16‏/9‏/2013

“جمّول” هي استراتيجيتنا الدفاعية الناجعة

معمر عطوي
في كل سنة مثل هذا اليوم (16 أيلول) تعود إلينا ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) في العام 1982، لتذكرنا بأن “جمول” كانت ولا تزال حاجة لبنانية ملّحة في ظل فشل المشاريع الطائفية في تشكيل حالة مقاومة وطنية لبنانية مقبولة لبنانياً وعربياً ومن كافة الفئات الشعبية


مع كل احترام لكل مقاوم من حزب الله ولكل شهيد ولكل أسير ولكل جريح خرج من معارك الفداء مع العدو الصهيوني حياً، مع كل تقدير لإنجازات هذه المقاومة التي استوحت ثورة الحسين في كربلاء، فانتصرت على الظالم حينما كانت مظلومة، بيد أن تورط هذه الحالة النضالية الفريدة في زواريب السياسة اللبنانية، وتورطها في مستنقع الحكومة وفشلها في معالجة حاجات الناس، ومن بعدها وقوفها الى جانب الظالم ضد المظلوم في سوريا، وتحولها الى آداة في حروب مذهبية يديرها أعداء الأمة، كل ذلك يجعلنا نبكي تجربة “جمول” وتجربة حزب الله معاً.
في ذكرى “جمول” أصبحنا نفتقد الى حالة نضالية يلتف حولها الناس لتعطي المقاومة مشروعية وطنية شاملة، لا مذهبية ولا طائفية ولا رهينة بأيدي مشاريع اقليمية على علاقة  بوعد الغيب وأساطيره، ولا آداة سهلة لترويج الفتن الدينية.
بهذا المعنى نفتقد تلك المقاومة التي أسست لما بعدها من بطولات وانتصارات، فكانت الساحة النضالية الواسعة التي يتمترس فيها الشاب الى جانب الفتاة والشيخ الى جانب الشاب والمرأة الى جانب الرجل، من دون تمييز ومن دون رمز طائفي أو ديني يفرز عناصرها بين من يستحق الجنة ومن يستحق الجحيم.
“جمول” لم تصمد طويلاً لأن المشروع السوري ــ الغربي كان يقتضي ذلك، فبدأت هذه الدولة “الممانعة” منذ العام 1975 حين دخلت لبنان، بتصفية الحركة الوطنية اللبنانية لحساب قوى انعزالية عميلة للصهاينة. ثم وبعد أن حجّمت القوى الفلسطينية واطمئنت الى ضعف “جمول” بفعل تحولات دولية وأزمات عقائدية ومشكلات موضوعية وذاتية، ذهبت سوريا لضرب حزب الله، المقاومة التي كانت قد بدأت بتحقيق انتصارات غير مسبوقة، وذلك بفصيل حليف لها من نفس القماشة المذهبية، عنيت حركة أمل. ولما فشلت دمشق في ضرب المقاومة الإسلامية استوعبتها بالتفاهم مع حليفتها الإقليمية إيران، وكان لهذه العلاقة الاستراتيجية تسهيلات غيرعادية للمقاومة التي تحولت الى شيعية بحتة بعدما تم إبعاد الفقصائل السنية (قوات الفجر وحركة التوحيد وغيرها) عنها. وبالتالي عملت المقاومة في خدمة أهداف سوريا وإيران مقابل دعمها بالعتاد والموقف السياسي، وقدمت لهاتين الدولتين من أوراق قوة أكثر بكثير مما قدم الإثنتان معاً لها.
وإذ نجح حزب الله في “جهاده الأصغر” ضد إسرائيل وأنجز ما لم تستطع أو لم ترغب بانجازه دول اقليمية كبرى، فشل هذا الحزب “في جهاده الأكبر”، فتسرّب المال الى الروح الثورية ليهدمها كما فعل بالثورة الفلسطينية من قبل، وأخذته العزة بإثم التكبّر والعنجهية، فلم يعد بقادر على سماع النقد والانتقاد والتوجيه وحتى النصيحة. لقد تصرّف  حزب الله على أنه إلهٌ لا يمكن مناقشة سياسته رغم فشله في إشؤون الناس الخدماتية وتفشي الفساد الأخلاقي والمخدرات في مناطق نفوذه، وتورطه في دهاليز السياسة التي كان أجدر بأن يتحاشاها رغم كل استفزازات الطرف الآخر الذي كان نجح بهذا الدور في جرّ المقاومة الى الفخ الذي وقعت فيه منذ 7 أيار وصولاً الى القصير وما بعدها.
فشلت المقاومة الإسلامية في “الجهاد الأكبر”، لأن هويتها طائفية مذهبية؛ مهما أعطت من دروس في الوطنية ومهما حاولت طمأنة اللبنانيين بأنها لا تسعى الى دولة دينية هذه هي صفتها مقاومة شيعية تسعى للتمهيد لقيام دولة المهدي.
ولعل ممارساتها في القرى الجنوبية والضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك بمنع الناس من ممارسة حرياتهم الشخصية في ممارسة الفرح، كشفت سوأتها.
من هنا بات لبنان بحاجة ملّحة الى مقاومة وطنية شاملة وليكن مناضلو حزب الله الأشداء من ضمنها، لكن أن تكون تلك المقاومة التي لا تميز بين شخص وآخر لا من ناحية الجنس ولا الدين ولا المذهب. أظن هذه هي الإستراتيجية الدفاعية التي يحتاجها لبنان. إستراتيجية تُشعِرنا بأن كل لبنان مقاوم وكل اللبنانيين ضد إسرائيل، ومن أراد غير ذلك فليُحاكم بتهمة الخيانة العظمى. تحية الى كل شهداء ومناضلي المقاومة اللبنانية والفلسطينية من الرصاصة الأولى (فتح) حتى الرمق الأخير.
(برس نت) 16-09-2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق