17‏/11‏/2012

إجازة من عهر السياسة

معمر عطوي
جميل أن يرتاح المرء ولو لإسبوعين فقط من عناء متابعة مهاترات سياسيي لبنان والعالم العربي في محطات التلفزة والإذاعات والصحف وصفحات الانترنت على اختلافها.
والأجمل أن يأخذ الكاتب المُراقب إجازة ولو قصيرة من مهنة الكتابة، علّه يكتشف جوانب أخرى جميلة من الحياة، أجمل من عُهر السياسة ونفاق أقطابها.
في هذه الأيام التي نعيشها، حيث يختلط حابل الثورات العربية بنابل المؤامرات الدولية، ويمتزج الصراع على المصالح والنفوذ برائحة الحقد الديني الدفين منذ آلاف السنين، يجد المرء أن جلّ ما يحتاجه إجازة صغيرة يرتاح خلالها من التحليل والتفكير والتمحيص والاستبصار.
إجازة يحاول خلالها المرء إعادة فهم تركيبة مخّه التي بدت عاجزة عن إدراك المُصطلحات السياسية المُستخدمة في التخاطب. ويحاول خلالها وضع تركيبتي العقل والعاطفة على مشرحة التحليل، لاكتشاف ما بينهما من تداخل وتأثر وتأثير ينعكسان على صورة التحليل السياسي الذي يخرج به الكاتب الى قرائه.
نعم جلّ ما نحتاجه إجازة صغيرة تعيد رسم خريطة تضاريس أدوات الفهم والتفاعل داخل الجسد مع الخارج، ليخرج التحليل بأقل خسائر ممكنة من الانحياز أو الرجوع الى اللاوعي في تأييد ما لا يجوز تأييده. إجازة فقط للإطمئنان على الأدوات المعرفية المًستخدمة في الفهم والتلقي ومن ثم القراءة والتحليل وصولاً الى إبداء الموقف.
بصراحة، ما عدت أفهم شيئاً من المشهد العربي المترامي بأطرافه المُتناقضة، وما عدت أدرك من هو صاحب الأحكام المزدوجة المعايير؛ الولايات المتحدة التي تقف مع إسرائيل ضد الفلسطينيين وتزعم وقوفها مع الشعوب المُضطهدة في سوريا وليبيا ومصر وتونس، أم إيران التي تقف مع أهل البحرين في انتفاضتهم المُحقّة فيما تساند النظام في عاصمة الأمويين ضد شعبه المظلوم، أما الإسلاميّين الذين يطلقون مواقفهم بما ينسجم مع مصالحهم السياسية والاقتصادية وما يتماهى مع نزعتهم المذهبية المتخلّفة، فيزعم أقطاب هذا الفريق منهم أنهم ضد بشار الأسد لأنه يقتل شعبه، وفي الوقت نفسه نراهم في أحضان زعماء عرب تآمروا مراراً على فلسطين ودعموا الصهاينة من تحت الطاولة، وهؤلاء الزعماء بالمناسبة ليسوا أقل استبداداً ولا أقل تخلفاً وإجراماً ودموية من حكم آل الأسد.
كذلك، يزعم أقطاب الفريق الآخر أنهم ضد الثورات في سوريا وليبيا واليمن وغيرها، لأنها مدعومة من حلف شمال الأطلسي، متناسين مواقفهم التي كانت منذ سنوات قليلة تغض النظر عن شريحة من الساسة العراقيين الذين رحبّوا بالاحتلال الغربي وسهّلوا غزو العراق وأسسوا بلاد الرافدين على تركيبة طائفية مقيتة، كل ذلك تحت ذريعة ظلم صدام حسين العفلقي.
هناك من ينتقد تلك الجهة لأنها غازلت اسرائيل أو أميركا ويتعامى عن رؤية جماعته وهي جالسة في احضان رموز صهيونية وأميركية. وهناك الكثير من البشر اليوم يرشقون زجاج جيرانهم بالحجارة وبيوتهم من زجاج، يرون القشة في عيونه غيرهم ولا يشعرون بالجذوع في عيونهم.
بالفعل، إنه زمن العهر السياسي بامتياز، حيث النفاق والدجل والتقيّة في إطلاق المواقف. إنها السلطة التي تعمي عن النظر بعقلانية وتجعل الضحية مشروع جلاد جديد. الأمر الذي يجعلني أصرخ: إجازة يا محسنين.
"برس نت" 17 تشرين الثاني 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق