معمر عطوي
جاء الرسول محمد بن عبدالله الهاشمي القرشي ليقول للعرب “إن الدين عند الله
الإسلام”، ولم يقل لهم لا شيعة إمامية ولا سنة وجماعة. ولما انفرط عقد وحدة
المسلمين مع استشهاد الحسين في كربلاء، بدأ المسلمون يخرجون عن وحدانية الدين،
ويتحولون الى مذاهب وطرق وجماعات نشأت في الأصل عن خلافات وأطماع سياسية ودنيوية
لتصبح أطراً عقائدية جامدة.
فبعد وقت من ظهور الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي بن ابي طالب والخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وشكلوا حالة ثالثة في الإسلام، بدأت تتحول الجماعات السياسية المؤيدة لأهل بيت الرسول وتلك المغالية في الولاء لصحابته، إلى مذاهب لها عقيدتها ومنهجها وأصولها الفقهية الخاصة ورؤيتها الخاصة للسيرة النبوية، إضافة الى العبادات والمعاملات والقواعد السلوكية.
أما كيف تولدت هذه التفاصيل ومن هو الذي انشق عن من فهذا ما هو بغير واضح، لأن كل جماعة تسوّغ ما آمنت به بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.
مصدرا التشريع الأساسيان هما القرآن والسنة النبوية؛ القرآن حمّال أوجه كما قال الإمام علي، وتفسيره يختلف حتى بين فقهاء أهل السنة أنفسهم وفي الأساس بين الائمة الأربعة للمذهب (الشافعي والحنفي والحنبلي والمالكي). وبرز هناك الى جانب التفسير التأويل، فانتقل المسلمون من ظاهر اللغة الى بواطنها، وبرزت مدارس فلسفية وفقهية عديدة منها ما أخذ بأسباب النزول ففسّر الآيات أو أولها وفق هذه الأسباب، ومنهم من اعتبر الحكم (المُنزل) صالح لكل زمان ومكان. ونشأت المعتزلة والأشاعرة وبدأت حملات التكفير والإتهام بالردة والضلال والفسق والشرك بالله بين جماعات المسلمين، بما يتجاوز مسألة الخلاف السني ـ الشيعي.
أما السنة فتم احتكارها في كتب معينة لدى كل مذهب ولا مجال لمناقشتها، حيث ظهر “الصحيحان” (البخاري ومسلم) عند السنة و”أصول الكافي” (الكليني)عند الشيعة الإثني عشرية. طبعاً لم تكن هذه الكتب فقط هي المصدر الوحيد للسنة فقد ظهر العديد من المراجع و”الأسانيد” التي تتضمن أحاديث نبوية بلغت عشرات الآلاف. وظهر علم الرجال أو علم الجرح والتعديل للتمحيص في هوية الراوي ومصداقيته وأخلاقه وإخلاصه للإسلام.
وبدأت التعقيدات تظهر من هنا، حيث باتت كل جماعة لا تأخذ إلاّ من الراوي الذي تثق به أو تنسبه الى معسكرها. فالراوي ومن يأخذ عنه بالتواتر ينبغي ان يكونوا مقربين من أهل البيت وموالين لهم بالنسبة للشيعة، وعند السنة ينبغي أن يكونوا من محبي الصحابة ومن غير المشكوك في ولائهم ومحبتهم للخلفاء الأربعة.
وهكذا بدأ تصنيف الحديث يتم على أساس حزبي وجهوي إذا صح التعبير، وبرزت تصنيفات متعددة للأحاديث؛ منها الصحيح والضعيف والمدسوس (الاسرائيلي)، وظهرت أحاديث بالغة في عدم منطقيتها، بل في اسطوريتها عند جميع المذاهب.
ولعلماء الحديث أساليبهم ومناهجهم التي يفنّدون فيها كل حديث وكيفية نقله وتواتره حتى وصل الينا. بالمختصر أصبح الحديث وهو المصدر الثاني من مصادر التشريع رهناً بـ “الثقاة”.
فبعد وقت من ظهور الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي بن ابي طالب والخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وشكلوا حالة ثالثة في الإسلام، بدأت تتحول الجماعات السياسية المؤيدة لأهل بيت الرسول وتلك المغالية في الولاء لصحابته، إلى مذاهب لها عقيدتها ومنهجها وأصولها الفقهية الخاصة ورؤيتها الخاصة للسيرة النبوية، إضافة الى العبادات والمعاملات والقواعد السلوكية.
أما كيف تولدت هذه التفاصيل ومن هو الذي انشق عن من فهذا ما هو بغير واضح، لأن كل جماعة تسوّغ ما آمنت به بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.
مصدرا التشريع الأساسيان هما القرآن والسنة النبوية؛ القرآن حمّال أوجه كما قال الإمام علي، وتفسيره يختلف حتى بين فقهاء أهل السنة أنفسهم وفي الأساس بين الائمة الأربعة للمذهب (الشافعي والحنفي والحنبلي والمالكي). وبرز هناك الى جانب التفسير التأويل، فانتقل المسلمون من ظاهر اللغة الى بواطنها، وبرزت مدارس فلسفية وفقهية عديدة منها ما أخذ بأسباب النزول ففسّر الآيات أو أولها وفق هذه الأسباب، ومنهم من اعتبر الحكم (المُنزل) صالح لكل زمان ومكان. ونشأت المعتزلة والأشاعرة وبدأت حملات التكفير والإتهام بالردة والضلال والفسق والشرك بالله بين جماعات المسلمين، بما يتجاوز مسألة الخلاف السني ـ الشيعي.
أما السنة فتم احتكارها في كتب معينة لدى كل مذهب ولا مجال لمناقشتها، حيث ظهر “الصحيحان” (البخاري ومسلم) عند السنة و”أصول الكافي” (الكليني)عند الشيعة الإثني عشرية. طبعاً لم تكن هذه الكتب فقط هي المصدر الوحيد للسنة فقد ظهر العديد من المراجع و”الأسانيد” التي تتضمن أحاديث نبوية بلغت عشرات الآلاف. وظهر علم الرجال أو علم الجرح والتعديل للتمحيص في هوية الراوي ومصداقيته وأخلاقه وإخلاصه للإسلام.
وبدأت التعقيدات تظهر من هنا، حيث باتت كل جماعة لا تأخذ إلاّ من الراوي الذي تثق به أو تنسبه الى معسكرها. فالراوي ومن يأخذ عنه بالتواتر ينبغي ان يكونوا مقربين من أهل البيت وموالين لهم بالنسبة للشيعة، وعند السنة ينبغي أن يكونوا من محبي الصحابة ومن غير المشكوك في ولائهم ومحبتهم للخلفاء الأربعة.
وهكذا بدأ تصنيف الحديث يتم على أساس حزبي وجهوي إذا صح التعبير، وبرزت تصنيفات متعددة للأحاديث؛ منها الصحيح والضعيف والمدسوس (الاسرائيلي)، وظهرت أحاديث بالغة في عدم منطقيتها، بل في اسطوريتها عند جميع المذاهب.
ولعلماء الحديث أساليبهم ومناهجهم التي يفنّدون فيها كل حديث وكيفية نقله وتواتره حتى وصل الينا. بالمختصر أصبح الحديث وهو المصدر الثاني من مصادر التشريع رهناً بـ “الثقاة”.
وبالتالي أصبح كل مذهب يعتد بـ “أسانيد” من الأحاديث لتسويغ وجهة نظره. ولم
تقتصر تلك التسويغات على أحاديث النبي محمد بل تعدتها الى الصحابة عند السنة وأئمة
أهل البيت عند الشيعة.
وفي حين ظلت الشريعة الإسلامية قاسماً مشتركاً بين المسلمين تجمع في كلياتها الأساسية بين المذهبين الرئيسين أكثر مما تفرّق، تحوّل الفقه الى شكل من أشكال التفرقة حتى بين مدارس المذهب الواحد.
فالاختلاف الفقهي بين أئمة أهل السنة الأربعة، أو بين فقهاء ومراجع الشيعة، قد يكون أحياناً في بعض جوانبه أكثر عمقاً من مسائل خلافية بين السنة والشيعة.
بيد أن الشحن المذهبي المدعوم بجدل عقائدي بيزنطي لا يفيد المسلمين بشئ في الواقع، تجذر في التاريخ وتشظى الى ذروته في الحاضر. وبالتالي أصبحت الخلافات أعمق وارتبطت الآراء الفقهية والفتاوى الشرعية بصور نمطية شكّلها كل فريق في ذاكرته ووعيه الجمعي عن الفريق الآخر، فكادت معها أن تصبح هذه الصورعند فئة في نظر الفئة الأخرى وبالعكس مثيرة للسخرية أو للضحك أو حتى للغضب، في حين كان الآخرون يسخرون منا وتضحك من جهلنا الأمم. لماذا؟ لأن المؤسسة الدينية من الأساس لا لزوم لها في علاقة الإنسان بما يؤمن به من أمور ميتافيزيقية، وبحسب الإسلام، فإن الله أقرب للانسان من حبل الوريد، فلماذا سيحتاج الى مذاهب ورجال دين ودكاكين تستغل ضعفه تجاه ما يعتبره مطلقاً، وتغتني بالأموال والنفوذ على حسابه؟
وفي حين ظلت الشريعة الإسلامية قاسماً مشتركاً بين المسلمين تجمع في كلياتها الأساسية بين المذهبين الرئيسين أكثر مما تفرّق، تحوّل الفقه الى شكل من أشكال التفرقة حتى بين مدارس المذهب الواحد.
فالاختلاف الفقهي بين أئمة أهل السنة الأربعة، أو بين فقهاء ومراجع الشيعة، قد يكون أحياناً في بعض جوانبه أكثر عمقاً من مسائل خلافية بين السنة والشيعة.
بيد أن الشحن المذهبي المدعوم بجدل عقائدي بيزنطي لا يفيد المسلمين بشئ في الواقع، تجذر في التاريخ وتشظى الى ذروته في الحاضر. وبالتالي أصبحت الخلافات أعمق وارتبطت الآراء الفقهية والفتاوى الشرعية بصور نمطية شكّلها كل فريق في ذاكرته ووعيه الجمعي عن الفريق الآخر، فكادت معها أن تصبح هذه الصورعند فئة في نظر الفئة الأخرى وبالعكس مثيرة للسخرية أو للضحك أو حتى للغضب، في حين كان الآخرون يسخرون منا وتضحك من جهلنا الأمم. لماذا؟ لأن المؤسسة الدينية من الأساس لا لزوم لها في علاقة الإنسان بما يؤمن به من أمور ميتافيزيقية، وبحسب الإسلام، فإن الله أقرب للانسان من حبل الوريد، فلماذا سيحتاج الى مذاهب ورجال دين ودكاكين تستغل ضعفه تجاه ما يعتبره مطلقاً، وتغتني بالأموال والنفوذ على حسابه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق