16‏/11‏/2010

«ألبا» في قبضة «السي آي إيه»!

منظمات أوروبيّة غير حكوميّة تساعد في حصار اليسار اللاتيني

لم تكن محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها جمهورية الإكوادور قبل شهرين، وليدة صدفة، أو مجرد فعل تمرد داخلي، بمعزل عن التدخل الخارجي، ذلك أن بصمات الولايات المتحدة، ومعها بعض الدول الأوروبية، واضحة في مخططات تغيير هوية بلدان أميركا اللاتينية اليسارية بمعظمها من خلال دعم انقلابات ومؤامرات لعزل رؤساء يقفون في مواجهة الهيمنة الإمبريالية على الحديقة الخلفية للبيت الأبيض. في شهر تموز من صيف العام الحالي، أفردت مجلة «غيهايم» الألمانية المتخصصة بالشؤون الأمنية، معظم صفحاتها للحديث عن التدخل الأميركي ـــ الأوروبي في أميركا الجنوبية والوسطى، مسلطّة الضوء على مؤامرات لتغيير هوية المنطقة



معمر عطوي

تناولت مجلة «غيهايم» الألمانية، في عددها الصادر في شهر تموز الماضي، محوراً يتحدث عن خطط قامت بها واشنطن، «بتواطؤ» أوروبي للقيام بانقلاب في فنزويلا، «لتغيير النظام» من خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت في 26 أيلول الماضي.

ويبدو أن فوز حزب الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، قد فوّت الفرصة على المعارضين الموالين للغرب، ولم يحدث أي تدخل واضح في فنزويلا، بل حدث ذلك في الإكوادور، التي تدور بدورها في كنف الدول ذوي الصبغة اليسارية. فما جرى للرئيس الإكوادوري، رافائيل كوريا، شبيه إلى حد ما بما جرى لرفيقه الفنزويلي في عام 2002. ولعل انقلاب هندوراس، الذي أقيل بموجبه الرئيس مانويل زيلايا المعروف بـ«ميل»، في صيف العام الماضي، يدخل في سياق هذا المخطط. فالولايات المتحدة، حسبما ذكرت «غيهايم» لجأت إلى استغلال نفوذ منظمات مدنية غير حكومية تابعة لأحزاب أوروبية، لإحداث تغيير في المنطقة. وذكرت المجلة عدة منظمات مثل «كونراد أديناور»، التابعة للحزب المسيحي الديموقراطي الألماني، الحاكم، ومنظمة «فريدريش ناومان» التابعة للحزب الديموقراطي الحر، وهو حزب حليف في الائتلاف الحاكم في ألمانيا.

ومن شأن البرامج الاجتماعية والسياسية والتربوية التي تقوم بها هذه المنظمات وتدعمها، تسهيل دحر اليسار البوليفاري، في دول ما يسمى مجموعة دول البديل البوليفاري (ألبا) (تضم كلاً من فنزويلا، والإكوادور وبوليفيا وكوبا وهندوراس ونيكاراغوا ودومينيكا وأنتيجغا وباربودا وسانت فنسينت والغرينادينز في أميركا اللاتينية).

وبالعودة إلى ما حدث في الإكوادور، كان من الطبيعي أن يلقي كوريا بمسؤولية محاولة الانقلاب على سلفه في قصر الرئاسة، لوسيو غوتيريز. لكن ما كشفه الصحافي الكندي، جان غاي إيلارد، استناداً إلى تقرير وزير الدفاع خافيير بونس، في تشرين الأول 2008، يفيد بأن الدبلوماسيين الأميركيين منحوا الشرطة الإكوادورية والعسكر المال منذ وقت طويل، الأمر الذي دفع وزير الدفاع، إلى تهديد المسؤولين والضباط، بعقوبات إذا تقاضوا أموالاً من السفارة الأميركية.

«غيهايم»، أشارت إلى السفيرة الأميركية السابقة في كيتو، هيثر هودغيز، التي اعترفت بالتعاون مع المؤسسات العسكرية في الإكوادور بقولها: «نحن نعمل مع حكومة الإكوادور، مع الجيش، ومع الشرطة لغرض مهم جداً، هو الأمن لنا جميعاً».

لكن الصحافية التحقيقية، إيفا غولينغر، كشفت عن أن هودغيز تمكنت من إنماء منظمات تدعمها وزارة الخارجية الأميركية، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمؤسسة الوطنية للديموقراطية. وصرفت الوكالة الأميركية للتنمية وحدها في عام 2010 نحو 38 مليون دولار في أعمالها في الإكوادور. والتمويل لم يشمل فقط الجماعات المدنية المعادية لكوريا، بل أيضاً منظمات السكان الأصليين الهنود.

ويرى رئيس تحرير مجلة «غيهايم»، إنغو نيبل، أن «الأحداث التي جرت في الاكوادور تثبت مرة أخرى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يزالون على استعداد لاستخدام الانقلاب كأداة سياسية». ويكشف نيبل دوراً لمؤسسة «كونراد أديناور» (KAS) ، ومؤسسة «فريدريش ناومان» (FNS) الليبرالية، في انقلاب الهندوراس، 2009.

ويرى أن المرشح المقبل على قائمة الاغتيالات هو نيكارغوا عضو «ألبا»، مشيراً إلى أن مسؤول «FNS»، كريستيان لوث، الذي أيد الانقلاب على زيلايا، لا يزال يصوّب الآن نحو الرئيس السانديني، دانيال أورتيغا (الجبهة الساندية).

وبدا من وراء الهجوم على نيكاراغوا، أن الهدف الاستراتيجي هو حكومة الثوار في كراكاس ثم هافانا، حسبما يقول نيبل في مقال بعنوان «أولاً فنزويلا وبعد ذلك كوبا».

وفي كتاب بعنوان «السي آي إيه في إسبانيا»، يُبين الباحث الشهير الفريدو غريمالدو، من مدريد، كيف «تدير المؤسسات الألمانية برامج في ستين بلداً، حيث صرفت نحو 150 مليون دولار أميركي». ويشير إلى «أنهم يعملون في سرية تامة تقريباً».

ويستشهد الكاتب الإسباني بقول لعميل سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، يدعى فيليب أغي، نشره في صحيفة «زونا سيرو» في آذار عام 1987، يفيد بأنه من ضمن «برامج الديموقراطية» التي أعدتها الوكالة المركزية، استخدمت هذه الوكالة المؤسسات الألمانية لـ«توزيع أموال السي آي إيه»، على الرغم من أن هذه الوسيلة تفيد مصالح الولايات المتحدة.

وفي مقال بعنوان «ضد الروابط الكوبية»، كتب جين غاي إيلارد في مجلة «غيهايم»، أن «المؤسسة الألمانية جزء من «الحركة العالمية للديموقراطية»، التي أنشأتها «المؤسسة الوطنية للديموقراطية». وجرى تمويلها من الوكالة الأميركية للتنمية، التي تمثل الواجهة الرئيسية لوكالة الاستخبارات المركزية».

أمّا الكاتبة الألمانية الخبيرة بشؤون أميركا اللاتينية، سوزان غراتيوس، التي ابتُعِثت للبحث لمصلحة مؤسسة «فريدي» في إسبانيا مدة خمس سنوات، فوصفت في تقرير «متفجّر» بالتفصيل، كيف تدعم مرافق تابعة للولايات المتحدة إلى جانب «كونراد أديناور» و«فريدريش ايبرت»، منظمات المجتمع المدني في فنزويلا بالمال، وتأهيلها للكفاح ضد الحكومة. وتقول إن ما بين 40 و50 مليون دولار سنوياً، تتدفق الجمهورية البوليفارية.

السؤال الذي يطرحه محور النقاش في مجلة «غيهايم»، هو أن إرسال الولايات المتحدة لعشرين ألف جندي أميركي مدججين بالسلاح إلى هايتي، بذريعة إغاثة المنكوبين من الزلزال في كانون الثاني الماضي، هل يهدف إلى تطويق دول «ألبا»، بدءاً بكوبا، ولا سيما أن هايتي تقع على الساحل الغربي للجزيرة الشيوعية.







--------------------------------------------------------------------------------



الصحف الأميركيّة: معارضة لا انقلاب



الصحافة في أميركا اللاتينية الخاضعة لهيمنة الولايات المتحدة، قلّلت من شأن الأحداث في الإكوادور، حسبما لفت الصحافي الكندي جين غاي، ولم تشر إلى وقوع انقلاب، بل إلى معارضة داخلية بسبب مشروع قانون إعادة تنظيم القطاع العام التقشفي، الذي ينص على قطع عدد من مكتسبات الشرطة والجيش المالية ويطيل مدة الترقي الآلي من 4 إلى 7 سنوات. لكن الرئيس رفائيل كوريا يصرّ على أن «محاولة انقلاب حصلت»، حسبما نقلت عنه صحيفة «دياريو لاس. أميركا» التي تصدر في ميامي. الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي ذاق طعم مرارة الانقلابات المدعومة أميركياً، اتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراء التمرد، رافضاً القول إنها انتفاضة عفوية. فالرئيس اليساري السائر «أنتي أميركا»، كان حريصاً على الاتصال بنحو متواصل مع نظيره الإكوادوري خلال محنته. ففي مقابلة مع قناة «تيليسور»، أعلن قائد الثورة البوليفارية، أن كوريا في خطر، ملقياً بالمسؤولية على اليمين المتطرف.







الأخبار:١٦ تشرين الثاني ٢٠١٠ 

10‏/11‏/2010

إطلالة على إيران بلد المفارقات العجيبة


بدت طهران من نافذة الطائرة، في الساعة التاسعة ليلاً، متناسقة بهندسة شوارعها ومبانيها، مشعّة بأضوائها التي لا تنطفئ، مزدانة بنوافير مياهها العالية التي تحاكي جبالاً تحيط بالمدينة المكتظّة مثل أمّ حنون. هنا قد يصبح الحديث عن العقوبات الدولية ضرباً من الخيال لولا ملاحظة تأثر الشارع بلسعة الحصار وتداعيات الاضطرابات الداخلية التي لا تزال آثارها واضحة

طهران ــ معمر عطوي
حين تطأ أقدامك أرض مطار الإمام الخميني في طهران، تستقبلك الأزهار والنباتات الطبيعية والاصطناعية من كل جانب. منظر الخضرة هنا هو أحد أهم عناصر المشهد في وريثة الإمبراطورية الفارسية. منظر لا يشغلك عمّا تعيشه إيران من ضغوط وعقوبات ومحاولات دولية لعزلها بسبب برنامجها النووي الذي تصرّ على سلميّته، فيما يصرّ الغرب على ترسيخ هاجس عسكرته.
صورة الحصار الدولي سرعان ما تبدأ بالتراجع أمام حركة الأسواق والشوارع بالتوازي مع حراك سياسي دبلوماسي يُشعرك بمدى القطيعة مع ما يُحاك خارج الحدود من مؤامرات لزعزعة الدولة ـــــ الثورة. ثمة لامبالاة بكل ما يُفرض من عقوبات لليّ ذراع هذه الجمهورية التي تتسلّح بعقيدة دينية. ثمة كبرياء لدى القادة والشعب معاً أمام كل محاولات إجبار هذا البلد المثير للجدل على التخلي عن حقّه بامتلاك الطاقة النووية السلمية، «القطار الذي لن يتوقف». برنامج يبدأ بإيتاء ثماره خلال أشهر قليلة حين ينتج مفاعل بوشهر النووي (جنوب البلاد) نحو ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية.
مفارقات الخيال والواقع تبدأ بالتجلّي لحظة الوصول الى المطار، حيث بان ضعف التنسيق بين المؤسسات؛ موفد وزارة الثقافة الموكل باستقبال الوفد اللبناني المشارك في معرض وسائل الإعلام الدولي، لم يستطع تأمين استثناء للدخول من دون جلبة، فطال الانتظار على شبابيك الأمن العام، وتوسّعت دائرة تذمّر المشاركين. هنا لم تمنع جمالية المشهد الديكوري في صالات المطار، من ظهور الامتعاض على وجوه أعضاء الوفد اللبناني المدعو إلى المشاركة في المعرض الذي أُقيم في مصلّى الإمام الخميني بشمال العاصمة طهران. مشهد الامتعاض تكرّر أيضاً، أمام موظفي الفندق الفخم ومنسّقي إقامة «الضيوف» الآتين من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في المعرض. ضعف تنظيم لا يتلاءم بتاتاً مع «عظمة» بلد وصلت صواريخه الى الفضاء واقتحم لتوّه النادي النووي.
بيد أن حسن الضيافة والقلب الواسع في استيعاب نقد بعض التدابير وآليات التنظيم، يخفف من غلواء الامتعاض. لعلها سياسة طول النفس التي يتحلّى بها الإيرانيون في تعاطيهم مع الآخرين.
صحافيون من كل الطوائف والتوجهات، وسائل إعلام متعددة، وإن غلبت عليها شريحة تابعة لمحور «الممانعة». بعض الفتيات المرافقات، تحوّلن فجأة قبل هبوط الطائرة في المطار الى أخريات، إذ أرخين على رؤوسهن مناديل للتماهي مع النظام السائد.
ويمكن الزائر التمييز بين من ترتدي الحجاب عن قناعة عقائدية راسخة وبين من ترتديه استجابة لحالة اجتماعية ولما تقتضيه متطلبات النظام. ثمة شريحة تكسر لديك الصورة النمطية عن المجتمع المحافظ، من خلال أسلوب حياة يتماهى تماماً مع الصيحات الغربية. يبدو الحجاب في إيران لدى بعض الفتيات موضة أكثر منه تمسكاً بواجب ديني، فالتبرّج الظاهر على وجوه الفتيات وتلك الرقعة الصغيرة التي لا تكفي لتغطية كامل الشعر يشيان بواقع صعب ومعقّد لا يمكن سوقه بقوة «العقيدة».
أمّا الحديث عن جمال نساء إيران ومستوياتهن الثقافية، فقد لا تتسع له عجالة. وقد يصح القول: في هذا البلد، الذي تغطيه الغابات والحدائق، تتوافر بامتياز المياه والخضرة والوجه الحسن.
الناس رغم عدم إلمام الكثيرين باللغات الأجنبية، لطيفون ومتعاونون بما توافر من وسائل تخاطب وتواصل. يسارعون إلى إرشاد التائه أو العثور على كلمة مناسبة للتعبير، بكل ما أوتوا من قوة شرح.
أما سائقو سيارات الأجرة ـــــ على الأقل من رافقنا في تنقلاتنا ـــــ فلم يبدُ عليهم طمع بسائح دسم، بل كانوا يقبلون بمنطق المساومة في خفض الأجرة، من دون أي تذمّر. وللسائقين قصة أخرى مع البنزين، الذي أصبح متاحاً أكثر مع تطوير مصافي تكرير النفط؛ كانت إيران، البلد الرابع من حيث إنتاج النفط في العالم، تستورد منذ أسابيع قليلة أكثر من 40 في المئة من حاجاتها من البنزين المكرر. لكن في الأسابيع الأخيرة، يبدو أنها وصلت الى مرحلة قريبة من الاستغناء عن الاستيراد، حسبما يفيد أحد المقيمين في العاصمة الإيرانية.
«كأننا في دمشق»، هتف أحد الزملاء أثناء انتقالنا بالحافلة الى جامعة الإمام الصادق، سيارات الأجرة الصفراء، عبق المدينة، الأسواق المقفلة؛ مثل «الحميدية» الجبل المواجه يشبه «قاسيون». تشابه كبير بين المدينتين، ربما كان الأمر مجرد تخيّل بسبب طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران.
الشارع الإيراني مُسيّس بامتياز. فرغم كل الأحداث التي شهدتها البلاد إثر إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، وما رافقها من تشكيك بالنتائج وتظاهرات ومواجهات تبعتها اعتقالات ومحاكمات، لا يزال بعض الإيرانيين يعبّرون عن امتعاضهم من سياسة الحكومة الحالية. صورة الامتعاض هذه بدأت من صالة الانتظار (ترانزيت) في مطار الدوحة، حيث كان أحد الإيرانيين المقيمين في الخارج واضحاً في انتقاد الرئيس نجاد وسياسته الاقتصادية التي «رفعت نسبة التضخم وزادت البطالة».
للحديث هذا صلة تتواصل في شوارع ومحال شمال طهران الغني حيث تتجمع البورجوازية الإيرانية المعروفة بتوجهاتها المعارضة، خلافاًً للجنوب الفقير الموالي بأكثريته الساحقة للنظام. هنا، في شمال العاصمة الإيرانية، لا يخشى العديد من المواطنين التعبير عن آرائهم بنجاد الذي «يعادي الغرب بخطابه الاستفزازي»، بينما يرى أحدهم أن الزعيم المعارض مير حسين موسوي لن يكون بخلاف نجاد في فرض نظام إسلامي محافظ على الناس و«مصادرة حريتهم باسم الدين». تقول إحدى السيدات «ما نفع التقييد سوى زيادة عدد مدمني المخدرات ليصل الى أكثر من مليوني مدمن»، تقاطعها رفيقتها لتقول «كل شيء موجود في إيران. المنع أصبح شيئاً مضحكاً في عصر الإنترنت». بيد أن أحد الشباب ينبري ليعبّر عن تعجّبه من اتهام إيران بالتخلف والتضييق على الحريات، مقارناً بين بلده والسعودية بالقول «لدينا سينما ومسرح وفنون وزواج منقطع وتطورات تقنية هائلة وصناعة رائدة، ماذا لديهم في دول الخليج سوى التمسك بالتقاليد البدوية وتقليد الغرب في آن؟». نظرة استعلائية فارسية لها جذورها التاريخية التي عززها تخلّف العرب عن ركب الحضارة في العصر الحديث، وزادت من حدّتها حرب شنها العراق على إيران، في عهد الرئيس صدام حسين بين عامي 1980- 1988.
الفوارق الطبقية تبدو واضحة، نسبياً، بين شمال طهران الراقي الحافل بحركة إعمار ومظاهر رفاهية وأسلوب حياة غربي ممزوج بروحية المعارضة للحكومة، وبين جنوب فقير محافظ يتماهى تماماً مع تعاليم ولاية الفقيه ويسلّم أموره الى الحكومة «المهدوية».
فوارق لا تمنع معظم سكان المدينة بضفتيها، الشمالية والجنوبية، من نسج علاقة عشق مع الشعب اللبناني، ولا سيما الجنوبي منه، حيث يبادرونك دائماً حين يعرفون أنك من لبنان بالقول «أنتم من بلد حزب الله»... «كيف حال السيد نصر الله؟». ثمة حماسة ظاهرة للزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني الى بيروت، حيث لا تزال مدار أحاديث بين منتقد لتوزيع أموال النفط على اللبنانيين، وآخر مفتخر بدعم المقاومة و«الطبقة المحرومة» من الشيعة في لبنان.
يمتعض سائح أوروبي بشدة حين يقطع الشارع، وسط خطر الموت المحيط من جراء عدم توقف السيارات عند الإشارة الحمراء. يتساءل كيف يمكن دولة تنتج صواريخ باليستية وأقماراً اصطناعية أن تكون ضعيفة في مسألة تنظيم السير. يعلّق أحد المارة «ينبغي إنزال الحرس الثوري لتنظيم حركة السير بدل الشرطة المتقاعسة».
البضائع الأميركية والأوروبية متوافرة رغم الحصار، ولا قيود على بيعها. بيد أن أسعارها أغلى بقليل من دول الجوار. أمّا لوازم المعيشة فيبدو أنها لا تزال في حدود الممكن، فالثورة حققت بعض طموحاتها على طريق الاكتفاء الذاتي. لكن المثير في الأمر أن مطعم الفندق لم يقدم للوفود الإعلامية سوى شراب الكوكا كولا، يؤكد عامل المطعم أنه «لا وجود للبن ولا للعصير ضمن برنامج الضيافة». المفارقة أن الكولا هي رمز الشيطان الأكبر.
صورة الإرادة في تحقيق الاكتفاء الذاتي تتجلّى في العديد من القطاعات؛ معظم السيارات التي تسير في شوارع طهران هي من صنع إيراني، مثل «سورن» و«سمند» إضافة الى نماذج إيرانية من سيارات «بيجو» و«رينو» الفرنسية.
التقنيات الحديثة، ولا سيما على مستوى وسائل الاتصال، تظهر جليّة خلال جولة على مجمّع الإذاعة والتلفزيون في شمال طهران، حيث قنوات العالم والكوثر وإيران الرسمية والإذاعات الناطقة بالفارسية والعربية والكردية والطورانية والأذرية وغيرها.
ولبازار طهران حكاية أخرى لا تنتهي فصولها في أسطر. هنا يدرك الزائر أهمية البازار في تشكيل المشهد السياسي. تجار هذا السوق الضخم لديهم نفوذهم داخل الحوزة كما داخل أروقة الحكم.
في البازار تجد كل ما تشتهي نفسك من سلع ومأكولات وهدايا ومعدّات صناعية وأجهزة كهربائية وسجاد عجمي منسوج بعناية وكافيار فاخر وفستق وزعفران. قائمة لا تنتهي من السلع التي تؤكد أن البلاد تسير بعناد لتحقيق طموحاتها، رغم العقوبات والحصار.
مفارقات عجيبة في بلاد فارس، حيث الاحتفاظ بطقوس وتقاليد تبدو أحياناً كثيرة منافية للمنطق، وبين ظواهر تقدميّة تحاكي العصر الحديث بتقنياته المتطورة. وفي أي حال، تبقى رائحة النفط بعيدة عن عبق الشارع الذي يعيش لحظات انتظار ما بعد الحصار.



--------------------------------------------------------------------------------

قوميّات

لا يمكن الحديث عن شعب ذي لون واحد في إيران الذي يتخذ هوية فارسية ومذهباً شيعياً اثني عشرياً رسمياً للدولة يوجّه آفاق مستقبلها وحركتها السياسية والاجتماعية بتعاليم «مقدّسة». ثمة قوميات عديدة في إيران التي يتجاوز عدد سكانها 74 مليون نسمة. أعراق مختلفة معظمها من الفرس، إلى جانب الأكراد والتركمان والبلوش والأرمن والعرب وغيرهم.
أمّا دينياً، فرغم أن معظم السكان يتبعون للمذهب الشيعي الاثني عشري (89 في المئة)، وهو المذهب الرسمي للدولة، هناك نسبة من المسلمين السنّة، إلى جانب أقليات دينية أخرى، منها اليهود والمسيحيون والبهائيون والمندائيون والزرداشتيون. كما أن هذا البلد الذي تتجاوز مساحته مليوناً وستمئة ألف كيلومتر مربع، يحتضن أكثر من 110 لغات، أبرزها الفارسية والأذرية والكردية والعربية والبلوشية والعبرانية والأرمنية والمندائية والبختارية، وغيرها من اللغات غير المعروفة.



عدد الاربعاء ١٠ تشرين الثاني ٢٠١٠