13‏/3‏/2013

المذهب أهم من الله

 
معمر عطوي
في المقالات السابقة استعرضت بعض تفاصيل الفتن في التاريخ الإسلامي، داحضاً مسألة نشوء العقائد التي وُلِدت من رحم المصالح السياسية وتبلورت أكثر في مناخات أسطورية تماهياً مع مصالح كل فئة، لتتحول العقيدة نفسها إلى حجر الرحى الذي يدور حوله الأتباع والمريدون، بدلاً من أن يجسدوا فكرة الله المُفترض أنها الهدف الأسمى

وكما خلق الإنسان الرب على شكل صنم من تمر في عصور سابقة وأكله حين جاع، يقوم المؤمنون اليوم على اختلاف أديانهم وطوائفهم بقتل الله باسم المذهب، وقتل القيم التي وُلدت مع وعي الانسان باسم الحفاظ على الجماعة.
عبر التاريخ الإسلامي كانت كل فئة تجترح المعجزات لإثبات فرضياتها في العقيدة والفقه والتفسير والسيرة، حتى أصبح التراث الديني مُحمّلاً بالترهات والأساطير التي لا علاقة لها بأي شكل من أشكال التعاليم الدينية الأخلاقية، ولا ارتباطا عميقاً بفكرة بالله وجوهره كما توضح فلسفة الايمان بالله.
فكما كانت الحكومات الإسلامية السنيّة تضطهد على مر التاريخ معارضيها، كانت السلطات التي تتبنى المذهب الجعفري تقع في الخطأ نفسه فتضطهد خصومها وتحارب معارضيها وتتخبط في فتنها ومشكلاتها الداخلية، مثلما حدث مع الدولة الصفوية التي استعانت بالبرتغال ضد الدولة العثمانية أو الدولة الفاطمية التي نخرتها الخلافات على العرش والنفوذ والسلطة.
تشابه كبير بين كل أشكال الحكم التي شهدها التاريخ الاسلامي منذ معاوية بن أبي سفيان حتى الجمهورية الإسلامية في إيران مروراً بالأموييين والعباسيين والسلاجقة والمماليك والوهابيين.
أما المشكلة فتشريحها سهل لمعرفة مكوناتها وأسبابها، وهي أن المصلحة الدنيوية فوق كل اعتبار وفوق كل شعارات تتعلق باليوم الموعود والجنة والثواب والعقاب والتقوى والورع وما الى ذلك من مصطلحات لا علاقة لها بالسلوك الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد الا عند من رحم ربي.
تنُتهك القيم يومياً في بلدان العالم الإسلامي ويسرق المسؤولون أموال الشعب وخيراته ويتنعمون بها على مدار الوقت ويمارس المالكون للنفوذ أو “أولياء الأمر” أبشع أنواع البلطجة والسرقة فلا نجد من يتحرك ضدهم لا باسم الدين ولا باسم الأخلاق ولا باسم الشعب.
أما إذا وضع أحد الأشخاص صودف انه من الشيعة راية سوداء في مكان قريب من حي تعيش فيه غالبية سنية، فسنجد الدعوة للنفير واعلان الجهاد والاستعداد للاستشهاد ولبس الأكفان وكانها معركة مصير الأمة. كذلك اذا شتم أولاد شوارع في منطقة سنية مرجعية شيعية سنجد “النخوة” نفسها والغضب نفسه عند اتباع أهل بيت الرسول. ولو قام صحافي أو كاتب بانتقاد مرجعية شيعية أو شخصية من أهل السنة والجماعة، فستجد الناس وبتحريض من المشايخ قد نزلوا الى الشوارع وأعدوا التدبير رقم 4 من الاستنفار العام في وجه الخطر المحدق.
المفارقة المزعجة أن كثيراً من الاحتجاحات التي تخرج دفاعاً عن النبي او الائمة أو الصحابة او المقدسات (وعادة ما تكون المقدسات أكوام حجارة أو أشياء بلا قيمة)، تسئ للإسلام اكثر من الفعل المُدان نفسه الذي خرج الناس للاعتراض عليه.
ولتبرير القتل عمد بعض الفقهاء الى التشكيك بصحة الحديث النبوي الذي يقول: (لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم)، مع أن هذا الحديث يجسد القيم الإسلامية الرفيعة ويؤكد أن الدين في خدمة الانسان وليس العكس. وأهم من ذلك ما ورد في القرآن الكريم: “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”(المائدة 32).
الواضح اليوم أن “كل حزب بما لديهم فرحون” كما يقول القرآن، والمسلم الحزبي او المذهبي هو على علاقة بحزبه وقياداته ومراجعه وشيوخه بشكل أعمق من علاقته بالله. لذلك لم يعد الله هو الهدف، بل تحولت الوسائل المفترضة لتقريب الانسان من ربه الى أهداف بحد ذاتها، ما يؤكد فرضية قرآنية أن معظم المسلمين اليوم لا يفقهون معنى أن “الله أقرب للإنسان من حبل الوريد”. لكن على ما يبدو ان كثيراً من المؤمنين وهذا ينطبق على اتباع الأديان الأخرى من غير المسلمين، هم في علاقة عبادة للشخصية أو للأماكن والمعالم أو للأطر الحزبية والمؤسسات الدينية المصلحية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق