معمر عطوي
يطرح بقاء الزعيم الثوري فيديل كاسترو على رأس الحكم في كوبا، لما يقارب النصف قرن، تساؤلات ذات جدوى عن مغزى الثورات والتغيير، في وقت يتّجه فيه العالم نحو نبذ أشكال الحكم التقليدية التي جاءت الاشتراكية والعلمانية في الأصل لمحاربتها واستبدالها بدماء جديدة.من المؤكد أن الزعيم الكوبي تأخر كثيراً في إعلان تنحّيه عن منصب رئيس مجلس الدولة وقائد القوات المسلحة، وتأكيده عدم «الطموح» إليها أو القبول بها. ذلك رغم جدارته في إدارة الحكم وبراعته في لعبة التوفيق بين التصدِّي للحصار الدولي وتأمين الحد الأدنى من مطالب شعبه.وبقطع النظر عن النتيجة التي يمكن أن يتمخّض عنها اجتماع الجمعية الوطنية (البرلمان) في الرابع والعشرين من الجاري، في شأن من سيكون الرئيس العتيد، لا بد من الإشارة الى أن النظام الكوبي قد وقع في مشكلة «التوريث» حين عُيِّن فيديل رئيساً وشقيقه راوول مساعداً أول له. مع العلم أن مجلس مساعدي الرئيس يضم خمسة أشخاص من كبار قيادات الحزبالشيوعي.وتجلىّ هذا الجنوح نحو «المحسوبية» في توريث السلطة في تموز عام 2006، حين أوكل فيديل لشقيقه مهمات الحكم، بسبب العملية الجراحية التي أجريت له في الأمعاء. ما يطرح علامة استفهام عن جدوى الثورة التي عجزت عن تقديم بديل لهذا القائد الفذّ، سوى شقيقه المرجَّح أن يتولى منصب الرئيس في الانتخابات المقبلة. مع العلم أن راوول هو أيضاً الأمين الثاني في الحزب الشيوعي الكوبي بعد فيديل.وراوول، البالغ من العمر 76 عاماً، هو أحد أقانيم النظام. لقد شغل إلى جانب مهماته نائباً أول للرئيس، منصب وزير الدفاع منذ بداية الثورة 1959وهو يقوم عملياً منذ تموز عام 2006 ـــــ وربما قبل ذلك ـــــ بمهمات الرئاسة.المفارقة أن هذا المشهد يتكرَّر لدى بعض الأحزاب اليسارية، على غرار نموذج هوغو تشافيز في فنزويلا. لقد سار وريث بوليفار على خطى «أبي» الكوبيين، حين باشر العمل على إصلاحات في الدستور تتضمّن الحقّ للرئيس في الترشُّح لولايات غير محددة في الانتخابات الرئاسية، وتمديد الولاية الرئاسية من ست إلى سبع سنوات. إضافة إلى صلاحيات تسمح للرئيس بتعيين نوابه أو إقالتهم. لكن الشعب الفنزويلي أدرك خطورة صناعة حرس قديم في بلاده، رافضاً هذه الإصلاحات في استفتاء كانون الأول الماضي.يقودنا هذا المشهد إلى رؤساء الأحزاب اليسارية، ليس فقط في العالم الثالث، بل حتى في أوروبا، على غرار غريغور غيزي، الذي تربَّع على عرش الحزب الشيوعي الألماني سنوات طويلة ولا يزال يتزعَّم الحزب اليساري الألماني.يطرح هذا التمسك بالسلطة لدى أحزاب تقدمية «غير تقليدية» أكثر من علامة استفهام عن مفهومها للعلاقة الجدلية بين الشخصانية والمؤسساتية. علاقة تبدو ملتبسة في ظل إبراز «القائد ـــــ الرمز» على حساب كفاءات لا تقل أهمية.
عدد الخميس ٢١ شباط ٢٠٠٨
يطرح بقاء الزعيم الثوري فيديل كاسترو على رأس الحكم في كوبا، لما يقارب النصف قرن، تساؤلات ذات جدوى عن مغزى الثورات والتغيير، في وقت يتّجه فيه العالم نحو نبذ أشكال الحكم التقليدية التي جاءت الاشتراكية والعلمانية في الأصل لمحاربتها واستبدالها بدماء جديدة.من المؤكد أن الزعيم الكوبي تأخر كثيراً في إعلان تنحّيه عن منصب رئيس مجلس الدولة وقائد القوات المسلحة، وتأكيده عدم «الطموح» إليها أو القبول بها. ذلك رغم جدارته في إدارة الحكم وبراعته في لعبة التوفيق بين التصدِّي للحصار الدولي وتأمين الحد الأدنى من مطالب شعبه.وبقطع النظر عن النتيجة التي يمكن أن يتمخّض عنها اجتماع الجمعية الوطنية (البرلمان) في الرابع والعشرين من الجاري، في شأن من سيكون الرئيس العتيد، لا بد من الإشارة الى أن النظام الكوبي قد وقع في مشكلة «التوريث» حين عُيِّن فيديل رئيساً وشقيقه راوول مساعداً أول له. مع العلم أن مجلس مساعدي الرئيس يضم خمسة أشخاص من كبار قيادات الحزبالشيوعي.وتجلىّ هذا الجنوح نحو «المحسوبية» في توريث السلطة في تموز عام 2006، حين أوكل فيديل لشقيقه مهمات الحكم، بسبب العملية الجراحية التي أجريت له في الأمعاء. ما يطرح علامة استفهام عن جدوى الثورة التي عجزت عن تقديم بديل لهذا القائد الفذّ، سوى شقيقه المرجَّح أن يتولى منصب الرئيس في الانتخابات المقبلة. مع العلم أن راوول هو أيضاً الأمين الثاني في الحزب الشيوعي الكوبي بعد فيديل.وراوول، البالغ من العمر 76 عاماً، هو أحد أقانيم النظام. لقد شغل إلى جانب مهماته نائباً أول للرئيس، منصب وزير الدفاع منذ بداية الثورة 1959وهو يقوم عملياً منذ تموز عام 2006 ـــــ وربما قبل ذلك ـــــ بمهمات الرئاسة.المفارقة أن هذا المشهد يتكرَّر لدى بعض الأحزاب اليسارية، على غرار نموذج هوغو تشافيز في فنزويلا. لقد سار وريث بوليفار على خطى «أبي» الكوبيين، حين باشر العمل على إصلاحات في الدستور تتضمّن الحقّ للرئيس في الترشُّح لولايات غير محددة في الانتخابات الرئاسية، وتمديد الولاية الرئاسية من ست إلى سبع سنوات. إضافة إلى صلاحيات تسمح للرئيس بتعيين نوابه أو إقالتهم. لكن الشعب الفنزويلي أدرك خطورة صناعة حرس قديم في بلاده، رافضاً هذه الإصلاحات في استفتاء كانون الأول الماضي.يقودنا هذا المشهد إلى رؤساء الأحزاب اليسارية، ليس فقط في العالم الثالث، بل حتى في أوروبا، على غرار غريغور غيزي، الذي تربَّع على عرش الحزب الشيوعي الألماني سنوات طويلة ولا يزال يتزعَّم الحزب اليساري الألماني.يطرح هذا التمسك بالسلطة لدى أحزاب تقدمية «غير تقليدية» أكثر من علامة استفهام عن مفهومها للعلاقة الجدلية بين الشخصانية والمؤسساتية. علاقة تبدو ملتبسة في ظل إبراز «القائد ـــــ الرمز» على حساب كفاءات لا تقل أهمية.
عدد الخميس ٢١ شباط ٢٠٠٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق