في مطلع شهر نيسان الحالي أقر البرلمان اللبناني قانون حماية النساء وسائر
أفراد الأسرة من العنف الأسري، غير أن هذا القانون يبدو في شكله الحالي غير
متوافق مع الصيغة التي سعت منظمات المجتمع المدني الى التأكيد عليها.
في مطلع شهر نيسان الحالي أقر البرلمان اللبناني قانون حماية النساء وسائر
أفراد الأسرة من العنف الأسري، غير أن هذا القانون يبدو في شكله الحالي غير
متوافق مع الصيغة التي سعت منظمات المجتمع المدني الى التأكيد عليها.
كان المطلوب من أعضاء المجلس التشريعي اللبناني هو تخصيص المرأة بقانون
يحميها من العنف والاغتصاب الزوجي، وليس تعميمه. هذا هو ما تنتقده جمعيات
الدفاع عن حقوق المرأة وخصوصاً "منظمة كفى عنف واستغلال" التي ساهمت الى حد
كبير في صياغة قانون حماية المرأة، بيد أن البرلمان "خذلها" كما تؤكد
المنسقة الإعلامية للمنظمة مايا العمار في لقائها مع DW /عربية.
تمييع موضوع حماية النساء
لم يكن الأمر سهلا بالنظر الى الحقل المليء بالألغام الطائفية والعقلية
الذكورية التقليدية في لبنان، كما تقول الناشطة الاجتماعية العمار من جمعية
"كفى" ،وتضيف أن "العمل بدأ على أكثر من جبهة، منها مساندة الضحايا وتغيير
العقليات عبر حملات التوعية أو المطالبة بتحديث القوانين الذكورية
المتخلفة، ناهيك عن العمل مع قوى الأمن الداخلي لتحسين أدائها مع النساء
المعنفات".
وتشير السيدة العمار الى نجاح المنظمة في إدراج موضوع تدريب العناصر
القضائية على كيفية التصرف مع المرأة بعد التعرض للتعنيف، غير أنها تتناول
بلهجة منتقدة العمل مع الكتل النيابية، والذي "أوصل القانون الى ما وصل
اليه، حيث كان هناك نوع من الخذلان. فرغم وضع المشروع على جدول الأعمال
واقراره لم يلتزموا بالملاحظات المعروضة. وجاء تعميم القانون على الأسرة
رغم أن القانون انبنى على حاجات النساء. لقد تم تمييع الموضوع".
وتلفت الناشطة الاجتماعية النظر إلى مشكلة أساسية في القانون وهو موضوع
الأطفال الذين ليسوا في سن الحضانة بموجب نص هذا القانون، مؤكدة ان منظمة
"كفى" قدمت تعديلات وطالبت برد القانون إلى المجلس النيابي مشيرة إلى أن
هذه الصيغة الحالية مشوهة وبها مفاهيم خطرة".
الفلسفة الجوهرية
وتعتبر الكاتبة في جريدة "السفير" سعدى علّوه، أن "تعميم القانون ينسف
الفلسفة الجوهرية منه، وهي تخصيص النساء سواء كن بناتا أو زوجات. أما الرجل
فهو محمي بكل المنظومة الإجتماعية والدينية والتقليدية والقانونية".
كما تؤكد الصحافية الناشطة، في حديثها مع DW
/عربية، أن المعركة التي يخوضها الإعلام والمجتمع المدني، "هي خطوة للتأكيد
على المواطنة في دولة وليسمن منطلق الرعايا في طوائف، معتبرة أن الدولة
سقطت في الامتحان، كما أثبت النواب أنهم مصرون على بقائنا في دولة طوائف".
غير أن الكاتبة أمية درغام، ترفض تخصيص النساء بقانون، وتعتبر أن المواطنين
متساوون أمام القانون والأصل هو الإنسان، مشيرة إلى أن المجتمع في حاجة
إلى تفعيل قانون العقوبات.
العنف الجسدي والمعنوي؟
العنف لا يقتصر على الضرب والإيذاء الجسدي، هذا ما توضحه سارة (إسم مستعار) إحدى ضحايا العنف الأسري لـ DW
/عربية وتشير الى ما تتعرض إليه من زوجها منذ عشر سنوات على شكل عنف معنوي
من خلال الإساءات اللفظية، وقد تسبب لها ذلك في أمراض جسدية ونفسية حادة
اعتبرتها "أخطرمن العنف الجسدي".
وتقول سارة: "ضعفت شخصيتي وثقتي بالنفس بشكل كبير، جراء هذا العنف اللفظي
وترك لي أوجاعاً لدرجة أني لم أعد قادرة على الكلام الا بتأتأة. مشيرة الى
أن زوجها يعتقد أنه " دائماً هو الأذكى والأفضل وصاحب القرار. أما أنا
فيعتبرني لا شيء رغم أننا في نفس المستوى العلمي والأكاديمي".
وكما هو الأمرلدى غالبية النساء في لبنان تبرر سارة عدم القيام بمواجهة ذلك
الظلم من منطلق "الحفاظ على عائلتي وأولادي. لأني إذا تطلقت سأخسر الأولاد
وأصبح خارج البيت الزوجي. قد يكون العيش مع الأهل أصعب، لأن والدي أيضاً
عنيف ويتصرف بنزعة ذكورية وكان يعنّف أمي. فالسكن معه لن يكون أفضل!".
وتشرح سارة أن القانون يحمي زوجها بشكل أكبر وتلاحظ أن " مساويء القانون
الجديد تتجلى في صعوبة إثبات تعرضي للعنف".
وتحكي ضحية أخرى عبر الهاتف ل DW /عربية، أنها
تتعرض للعنف بإسم الدين. فحين تلجأ الى أهلها المتدينين يبررون عدم دعم
طلبها بالطلاق من منطلق "الرجال قوامون على النساء" وتضيف أن "أهلي يعتقدون
أن بقائي مظلومة أفضل من أن أصبح مطلقة. والقانون الجديد لن يحميني لأن
قانون الشرائع الدينية في لبنان هو الأقوى". كما تلاحظ أن جزءا من المشكلة
يكمن في خشية النساء من "الفضيحة" أو ربما التعرض لأذى أكبر من الأهل.
قانون بلا مضمون
حسب المحامية والناشطة الحقوقية إقبال دوغان فقد خرج قانون حماية المرأة
بلا مضمون، وتضيف أن "هدف النواب هو إرضاء رجال الدين الذين تدخلوا في قضية
الحضانة حسب قانون الطائفة الذي يجبر الزوجة على التخلي عن أطفالها في سن
معين طبقاً لقانون كل طائفة على حدة، علما أن الدولة وقعت على اتفاقية حقوق
الطفل العالمية وبقائه بحضانة أمه حتى سن الـ 18".
وفيما يتعلق بقضية الاغتصاب الزوجي توضح دوغان أن "القانون يعاقب الزوج ليس
بسبب إجبار زوجته على الجماع، ولكن عندما يحصل تعسف، يتسبب في تعطيل
الزوجة عن العمل لمدة 10 أيام".
معمر عطوي (دويتشه فيله)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق