معمر عطوي
يصرّ الشاعر محمد ناصر الدين، على كتابة شعره وفق الطريقة المعتمدة في الشعر الجاهلي بحيث يمكن تبديل اي بيت ببيت آخر من دون ان تفقد القصيدة معناها. فما يتخيله أو يراه يكتبه لا في سياق وحدة القصيدة انما في لوحات يمكن تبديلها من دون ان تفقد القصيدة تناسق مضمونها، وإن كان البيت صغيراً جداً وفي أحيان كثيرة لا يتعدى الكلمة الواحدة، مع الفارق طبعاً بين شعر ناصر الدين الحر النثري وبين قصائد الجاهلية الكلاسيكية المقفاة.
يقول في قصيدة "الأرنب": الأرنب.. يرفع أذنيه… اذ يراني، انا الأعمى… الذي كلما صافح رجلاً… أسقط جمجمة… وكلما حفر في الأرض… وجد سرداب المخلص… وحفرة الزانية… أنا الولد… الذي قاس عمره… في المرآة المهشّمة… الشعر… أيها الأرنب… ليس دهشة… بل لعنة الليل المُبصرة… اخفض اذنيك… والا أكلتك.
في “صلاة تطيل اللوز شبراً” الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت، يدمج الشاعر
الشاب الشعر بالنثر، فتراه ينتقل من دفة القصائد الخفيفة قصيرة البيوت الى دفة
النصوص التي لا تبتعد في جوهرها وصورها عن الشعر النثري الحر الا في الشكل.
شعره عبارة عن تأملات ومشاهدات وصور مخيالية وافتراضات تستغرق في اسلوب ايجازي،
وتميل الى العبارة السهلة الممتنعة. ولعل قصائده تتمتع ببعض البساطة وتبتعد عن
التعقيد والتفلسف والمبالغات غير المحمودة. وغالباً ما تقوم على وحدة العبارة لا
وحدة القصيدة بكاملها.
تعابير هي ابنة البيئة التي نعيشها والزمن التكنولوجي الذي فرض علينا مصطلحات
جديدة وأدبيات لم نعهدها لذلك حاول محمد أن يحافظ على عناوين بالحرف اللاتيني
رافضاً تعريبها مثل قصيدة عنوانها Rue Mouftar وأخرى بعنوان Soutien gorge ،
وقصيدةVitrine .
ويبدو واضحاً أن المكان ليس واحداً في قصائده فهو ينقلنا من بيئة الى آخرى فتظهر
خصائص كل بيئة مختلفة. فما يكتبه عن الثلج واللوز والمقاومة ووصية والدته والسائق
والزعتر والطيون وغيرها، هو غير ما يكتبه عن المترو والقطار وفناني الشارع في فرنسا
والفيترين التي تظهر بائعات الهوا كما في امستردام وفيينا.
هو يلتقط تفاصيل الشارع وبعض نوادر البشروسلوكياتها ليصيغها في رؤيته الخاصة
وتأملاته الهادئة التي لا يبدو فيها توتر ولا تكلّف. لكنه في الأخير يعود للنظر في
“المرآة” وهي عنوان قصيدة في ديوانه يقول فيها:
النجوم… ارتطام الله… بالقمر… المطر… دوسه على غيمة… الرعد… رقّته العنيفة…
وانت… ارتطام كتفك بالمارة… دوس رفيقك على حذائك… الوجع الذي تسببه الكرسي… عنفك
الرقيق… مرآة الله المُنكسرة.
وهكذا يبدو ناصر الدين الأستاذ الجامعي الذي لم تسلبه صفته الأكاديمية العلمية
ميله نحو الأدب وجمال الشعر، فبات متذوقاً له وصانعاً لبعض فصوله، وإن كانت بعض
قصائده لا تملك الدلالات التعبيرية التي تعطي للشعرمعناه اضافة الى كلمات قد
يحتاجها نصه لتخلق الايقاع الموسيقي الذي ينبغي للشعر الحديث ان يغتني به لتعويض
مستلزمات الوزن والقافية.
(برس نت)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق