25‏/7‏/2012

"سوريون بلا أسماء" يبحثون عن ملجأ في لبنان

تختفي أسماؤهم خوفا من الانتقام إذ يلاحقهم هاجس الأمن إلى ما وراء الحدود. لكن حين لا يكون هناك تصوير يتحدثون طويلا عن رحلة مشقّة وألم إلى لبنان، حيث أصوات قذائف النظام تصل إلى ملجئهم القسري القريب من نقطة المصنع الحدودية.


أجبرت التطورات العسكرية الخطيرة التي شهدتها دمشق خلال الأيام الأخيرة نحو 30 ألف سوري إلى الفرار من جحيم القصف ونار الاشتباكات المُتقطعة نحو البقاع اللبناني، حيث توزعوا على مدارس وبيوت تخص أقارب وأصدقاء، فيما جنح البعض الى البحث عن ملجأ في ظل ارتفاع إيجارات الشقق بشكل جنوني.
في مجدل عنجر، التي تكاد تكون السبّاقة إلى فتح مدارسها ومساجدها أمام النازحين السوريين الهاربين عبر نقطة المصنع الحدودية، تكدست عشرات العائلات الفارة من جحيم المعارك، في ظروف مأساوية أمام جمعية الأزهر في محاولة لإيجاد مأوى.
بعض هؤلاء كان قد وصل للتو بعد أن عايشوا آخر التطورات العسكرية في دمشق. من هؤلاء السيدة دانا (اسم مستعار) التي لم يكن قد مضى على وصولها إلى مجدل عنجر سوى 24 ساعة. دانا التي رفضت إعطاء سمها أو تصويرها مثل جميع من تحدثوا إلى DW عربية، حفاظاً على من بقي في الداخل السوري من العائلة، تحدثت عن انفجارات متواصلة تحدث في دمشق وخراب يعم الشوارع والبيوت. تقول دانا الآتية من عين ترما في ضواحي دمشق إن أهالي العاصمة بدؤوا يشعرون بالفعل بخطورة الموقف، ففر العديد منهم إما الى أقارب لهم في مناطق أخرى أو إلى الدول المجاورة. تقاطعها والدتها قائلة "لم يعد هناك مناطق آمنة كلما هربنا الى منطقة وجدنا أنها تحولت إلى ساحة للاشتباكات المسلّحة".
عن حياة الناس هناك توضح الوالدة أن ساعات الاشتباكات قليلة الأمر الذي يسمح للرجال بالعمل بين فترات التفجير، "لأننا مضطرون للعمل في ظل غياب أي مساعدات سواء من الحكومة أو غيرها". وعن دور أغنياء المدن في مد الفقراء اللاجئين بأسباب الصمود يعلّق أحدهم ساخراً "التجار مع النظام فكيف يساعدوننا؟".

اللاجئون مستاؤون
 
 
تتحدث دانا عن وضع دمشق قبل أن يصل إليها "الدور"، مشيرة إلى أن أهالي العاصمة لم يكونوا يشعرون بالمعاناة إلا من خلال ما يشاهدونه من نازحين أتوا من مناطق أخرى. أما الآن فقد "وصل الموس إلى الذقن"، كما يقول المثل. ففي دمشق "لم يعد الغاز والوقود متوفرين، والمواد الغذائية ارتفعت أسعارها بشكل جنوني".
ثمة حالة استياء عام وسط اللاجئين الذين توزعوا على مدرستين ومسجد في مجدل عنجر، فرغم ما تسعى الجمعيات الخيرية لتأمينه لهم ما زالوا يفتقدون لأبسط شروط الحياة الكريمة. بعضهم اشتكى من معاملة غير إنسانية، حيث رفضت بلديات بقاعية استقبالهم وفتح المدارس لهم، فيما لجأ أصحاب الشقق إلى ابتزازهم برفع أسعار الإيجارات لأضعاف مضاعفة فلم يتمكن من الإيجار إلا ميسورو الحال.
وأمام مجمّع الأزهر في البقاع الذي أخذ على عاتقه تسجيل أسماء النازحين بمن فيهم من لجأ إلى أقاربه أو أصدقائه، كان السوريون مكدّسون فوق بعضهم محاولين العثور على مكان ينامون فيه قبل حلول الظلام.
التذمر بدا على وجوههم ومعظمهم صائم، "لا مكان يؤوينا سوى ما يقدمه لنا الأزهر وأنت ترى الفوضى والتدافع أمام مكتب تسجيل النازحين هنا"، حسبما قالت امرأة حاولت فاشلة حبس دمعة سقطت على وجنتها كاشفة حجم الوجع الذي يعيشه هؤلاء. يتحول الناس هنا إلى أسماء وبطاقات إعانة، وكل همهم العودة إلى بلدهم بكرامة، "إلى سوريا الديمقراطية الأبية"، كما يقول فراس (اسم مستعار) القاطن في مدرس المناهل في مجدل عنجر.
فراس الذي تجاوز البعد الإنساني للقضية متحدثاً في السياسة، عبّر عن تفاؤله بقرب "النصر على نظام الأسد لأننا أصحاب حق"، قائلاً "ثمة تطورات تبشر بالخير من سيطرة الجيش السوري الحر على المعابر وصولاً إلى اختراق الأمن في دمشق واختفاء (الرئيس) بشار الأسد في اللاذقية"، حسب زعم هذا اللاجئ السوري.

تفاؤل بقرب العودة
لاجئون هاربون من معاك دمشق في نقطة المصنع الحدودية مع لبنان

فراس الذي لم يمض على وجوده هنا سوى يومين تحدث عن تصاعد في وتيرة المسيرات السلمية في العاصمة وعن "استهداف دائم من قبل النظام وشبيحته لمسيرات تشييع الشهداء، التي تحشد أعداداً كبيرة في تحد واضح للنظام"، لكنه يؤكد أن مسيرات التشييع في ضواحي دمشق البعيدة تسير بحماية عناصر الجيش الحر.
يقول فراس لـ DW عربية: "سيطر الجيش الحر على أحياء كثيرة في دمشق وضواحيها، ووصلوا إلى أهم نقطة أمنية وهي منطقة كفرسوسة"، مشيراً إلى أن هذه المنطقة تضم أبرز مقرات الأمن. ويؤكد فراس أن الوضع في دمشق صعب وأن الناس تعيش حالة قصوى من التقشف على مستوى استهلاك المواد الغذائية.
وفي مدرسة المقاصد، حيث تقطن نحو 10 عائلات تحدثت DW عربية إلى بعض النازحين هناك، فكان لسان حالهم الشكوى والأمل بالعودة القريبة. يتحدث أحد الرجال الهاربين من حمص بحذر، مشيراً إلى حرصه على سلامة من بقي من أهله في الداخل. فيصف الوضع بأنه سيء جداً وأن عملية الهروب من حمص شاقة. لكنه لا يتوقع أن تطول الأزمة، معتبراً أن التطورات الأخيرة تبشّر بالخير. وعن وضع اللاجئين يؤكد الرجل أن أهالي المنطقة المضيفة حرصوا على تأمين أشغال للرجال وبذلك يستطيعون سد رمق عائلاتهم.
حال الأطفال مثل حال الرجال حذر أمني تجاه كشف الأسماء والوجوه، حديثهم كحديث الكبار عن معاناة خبروها مبكراً. يقتصر كلام الفتى الآتي من حمص على القول "والدي شهيد وأبناء عمومتي شهداء ونحن نعيش هنا معاناة التهجير والألم لكن أملنا أننا قريباً سنعود إلى أحيائنا وشوارعنا نلعب كما كنا في وطن حر ليس فيه شبيحة ولا مسلحون". يحكي الصغار في مخيمات اللاجئين قصصهم بلسان الكبار عن مأساة حقيقية تنتظر الفرج.
معمر عطوي – مجدل عنجر (لبنان)
25 تموز 2012 

DW.DE

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق