معمر عطوي
أصبح من المألوف في المشهد السياسي الإيراني، حضور رئيس مجلس الخبراء، أكبر هاشمي رفسنجاني، بوصفه شخصية سياسية ودينية لها ثقلها على مسرح التوازنات، في ظل المعركة الحامية بين الإصلاحيين والمبدئيين (المحافظين) على المقاعد البرلمانية في الانتخابات المقبلة في 14 آذار الجاري.فالرئيس الإيراني الأسبق، الذي ينحدر من عائلة ثرية، لا يلبث أن يغيب عن المسرح السياسي، حتى يعود بقوة أكبر، ولا سيما في هذه الفترة التي تتحضّر فيها إيران للانتخابات. لقد استطاع هذا الرجل، رغم كل ما أُشيع عن تورّط عائلته بقضايا فساد ورشى، أن يحافظ على موقعه السياسي، مُحتفظاً برئاسة مجلس خبراء القيادة إلى جانب رئاسة مُجمَّع تشخيص مصلحة النظام، وبرصيد شعبي كبير اكتسبه طوال فترة خدمة الثورة الإسلامية منذ خمسينيات القرن الماضي.
رفسنجاني، الذي تعرَّض للملاحقة والسجن مرات عديدة على أيدي رجال استخبارات النظام الشاهنشاهي «السافاك» قبل نجاح الثورة، كان مولعاً بقضية فلسطين، التي كتب عنها قصائد من سجنه. لقد أسَّس أبن مدينة رفسنجان (محافظة كرمان الغربية)، رصيداً كبيراً من الإنجازات التي حوّلته إلى رقم صعب في المعادلة الإيرانية. لعلّ هذه الإنجازات بدأت مُذ كان طالباً في الحوزة الدينية، حيث درس على يد مؤسس الدولة الإسلامية، الإمام الخميني. وتواصلت مع نجاح الثورة في تسلُّم مقاليد السلطة في إيران، حين عُين رفسنجاني في مجلس الثورة. ثم انتُخِب رئيساً لمجلس الشورى عام 1980.ولم تتوقف مسؤولياته عند هذا الحد، بل تعدت ذلك إلى مشاركته في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي، وتولّيه مهمة رئاسة القوات المُسلّحة بالإنابة، في الفترة من (1988ـ1989).وبعد وفاة الخميني في عام 1989، كانت خبرة رفسنجاني السياسية في الداخل والخارج وانتهاجه مبدأ الوسطية سبباً لفوزه بانتخابات الرئاسة بنسبة 95 في المئة من الأصوات (وبقي لولايتين حتى عام 1997). هذه الوسطية تجلّت خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991، حين اتخذت طهران موقفاً محايداً، إذ أدان رفسنجاني كلاً من الولايات المتحدة والعراق، وأبقى بلاده بعيدة عن التدخُّل المباشر في الصراع الدائر في المنطقة.وعلى المستوى الداخلي، عمل الشيخ الرئيس على تخليص إيران من مشاكلها الاقتصادية بالانفتاح على العالم والاعتماد على مبادئ السوق الحرة، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية. وشهدت إيران في ظله، سياسة انفتاحية على الغرب، وتعاوناً مع الصين في تطوير برنامج التسلُّح النووي.لكن عودته الأقوى إلى المسرح السياسي، بعد فشله في الانتخابات الرئاسية في عام 2005، كانت حين انتُخِب في أيلول الماضي على رأس مجلس الخبراء (الهيئة المُكلّفة تعيين المرشد الأعلى للجمهورية وعزله ومراقبته)، فيما كان، ولا يزال، يتولىَّ رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام منذ عام 2002 (هيئة التحكيم السياسي العليا في إيران).ورغم وقوفه مع الإصلاحيين بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي، في قضية رفض الترشيحات للانتخابات المقبلة، لم يُعلن رفسنجاني دعمه الصريح للإصلاحيين أو نيّته التحالف معهم في وجه المبدئيين، بل بقي في الوسط كما كان دائماً. مع العلم بأنه أدى دوراً أساسياً في انتخاب خاتمي رئيساً في عام 1997 في وجه مرشَّح المحافظين أكبر ناطق نوري.لعل هذا الموقف الوسطي، يعود إلى هاجس الوحدة الداخلية الذي يعيشه دائماًَ: هو ينتقد سياسة حكومة محمود أحمدي نجاد في بعض جوانبها، لكنه يحافظ على علاقته بالمرشد الأعلى للثورة علي خامنئي. علاقة تعود إلى أيام دراستهما معاً في الحوزة.أماَّ اللغز الذي يحيط بشخصية هذا الرجل البراغماتي، فهو قدرته على التوليف بين المتناقضات: أثناء الحرب مع العراق، أجرى رفسنجاني اتصالات غير مباشرة مع الأميركيين من أجل الحصول على أسلحة، لقاء الإفراج عن رهائن غربيين في لبنان، ما أدّى إلى فضيحة «إيران غيت». وفي الوقت نفسه، هو من أشد المعادين للسياسة الأميركية في المنطقة، ولا سيما دعمها السافر لإسرائيل. ويُحذِّر دائماً من مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الأميركي «الذي يتّسم بالشر». لكنه يبارك قضاء هذا الشر على نظامي صدام حسين في العراق وطالبان في أفغانستان، فضلاً عن دوره الهام جداً في إقناع الخميني بقبول قرار مجلس الأمن الدولي الذي أنهى ثمانية أعوام من الحرب بين إيران والعراق.ورغم ما يُثار حول عائلة رفسنجاني من اتهامات بجمع ثروات طائلة ورشى من شركات نفطية أوروبية، يشتهر الرجل بقدرته على اتبّاع سياسة أسهمت في إعمار البلاد وتنشيط عجلة الاقتصاد.ربما أصبح «صانع الملوك» من خلال هذه التناقضات في شخصيته، «سياسياً براغماتياً مُحنَّكاً»، لا بد أن يبقى ـ على الأقل في المدى المنظور ـ أحد أعمدة النظام الإسلامي، ولا سيما بعد ظهور نتائج الانتخابات المقبلة.
عدد السبت ٨ آذار ٢٠٠٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق