاراً له بـ«الخدمات المخلصة التي قدّمها في الميادين العسكرية المختلفة على مدى ثمانٍ وعشرين سنة، ووجوده المستمر في جبهات الدفاع المقدس وقيادته الموفّقة لقوات حرس الثورة الإسلامية خلال فترة عشر سنوات».وكان الجنرال صفوي قد تولّى قيادة الحرس قبل عشر سنوات خلفاً للجنرال محسن رضائي الذي كان أول قائد لحرس الثورة منذ إنشاء هذه القوة عام 1979 مع قيام الثورة الإسلامية.وقلَّل صفوي من شأن استبداله، قائلاً إن هذا التغيير أمر «طبيعى تماماً»، فيما وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية محمد على حسيني هذه الخطوة بأنها «تغيير روتيني»، رافضاً ما تردد عن وجود دافع سياسي وراءها.أما قرار خامنئي بتعيين العميد محمد علي جعفري، بعد ترقيته إلى رتبة لواء، قائداً لقوات حرس الثورة، فيبرهن عن تقديره لجهود هذه الشخصية العسكرية التي قادت العمليات خلال الحرب العراقية ـــــ الإيرانية (1980ـــــ 1988)، إضافة إلى دوره الاستخباري الذي كانت الساحة العراقية أحد أهم مجالاته، وفق ما تردد في تقارير إعلامية أفادت بأنه نجح قبل ستة أشهر في الفرار من محاولة اعتقال دبّرها عناصر الاحتلال الأميركي في عاصمة كردستان العراق، أربيل. ويُقال إنه متهم بتدبير محاولة اغتيال زعيم «الحزب الديموقراطي الكردي الإيراني» عبد الرحمن قاسملو في النمسا عام 1990.وشغل جعفري مناصب عديدة في الحرس الثوري، آخرها في عام 2005 عندما عُيّن رئيساً لـ«مؤسسة التحقيقات الاستراتيجية للحرس الثوري»، المرتبط باستخباراته، بعدما تولى رئاسة القوات البرية للحرس منذ عام 1992.
"الأخبار"٣ أيلول 2007

1‏/9‏/2007

هل تنتقل عدوى «الفوضى الخلاقة» إلى بلوشستان؟

معمر عطوي
لم يكن مقتل زعيم الثوار البلوش، نواب أكبر خان بوغتي(79 عاماً) يوم السبت الماضي، في معركة مع القوات الحكومية في إقليم بلوشستان، السبب الأساسي الذي أذكى المعارك بين القوات الباكستانية وسكان الإقليم الأكبر مساحة والأكثر فقراً في البلاد، إذ إن قضية بلوشستان، التي تشبه إلى حد ما قضية الأكراد في تشعباتها السياسية والجيوستراتيجية وعمقها القومي وبعدها القبلي، ليست قضية طارئة على المشهد السياسي الجنوب ــ آسيوي. فمنذ عشرات السنين، يقود البلوش، الذين ينحدرون من أصول عربية، حركة تمرد من أجل الحصول على حكم ذاتي ونصيب أكبر من أرباح الموارد الطبيعية، وأهمها الغاز الذي يشكل مخزونه في الإقليم أكبر احتياطي من هذه المادة في باكستان.الشرطة الباكستانية تقمع متظاهرين في كويتا (أ ف ب)ومع أن موقع بوغتي السياسي بوصفه حاكماً إقليمياً سابقاً وثائراً انضم إلى المقاتلين في الجبال هذا العام، يشكل علامة فارقة في تاريخ الحركة «الاستقلالية»، إلا أن قضية البلوش هي أعمق من حادثة مقتله: يسعى أبناء هذه القومية، المنتشرون بين إيران وباكستان وأفغانستان، إلى توحيد أراضيهم.فمساحة بلوشستان الباكستانية (غرب) تبلغ 135 ألف ميل مربع، وعاصمتها كويتا، أما عدد سكانها فيتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، بينهم حوالى مليون من الباتان. في حين تبلغ مساحة بلوشستان الإيرانية (جنوب شرق) 70 ألف ميل مربع، عاصمتها زاهدان، وعدد سكانها حوالى مليون.وتعود حرب البلوش على السلطة الباكستانية إلى تأسيس دولة باكستان عام 1947، وقد بلغت أوجها في السبعينيات من القرن الماضي، في عهد الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو. وكان لشاه إيران دور في تحريض إسلام آباد على ضرب «التمرد البلوشي»، خوفاً من أن تنتقل الحركة الوطنية البلوشية من باكستان إلى بلاده. أما بوتو فكان يطمع، من خلال هذه الحرب، إلى زيادة عمليات التنقيب عن النفط والمعادن في الإقليم، لكن بلا جدوى، بسبب تصاعد الثورة ضده وتصديرها إلى بلوش إيران. لكن قضية بلوشستان عادت إلى الظهور بشكل جدّي على سطح الأحداث في غرب آسيا منذ نيسان العام 1980، إثر فشل محاولة انقلابية ضد نظام ضياء الحق العسكري في إسلام آباد، والذي أدى فيها البلوش دوراً أساسياً. وربما كان العداء التاريخي بين الهند وباكستان قد فتح عيون نيودلهي على هذا الإقليم لاستغلاله في حربها ضد إسلام آباد، وهذا ما أكدته الاتهامات الهندية المتكررة لجارتها بمساعدة المتمردين البلوش.ولم يتوقف الأمر على الهند، بل تعداه إلى تدخل دول أخرى. تدخل جاء إما بدافع السيطرة على الثروات الطبيعية من غاز ومعادن، أو بدافع مزاحمة نفوذ دول أخرى، كما كان حال العراق والهند، اللذين دعما في العقود الماضية حركة استقلال بلوشستان، تماهياً مع متطلبات الحرب الباردة، نظراً لانخراط بغداد ونيودلهي في حلف السوفيات، بينما كانت إيران ــ الشاه وباكستان تدوران في الفلك الأميركي.لعل مقتل بوغتي، الذي يصفه بعض أبناء قبيلته بـ«الأسطورة»، يعيد قضية البلوش إلى المشهد السياسي في المنطقة، بيد أن الحديث عن اهتزاز سياسي يؤدي إلى سحب الثقة من رئيس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز، قد يكون أحد تجليات «الفوضى الخلاقة» التي تعيد ترتيب المنطقة وفق الرؤية الأميركية.
الأخبار الجمعة ١ أيلول 2007