معمر عطوي *
فتحت الانتخابات المحليّة التي شهدتها ألمانيا في ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورغ، الباب أمام مشهد سياسي جديد، يُعاد تشكيله على ضوء الخريطة الجديدة للتحالفات الحزبية بما يتعارض مع احتكار الحزبين الرئيسيّين (الديموقراطي الاشتراكي والمسيحي الديموقراطي) للحكم. ورفد السلطة بتيّارات أخرى، بعضها غاب عن المسرح لفترة بسبب تحالف المحافظين والاشتراكيّين، وأخرى لم تكن لتحظى بنسبة الـ5 في المئة التي تخوّلها دخول البرلمان.وباتت هذه الانتخابات التي حملت قوى اليسار إلى برلمانات بعض الولايات، تُمثّل مؤشّراً واضحاً على تحوّلات كبيرة في الذهنية الانتخابية للشعب الألماني، وخصوصاً بعد فشل حكومة الائتلاف التي تقودها المستشارة أنغيلا ميركل في تحقيق وعودها الاقتصادية والإنماء المتوازن بين شطري ألمانيا الشرقي والغربي. فشل أدّى الى تعزيز فرص حزب اليسار الألماني، وفي المقابل صعود موجة اليمينيّة وتقدّم الحزب الألماني القومي المتطرّف.ربّما قصمت نتائج انتخابات ولاية هيسن في الرابع من شباط الماضي، ظهر بعير المحافظين (الاتحاد المسيحي) بعدما فقد رئيس حكومتها رولاند كوخ الغالبية التي تسمح بعودته إلى تشكيل حكومة جديدة. وخصوصاً أنّ الولاية الواقعة في وسط البلاد وتحتضن (العاصمة الاقتصادية) فرانكفورت، تعدّ بيضة القبَّان بالنسبة إلى الحزب المسيحي الذي يراهن على بقاء سيطرته في ولايات (مثل هيسن) كانت في الشطر الغربي من ألمانيا قبل الوحدة عام 1990.لعلّ المقترحات الانتخابية العنصرية التي سار بها كوخ، بشأن تشديد محاكمة الشبان الأجانب الذين يرتكبون جرائم أو جنحاً، هي التي عدّلت مزاج الناخب، ما أدّى الى تراجع حظوظ المحافظين وارتفاع رصيد الحزب الديموقراطي الحرّ (الليبراليون) وحزب الخضر. فيما كانت مفاجأة اليسار في بعض الولايات تجاوزه النسبة المقرّرة لدخول البرلمان(5 في المئة).لعلّ المفصل الأساسي في انتخابات هيسن، هو الدور الذي لعبته الحملة الانتخابية لرئيس حكومتها المحافظ في توتير الأجواء بين المحافظين والاشتراكيين الذين يتقاسمون السلطة في حكومة ذات تركيبة غير مسبوقة. تجلّى هذا التوتير من خلال تصريح وزير الخارجية، نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي، فرانك فالتر شتاينماير، الذي انتقد فيه كوخ، متّهماً إيّاه بأنه يسيء إلى سمعة ألمانيا بحملته ضدّ مرتكبي الجرائم من الشباب الأجانب. الأمر الذي دفع العضو المحافظ في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، كارل تيودر فرايهر، للردّ عليه بقوله في حديث مع صحيفة «باساور نويه بريسه»: «يبدو أن شتاينماير فقد التوازن أثناء مشيه على الحبل المرتفع بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية».على الضفة الأخرى، برز الحزب اليساري الألماني الجديد ليؤكّد ما جاء على لسان رئيسه لوثار بيسكي، في آخر اجتماع لحزب الاشتراكية الديموقراطية (الشيوعي سابقاً) العام الماضي، الذي قال فيه «لقد جئنا وسنبقى»، مشدّداً على مساعي حزبه للفوز بمقاعد في برلمانات ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورغ وبافاريا.لقد استطاع اليسار الألماني في السنتين الأخيرتين أن يوحّد صفوفه في إطار «الحزب اليساري»، محاولاً إعادة أمجاد سلفه حزب الاشتراكية الديموقراطية، الذي كان حاكماً أيام جمهورية ألمانيا الشرقية. تيّار جديد نشأ من تحالف بين حزب اليسار الجديد بزعامة غريغور غيزي والمنشّق عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي أوسكار لافونتين وبين «القائمة الانتخابية البديلة للعمل والعدالة الاجتماعية» في حزيران عام 2007، في إطار توحيد صفوف اليسار الألماني في وجه الثنائية الحاكمة. مع العلم أن غالبية ناخبي حزب اليسار هم من أوساط الجناح المنشق عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي.أمام هذا الواقع، توسّعت مروحة التحالفات على مستوى تشكيل حكومات محلية لتشمل أحزاباً أخرى، بدل اقتصارها ــــــ كما جرى في السنوات الماضية في معظم الولايات ـــــــ على الحزبين الرئيسين (الاشتراكيون والمحافظون) أو على حزب واحد كما هي الحال في هامبورغ (الحزب المسيحي). وبذلك أصبح بإمكان حزب الأحرار العودة إلى تحالفه التقليدي مع الاتحاد المسيحي الديموقراطي، فيما يواصل حزب الخضر التنسيق مع حليفه التقليدي الحزب الاشتراكي الديموقراطي، بينما بقي حزبان خارج دائرة التنسيق وهما اليسار الجديد والقومي اليميني.المفارقة في الخريطة الجديدة للتحالفات هي رفض الحزب الاشتراكي الديموقراطي التقرّب من الحزب اليساري رغم الكثير من النقاط التي تجمعهما، وخصوصاً أنّ الحزب الاشتراكي الذي يتزعّمه كورت بيك، كان قبل تحالفه مع الاتحاد المسيحي في الحكومة الحالية التي ترأسها المستشارة انغيلا ميركل، أقرب في طروحاته الاجتماعية إلى طروحات اليسار. بدا ذلك في خطاب لوثار بيسكي، الذي حمل انتقادات عنيفة لحلفائه السابقين في الحزب الاشتراكي، حين اتهمهم بالابتعاد عن برنامجهم الانتخابي منذ دخولهم الائتلاف مع الاتحاد المسيحي. ووصف بيسكي الحكومة الاتحادية بتبني سياسة «هدّامة وليست إصلاحية» فيما يتعلق بالتغيرات التي يجريها الاشتراكيون والمحافظون على نظام الضمان الاجتماعي.وذهبت رئيسة الحزب الاشتراكي في ولاية هيسن، أندريا يبسلانتي، أبعد من ذلك في رفض العلاقة مع اليسار حين وصفت عقب فوزها في انتخابات الولاية حزب اليسار بأنه «قوة رجعية»، حسبما نقلت عنها صحيفة «بيلد أوم زونتاغ».مع العلم أنّ رئيس الاشتراكيّين كورت بيك، كان قد دعا اليساريين قبل الانتخابات لدعم بسيلانتي وتمكينها من تولّي رئاسة الحكومة في ولاية. في مخالفة واضحة لمواقفه السابقة التي كرّر فيها رفضه لكلّ أشكال التعاون مع حزب اليسار. موقف يؤكّد أهمية بروز اليسار والثقل الذي بات يُحسَب له الحساب في الخريطة السياسية للبلاد.بيت القصيد هنا، أنّ صعود الحزب اليساري المفاجئ خلال السنتين الأخيرتين، أعاد خلط الأوراق على ساحة التجاذبات الحزبية في ألمانيا الاتحادية. هذا الصعود كان محلّ مراهنة العديد من النخب ولا سيما بعض أنصار وأعضاء الحزب الاشتراكي (ما يسمَّى الجناح اليساري في هذا الحزب) وشيوعيّين سابقين مستقلّين أو منضمّين إلى أحزاب بيئية ومنظّمات شبابية واجتماعية على غرار حزب الخضر.مراهنة بدت واضحة من خلال ظهور خلاف حادّ وسط الاشتراكيين، وخصوصاً بعد انتخابات هامبورغ التي تراجعت فيها مقاعد المحافظين الى مستوى لم يعودوا قادرين فيها على تشكيل حكومة منفردين. هذا الخلاف بين الجناحين اليميني واليساري نشأ على خلفية التعاون مع حزب اليسار. إذ حذّر ممثلو التيار اليساري في صفوف الحزب الاشتراكي من نتائج استبعاد الحزب اليساري وما يمكن أن ينتج من إقصائه من عوائق على صعيد إقامة تحالفات في وجه الحزب المحافظ.ولم يقتصر الجدل على الاشتراكيّين، بل امتدّ إلى المحافظين، حين هدّدت الأمينة العامة للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، كريستينه هادرتاور بإنهاء التحالف مع الاشتراكيين في حال تعاونهم مع اليسار في ولاية هيسن.وكانت المستشارة ميركل أوّل المتوجّسين من فوز اليسار عندما قالت إن حزبها سيتحدّث إلى كل الأحزاب الديموقراطية باستثناء اليساريّين.هذه الهواجس تؤكّد صورة الخريطة الجديدة التي حملت أحزاباً كان لها حضورها على مسرح السلطة، لكنها حملت أيضاً حزباً جديداً كان مغيّباً دائماً في الشطر الغربي قبل الوحدة، وتقلّص نفوذه أكثر على المستوى الاتحادي بعد الوحدة.وبانتظار انتخابات ولاية بافاريا الجنوبية التي تعدّ الولاية الأغنى في ألمانيا، يعيش اليسار حالاً من التوثّب، والشعور بالفخر، نظراً لما حقّقه وما يمكن أن يحقّقه. رغم صعوبة تقدّمه في بافاريا، التي يسيطر عليها منذ زمن طويل الاتحاد المسيحي الاجتماعي (شقيق الاتحاد المسيحي الديموقراطي). لكن ــــــ على ما يبدو ــــــ إنّ المحافظين أيضاً في هذه الولاية يعيشون هاجس تراجعهم، بعدما شهدوه من تقدّم لموجة اليسار. لعلَّ أصدق تعبير على هذا القلق ما جاء على لسان رئيس حكومة ولاية بافاريا، غونتر بكشتاين، الذي حذَّر من اتجاه البلاد نحو التيار اليساري، بقوله في حديث لصحيفة «باساور نويه برسه» إنّ ملامح المستقبل تشير إلى ضرورة تعوّد نظام حكم يشمل ائتلافاً مكوّناً من خمسة أحزاب.* من أسرة الأخبار
الأخبار٢٩ شباط ٢٠٠٨
فتحت الانتخابات المحليّة التي شهدتها ألمانيا في ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورغ، الباب أمام مشهد سياسي جديد، يُعاد تشكيله على ضوء الخريطة الجديدة للتحالفات الحزبية بما يتعارض مع احتكار الحزبين الرئيسيّين (الديموقراطي الاشتراكي والمسيحي الديموقراطي) للحكم. ورفد السلطة بتيّارات أخرى، بعضها غاب عن المسرح لفترة بسبب تحالف المحافظين والاشتراكيّين، وأخرى لم تكن لتحظى بنسبة الـ5 في المئة التي تخوّلها دخول البرلمان.وباتت هذه الانتخابات التي حملت قوى اليسار إلى برلمانات بعض الولايات، تُمثّل مؤشّراً واضحاً على تحوّلات كبيرة في الذهنية الانتخابية للشعب الألماني، وخصوصاً بعد فشل حكومة الائتلاف التي تقودها المستشارة أنغيلا ميركل في تحقيق وعودها الاقتصادية والإنماء المتوازن بين شطري ألمانيا الشرقي والغربي. فشل أدّى الى تعزيز فرص حزب اليسار الألماني، وفي المقابل صعود موجة اليمينيّة وتقدّم الحزب الألماني القومي المتطرّف.ربّما قصمت نتائج انتخابات ولاية هيسن في الرابع من شباط الماضي، ظهر بعير المحافظين (الاتحاد المسيحي) بعدما فقد رئيس حكومتها رولاند كوخ الغالبية التي تسمح بعودته إلى تشكيل حكومة جديدة. وخصوصاً أنّ الولاية الواقعة في وسط البلاد وتحتضن (العاصمة الاقتصادية) فرانكفورت، تعدّ بيضة القبَّان بالنسبة إلى الحزب المسيحي الذي يراهن على بقاء سيطرته في ولايات (مثل هيسن) كانت في الشطر الغربي من ألمانيا قبل الوحدة عام 1990.لعلّ المقترحات الانتخابية العنصرية التي سار بها كوخ، بشأن تشديد محاكمة الشبان الأجانب الذين يرتكبون جرائم أو جنحاً، هي التي عدّلت مزاج الناخب، ما أدّى الى تراجع حظوظ المحافظين وارتفاع رصيد الحزب الديموقراطي الحرّ (الليبراليون) وحزب الخضر. فيما كانت مفاجأة اليسار في بعض الولايات تجاوزه النسبة المقرّرة لدخول البرلمان(5 في المئة).لعلّ المفصل الأساسي في انتخابات هيسن، هو الدور الذي لعبته الحملة الانتخابية لرئيس حكومتها المحافظ في توتير الأجواء بين المحافظين والاشتراكيين الذين يتقاسمون السلطة في حكومة ذات تركيبة غير مسبوقة. تجلّى هذا التوتير من خلال تصريح وزير الخارجية، نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي، فرانك فالتر شتاينماير، الذي انتقد فيه كوخ، متّهماً إيّاه بأنه يسيء إلى سمعة ألمانيا بحملته ضدّ مرتكبي الجرائم من الشباب الأجانب. الأمر الذي دفع العضو المحافظ في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، كارل تيودر فرايهر، للردّ عليه بقوله في حديث مع صحيفة «باساور نويه بريسه»: «يبدو أن شتاينماير فقد التوازن أثناء مشيه على الحبل المرتفع بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية».على الضفة الأخرى، برز الحزب اليساري الألماني الجديد ليؤكّد ما جاء على لسان رئيسه لوثار بيسكي، في آخر اجتماع لحزب الاشتراكية الديموقراطية (الشيوعي سابقاً) العام الماضي، الذي قال فيه «لقد جئنا وسنبقى»، مشدّداً على مساعي حزبه للفوز بمقاعد في برلمانات ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورغ وبافاريا.لقد استطاع اليسار الألماني في السنتين الأخيرتين أن يوحّد صفوفه في إطار «الحزب اليساري»، محاولاً إعادة أمجاد سلفه حزب الاشتراكية الديموقراطية، الذي كان حاكماً أيام جمهورية ألمانيا الشرقية. تيّار جديد نشأ من تحالف بين حزب اليسار الجديد بزعامة غريغور غيزي والمنشّق عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي أوسكار لافونتين وبين «القائمة الانتخابية البديلة للعمل والعدالة الاجتماعية» في حزيران عام 2007، في إطار توحيد صفوف اليسار الألماني في وجه الثنائية الحاكمة. مع العلم أن غالبية ناخبي حزب اليسار هم من أوساط الجناح المنشق عن الحزب الاشتراكي الديموقراطي.أمام هذا الواقع، توسّعت مروحة التحالفات على مستوى تشكيل حكومات محلية لتشمل أحزاباً أخرى، بدل اقتصارها ــــــ كما جرى في السنوات الماضية في معظم الولايات ـــــــ على الحزبين الرئيسين (الاشتراكيون والمحافظون) أو على حزب واحد كما هي الحال في هامبورغ (الحزب المسيحي). وبذلك أصبح بإمكان حزب الأحرار العودة إلى تحالفه التقليدي مع الاتحاد المسيحي الديموقراطي، فيما يواصل حزب الخضر التنسيق مع حليفه التقليدي الحزب الاشتراكي الديموقراطي، بينما بقي حزبان خارج دائرة التنسيق وهما اليسار الجديد والقومي اليميني.المفارقة في الخريطة الجديدة للتحالفات هي رفض الحزب الاشتراكي الديموقراطي التقرّب من الحزب اليساري رغم الكثير من النقاط التي تجمعهما، وخصوصاً أنّ الحزب الاشتراكي الذي يتزعّمه كورت بيك، كان قبل تحالفه مع الاتحاد المسيحي في الحكومة الحالية التي ترأسها المستشارة انغيلا ميركل، أقرب في طروحاته الاجتماعية إلى طروحات اليسار. بدا ذلك في خطاب لوثار بيسكي، الذي حمل انتقادات عنيفة لحلفائه السابقين في الحزب الاشتراكي، حين اتهمهم بالابتعاد عن برنامجهم الانتخابي منذ دخولهم الائتلاف مع الاتحاد المسيحي. ووصف بيسكي الحكومة الاتحادية بتبني سياسة «هدّامة وليست إصلاحية» فيما يتعلق بالتغيرات التي يجريها الاشتراكيون والمحافظون على نظام الضمان الاجتماعي.وذهبت رئيسة الحزب الاشتراكي في ولاية هيسن، أندريا يبسلانتي، أبعد من ذلك في رفض العلاقة مع اليسار حين وصفت عقب فوزها في انتخابات الولاية حزب اليسار بأنه «قوة رجعية»، حسبما نقلت عنها صحيفة «بيلد أوم زونتاغ».مع العلم أنّ رئيس الاشتراكيّين كورت بيك، كان قد دعا اليساريين قبل الانتخابات لدعم بسيلانتي وتمكينها من تولّي رئاسة الحكومة في ولاية. في مخالفة واضحة لمواقفه السابقة التي كرّر فيها رفضه لكلّ أشكال التعاون مع حزب اليسار. موقف يؤكّد أهمية بروز اليسار والثقل الذي بات يُحسَب له الحساب في الخريطة السياسية للبلاد.بيت القصيد هنا، أنّ صعود الحزب اليساري المفاجئ خلال السنتين الأخيرتين، أعاد خلط الأوراق على ساحة التجاذبات الحزبية في ألمانيا الاتحادية. هذا الصعود كان محلّ مراهنة العديد من النخب ولا سيما بعض أنصار وأعضاء الحزب الاشتراكي (ما يسمَّى الجناح اليساري في هذا الحزب) وشيوعيّين سابقين مستقلّين أو منضمّين إلى أحزاب بيئية ومنظّمات شبابية واجتماعية على غرار حزب الخضر.مراهنة بدت واضحة من خلال ظهور خلاف حادّ وسط الاشتراكيين، وخصوصاً بعد انتخابات هامبورغ التي تراجعت فيها مقاعد المحافظين الى مستوى لم يعودوا قادرين فيها على تشكيل حكومة منفردين. هذا الخلاف بين الجناحين اليميني واليساري نشأ على خلفية التعاون مع حزب اليسار. إذ حذّر ممثلو التيار اليساري في صفوف الحزب الاشتراكي من نتائج استبعاد الحزب اليساري وما يمكن أن ينتج من إقصائه من عوائق على صعيد إقامة تحالفات في وجه الحزب المحافظ.ولم يقتصر الجدل على الاشتراكيّين، بل امتدّ إلى المحافظين، حين هدّدت الأمينة العامة للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، كريستينه هادرتاور بإنهاء التحالف مع الاشتراكيين في حال تعاونهم مع اليسار في ولاية هيسن.وكانت المستشارة ميركل أوّل المتوجّسين من فوز اليسار عندما قالت إن حزبها سيتحدّث إلى كل الأحزاب الديموقراطية باستثناء اليساريّين.هذه الهواجس تؤكّد صورة الخريطة الجديدة التي حملت أحزاباً كان لها حضورها على مسرح السلطة، لكنها حملت أيضاً حزباً جديداً كان مغيّباً دائماً في الشطر الغربي قبل الوحدة، وتقلّص نفوذه أكثر على المستوى الاتحادي بعد الوحدة.وبانتظار انتخابات ولاية بافاريا الجنوبية التي تعدّ الولاية الأغنى في ألمانيا، يعيش اليسار حالاً من التوثّب، والشعور بالفخر، نظراً لما حقّقه وما يمكن أن يحقّقه. رغم صعوبة تقدّمه في بافاريا، التي يسيطر عليها منذ زمن طويل الاتحاد المسيحي الاجتماعي (شقيق الاتحاد المسيحي الديموقراطي). لكن ــــــ على ما يبدو ــــــ إنّ المحافظين أيضاً في هذه الولاية يعيشون هاجس تراجعهم، بعدما شهدوه من تقدّم لموجة اليسار. لعلَّ أصدق تعبير على هذا القلق ما جاء على لسان رئيس حكومة ولاية بافاريا، غونتر بكشتاين، الذي حذَّر من اتجاه البلاد نحو التيار اليساري، بقوله في حديث لصحيفة «باساور نويه برسه» إنّ ملامح المستقبل تشير إلى ضرورة تعوّد نظام حكم يشمل ائتلافاً مكوّناً من خمسة أحزاب.* من أسرة الأخبار
الأخبار٢٩ شباط ٢٠٠٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق