ثكنة تحتوي على مقارّ أمنيّة وسراديب وصالة أفراح
في الضاحية الجنوبية من العاصمة الليبية طرابلس وعند دوّار تتفرّع منه طرقات تؤدي الى الأماكن الرئيسية مثل المطار والساحة الخضراء (وسط) وشاطئ البحر والمستشفى العسكري وأحد الفنادق الفخمة، يقع مجمّع باب العزيزية، حيث معقل الزعيم الليبي معمر القذافي. موقع محصّن ومزوّد بكافة التجهيزات والمعدات العسكرية والحصون والسراديب والخنادق، التي يحتمي فيها «الأخ القائد» من غضب شعبه وغارات حلف شمال الأطلسي. المفارقة أن تسمية هذا المجمّع الضخم أتت من كون مدخله الأساسي كان واحداً من اثني عشر باباً من أبواب طرابلس، إلا أنه دخل التاريخ منذ قصفه الأميركيّون عام 1986... ولا يزال
معمر عطوي
على مساحة تبلغ ستة كيلومترات مربعة في جنوب العاصمة الليبية طرابلس، مجمّع عسكري أمني ضخم دخل التاريخ حين قصفته قوات الطيران الأميركي عام 1986، وعاد الى المشهد من جديد مع بدء العملية العسكرية لحلف شمال الأطلسي في الهضبة الأفريقية هذا العام.
ذلك هو باب العزيزية، المقر الذي يلوذ فيه القذافي ورفاقه خشية ملاحقة المعارضين له، واحتماءً من غارات حلف شمال الأطلسي الجوية، لكنّ هذا المكان ليس مجرّد ثكنة عسكرية، بل هو مجمّع أمني ضخم، يحتضن ثلاثة بيوت خاصة بالزعيم الليبي وعائلته وخيمة لاستقبالاته السياسية والشعبية.
وباب العزيزية، الذي كان تاريخياً أحد أبواب مدينة طرابلس الجنوبية الـ 12، يقع عند دوار في جنوب طرابلس، ويتشعّب إلى طرقات تقود نحو أبرز المعالم والمواقع في العاصمة الليبية، مثل شاطئ البحر ومطار طرابلس الدولي والمستشفى العسكري وأحد الفنادق الفخمة التي يرتادها العقيد والساحة الخضراء وسط العاصمة.
وتعدّ «قاعدة» باب العزيزية أكثر المواقع الليبية تحصيناً، فهي محاطة بثلاثة أسوار إسمنتية مضادة للقذائف، إضافةً إلى ضمها أكثر التشكيلات العسكرية والأمنية تطوراً من حيث التدريب والتسليح. وبحسب وصف معارض ليبي يعرف المكان جيداً، فإن مجمّع باب العزيزية يتألف من مبانٍِ عديدة ومكاتب لكبار القادة العسكريين والأمنيين. لعل أهم معالمه، مقر الاستخبارات ومكتب رئيس الاستخبارات العسكرية، (وهو الآن إسماعيل الكرامي أحد أبناء مصراتة النافذين في السلطة الليبية). ومن المفيد الإشارة الى أن مقر الاستخبارات أسسه أحد أعمام القذافي، الراحل خيري خالد.
وفي باب العزيزية، مبنى الحرس الثوري (أو الحرس الجمهوري)، الذي يرأسه العقيد خليفة حنيش، وهو من قبيلة القذاذفة والحارس الشخصي للقذافي.
كذلك هناك مقر الحرس الشعبي الذي يتألف من قادة الجيش و«رفاق القائد» و«أبناء الرفاق» والمتطوعين الذين يحبّون «الأخ القائد»، كما يفضّل مؤيدوه تسميته. ولهؤلاء العناصر والكوادر امتيازات في الجماهيرية، من حيث إمكان حصولهم على قروض من المصارف، وإتاحة المجال أمامهم وأمام عائلاتهم للعلاج في الخارج مجاناً، إضافة الى تزويدهم بسيارات وبأراضٍ زراعية لاستغلالها، كما يتمتعون أيضاً بتسهيلات في الإجراءات الإدارية الرسمية.
الى جانب ذلك، في هذا المجمّع مقر كتيبة الساعدي وجحفل خميس (كتيبتان عسكريتان يقودهما ابنا العقيد القذافي، وهما من أهم وأقوى الفرق العسكرية الأمنية في ليبيا). وفي مقر باب العزيزية جهاز تحكم في الاتصالات على مدى الجماهيرية، وهذا الجهاز يتحكّم في شبكات شركة «ليبيا للاتصالات» وشركة «هاتف ليبيا». إلى جانب ذلك يقع في هذه الثكنة مقر التنصت على المكالمات الهاتفية، كما تحوي مقر إدارة الاتصالات السلكية واللاسلكية لجميع المؤسسات الرسمية الليبية. وفي باب العزيزية مهبط طائرات مروحية.
وليطمئن الزعيم الليبي إلى أن ثروات بلاده لن تذهب إلى غيره وضع خزينة مصرف ليبيا المركزي في هذا المعقل، حسبما يتحدث بعض العارفين بأمور الجماهيرية.
لدى دخول الزائر من المدخل الرئيسي لباب العزيزية يصل مباشرةً الى قصر العقيد القذافي، الذي تنتصب أمامه خيمة كبيرة مجهزة بكل وسائل الراحة يستقبل فيها «الزعيم» ضيوفه. ويقول أحد أبناء مدينة سرت المنشقين عن النظام، إن القذافي يقضي جل وقته في الخيمة، إذ هي المكان المفضل لديه.
وتحيط بالخيمة أشجار متناثرة، وأمام مدخلها يمكن رؤية البيت الذي قصفه الأميركيون عام 1986، حيث لا يزال على وضعه بعد القصف من دون ترميم، شاهداً حياً على العدوان الأميركي. وضمن مباني القاعدة، هناك مبنى ضخم ذو قبة في أعلاها مجسم لنسر ضخم فارداً جناحيه. وبالقرب منه «صالة صفيّة» للمناسبات والأفراح، وسُميت باسم زوجة القذافي.
ولإعطاء المكان الصحراوي طابعاً لطيفاً، حوّل القذافي هذا المكان الى واحة خضراء مُزدانة بالأشجار. لعل أجمل ما فيها تلك المنطقة الخضراء الصناعية الضخمة التي يمكن فيها رؤية كافة أنواع الفواكه الصناعية والخضرة. هذه الحديقة الغنّاء كانت من ضمن مشروع تطوير للمجمّع بدأ منذ عشر سنوات، وتضمن تعزيز السراديب والملاجئ، تحسباً لأي ظرف طارئ داخلي أو خارجي يهدد النظام، حسبما يقول المعارض الليبي.
عن السراديب، يكشف المصدر المُعارض، أن هناك سرداباً طويلاً يؤدي الى أحد أهم فنادق طرابلس، وسرداباً آخر يؤدي الى البحر، إضافةً إلى ممرّات أخرى غير معروفة إلّا للحرس الشخصي للقذافي. ويتنقّل القذافي داخل هذه السراديب الواسعة والمُجهزة بالإنارة والتكييف، بسيارة صغيرة تتسع لشخصين. وللظروف الصعبة والطارئة حفر النظام الليبي خنادق تحت الأرض مُجهزة بكل وسائل الحياة، وفوق هذه الخنادق تتجمّع «الدروع البشرية» في حالات الطوارئ لحماية «الأخ القائد». عن هذا يقول المعارض الليبي بتهكم «القذافي ولأول مرة في التاريخ، يقيم تحت الأرض والشعب فوقه».
في أي حال، يمثل باب العزيزية مقراً استراتيجياً مهماً للنظام، بتحصيناته وسراديبه ومحتوياته من العناصر والأسلحة وأبراجه الممتدة على مدى السور المحيط (كل 3 أمتار برج حراسة) وأبوابه العشرة، لذلك هو وما حوله يمثّلان مربعاً أمنياً بامتياز، لا يستطيع أيّ شخص الاقتراب منه إلّا بإذن من الاستخبارات الخاصة أو العقيد شخصياً. مع ذلك يتحدث المُعارض الليبي بتفاؤل عن اقتراب سقوط هذا المعقل، مشيراً إلى أنه «إذا سقطت طرابلس يأيدي الثوار سقطت باب العزيزية تلقائياً». لعل التظاهرات الحاشدة التي حاولت التوجه إلى مقر إقامة القذافي المحصنة في ثكنة باب العزيزية، مع اندلاع الثورة في 17 شباط تؤكد أهمية المكان ورمزيته.
نيسان شهر الغارات
ربما كانت مصادفة أن يُقصف مقرّ العقيد الليبي معمر القذافي في زمنين مختلفين يحملان نفس التاريخ، فباب العزيزية تعرّض لغارة أميركية في 15 نيسان عام 1986، نتج عنها مقتل ابنته بالتبني وتدمير منزله. مشهد يتكرر بعد 26 عاماً في 30 نيسان الماضي، حين قُتل ابن القذافي سيف العرب وثلاثة من أحفاده في غارة لحلف شمال الأطلسي على باب العزيزية أيضاً، حسبما أفادت السلطات الرسمية الليبية.
لقد جاءت الغارة الأولى في عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان، بذريعة اتهام الأجهزة الأمنية الليبية بالتورط في تفجير ملهى ليلي في العاصمة الألمانية برلين، حيث قُتل وأصيب عسكريون أميركيون، لكنه هذا العام تعرض لقصف عُدّ خرقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1973 الذي يفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا.
ومن أمام المنزل الذي لا يزال شاهداً على الاعتداء الأميركي عام 1986في باب العزيزية، أطلّ العقيد القذافي حاملاً مظلته تحت المطر، بعد 4 أيام من اندلاع «ثورة 17 فبراير»، ليؤكد أنه لا يزال حياً. ومن المنزل نفسه عاد القذافي بعد أيام لمخاطبة الليبيين وقتاً طويلاً، واصفاً معارضيه بالفئران والجرذان، ومتوعداً بملاحقتهم «زنقة زنقة دار دار».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق