20‏/3‏/2013

في البدء… كان الجمل

 


     
معمر عطوي
قلنا في مقال الأسبوع الماضي “بين الشيعة والسنة هيهات منا الذلة”، إن أصل المشكلة بين المذاهب بدأت سياسية وتحولت الى منظومات عقائدية
. ويبدو أن هذه المنظومات تتناقض في كثير من النقاط كما تتطابق في كثير منها أيضاً، لكن ما يجمع أهم وأكثر وأعمق فيما لو أراد كل طرف الإصلاح في أمة محمد.
وبقطع النظر عن الخلاف الجوهري بين السنة والشيعة حول من يخلف النبي محمد بعد موته علي بن ابي طالب (ابن عمه وصهره 599م-661م) أم أبا بكر الصديّق (عبد الله بن عثمان التيمي القرشي 573م – 634م)، وما إذا كان العُرف القبلي الذي كان معمولاً به آنذاك في تولي أبي بكر الخلافة أو ما يقول به الطرف الآخر من وصية (خطاب النبي بتولي علي كما جاء في حديث غدير خم)، فإن التاريخ قد سار في منحىً آخر مع موت الخليفة الثالث عثمان بن عفّان (ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف 577م- 656م).
لقد سارت العلاقة أكثر من وطيدة في عهد الخلفاء الثلاثة، حيث كانت علاقة الإمام علي بسالفيه من الخلفاء أبو بكر وعمر بن الخطاب (العدوي القرشي 584م- 644 م) وعثمان، علاقة تعاون وتشاور ومصاهرة ونسب لم تشبها شائبة. وهذا يعني أن الخلاف السياسي الذي أسس للعبة نشوء المذاهب لم يكن بعد قد ظهر بشكله الواضح، إذ أن الاختلافات في وجهات النظر والتباين في التقدير أحياناً بين صحابي وآخر، كانت تُعالج من منطلق “حفظ بيضة الإسلام”.
إلاّ أن الحلبة وكالعادة لا تخلو من أصحاب الفتن والمصطادين في الماء العكر، فبعد وفاة الخليفة الثالث عثمان تولى علي زمام الأمور في أوضاع مشوبة بالتوتر.
لقد كان مقتل عثمان أحد أسباب هذا التوتر، إذ طالبت فئة من المسلمين بالاقتصاص من قاتليه، بينما كان رأي الخليفة الرابع أن الظروف لا تسمح في ذلك الوقت كون أعيان الجماعة التي قتلت عثمان سيطروا على مقاليد الأمور في المدينة المنورة، وأصبحوا قوة لا يُستهان بها، فكان من الصعب القضاء عليهم. لذلك فضّل أمير المؤمنين الانتظار ليتحين الفرصة المناسبة للقصاص، حسب روايات أهل السنة. وبحسب روايات الشيعة كان تأجيل الخليفة هذا الموضوع بهدف درء الفتنة.

هذا الموقف لم يعجب الصحابيين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، بالإضافة إلى زوجة النبي أم المؤمنين عائشة التي قيل إنها ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، الى البصرة، مركز خلافة علي، للاقتصاص من قتلة عثمان. بيد أن رياح المعركة سارت في اتجاه آخر فدارت مع الإمام علي وأتباعه (بالطبع لم يكن هناك شيعة وسنة) وسُميّت المعركة بالجمل نسبة إلى هذا الجمل الذي نقل عائشة.
هذه الموقعة عام 36 هجرية كانت بداية الشرخ الكبير في تاريخ الإسلام. الا أن المُفارقة تؤكد أن الخلاف كان سياسياً ولم يكن خلافاً حول صورة العقيدة أو طريقة الصلاة والصيام مثلما تحوّل لاحقاً في عهد المؤسسات الدينية التي عمّقت المشكلة وزادت الفرقة بين المسلمين.
إذن لا بد من البحث عن سبب نشوء هذه المنظومات العقائدية وما تبعها من تشريعات متناقضة بين أصحاب الدين الواحد والذين يتوجّهون نحو قبلة واحدة في صلاتهم ويحجّون الى المكان نفسه في مكة ويؤمنون بنبي واحد ويقرأون في كتاب واحد لا خلاف بينهم على “نزوله” من السماء.
بالتأكيد قد يصبح الجدل في تفاصيل اللاهوت والشريعة نوعاً من البحث عن جنس الملائكة، بيد أن المشكلة من منظور العقل والواقعية هي مشكلة غارقة في تاريخيتها، ولا يريد القيمون على الأمور إخراجها حتى ولو من منطق قرآني: “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتهم ولا تُسألون عمّا كانوا يفعلون”. فلوعمل المسلمون بالمنطق لاجتهدوا في كيفية درء المفاسد عن ملّتهم وجلب المصالح إليها بدلاً من تعميق الخلافات بينهم والوقوف عند مسائل في العبادات أو المعاملات هي قمة في التخلف والانحطاط والسخافة. لكن على ما يبدو أن المؤسسات الحاكمة وفي مقابلها الجماعات المعارضة التي عملت بالسر تحت الأرض، صاغت كل من ناحيتها منظومتها لتثبيت وجودها ولإضفاء شرعية دينية على قراراتها وممارساتها بغض النظر عما ينبغي أن يكون عليه الإسلام في هذا المضمار. وهنا دخلت المصلحة إلى الدين لتستغله في تأسيس بُنى مذهبية ومرجعيات شخصانية هدفها دنيوي بحت يخدم الجماعة ولو على حساب القيم ووحدة الأمة.
فالواضح أن أساس الشرخ هو اصطفاف كل جماعة مع من تعتبره محقاً في موضوع التعاطي مع ملف مقتل الخليفة الثالث، لكن ما هو غير واضح كيف أصبح الإسلام على مدى التاريخ إسلامين بل إسلامات وكل يدّعي وصلاً بالقرآن؟!
هذا ما يمكن متابعته في مقالات لاحق
 2013/03/11 "برس نت"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق