15‏/7‏/2013

ليست قضية بتر عضو ذكري

معمر عطوي
لم تكن حادثة قطع العضو التناسلي لشاب لبناني على خلفية علاقته مع فتاة من طائفة مغايرة، حادثة عابرة، ولا هي الأولى من نوعها على صعيد بتر الأعضاء. فعلى ما يبدو أننا كلما تقدّمنا تكنولوجياً وكلما انفتحنا اقتصادياً واجتماعياً على حضارات أخرى، كلما ازداد رجوع البعض منا الى مربّعه الأول؛ القبيلة أو الطائفة.
بغض النظر عن كل ما قيل أو سيُقال حول تغرير شاب من طائفة معينة بفتاة من طائفة أخرى تصغره بسنين كثيرة، أو ما سيُقال عن كذبه وزعمه أنه ينتمي الى طائفتها، ليست المسألة مسألة دفاع عن شخص بعينه ولا هي هجوم على طائفة محددة من الطوائف اللبنانية، بل جلّ ما يهم في الموضوع هو رمزية قطع الإحليل في مجتمعنا، كتأكيد لقطع التواصل بين البشر.
فالعضو الذكري قد يلعب دوراً “خطيراً” حين ينسج شكلاً طبيعياً من العلاقات الزوجية العابرة للطوائف، متماهياً مع الحب الذي يعلو فوق كل حواجز طائفية او عرقية او طبقية او قبلية او حتى قومية وجهوية.
بسبب دور هذا العضو يتكاثر البشر ومن خلاله تظهر ثمار العلاقات المختلطة التي يصبح فيها الأولاد أفضل معبّر عن التنوع الفكري والديني، فيحمل الولد أفكار أهله ويفهم معتقدات عائلة والده وعائلة والدته، المختلفين في الدين، فيجمع الأفضل من كليهما ويؤسس لدين جديد هو المحبة والتسامح وقبول الآخر. دين يتعالى فوق الأديان وينبذ الجانب العقائدي الاقصائي التكفيري لمصلحة القيم والأخلاق.
هكذا هو دور العضو التناسلي سواء كان ذكرياً او انثوياً، اذ ان التقاء العضوين، ليس مجرد علاقة عابرة ينتج عنها بعض اللذة الحسيّة، بل هو رمز التواصل الذي يعبر كل التابوهات، من أجل أن يعبّر عن حب صادق فينسج العلاقات العائلية بين الناس ويقرّب بين الأفهام (جمع فهم) فيقلّص المسافة بين الوريد والوريد  في جسم الوطن الواحد. وكما قال النبي محمد “لو تكاشفتهم لما تدافنتهم”، ما يعني ان النظرة الخاطئة عن الآخر تجعل منه مكروهاً وعدواً الى حين تنجلي الأمور. لذلك يعزز الزواج المختلط التكاشف بين الناس ويؤكد انتصار الحب، ليس فقط بين شخصين بل بين عائلتين وجماعتين بشريتين كانتا في حال من عدم الود بسبب معتقدات بالية وافكار مُسبقة خاطئة عن بعضهما.
العضو الجنسي هنا، جاء ليحسّن من النوع البشري ويجعله أجود وأنظف وأكثرفهماً ودراية لمسألة الاختلاف، ومن يساهم في قطعه انما يساهم في تعزيز الغيتوات بين الجماعات اللبنانية والتأسيس لمناطق مقفلة طائفياً، سواء أتت عملية البتر “كردة فعل” كما وصفها أحد الوزراء أو لأن الشاب “لم يدخل من الباب بل من الشباك”  كما تفوه أحد رؤساء البلديات.
على ما يبدو ان هذه التصريحات تشير الى مستقبل قاتم لهذا البلد الذي يحضن 19 طائفة، فمن ينبغي عليهم ان يكونوا من المشجعين للانفتاح ولتعزيز فكرة التعايش، يقومون بمغازلة الدهماء من البشر لمصالح انتخابية بحتة، وهذا إن دل على شيء انما يدل على أن مشكلة الطائفية في لبنان لن تُحلّ طالما أن الزعماء يتغذون من تسعيرها ويثرون ويفسدون في الأرض بمباركتها.
لم يكن عضو الشاب العكاري هو العضو الأول الذي يُبتر، فثمة أناس تم بتر أحاسيسهم واقتلاع قلوبهم من أجسادهم لأنهم أحبوا بصدق ولم يتوقفوا عند حدود التباين الطبقي او الطائفي او اي شكل آخر من اشكال الاختلاف.
المفارقة السخيفة أن يرفض بعض الأهالي تزويج بناتهم لشخص من ملة أخرى تحت قول عقيم “الذي يتزوج من غير ملته يموت بعلته”، وهذا الرافض هو الذي يدفع بعض الشباب للدخول من الشباك كما تفوه رئيس بلدية “المحترم”.
هل الأهل هنا لا يدركون ان الفتاة قادرة على نسج العلاقات الجنسية والعاطفية لعشرات السنين مع من تحب من وراء ظهورهم؟. وهل هذا أفضل لهم خصوصا اذا كانوا من الملتزمين بتعاليم الدين التي تعتبر أي علاقة خارج الزواج هي علاقة زنا غير شرعية؟ طبعاً مفارقة غريبة تؤكد استمرار تفشي الجهل في مجتمعنا.
لقد قام شبيحة النظام السوري وعناصر استخباراته بقطع عضو طفل لأن اهله من المعارضين للاستبداد، وكانت جريمة البتر هذه التي تبعتها جريمة قتل، صورة رمزية أخرى لقطع خيوط التواصل بين السلطة والمجتمع. فهل ما نشهده اليوم هو عصر تقطيع الأوصال التي حققتها الشبكة العنكبوتية بين أمصار الأرض؟
(برس نت) 15 تموز 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق