معمر عطوي
من معركة الجمل إلى كربلاء مروراً بصفين مراحل مفصلية في تاريخ الإسلام أسست
لفتنة مذهبية بين السنة والشيعة وصلت إلى ذروتها اليوم، قتالاً وتفجيراً وخطفاً وقص
لحىً ورقاب.
ففيما انتهت معركة صفين بالتحكيم وانفضّ كل طرف إلى شؤونه في هدنة لم تنجح في محو حقد معاوية بن أبي سفيان على الإمام علي، والذي تولى الخلافة من بعده، أتت معركة كربلاء لتجسّد امتدادات ما سبقها، حيث استأنف معاوية تكريس مخططه العائلي في تحويل الخلافة الى وراثة، متحدياً أهل بيت الرسول الذين عملوا أيضاً على تحويل الإمامة الى وراثة عائلية محصورة بذرية علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد.
وبينما كانت حجة معاوية ضعيفة في اثبات صحة قراراته في نقل الخلافة الى ابنه يزيد الذي لم يكن يعرف من الإسلام سوى إسمه، كان أهل البيت ومن يواليهم يعتقدون بأن إمامة ذرية علي منصوص عليها في القرآن الكريم. وفي ذلك استندوا الى أحاديث نبوية هي محل خلاف بين المسلمين، في وقت لم يوضح فيه القرآن مسألة من يؤول اليه الحكم.
وبقطع النظر عن مسألة عدم التزام يزيد بن معاوية وبعض أقطاب بني امية بالأخلاق الإسلامية ومخالفتهم للقواعد السلوكية الشرعية (في ميزان معظم الفقهاء بمن فيهم فقهاء السنة بعد تبلور المذاهب)، فإن مسألة تقى وورع وعلم أئمة أهل البيت أيضاً فيها نظر ولم يكن ينبغي التسليم بها في ظل صعود موجة التطرف في الولاء والتأييد.
نسلّم أن معركة كربلاء كانت معركة مفصلية بين الحق والباطل، على اعتبار أن ما قام به يزيد من جرائم دموية بحق سلالة النبي لا يمكن وضعه في سياق خلافي فقهي أو فكري أو سياسي، بقدر ما يشير الى عطش جامح للسلطة ولو على حساب الدين والشريعة، وأن الحسين خاض هذه المعركة بهدف الاصلاح وتصويب المسار.
كان الحق الى جانب الحسين في هذه المعركة بشهادة جميع فقهاء وعلماء المسلمين، إلاّ من استسلم منهم للحقد الأعمى على أهل البيت ارضاءً للسلطان أو لغرائز نابعة من ردة فعل خاطئة على غلو أتباع ومناصري ذرية محمد.
بيد أن المشكلة فيما بعد لم تعد مجرد البحث عن صحة أو عدم صحة تقويم هذا الطرف أو ذاك، في سياق ما يُوصف بأنه بحث عن الحق، بقدر ما أصبحت مشكلة مبالغة في الولاء لدى كلا الطرفين وصولاً الى نسج كل منهم لمعزوفات من الخرافات والأكاذيب بهدف تعزيز موقعه وإسناد آرائه.
من هنا تحولت الخلافات السياسية التي بدأت بوقعة الجمل ولم تنتهي بموقعة كربلاء، إلى انشقاقات مذهبية، ولم يسلم كل مذهب من الانشقاقات في داخله أيضاً. فمذهب أهل السنة والجماعة أصبح أربعة مذاهب رسمية؛ هي الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي، والمذهب الشيعي الجعفري انقسم الى اثني عشري وزيدي. وفيما بعد برزت مدارس أخرى وجماعات لها طرق مختلفة في التفكير كالإسماعيلية والعلوية والإباضية والجبرية والأشعرية والمعتزلة واللأأدرية الخ.
كل هذه الإفرازات شهدها تاريخ الإسلام على مدى عقود كإمتدادات لمشكلات سياسية وحروب بين جماعات تدين جميعها بالإسلام والتوحيد، قبل أن تؤسس كل منها منظومتها العقائدية والأصولية وأحكامها الشرعية وسيرتها للنبي وأتباعه وفق نظرتها الخاصة بها.
إذن نشأت هذه المذاهب رغم تتلمذ الأئمة الأربعة على يد الإمام جعفر الصادق، وعدم ظهور ارهاصات اصطفافات عقائدية في ذلك الوقت، على اعتبار ان الاختلاف في الاجتهاد والفهم نابع من كون القرآن حمّال أوجه، والسنة بحاجة الى تمحيص وبحث في من يرويها ومن ينقلها بالتواتر وأن هذه القراءات المختلفة لا تبرر ظهور طوائف متقاتلة.
لذلك يمكن القول إن ما حوّل الخلاف في الاجتهاد الى منظومات عقائدية متضاربة هو المصالح السياسية بين سلطة إسلامية رسمية لديها ردة فعل سلبية غير مبررة ضد أئمة أهل البيت وبين جماعة مغالية في حب آل الرسول. أمر أسس لظهور مدرستين: واحدة مؤيدة لـ “المبشرين بالجنة” من الصحابة، وأخرى موالية لـ “الأئمة المعصومين” من جهة أخرى وفي كلا الحالتين كم هائل من الأحاديث التي لا يمكن اعتمادها جميعاً كروايات موثوقة وفق معايير علم الرجال أو علم الجرح والتعديل.
فالمغالاة من هذا الجانب أو ذاك صنعت ردة فعل عند كل طرف، فبات ينسج أفكاره وآراءه انطلاقاً من رؤية انفعالية لا علاقة لها لا بالعقل ولا بالمنطق.
وهكذا بات بعض الصحابة بنظر أتباع أهل البيت مكروهين وتحولت كل أفعالهم وانجازاتهم التي قدموها للإسلام الى أعمال منسية، فذهب العمل الصالح بذريعة الطالح، والأمر نفسه أصبح لدى جماعة الإسلام السياسي الرسمي الذي بدأ مع الأمويين واستمر مع العباسيين وصولاً الى العثمانيين، إذ تحول كره أهل البيت من بعض المغالين في حبهم للصحابة وتأييدهم للسلطة الرسمية الى عملية سب لأهل البيت على المنابر. وفي المقابل درجت العادة بسب صحابة الرسول لدى من انضم الى ما أصبح يُعرف بمذهب أهل البيت، الى درجة أن الشيعة لا ينطقون بأسماء بعض أبناء سلالة علي الذين قتلهم يزيد في كربلاء، لأهم فقط يحملون أسماء صحابة مثل عمر وعثمان، فوصل التخلف حتى في التعامل مع الأسماء.
وبالتالي انتفت الموضوعية تماماً من الوعي الجمعي الإسلامي وساد منطق الحقد التاريخي الذي تطور الى ما نعيشه اليوم. المفارقة المزعجة أن هذا الحقد هو نتيجة أساطير أسست لمذاهب ومنظومات لا علاقة لها بالأخلاق الإسلامية ولا بالتاريخ الذي تعرّض الى تشويه منظم من كلا الجانبين وصولاً الى صدور فتاوى هدر الدم الذي نعيشه مأساتها اليوم.
ففيما انتهت معركة صفين بالتحكيم وانفضّ كل طرف إلى شؤونه في هدنة لم تنجح في محو حقد معاوية بن أبي سفيان على الإمام علي، والذي تولى الخلافة من بعده، أتت معركة كربلاء لتجسّد امتدادات ما سبقها، حيث استأنف معاوية تكريس مخططه العائلي في تحويل الخلافة الى وراثة، متحدياً أهل بيت الرسول الذين عملوا أيضاً على تحويل الإمامة الى وراثة عائلية محصورة بذرية علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد.
وبينما كانت حجة معاوية ضعيفة في اثبات صحة قراراته في نقل الخلافة الى ابنه يزيد الذي لم يكن يعرف من الإسلام سوى إسمه، كان أهل البيت ومن يواليهم يعتقدون بأن إمامة ذرية علي منصوص عليها في القرآن الكريم. وفي ذلك استندوا الى أحاديث نبوية هي محل خلاف بين المسلمين، في وقت لم يوضح فيه القرآن مسألة من يؤول اليه الحكم.
وبقطع النظر عن مسألة عدم التزام يزيد بن معاوية وبعض أقطاب بني امية بالأخلاق الإسلامية ومخالفتهم للقواعد السلوكية الشرعية (في ميزان معظم الفقهاء بمن فيهم فقهاء السنة بعد تبلور المذاهب)، فإن مسألة تقى وورع وعلم أئمة أهل البيت أيضاً فيها نظر ولم يكن ينبغي التسليم بها في ظل صعود موجة التطرف في الولاء والتأييد.
نسلّم أن معركة كربلاء كانت معركة مفصلية بين الحق والباطل، على اعتبار أن ما قام به يزيد من جرائم دموية بحق سلالة النبي لا يمكن وضعه في سياق خلافي فقهي أو فكري أو سياسي، بقدر ما يشير الى عطش جامح للسلطة ولو على حساب الدين والشريعة، وأن الحسين خاض هذه المعركة بهدف الاصلاح وتصويب المسار.
كان الحق الى جانب الحسين في هذه المعركة بشهادة جميع فقهاء وعلماء المسلمين، إلاّ من استسلم منهم للحقد الأعمى على أهل البيت ارضاءً للسلطان أو لغرائز نابعة من ردة فعل خاطئة على غلو أتباع ومناصري ذرية محمد.
بيد أن المشكلة فيما بعد لم تعد مجرد البحث عن صحة أو عدم صحة تقويم هذا الطرف أو ذاك، في سياق ما يُوصف بأنه بحث عن الحق، بقدر ما أصبحت مشكلة مبالغة في الولاء لدى كلا الطرفين وصولاً الى نسج كل منهم لمعزوفات من الخرافات والأكاذيب بهدف تعزيز موقعه وإسناد آرائه.
من هنا تحولت الخلافات السياسية التي بدأت بوقعة الجمل ولم تنتهي بموقعة كربلاء، إلى انشقاقات مذهبية، ولم يسلم كل مذهب من الانشقاقات في داخله أيضاً. فمذهب أهل السنة والجماعة أصبح أربعة مذاهب رسمية؛ هي الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي، والمذهب الشيعي الجعفري انقسم الى اثني عشري وزيدي. وفيما بعد برزت مدارس أخرى وجماعات لها طرق مختلفة في التفكير كالإسماعيلية والعلوية والإباضية والجبرية والأشعرية والمعتزلة واللأأدرية الخ.
كل هذه الإفرازات شهدها تاريخ الإسلام على مدى عقود كإمتدادات لمشكلات سياسية وحروب بين جماعات تدين جميعها بالإسلام والتوحيد، قبل أن تؤسس كل منها منظومتها العقائدية والأصولية وأحكامها الشرعية وسيرتها للنبي وأتباعه وفق نظرتها الخاصة بها.
إذن نشأت هذه المذاهب رغم تتلمذ الأئمة الأربعة على يد الإمام جعفر الصادق، وعدم ظهور ارهاصات اصطفافات عقائدية في ذلك الوقت، على اعتبار ان الاختلاف في الاجتهاد والفهم نابع من كون القرآن حمّال أوجه، والسنة بحاجة الى تمحيص وبحث في من يرويها ومن ينقلها بالتواتر وأن هذه القراءات المختلفة لا تبرر ظهور طوائف متقاتلة.
لذلك يمكن القول إن ما حوّل الخلاف في الاجتهاد الى منظومات عقائدية متضاربة هو المصالح السياسية بين سلطة إسلامية رسمية لديها ردة فعل سلبية غير مبررة ضد أئمة أهل البيت وبين جماعة مغالية في حب آل الرسول. أمر أسس لظهور مدرستين: واحدة مؤيدة لـ “المبشرين بالجنة” من الصحابة، وأخرى موالية لـ “الأئمة المعصومين” من جهة أخرى وفي كلا الحالتين كم هائل من الأحاديث التي لا يمكن اعتمادها جميعاً كروايات موثوقة وفق معايير علم الرجال أو علم الجرح والتعديل.
فالمغالاة من هذا الجانب أو ذاك صنعت ردة فعل عند كل طرف، فبات ينسج أفكاره وآراءه انطلاقاً من رؤية انفعالية لا علاقة لها لا بالعقل ولا بالمنطق.
وهكذا بات بعض الصحابة بنظر أتباع أهل البيت مكروهين وتحولت كل أفعالهم وانجازاتهم التي قدموها للإسلام الى أعمال منسية، فذهب العمل الصالح بذريعة الطالح، والأمر نفسه أصبح لدى جماعة الإسلام السياسي الرسمي الذي بدأ مع الأمويين واستمر مع العباسيين وصولاً الى العثمانيين، إذ تحول كره أهل البيت من بعض المغالين في حبهم للصحابة وتأييدهم للسلطة الرسمية الى عملية سب لأهل البيت على المنابر. وفي المقابل درجت العادة بسب صحابة الرسول لدى من انضم الى ما أصبح يُعرف بمذهب أهل البيت، الى درجة أن الشيعة لا ينطقون بأسماء بعض أبناء سلالة علي الذين قتلهم يزيد في كربلاء، لأهم فقط يحملون أسماء صحابة مثل عمر وعثمان، فوصل التخلف حتى في التعامل مع الأسماء.
وبالتالي انتفت الموضوعية تماماً من الوعي الجمعي الإسلامي وساد منطق الحقد التاريخي الذي تطور الى ما نعيشه اليوم. المفارقة المزعجة أن هذا الحقد هو نتيجة أساطير أسست لمذاهب ومنظومات لا علاقة لها بالأخلاق الإسلامية ولا بالتاريخ الذي تعرّض الى تشويه منظم من كلا الجانبين وصولاً الى صدور فتاوى هدر الدم الذي نعيشه مأساتها اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق