معمر عطوي
يبدو أن العلاقات الروسية الإيرانية تتجه نحو التحسن، بعد مرور عام ونيّف من الخصومة. فالعلاقة، الموروثة من الاتحاد السوفياتي والجمهوريّة الإسلامية، قد شهدت تدهوراً وصل إلى ذروته في شهر أيار/مايو2010 على خلفيات مختلفة، كان ابرزها موافقة روسيا على عقوبات جديدة ضد إيران في مجلس الأمن بسبب برنامجها النووي. وأتت بعدها قضية إخلال روسيا بتعهداتها تجاه إيران في موضوع بيع صواريخ أرض جو “أس 300″ لإيران، الأمر دفع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لاتهام موسكو ببيع إيران للأميركيين والصهاينة، ثم تلويح المسؤولين الإيرانيين باللجوء إلى محكمة لاهاي للفصل في صفقة بيع السلاح.
لم تكن المسألة متوقفة عند ملف الصواريخ، بل شهدت العلاقات بين البلدين مناوشات كلامية على خلفية مماطلة الروس بانهاء مفاعل كهروــ ذري في مدينة بوشهر جنوب إيران. أما القرار الذي قسم ظهر البعير، فكان دعم روسيا لمسودة عقوبات دولية جديدة في مجلس الأمن. يومها اعتبر نجاد أن الرئيس الروسي، ديمتري مدفيديف، رضخ للضغوط الأميركية، ووصفه بأنه بوق الدعاية المعادية لإيران. وكان رد موسكو على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، الذي دعا طهران الى التخلي عن الديماغوجية السياسية، واصفاً تصريحات نجاد بـ “الانفعالية”.
ظهرواضحاً أن الدب الروسي كان قد رضخ يومها لإغراءات العم سام، ومنها الاتفاق معه على تجديد معاهدة ستارت حول التوازن الاستراتيجي الصاروخي بين القوّتين العظمتين، ومساعدة روسيا اقتصادياً، وتجميد الأميركيين لمشروع نصب الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية. غير أن حساب الحقل الأميركي بدا غير مطابق لمحصول البيدر الروسي، فجنح الروس إلى تسوية العلاقات مع إيران، التي تشكل ساحة مغرية للشركات الروسية.
أول الغيث كان في ٧ كانون الثاني/ يناير الماضي، حين اتفق الرئيسان الروسي والإيراني، خلال اتصال هاتفي، على مواصلة الحوار المتعدد الأطراف حول برنامج إيران النووي قبيل المحادثات التي عقدت في اسطنبول أوخر الشهر نفسه، بين إيران ومجموعة (5+1). في ذلك الحين أصدر الكرملين بياناً ذكرفيه أنه تم التوصل إلى اتفاق على مواصلة النقاشات في مختلف الإطارات المتعددة الأطراف.
وفيما ظهر أن واشنطن قد اتفقت مع تركيا على نصب رادار على أراضي الأخيرة المجاورة لروسيا، في محاولة لإحياء مشروع الدرع الصاروخية، وفي ظل تفاقم الخلاف بين موسكو وواشنطن حول العديد من الملفات الساخنة، ولاسيما مزاحمة الثانية للأولى في السيطرة على منابع النفط والثروات في الشرق الأوسط تحت عنوان دعم ربيع الثورات العربية، عاد الدب الروسي إلى صاحبه القديم، من خلال مشاريع نووية جديدة بيد أنه لم يتراجع عن موقفه الرافض لتسليم الصواريخ الأرض جويّة إلى إيران، بحجة أن ذلك يخالف عقوبات الأمم المتحدة الأخيرة.
وكانت زيارة وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، إلى موسكو في اواسط شهر آب/ أغسطس الماضي، فاتحة لعهد جديد من العلاقات، وخصوصاً بعد موافقة طهران على مبادرة روسية لحل الأزمة النووية. محادثات صالحي جاءت غداة لقاءات ثنائية في طهران بين الرئيس الإيراني وسكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، قال نجاد بعدها إن إيران ترحب بالاقتراح الروسي لسياسة الخطوة خطوة وهي مستعدة لصياغة اقتراحات للتعاون في هذا المجال، وذلك في إشارة إلى اقتراح لافروف الذي اعلن عنه في تموز/ يوليو الماضي، كنهج جديد يعتمد سياسة الخطوة بخطوة لإعادة إطلاق المحادثات حول المسألة النووية. اقتراح لقي موافقة الدول الست المعنية بمناقشة الملف النووي الايراني (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا).
وبموجب الاقتراح الروسي، يقوم كل من الطرفين بخطوة في اتجاه الآخر بدءاً بالنقاط التي تسهل تسويتها، فتقوم إيران بالإجابة على أسئلة حول نشاطاتها، وتبدأ القوى العظمى بعد ذلك بخفض العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على هذا البلد.
وعلى ما يبدو، فإن ثمن هذا الموقف الإيراني من الاقتراح النووي الروسي، قد قبضته إيران باتفاقات لبناء محطات نووية جديدة، بعدما كادت محطة بوشهر تدخل حيز الخدمة. لكن بأي حال ليس هناك بين طهران وموسكو سوى مصالح متبادلة تتعرض دائماً لاختبارات صعبة لا تصل مهما بلغت خطورتها الى درجة العداء.
"أخبار بووم": 11 ايلول 2011
يبدو أن العلاقات الروسية الإيرانية تتجه نحو التحسن، بعد مرور عام ونيّف من الخصومة. فالعلاقة، الموروثة من الاتحاد السوفياتي والجمهوريّة الإسلامية، قد شهدت تدهوراً وصل إلى ذروته في شهر أيار/مايو2010 على خلفيات مختلفة، كان ابرزها موافقة روسيا على عقوبات جديدة ضد إيران في مجلس الأمن بسبب برنامجها النووي. وأتت بعدها قضية إخلال روسيا بتعهداتها تجاه إيران في موضوع بيع صواريخ أرض جو “أس 300″ لإيران، الأمر دفع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لاتهام موسكو ببيع إيران للأميركيين والصهاينة، ثم تلويح المسؤولين الإيرانيين باللجوء إلى محكمة لاهاي للفصل في صفقة بيع السلاح.
لم تكن المسألة متوقفة عند ملف الصواريخ، بل شهدت العلاقات بين البلدين مناوشات كلامية على خلفية مماطلة الروس بانهاء مفاعل كهروــ ذري في مدينة بوشهر جنوب إيران. أما القرار الذي قسم ظهر البعير، فكان دعم روسيا لمسودة عقوبات دولية جديدة في مجلس الأمن. يومها اعتبر نجاد أن الرئيس الروسي، ديمتري مدفيديف، رضخ للضغوط الأميركية، ووصفه بأنه بوق الدعاية المعادية لإيران. وكان رد موسكو على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، الذي دعا طهران الى التخلي عن الديماغوجية السياسية، واصفاً تصريحات نجاد بـ “الانفعالية”.
ظهرواضحاً أن الدب الروسي كان قد رضخ يومها لإغراءات العم سام، ومنها الاتفاق معه على تجديد معاهدة ستارت حول التوازن الاستراتيجي الصاروخي بين القوّتين العظمتين، ومساعدة روسيا اقتصادياً، وتجميد الأميركيين لمشروع نصب الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية. غير أن حساب الحقل الأميركي بدا غير مطابق لمحصول البيدر الروسي، فجنح الروس إلى تسوية العلاقات مع إيران، التي تشكل ساحة مغرية للشركات الروسية.
أول الغيث كان في ٧ كانون الثاني/ يناير الماضي، حين اتفق الرئيسان الروسي والإيراني، خلال اتصال هاتفي، على مواصلة الحوار المتعدد الأطراف حول برنامج إيران النووي قبيل المحادثات التي عقدت في اسطنبول أوخر الشهر نفسه، بين إيران ومجموعة (5+1). في ذلك الحين أصدر الكرملين بياناً ذكرفيه أنه تم التوصل إلى اتفاق على مواصلة النقاشات في مختلف الإطارات المتعددة الأطراف.
وفيما ظهر أن واشنطن قد اتفقت مع تركيا على نصب رادار على أراضي الأخيرة المجاورة لروسيا، في محاولة لإحياء مشروع الدرع الصاروخية، وفي ظل تفاقم الخلاف بين موسكو وواشنطن حول العديد من الملفات الساخنة، ولاسيما مزاحمة الثانية للأولى في السيطرة على منابع النفط والثروات في الشرق الأوسط تحت عنوان دعم ربيع الثورات العربية، عاد الدب الروسي إلى صاحبه القديم، من خلال مشاريع نووية جديدة بيد أنه لم يتراجع عن موقفه الرافض لتسليم الصواريخ الأرض جويّة إلى إيران، بحجة أن ذلك يخالف عقوبات الأمم المتحدة الأخيرة.
وكانت زيارة وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، إلى موسكو في اواسط شهر آب/ أغسطس الماضي، فاتحة لعهد جديد من العلاقات، وخصوصاً بعد موافقة طهران على مبادرة روسية لحل الأزمة النووية. محادثات صالحي جاءت غداة لقاءات ثنائية في طهران بين الرئيس الإيراني وسكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، قال نجاد بعدها إن إيران ترحب بالاقتراح الروسي لسياسة الخطوة خطوة وهي مستعدة لصياغة اقتراحات للتعاون في هذا المجال، وذلك في إشارة إلى اقتراح لافروف الذي اعلن عنه في تموز/ يوليو الماضي، كنهج جديد يعتمد سياسة الخطوة بخطوة لإعادة إطلاق المحادثات حول المسألة النووية. اقتراح لقي موافقة الدول الست المعنية بمناقشة الملف النووي الايراني (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا).
وبموجب الاقتراح الروسي، يقوم كل من الطرفين بخطوة في اتجاه الآخر بدءاً بالنقاط التي تسهل تسويتها، فتقوم إيران بالإجابة على أسئلة حول نشاطاتها، وتبدأ القوى العظمى بعد ذلك بخفض العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على هذا البلد.
وعلى ما يبدو، فإن ثمن هذا الموقف الإيراني من الاقتراح النووي الروسي، قد قبضته إيران باتفاقات لبناء محطات نووية جديدة، بعدما كادت محطة بوشهر تدخل حيز الخدمة. لكن بأي حال ليس هناك بين طهران وموسكو سوى مصالح متبادلة تتعرض دائماً لاختبارات صعبة لا تصل مهما بلغت خطورتها الى درجة العداء.
"أخبار بووم": 11 ايلول 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق