27‏/10‏/2007

حرب باردة تركيّة ــ أميركيّة... وقودها الأكراد

معمر عطوي
توحي التوترات الدائرة في شمال العراق بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، بوجود مناخات حرب تركية ـــــ أميركية باردة، يحاول خلالها الطرفان رفد أدوات النزاع بوقود كردي، رغم سعي واشنطن إلى عدم تطور هذه الحرب إلى درجة قد تقوض أحلامها في بلاد الرافدين.ومن الواضح أن الانشقاقات التي يعانيها حزب العمال الكردستاني بجناحيه التركي والإيراني، منذ اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان في تركيا في عام 1999، تُظهر مدى جنوح البعض في هذا الحزب اليساري إلى طلب الدعم الأميركي لاستكمال معركته من أجل تحقيق الاستقلال.هذا التورط الأميركي بدعم أطراف كردية مناهضة لإيران وتركيا وربما سوريا، الذي أكدته تقارير إعلامية واستخبارية، دفع الجانب التركي إلى تعزيز روابطه مع دول الجوار على حساب علاقته التاريخية مع حليفه الأكبر في حلف الأطلسي، ولا سيما بعد اتساع حجم الهوة بين أنقرة وواشنطن، منذ رفض أنقرة فتح آراضيها أمام غزو القوات الأميركية للعراق في عام 2003.الجانب التركي أيضاً يشهد شبه انقسام بين مؤسستيه العسكرية والسياسية؛ ففيما تسعى الأولى إلى محاربة الأكراد لتأكيد دورها السياسي مدافعةً عن الدولة العلمانية، وتعزيز البعد القومي في وجه التمدد الديني، تتريَّث الأخرى في شن هجوم شامل على الأكراد لاقتناعها بأن الحل العسكري في جبال القنديل، حيث يعسكر حوالى 3500 مقاتل كردي، لن يحل المشكلة الكردية المستعصية جذرياً، مع وجود رافد بشري وإيديولوجي لحزب العمال في جنوب شرق الأناضول التركي.إضافة إلى ذلك، يمتلك حزب العدالة والتنمية قواعد شعبية كردية داخل تركيا أسهمت في إيصال عدد لا بأس به من النواب الأكراد على لوائحه الانتخابية، كما يرتبط بعلاقة طيبة مع حزب المجتمع الديموقراطي الكردي، الذي أوصل أكثر من 20 نائباً إلى البرلمان التركي في انتخابات تموز الماضي.أماَّ الجانب الأميركي فهو في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحريك جبهة الأكراد من أجل الضغط على تركيا وإيران، وفي مرحلة لاحقة على سوريا، يسعى أيضاً إلى عدم بلوغ الأزمة مرحلة الانفجار الذي يمكن أن يقوّض أهدافه في تحقيق الفيدرالية في العراق، انطلاقاً من إقليم كردستان في شمال البلاد.ولاتساع الهوة في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا أسباب عديدة، أبرزها سعي الكونغرس الأميركي إلى وصف المجازر التي ارتكبها العثمانيون إباَّن الحرب العالمية الاولى بـ«الإبادة الجماعية» ودعم إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لاستقلال إقليم كردستان، ولمسلحين أكراد ربما انشقُّوا عن حزب الحياة الحرة «بيجاك» في غرب إيران، من أجل زعزعة النظام الإسلامي.كما أثار امتعاض أنقرة تحويل الاحتلال الأميركي بلاد الرافدين إلى معقل للمتشددين الإسلاميين، الذين يمكن أن يؤثّروا بشكل أو بآخر على استقرار تركيا ذات الغالبية الإسلامية «المعتدلة».أماّ الجانب الآخر من المشكلة فيكمن في تعزيز أنقرة لعلاقاتها مع دول هي إما خصوم أو أنداد للإدارة الأميركية مثل سوريا وإيران وروسيا وحكومة حركة «حماس» في فلسطين؛ فمستوى التبادل التجاري والاستثماري بين أنقرة وإيران ارتفع في الأشهر الأخيرة، مع اعتزام أنقرة استثمار ‏3.5‏ مليارات دولار في الغاز الإيراني، الذي أصبح في المرتبة الثانية بعد الغاز الروسي كمصدر للطاقة في تركيا، التي تصر على هذه الاتفاقيات رغم معارضة واشنطن. ويشير مسؤولون أتراك إلى أن البلدين وقّعا اتفاقاً مبدئياً لضخ الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر تركيا‏.وكانت العلاقات الإيرانية ـــــ التركية، التي شهدت فتوراً بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، قد شهدت تطوراً في بداية القرن الحالي، على خلفية الاتفاق على الحد من طموحات الأكراد الاستقلالية، حيث أجريت صفقة تتخذ بموجبها تركيا إجراءات حيال منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، في مقابل إسهام طهران في ملاحقة عناصر حزب «بيجاك».‏ومنذ طرد سوريا لعبد الله أوجلان في عام 1999، شهدت العلاقات بين أنقرة ودمشق تحسناً بالغاً، عززته زيارة الرئيس بشار الأسد إلى تركيا منذ أسبوعين، ولا سيما بعد مباركته ضرب قواعد حزب العمال، ما يعكس مخاوفه من انتقال عدوى «الاستقلال» الكردي إلى شمال سوريا.هذه العلاقة انعكست على تحسُّن التبادل التجاري بين البلدين، الذي يمكن أن يشهد ارتفاعاً قد يبلغ ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار في الحدِّ الأدنى نهاية العام الجاري، ولا سيما بعد دخول منطقة التجارة الحرة السورية ـــــ التركية حيِّز التنفيذ مطلع هذا العام.أما بيت القصيد في هذا الفتور الذي تشهده العلاقات الأميركية ـــــ التركية فيكمن في تعزيز أنقرة لعلاقاتها مع الجانب الروسي، الذي يعتمد خياراً استراتيجياً مناهضاً لواشنطن. وأضحت موسكو نتيجة هذه العلاقات ثاني أكبر مستورد للبضائع التركية بعد ألمانيا، بينما تستثمر تركيا أكثر من 12 مليار دولار في حقل البناء في روسيا.مما لا شك فيه أن الحرب الباردة بين واشنطن وأنقرة قد بدأت ملامحها تظهر في شمال العراق، لكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يتحمل الجانبان عواقب حرب ساخنة على تخوم بلاد الرافدين؟
الأخبار٢٧ تشرين الأول2007

23‏/10‏/2007

طهران تفاوض "الشيطان الأكبر"؟






كتب معمر عطوي*
لا يبدو تاريخ الثامن والعشرين من أيار/مايو، الذي شهد اول لقاء رسمي ايراني اميركي منذ بداية الثورة الاسلامية عام 1979، سوى محاولة لكسب الوقت من جانب طهران التي أدمنت المناورة في فن التفاوض الشاق مع الغرب في الملف النووي، فيما اصرت على الاستمرار بأنشطتها النووية الحساسة، بالرغم من صدور 3 قرارات ضدها عن مجلس الامن ( 1737 - 1747 - 1996).


لم تحمل الجولة الاولى من المفاوضات المباشرة التي أجريت في بغداد، سوى انتقادات متبادلة بين الجانبين، رشحت عنها تصريحات المسؤولين في البلدين، والذين كان كل منهم يطالب الآخر بتقديم نتائج ملموسة. إذ طالبت واشنطن الايرانيين بـ"التوقف عن إثارة المشاكل في العراق"، بينما ردت ايران بدعوة الادارة الاميركية "لتصحيح سياساتها" وعدم التدخل في شؤون المنطقة.وبدا واضحًا أن هذه المحادثات التي قادها كل من السفيرين لدى بغداد، الايراني حسن كاظمي قمي والاميركي رايان كروكر، وفي حضور ممثل عن الحكومة العراقية، لم تؤد الى أي انفراج واضح على صعيد تحديد موعد للانسحاب من الجانب الاميركي كما يطالب الايرانيون في خطاباتهم وتصريحاتهم، او على صعيد وقف هجمات المقاومة العراقية، كما يريد الاميركيون. ومن المهم القول، ان موافقة طهران على لقاء "الشيطان الأكبر" كانت في سياق سياسة جديدة بدأتها الحكومة الاسلامية، برئاسة محمود أحمدي نجاد، بعدما شعرت انها مهددة بالعزلة على خلفية الاستمرار في البرنامج النووي المثير للجدل من جهة، وبسبب تصريحات نجاد العنيفة في شأن اسرائيل ووجودها في المنطقة، وتشكيكه بحصول المحرقة النازية من جهة أخرى.
مقابلة الشيطان
وبالرغم من أن هذه المفاوضات، لاقت معارضة من بعض التيارات السياسية الايرانية، التي لم يدخل في ادبياتها "الخمينية" بعد مقابلة "الشيطان"، باشرت الجمهورية الاسلامية مفاوضاتها مستفيدة من عوامل عدة من شأنها ان تصب في مصلحتها، في ما لو عرفت كيف تقتنص الفرص. ذلك ان نظام الملالي يعرف جيدا حجم المأزق الذي وضعت به قوات الاحتلال الاميركي في العراق، ويدرك تماما حجم التناقضات في الداخل الاميركي نتيجة هذه الحرب المكلفة، ولا سيما بعد فوز الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس وما يمكن ان يمثله ذلك من تغير في وجهة السياسة الاميركية تجاه العراق بالتحديد وتجاه العلاقة مع سوريا وايران، بمعنى ان الايرانيين وجدوا فرصة ثمينة لجر خصمهم الى "فخ" التفاوض، لحظة فشله في مواجهة المقاومة العراقية وبعض القوى المعارضة للسياسة الاميركية في لبنان وفلسطين وأفغانستان، ولحظة انقسام داخلي واضح في المشهد السياسي الاميركي.وربما أدرك الايرانيون أيضا ان فرص توجيه ضربة عسكرية اميركية الى مفاعلاتهم النووية او مراكزهم العسكرية الحساسة، صار احتمالا ضعيفا جدا، بعدما أدرك الغرب التطور الهائل الذي توصلت اليه طهران على صعيد الصناعات العسكرية والتقنيات النووية والتطور في عمليات التخصيب الصناعي لليورانيوم، ما يجعل أي عمل عسكري ضد هذا البلد مغامرة مجهولة العواقب، وفي أضعف الاحتمالات لن تكون نزهة.من هنا ربما فهم الغرب رسالة المناورات الايرانية المكثفة التي جرت في الخليج في الشهور الأخيرة، والتي جرى خلالها اختبار صواريخ يمكن ان تهدد المصالح الاميركية في المنطقة وقاعدتها الاساسية اسرائيل، الى الاعلان عن صناعة مدمرة حربية وغيرها من الانجازات العسكرية التي تمكنت جمهورية الملالي من التوصل اليها بامكانات ذاتية في ظل حصار وقيود كثيرة مفروضة على استيرادها للمعدات العسكرية غير التقليدية والتجهيزات وقطع الغيار.
جس نبض
انطلاقا من هذه المعطيات تخوض ايران مفاوضات ليس من شأنها سوى تضييع الوقت في انتظار تسلم الديمقراطيين في الولايات المتحدة السلطة الذين يرفضون سياسة بلادهم في العراق. وبذلك يعمل الايرانيون على قاعدة عدم التنازل مرتين، فيما لو اضطروا الى ذلك: مرة للجمهوريين وأخرى للديمقراطيين.ومما لا شك فيه ان مفاوضات بغداد، كانت بمثابة جس نبض متبادل بين الجانبين، او استمزاج آراء لاستشراف مدى تنازل كل طرف للآخر في ملفات عدة، ولا سيما ان بين العدوين اللدودين ملفات يمكن المساومة في شأنها، بدءا من الواقع العراقي والتأثير الايراني في بعض حركات المقاومة مرورا بالملف النووي وتداعياته وصولا الى المسألة الفلسطينية والأزمة اللبنانية. بالرغم من تصريحات المسؤولين في البلدين ان مجال المحادثات هو العراق فقط.

هواجس مبررة
إلا ان هذا العنوان لم يرض أطرافاً عراقيين مقربين من ايران أيضا، وهذا ما تمثله تصريحات قائد "جيش المهدي" مقتدى الصدر، الذي أعلن معارضته لهذا النوع من المفاوضات على أرض العراق، معتبرا اياها تدخلا في الشؤون العراقية. ولهذا التصريح، دلالات تفوق التفسيرات "السيادية" التي عبر عنها، مضيفا في معرض انتقاده للرافضين لانسحاب القوات الاميركية "إنهم غالبا ما ينسون او يتناسون، في مثل هذه المفاوضات، أن يطالبوا المحتل بالخروج من العراق".
احمدي نجاد: توصلنا الى المرحلة النووية الصناعية
وبات الصدر كغيره من الحركات النضالية التي تدعمها ايران، يستشعر الخطر من امكان المساومة على سلاحه اذا ما اقتضت المصلحة الايرانية. ولهذا أكد في تصريحات لاحقة ان "جيش المهدي وحزب الله في خندق واحد" في محاولة لإيصال رسالة الى طهران التي بدت حريصة على حزب الله اكثر من نظرائه في العراق، حين شدد الرئيس نجاد، في حديثه للصحافيين الاجانب في طهران في ذكرى مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله الخميني، على عدم وجود أية صفقة على حساب "حزب الله" وسوريا.ولهواجس الزعيم الشاب، مبرراتها، حيث كان للنظام الإسلامي سوابق في تسهيل دخول الاميركيين الى أفغانستان ومن ثم الى العراق، وبدعم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية بقيادة الراحل محمد باقر الحكيم، على الرغم من انخراط الأخير تماما في المشروع الاميركي لغزو العراق تحت حجة "تحريره من الديكتاتورية".ومن الواضح ان الخطر الذي شعرت به بعض التيارات الشيعية من امكانية تفريط ايران بها على مائدة التفاوض قد امتد الى الحركات السُنّية أيضا، اذ انتقدت جماعة دولة العراق الاسلامية المحادثات بين ايران والولايات المتحدة ووصفتها بانها شيطانية، مكررة معزوفة "الخطر الصليبي الصفوي".بأي حال يبدو ان الانفراج في هذه العلاقات بعيد المنال في ظل تصاعد حدة المواجهات بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال الاميركي والبريطاني في المناطق ذات الغالبية الشيعية. ذلك ان عدد قتلى الاحتلال في تزايد مستمر، فيما لا يزال ملف الايرانيين الخمسة الذين خطفتهم قوات الاحتلال الاميركي في اربيل في كانون الاول/ديسمبر الماضي عالقا.
حرب أمنية
ومن المفيد القول إن هذه المفاوضات بدأت على وقع صفارات إنذار البوارج الحربية الاميركية التي تجوب مياه الخليج قبالة السواحل الايرانية، وفي الوقت الذي تلوح فيه بوادر حرب أمنية ظهر أحد فصولها باختفاء نائب وزير الدفاع السابق ومسؤول الأمن التابع للحرس الثوري علي أصغري في تركيا في شباط/فبراير الماضي، في حين أعلنت أميركا عن اختفاء عميل سابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي في جزيرة كيش الايرانية بعد أسابيع من ذلك، فيما لا تزال طهران تلاحق ايرانيين يحملون الجنسية الاميركية بتهم التجسس لصالح الاستخبارات الغربية، ومنهم (الاكاديمية هالة اصفندياري وعالم الاجتماع كيان تاجبخش والصحافية بارناز عظيمة). في هذه الأثناء، تخوض الولايات المتحدة حرب "الحريات السياسة والدينية" ضد طهران على خلفية محاكمات واعتقالات لناشطين وناشطات وإقفال صحف ليبرالية معارضة لسياسة المحافظين. والأدهى من ذلك، تلعب واشنطن ورقة التباينات في المشهد السياسي الايراني (محافظون - اصلاحيون - متشددون) في مراهنة واضحة على حدوث انقسام في الشارع، يمهد لـ "زعزعة" النظام من الداخل. ولعل بعض فصول ذلك بدت في أزمة تقنين البنزين، وأزمة "الثياب المحتشمة وصرعات الشباب".ولا يمكن في هذا السياق تجاهل أزمة الثنائيات القومية والمذهبية: حيث تدور أحيانا، معارك عنيفة بين حرس الثورة والمتمردين الأكراد في ولاية أذربيجان الغربية الواقعة على الحدود مع العراق وتركيا، وأخرى مع متمردين سُنّة في ولاية سيستان بلوشستان الواقعة على الحدود مع باكستان (جنوب شرق).
الثمن المطلوب
النقطة الأكثر حساسية في ملف التفاوض مع الغرب، تتمثل بالثمن الذي يمكن ان تدفعه ايران في العراق فيما لو قيض لها ان تتنازل لقاء احتفاظها ببرنامجها النووي الذي قطع أشواطا مهمة باعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.وربما صارت طهران مقتنعة ان تقديم تنازل في العراق قد يؤجل ضربة عسكرية لبرنامجها النووي. لكن تصريحات نجاد المتكررة في شأن "يقظة شعوب المنطقة" وما أكده في تصريحاته بذكرى وفاة الخميني في شأن امكانية تطور المقاومة في الخليج وصولا حتى طرد المحتل، يشير الى ان طهران لن تكون صمام أمان الفوضى الخلاقة في العراق، والتي يبدو انها وصلت الى مرحلة لا يمكن معها للمساومات ان تنجح في ضبط الاوضاع، ولا سيما ان اللاعبين على هذه الساحة كثر، وايران حتى لو قلصت من نشاط قوات القدس التابعة للحرس الثوري في بلاد الرافدين، لن تستطيع وقف مقاومة وجدت لتبقى حتى رحيل آخر جندي أجنبي.وتاليا فان الحديث عن تنازلات بين واشنطن وطهران قد يكون سابقا لاوانه قبل ان تظهر ملامح السياسة الاميركية الجديدة. وبعد معرفة ما سيؤول اليه العديد من الملفات ولا سيما الملف النووي، الذي يطبخ على نار هادئة في أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن، حيث قد تظهر بعض النتائج في غضون اسابيع قليلة.
الحل العسكري
بالعودة الى التهديدات الاميركية والاسرائيلية بضربة عسكرية تقوّض جهود ايران النووية، صار هذا الاحتمال ضعيفا، في ظل الحديث عن تطور ايراني في مجال الطاقة النووية. كما ان الاحتمال الذي لا يزال قائما في تصريحات بعض المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين المبطنة، صار بلا جدوى في نظر بعض أرباب السياسة في البلدين، مع تمسك الاوروبيين بأقصى العقوبات الاقتصادية كبديل عن الضربة العسكرية، مشددين على ان العقوبات تساهم في عزلة النظام الإسلامي؛ وهذا ما شهد عليه شاهد من اهله، حين كشف وزير النفط الايراني كاظم وزيري همانة أن الضغوط الدولية على المصارف الاجنبية "تعوق تمويل المشاريع النفطية في ايران"، اضافة الى تراجع حجم الاستثمارات الخارجية في قطاعات عدة في البلاد.يدعم هذا الاحتمال تصريحات طهران الأخيرة عن ان المطالبة بتعليق تخصيب اليورانيوم قد "فات اوانه"، بالتزامن مع اعلانها عن امتلاك تقنية التخصيب الصناعي لليورانيوم.ولعل ابرز "المفاجآت" التي كان قد وعد بها الرئيس الايراني نجاد العام الماضي، قد تم الاعلان عنها على لسان نجاد نفسه في نيسان/أبريل الماضي، ومن مفاعل ناتانز بالذات، حين قال إن ايران توصلت الى "المرحلة الصناعية" من تخصيب اليورانيوم.
ضربة عسكرية مؤجلة
هذا الاعلان الذي لم يضف اليه الرئيس الايراني أية تفاصيل، عززه خبراء في مجال الانتشار النووي، باعتبارهم انه يمكن التوصل الى المرحلة الصناعية اثر تشغيل ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي. وبحسب مسؤول رفيع المستوى قريب من وكالة الطاقة، فإن الجمهورية الاسلامية سيكون في مقدورها تشغيل ثلاثة آلاف جهاز لتخصيب اليورانيوم في نهاية حزيران/يونيو الماضي او نهاية تموز/يوليو الحالي.واضاف انه فيما لو تمكنت طهران من الوصول الى هذه المرحلة فهذا يعني انها ستتمكن في غضون عام، من انتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة ذرية.غير ان المفارقة تكمن في تصريحات المدير العام لوكالة الطاقة محمد البرادعي، الذي يبدو انه غير مقتنع بهذه المقولة، فهو يشير الى ان ايران تحتاج ما بين 3 إلى7 سنوات لامتلاك هذا السلاح. في حين ينقل دبلوماسي في فيينا عن البرادعي نفسه، ان ايران قد ترفع عدد أجهزة الطرد الى ثمانية آلاف بحلول نهاية كانون الاول/ديسمبر القادم.وهذا الحديث عن التطور الايراني يعززه أيضا تقرير البرادعي نفسه الذي نشرت بعض تفاصيله صحيفة "التايمز" اوائل حزيران/يونيو الماضي، والذي افاد أن المهندسين الايرانيين يستعملون ما يقارب الـ 1300 جهاز طرد مركزي منذ أيار/مايو الماضي، وأنهم ينتجون وقوداً قادراً على تشغيل المفاعلات النووية.لعل هذه المعطيات هي التي تؤخر تحرك الغرب نحو توجيه ضربة عسكرية قد لا تُحمد عقباها، فيما صار بعض مسؤولي الحكومات وخبراء الأمن على قناعة بأن "الوقت قد فات لمنع ايران من الحصول على القنبلة"، وفقا لما قاله الباحث في معهد "كارينغي" للسلام الدولي في الولايات المتحدة جون وولفستال.وربما كان الاعلان عن زيادة أعداد اجهزة الطرد المركزي، محاولة ايرانية ناجحة لفرض أمر واقع جديد يخضع له الاوروبيون في محادثاتهم مع ايران، بيد ان هذه المحاولة، بحسب المفتش السابق لدى الامم المتحدة، ديفيد اولبرايت "ستحد بشكل كبير من فرص التفاوض مع الاوروبيين".لكن في أي حال هناك أحاديث تدور عن واقع جديد بدأ يفرض نفسه، يؤكد ذلك المحلل الاسرائيلي في نشرة "جيينز" العسكرية البريطانية، آلون بن ديفيد، بقوله إن "البعض داخل اسرائيل يتحدث فعلاً عن القنبلة الايرانية كقضية مسلم بها يتعين التعايش معها"، فيما يقر مسؤولون اسرائيليون في المحافل الخاصة بأن الخطر الوشيك الذي يرونه لا يكمن في معركة بالصواريخ النووية مع ايران لكن في تنامي فرص نشوب حروب "تقليدية" استنادا الى القول بأن طهران ابطلت سلاح الردع الاستراتيجي الاسرائيلي.وهذا ما عبر عنه المؤرخ العسكري الاسرائيلي ميخائيل اورين بقوله: "عام 1973 حوّل الخيار النووي الاسرائيلي حربا كان من الممكن ان تكون حربا على حق الوجود الى صراع محكوم".وأضاف إن وجود "ايران المسلحة نوويا يغامر بتحويل الصراع المحكوم الى صراع اقليمي وعالمي".
إطمئنان اسرائيلي
واذا كان الاعلان عن وصول جمهورية الملالي الى مرحلة تشغيل 3000 طرد مركزي قد اثار كل هذه الزوابع فكيف سيكون عليه الحال في ما لو تحققت "نبوءة" رئيس الوكالة الايرانية للطاقة الذرية غلام رضا اغازاده، التي اطلقها في العاشر من نيسان/أبريل الماضي، والتي تفيد ان ايران مصممة على تثبيت 50 الف جهاز طرد مركزي في مصنع "ناتانز" لتخصيب اليورانيوم؟.بيد ان الجانب الاسرائيلي الذي يبدو انه أكثر حرصا على عدم امتلاك ايران للتقنية النووية حتى لو كانت سلمية كما تقول طهران، يحاول في الوقت نفسه الايحاء ان الخطر وان كان حاصلا فهو مؤجل وهذا ما بدا واضحا في رد مسؤول عسكري اسرائيلي على ما كشفته مجلة "تايمز" حيث نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عنه قوله: إن المعلومات الواردة في المجلة الاميركية لا تغير من تأكيد الجيش الاسرائيلي على أن ايران لن تكمل إنتاج قنبلتها النووية قبل نهاية العقد الحالي.ويشير الخبراء المعنيون بدراسة ابعاد البرنامج النووي الايراني، الى انه حتى لو امتلكت ايران قنبلة نووية فهدفها الاول سيكون تفادي أي هجوم تقوده الولايات المتحدة. كما ان أمامها سنوات قبل ان تصل الى كفاءة الترسانة الاسرائيلية المتقدمة التي يعتقد أنها تضم ما يتراوح بين 80 و 200 رأس نووية.لكن في ظل ازدواجية المعايير حول شؤون الشرق الاوسط ووضع اسرائيل كطفل مدلل في المنطقة، يبدأ التخطيط الاستراتيجي النووي بالتفريق بين الدول التي تملك أقوى سلاح من أسلحة الدمار الشامل وتلك التي لا تملك هذه الاسلحة، فقنبلة واحدة تعطي حق الانضمام الى هذا "النادي" الذي توفر عضويته ميزة هائلة في الصراعات غير النووية.ثمة اسباب عدة تدفع الغرب لعدم الموافقة على توجيه ضربة عسكرية ضد الجمهورية الاسلامية، مع بقاء هذا الاحتمال قائما طبعا في ظل شعور اسرائيل بالخطر الايراني "غير التقليدي" هذه المرة.لكن النزاع السياسي الذي يدور في أروقة الإدارة الاميركية بين اتجاه الصقور الذي يمثله نائب الرئيس ديك تشيني، وبين اتجاه آخر يفضل التماهي مع الموقف الاوروبي، تمثله وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، قد يكون أحد مصاديق هذا التراجع للاحتمال العسكري.هذا من دون ان نتجاهل طبعا المناورات العسكرية الايرانية التي تكثفت في الأشهر الأخيرة، والتي كانت تقترن دائما بتهديدات المسؤولين الايرانيين في شأن صد الاعتداء المفترض وحماية الأمن القومي للبلاد. في هذا السياق لا بد من الأخذ في الاعتبار ما يمكن ان ينتج عن سيطرة الايرانيين على مضيق هرمز، والذي يعتبر المنفذ الأساسي للنفط الخليجي المُصّدر نحو دول العالم، هذا ما يفسر الخسائر الاقتصادية والتجارية التي يفكر بها الغرب جيدا قبل إقدامه على مغامرة غير محسوبة العواقب.
*كاتب وصحافي لبناني
مجلة "الراي الآخر" العدد11 تشرين الاول 2007

هيكليّة إيرانيّة جديدة للتفاوض في مناخات الحرب!

معمر عطوي
يستأنف الوفد النووي الإيراني اليوم في روما، محادثاته مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، برئاسة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الجديد سعيد جليلي، الذي حل مكان علي لاريجاني في تعديل يرى خبراء أنه يصب في إطار الهيكلية الجديدة التي تعدها طهران لمرحلة الحرب الأميركية المرتقبة عليها.وتعكس استقالة لاريجاني، الذي سيحضر محادثات روما اليوم بصفته ممثلاً للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، على ما يبدو، التباين بين وجهتي نظر كل من الأمين السابق لمجلس الأمن القومي والرئيس محمود أحمدي نجاد في كيفية إدارة التفاوض مع الغرب، الذي يمكن وضعه في سياق اختلاف الاجتهادات داخل مدرسة المحافظين.ومعروف أن رؤية لاريجاني كانت تقتضي البحث عن حلول وسط على غرار وقف مرحلي للتخصيب، كما حدث في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي. مقاربة لا تنسجم مع سياسة نجاد الذي يرى وقف التخصيب خطاً أحمر. موقف أعاد تأكيده أمس وزير الخارجية منوشهر متكي في رسالة إلى نظيره الفرنسي برنار كوشنير، نشرتها أمس وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء «اسنا»، وجاء فيها أن «إيران لن تسمح بقمع حقِّها في التكنولوجيا النووية من خلال استخدام أدوات مثل مجلس الأمن والعقوبات الاقتصادية وتهديدات أخرى لا يمكن أن تحرم أمتنا أو حكومتنا من قرارها ولو للحظة».وكانت الحلقة الأخيرة من الخلاف بين نجاد ولاريجاني قد ظهرت إلى العلن عقب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران الأسبوع الماضي. وقتها، أعلن لاريجاني أن سيد الكرملين حمل رسالة «نووية» روسية الى خامنئي، وهو ما كذبه نجاد فوراً، في موقف هو تكرار لمواقف مماثلة كان ينفي فيها الرئيس الإيراني تصريحات أمين المجلس الأعلى للأمن القومي بإمكانية بحث وقف مرحلي لتخصيب اليورانيوم. مع العلم أن عضو مجلس الخبراء آية الله جواد آملي كان قد أكد تقديم اقتراح «نووي» روسي لطهران، من دون أن يفصح عن مضمونه.ويرى الخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور طلال عتريسي أن استقالة لاريجاني وما سبقها من إقالات واستقالات، كانت آخرها إقالة قائد الحرس الثوري الإسلامي يحيى رحيم صفوي في أيلول الماضي، إضافة الى تداعيات قرار خفض توزيع البنزين، تصب كلها في السياسة الجديدة للمحافظين الإيرانيين بما ينسجم مع مرحلة الحرب المحتملة.فرضية كهذه يؤكدها أيضاً الباحث الأردني الدكتور نبيل أبو العتوم، الذي يشير إلى مسؤولية وزير النفط السابق كاظم وزيري هامانه عن عدم إتمام مشاريع بعض المصافي التي كان يجب أن تستعمل لتوفير مزيد من البنزين بدلاً من الاستيراد من دول الخليج، وتخفيف الاعتماد على الخارج تحسباً لأي طارئ، وخصوصاً في ظل تزايد احتمال توجية ضربة عسكرية لإيران.ومع تكرار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية أمس، التأكيد على أن إيران لا تمثل تهديداً وشيكاً، وأنه يلزمها «من ثلاث الى ثماني سنوات» لحيازة سلاح نووي، بدأت سياسة العقوبات الأميركية تؤتي ثمارها، مع إعلان شركة «لوك أويل»، ثاني أكبر شركة نفط روسية، وقف أعمالها في مشروع أناران النفطي في غرب إيران، الذي تنفذه مع شركة «نورسك هيدرو» النرويجية، حسبما ذكرت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء.
الاخبار٢٣ تشرين الأول07

7‏/10‏/2007

سيرة ذاتيّة تؤرّخ للتحوّلات السياسيّة برؤية نقديّة

متذبذب بين التيّارات بعيداً عن الأيديولوجيا

معمر عطوي
يمكن وصف كتاب «قيادات وهزائم» للكاتب الصحافي نهاد حشيشو، الصادر عن دار عشتروت في بيروت، بالسيرة الذاتية التي تؤرّخ لمراحل سياسية وتحوّلات ليس فقط على الساحة اللبنانية التي كان حشيشو أحد الناشطين في «معمعتها»، بل أيضاً على المستوى الدولي من خلال معايشته لظروف بعض دول المعسكر الاشتراكي، ولا سيما ألمانيا (الشرقية)، التي درس في جامعاتها، وتزوّج فيها ريناتا، التي أنجبت ابنهما زياد.يبدو حشيشو في كتابه السردي التأريخي، الذي يقترب من نوع الرواية من دون أن يتمتّع بتقنيّتها الأدبية، ذلك المناضل الذي مُني مثل الكثيرين من أقرانه بهزائم القيادات «الوطنية والقومية» وسقوط أحلام الماركسية، لينتقل من يسار الوسط إلى اليمين، ليصبح السؤال الأساسي، الذي يمكن استشفافه عند كل محطة من محطات الهزيمة العربية، وعند كل سقطة من سقطات القادة «سؤال كبير ومحير، ومثير، كما العديد من الجنسيات: لماذا نحن محكومون بهذا القدر الكبير المتواصل والمتمادي من الهزائم؟ وإلى متى؟ ومن هم المسؤولون عن كل ما جرى ويجري لبلداننا وشعوبنا، خلال هذه العقود الطويلة والمملّة من الزمن؟».تجربة غنيّة تتأرجح بين البعد الإنساني الحميمي العاطفي والبعد السياسي الحزبي وتحوّلاته. تجربة عرّفته على قيادات وشخصيات كان مصيرها السقوط، من بينها صدام حسين وبعض قادة اليسار العربي والأوروبي.ينشأ الكاتب في بيئة صيداوية محافطة، ليعايش أحداثاً وتحوّلات عصفت بالعالم بدءاً من نكبة فلسطين وتداعياتها، مروراً بسقوط الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الاشتراكي، وصولاً إلى أزمات لبنان المتتالية وقضية تحرير جنوب لبنان في عام 2000.يحاول الكاتب من خلال عرض أبرز محطّات نضاله مع الحزب الشيوعي اللبناني وعلاقاته مع تيارات يسارية عديدة، رسم مسار طويل لم يوفَّق أحياناً في الحفاظ على سياقه، يبدأ من رؤية ماركسية ثورية للتغيير ثم ما يلبث أن يتذبذب بين أممية شيوعية وقومية عربية، كان أحد تجلّياتها عمله مع التنظيم الشعبي الناصري رغم تأكيده أنه لم يكن ناصرياً، وصولاً إلى انخراطه في الحملة الانتخابية للنائبة بهية الحريري.كان نهاد حشيشو واضحاً في سرديته، لجهة عدم خضوعه لسطوة الأيديولوجيا، بل بدا أنّه كان يسعى إلى العمل والنشاط السياسي، برؤية نقدية لن توفّر حتى أقرب المقرّبين منه. لهذا كان في مراحل عديدة مثال الحزبي الناشط على مستوى العلاقات والاتصالات والمبادرات السياسية رغم عدم التزامه تنطيمياً بالحزب الشيوعي الذي غادره مبكراً كعضو، لكنه ظلّ ملازماً له في فكره وعلاقاته ونشاطاته. ربما وفّرت له هذه العلاقات مناخات مكّنته من رصد الأداء السياسي للقيّمين على التجربة الشيوعية التي كانت محلّ نقده في أحيان كثيرة، ولا سيما خلال إقامته في ألمانيا الشرقية، قبل أن يتحوّل إلى عضو ناشط في الحركة الوطنية اللبنانية أثناء الحرب الأهلية، حيث بدأت تظهر التحولات الجذرية في قناعاته السياسية

الأخبار17-10-07

3‏/10‏/2007

نضال الكوبيّين في وجه عصابات «اليانكي»




معمر عطوي
وثيقة تاريخيّة لمواجهة لا تزال قائمة
يأتي تعريب «إعلان هافانا»، في الذكرى الـ45 لصدور البيان الثاني الذي أصدره الزعيم الكوبي فيديل كاسترو في عام 1962، ليؤكّد استمرار «أعمال التخريب» الاقتصادي على أيدي عصابات «اليانكي» الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتّحدة، حتى اليوم، في ما يشبه إعادة صياغة للأحداث، وإن أصبحت اليوم أكثر خطورة في عالم القطب الواحد، مع اتساع سيطرة الثورة التقنية الحديثة.كتاب «إعلان هافانا»، هو عبارة عن بيانات النضال الثوري في الأميركيّتين، كما تبنّاهما الشعب الكوبي. أصدرت دار «باث فاندر» في نيويورك، النسختين الإسبانية والإنكليزية منه، قبل أن تعرّبه دار «دياثناس فيما» اليونانية في آب الماضي.«إعلان هافانا» هو عبارة عن إعلانين: الأول كان في 2 أيلول 1960، والثاني صدر في 4 شباط 1962، وتبنّاهما التجمّع العام الوطني للشعب الكوبي.في الإعلان الأوّل، يدين الشعب الكوبي الوثيقة التي «تهين» سيادة وكرامة شعوب القارة، وحقّ كلّ أمّة في تقرير مصيرها، في إشارة إلى اجتماع منظّمة الدول الأميركية الاستشاري الذي عُقد في سان خوزيه في كوستاريكا صيف 1960، والذي وافقت خلاله المنظمة على إعلان وثيقة تنصّ على أنّ كل الدول الأعضاء يجب أن «يخضعوا لإرادة النظام عبر الأميركيتين» بإملاء الولايات المتحدة.ويتضمن هذا الإعلان تسع نقاط، منها إدانة إعلان سان خوزيه، وإدانة إمبريالية الولايات المتحدة «لهيمنتها الكبيرة والإجرامية» المستمرّة. ويرفض فيه التجمع العام لشعب كوبا محاولة تخليد «منظومة مونرو» التي تُستعمل «لتمديد الهيمنة في أميركا لحساب إمبرياليّين جشعين، كما رأى خوسيه مارتي..».ويرى البيان أن عرض الاتحاد السوفياتي لمساعدة كوبا إذا تعرضت لغزو من قوات عسكرية إمبريالية «ليس تدخّلاً، بل هو فعل تضامن». ويُنكر في الوقت نفسه وجود أي نية لدى الاتحاد السوفياتي أو الصين الشعبية، «لاستغلال الوضع الاقتصادي أو السياسي لكوبا، لكسر الوحدة القارية، وتهديد وحدة نصف الكرة».يبدأ الإعلان الثاني، بمقتطفات من رسالة كتبها خوسيه مارتي عشية مقتله برصاصة إسبانية في عام 1895. وفي جدل فلسفي ـــــ اقتصادي بمقولات ماركسية، يلفت انتباه القارئ إلى مقولة: «يأتي الرأسمال إلى العالم ينقط دماً ووحلاً من كل مسامه».لعلّ أبرز ما يتضمّنه هذا الكتاب هو مجموعة من الأسئلة المحورية التي يطرحها الإعلانان، التي كان أبرزها: هل بإمكان الرأسمالية أن تخدم مصالح الكادحين؟ 3-10-2007

ألمانيا بطلة أوروبا

معمر عطوي
لم تعد القمامة (الزبالة) عبئاً على البشرية كما كانت من قبل، أقلّه في الدول المتحضِّرة، التي عرفت كيف تجعل من القمامة، وسيلة لزيادة الدخل والنمو الوطنيين، بدلاً من كونها عامل تلويث للبيئة وسبباً لتفشي الأمراض.وقد تبوّأت ألمانيا مركز الصدارة في البحث عن إمكانات للحد من التلوّث، فازدهرت فيها «تجارة» القمامة، إلى درجة، أصبحت معها الدوائر المختصة تشتري نفايات الدول المجاورة من أجل إعادة تصنيعها. وخصصت لهذه الغاية أكثر من 80 محرقة يمكن استخدامها في هذه العملية الإنتاجية.صحيفة «زود دويتشه» أجرت تحقيقاً موسّعاً تحت عنوان «ألمانيا أستاذة النفايات»، تناولت فيه مراحل التطور على هذا الصعيد، خلال العامين الماضيين، حيث جرى إنشاء حوالى 200 مستودع للقمامة في البلاد.عزَّز هذا التطور الإجراءات التي تفرضها الحكومات الاتحادية، على المواطنين بضرورة فرز القمامة (بلاستيك، ورق، زجاج، مأكولات، بطاريات إلخ...)، ما يؤدي إلى الاستفادة من كل نوع من هذه الأنواع في مجال معيّن.ويبدو من خلال التحقيق أن عملية تعزيز المنشآت الخاصة بالحرق أو إعادة الإنتاج، عملية مربحة، وقد خصصت ألمانيا مستوعبات تتسع لـ 13 مليون طن تقريباً من الزبالة في السنة، وقد تم إحراق 18 مليون طن منها لهذه السنة، وعملية الحرق لا يقصد منها فقط الاحتراق، بل أيضاً إعادة التصنيع.وتنقل «زود دويتشه»، عن أحد المراقبين الاقتصاديين، أنه نتيجة هذه التطورات، اختفت «جبال» القمامة من بعض المناطق. ويقول الخبير البيئي في جامعة كيل (شمال ألمانيا) هيرمان كروزي، أن «فوائد نظام التحويل هذا تنعكس على الجهاز العصبي للإنسان، وعلى عملية التنفس، والأمراض الجلدية، مؤكداً أن المخاطر التي تأتي من خلال الاحتراق التقليدي أعلى بكثير من تحويلها». وقد أحصى مركز الدائرة الاتحادية، 565 كيلوغراماً من القمامة لكل بيت ألماني، في السنة.
عدد الاربعاء ٣ تشرين الأول