معمر عطوي
فكرة صائبة، تلك التي اعتمدتها المنظمة العربية للترجمة، بإناطة تعريب «فكرة الفينومينولوجيا» (Die Idee der phaenomenologie) بالدكتور فتحي إنقزو، أستاذ الفلسفة التونسي، الذي يعدّ من المتخصصين بأعمال الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل (1859-1938). تخصُّص برز من خلال ثلاثة كتب: «هوسرل واستئناف الميتافيزيقا» و«هوسرل ومعاصروه: من فينومينولوجيا اللغة الى تأويلية الفهم» و«مدخل إلى مسألة العلامة في فينومينولوجيا هوسرل».
في الحقيقة أن الفيلسوف، هو المؤسّس الأول للمنهج الفينومينولوجي العلمي في مطلع القرن العشرين. وجاء في كتابه سبعة محاور. الأول بعنوان «مسار التفكير في الدروس الخمسة» وفيه ثلاثة أطوار من الاعتبار الفينومينولوجي، ثم خمسة دروس، كان قد قدّمها هوسرل عام 1907، موسّعاً فيها مفهوم الردّ الفينومينولوجي، أي التحديد المنهجي للمعرفة الفلسفية بحسب وقائع الوعي ــ الظاهرة.يقول المترجم في مقدمته «هذه الدروس مقدّمة لدراسات فينومينولوجية عينية متعلّقة عامة بما أصبح هوسرل يسميّه التقوّم (konstitution) وارتباطه بميدان الموضوعات الحسيّة بادئ الأمر، أي الأشياء الواقعة في المكان والزمان». بمعنى ما، العودة الى اختبار الذات ومنهج الوصف. وصف العمليات الأولى التي يتّم فيها تعرّف الذات الإنسانيّة إلى الظواهر. من هنا نرى أنّ الفيلسوف الألماني أقام بناءه الفلسفي على ثالوث ذي بعد علائقي جدلي (علم الرياضيات وعلم النفس وتاريخ الفلسفة الحديثة).ويرى المترجم أنّ «أهمّ ما يقوم عليه الفكر الطبيعي في نهاية المطاف أنّه فكر ينحو بطبعه نحو فضّ التناقضات وحلّ الصعوبات مهما كان مأتاها... والفكر الطبيعي شأنه ألا يسائل المعرفة عن إمكانها، وإنما هو يستقبل الموضوع كما يرد إليه: المعرفة جزء من الطبيعة وامتداد لها بوصفها «معيشاً» (Erlebnis) تحمله كائنات عضويّة طبيعيّة».ويخلص إنقزو الى أن الفينومينولوجيا «هي الحلّ الفلسفي والتاريخي لمشكلة نظريّة المعرفة من حيث هي نظريّة في نقد العقل النظري، وهي لذلك مكوّنات نقديّة بالمعنى الحديث للّفظ، أي بالمعنى الباحث عن الشروط القبلية (Priori) للمعقوليّة وللصدق وللحقيقة في الموضوعات (مستحضراً الفيلسوف آمانويل كانط هنا). لذلك فالبنية التي تنظم المسألة المعرفية بنية تضايفية (علائقيّة) تهتم بالعلاقات بين أطراف ثلاثة: المعرفة والمعنى المعرفي وموضوع المعرفة...».ثمّة مناقشات مستفيضة تحمل الطابع الجدلي، يجريها الكاتب مع أقرانه من الفلاسفة الكبار مثل كانط ورينيه ديكارت: استقى هوسرل من ديكارت فكرتين أساسيتين، الأولى هي نقد كل ما يثير الشك والثانية هي أنّ الذات (Subjekt) أساس الحقيقة. ويتّفق مع كانط على أن الذات هي مصدر كل معرفة تفترض قدرة موضوعيّة في احتكاكها بالعالم الخارجي. قد يكون أحد أهم الأخطاء التي يقع فيها المترجمون لأعمال الفلسفة، هي اللغة والمصطلحات المستخدمة، التي تزيد من صعوبة النصّ الفلسفي بدلاً من تقديمه للقارئ بأسلوب أكثر سلاسة. لكن بأي حال تعدّ ترجمة الأعمال الفلسفيّة العظيمة على غرار هذا الكتاب اشتغالاً بالفلسفة أكثر منه عمل تعريبي، وهنا بيت القصيد. إذ إن الفلسفة لا يمكن أن تغادر برجها العاجي مهما جرى تبسيط لغتها وتفكيك مصطلحاتها.
العنوان الأصليفكرة الفينومينولوجيا
الكاتبإدموند هوسرل
الناشرالمنظمة العربيّة للترجمة
عدد الاربعاء ٢٥ حزيران ٢٠٠٨
في الحقيقة أن الفيلسوف، هو المؤسّس الأول للمنهج الفينومينولوجي العلمي في مطلع القرن العشرين. وجاء في كتابه سبعة محاور. الأول بعنوان «مسار التفكير في الدروس الخمسة» وفيه ثلاثة أطوار من الاعتبار الفينومينولوجي، ثم خمسة دروس، كان قد قدّمها هوسرل عام 1907، موسّعاً فيها مفهوم الردّ الفينومينولوجي، أي التحديد المنهجي للمعرفة الفلسفية بحسب وقائع الوعي ــ الظاهرة.يقول المترجم في مقدمته «هذه الدروس مقدّمة لدراسات فينومينولوجية عينية متعلّقة عامة بما أصبح هوسرل يسميّه التقوّم (konstitution) وارتباطه بميدان الموضوعات الحسيّة بادئ الأمر، أي الأشياء الواقعة في المكان والزمان». بمعنى ما، العودة الى اختبار الذات ومنهج الوصف. وصف العمليات الأولى التي يتّم فيها تعرّف الذات الإنسانيّة إلى الظواهر. من هنا نرى أنّ الفيلسوف الألماني أقام بناءه الفلسفي على ثالوث ذي بعد علائقي جدلي (علم الرياضيات وعلم النفس وتاريخ الفلسفة الحديثة).ويرى المترجم أنّ «أهمّ ما يقوم عليه الفكر الطبيعي في نهاية المطاف أنّه فكر ينحو بطبعه نحو فضّ التناقضات وحلّ الصعوبات مهما كان مأتاها... والفكر الطبيعي شأنه ألا يسائل المعرفة عن إمكانها، وإنما هو يستقبل الموضوع كما يرد إليه: المعرفة جزء من الطبيعة وامتداد لها بوصفها «معيشاً» (Erlebnis) تحمله كائنات عضويّة طبيعيّة».ويخلص إنقزو الى أن الفينومينولوجيا «هي الحلّ الفلسفي والتاريخي لمشكلة نظريّة المعرفة من حيث هي نظريّة في نقد العقل النظري، وهي لذلك مكوّنات نقديّة بالمعنى الحديث للّفظ، أي بالمعنى الباحث عن الشروط القبلية (Priori) للمعقوليّة وللصدق وللحقيقة في الموضوعات (مستحضراً الفيلسوف آمانويل كانط هنا). لذلك فالبنية التي تنظم المسألة المعرفية بنية تضايفية (علائقيّة) تهتم بالعلاقات بين أطراف ثلاثة: المعرفة والمعنى المعرفي وموضوع المعرفة...».ثمّة مناقشات مستفيضة تحمل الطابع الجدلي، يجريها الكاتب مع أقرانه من الفلاسفة الكبار مثل كانط ورينيه ديكارت: استقى هوسرل من ديكارت فكرتين أساسيتين، الأولى هي نقد كل ما يثير الشك والثانية هي أنّ الذات (Subjekt) أساس الحقيقة. ويتّفق مع كانط على أن الذات هي مصدر كل معرفة تفترض قدرة موضوعيّة في احتكاكها بالعالم الخارجي. قد يكون أحد أهم الأخطاء التي يقع فيها المترجمون لأعمال الفلسفة، هي اللغة والمصطلحات المستخدمة، التي تزيد من صعوبة النصّ الفلسفي بدلاً من تقديمه للقارئ بأسلوب أكثر سلاسة. لكن بأي حال تعدّ ترجمة الأعمال الفلسفيّة العظيمة على غرار هذا الكتاب اشتغالاً بالفلسفة أكثر منه عمل تعريبي، وهنا بيت القصيد. إذ إن الفلسفة لا يمكن أن تغادر برجها العاجي مهما جرى تبسيط لغتها وتفكيك مصطلحاتها.
العنوان الأصليفكرة الفينومينولوجيا
الكاتبإدموند هوسرل
الناشرالمنظمة العربيّة للترجمة
عدد الاربعاء ٢٥ حزيران ٢٠٠٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق