5‏/5‏/2013

السوريّون بين فوبيا التشييع وفزاعة السلفيّة

معمر عطوي
مهما كتب الإنسان في موضوع الخلاف التاريخي بين المذاهب الإسلامية فلن يفي الموضوع حقه، ولن تكفي ملايين الصفحات لاستيعاب هذا الجدل البيزنطي الطويل، وذلك لعمق الأزمة تاريخياً وتشعبها بين السياسة والدين والمجتمع، وتعقيداتها العقائدية اللاهوتية وتداخل هذه التعقيدات مع المصالح الإقليمية والدولية.
أزعم انه يمكن حل المشكلة بجرّة قلم، إذا شاء القيمون على هذه المذاهب والأحزاب السياسية التابعة لها، على أن يتبعها خطوات عملية ترسّخ معنى وحدة المسلمين وتعاونهم “على البر والتقوى” لا على “الإثم والعدوان” كما هو حاصل اليوم.
لكن ما يعيشه العالم الإسلامي ، هو وصول الأمور الى حافة الهاوية، حيث بات التحذير من فتنة مذهبية متأخراً جداً بعدما بلغ السيل الزبى، وانخرط المسلمون في حرب مذهبية شنعاء يمارسونها يومياً، في سوريا ولبنان والعراق وباكستان وإيران والسعودية والبحرين، تربوياً واعلامياً ودعوياً وعسكرياً وأمنياً الخ.
كل التبريرات التي تحاول أن تقول إن النزاع سياسي وليس طائفياً، هي محاولات ذر للرماد في العيون، لأن الواقع يدحض كل هذه التنظيرات التي لا تهدف سوى الى الغرق أكثر في مستنقع الدماء.  وتؤسس لصراع وجودي بدأت ملامحه تظهر واضحة، بعدما انخرط من كان يُحسب على العقلاء، في هذه الصراع.
صحيح أن من يوالي النظام السوري هم حزب الله “الشيعي”، لكن لا أحد ينكر أيضاً أن ثمة شريحة واسعة من شخصيات وأحزاب سنية أصولية وقومية عربية في الشام والعالم العربي  تقف الى جانب هذا النظام، فقط لأنه يحمل عنوان الممانعة ودعم المقاومة. وصحيح أن من يقف ضد النظام هم الغالبية السنية في هذه البلدان، بينما يتخوف جزء من المسيحيين والأقليات من سيطرة التشدد الإسلامي على المنطقة فيتمسكون بقشة تُسمى النظام العلماني على ظلمه واستبداده، بيد أن من هؤلاء المسيحيين والأقليات وبينهم شيعة وعلويون أيضاً يقفون ضد نظام بشار الأسد لاضطهاده شعبه وتسببه بتخلف سوريا على مدى 13 عاماً شكلت إمتداداً لحكم والده الدكتاتور حافظ الأسد.
هذا قد يعني أن الصراع في سوريا يدور بين نظام مستبد وداعميه من جهة وبين من يطالب بحريته وكرامته ورغيف خبزه ومستغليهم من جهة أخرى. هناك عناصر عديدة في هذا المشهد تسئ الى الصورة؛ فزاعة الأصولية السنية وخطر التدخل الخارجي وتورط عملاء اسخباريين سوريين يعملون لصالح دول عديدة لها هدف واحد هو تدمير سوريا واضعافها الى أدنى درجة، في مقابل هاجس آخر هو فوبيا التشييع وسيطرة ايران على “هلال شيعي” يمتد من لبنان عبر الشام وصولاً الى باكستان وأفغانستان ودول في أسيا الوسطى.
فالصراع بات حمّال أوجه بتداخل عوامل عديدة تجعله طائفياً مذهبياً في جانب واقتصادياً فيما يتعلق بالنفط وممرات أنابيب الغاز والتجارة والنفوذ، واجتماعياً فيما يتعلق بطبقة ثرية تحكم وشريحة واسعة من الفقراء المحرومين تناضل لرفع الظلم عنها.
والأهم من كل هذه التفاصيل، ثمة صراع دولي على أرض الشام يدفع ثمنه الشعب اللبناني والسوري والعراقي والبحريني والسعودي بدمائه وخيراته، ويديره قطبان عالميّان يستمدان قوتهما من غباء أقطاب أصغر مثل إيران والعراق والنظام السوري ودول خليجية وتركيا.
وقد تظن هذه الدول أنها بانخراطها السافر في هذا الصراع إنما تعمل على تحسين مواقعها وتعزيز حضورها الإقليمي، لكنها تمارس الغباء بعينه إذ ما الذي يستفيد منه هذا النظام أو ذاك إذا خسروا كل أوراقهم من مقاومة في هذا الجانب وقوى ثورية ناشطة في ذاك الجانب، سوى جلب الويلات على هذه المنطقة وتقديمها على طبق من ألماس الى الغزاة الكبار؟
أمام هذا الواقع الصعب لا حل للمشكلة المذهبية إلاً بالحوار والبدء الفعلي بخطوات سحب حزب الله لعناصره من أرض سوريا ووضعهم على الحدود مع فلسطين المحتلة، في مقابل ايقاف المعارضة السورية الكتائب السلفية الجهادية عن غيها في التكفير وإهدار دم الشيعة، وسحب كل عنصر جهادي غير سوري من أرض الشام.
وبالتالي توقف حزب الله عن التدخل في الأزمة السورية وتراجع النظام عن تعنته القاتل يقابله رفع شعار “سوريا ديموقراطية علمانية لا طائفية ولا دينية وسيادية غير مرتهنة للخارج” من جانب قوى المعارضة. هذه الخطوة يتبعها خطوات أخرى على صعيد العالم الإسلامي مثل تشديد مراجع الشيعة على تحريم السباب والشتائم لزوجات الرسول والصحابة، وإعلان فتاوى تجيز التعبد على مذهب أهل السنة، مقابل إعادة الأزهر ومراجع أهل السنة بالعمل في فتوى شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت بجواز التعبد على مذهب الشيعة.
طبعاً هذه أمور قد تكون أو هي بالفعل مجرد أوهام في وقت تفتح فيها موجات الأثير الإذاعي والتلفزيوني أبوابها لدعاة الفتنة والقتل والتكفير والسخرية والتهفيت والاقصاء من كلا الطرفين. لكن حزب الله بما كان يملكه من حكمة، قبل تورطه في الوحول السورية، يمكن أن يبادر الى القيام بخطوة على طريق الألف ميل بالتفاهم مع الإخوان المسلمين، خصوصاً في ظل ما يدور من أحاديث عن حوار مفتوح بين طهران والقاهرة قد يكتمل بحوار مماثل بين طهران والرياض.
والحديث عن خطر تشييع في الدول السنية أو ذات الغالبية السنية، ما هو إلا  زوبعة في فنجان، والرد عليه يكون بفتح باب الحوار بين رجال الدين ومؤسسات البحث حول التاريخ الإسلامي بمنهجية بحثية موضوعية عقلانية، والرد على كل طرح بالحجة والمنطق وليس باثارة تهويمات عقائدية وفتاوى تكفير وتفضيل اليهودي على الشيعي بما يثبت فشل منطق الحوار ومقارعة الحجة بالحجة.
آن للحكماء من الطرفين أن يتخذوا قراراُ تاريخياً بوقف كل هذا الهراء العقائدي ودحض كل ما يقال عن تشييع وتسليف في بلاد الشام، تلك الفوبيا التي ستُشعل كل آبار نفط المنطقة بمن حولها من بشر لا يدرون ماذا يفعلون.
لقد برز في هذه المنطقة نقطتان مضيئتان خرقتا مشهد ظلم الدولة ورتابة الخضوع للنظام وللعدو الصهيوني، هما الثورة والمقاومة فكفى إغراقاً لهاتين الظاهرتين الفريدتين في وحول مذهبية قذرة، لأنه لن يبق لنا حتى ورقة التوت بعد زوالهما.
"برس نت" 5 ايار 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق