9‏/6‏/2013

حزب الله والسلفية: عصفوران بحجر

معمر عطوي
لم يعد خافياً على مراقب أن الحرب الدائرة في سوريا هي حرب دولية بامتياز، تتخذ صفة الحرب الباردة بين الأقطاب أو اللاعبين الكبار (روسيا والولايات المتحدة والصين) وصفة الحرب الساخنة، بل اللاذعة على مستوى المتصارعين ميدانياً، أي أحجار الشطرنج.


ويبدو أن هذه الحرب باتت تحقق عدة أهداف لكل من اللاعبين على الساحة الدولية، علّ الجزء الأخير من هذه الأهداف هو التخلص من الإسلاميين الشيعة والسنة، عبر جرّهم الى المستنقع تحت عناوين مذهبية واقعاً، وانسانية ونضالية ظاهراً، وزجهم في حرب “داحس والغبراء” مذهبية لا تنتهي إلاّ بالإجهاز عليهم.
ومن دون الدخول في لعبة الأرقام والاحصاءات، لا يخفى على متابع للشأن السوري، أن عدد من أُرسِلوا أو أتوا برضاهم الى المستنقع السوري من الاسلاميين الجهاديين في الغرب بات بالآلاف، وأن مشاركة حزب الله على الجانب الآخر أيضاً وصلت الى المئات من الشبان.
الواضح أن أحد عوامل استمرار الحرب السورية حتى الآن، والتي قد يستفيد منها الأقطاب الدوليين والنظام السوري أيضاً، هي التخلص من هذه الشريحة المتدينة سياسياً، والتي باتت تشكل خطراً على المجتمعات التي تعيش فيها بطرحها الدولة الدينية واعتمادها سياسة التكفير ومحاسبة المجتمع بذريعة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية. وكذلك التخلص من حالة مقاومة أوجعت الكيان الصهيوني في العمق، وحققت انجازات عسكرية وأمنية وانتصارات على هذا العدو لم تقم به أي دولة عربية أو إسلامية حتى باتت حالة مزعجة للغرب.
فالدول الدول الأوروبية واستراليا وكندا والولايات المتحدة تشجّع على خروج أعداد كبيرة من السلفيين والإسلاميين الجهاديين الذين غادروا الى “أرض الجهاد” لقتال حاكم طاغية “لا يحكم بما أنزل الله” ويقتل أولاد وشيوخ المسلمين ويستبيح أعراضهم.  لذلك بدا الدور التركي المتناغم تماماً مع الغرب واضحاً في تسهيل مرور هؤلاء الى سوريا عبر أراضيها. بل ذهبت السلطات التركية، الوكيلة الشرعية للولايات المتحدة في المنطقة، الى منع نحو 500 عنصر بعد معركة القصير، من مغادرة سوريا. وكأنها تقول لهم “أنتم هنا لتموتوا لا لتعودوا الى بلادهكم”.
هي تجربة أفغانية جديدة، تحاول الحكومات الغربية وبعض الحكومات العربية، أن تكررها لكن بعدم تكرار أخطاء اعادة هؤلاء أحياء الى مواطنهم، حيث يشكلون حالة ازعاج للأنظمة.
أيضاً سوريا بنظامها المتمسك بالسلطة، حتى لو أبيد أهلها عن بكرة أبيهم، لن يضيرها عقد صفقة مع الغرب في توريط حزب الله بهدف اضعافه. فنظام بشار الأسد استخدم ورقة هذا الحزب حتى الأخير، وقد يكون الوقت حان لبيعه في سوق النخاسة تحت ذريعة كاذبة “الدفاع عن الشيعة في سوريا وعن المقامات” ومن ثم الدفاع عن مشروع المقاومة ورد خطر السلفيين التكفيريين قبل وصولهم الى لبنان وفق خطة استباقية. خطة بدا عقمها واضحاً حين استُهدِفت الضاحية بصاروخين كرسالة الى الحزب بـ”أننا هنا لا تتعبوا أنفسكم بالذهب الينا”.
ومما لا شك فيه أن اسرائيل تشعر بخطر السلفيين الجهاديين كما تشعر بخطر حزب الله، بل أكثر، لأن الحزب التابع مباشرة الى ايران يمكن أن ضبطه وفق سياسات معينة من قيادته والجمهورية الاسلامية التي تدعمه. الدليل عدم حدوث أي عملية عسكرية ضد العدو الإسرائيلي منذ حرب تموز 2006.
أما السلفيون فهم مجموعات غير منضبطة تتصرف كل منها على هواها وبعاطفة جياشة الى حد أن أي ضابط استخبارات دولي يمكنه تجيند هؤلاء في مشاريع ومخططات لمصالح بلاده تحت شعارات إسلامية وتحريضات مذهبية.
إذن بات أحد أهداف الحرب السورية التخلص من الإسلاميين الجهاديين في لبنان والعالم عبر ضربهم ببعضهم. وهنا يصح المثل “ضرب عصفورين بحجر واحد”. لقد استطاع لاعبو الشطرنج جرّ هؤلاء وأولئك الى معركة لا تخدم لا الإسلام ولا المسلمين ولا الانسان في لبنان وسوريا والوطن العربي، ولن تكون النجاة من هذه الفخاخ بالأمر السهل، طالما أن بعض القيادات التي كانت الى وقت قريب تتمتع بالحكمة، مثل الشيخ يوسف القرضاوي والسيد حسن نصرالله، قد أصبحت من دون أن تشعر آداة تحريض مذهبي يخدم أعداء الأمة والنظام السوري على حد سواء.
برس نت 9 حزيران 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق