14‏/1‏/2013

محاضرو العفّة في حضرة الدماء

معمر عطوي
 
يتوقحن بعض السياسيين أمام هول ما يحدث في سوريا ليتحدث عن “انتصارات” النظام وصمود الرئيس بشار الأسد في وجه “مؤامرة خارجية” و”عصابات” مسلحة وتكفيريين، غير آبهٍ لعدد كبير من القتلى والجرحى الذي سقط جراء هذا العناد الذي يسمونه “صموداً”.

وفي المقابل، يتفنن المعارضون المقيمون في فنادق اسطنبول والدوحة وباريس في عرض بطولاتهم وفي اطلاق بروباغندا تتعامى عما يهدد الثورة السوريّة المُحقّة من مصادرة إسلامية سلفية خليجية من شأنها أسلمة الحراك السلمي الذي انطلق في اذار عام 2011 بعدما تورطت في تسليحه وتوريطه في معارك دامية.
طبعاً، الذي يأكل العصي هو غير الذي يعدّها، والذي يزايد في الخطاب ويعطي دروساً في العفة أجدر به أن يعيد تقويم أفكاره ومواقفه في ميزان الأخلاق بدلاً من أن يخرج علينا شاهراً سيف الفضيلة وحاملاً مصباح الحقيقة متعامياً عن مشهد تراجيدي مؤلم يتمظهر يومياً من خلال عمليات قتل بشعة جداً يندى لها الجبين، ومن خلال مشردين خرجوا من منازلهم شبه المُهدّمة بفعل قصف وقصف مضاد، إلى أماكن تفتقد لأبسط شروط الحياة والصحة.
يخرج علينا حلفاء النظام السوري ليتحدثوا “بأسف” عن ضحايا السلفيين والتكفيريين والمجازر التي تُرتكب باسم المذهبية والطائفية، لكنهم في الوقت نفسه يتعامون عمّا يفعله النظام بطائراته ودباباته وشبيحته و”رفاق السلاح” بالشعب السوري. هم لا ينظرون إلاّ بعين واحدة فيشهدون بعض تجاوزات المُعارضة المُسلحة أو تيارات اخترقت هذه المُعارضة بفعل الفوضى واختلاط الحابل بالنابل، لكنهم يغفلون أن كل هذه الفوضى وكل هذه الطفرة التكفيرية السلفية هي نتاج ممارسات نظام بدلاً من أن يمارس الديموقراطية ويعطي الشعب حقه في اختيار من يحكمه، قام باقتلاع أظافر أطفال كتبوا على جدران درعا شعار الربيع العربي “الشعب يريد إسقاط النظام”. هؤلاء “رفاق السلاح” الذين يتغنى بهم رفاقهم الأغبياء من أدعياء الممانعة، هم من قام بتكسير أنامل الكاريكاتوريست المُبدع علي فرزات، وهم من حوّل جسد المفكر الفلسطيني سلامة كيلة، إلى خريطة من الأوجاع. وهو الذي استجار بهم من عدو الأمة التاريخي، ليكتشف بلحمه الحي صحة مقولة “ظلم ذوي القربى أشد مضاضة”.
نعم، يمكن الحديث عن أخطاء كثيرة شابت الثورة السوريّة، أهمها محاولة صبغها بالصبغة المذهبية، وهذا ما يمكن ملاحظته بتسمية الخلايا والكتائب بأسماء الصحابة، وكأن التسمية مجرد ردة فعل كيدية ضد حلفاء النظام من الشيعة؛ وما اختطاف 11 لبنانياً لا يزال منهم 9 في الأسر لدى المدعو أبو ابراهيم في أعزاز، إلاَ دليلاً واضحاً على هذه الكيدية وهذه البشاعة التي يحاول بعض الموتورين صبغ الثورة بصورتها.
ويمكن الحديث عن أجندات خارجية تبدأ من وكلاء الولايات المتحدة في المنطقة قطر والسعودية وما بينهما من تنافس على الإخوان المسلمين والسلفيين وتصل الى تركيا. دول ليست أقل استبداداً من نظام دمشق يخرج مسؤولوها ليعطوا دروس العفة وهم مورّطون حتى آذانهم في قمع شعوبهم ورهن بلادهم للخارج. هؤلاء ورطوا الشعب السوري في تحويل ثورته من ثورة سلمية الى ثورة مسلحة لكنهم لم يقوموا بتنفيذ جزء بسيط من الالتزام الأخلاقي المفروض عليهم تجاه الشعب السوري المُشرّد في لبنان وتركيا والأردن والعراق وما وراء البحار، فحسب المثل العربي “من أراد أن يكون جمّالاً ليرفع عتبة باب الدار”.
كل هذه الصور البشعة ينبغي أن لا تقود الى اليأس أو الى تشويه الثورة التي رغم أنها، في جانب منها، أصبحت صورة عن النظام لا ثورة ضد النظام. وهذا أمر بديهي طالما أن عناصرها المنقشين كانوا يخدمون في أجهزة النظام العسكرية والأمنية وبالتالي هم بحاجة إلى إعادة تأهيل للخروج من ذهنية الانتقام والدموية التي رباهم عليها حزب البعث على مدى عقود.
بيت القصيد في هذه العجالة، أن النظام السوري هو المسؤول الأول عن كل ما يحدث لسوريا وشعبها اليوم، ومن أراد أن يتباكى على ضحايا بعض المجموعات المُسلّحة فالأجدر به مراقبة عدد الضحايا الذي يُقتلون يومياً بطائرات كان من المفروض أن تساهم في تحرير الجولان وفلسطين لا أن تحوّل حماه وحمص وحلب ودمشق الى أطلال مجبولة بالدم.
هي مجرد كلاشيهات تخويفية يطلقها هذا الجانب وذاك لتعزيز مواقفه ومواقعه، في حين تستمر الدماء في النزف وتتوسع دائرة الخراب، وسوريا الشعب والأرض والنفط والموقع الاستراتيجي هي الضحية. أما الحديث عن تمدد سلفي فهو أمر مردود، وإذا صح ذلك فما الفارق بين حزب الله والسلفيين على مستوى السلوكيات والدعوة لتطبيق الشريعة في أمور تافهة وقشور؟ هو الفارق ما بين النار والنار. في ايران ممنوع على الفتيات ارتياد نحو 77 اختصاصاً جامعياً وفي السعودية قوانين مجحفة ايضا بحق الفتيات منها عدم السماح لهن بقيادة السيارة. إذن على ما يزايد حلفاء “رفاق السلاح” حين يحذّرون من السلفية وهم يمنعون بيع الكحول في الضاحية والجنوب في لبنان ويرفضون حتى عرض شريط غنائي لجوليا بطرس رغم أن الأغنية للسيد حسن نصراللة، بحجة أن صوت المرأة عورة!؟
لا يمكن الاستمرار في استحمار الشعوب واستغبائها فالصمود لا يكون الا بالتراجع عن الغي والاستبداد وممارسة القتل، وحفظ النظام لا يكون إلاّ بحلول الديموقراطية وتداول السلطة وليختر الشعب من يريد لحكمه.
"برس نت" 14 كانون الثاني 2013


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق