معمر عطوي
جميلة هي اللعبة التي يتقنها الشاعر نعيم تلحوق في مسلسل أعماله الذي بدأ العام 1986 مع “قيامة العدم” من دون ان ينتهي مع “يرقص كفراً”، اذ يلفت انتباه القارئ إلى هذا السياق الفريد في اختيار عناوين دواوينه.
يبدأ الكاتب باكورة أعماله بتأنيث العنوان، “قيامة العدم” ويواصل على المنوال نفسه، هي القصيدة الاخيرة متحولاً الى صيغة التذكير، “لكن… ليس الان” و”وطن الرماد” و”هو الاخير”، مطلقاً على هذه اللعبة “المخاطرة النصية الاولى”.
أما “المخاطرة النصية الثانية”، فتبدأ بصيغة التذكير مع ديوان “أظنه وحدي” ثم يغني بوحاً لـ “يرقص كفراً”، على ان يختم هذه “المخاطرة” بعنوانين آخرين بصيغة الانثى، حسبما يقول في حديث خاص.
اللافت هنا أن مخاطرات تلحوق تبدأ مع الانثى وتنتهي معها، وهو الشغوف بالأنثى ان كانت أماّ او زوجة او حبيبة او ربما ابنة. لذلك كان إهداء ديوانه الاخير الى والدته “التي صرخت جرحها، قبل أن تأخذ الرحمة أنفاسها: قتلوك يا ولدي”.
المتابع لقصائد تلحوق في ديوانه الأخير، يلاحظ تشابه اسلوبه الشعري على مدى ما يقارب ربع قرن، لجهة السياق والصور المستخدمة والمؤثرات التاريخية والمنحى الصوفي.
من “قيامة العدم” حتى “يرقص كفراً”، لم يتغير نعيم تلحوق، الا في ما يمكن ان يشحذه من صور جديدة حملتها تطورات العصر وتحولات السياسة وتغيرات المجتمع. امّا الاسلوب فلا يزال على حاله، والرسالة السياسية والفكرية التي يستهدف ايصالها هي هي.
يدمج نعيم في ديوانه بين الرؤية الفكرية والموقف السياسي ونظرة جمالية تحمل احساس ذلك الكاتب الصلب، الذي يرّق قلبه امام حنان امه وترهف مشاعره أمام انثاه، ليصبح ذلك العاشق الذي يرقص كفراً أمام عظمة الجمال، ويتمرد على تابوهات المجتمع والدين معطياً لتعابيره جرأة الكاتب ورهافة الشاعر وموقف السياسي.
تتجلى صور الشاعر الحنون الابن البار في قصيدة “حبر البياض” يرثي والدته:
صمتت وفي قلبها طرقٌ.. يبعد الشبهة عن غرة الايام.. تيّبسها الظرف، وفي قلبها حسرة العشق، انتبه يا بني لا توقع يديك في الظلم أنت بيدري المسروق.. وأنا اهوى ديدنك يغرد كعصفور ابيك، فلا تضحك من يقيني .. انا متهمة بالقهر والعناد، اخاف ان يقتلوك.. وقلبي لا يحتمل جراح الشك والرماد”.
حين يرقص تلحوق “كفراً” يحب ويخلص ويتمرد ويرثي ، يتنقل بين صور متناقضة يرقص فرحا ويرقص حزنا ويرقص احتفاءً ويرقص حنيناً ويرقص لوماً.. هي أشبه بلغة الجسد التي تعبر عن صور متعددة في مشهدية متناسقة.
يتجلى قول الشاعر في مقدمة القصائد، حيث يرى تلحوق ان الشعر “لا يصير وعياً إلا اذا تغذىّ بمفاهيمه الخاصة”، وانطلاقاً من هذه المقولة يحافظ تلحوق في “يرقص كفراً” على هذا المفهوم النمطي الذي يجلل قصائده منذ ديوانه الاول، مستفيداً من ثقافة تاريخية وسياسية تحكمت باسلوبه، لتتجلى اشعاره على صورة واحدة، رغم اختلاف مواضيعها ودلالاتها الجمالية.
أخبار بووم: 12 ايلول 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق