4‏/10‏/2012

مسؤوليات «مقدّسة»

معمر عطوي
كثيراً ما نسمع بكلمة مسؤولية، وأكثر من ذلك نتغنىّ بالقيام بتنفيذها على أكمل وجه حين ننجح في حملها، بينما نهرب منها حين نجد أن عبأها أكبر من طاقاتنا على الاحتمال. وفي اي حال، المسؤوليات ليست مقتصرة على موضوع معين أو قضية واحدة، بل هناك لكل فرد منا مسؤوليات عديدة قد ينجح في بعضها وقد يفشل في بعضها الآخر وقد  يسيطر على الوضع في جوانب معينة من دون أن يتمّ تنفيذ المطلوب منه تماماً.
أما كلمة «مقدّسة»، فهي كلمة مُستعارة من أدبيات الأديان وعلاقة ما هو أرضي بما هو غيبي في محاولة لرفع شأن الأرضي وجعله مسؤولية مقدّسة، حتى أن المسؤولية اصبحت في العُرف الديني بمثابة أمانة يُحاسب الانسان عليها في حال لم يف حقها أو يتحمّل وزرها.
ففي القرآن الكريم جاءت الآية لتقول: “إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولاً”.
من هنا أصبحت المسؤوليات مقدّسة بالمعنى الديني، نظراً لارتباط القيام بها بمعادلة الثواب والعقاب الالهية. لكن ومن منطلق فلسفي غير ديني، يمكن القول إن المسؤوليات ذات شأن كبير وهي تعادل «المُقدس» عند المتدينين لجهة علاقتها بتطوير شؤون البشر واستمراريتهم.
هذه العلاقة المُتداخلة بين المسؤوليات والرقي الحضاري، علاقة لا يمكن حصرها بجانب ما تقول به كتب التاريخ والسيرة ويتغنى به الشعراء، بل هي علاقة خاصة من شأنها ربط الاستعداد الشخصي لتحّمل المسؤولية بنجاح القائم عليها في تنفيذ ما أُنيط به.
من هنا على الشخص الذي يُعرض عليه مسؤولية معينة سواء كانت منصباً سياسياً أو إجتماعياً او حتى زواجاً يهدف من خلاله الى التناسل وتربية الأطفال، أن يكون لديه الاستعداد لتحمّل أعباء الأمانة وأوزارها، أو فليبق بعيداً يراقب الآخرين في نجاحهم وفشلهم كي يتعلم منهم.
والتجربة الشخصية قد تكون فريدة في ذلك، حين يكون الإنسان جلوداً وصابراً وقادراً على الاستفادة من أخطائه حتى يُتم واجباته على أكمل وجه.
فالمطلق ليس من صفات البشر والكمال ليس صفة الانسان الخطّاء الذي لا تعصمه كفاءته ولا قدراته الذهنية أو البدنية عن ارتكاب الهفوة أو النسيان أو الخطأ أو حتى الخطيئة بمدلولاتها الدينية.
لكن الإدراك لما هو أفضل دائماً يدفع الانسان لكي يكون مسؤولاً بحق حين يتخذ قراراً بانشاء أسرة جميلة، فيتحمّل كل مسؤولية في تأمين طعامها وشرابها وكسائها وتعليمها ورفاهيتها، حتى يكون بالفعل قد أدى الأمانة لأهلها. وإذا كان في غير هذا الوارد فالأفضل أن لا يرتكب خطيئة الزواج والانجاب وتعذيب زوجته وأطفاله وحرمانهم من أبسط حقوقهم الحياتية.
تماماً هي السياسة وإدارة شؤون البلاد، مسؤولية كبيرة عبارة عن علاقة راع برعيته. لذلك يقولون إن المنصب تكليف لا تشريف، وإذا برع الشخص المسؤول في مجاله فأدى خدمة جلىّ لشعبه، وكفايته من المؤونة والطبابة والتعليم والحرية والكرامة، حينها يمكن القول إنه مسؤول على قدر مسؤوليته. وإلاّ سيكون مصيره الفشل كما هو مصير سياسيينا اليوم، حيث يتسابقون للجلوس على الكراسي من دون أن يبرعوا في القيام بواجباتهم، بل أقل ما يمكن من التزاماتهم تجاه الرعية، فيصبحون كالكلاب يلهثون وراء المال والسلطة والجاه، وتصبح مسؤولياتهم عقيمة بغير جدوى.
هكذا هي الحياة، مسؤوليات عديدة تبدأ من التربية وانشاء الأسرة وتنتهي بالدولة وتأسيس المجتمع المكتفي بذاته، مروراً بمسؤوليات أصحاب المهن تجاه زبائنهم والطلاب في دروسهم والأطباء نحو مرضاهم والمعلمين نحو تلاميذهم.
مسؤوليات عديدة إما أن تصل بالانسان الى ما يرتجيه من رقي وتقدّم وإما أن تدمّر الهيكل على رؤوس أصحابه، لأن الممارسة العقيمة غير السويّة للمسؤولية قد تصنع حالة من الحقد والكراهية والغضب، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان الى البحث عن مسؤوليين آخرين يقدّرون حجم ما يحملونه من أمانات، أو قد يؤدي الى غضب وتوتر يصنعان الفوضى ويا لها من نهاية وخيمة سواء على الأسرة أو على الدولة.
"برس نت" 8 تشرين الاول 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق