25‏/2‏/2013

لو كانت أنّا ماري شيمل على قيد الحياة

     

معمر عطوي


لو كانت أنّا ماري شيمل على قيد الحياة اليوم، هل كانت ستتمسك بإعجابها بالإسلام كرسالة تسامح ومحبة، أم أنها كانت ستكتشف الوجه الآخر من الدين الحنيف،
حيث قطع الرؤوس والأطراف وجواز قتال الشيعة والمسيحيين تحت عنوان محاربة المشركين والتمثيل بالجثث باسم الله وباسم العقيدة.طبعاً، منذ عشر سنوات لم يكن الوضع العربي كما هو عليه اليوم، منذ عشر سنوات، أي حين فارقت الباحثة الألمانية الحياة عن عمر يناهز 81 عاماً، كانت ارهاصات التحولات الأصولية في العالم العربي قد بدأت نذرها من دون أن تصل الى مستوى الذروة كما هي عليه اليوم.فبعد شهور قليلة غزت جحافل الجيوش الأميركية والبريطانية بلاد الرافدين، ومع هذا الغزو تصاعدت وتيرة أعمال القتل الطائفي بشكل لافت لم يسبق له مثيل.طبعاً لم يكن هذا الوجه البشع من الدين خافياً لا على آنّا شيمل ولا على أي مراقب أجنبي قرأ القرآن واكتشف صوره القيمية الأخلاقية المضيئة، ومن جانب آخر قد يكون اكتشف حثّ القرىن والأحاديث النبوية على قتال الغير، وممارسة الجهاد.لكن وكما قال الإمام علي بن ابي طالب، يبقى القرآن حمّال أوجه، ولكل فهمه وتفسيره أو تأويله. وعلى هذا المنوال ظهر من زعم أنه الفئة الناجية وبدأ يقسّم الناس بحسب قرائته المعوجة للقرآن وللتراث الديني. بما يخدم غرائزه المذهبية ويلبي جشعه لممارسة إراقة الدم.

في الذكرى العاشرة لوفاة شيمل، إبنة مدينة إرفورت البروتستانتية، والتي لم تفصح علاقتها الحقيقية بالاسلام ما إذا كانت علاقة انتماء أو علاقة بحث أكاديمي وعلمي، تظهر صورة الإسلام من جديد بشقيه السلبي والإيجابي.

لعل هذه الذكرى تفتح كوة من الاسئلة على كيفية فهم الآخر لنا، هل لأن شيمل انفتحت على الجانب الصوفي من الإسلام، وهو جانب متسامح ومفعم بالحب والأخلاق؟

قد تكون المفارقة الجميلة في حياة أصغر أستاذة جامعية في عهدها (23 عاما)عام 1945، أنها كانت في السلك الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الألمانية في عهد الرايخ الثالث، ورغم سياسة التمييز العرقي للدولة آنذاك، وصعود النزعة القومية الآرية، بقيت أنّا ماري بمنأى عن السياسة، تعمل كمترجمة عن اللغة التركية الى الألمانية، وتتابع دراستها الجامعية التي انهتها بأطروحتي دكتوراة: واحدة حول «مكانة علماء الدين في المجتمع المملوك» وأخرى عن مصطلح «الحب الصوفي في الإسلام».

الا أنها رغم اهتمامها بالأدب الشرقي وبدراسات التاريخ الإسلامي، ودراستها على يد أبرز المستشرقين الألمان، تعرضت شيمل للاعتقال على يد القوات الأميركية في العام 1945 بتهمة العمل في إحدى مؤسسات الرايخ الثالث.لقد عشقت شيمل الشرق وتعرّفت الى لغاته وأتقنت بعضها ومنها العربية والتركية خصوصاً أنها تزوجت لفترة قصيرة من رجل تركي ودرّست في جامعة أنقرة.لعل هذه العلاقة الجميلة بين المستشرقة الألمانية وبين التصوف جعلها تمارس عملها كوسيطة نزيهة بين الشرق والغرب، فكان كتابها “شرق وغرب: حياتى الغرب – شرقية” ترجمة د. عبد السلام حيدر اصدار المشروع القومي للترجمة في القاهرة.وربما لو كانت شيمل على قيد الحياة اليوم وشهدت هذا الكم الهائل من الفتاوى الظلامية الارتجالية المتشطية الفوضوية، لظلّت على رأيها بأن الإسلام حمّال أوجه ويمكن المرء أن يقرأه وفق أخلاقيات «كل نفس بما كسبت رهينة» أو «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ووفق خلفياته التربوية ومداركه العقلية. العنف هو نتيجة من نتائج القراءات، وكذلك الحب على الطريقة الصوفية نتيجة أخرى ولكلٍ ما يكتشفه بحسب قدرته ووجهة بحثه، لكن ما هو سائد اليوم من الصعب أن يقنع الآخر بأن ثمة جواهر في قاع المحيط المسكون بالخوف وعفاريت «العقيدة الصحيحة».


"برس نت" 25 شباط 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق