معمر عطوي
يبدو أن الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الإيرانية، التي تُجرى في 25 نيسان المقبل، لن تكون أفضل من سابقاتها بالنسبة إلى الإصلاحيين، بل على الأرجح ستزيد حدة التنافس بين المحافظين أنفسهم، وتفتح معركة الرئاسة في العام المقبل على مصراعيها.الانشقاق الحاصل بين تيار الرئيس محمود أحمدي نجاد (جبهة المدافعين عن المبادئ) وتيَّار الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني (الائتلاف الموسَّع للمدافعين عن المبادئ)، فرض معادلة جديدة على حلبة التنافس السياسي، إذ انتقلت المنافسة بين «محافظين وإصلاحيين» إلى منافسة بين «محافظين ومحافظين»، ولا سيما بعد حصول تيار لاريجاني المدعوم من عمدة طهران محمد باقر قاليباف والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي، على عدد من المقاعد في الدورة الأولى، ولا سيما في طهران.الواضح أن انتخابات طهران ستكون الأعنف، وخصوصاً أن مرشحي التيار المحافظ «المُنشق» والتيار الإصلاحي يمتلكون حظوظاً أفضل في العاصمة، من المناطق الأخرى التي عكف الرئيس محمود أحمدي نجاد منذ تسلّمه منصبه في عام 2005، على القيام بزيارات إلى الأقاليم النائية، مصحوبة بتوزيع الأموال لمشاريع واستثمارات وقروض مُيسّرة على المواطنين، فانعكس ذلك سلباً على حركة الاقتصاد، ما زاد من نسبة التضخم لتصل إلى حدود 20 في المئة.وطهران التي تنتظر انتخاب 11 نائباً في الدورة الثانية، بعد اختيار 19 نائباً في الدورة الأولى، تترقّب اختراقاً إصلاحياً، إذ إن عدد المرشّحين من هذا التيار الذين لم تُحسَم نتيجتهم بعد، يبلغ 32. وربما كانت العاصمة هي الحلبة الوحيدة التي تنافس فيها مؤيدو نجاد مع مؤيدي لاريجاني، وخصوصاً أن المحافظين لهم حضور قويّ في الأحياء الجنوبية الفقيرة من طهران. وخلافاً للمحافظات حيث المواضيع المحلية تُمثِّل أولوية، فإن التصويت في العاصمة هو سياسي قبل أي شيء آخر.لكن على الصعيد العام تجرى الدورة الثانية في 44 دائرة انتخابية، منها طهران وري وشميرانات وإسلام شهر، فيما كانت الدورة الأولى قد أجريت في 146 دائرة انتخابية، اكتسحها المحافظون، وأدت إلى انتخاب 189 نائباً من أصل 290 هم مُجمَل عدد أعضاء مجلس الشورى الإسلامي. والمفارقة أن عدد الإصلاحيين في الدوائر التي أُجريت فيها الانتخابات في دورتها الأولى زاد من 40 مقعداً إلى 44 مقعداً، لكن هذا لم يمنع المبدئيين «المحافظين» من الفوز بنحو 70 في المئة من مقاعد البرلمان.لقد أدّى مجلس صيانة الدستور، الذي ينظر في صلاحية المُرشَّح ويُدقِّق في مدى التزامه مبادئ الإسلام ووفائه للنظام، دوراً في حصر المعركة بين تيار محافظ أصولي وآخر محافظ «معارض»، مستبعداً أكثر من ألفي مرشّح معظمهم من تيار محمد خاتمي الإصلاحي والمتحالفين معه في إطار جبهة المشاركة الإسلامية. مع العلم أن تياري المحافظين يحظى بدعم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، والمؤسسة الدينية في قُم.لعلّ هذه الصيغة التي نجح النظام الإسلامي في فبركتها، كان من شأنها تعزيز تعدّدية النظرة تجاه قضايا اقتصادية ومعيشية، في إطار وحدة المبدئيين، مع ترك المسائل الكبرى مثل الملف النووي والسياسة الخارجية في يد خامنئي. وهنا تكمن ثُغر الديموقراطية والانتخابات في إيران التي تبقى محصورة في إطار سلطة المؤسسة الدينية.على ما يبدو هنا، أن مرحلة ما بعد الدورة الثانية، قد تحسم مسألة استبعاد «خطر «الإصلاحيين»، ليتفرّغ المحافظون بجناحيهم لمعركة تنافسية من نوع آخر، هدفها منصب الرئاسة، وتجرى الانتخابات بشأنها العام المقبل. يدعم هذه الفرضية ما أكده محمد علي أبطحي، وهو حليف مقرب من خاتمي، بقوله: «سيواجه الرئيس تحديات في البرلمان التالي أكثر من التي واجهها مع البرلمان الحالي».وبات من الواضح أن الانتخابات الحالية قد رسمت ملامح المواجهة إلى حدٍّ كبير، إذ تعزَّزت فرص الرئيس نجاد للفوز بفترة ولاية ثانية، وفي الوقت نفسه انبرى لاريجاني المُختلف مع الرئيس على إدارة التفاوض في الملف النووي، إلى حلبة هذا التنافس بقوة بعد فوزه كممثل نيابي عن مدينة قم الدينية، مدعوماً من الملالي وخامنئي، مع التذكير هنا بأن تأييد خامنئي لنجاد، كان السبب الرئيسي لفوزه المفاجئ بالرئاسة في عام 2005 .
الأخبار٢٩ آذار ٢٠٠٨
الأخبار٢٩ آذار ٢٠٠٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق