من يصدّق أن أول مُجاهدة ضد الاستعمار في التاريخ العربي الحديث، تعاني الأمرّين من أجل كسب قوتها اليومي؟ رمز الثورة الجزائرية، جميلة بوحيرد، التي لم تستسلم لكل أساليب التعذيب الفرنسية في شبابها، تصرخ اليوم عاجزة عن دفع تكاليف علاجها وحاجاتها الأساسية. صرخة ثائرة في منتصف السبعينيات من عمرها، تخلّت عنها السلطة والمجتمع
23/12/2009
22/12/2009
إيران ماضية في التحدي: عقوبات تُجهضها المصالح
يبدو أن عقدة اقتراح تخصيب اليورانيوم، قد تتحوّل إلى أزمة حقيقيّة بين طهران والغرب، ما لم يجرِ التوصّل إلى حل. فقد تصاعد بقوة الحديث عن عقوبات مشدّدة في أروقة الدبلوماسية الغربية. ولم يعد هناك سوى هذا الخيار بعدما أُسقِط خيار الحرب. لكن السؤال الجوهري إلى أيّ مدى قد تنجح هذه العقوبات في ظل سياسات تغليب المصالح وعمليات الالتفاف؟
الصورة: داخل مفاعل "بوشهر"في إيران
في بداية تشرين الأول الماضي، تنفّس العالم الصعداء لدى موافقة طهران على مقترح قدّمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقضي بأن تسلّم طهران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، على أن تزيدها موسكو إلى 19.75 في المئة قبل أن تحيلها على فرنسا لتحويلها إلى قضبان وقود نووي قادرة على إنتاج نظائر مشعّة لتُستخدم في مفاعل طهران للأبحاث الطبية.هذه الموافقة كانت مبدئية، أرادت منها طهران على ما يبدو اكتساب بعض الوقت، لتجتهد في تفاصيل الاتفاق بما يتناسب مع مصلحتها. والسبب أنها لا تريد تسليم كمية كبيرة من اليورانيوم (نحو 75 في المئة مما لديها) فتصبح أمام الغرب من دون ورقة ضغط في هذا المجال.وبعد صدور ثلاثة قرارات عن الأمم المتحدة ضد إيران، باتت الدول الغربية تطرح سؤالاً ممزوجاً بالحيرة عن جدوى هذه العقوبات، التي استطاعت طهران الالتفاف عليها، والسير قدماً في برامجها العسكرية والتكنولوجية وصولاً إلى تحقيق إنجازات.فالدول الست المعنية بوضع مسوّدة قرار عقوبات مشدّدة على إيران عاجزة عن التوصل إلى اتفاق على طبيعة هذه العقوبات حتى الآن. وبهذا الصدد، تشهد المشاورات، التي تضم كلاً من روسيا والصين وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، تباينات كبيرة بين دول مصرّة على إقرار أشدّ العقوبات، وأخرى مترددة. إلّا أن موقف روسيا، لا يزال ملتبساً أو أقرب إلى معارضة القرار، على غرار الصين.ومن الواضح، أن هذا الالتباس ظهر بعدما توصّلت موسكو وواشنطن إلى تفاهمات بخصوص عدد من الملفات الخلافية بينهما، مثل العمل على تجديد معاهدة «ستارت ـــــ 1» وإلغاء فكرة إقامة درع صاروخية في أوروبا، ونزع فتائل التفجير في القوقاز. لذلك تبدو موسكو حائرة بين ما يمكن أن تقدّمه إليها واشنطن، وإغراءات إسرائيل وبعض الدول الخليجية (من خلال شراء أسلحة روسية بمليارات الدولارات) من جهة، وبين جارتها، التي تقيم معها علاقات تجارية وعسكرية واسعة، من جهة أخرى. فحجم التبادل التجاري بين طهران وموسكو وصل هذا العام إلى 3 مليارات و500 مليون دولار. وتعمل الآن نحو 300 مؤسسة، وأكثر من ألفي خبير من روسيا، في منطقة بوشهر الإيرانية الجنوبية. أمّا الأسلحة الروسية للجمهورية الإسلامية، فقد تجاوزت مبيعاتها الـ 6 مليارات دولار. ومع ذلك، لا يمكن وصف العلاقة بين موسكو وطهران سوى بـ«زواج مصلحة»، إذ إن روسيا، الحريصة على بقاء هذه العلاقة المُربحة اقتصادياً، لم تألُ جهداً في تحويل الملف النووي الإيراني إلى ورقة من شأنها تحسين شروط الكرملين في منافسته مع الغرب.لعلّ الصين حتى الآن، هي قطب الرحى في معادلة تغليب الدبلوماسية والحوار على العقوبات.
صاروخ "سجيل-2" لحظة اطلاقه
على ما يبدو، فإن بكين تصرّفت انطلاقاً من عاملين أساسيين، الأول، يرتبط بسياستها في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والثاني يرجع إلى الفائدة التي حصلت عليها من إيران نتيجة العقوبات، إذ أصبح التنين الآسيوي، ومن خلفه مجموعة من الدول، محطة هامة للالتفاف على العقوبات. وحسبما تقول صحيفة «فايننشال تايمز»، فإن الصين تسدّ ثلث حاجات إيران من الوقود المكرّر.وعلى الصعيد التجاري، بلغت عقود استثمارات شركات صينية تعمل لتطوير واستثمار حقل غاز في جنوب إيران، نحو 6‚3 مليارات دولار. وتحصل الصين على 12 في المئة تقريباً، من إجمالي وارداتها النفطية من إيران. ويُتوقع أن تستورد 10 ملايين برميل يومياً من النفط، و30 في المئة من الغاز الإيراني، بحلول عام 2030، لتصبح إيران ثاني أكبر مزوّد للصين بالنفط.ومن المعروف أن للصين حدائق خلفية تتمتع بحريّة اقتصادية لافتة، وقدرات إنتاجية فائقة، فقد تجاوز حجم التبادل الاقتصادي بين إيران وشنغهاي ومحافظات آنخويي وجه جيانغ وجيانغسو في شرق الصين، ثلاثة مليارات ومئتي مليون دولار، العام الماضي.
على الضفة الأوروبية، ربما فتحت السياسة الأخيرة لطهران بتحويل عائدات النفط من الدولار الأميركي إلى اليورو الأوروبي والين الياباني، شهيّة المؤسسات المالية الأوروبية على استغلال هذا الوضع لمصلحتها اقتصادياً. فالشركات الفرنسية، التي بلغت استثماراتها في إيران مئات ملايين اليوروات، بدأت تشعر بخطورة الموقف.وهناك العديد من دول الاتحاد الأوروبي، لا ترغب في حرمان شركاتها ومصانعها الاستفادة من الطلب الإيراني. فبيانات المفوضية الأوروبية للعام الماضي، تشير إلى أن الاتحاد أصبح أكبر شريك تجاري لإيران، ولا سيّما أن الشعب الإيراني (70 مليوناً) يُحفّز الشركات والمؤسسات الكبرى في أوروبا على مواصلة التصدير إلى هذا البلد.لعلّ ما ذكرته الصحيفة الاقتصادية الألمانية «هاندلسبلات»، الثلاثاء الماضي، دليل إضافي على مدى حاجة أوروبا إلى إيران. فقد ذكرت الصحيفة أن المصارف والشركات الألمانية تشعر بالقلق من مقترحات مجموعة العمل المالي (تضم 33 دولة)، التي تهدف إلى إجبارها على تعزيز مراقبتها للصادرات إلى إيران.
ونقلت عن عضو مجلس إدارة الاتحاد الألماني للمصارف الخاصة، بيرند برابيندر، قوله «إذا كان الثمن كبيراً جداً فإننا نجازف بانسحاب المصارف من التجارة مع بعض الدول، أو بشأن بعض المنتجات». أما مسؤول التجارة الخارجية في اتحاد الصناعة الألمانية، اوليفييه فيك، فقال «هناك أصلاً نظام فاعل لمراقبة الصادرات في ألمانيا وسيجري الالتفاف عليه».ويمكن القول إنّ ما يؤلم أوروبا أكثر هو الغاز الإيراني، الذي لا تزال طهران ترفض تصديره إلى القارة القديمة من خلال «خط نابوكو». لعلها تنتظر ثمناً أوروبياً لقاء اشتراكها في هذا المشروع. ثمن لن ترضى طهران أن يكون أقل من إلغاء أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عليها.فالحاجة الأوروبية إلى الغاز الإيراني، ملحّة أيضاً في ظل احتكار روسيا لهذه الطاقة الثمينة، واستخدامها ورقة ضغط، في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. ومن المعروف في هذا الصدد، أن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز بعد روسيا، إذ تبلغ نسبة ما لديها 16 في المئة من إجمالي احتياطيات العالم.هذه العقوبات، تفوّت أيضاً على الشركات الأميركية، فرصاً كبيرة في الاستثمارات النفطية في الجمهورية الإسلامية. وقد يكون من الصعب على الدول المجاورة لإيران، مثل تركيا والعراق وباكستان وأفغانستان، أن تنخرط كلياً في نظام العقوبات. ويمكن الإشارة إلى نموذج إمارة دبي، التي تُعدّ الشريك التجاري الأول للجمهورية الإسلامية، حيث تستضيف نحو 350 ألف إيراني، يعمل معظمهم في التجارة. وربما كانت مساعدة أبو ظبي للإمارة الصغيرة من أجل تجاوز أزمتها المالية، قد ارتبطت بشروط، أحدها تخفيف التعامل مع إيران، ولا سيما أن الإمارات لا تنظر بعين الود إلى جارتها الفارسية بسبب أزمة الجزر الثلاث بينهما (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى).
شبكات السوق السوداء نشطت حول العالم من أجل تفادي آثار العقوبات على إيران
في مواجهة العقوبات، أرادت إيران عدم وضع البيض في سلة واحدة، فعملت على نقل تجارتها من الغرب إلى الشرق بانتظام. لكن البدائل الإيرانية لهذه «الفجوة» الاقتصادية قد تكون في العالم العربي ـــــ الإسلامي وآسيا، حيث من المُرجَّح أن تحلّ المصارف الصغيرة ومؤسسات التمويل الإسلامية محل المصارف الأوروبية.ولن يكون لقرار حظر إمدادات البنزين المُكرّر إلى إيران، تأثير في النظام بقدر ما سيصيب الشعب الإيراني والفئات الفقيرة منه. وإذا صدقت تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فإن الحكومة تعمل بسرعة على تنفيذ مصاف ـــــ قد تكون في دول أفريقية أو آسيوية ـــــ لتقوم بالتكرير. وهذا من شأنه توفير حاجات إيران من هذه المادة، وخصوصاً أن طهران تستورد الآن 40 في المئة من احتياجاتها من البنزين المكرّر. وتحدث وزير النفط مسعود مير كاظمي عن أن «احتمال إنتاج 100 في المئة من احتياجات البلاد من البنزين قائم في الوقت الراهن».صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بيّنت جدوى العقوبات، حين ذكرت أن شبكات السوق السوداء نشطت حول العالم من أجل تفادي آثار العقوبات على إيران. ولفتت إلى اعتراف إحدى الشركات الهولندية بتزويد طهران طائرات أميركية وأجزاءها الإلكترونية منذ عام 2005 حتى عام 2007. من هنا، لا يمكن العقوبات أن تؤتي ثمارها في ظل سياسات تغليب المصالح لدى الدول التي تتحكم في معظمها شركات كبرى، من دون أن نغفل طبعاً، أن إيران دولة أيديولوجية، تجعل من مراكمة إيران لعناصر القوة، فرضاً دينياً لا مهرب منه.
إجراءات الأمم المتحدة
فرض مجلس الأمن الدولي ثلاث مجموعات من العقوبات على إيران. تناولت المجموعة الأولى (عام 2006) الموادّ النووية الحساسة. وجمّدت أصول الإيرانيين ذوي الصلة بالبرنامج النووي من أفراد وشركات.أمّا المجموعة الثانية (2007)، فشملت عقوبات جديدة تتعلق بالأسلحة والتعاملات المالية. ووسّعت تجميد الأصول ليشمل 28 مجموعة وشركة وفرداً آخرين يدعمون الأنشطة النووية الحساسة أو تطوير الصواريخ.المجموعة الثالثة من العقوبات (2008)، شدّدت قيود السفر والقيود المالية على الأفراد والشركات وجعلت بعضها ملزماً. ووسعت حظراً جزئياً للتجارة في السلع ذات الاستخدامات المدنية والعسكرية، ليشمل بيع أي تقنيات متعلقة بها لإيران. وأضافت 13 فرداً و12 شركة إلى قائمة الأفراد والشركات المُشتبه بتورطهم في البرنامج النوويّ.
الأخبار: ١٧ كانون الأول ٢٠٠٩
21/12/2009
حسين علي منتظري
عن عمر يناهز 87 عاماً، توفي المرجع الإيراني المعارض، آية الله حسين علي منتظري، الذي بلغت الاتهامات له إلى حدّ «الخيانة» مذ دعا إلى تقليص صلاحيات الولي الفقيه
معمر عطوي
منذ بدايات الثورة الإسلامية، كانت صور آية الله حسين علي منتظري تُعلّق إلى جانب صور مؤسس الجمهورية الإسلامية، الإمام روح الله الموسوي الخميني، على الجدران وفي المساجد والحسينيات، على أنه أحد أهم رجالات الثورة. لكن الرجل، الذي عُرف بأسلوبه النقدي للسياسات المتّبعة، وخصوصاً انتقاداته لولاية الفقيه، توفي أمس معارضاً للسلطة، التي أسهم في تأسيسها ودعمها.في مدينة نجف آباد القريبة من أصفهان، وُلد منتظري في عام 1922، في بيت صغير، لوالدين يعملان بالزراعة. وكان في بداية حياته متابعاً لدروسه إلى جانب عمله في المزرعة. غير أنه ترك المدرسة، بعدما تعرّض للجلد على أيدي أحد المعلمين، فأرسله والده إلى أصفهان حيث حضر دروساً في الأدب.بعد بلوغه سن الـ13 عاماً، غادر إلى مدينة قُم، حيث انضم إلى الحوزة الدينية. وهناك عاش في البداية ظروفاً مادية صعبة، إذ أمضى أكثر من عشرة أشهر، من دون أن يقبض منحته الشهرية من مراجع الحوزة. كان والده يعطيه مبلغاً يكفي فقط لشراء الغذاء. عن هذه الأيام يقول منتظري في مذكراته: «كنت أشتمّ رائحة الحلويات لأشهر من دون أن أكون قادراً على شراء قطعة منها».
واجه منتظري سلطة الشاه، مع غيره من علماء الدين، وتعرّض للاعتقال والملاحقات. كذلك ناصر القضية الفلسطينية في عام 1948، متطوعاً للجهاد ضد الغزاة الإسرائيليين.ولأنه كان أحد أهم رجالات الثورة الإسلامية الفكريين والمجاهدين، أطلق عليه الإمام الخميني لقب «الفقيه الأعلى» بعد أشهر قليلة من انتصار الثورة في عام 1979. لقب بقي متداولاً إلى أن عُزل في عام 1988.ويبدو أن الإمام الخميني تخلّى عنه خليفةً له، بسبب انتقاده لولاية الفقيه، التي طالب بقصرها على الأمور الدينية فقط لا السياسية، وأفكاره النقدية تجاه أساليب النظام. يومها وجّه منتظري رسالتين إلى قائد الثورة، من ضمن ثلاث رسائل تضمنت انتقادات لـ«أساليب النظام القمعية»، التي استخدمت مع المعارضين. رسائل أدت إلى عزله من منصب نائب القائد، وفرض الإقامة الجبرية المؤقتة عليه في منزله في مدينة قُم، على أن يتفرّغ للتعليم الديني، ويترك شؤون السياسة.
طالب بتقليص صلاحيات الولي الفقيه... ورفض مبايعة خامنئي
بعد وفاة الخميني في عام 1989، رفض منتظري مبايعة المرشد الأعلى الجديد، آية الله علي خامنئي. ثم قلّل، في مقالات كانت تنشرها صحف مقرّبة منه، من كفاءة المرشد وأهليته للحكم، ما عُدَّ خيانة أدت إلى فرض الإقامة الجبرية عليه في عام 1997. ومع أن الرئيس السابق محمد خاتمي كان من المقربين إليه وأحد تلامذته، بيد أنه لم يستطع خلال فترة رئاسته (1997ـــــ 2005) أن يرفع عنه الإقامة الجبرية، إلا عام 2003، لأسباب صحية. بل إن عدداً من المسؤولين تعرّضوا للمحاكمة والسجن بسبب دفاعهم عن منتظري وولائهم له. ولم تسلم عائلته ومعاونوه من ملاحقة السلطات.لقد أصبح منتظري، الذي كان محكوماً بالإعدام في عهد الشاه سنة 1975، متهماًً بـ«الخيانة» في عهد الثورة. عُرف صاحب فكرة «أسبوع الوحدة الإسلامية»، الذي تحتفي به إيران كل عام، بانفتاحه على الجميع، وبمواقفه المستقلة، التي جذبت اليه الأتباع والمُريدين. وبلغت شعبيته ذروتها في الأشهر الأخيرة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مع اشتداد المواجهات بين المعارضة الإصلاحية والنظام. فقد وجد منتظري في هذه الحركة متنفساً له بعد سنوات طويلة من الجلوس في الظل. لذلك أصبح بمثابة المرشد الروحي لهذه المعارضة، من خلال دعمه لرئيس الحكومة السابق، مير حسين موسوي.وانتقد منتظري في العديد من المناسبات الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، بسبب سياسته الداخلية والخارجية، وموقفه من الأزمة بين إيران والغرب بسبب البرنامج النووي. ووصف إعادة انتخابه في حزيران الماضي، بأنه «أمر لا يمكن أن يقبله أي عقل سليم».وأثار منتظري جدلاً واسعاً في إيران، حين دعا إلى محادثات مباشرة بين طهران وواشنطن، لتجنّب حدوث نزاع بشأن عمليات تخصيب اليورانيوم، التي تقوم بها طهران. بل تمتع بحس نقدي ذاتي، دفعه إلى وصف حصار السفارة الأميركية في طهران في عام 1979 بأنه «خطأ»، رغم أنه اعترف بدعمه لتلك الخطوة في ذلك الوقت.وعلى خلفية الاضطرابات الأخيرة، أفتى منتظري بوجوب التصدي لـ«الحكومة الظالمة»، مؤكداً أنه إذا فقد الحاكم وبقية المسؤولين العدالة والأمانة، وقمع الأكثرية من الشعب، فإن ذلك يعني عزل الحاكم أو المسؤول تلقائياً.
الأخبار:٢١ كانون الأول ٢٠٠٩
طالب بتقليص صلاحيات الولي الفقيه... ورفض مبايعة خامنئي
بعد وفاة الخميني في عام 1989، رفض منتظري مبايعة المرشد الأعلى الجديد، آية الله علي خامنئي. ثم قلّل، في مقالات كانت تنشرها صحف مقرّبة منه، من كفاءة المرشد وأهليته للحكم، ما عُدَّ خيانة أدت إلى فرض الإقامة الجبرية عليه في عام 1997. ومع أن الرئيس السابق محمد خاتمي كان من المقربين إليه وأحد تلامذته، بيد أنه لم يستطع خلال فترة رئاسته (1997ـــــ 2005) أن يرفع عنه الإقامة الجبرية، إلا عام 2003، لأسباب صحية. بل إن عدداً من المسؤولين تعرّضوا للمحاكمة والسجن بسبب دفاعهم عن منتظري وولائهم له. ولم تسلم عائلته ومعاونوه من ملاحقة السلطات.لقد أصبح منتظري، الذي كان محكوماً بالإعدام في عهد الشاه سنة 1975، متهماًً بـ«الخيانة» في عهد الثورة. عُرف صاحب فكرة «أسبوع الوحدة الإسلامية»، الذي تحتفي به إيران كل عام، بانفتاحه على الجميع، وبمواقفه المستقلة، التي جذبت اليه الأتباع والمُريدين. وبلغت شعبيته ذروتها في الأشهر الأخيرة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مع اشتداد المواجهات بين المعارضة الإصلاحية والنظام. فقد وجد منتظري في هذه الحركة متنفساً له بعد سنوات طويلة من الجلوس في الظل. لذلك أصبح بمثابة المرشد الروحي لهذه المعارضة، من خلال دعمه لرئيس الحكومة السابق، مير حسين موسوي.وانتقد منتظري في العديد من المناسبات الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، بسبب سياسته الداخلية والخارجية، وموقفه من الأزمة بين إيران والغرب بسبب البرنامج النووي. ووصف إعادة انتخابه في حزيران الماضي، بأنه «أمر لا يمكن أن يقبله أي عقل سليم».وأثار منتظري جدلاً واسعاً في إيران، حين دعا إلى محادثات مباشرة بين طهران وواشنطن، لتجنّب حدوث نزاع بشأن عمليات تخصيب اليورانيوم، التي تقوم بها طهران. بل تمتع بحس نقدي ذاتي، دفعه إلى وصف حصار السفارة الأميركية في طهران في عام 1979 بأنه «خطأ»، رغم أنه اعترف بدعمه لتلك الخطوة في ذلك الوقت.وعلى خلفية الاضطرابات الأخيرة، أفتى منتظري بوجوب التصدي لـ«الحكومة الظالمة»، مؤكداً أنه إذا فقد الحاكم وبقية المسؤولين العدالة والأمانة، وقمع الأكثرية من الشعب، فإن ذلك يعني عزل الحاكم أو المسؤول تلقائياً.
الأخبار:٢١ كانون الأول ٢٠٠٩
15/12/2009
«عقدة شتازي» تلاحق نوّاباً في اليسار الألماني
مع فتح أرشيف جهاز الاستخبارات الألمانية الشرقية «شتازي»، برزت أزمة جديدة في المشهد السياسي الألماني، لعلّها شبيهة بملاحقة عملاء النازية
معمر عطوي
منذ أسابيع اهتمت الصحافة الألمانية بما عرُف بـ«عقدة شتازي»، في ظل الكشف عما بقي من أرشيف الاستخبارات التابعة لجمهورية ألمانيا الديموقراطية (DDR)، وخصوصاً بعد اكتشاف أن أحد أعضاء البرلمان المحلي في ولاية براندنبورغ (الشرقية سابقاً) كان عميلاً لجهاز «فوج الحراس ـــــ فيلكس دزيرزينسكي»، الذي سمّي بهذا الاسم تيمّناً بمؤسس الشرطة السرية السوفياتية.ولم يكن النائب ميخائيل إيغيديوس لوثهاردت، ممثل حزب اليسار في البرلمان، الشخصية الأولى ولا الأخيرة التي عملت مع شتازي، ولا سيما في حزب اليسار المتحالف مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي في حكومة ائتلافية محلية في ولاية براندنبورغ، المحاذية للعاصمة برلين. فقد كشفت التحقيقات والاعترافات وجود أربعة نواب ـــــ على الأقل ـــــ في الحزب، كانوا على علاقة بجهاز الاستخبارات، ولا سيما أن الحزب اليساري هو وريث الحزب الحاكم «SED» في ألمانيا الشرقية (1949-1989).المفارقة أن رئيسة كتلة اليسار في برلمان براندنبورغ، كريستين قيصر، عملت متعاونةً (موظفة غير رسمية) مع «شتازي». لكن النائبة اليسارية بدت غير راضية عن تصرف لوثهاردت، في ما يتعلق بإخفاء هويته السابقة، فاعترفت بأن هذا الأمر خلق جواً من انعدام الثقة تجاه كتلتها، حسبما نقلت صحيفة «برلينر مورغن بوست» في 4 كانون الأول الجاري. لكن قيصر انتقدت أيضاً «حملة الكشف عن شتازي» الدائرة في الإعلام، معتبرة أنها تلوّث سمعة الديموقراطية.في أي حال، خلقت «عقدة شتازي» بلبلة واسعة على الساحة السياسية الألمانية. بلبلة شاركت في نسج خيوطها كل الأحزاب الفاعلة. إذ أعلن رئيس حكومة الولاية (الاشتراكي)، ماثياز بلاتسيك، أن هذه القضية أشعرته بـ«الغش والخداع»، حسبما نقلت عنه صحيفة «برلينر مورغن بوست». وسمّى بلاتسيك صراحة عضوي اليسار، غيرد ريديغر هوفمان وريناتي أدولف، على أنهما أخفيا قضية انتماء لوثهاردت إلى شتازي، معتبراً أن هذا الأمر ألحق ضرراً بالتحالف الحكومي (الأحمر ـــــ الأحمر).وقال بلاتسيك «ينبغي علينا أن نعترف. وأنا أيضاً شخصياً ينبغي أن أعترف بأننا أخطأنا»، لجهة المساءلة عن مرشحي الانتخابات، مثيراً مسألة «مشاعر ضحايا ممارسات الحزب الشيوعي».أمّا صحيفة «شبيغل أون لاين» فذكرت في عددها الصادر في الثاني من الشهر الجاري أن إزاحة الغطاء عن لوثهاردت، هي امتداد لاكتشاف عملاء سابقين آخرين من حزب اليسار، الذي يشهد «تنامياً يوماً بعد يوم». وأشارت إلى أن قضية لوثهاردت هي «السقوط السابع في كتلة اليسار»، ولا سيما بعد اكتشاف ستة عملاء من قبل.الأزمة تولّدت من أن لوثهاردت لم يكن معروفاً بأنه عضو في شتازي، حسبما يوضح مسؤول حزب اليسار في الولاية، توماس نورد. بيد أن اللافت هو أن العميل السابق، ترشّح إلى انتخابات الولاية هذا العام، وحصل على نسبة 31.4 في المئة من الأصوات (11847 صوتاً). وهو متحدث رسمي باسم حزب اليسار للشؤون الزراعية. ففي سيرته الشخصية، ذكر لوثهاردت أنه حين كان في 18 من عمره، انتسب الى الحزب الشيوعي «انطلاقاً من قناعة تامة بالاشتراكية الإنسانية»، وتحدّث عن انضمامه إلى الخدمة العسكرية الإلزامية، من دون أن يتطرق إلى عمله مع الاستخبارات.لقد انتمى المهندس الزراعي إلى «فوج الحراس» بين تشرين الأول عام 1977 وتشرين الأول عام1980، حسبما أوضح ملفه في «دائرة بيرثلر»، في إشارة الى مديرة «هيئة وثائق شتازي»، ميريان بيرثلر. وسط هذه المعمعة، وجد الاتحاد المسيحي الديموقراطي، ضالّته للانقضاض على خصومه، فطالب بلاتسيك بإنهاء التحالف مع اليسار، فيما طالب الحزب الديموقراطي الحر (FDP) بانتخابات جديدة من أجل إخراج كل عناصر شتازي من البرلمان. ودفع الاتحاد المسيحي نحو 30 فتىً من شبيبته في بوتسدام (عاصمة الولاية)، للتظاهر ضد «عقدة ـــــ شتازي» و«التحالف الأحمر ـــــ الأحمر»، متّهمين الحزب الاشتراكي بالخيانة. وحملت إحدى اللافتات عبارة: «شتازي اخرج».وأبلغت رئيسة التكتل المسيحي، صحيفة «برلينر مورغن بوست»، أن «وجود عناصر سابقة من «شتازي» في التحالف الحكومي يضرّ البلد كثيراً».تجدر الإشارة إلى أنه خلال الأسبوعين الأخيرين، تم الكشف عن أربعة عناصر سابقة في كتلة اليسار، عملت مع «شتازي»، فيما كان ثلاثة من الكتلة، جاهروا بعملهم مع الاستخبارات «الشرقية».
عدد الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠٠٩
عدد الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠٠٩
9/12/2009
المفاعلات النوويّة الإيرانيّة تتحدّى العقوبات الدوليّة
كان إعلان طهران قبل شهرين عن منشأة نووية جديدة بالقرب من مدينة قم، سبباً لأزمة أخرى مع الغرب، الذي ردّ بتقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقد إيران بسبب «نشاطها النووي السري». لكن الأخيرة، التي اعتمدت دائماً منطق التحدّي في وجه مطالب الدول الكبرى، ردّت بإعلان عزمها بناء عشر محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم
معمر عطوي
لن تكون المحطات النووية الجديدة، التي أعلنت طهران نيّتها البدء بإنشائها وتشكك الغرب بقدرتها على تنفيذها، سوى امتداد لمشروع نووي متكامل لديه العديد من المحطات والمفاعلات، السريّة والعلنية، المنتشرة على أراضي الجمهورية الشاسعة (أكثر من مليون وستمئة ألف كيلومتر مربع). فالبرنامج النووي الإيراني بدأ بالفعل منذ خمسينيات القرن الماضي، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وكانت آنذاك الولايات المتحدة، حليفة للنظام الملكي، فدعمت المشروع وساهمت إلى جانب حكومات أوروبا الغربية في تنفيذه.لكن الثورة الإسلامية، التي انتصرت على النظام الشاهنشاهي في عام 1979، أحدثت قطيعة مع الغرب، ما أدى إلى إيقاف البرنامج بعد الثورة مؤقتاً، ليعود متجليّاً من خلال العديد من المواقع والمحطات والمناجم والمفاعلات.وفي الوقت الذي يتهم فيه الغرب طهران بالعمل على صناعة قنبلة ذرية وفرض عقوبات دولية عليها، تبرّر إيران عمليات تخصيب اليورانيوم بسعيها إلى تطوير القدرة على إنتاج الطاقة النووية، لتوليد الكهرباء والحصول على 6000 ميغاواط من هذه الطاقة الحيوية بدءاً من سنة 2010. لذلك، تسعى الجمهورية الإسلاميّة إلى إنتاج ما بين 250 و300 طن من الوقود النووي كل عام.
تسعى إيران إلى إنتاج ما بين 250 و300 طن من الوقود النووي كل عام
لعل أهم المفاعلات النووية العاملة اليوم على الأراضي الإيرانية، والتي تتعرض لتهديد إسرائيلي متواصل بقصفها، هو مفاعل «ناتنز» وسط البلاد. هذه المنشأة تُعدّ الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، والنقطة المحورية في النزاع النووي مع الغرب. بدأ التخصيب في المصنع منذ عام 2006. ووفق تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تموز الماضي، فإن هذا المفاعل يحتوي على ما يقارب 4600 جهاز طرد مركزي، تغذّى باليورانيوم، فيما 3700 أخرى جرى تثبيتها، لكنها لم توضع موضع التشغيل حتى الآن. ومن ناحية قانونية دولية، فإن الموقع خاضع لمراقبة وكالة الطاقة، التي ترصده على مدار الساعة من خلال آلات تصوير خاصة بذلك.في المرتبة الثانية، يأتي مفاعل «بوشهر» الكهروذري، جنوب غرب إيران، على الساحل المقابل لدول الخليج العربية. و«بوشهر» هو أول مفاعل نووي إيراني في عهد الثورة الإسلامية، يُبنى بمساعدة روسيا منذ عام 1995. غير أنه محطة قديمة، بدأت شركة «سيمنس» الألمانية العمل بها مع بداية سبعينيات القرن الماضي، في عهد الشاه. وتبلغ قوة هذا المفاعل 1000 ميغاوات، وهو يعمل بالماء الخفيف. وسيستخدم المفاعل اليورانيوم المخصب المستورد من روسيا (وصلت الدفعات الثماني التي كان متفقاً عليها مع موسكو)، كوقود لتوليد الكهرباء، ولا سيما أن كل ما تملكه إيران من «الكعكة الصفراء»، أي اليورانيوم النقي، لا يزيد على 825 طناً. هذه الكمية لا تكفي لسد حاجة «بوشهر»، إلا لمدة 7 سنوات.ويبدو أن هذا المفاعل، أصبح رهينة للعبة الكر والفر بين موسكو وطهران، وخصوصاً أن الأولى تتعرّض لضغوط كبيرة من واشنطن وتل أبيب، لوقف العمل بهذا المفاعل. فبينما كان موعد تسليمه مرجّحاً هذا العام، لا تزال الشركة الروسية المتعهدة للمشروع «آتوم ستروي اكسبورت»، تماطل في إنهاء العمل به، تارة بحجة عدم دفع طهران للمبالغ اللازمة في الوقت المحدد، الأمر الذي ينفيه الإيرانيون دائماً. وتارة بحجة عدم جهوزيته وعدم توافر الشروط المطلوبة لتشغيله. لكن على ما يبدو، وبعد مشاركة روسيا في تقرير إدانة طهران الذي صدر عن وكالة الطاقة أخيراً، يحاول الروس ترطيب الأجواء مع شريكتهم الاقتصادية الكبرى طهران. هذا ما عبّر عنه وزير الطاقة الروسي، سيرغي شماتكو، أثناء زيارته الأخيرة إلى العاصمة الإيرانية، أواخر الشهر الماضي، بقوله إن محطة بوشهر ستكتمل قريباً، وإعلان مسؤولين روس أن موسكو تعتزم تشغيل هذا المفاعل في آذار المقبل.ويعمل مفاعل بوشهر، تحت إشراف وكالة الطاقة في كل أطواره، وهو يلبي بصورة تامة التشريعات والقواعد الدولية السارية ونظام منع الانتشار.في المستوى الثالث، يأتي مفاعل «آراك» وسط إيران. ويقع في منطقة خونداب على بعد 190 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة طهران. وقد أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، في عام 2006، أن هذا المفاعل أصبح جاهزاً لإنتاج الماء الثقيل. في آب الماضي، وافقت إيران للمرة الأولى على السماح لمفتشي وكالة الطاقة بدخول المفاعل الذي تبلغ طاقته 40 ميغاوات. وتقول طهران إن التخصيب في المفاعل سيستخدم لإنتاج مواد مشعة للاستخدامات الطبية والصناعية السلمية. لكن مراقبين دوليين يرون أنه يتناسب مع إنتاج البلوتونيوم المنضّب الذي يدخل في صنع الأسلحة النووية.ومن المحطات النووية المهمة جداً أيضاً، مصنع «أصفهان» (وسط). ويقع على بعد 325 كيلومتراً جنوب شرق طهران. أعلنه الرئيس محمود أحمدي نجاد منذ أشهر، أول مصنع لإنتاج الوقود النووي. وفيه ينقّى خام اليورانيوم (الكعكة الصفراء) من الشوائب، من أجل تحويله كيميائياً إلى غاز «سداسي فلورايد اليورانيوم»؛ المادة التي تضخّ في أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. وعلى غرار منشأة «ناتنز»، يتألف المركز من منشآت متنوعة محصّنة معظمها تحت الأرض. وذكر مدير المصنع الجديد، فجيح الله أسدي، أن المصنع هو إنتاج إيراني مئة في المئة، وأنه سينتج ماءً ثقيلاً لمفاعل آراك.
تسعى إيران إلى إنتاج ما بين 250 و300 طن من الوقود النووي كل عام
لعل أهم المفاعلات النووية العاملة اليوم على الأراضي الإيرانية، والتي تتعرض لتهديد إسرائيلي متواصل بقصفها، هو مفاعل «ناتنز» وسط البلاد. هذه المنشأة تُعدّ الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، والنقطة المحورية في النزاع النووي مع الغرب. بدأ التخصيب في المصنع منذ عام 2006. ووفق تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تموز الماضي، فإن هذا المفاعل يحتوي على ما يقارب 4600 جهاز طرد مركزي، تغذّى باليورانيوم، فيما 3700 أخرى جرى تثبيتها، لكنها لم توضع موضع التشغيل حتى الآن. ومن ناحية قانونية دولية، فإن الموقع خاضع لمراقبة وكالة الطاقة، التي ترصده على مدار الساعة من خلال آلات تصوير خاصة بذلك.في المرتبة الثانية، يأتي مفاعل «بوشهر» الكهروذري، جنوب غرب إيران، على الساحل المقابل لدول الخليج العربية. و«بوشهر» هو أول مفاعل نووي إيراني في عهد الثورة الإسلامية، يُبنى بمساعدة روسيا منذ عام 1995. غير أنه محطة قديمة، بدأت شركة «سيمنس» الألمانية العمل بها مع بداية سبعينيات القرن الماضي، في عهد الشاه. وتبلغ قوة هذا المفاعل 1000 ميغاوات، وهو يعمل بالماء الخفيف. وسيستخدم المفاعل اليورانيوم المخصب المستورد من روسيا (وصلت الدفعات الثماني التي كان متفقاً عليها مع موسكو)، كوقود لتوليد الكهرباء، ولا سيما أن كل ما تملكه إيران من «الكعكة الصفراء»، أي اليورانيوم النقي، لا يزيد على 825 طناً. هذه الكمية لا تكفي لسد حاجة «بوشهر»، إلا لمدة 7 سنوات.ويبدو أن هذا المفاعل، أصبح رهينة للعبة الكر والفر بين موسكو وطهران، وخصوصاً أن الأولى تتعرّض لضغوط كبيرة من واشنطن وتل أبيب، لوقف العمل بهذا المفاعل. فبينما كان موعد تسليمه مرجّحاً هذا العام، لا تزال الشركة الروسية المتعهدة للمشروع «آتوم ستروي اكسبورت»، تماطل في إنهاء العمل به، تارة بحجة عدم دفع طهران للمبالغ اللازمة في الوقت المحدد، الأمر الذي ينفيه الإيرانيون دائماً. وتارة بحجة عدم جهوزيته وعدم توافر الشروط المطلوبة لتشغيله. لكن على ما يبدو، وبعد مشاركة روسيا في تقرير إدانة طهران الذي صدر عن وكالة الطاقة أخيراً، يحاول الروس ترطيب الأجواء مع شريكتهم الاقتصادية الكبرى طهران. هذا ما عبّر عنه وزير الطاقة الروسي، سيرغي شماتكو، أثناء زيارته الأخيرة إلى العاصمة الإيرانية، أواخر الشهر الماضي، بقوله إن محطة بوشهر ستكتمل قريباً، وإعلان مسؤولين روس أن موسكو تعتزم تشغيل هذا المفاعل في آذار المقبل.ويعمل مفاعل بوشهر، تحت إشراف وكالة الطاقة في كل أطواره، وهو يلبي بصورة تامة التشريعات والقواعد الدولية السارية ونظام منع الانتشار.في المستوى الثالث، يأتي مفاعل «آراك» وسط إيران. ويقع في منطقة خونداب على بعد 190 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة طهران. وقد أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، في عام 2006، أن هذا المفاعل أصبح جاهزاً لإنتاج الماء الثقيل. في آب الماضي، وافقت إيران للمرة الأولى على السماح لمفتشي وكالة الطاقة بدخول المفاعل الذي تبلغ طاقته 40 ميغاوات. وتقول طهران إن التخصيب في المفاعل سيستخدم لإنتاج مواد مشعة للاستخدامات الطبية والصناعية السلمية. لكن مراقبين دوليين يرون أنه يتناسب مع إنتاج البلوتونيوم المنضّب الذي يدخل في صنع الأسلحة النووية.ومن المحطات النووية المهمة جداً أيضاً، مصنع «أصفهان» (وسط). ويقع على بعد 325 كيلومتراً جنوب شرق طهران. أعلنه الرئيس محمود أحمدي نجاد منذ أشهر، أول مصنع لإنتاج الوقود النووي. وفيه ينقّى خام اليورانيوم (الكعكة الصفراء) من الشوائب، من أجل تحويله كيميائياً إلى غاز «سداسي فلورايد اليورانيوم»؛ المادة التي تضخّ في أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. وعلى غرار منشأة «ناتنز»، يتألف المركز من منشآت متنوعة محصّنة معظمها تحت الأرض. وذكر مدير المصنع الجديد، فجيح الله أسدي، أن المصنع هو إنتاج إيراني مئة في المئة، وأنه سينتج ماءً ثقيلاً لمفاعل آراك.
تتحدث المعارضة في الخارج عن مواقع ومفاعلات سرية يصل عددها إلى أكثر من سبعين
أمّا مفاعل «طهران» البحثي الذي يُستخدم لأغراض طبية، فقد أصبح محور الأزمة بين طهران والغرب في ما يتعلق بتأمين وقوده النووي (اليورانيوم المخصّب بدرجة 19.75 في المئة لإنتاج نظائر مشعّة تُستخدم للأغراض الطبية). يضمّ هذا الموقع أجهزة تم تفكيكها من مفاعل التخصيب السابق في شركة «كالاي» الكهربائية. ونقل تقرير عن مسؤول إيراني الشهر الماضي قوله إن إيران تحتاج ما يصل إلى 300 كيلوغرام من الوقود النووي لتلبية متطلبات مفاعل طهران لمدة عام ونصف عام.لعلّ المحور الأهم على خريطة المواقع النووية الإيرانية، مفاعل «فرود» (قرب قم) جنوبي طهران في منطقة جبلية محصّنة. خضع أخيراً لتفتيش وكالة الطاقة، بعدما أبلغت طهران الوكالة بالمشروع في أيلول الماضي، قائلة إنها أخفته بسبب تهديدات إسرائيل بقصف مفاعلاتها النووية. وأعلنت أنه يتّسع لنحو 3000 جهاز طرد مركزي، وأن أمامها نحو 18 شهراً لبدء تشغيله.وهناك مصنع «أردكان»، حيث ينقّى اليورانيوم الخام كي يصبح مُركّزاً. ويمكن أن ينتج المصنع من 60-70 طناً من اليورانيوم سنوياً. يقع هذا المصنع على بعد نحو 500 كيلومتر جنوبي غربي طهران، بالقرب من مدينة بندر عباس. وتقول تقارير استخبارية إن هذا المصنع الصغير ينتج الكعكة الصفراء سراً منذ عام 2006.إلى جانب هذه المواقع، التي أصبحت معروفة للقاصي والداني، هناك مواقع ومفاعلات أخرى سرية، قد يصل عددها إلى أكثر من سبعين موقعاً، حسبما تتحدّث المعارضة الإيرانية في الخارج.أما المناجم، فلعلّ أهمها منجم «ساغند»، الذي يحوي من اليورانيوم الخام نحو 1.5 مليون طن، بنقاوة تبلغ 553 غراماً من اليورانيوم في الطن الواحد. تم الكشف عن وجود خام اليورانيوم في هذا المنجم في عام 1985. وكان من المُزمع أن يبدأ العمل فيه مع بداية عام 2006، باستخدام 120 طناً من اليورانيوم الخام لإنتاج من 50 إلى 60 طن يورانيوم سنوياً.كذلك، تملك إيران منجم «جيهان»، الذي تعتزم من خلاله إنتاج 24 طناً من الكعكة الصفراء، سنوياً.يبقى هناك موقع «أناراك»، المُخصّص لتخزين المخلّفات النووية، إضافة إلى مجموعة من المواقع ومفاعلات البحوث الصغيرة الحجم في شمال شرق إيران، مثل «بوناب» و«رمسار». وتعمل هذه المفاعل في مجال البحوث الزراعية.وإذ تعرب طهران عن نيتها بناء عشرة مفاعلات جديدة، تبدأ العمل بها خلال شهرين حسبما أعلن الرئيس نجاد الأسبوع الماضي، يجرى العمل على إنشاء أول منشأة محلية للطاقة للنووية في دارخوواين. مشروع أعلنت طهران في عام 2007 نيتها إنشاءه في إقليم خوزستان (جنوب غرب). وقالت إنه سيكون تحت إشراف هيئة الطاقة النووية الإيرانية وبيد خبراء إيرانيين فقط، وأن طاقته ستبلغ 360 ميغاوات.ويبدو أن خريطة توزيع هذه المواقع والمفاعلات قد درست بدقّة، كي لا تتعرّض للقصف الجوي الإسرائيلي، أو الاستهداف البحري عبر السفن الغربية المرابطة في الخليج. فتمت حمايتها ببطاريات صواريخ، وتحصينها جيداً، وغالباً في مناطق جبلية تعصى على الاستهداف.
تخصيب اليورانيوم
تستخدم أجهزة الطرد المركزي لزيادة نسبة نظائر اليورانيوم 235 الصلب النقي. وتستخدم مفاعلات الماء الخفيف لإنتاج الكهرباء. وتتطلب هذه العملية أن يصل تركيز اليورانيوم 235 إلى ما بين 2.5 في المئة و3.5 في المئة.وخلال عملية التخصيب، يتمّ ضخ خام اليورانيوم في الآلاف من أجهزة الطرد المركزي بسرعة تفوق سرعة الصوت لتنقيتها. ويتم تشغيل أجهزة الطرد المركزي في مجموعات تضم كل منها 164 جهازاً. وقد طوّرت إيران أجهزة طرد مركزي من طراز «إي آر - 2». وهو أسرع ما بين مرتين إلى ثلاث مرات من النماذج السابقة. وتقول طهران إنه بات لديها أكثر من 7000 جهاز طرد مركزي. والتخصيب هو عملية ترمي إلى زيادة نسبة اليورانيوم 235، النظير القابل للانشطار في خام اليورانيوم، ليصبح صالحاً للاستخدام كوقود، أو في صنع الأسلحة النووية.
الأخبار: ٩ كانون الأول ٢٠٠٩
12/11/2009
هكذا انقلب السعوديّون على الزيديّين
القيادي الناصري محمد الصبري يحذّر من صوملة سياسيّة وجغرافيّة وزلزال يضرب المنطقة
لا يمكن اختصار أزمة اليمن «الحزين»، بحرب مذهبيّة بين سلطة ومتمرّدين، ما دامت الأصابع الخارجية تلعب بنيران هذا البلد منذ عقود، فيما تسيطر السعودية على أربع مناطق تابعة لجارتها الفقيرة
معمر عطوي
معمر عطوي
يبدو أن صورة الحرب الأهلية اليمنية، التي دارت في شمال البلاد بين عامي 1962 و1970، باتت تتكرر اليوم؛ عاد الصراع بين أطراف خارجيين بأسماء أخرى، على الساحة اليمنية، فيما كان في السابق بين الموالين للمملكة المتوكّلية الزيدية المدعومة من السعودية، والفصائل الموالية للجمهوريّة العربية اليمنية، المدعومة من مصر ـــــ عبد الناصر، ومن خلفه الاتحاد السوفياتي السابق.الأمر الأكثر أهميّة في الحرب المستعرة حالياً، هو التدخّل السعودي، الذي بلغ درجة كبيرة من السفور، بعدما كانت الرياض تقف خلف السلطة اليمنية من وراء الكواليس، لمحاربة الزيديين، القاطنين على الحدود الجنوبية للمملكة الوهابية؛ فالسعودية كانت دائماً لاعباً أساسياً في المعادلة اليمنية، بما يخدم مصالحها وأهدافها الجيو استراتيجة. ولعلها في نظر شريحة كبيرة من اليمنيين، دولة محتلة لأربع محافظات كبيرة وخصبة، هي عسير ونجران وجازان و“ظهران الجنوب”.أمّا ذريعة التهريب من اليمن إلى المملكة، فهو سبب غير مبرّر لتدخّل الرياض في شؤون جارتها، على أساس مذهبي أحياناً، وآيديولوجي أحياناً أخرى.ففي هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي، المفتوح على المحيط الهندي والبحر الأحمر، الذي يمثّل صلة الوصل بين العالم العربي والقرن الأفريقي، نسيج متنوّع من المذاهب والتوجّهات السياسية، التي تسمح باستغلالها من قوى خارجية طامعة بثروات دفينة هناك، أو مدافعة عن مصالح لا حد لها.في البداية، استفاد نظام الرئيس علي عبد الله صالح، في حربه مع فصائل الجنوب الاشتراكية، عام 1994، من دعم سعودي غير منظور، وخصوصاً بعناصر “الجهاديين” والأفغان العرب، الذين جنّدتهم الاستخبارات السعودية لقتال “النظام الشيوعي المُلحد” في جنوب اليمن.
وسط الجلبة الخارجية، النظام في صنعاء مهموم بتوريث السلطة
من هنا كان دور السعودية في اليمن “خطيراً ومدمّراً”، حسبما يرى القيادي في التنظيم الناصري الوحدوي اليمني، محمد يحيى الصبري، الذي يلقي على الرياض بالمسؤولية عن الكثير مما حدث لبلاده من مشاكل.ويحدّد القيادي اليمني عام 1996 عاماً للتحول الاستراتيجي في اليمن، “إذ إن التحالف المدعوم سعودياً، بين حزب المؤتمر بزعامة الرئيس صالح مع الإسلاميين (التجمّع اليمني للإصلاح)، انفرط عقده. وبرز اللقاء المشترك للمعارضة، الذي ضم الإسلاميين والقوميين (ناصريين وبعثيين) واليساريين (الحزب الاشتراكي)”.ويبدو أن صالح “شغوف باللعب على التناقضات المذهبية”، بحسب رأي الصبري، الذي يوضح أن الرئيس اليمني، بعد خلافه مع الإسلاميين السُنّة، “حاربهم بالزيدية، فأفسح المجال لأقطاب هذا المذهب لبناء المزيد من المدارس الدينية والمساجد، وغضّ النظر عن دعم جهات خارجية لهم”.بيد أن دخول الأميركيّين على خط الأزمة اليمنية تحت شعار محاربة الإرهاب، دفع بالزيديين، ممثَّلين بتنظيم حسين الحوثي، إلى الخروج عن التحالف مع السلطة. ففي عام 2003، تظاهر الحوثيون أمام السفارة الأميركية في صنعاء، فواجهتهم الشرطة، وقتلت منهم 15 شخصاً. وهنا كانت بداية الأزمة بين الطرفين، التي رفدتها عوامل عديدة، منها الصراع السعودي ـــــ الإيراني، ومنها الوضع الاقتصادي والتنموي لمناطق صعدة، معقل الحوثيين. تطورٌ أفضى إلى عودة العلاقة الحميمة بين صالح والرياض، فكان ذلك مكسباً للحركات السلفية، التي نشطت بقوة في اليمن.من هنا، كان العامل الخارجي دائماً متأهباً لاستغلال ما يحدث في الداخل، “فخلال 8 سنوات ماضية، كان هناك حديث يدور في 3 عواصم: واشنطن والرياض والقاهرة، عن تحديد الشكل المطلوب لليمن. مصر يهمّها كثيراً ما يجري هناك استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً. والرياض تعدّ اليمن حديقة خلفية لأمن المملكة. أما أميركا، فتعدّه أهم موقع استراتيجي في الشرق الأوسط قد يتحوّل إلى مشكلة لأمن الخليج”.وسط هذه الجلبة الخارجية، كان النظام في صنعاء “مهموماً بتوريث السلطة”، بحسب تعبير الصبري، الذي رأى أن “النظام تسلّح بذريعة أن أي تغيير سياسي في البلاد قد يؤدي إلى خراب اليمن”. لهذا، رفعت المعارضة مطلب التغيير، ورفض التوريث، وبدا تحالفها مخيفاً للسلطة.وفي ما يتعلق بوثيقة الإنقاذ الوطني، يوضح الصبري، وهو المتحدث باسم الأمانة العامة لهيئة الحوار الوطني في اليمن، أن هناك عوائق تقف أمام تحقيق مضمون هذه الوثيقة، منها “رفض السلطة العمل السلمي والتدخلات الخارجية”، محذّراً في نهاية الحديث من “الصوملة السياسية والجغرافية” لليمن، الذي إن انفرط عقده “فسيؤدي إلى زلزال سيضرب الجزيرة العربية والبحر الأحمر والمنطقة”.ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في خضم هذه المعمعة، إلى أي مدى تستطيع الرياض أن تتحمل نتائج تدخّلها في اليمن فيما لو تمادت لعبة الأمم لجعل هذا البلد منطلقاً لتغيير خريطة المنطقة؟
عدد الخميس ١٢ تشرين الثاني ٢٠٠٩
وسط الجلبة الخارجية، النظام في صنعاء مهموم بتوريث السلطة
من هنا كان دور السعودية في اليمن “خطيراً ومدمّراً”، حسبما يرى القيادي في التنظيم الناصري الوحدوي اليمني، محمد يحيى الصبري، الذي يلقي على الرياض بالمسؤولية عن الكثير مما حدث لبلاده من مشاكل.ويحدّد القيادي اليمني عام 1996 عاماً للتحول الاستراتيجي في اليمن، “إذ إن التحالف المدعوم سعودياً، بين حزب المؤتمر بزعامة الرئيس صالح مع الإسلاميين (التجمّع اليمني للإصلاح)، انفرط عقده. وبرز اللقاء المشترك للمعارضة، الذي ضم الإسلاميين والقوميين (ناصريين وبعثيين) واليساريين (الحزب الاشتراكي)”.ويبدو أن صالح “شغوف باللعب على التناقضات المذهبية”، بحسب رأي الصبري، الذي يوضح أن الرئيس اليمني، بعد خلافه مع الإسلاميين السُنّة، “حاربهم بالزيدية، فأفسح المجال لأقطاب هذا المذهب لبناء المزيد من المدارس الدينية والمساجد، وغضّ النظر عن دعم جهات خارجية لهم”.بيد أن دخول الأميركيّين على خط الأزمة اليمنية تحت شعار محاربة الإرهاب، دفع بالزيديين، ممثَّلين بتنظيم حسين الحوثي، إلى الخروج عن التحالف مع السلطة. ففي عام 2003، تظاهر الحوثيون أمام السفارة الأميركية في صنعاء، فواجهتهم الشرطة، وقتلت منهم 15 شخصاً. وهنا كانت بداية الأزمة بين الطرفين، التي رفدتها عوامل عديدة، منها الصراع السعودي ـــــ الإيراني، ومنها الوضع الاقتصادي والتنموي لمناطق صعدة، معقل الحوثيين. تطورٌ أفضى إلى عودة العلاقة الحميمة بين صالح والرياض، فكان ذلك مكسباً للحركات السلفية، التي نشطت بقوة في اليمن.من هنا، كان العامل الخارجي دائماً متأهباً لاستغلال ما يحدث في الداخل، “فخلال 8 سنوات ماضية، كان هناك حديث يدور في 3 عواصم: واشنطن والرياض والقاهرة، عن تحديد الشكل المطلوب لليمن. مصر يهمّها كثيراً ما يجري هناك استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً. والرياض تعدّ اليمن حديقة خلفية لأمن المملكة. أما أميركا، فتعدّه أهم موقع استراتيجي في الشرق الأوسط قد يتحوّل إلى مشكلة لأمن الخليج”.وسط هذه الجلبة الخارجية، كان النظام في صنعاء “مهموماً بتوريث السلطة”، بحسب تعبير الصبري، الذي رأى أن “النظام تسلّح بذريعة أن أي تغيير سياسي في البلاد قد يؤدي إلى خراب اليمن”. لهذا، رفعت المعارضة مطلب التغيير، ورفض التوريث، وبدا تحالفها مخيفاً للسلطة.وفي ما يتعلق بوثيقة الإنقاذ الوطني، يوضح الصبري، وهو المتحدث باسم الأمانة العامة لهيئة الحوار الوطني في اليمن، أن هناك عوائق تقف أمام تحقيق مضمون هذه الوثيقة، منها “رفض السلطة العمل السلمي والتدخلات الخارجية”، محذّراً في نهاية الحديث من “الصوملة السياسية والجغرافية” لليمن، الذي إن انفرط عقده “فسيؤدي إلى زلزال سيضرب الجزيرة العربية والبحر الأحمر والمنطقة”.ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في خضم هذه المعمعة، إلى أي مدى تستطيع الرياض أن تتحمل نتائج تدخّلها في اليمن فيما لو تمادت لعبة الأمم لجعل هذا البلد منطلقاً لتغيير خريطة المنطقة؟
عدد الخميس ١٢ تشرين الثاني ٢٠٠٩
8/10/2009
فتاوى جلب المفاسد والفريضة الغائبة
معمر عطوي*
طرح المرجع الديني الإسلامي، السيد محمد حسين فضل الله، في حديث لـ“الأخبار” بداية شهر رمضان الماضي، العديد من المسائل غير المسبوقة في التراث الفقهي الشيعي. مسائل ربما أقلّها، جواز إفطار الصائمين عند مغيب الشمس، حسبما يرى أهل السنّة، بدلاً من الانتظار نحو ربع ساعة من الوقت كما يفعل الشيعة، وقد تكون أهمّها رؤيته لهلال رمضان وموعد بدء الصيام من خلال حسابات فلكية تثبت الوقت الدقيق لميلاد القمر في أول الشهر الهجري وآخره.
والحال أنّ واقع الفتاوى الدينية والتجاذبات القائمة بين المراجع والفقهاء، تُحتّم على أي مراقب أن يرتئي ما هو أفضل للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، والذي شئنا أم أبينا، بات محكوماً بخلفيات ما ورائية، أسهمت إلى حدّ كبير في تكوين العقل الجمعي، بما يتلاءم مع مرحلة تديّن جارفة، أصبح فيها معيار القول للفقيه والقوانين الإلهية، أكثر منه للقوانين الوضعية المدنية.
من هنا، يصبح موضوع التخفيف من حدة الفتوى على واقع التعايش القائم، ضرورة لا بد منها انطلاقاً من الحقل الديني نفسه. إذ إن مقاصد الشريعة الإسلامية تقوم على فرضية أساسية، تقول بجلب المصالح ودرء المفاسد. وبما أن “الأصل في الأشياء الإباحة»، فإن النص بحد ذاته قد يكون أحياناً، حمّالاً لأوجه مختلفة، بما يسمح بتطوير مساحة الاجتهاد، من ضمن ما يسميها المفكر السيد محمد باقر الصدر “منطقة الفراغ”. انطلاقاً من هذه المنطقة التي لا يمكن تسويتها إلّا من خلال إعمال العقل والتأويل في النص، يمكن رجال الدين أن يصوغوا أحكامهم بما يتناسب مع حكم العقل، وما يحفظ مقصد جلب المصالح للأمة. أمّا إذا أصرّوا على مقولة “لا اجتهاد مع وجود النص”، فعندها توقّع ما لا تُحمد عقباه من مفاسد سيجلبها هؤلاء على مجتمعهم وأمّتهم.
المفارقة، أن كل جماعة دينية سواء من الشيعة أو من السنّة، تزعم أنها تلجأ إلى الاجتهاد واستعمال العقل، وتتغنّى ببعض الفتاوى التي “تسهّل أمور المسلمين”. لكن العيب في الأمر، أن حدود الاجتهاد لا تزال غير واضحة. لعلّ السبب، يكمن في الانتقائية المتّبعة لدى بعض من يتصدّى للفتوى، في اختيار أحكام معيّنة قد لا تكون من الأولويات، وهنا تكمن المفسدة بعينها. انطلاقاً من هذه الفوضى في إطلاق الفتاوى، لا يمكن أن يستقيم وضع الحكم الشرعي بما يضمن تحقيق مصالح المسلمين في “التعاون على البرّ والتقوى”. وقد يزيد الأمر في توسيع الهوة بين المذاهب بما يضمن توظيف رجال السياسة للشحن المذهبي في تحقيق أهدافهم المادية والسلطوية، من خلال دماء الناس وممتلكاتهم.
لذلك، كان العلّامة فضل الله من السبّاقين إلى بلورة أحكام وآراء تُعدّ من خارج الحقل التقليدي، مثل رفضه لروايات موجودة في كتب الشيعة، تتحدث سلباً عن صحابة الرسول محمد. ولو أن علماء المسلمين من السنّة والشيعة، اتّخذوا العقل مصدراً للتشريع بدل القياس، لكانوا جميعاً قد اتّفقوا مع السيد فضل الله، على تحديد بداية الشهر الهجري ونهايته، بدلاً من البقاء في حيرة من أمرهم. إذ يؤثّر هذا الضياع سلباً في حركة تنظيم الأعمال وجداول المواعيد وبعض الاستحقاقات المصيرية التي تحتاج إلى دقة في تحديد وقتها.
أمّا مقولة إن الفقه الشيعي يعتبر العقل أحد أهم مصادر التشريع بدلاً من القياس، كما هو عند أهل السنّة، فهي مقولة غير دقيقة. وليس دقيقاً القول أيضاًً، إن باب الاجتهاد لم يُقفل عند الشيعة. فمقولة إن العقل هو مصدر التشريع، لا يمكن أبداً أن تصمد أمام فتاوى متصلّبة عن “عدم حليّة” الطعام عند المسيحيّين والدروز، وشرعية الذبح، ومصافحة النساء وإجراءات الوضوء والصلاة التي تبطل لمجرد تغيير حركة قد تكون في غاية السخافة. كذلك لم يجتهد معظم فقهاء الشيعة في ضرورة تغيير نمط التعاطي مع الأفراد من الملل الأخرى، على أنهم مشركون أو نجس أو كفّار أو ضالّون. بمعنى أن كل هذه الأكاذيب الدبلوماسية عن التعايش بين الطوائف والتقريب بين المذاهب، ما هي إلّا دبلوماسية رثّة لا تعبّر عن حقيقة النظرة إلى الآخر من منظور الحكم الشرعي، الذي لا يزال يعيش في التقليدية واللاعقلانية.
وهنا قد يصبح القياس والعقل، كمصدرين للتشريع، مجرد تسويغ لحكم لا عقلاني وغير واقعي. أكثر من ذلك، لا وجود أبداً لعمل عقلي إلى جانب روايات وهميّة وخرافيّة، لا تشبه سوى سلسلة شرائط الخيال العلمي والأساطير البابلية.
ولعلّ ما تشهده ساحات الفتاوى من حليّة أنواع عديدة من الزواجات التي تُسلعن المرأة وتجعلها مثل بنت الهوى تمارس الجنس لقاء المال تحت عنوان “المهر”، بعيداً عن أي مشاركة في العواطف والمشاعر، ما هو إلاّ الإجرام بعينه؛ إجرام بحق المرأة كإنسانة لها كرامتها، وإجرام بحق الرجل الذي يجري تحويله إلى حيوان غرائزي، يُشبع حاجاته الجنسية بعنوان شرعي، هو إمّا زواج مسيار، أو زواج بنيّة الطلاق أو “زواج متعة”. وكلمة متعة هنا إهانة بحق المرأة والرجل معاً. إذ يصبح كل طرف بالنسبة إلى الآخر يؤدي وظيفة بيع الهوى ليس إلّا. في السياق نفسه، يندرج زواج المسيار، الذي يجعل المرأة بمثابة محطة جغرافية، يستطيع الرجل إفراغ شهوته فيها بمعزل عن فكرة العائلة واستقرارها وأهمية العلاقة العاطفية في الموضوع. إلى جانب ذلك، وهنا المفارقة في انتقاد بعض السنّة للشيعة على خلفية “الزواج المنقطع”، أن البعض في دول الخليج العربي، يعقدون نوعاً من الزواج “بنيّة الطلاق”. زواج يقوم به بعض الميسورين، من خلال إقامة علاقة عابرة مع فتاة تتمّ شرعنتها بعقد زواج يتبعه بعد فترة وجيزة “طلاق بائن” ودفع المهر. ولا نريد الاسترسال في بعض الفتاوى المثيرة للاشمئزاز حول زواج الأطفال والرُضّع.
حبّذا لو تفرّغ رجال الدين، إلى البحث عن فتاوى تعيد بناء المجتمع على أسس سليمة بدل زرع الشحن والحقد والكره وتحويل الإنسان إلى كائن شهواني. هم يتوقفون عند بعض الروايات الضعيفة أو الكاذبة بمعظمها، فيما ينبغي لهم أن يفتّشوا عن الجوامع المشتركة. أين سيكون الخطأ الشرعي لو أن أهل السنّة أعادوا الاعتبار إلى العلماء والمصلحين من أهل بيت الرسول؟ وأين سيكون الإشكال الشرعي عند الشيعة لو تحدّثوا مع تلامذتهم عن فضائل الصحابة وهي كثيرة، وخصوصاً لدى الخلفاء الراشدين؟ هل سيحاسب الله هؤلاء أم أولئك على سياسة يمكن من خلالها إنصاف جميع من صنعوا التاريخ الاسلامي، وبالتالي التقريب بين الناس؟
لا شك أن رجال الدين هم في موقع من يحاول الاحتفاظ بمريديه ومقلّديه حتى لو أسهم في ترسيخ التخلّف والعمل بمعزل عن فكرة “جلب المصالح ودرء المفاسد”.
أمام هذا الواقع يصبح من العقلانية، التصدّي لفتاوى مثل الامتثال لإشارات السير والحفاظ على البيئة، وعدم إزعاج الجيران حتى بصوت القرآن أو مجالس العزاء. كذلك توعية الناس إلى أهمية عدم توظيف أموالهم في مشاريع اقتصادية غير منتجة وريعية مبنيّة على الربا. فعلم مقاصد الشريعة واضح في أن الحكم يهدف إلى خدمة الإنسان وتجنيبهم الوقوع في التهلكة، وإيجاد التوازن في المجتمع لضمان عدم غلبة فئة على أخرى. لعل الفتوى المنطلقة من حركيّة المجتمع، التي تصبّ في تحقيق أهداف الجماعة ككل، بغضّ النظر عن تعددية هذه الجماعة مذهبياً أو قوميّاً أو عرقيّاً، هي التجسيد المنطقي والعقلي لسياسة جلب المصالح، التي لا يزال الكثير من رجال الدين يجهلون، أو لا يريدون معرفة أين تكمن هذه المصالح للأسف. كثيراً ما تحدّث البعض عن أن “الفريضة الغائبة” هي الجهاد (كتاب لعبد السلام فرج).
وفي الواقع، الفريضة الغائبة اليوم عن الوسط الإسلامي هي الاجتهاد لا الجهاد.
* من أسرة «الأخبار»
عدد الخميس ٨ تشرين الأول ٢٠٠٩
طرح المرجع الديني الإسلامي، السيد محمد حسين فضل الله، في حديث لـ“الأخبار” بداية شهر رمضان الماضي، العديد من المسائل غير المسبوقة في التراث الفقهي الشيعي. مسائل ربما أقلّها، جواز إفطار الصائمين عند مغيب الشمس، حسبما يرى أهل السنّة، بدلاً من الانتظار نحو ربع ساعة من الوقت كما يفعل الشيعة، وقد تكون أهمّها رؤيته لهلال رمضان وموعد بدء الصيام من خلال حسابات فلكية تثبت الوقت الدقيق لميلاد القمر في أول الشهر الهجري وآخره.
والحال أنّ واقع الفتاوى الدينية والتجاذبات القائمة بين المراجع والفقهاء، تُحتّم على أي مراقب أن يرتئي ما هو أفضل للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، والذي شئنا أم أبينا، بات محكوماً بخلفيات ما ورائية، أسهمت إلى حدّ كبير في تكوين العقل الجمعي، بما يتلاءم مع مرحلة تديّن جارفة، أصبح فيها معيار القول للفقيه والقوانين الإلهية، أكثر منه للقوانين الوضعية المدنية.
من هنا، يصبح موضوع التخفيف من حدة الفتوى على واقع التعايش القائم، ضرورة لا بد منها انطلاقاً من الحقل الديني نفسه. إذ إن مقاصد الشريعة الإسلامية تقوم على فرضية أساسية، تقول بجلب المصالح ودرء المفاسد. وبما أن “الأصل في الأشياء الإباحة»، فإن النص بحد ذاته قد يكون أحياناً، حمّالاً لأوجه مختلفة، بما يسمح بتطوير مساحة الاجتهاد، من ضمن ما يسميها المفكر السيد محمد باقر الصدر “منطقة الفراغ”. انطلاقاً من هذه المنطقة التي لا يمكن تسويتها إلّا من خلال إعمال العقل والتأويل في النص، يمكن رجال الدين أن يصوغوا أحكامهم بما يتناسب مع حكم العقل، وما يحفظ مقصد جلب المصالح للأمة. أمّا إذا أصرّوا على مقولة “لا اجتهاد مع وجود النص”، فعندها توقّع ما لا تُحمد عقباه من مفاسد سيجلبها هؤلاء على مجتمعهم وأمّتهم.
المفارقة، أن كل جماعة دينية سواء من الشيعة أو من السنّة، تزعم أنها تلجأ إلى الاجتهاد واستعمال العقل، وتتغنّى ببعض الفتاوى التي “تسهّل أمور المسلمين”. لكن العيب في الأمر، أن حدود الاجتهاد لا تزال غير واضحة. لعلّ السبب، يكمن في الانتقائية المتّبعة لدى بعض من يتصدّى للفتوى، في اختيار أحكام معيّنة قد لا تكون من الأولويات، وهنا تكمن المفسدة بعينها. انطلاقاً من هذه الفوضى في إطلاق الفتاوى، لا يمكن أن يستقيم وضع الحكم الشرعي بما يضمن تحقيق مصالح المسلمين في “التعاون على البرّ والتقوى”. وقد يزيد الأمر في توسيع الهوة بين المذاهب بما يضمن توظيف رجال السياسة للشحن المذهبي في تحقيق أهدافهم المادية والسلطوية، من خلال دماء الناس وممتلكاتهم.
لذلك، كان العلّامة فضل الله من السبّاقين إلى بلورة أحكام وآراء تُعدّ من خارج الحقل التقليدي، مثل رفضه لروايات موجودة في كتب الشيعة، تتحدث سلباً عن صحابة الرسول محمد. ولو أن علماء المسلمين من السنّة والشيعة، اتّخذوا العقل مصدراً للتشريع بدل القياس، لكانوا جميعاً قد اتّفقوا مع السيد فضل الله، على تحديد بداية الشهر الهجري ونهايته، بدلاً من البقاء في حيرة من أمرهم. إذ يؤثّر هذا الضياع سلباً في حركة تنظيم الأعمال وجداول المواعيد وبعض الاستحقاقات المصيرية التي تحتاج إلى دقة في تحديد وقتها.
أمّا مقولة إن الفقه الشيعي يعتبر العقل أحد أهم مصادر التشريع بدلاً من القياس، كما هو عند أهل السنّة، فهي مقولة غير دقيقة. وليس دقيقاً القول أيضاًً، إن باب الاجتهاد لم يُقفل عند الشيعة. فمقولة إن العقل هو مصدر التشريع، لا يمكن أبداً أن تصمد أمام فتاوى متصلّبة عن “عدم حليّة” الطعام عند المسيحيّين والدروز، وشرعية الذبح، ومصافحة النساء وإجراءات الوضوء والصلاة التي تبطل لمجرد تغيير حركة قد تكون في غاية السخافة. كذلك لم يجتهد معظم فقهاء الشيعة في ضرورة تغيير نمط التعاطي مع الأفراد من الملل الأخرى، على أنهم مشركون أو نجس أو كفّار أو ضالّون. بمعنى أن كل هذه الأكاذيب الدبلوماسية عن التعايش بين الطوائف والتقريب بين المذاهب، ما هي إلّا دبلوماسية رثّة لا تعبّر عن حقيقة النظرة إلى الآخر من منظور الحكم الشرعي، الذي لا يزال يعيش في التقليدية واللاعقلانية.
وهنا قد يصبح القياس والعقل، كمصدرين للتشريع، مجرد تسويغ لحكم لا عقلاني وغير واقعي. أكثر من ذلك، لا وجود أبداً لعمل عقلي إلى جانب روايات وهميّة وخرافيّة، لا تشبه سوى سلسلة شرائط الخيال العلمي والأساطير البابلية.
ولعلّ ما تشهده ساحات الفتاوى من حليّة أنواع عديدة من الزواجات التي تُسلعن المرأة وتجعلها مثل بنت الهوى تمارس الجنس لقاء المال تحت عنوان “المهر”، بعيداً عن أي مشاركة في العواطف والمشاعر، ما هو إلاّ الإجرام بعينه؛ إجرام بحق المرأة كإنسانة لها كرامتها، وإجرام بحق الرجل الذي يجري تحويله إلى حيوان غرائزي، يُشبع حاجاته الجنسية بعنوان شرعي، هو إمّا زواج مسيار، أو زواج بنيّة الطلاق أو “زواج متعة”. وكلمة متعة هنا إهانة بحق المرأة والرجل معاً. إذ يصبح كل طرف بالنسبة إلى الآخر يؤدي وظيفة بيع الهوى ليس إلّا. في السياق نفسه، يندرج زواج المسيار، الذي يجعل المرأة بمثابة محطة جغرافية، يستطيع الرجل إفراغ شهوته فيها بمعزل عن فكرة العائلة واستقرارها وأهمية العلاقة العاطفية في الموضوع. إلى جانب ذلك، وهنا المفارقة في انتقاد بعض السنّة للشيعة على خلفية “الزواج المنقطع”، أن البعض في دول الخليج العربي، يعقدون نوعاً من الزواج “بنيّة الطلاق”. زواج يقوم به بعض الميسورين، من خلال إقامة علاقة عابرة مع فتاة تتمّ شرعنتها بعقد زواج يتبعه بعد فترة وجيزة “طلاق بائن” ودفع المهر. ولا نريد الاسترسال في بعض الفتاوى المثيرة للاشمئزاز حول زواج الأطفال والرُضّع.
حبّذا لو تفرّغ رجال الدين، إلى البحث عن فتاوى تعيد بناء المجتمع على أسس سليمة بدل زرع الشحن والحقد والكره وتحويل الإنسان إلى كائن شهواني. هم يتوقفون عند بعض الروايات الضعيفة أو الكاذبة بمعظمها، فيما ينبغي لهم أن يفتّشوا عن الجوامع المشتركة. أين سيكون الخطأ الشرعي لو أن أهل السنّة أعادوا الاعتبار إلى العلماء والمصلحين من أهل بيت الرسول؟ وأين سيكون الإشكال الشرعي عند الشيعة لو تحدّثوا مع تلامذتهم عن فضائل الصحابة وهي كثيرة، وخصوصاً لدى الخلفاء الراشدين؟ هل سيحاسب الله هؤلاء أم أولئك على سياسة يمكن من خلالها إنصاف جميع من صنعوا التاريخ الاسلامي، وبالتالي التقريب بين الناس؟
لا شك أن رجال الدين هم في موقع من يحاول الاحتفاظ بمريديه ومقلّديه حتى لو أسهم في ترسيخ التخلّف والعمل بمعزل عن فكرة “جلب المصالح ودرء المفاسد”.
أمام هذا الواقع يصبح من العقلانية، التصدّي لفتاوى مثل الامتثال لإشارات السير والحفاظ على البيئة، وعدم إزعاج الجيران حتى بصوت القرآن أو مجالس العزاء. كذلك توعية الناس إلى أهمية عدم توظيف أموالهم في مشاريع اقتصادية غير منتجة وريعية مبنيّة على الربا. فعلم مقاصد الشريعة واضح في أن الحكم يهدف إلى خدمة الإنسان وتجنيبهم الوقوع في التهلكة، وإيجاد التوازن في المجتمع لضمان عدم غلبة فئة على أخرى. لعل الفتوى المنطلقة من حركيّة المجتمع، التي تصبّ في تحقيق أهداف الجماعة ككل، بغضّ النظر عن تعددية هذه الجماعة مذهبياً أو قوميّاً أو عرقيّاً، هي التجسيد المنطقي والعقلي لسياسة جلب المصالح، التي لا يزال الكثير من رجال الدين يجهلون، أو لا يريدون معرفة أين تكمن هذه المصالح للأسف. كثيراً ما تحدّث البعض عن أن “الفريضة الغائبة” هي الجهاد (كتاب لعبد السلام فرج).
وفي الواقع، الفريضة الغائبة اليوم عن الوسط الإسلامي هي الاجتهاد لا الجهاد.
* من أسرة «الأخبار»
عدد الخميس ٨ تشرين الأول ٢٠٠٩
3/10/2009
إيران وأميركا: الرقص مع الشيطان
معمر عطوي
لم تكن التحوّلات الأخيرة التي شهدتها العلاقات الإيرانية ـــــ الأميركية، هذا الأسبوع، مفاجئة لجهة كسر الجليد القائم بين البلدين منذ عام 1980. فقد سبقت هذه التحولات لقاءات سريّة وعلنيّة ومناورات إعلامية، مهّدت لجعل الرقص مع «الشيطان الأكبر» مُستساغاً.
وربما كانت دعوات الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الحوار مع طهران، خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة، ورسائل التهنئة المتبادلة بينه وبين نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي، محطات هامّة في تقريب وجهات النظر.
غير أن الخطوات الأولى بدأت منذ عهد الرئيس الأسبق، البراغماتي المعتدل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تمرّد على ثوابت الثورة من خلال فضيحة «إيران غيت». منذ تلك الحادثة، قيل الكثير عن براغماتية السياسة الإيرانية، التي تعلن المبدئية في تعاطيها مع إسرائيل «الغدة السرطانية» وأميركا «الشيطان الأكبر»، فيما تقوم بأي خطوات لازمة تجاه «العدو» إذا اقتضت مصالحها ذلك.
وبدأت تتجلّى هذه البراغماتية أكثر في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، الذي جرت خلاله أول زيارة لوزير خارجية إيراني (كمال خرازي) لواشنطن، حيث التقى نظيرته الأميركية مادلين أولبرايت في خريف عام 2000.
ثم جاء غزو أفغانستان والعراق، ليكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر بعير المبادئ الثورية، ولا سيما أن التعاون الإيراني مع الأميركيين والبريطانيين في مهاجمة هذين البلدين لم يعد خافياً على أحد، وجرى تناوله في العديد من المحافل، على اعتبار أن عدوين لدودين مثل حركة طالبان وصدام حسين أخطر من انتشار جحافل الغزو في الخليج والمنطقة. والمفارقة هنا أن هذه التحولات في الموقف الإيراني طرأت رغم أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كان قد صنّف إيران في عام 2002، من ضمن «محور الشر»، فيما كانت طهران بعد أشهر قليلة توافق على محادثات بين برلمانيين من البلدين اقترحتها واشنطن.
تبعت هذه الخطوات تصريحات للمرشد الأعلى، قال فيها إن «قطع العلاقات مع أميركا ليس دائماً». تصريحات سبقتها رسالة للرئيس نجاد إلى بوش في عام 2006، يقترح فيها «وسائل جديدة» لتخفيف الاحتقان في العالم. لكن واشنطن أبدت استعدادها للمشاركة في محادثات متعددة الأطراف مع طهران إذا تخلت هذه الأخيرة عن برنامجها النووي.
هذه السياسة من الجانبين، التي كانت دائماً تُغطى بتهديدات متبادلة ومناورات عسكرية بهدف تحسين شروط التفاوض، توصلت في عام 2007 إلى عقد 3 جولات من المفاوضات بين وفدي البلدين بشأن الوضع في العراق برعاية بغداد.
وفي عام 2006، شهدت أروقة أحد الفنادق في شرم الشيخ، على هامش مؤتمر عن العراق، لقاءً بين خبراء أميركيين وإيرانيين وتبادل حديث مقتضب بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ونظيرها الإيراني منوشهر متكي.
وبدا في ما بعد أن اللقاءات العلنيّة بين الأميركيين والإيرانيين، ما هي إلا نتيجة طبيعية للقاءات سريّة، كشفت عنها صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، في نيسان 2008. إذ ذكرت أن واشنطن وطهران منخرطتان في مناقشات سرية عبر قناة خلفية على مدى السنوات الخمس السابقة.
الأمر الهام هنا أن أحد المفاوضين أبلغ الصحيفة يومها باقتراح أميركي يقضي بإعطاء إيران فرصة لتخصيب اليورانيوم خارج أراضيها، عن طريق «كونسورتيوم» روسي. اقتراح يبدو أنها وافقت عليه طهران هذا الأسبوع.
وفي السياق عينه، كشف وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي يُعَدّ من الصقور، أنه أجرى محادثات مع الإيرانيين في وقت لم يحدده، مشيراً إلى أن «المفاوضات تعتمد على التوازن بين الحوافز والعقوبات».
وفي نهاية عام 2007، ظهر واضحاً التباين في المواقف الأميركية، وخصوصاً بين المؤسسة السياسية والمؤسستين العسكرية والأمنية، حين صدر تقرير عن 16 جهازاً استخبارياً أميركياً يعلن أن طهران أوقفت العمل ببرنامج نووي تسلّحي في عام 2003. واللافت في الأمر أن رئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية، رفسنجاني، كان على علم بالتقويم الاستخباري قبل صدوره، حسبما كشف مسؤول إماراتي يومها.
أمّا حصيلة هذه المسيرة الطويلة من علاقات المد والجزر بين البلدين، فقد تُوّجت بسماح أميركا لوزير الخارجية الإيراني بزيارة نادرة لواشنطن الأسبوع الحالي. خطوة سبقها سماح السلطات الإيرانية لسفارة سويسرا التي تدير المصالح الأميركية لدى طهران، بلقاء ثلاثة معتقلين أميركيين دخلوا البلاد عن طريق كردستان العراق بطريقة غير مشروعة.
وعلى ما بدا في اجتماع جنيف، الذي أفسح المجال للقاء بين مندوب إيران سعيد جليلي ونائب وزير الخارجية الأميركية وليم بيرنز، أن طهران قد أسهمت في تسهيل عملية التفاوض بتطبيقها لمطالب الجانب الأميركي، مثل إدراج البرنامج النووي على جدول المحادثات، رغم رفضها لذلك سابقاً، والسماح للمفتشين الدوليين بالوصول إلى مفاعل نووي في قم، والتزامهم بجدول زمني للقاءات جديدة.
حجر الرحى هنا موافقة طهران على تخصيب اليورانيوم في روسيا، الموقف الذي أعفى الحليف في موسكو من إحراج الموافقة على عقوبات مشددة، وطمأن العدو في واشنطن إلى أن التخصيب أصبح في منتهى الشفافية.
الأخبار ٣ تشرين الأول ٢٠٠٩
لم تكن التحوّلات الأخيرة التي شهدتها العلاقات الإيرانية ـــــ الأميركية، هذا الأسبوع، مفاجئة لجهة كسر الجليد القائم بين البلدين منذ عام 1980. فقد سبقت هذه التحولات لقاءات سريّة وعلنيّة ومناورات إعلامية، مهّدت لجعل الرقص مع «الشيطان الأكبر» مُستساغاً.
وربما كانت دعوات الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الحوار مع طهران، خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة، ورسائل التهنئة المتبادلة بينه وبين نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي، محطات هامّة في تقريب وجهات النظر.
غير أن الخطوات الأولى بدأت منذ عهد الرئيس الأسبق، البراغماتي المعتدل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تمرّد على ثوابت الثورة من خلال فضيحة «إيران غيت». منذ تلك الحادثة، قيل الكثير عن براغماتية السياسة الإيرانية، التي تعلن المبدئية في تعاطيها مع إسرائيل «الغدة السرطانية» وأميركا «الشيطان الأكبر»، فيما تقوم بأي خطوات لازمة تجاه «العدو» إذا اقتضت مصالحها ذلك.
وبدأت تتجلّى هذه البراغماتية أكثر في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، الذي جرت خلاله أول زيارة لوزير خارجية إيراني (كمال خرازي) لواشنطن، حيث التقى نظيرته الأميركية مادلين أولبرايت في خريف عام 2000.
ثم جاء غزو أفغانستان والعراق، ليكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر بعير المبادئ الثورية، ولا سيما أن التعاون الإيراني مع الأميركيين والبريطانيين في مهاجمة هذين البلدين لم يعد خافياً على أحد، وجرى تناوله في العديد من المحافل، على اعتبار أن عدوين لدودين مثل حركة طالبان وصدام حسين أخطر من انتشار جحافل الغزو في الخليج والمنطقة. والمفارقة هنا أن هذه التحولات في الموقف الإيراني طرأت رغم أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كان قد صنّف إيران في عام 2002، من ضمن «محور الشر»، فيما كانت طهران بعد أشهر قليلة توافق على محادثات بين برلمانيين من البلدين اقترحتها واشنطن.
تبعت هذه الخطوات تصريحات للمرشد الأعلى، قال فيها إن «قطع العلاقات مع أميركا ليس دائماً». تصريحات سبقتها رسالة للرئيس نجاد إلى بوش في عام 2006، يقترح فيها «وسائل جديدة» لتخفيف الاحتقان في العالم. لكن واشنطن أبدت استعدادها للمشاركة في محادثات متعددة الأطراف مع طهران إذا تخلت هذه الأخيرة عن برنامجها النووي.
هذه السياسة من الجانبين، التي كانت دائماً تُغطى بتهديدات متبادلة ومناورات عسكرية بهدف تحسين شروط التفاوض، توصلت في عام 2007 إلى عقد 3 جولات من المفاوضات بين وفدي البلدين بشأن الوضع في العراق برعاية بغداد.
وفي عام 2006، شهدت أروقة أحد الفنادق في شرم الشيخ، على هامش مؤتمر عن العراق، لقاءً بين خبراء أميركيين وإيرانيين وتبادل حديث مقتضب بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ونظيرها الإيراني منوشهر متكي.
وبدا في ما بعد أن اللقاءات العلنيّة بين الأميركيين والإيرانيين، ما هي إلا نتيجة طبيعية للقاءات سريّة، كشفت عنها صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، في نيسان 2008. إذ ذكرت أن واشنطن وطهران منخرطتان في مناقشات سرية عبر قناة خلفية على مدى السنوات الخمس السابقة.
الأمر الهام هنا أن أحد المفاوضين أبلغ الصحيفة يومها باقتراح أميركي يقضي بإعطاء إيران فرصة لتخصيب اليورانيوم خارج أراضيها، عن طريق «كونسورتيوم» روسي. اقتراح يبدو أنها وافقت عليه طهران هذا الأسبوع.
وفي السياق عينه، كشف وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي يُعَدّ من الصقور، أنه أجرى محادثات مع الإيرانيين في وقت لم يحدده، مشيراً إلى أن «المفاوضات تعتمد على التوازن بين الحوافز والعقوبات».
وفي نهاية عام 2007، ظهر واضحاً التباين في المواقف الأميركية، وخصوصاً بين المؤسسة السياسية والمؤسستين العسكرية والأمنية، حين صدر تقرير عن 16 جهازاً استخبارياً أميركياً يعلن أن طهران أوقفت العمل ببرنامج نووي تسلّحي في عام 2003. واللافت في الأمر أن رئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية، رفسنجاني، كان على علم بالتقويم الاستخباري قبل صدوره، حسبما كشف مسؤول إماراتي يومها.
أمّا حصيلة هذه المسيرة الطويلة من علاقات المد والجزر بين البلدين، فقد تُوّجت بسماح أميركا لوزير الخارجية الإيراني بزيارة نادرة لواشنطن الأسبوع الحالي. خطوة سبقها سماح السلطات الإيرانية لسفارة سويسرا التي تدير المصالح الأميركية لدى طهران، بلقاء ثلاثة معتقلين أميركيين دخلوا البلاد عن طريق كردستان العراق بطريقة غير مشروعة.
وعلى ما بدا في اجتماع جنيف، الذي أفسح المجال للقاء بين مندوب إيران سعيد جليلي ونائب وزير الخارجية الأميركية وليم بيرنز، أن طهران قد أسهمت في تسهيل عملية التفاوض بتطبيقها لمطالب الجانب الأميركي، مثل إدراج البرنامج النووي على جدول المحادثات، رغم رفضها لذلك سابقاً، والسماح للمفتشين الدوليين بالوصول إلى مفاعل نووي في قم، والتزامهم بجدول زمني للقاءات جديدة.
حجر الرحى هنا موافقة طهران على تخصيب اليورانيوم في روسيا، الموقف الذي أعفى الحليف في موسكو من إحراج الموافقة على عقوبات مشددة، وطمأن العدو في واشنطن إلى أن التخصيب أصبح في منتهى الشفافية.
الأخبار ٣ تشرين الأول ٢٠٠٩
30/9/2009
سياسيّو لبنان: من يعيد العقل إلى حقله؟
معمر عطوي
يفرض عليك الواقع السياسي الراهن، الدخول في انتقائية سيئة بين اصطفافاته القائمة على اعتبارات يمتزج فيها العامل الطائفي والعائلي بالمصلحي والطبقي. اصطفافات ينتج منها خطان متوازيان في تخلّفهما وسوء إدارتهما للأمور، وإن كان المرء يجنح إلى أحدهما، أحياناً، من منطلق تقدير الفداء بالدم لا أكثر.
على مستوى لبنان، يمثّل هذين الخطين تياران يتصارعان أحياناً لدرجة محاولة الإلغاء، بذريعة التخوين أو التكفير أو الاتهام بجر البلد نحو الفتنة. ويتسلّح كل من التيارين بتسمية تلاصقه مهما جرى من تحولات أو تغيرات. فحركة «8 آذار» تصر على تسمية «المعارضة»، للتعريف عنها كمجموعة تضم أحزاباً وتيارات وشراذم وشللاً، رغم أنها جزء من الحكومة. بل تطالب دائماً بأن تكون في «حكومة وحدة وطنية» ولو بالقوة، وتحتفظ في الوقت نفسه بعنوان «المعارضة». وتفرض ما تفرضه من شروط على الطرف الآخر تحت شعار كاذب «الحفاظ على التعايش». شعار وهمي بدرجة الوهمية التي يتمتع بها شعار «لبنان أولاً».
والمفارقة أن كل فريق يتسلّح باجتهاداته الخاصة عن «الديموقراطية التوافقية»، التي ما أنزل أي قانون وضعي أو دستور مدني بها من سلطان. بل ذهب البعض بطريقة مثيرة للسخرية إلى التمييز بين أكثر نيابية وأكثرية عددية. فحين تكون مصلحة أحد الأفرقاء «الطوائف» في «تيار 14 شباط»، في عدم تغلّب طائفة معينة عددياً على الأخرى، في الوظائف العامة والمناصب الكبرى العسكرية والمدنية، يصبح اعتماد التوافق مسلّمة لا بد منها. وحين يناقض هذا النوع من الديموقراطية البدعة، التي تشبه «مجالس القبائل» في بعض الدول العربية، أو «لويا جيرغا» في باكستان وأفغانستان، يصبح اللجوء إلى الشعب «الغوغاء» مظهراً من مظاهر التمدن، حتى لو كان السبيل إليهم، استغلالاً لضائقتهم الاقتصادية والمعيشية، أو عزفاً على أوتارهم المذهبية. وهنا يكمن عقم كلتا
❞ماذا فعل فريقا 8 و14 آذار غير ترسيخ فكرة «نقاء المذهب» وارتباط الخط السياسي بـ«المقدّس»؟❝الأكثريتين، سواء كانت برلمانية أو عددية. جماهير سرعان ما تنتفض لدى سماع خطبة رجل دين من هنا أو نكتة رجل سياسة من هنالك أو تحذير من إبادة مرتقبة ضد «الجماعة»، على طريقة فبركة الخوف. والحديث عن «8 آذار» يشبه الحديث عن «دول الممانعة»، التي أُطلقت بإزاء «دول الاعتدال». والممانعة هنا أثبتت عقمها، بدليل أن هذا التعبير لم يحقق لهذا المحور من مناعة ضد «الغزو الثقافي والفكري» أو حتى العسكري، سوى الارتداد على أهل البيت من المواطنين الذين صدّقوا كذبة التصدي، فزُجّوا في السجون أو أُرسلوا للمنافي والقبور، بذريعة منافية للأخلاق السياسية والطهرانية، التي يدّعونها في مواجهة خطر الصهيونية والرأسمالية والرجعية العربية. هو تمنّع على طريقة «الدلع أو الغنج»، أو الخوف من الشعب، الذي لا بد أن يكون له دور في ممارسة النقد والتغيير ولو بعد حين من القمع ومصادرة حرية الرأي وتعميم الجهل والتخلف والأمية، بذريعة التفرّغ لمقارعة من لم تتحرك أي من هذه الدول، لمقارعته حتى حين وصل إلى حدودها، أو لا يزال يجثم على بعض أرضها.
يمكن المراقب أن يبدأ في محاكمته لهاتين الظاهرتين، من الإنسان، كمرتكز لا بد منه ومعيار أساسي في برنامج هذا التيار أو ذاك، اللذين يزعمان معاً حملهما رسالة إنسانية رائدة، وخططاً مستقبلية واعدة ووعوداً حريرية مغرية. السؤال يبدأ من الشباب، الذي يعتبر المنطلق للتغيير. ماذا فعل فريق «8 آذار» أو «14 آذار» لشباب لبنان، غير ترسيخ فكرة «نقاء المذهب» وارتباط الخط السياسي بـ«المقدّس»، بصورة لا تبتعد أبداً عن فاشية بعض دول أوروبا في بداية القرن الماضي.
ماذا فعل القيّمون على الحياة السياسية في لبنان، غير ترسيخ فكرة الخضوع للبيك والأمير والشيخ والأفندي، وأخيراً السيّد. وهل هناك في لبنان فريق يتمتع بحس تمدني آكثر من الآخر، أو ذهنية نقدية تعيد للعقل تألقه. أم أن الكل لديه القابلية لخرق القانون باسم حماية الطائفة، بل حتى بعدم الرضوخ للقانون بدءاً من خرق قانون إشارات السير ورمي النفايات من نوافذ السيارات.
هنا، لا يمكن القول إن أبناء الضاحية هم أكثر بعداً عن القانون من أبناء عكار أو بعلبك أو صيدا أو الطريق الجديدة. كل من هؤلاء لديه القابلية لسرقة خطوط الكهرباء والاحتيال على الدولة بتقديم دفاتر محاسبة وهمية في شركاته، وممارسة الإزعاج العام بمهنية عالية. كل يسرق الدولة بطريقته. وكل يتجاوز معايير السلامة العامة وقواعد سلوك المواطن الصالح، أو عدم حفظ المال العام وحقوق الآخرين، وفقاً لأسلوبه الخاص في ممارسة ذلك.
من هنا يصبح مظهر شباب لبنان هو ذلك الشباب الذي يفرغ سموم نراجيله المنتشرة في تجمعاته المناطقية أو الطائفيلة، كوسيلة وحيدة للتسلية. شباب يتعمد «لغم» عوادم سياراته لتلوّث بقدر ما تستطيع بيئة لبنان الجميلة (سابقاًُ).
هذه هي التيارات السياسية، التي لم يُسجّّل في وسائل إعلامها، وخصوصاً البصرية، سوى تعميم ثقافة التسطيح والتسخيف عن طريق تعميم ثقافة الاستهلاك، وترويج مسلسلات «رخيصة» وبرامج فضائحية، تشبه الصحافة الصفراء. والأنكى من ذلك، أنه لم يسجل لدى أي من هؤلاء برنامج أطفال أو أغان خاصة بهذه المرحلة العمرية الجميلة، ترتقي إلى مستوى تربوي يماثل ما يطلقونه من شعارات ويدّعونه من «طهرانية» أخلاقية في ممارستهم للسياسة.
الأطفال والشباب في لبنان هم من يدفع فاتورة التنافس السياسي، سواء عبر تعميم البطالة بينهم، عن طريق دفع رواتب شهرية لقاء جلوسهم في أحيائهم «لحمايتها» من الآخر القادم من الحي المجاور أحياناً. هم من يدفعون فاتورة وصول الزعماء إلى كراسيهم، ولو على دمائهم المُسالة في الطرق، ورئاتهم الملوثة بنيكوتين التنبك المعسّل وغيره من سموم أصبحت جزءاً من المشهد الاجتماعي العام.
هذا هو المشهد السائد في لبنان؛ تيارات سياسية تحمل مشاريع «تغييرية». لكن التغيير لا يتم إلا نحو التخلف والرجعية والتعصب والشوفينية والأمية. والأخطر من كل هذه الأنواع، تحدي البيئة بكل وسائل تلويثها. حتى وسائل التقنيات الحديثة باتت تستخدم لتخزين النكات الطائفية ورسائل الشحن المذهبي، أو السخرية من الآخر، الذي يُفترض أنّه (كما تقول أدبيات «القادة») شريك في الوطن.
لعل هذه الصورة السوداء، لهذا الوطن الوهمي، تؤكد عقم التهويمات بشأن «التغيير نحو الأفضل»، في ظل ترسيخ ذهنية الغلبة الطائفية، وتسويغ الاستغلال باسم الحفاظ على المقدّس. وغسل الأدمغة لتنسى تاريخ هؤلاء الحاكمين بأمرهم، بل تصوير كل شخصية «فذة» منهم على هيئة «يسوع المخلّص».
في خضم هذه الاصطفافات، من هو القادر على مخاطبة العقل؟ من هو الذي يستطيع أن يعيد العقل إلى حقله الطبيعي بدلاً من الاستمرار في مصادرته؟
«الأخبار»: عدد الاربعاء ٣٠ أيلول ٢٠٠٩
يفرض عليك الواقع السياسي الراهن، الدخول في انتقائية سيئة بين اصطفافاته القائمة على اعتبارات يمتزج فيها العامل الطائفي والعائلي بالمصلحي والطبقي. اصطفافات ينتج منها خطان متوازيان في تخلّفهما وسوء إدارتهما للأمور، وإن كان المرء يجنح إلى أحدهما، أحياناً، من منطلق تقدير الفداء بالدم لا أكثر.
على مستوى لبنان، يمثّل هذين الخطين تياران يتصارعان أحياناً لدرجة محاولة الإلغاء، بذريعة التخوين أو التكفير أو الاتهام بجر البلد نحو الفتنة. ويتسلّح كل من التيارين بتسمية تلاصقه مهما جرى من تحولات أو تغيرات. فحركة «8 آذار» تصر على تسمية «المعارضة»، للتعريف عنها كمجموعة تضم أحزاباً وتيارات وشراذم وشللاً، رغم أنها جزء من الحكومة. بل تطالب دائماً بأن تكون في «حكومة وحدة وطنية» ولو بالقوة، وتحتفظ في الوقت نفسه بعنوان «المعارضة». وتفرض ما تفرضه من شروط على الطرف الآخر تحت شعار كاذب «الحفاظ على التعايش». شعار وهمي بدرجة الوهمية التي يتمتع بها شعار «لبنان أولاً».
والمفارقة أن كل فريق يتسلّح باجتهاداته الخاصة عن «الديموقراطية التوافقية»، التي ما أنزل أي قانون وضعي أو دستور مدني بها من سلطان. بل ذهب البعض بطريقة مثيرة للسخرية إلى التمييز بين أكثر نيابية وأكثرية عددية. فحين تكون مصلحة أحد الأفرقاء «الطوائف» في «تيار 14 شباط»، في عدم تغلّب طائفة معينة عددياً على الأخرى، في الوظائف العامة والمناصب الكبرى العسكرية والمدنية، يصبح اعتماد التوافق مسلّمة لا بد منها. وحين يناقض هذا النوع من الديموقراطية البدعة، التي تشبه «مجالس القبائل» في بعض الدول العربية، أو «لويا جيرغا» في باكستان وأفغانستان، يصبح اللجوء إلى الشعب «الغوغاء» مظهراً من مظاهر التمدن، حتى لو كان السبيل إليهم، استغلالاً لضائقتهم الاقتصادية والمعيشية، أو عزفاً على أوتارهم المذهبية. وهنا يكمن عقم كلتا
❞ماذا فعل فريقا 8 و14 آذار غير ترسيخ فكرة «نقاء المذهب» وارتباط الخط السياسي بـ«المقدّس»؟❝الأكثريتين، سواء كانت برلمانية أو عددية. جماهير سرعان ما تنتفض لدى سماع خطبة رجل دين من هنا أو نكتة رجل سياسة من هنالك أو تحذير من إبادة مرتقبة ضد «الجماعة»، على طريقة فبركة الخوف. والحديث عن «8 آذار» يشبه الحديث عن «دول الممانعة»، التي أُطلقت بإزاء «دول الاعتدال». والممانعة هنا أثبتت عقمها، بدليل أن هذا التعبير لم يحقق لهذا المحور من مناعة ضد «الغزو الثقافي والفكري» أو حتى العسكري، سوى الارتداد على أهل البيت من المواطنين الذين صدّقوا كذبة التصدي، فزُجّوا في السجون أو أُرسلوا للمنافي والقبور، بذريعة منافية للأخلاق السياسية والطهرانية، التي يدّعونها في مواجهة خطر الصهيونية والرأسمالية والرجعية العربية. هو تمنّع على طريقة «الدلع أو الغنج»، أو الخوف من الشعب، الذي لا بد أن يكون له دور في ممارسة النقد والتغيير ولو بعد حين من القمع ومصادرة حرية الرأي وتعميم الجهل والتخلف والأمية، بذريعة التفرّغ لمقارعة من لم تتحرك أي من هذه الدول، لمقارعته حتى حين وصل إلى حدودها، أو لا يزال يجثم على بعض أرضها.
يمكن المراقب أن يبدأ في محاكمته لهاتين الظاهرتين، من الإنسان، كمرتكز لا بد منه ومعيار أساسي في برنامج هذا التيار أو ذاك، اللذين يزعمان معاً حملهما رسالة إنسانية رائدة، وخططاً مستقبلية واعدة ووعوداً حريرية مغرية. السؤال يبدأ من الشباب، الذي يعتبر المنطلق للتغيير. ماذا فعل فريق «8 آذار» أو «14 آذار» لشباب لبنان، غير ترسيخ فكرة «نقاء المذهب» وارتباط الخط السياسي بـ«المقدّس»، بصورة لا تبتعد أبداً عن فاشية بعض دول أوروبا في بداية القرن الماضي.
ماذا فعل القيّمون على الحياة السياسية في لبنان، غير ترسيخ فكرة الخضوع للبيك والأمير والشيخ والأفندي، وأخيراً السيّد. وهل هناك في لبنان فريق يتمتع بحس تمدني آكثر من الآخر، أو ذهنية نقدية تعيد للعقل تألقه. أم أن الكل لديه القابلية لخرق القانون باسم حماية الطائفة، بل حتى بعدم الرضوخ للقانون بدءاً من خرق قانون إشارات السير ورمي النفايات من نوافذ السيارات.
هنا، لا يمكن القول إن أبناء الضاحية هم أكثر بعداً عن القانون من أبناء عكار أو بعلبك أو صيدا أو الطريق الجديدة. كل من هؤلاء لديه القابلية لسرقة خطوط الكهرباء والاحتيال على الدولة بتقديم دفاتر محاسبة وهمية في شركاته، وممارسة الإزعاج العام بمهنية عالية. كل يسرق الدولة بطريقته. وكل يتجاوز معايير السلامة العامة وقواعد سلوك المواطن الصالح، أو عدم حفظ المال العام وحقوق الآخرين، وفقاً لأسلوبه الخاص في ممارسة ذلك.
من هنا يصبح مظهر شباب لبنان هو ذلك الشباب الذي يفرغ سموم نراجيله المنتشرة في تجمعاته المناطقية أو الطائفيلة، كوسيلة وحيدة للتسلية. شباب يتعمد «لغم» عوادم سياراته لتلوّث بقدر ما تستطيع بيئة لبنان الجميلة (سابقاًُ).
هذه هي التيارات السياسية، التي لم يُسجّّل في وسائل إعلامها، وخصوصاً البصرية، سوى تعميم ثقافة التسطيح والتسخيف عن طريق تعميم ثقافة الاستهلاك، وترويج مسلسلات «رخيصة» وبرامج فضائحية، تشبه الصحافة الصفراء. والأنكى من ذلك، أنه لم يسجل لدى أي من هؤلاء برنامج أطفال أو أغان خاصة بهذه المرحلة العمرية الجميلة، ترتقي إلى مستوى تربوي يماثل ما يطلقونه من شعارات ويدّعونه من «طهرانية» أخلاقية في ممارستهم للسياسة.
الأطفال والشباب في لبنان هم من يدفع فاتورة التنافس السياسي، سواء عبر تعميم البطالة بينهم، عن طريق دفع رواتب شهرية لقاء جلوسهم في أحيائهم «لحمايتها» من الآخر القادم من الحي المجاور أحياناً. هم من يدفعون فاتورة وصول الزعماء إلى كراسيهم، ولو على دمائهم المُسالة في الطرق، ورئاتهم الملوثة بنيكوتين التنبك المعسّل وغيره من سموم أصبحت جزءاً من المشهد الاجتماعي العام.
هذا هو المشهد السائد في لبنان؛ تيارات سياسية تحمل مشاريع «تغييرية». لكن التغيير لا يتم إلا نحو التخلف والرجعية والتعصب والشوفينية والأمية. والأخطر من كل هذه الأنواع، تحدي البيئة بكل وسائل تلويثها. حتى وسائل التقنيات الحديثة باتت تستخدم لتخزين النكات الطائفية ورسائل الشحن المذهبي، أو السخرية من الآخر، الذي يُفترض أنّه (كما تقول أدبيات «القادة») شريك في الوطن.
لعل هذه الصورة السوداء، لهذا الوطن الوهمي، تؤكد عقم التهويمات بشأن «التغيير نحو الأفضل»، في ظل ترسيخ ذهنية الغلبة الطائفية، وتسويغ الاستغلال باسم الحفاظ على المقدّس. وغسل الأدمغة لتنسى تاريخ هؤلاء الحاكمين بأمرهم، بل تصوير كل شخصية «فذة» منهم على هيئة «يسوع المخلّص».
في خضم هذه الاصطفافات، من هو القادر على مخاطبة العقل؟ من هو الذي يستطيع أن يعيد العقل إلى حقله الطبيعي بدلاً من الاستمرار في مصادرته؟
«الأخبار»: عدد الاربعاء ٣٠ أيلول ٢٠٠٩
29/9/2009
انتكاسة للمسيحيين والاشتراكيين: الألمان يتمرّدون على الثنائية
معمر عطوي
لم تكن النتيجة النهائية للانتخابات الاتحادية الألمانية سوى جائزة ترضية للاتحاد المسيحي الديموقراطي (CDU)، بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل. جائزة أتت عن طريق الحزب الديموقراطي الحر (FDP)، الذي حقق أفضل نتيجة في تاريخه السياسي (14.6 في المئة)، فيما سجل الـ«CDU»، أسوأ نتيجة منذ عام 1949 (33.8 في المئة).
نتيجة بدا من خلالها أن أحزاب الصف الثاني بعد الـ«CDU» والحزب الاشتراكي الديموقراطي «SPD»، الذي مني بأسوأ نتيجة منذ 1953 (23 في المئة)، قد حققت تقدّماً نوعياً. لعلّها تسجّل رغبة الألمان الواضحة في التمرّد على هذه الثنائية الحزبية، التي لم يكن أيّ من طرفيها، خلال السنوات الأخيرة، بمستوى طموحات شعب يعيش في إحدى أهم الدول الصناعية في العالم.
ولولا تحالف الاتحاد المسيحي، بشقّيه الاتحادي والبافاري «CDU»، مع «FDP»، لما استطاع تأليف حكومة من دون الائتلاف مع الاشتراكيين، على غرار ما حصل في عام 2005، بسبب عدم نيله النسبة المطلوبة (50 في المئة) لتأليف الحكومة.
وبهذه النتيجة، تعود الحكومة الألمانية إلى زمن المستشار هلموت كول، الذي حكم البلاد بالتحالف مع الليبراليين طيلة الفترة الممتدة ما بين 1982 إلى 1998، فيما كانت حقيبة الخارجية دائماً بيد الليبراليين.
أمّا المواطن الألماني الذي عاقب الحزبين، الاشتراكي والمسيحي على السواء، فقد كان جلّ تركيزه على الشأن الاقتصادي، في ظل أزمة شملت العديد من قطاعات هذه الدولة الصناعية. لذلك انقسم ما بين مؤيّد للسياسة الليبرالية والحدّ من سلطة الدولة في القطاعات الاقتصادية، وما بين توجهات حزب اليسار، التي جذبت جمهوراً كبيراً من مؤيّدي الحزب الاشتراكي.
من المؤكد أن السياسة الداخلية هي قطب الرحى لدى الناخب الألماني، لا الموقف من الشرق الأوسط أو العلاقة مع الحلف الأطلسي. هذا ما عبّرت عنه المواطنة اللبنانية الألمانية نيرفانا غندور، التي ترى أن الألمان اقترعوا لسياسة التخفيف من حجم البطالة. وفي رأي سيكفريد ألكسندر، فإن ألمانيا ستواجه وضعاً اقتصادياً ومالياً صعباً.
من جهته، القائم بالأعمال الألماني في بيروت، ميخائيل أونماخت، يرى أن السياسة الخارجية لن تتغيّر، فيما اللبناني الألماني الدكتور عصام الجوهري يرى أن «بقاء ميركل على المسرح السياسي هو نتيجة منطقية لسياسة الحكومة الائتلافية التي تصدّت للأزمة الاقتصادية وقلّصت حجم البطالة». لكنّ الجوهري، الذي شارك في الانتخابات، كان يتمنّى فوز الاشتراكيين «الأقرب إلينا».
كذلك، راهنت المواطنة الألمانية كريس لانغه على تقدّم اليسار، الذي لم يخيّب أملها، لكنه لن يستطيع القيام بشيء في ظل تحالف «يجسّد سياسة النيو ـــــ ليبرالية، ويؤثر سلباً على الوضعين الاجتماعي والاقتصادي للألمان».
الأخبار:٢٩ أيلول ٢٠٠٩
لم تكن النتيجة النهائية للانتخابات الاتحادية الألمانية سوى جائزة ترضية للاتحاد المسيحي الديموقراطي (CDU)، بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل. جائزة أتت عن طريق الحزب الديموقراطي الحر (FDP)، الذي حقق أفضل نتيجة في تاريخه السياسي (14.6 في المئة)، فيما سجل الـ«CDU»، أسوأ نتيجة منذ عام 1949 (33.8 في المئة).
نتيجة بدا من خلالها أن أحزاب الصف الثاني بعد الـ«CDU» والحزب الاشتراكي الديموقراطي «SPD»، الذي مني بأسوأ نتيجة منذ 1953 (23 في المئة)، قد حققت تقدّماً نوعياً. لعلّها تسجّل رغبة الألمان الواضحة في التمرّد على هذه الثنائية الحزبية، التي لم يكن أيّ من طرفيها، خلال السنوات الأخيرة، بمستوى طموحات شعب يعيش في إحدى أهم الدول الصناعية في العالم.
ولولا تحالف الاتحاد المسيحي، بشقّيه الاتحادي والبافاري «CDU»، مع «FDP»، لما استطاع تأليف حكومة من دون الائتلاف مع الاشتراكيين، على غرار ما حصل في عام 2005، بسبب عدم نيله النسبة المطلوبة (50 في المئة) لتأليف الحكومة.
وبهذه النتيجة، تعود الحكومة الألمانية إلى زمن المستشار هلموت كول، الذي حكم البلاد بالتحالف مع الليبراليين طيلة الفترة الممتدة ما بين 1982 إلى 1998، فيما كانت حقيبة الخارجية دائماً بيد الليبراليين.
أمّا المواطن الألماني الذي عاقب الحزبين، الاشتراكي والمسيحي على السواء، فقد كان جلّ تركيزه على الشأن الاقتصادي، في ظل أزمة شملت العديد من قطاعات هذه الدولة الصناعية. لذلك انقسم ما بين مؤيّد للسياسة الليبرالية والحدّ من سلطة الدولة في القطاعات الاقتصادية، وما بين توجهات حزب اليسار، التي جذبت جمهوراً كبيراً من مؤيّدي الحزب الاشتراكي.
من المؤكد أن السياسة الداخلية هي قطب الرحى لدى الناخب الألماني، لا الموقف من الشرق الأوسط أو العلاقة مع الحلف الأطلسي. هذا ما عبّرت عنه المواطنة اللبنانية الألمانية نيرفانا غندور، التي ترى أن الألمان اقترعوا لسياسة التخفيف من حجم البطالة. وفي رأي سيكفريد ألكسندر، فإن ألمانيا ستواجه وضعاً اقتصادياً ومالياً صعباً.
من جهته، القائم بالأعمال الألماني في بيروت، ميخائيل أونماخت، يرى أن السياسة الخارجية لن تتغيّر، فيما اللبناني الألماني الدكتور عصام الجوهري يرى أن «بقاء ميركل على المسرح السياسي هو نتيجة منطقية لسياسة الحكومة الائتلافية التي تصدّت للأزمة الاقتصادية وقلّصت حجم البطالة». لكنّ الجوهري، الذي شارك في الانتخابات، كان يتمنّى فوز الاشتراكيين «الأقرب إلينا».
كذلك، راهنت المواطنة الألمانية كريس لانغه على تقدّم اليسار، الذي لم يخيّب أملها، لكنه لن يستطيع القيام بشيء في ظل تحالف «يجسّد سياسة النيو ـــــ ليبرالية، ويؤثر سلباً على الوضعين الاجتماعي والاقتصادي للألمان».
الأخبار:٢٩ أيلول ٢٠٠٩
26/9/2009
أنجيلا ميركل VS فرانك فالتر شتاينماير
منافسة حامية بين «فتاة كول» وابن النجّار على منصب «المستشار»
في مكتب في الطابق السابع من مقرّ المستشارية، لوحة للأميرة الألمانية «كاثرين العظمى»، التي أصبحت إمبراطورة روسيا. تلك هي غرفة أنجيلا ميركل التي تناضل لمنع الاشتراكي فرانك فالتر شتاينماير من احتلالها
معمر عطوي
اعتاد الإعلام مخاطبتها بـ«أقوى امرأة في العام»، بعدما أطلقت عليها مجلة «فوربس» هذا اللقب لثلاث سنوات متتالية، تلك هي أنجيلا دوروثيا ميركل (1954)، ابنة القس البروتستانتي، التي عاشت في كنف الشيوعية، لتصبح بعد ذلك أول بروتستانتية تتزعم حزباً كاثوليكياً متشدّداً هو الحزب المسيحي الديموقراطي (CDU). لقد نشطت ميركل كعضوة في منظمة الشبيبة التابعة لجمهوريّة ألمانيا الديموقراطية (الشرقية). لكنها بعد سقوط جدار برلين، أصبحت «فتاة كول» المفضّلة، حيث لازمت المستشار السابق هيلموت كول (CDU).
ورغم أن الألمان يحبون فيها تلك البساطة المعهودة والعفوية في التعاطي مع الآخرين، فإنهم مؤمنون بأن براغماتيتها الزائدة، تخفي قناعاتها الحقيقية. وقد واجهت منذ وصولها إلى منصب المستشارة عام 2005، انتقادات بسبب عدم اهتمامها بأناقتها.
درست ميركل، التي ربحت معركة المستشارة ضد منافسها الحالي، نائبها ووزير خارجيتها، فرانك فالتر شتاينماير، الفيزياء، في جامعة لايبزغ (جامعة كارل ماركس سابقاً) ونالت الدكتوراه في هذا الاختصاص.
عملت ميركل، التي تزوجت مرتين، وولدت طفلة واحدة، نادلة في حانة أثناء دراستها. وفي المرحلة التي سبقت سقوط الجدار بين الألمانيّتين، بدأت ميركل تنشط سياسياً باتّجاه التغيير، لتتحوّل إلى عنصر فاعل يدعو إلى الحرية السياسية لمواطنيها الشرقيين.
لهذا، انضمت إلى حزب «نهضة الديموقراطية» عام 1989، ثم تسلّمت بعدما أجريت أول انتخابات حرة في الشطر الشرقي، منصب المتحدثة باسم الحكومة المنتخبة، التي كانت برئاسة لوثار دي مايزيير. حكومة سبقت إعلان الوحدة الألمانية بأشهر، وشهدت سقوط الجدار.
لكنها بعد الوحدة عام 1990، انضمت إلى الاتحاد الديموقراطي المسيحي. بموجب الانتخابات الأولى التي أُجريت على مستوى ألمانيا الاتحادية «الموحّدة»، تولّت ميركل حقيبتين وزاريتين في عهد كول (1990- 1998).
استقال كول بعد هزيمته في انتخابات عام 1998 أمام زعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي غيرهارد شرودر، وصعدت ميركل لتصبح أمينة عامة لـ «CDU». ثم انتُخبت في سابقة تاريخية عام 2000 رئيسة للحزب، وكانت أول امرأة وأول بروتستانتية تتولى هذا المنصب في حزب له جذور مسيحية محافظة.
منذ وصلت ميركل، في 22 تشرين الثاني 2005، كأول امرأة وأول مواطن من ألمانيا الشرقية يتولى هذا المنصب، كان في طليعة اهتماماتها الخارجية، تعزيز محور برلين ـــــ باريس. كما عملت جاهدة لإعادة العلاقات الطبيعية مع واشنطن بعدما توتّرت في عهد شرودر بسبب غزو العراق. وأسهمت في تعزيز سياسة التدخل العسكري في أفغانستان، فيما رفضت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي شهد اعتماد معاهدة لشبونة، البديلة لمشروع دستوره عام 2007، فترة رئاسة ألمانيا للاتحاد.
كما سعت ميركل، التي تتحدث الروسية والإنكليزية إضافة إلى لغتها الأم، إلى ترسيخ فكرة الالتزام الألماني بأمن إسرائيل وتبني «المسؤولية الأخلاقية» تجاه اليهود في العالم. الأمر الذي دفع الجالية اليهودية في ألمانيا إلى منحها عام 2007 جائزة «ليو بيك»، التي تمنحها الجالية سنوياً. كما منحتها الجامعة العبرية في القدس المحتلة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة.
في أي حال، ورغم نتائج الاستطلاعات التي تشير إلى تقدّمها على منافسها شتاينماير، يبقى وضع ميركل الانتخابي، غامضاً بانتظار ما ستؤول إليه أصوات الضبابيّين من المقترعين، الذين يراهنون على تحسّن مفقود في خطابها السياسي، ولا سيّما أن المناظر التلفزيونية مع شتاينماير أفقدتها بعض رصيدها الشعبي.
في المقابل، بدأ شتاينماير (1956) نشاطه السياسي منذ شبابه، حين كان عضواً في شبيبة الحزب الاشتراكي. ثم اقتفى أثر المستشار شرودر، الذي عيّنه رئيساً لمكتبه ومن ثم مستشاراً له أثناء توليه الحكم (1999- 2005).
ابن مدينة «دتمولد» في ولاية شمال الراين ـــــ فستفاليا (غرب ألمانيا)، أدى شتاينماير الخدمة العسكرية الإلزامية قبل أن يتابع دراسته في القانون والسياسة ليحصل على الدكتوراه.
وشارك شتاينماير، الذي شغل منصب رئيس مجلس شورى الاتحاد الأوروبي للنصف الأول من عام 2007، في إعداد الإصلاحات الاقتصادية في عهد شرودر. لكنه لم يستطع أن يملأ موقع الأخير لذلك خرج من تحت عباءته ليتبنّى نهجاً يمينياً وسط الاشتراكيين. راهن ابن النجار في المؤتمر العام لحزبه في برلين في حزيران الماضي، على الفوز قائلاً «إننا نريد الفوز وسنحقّقه». ودخل حلبة السباق إلى أهم منصب إجرائي في البلاد، الذي يملك صلاحيات كبيرة، على عكس رئيس الجمهورية، معتبراً أنه «سيصبح مستشاراً لكل الألمان». بيد أن صاحب الابتسامة العريضة يجهد بقوة لتحقيق تقدّم على «فتاة كول»، فيما يقف الألمان متأهّبين لحسم المعركة غداً، لعلّهم ينجحون في إيصال أحد الحزبين إلى الحكومة من دون الاضطرار إلى عقد ائتلاف صعب.
الأخبار: ٢٦ أيلول ٢٠٠٩
في مكتب في الطابق السابع من مقرّ المستشارية، لوحة للأميرة الألمانية «كاثرين العظمى»، التي أصبحت إمبراطورة روسيا. تلك هي غرفة أنجيلا ميركل التي تناضل لمنع الاشتراكي فرانك فالتر شتاينماير من احتلالها
معمر عطوي
اعتاد الإعلام مخاطبتها بـ«أقوى امرأة في العام»، بعدما أطلقت عليها مجلة «فوربس» هذا اللقب لثلاث سنوات متتالية، تلك هي أنجيلا دوروثيا ميركل (1954)، ابنة القس البروتستانتي، التي عاشت في كنف الشيوعية، لتصبح بعد ذلك أول بروتستانتية تتزعم حزباً كاثوليكياً متشدّداً هو الحزب المسيحي الديموقراطي (CDU). لقد نشطت ميركل كعضوة في منظمة الشبيبة التابعة لجمهوريّة ألمانيا الديموقراطية (الشرقية). لكنها بعد سقوط جدار برلين، أصبحت «فتاة كول» المفضّلة، حيث لازمت المستشار السابق هيلموت كول (CDU).
ورغم أن الألمان يحبون فيها تلك البساطة المعهودة والعفوية في التعاطي مع الآخرين، فإنهم مؤمنون بأن براغماتيتها الزائدة، تخفي قناعاتها الحقيقية. وقد واجهت منذ وصولها إلى منصب المستشارة عام 2005، انتقادات بسبب عدم اهتمامها بأناقتها.
درست ميركل، التي ربحت معركة المستشارة ضد منافسها الحالي، نائبها ووزير خارجيتها، فرانك فالتر شتاينماير، الفيزياء، في جامعة لايبزغ (جامعة كارل ماركس سابقاً) ونالت الدكتوراه في هذا الاختصاص.
عملت ميركل، التي تزوجت مرتين، وولدت طفلة واحدة، نادلة في حانة أثناء دراستها. وفي المرحلة التي سبقت سقوط الجدار بين الألمانيّتين، بدأت ميركل تنشط سياسياً باتّجاه التغيير، لتتحوّل إلى عنصر فاعل يدعو إلى الحرية السياسية لمواطنيها الشرقيين.
لهذا، انضمت إلى حزب «نهضة الديموقراطية» عام 1989، ثم تسلّمت بعدما أجريت أول انتخابات حرة في الشطر الشرقي، منصب المتحدثة باسم الحكومة المنتخبة، التي كانت برئاسة لوثار دي مايزيير. حكومة سبقت إعلان الوحدة الألمانية بأشهر، وشهدت سقوط الجدار.
لكنها بعد الوحدة عام 1990، انضمت إلى الاتحاد الديموقراطي المسيحي. بموجب الانتخابات الأولى التي أُجريت على مستوى ألمانيا الاتحادية «الموحّدة»، تولّت ميركل حقيبتين وزاريتين في عهد كول (1990- 1998).
استقال كول بعد هزيمته في انتخابات عام 1998 أمام زعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي غيرهارد شرودر، وصعدت ميركل لتصبح أمينة عامة لـ «CDU». ثم انتُخبت في سابقة تاريخية عام 2000 رئيسة للحزب، وكانت أول امرأة وأول بروتستانتية تتولى هذا المنصب في حزب له جذور مسيحية محافظة.
منذ وصلت ميركل، في 22 تشرين الثاني 2005، كأول امرأة وأول مواطن من ألمانيا الشرقية يتولى هذا المنصب، كان في طليعة اهتماماتها الخارجية، تعزيز محور برلين ـــــ باريس. كما عملت جاهدة لإعادة العلاقات الطبيعية مع واشنطن بعدما توتّرت في عهد شرودر بسبب غزو العراق. وأسهمت في تعزيز سياسة التدخل العسكري في أفغانستان، فيما رفضت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي شهد اعتماد معاهدة لشبونة، البديلة لمشروع دستوره عام 2007، فترة رئاسة ألمانيا للاتحاد.
كما سعت ميركل، التي تتحدث الروسية والإنكليزية إضافة إلى لغتها الأم، إلى ترسيخ فكرة الالتزام الألماني بأمن إسرائيل وتبني «المسؤولية الأخلاقية» تجاه اليهود في العالم. الأمر الذي دفع الجالية اليهودية في ألمانيا إلى منحها عام 2007 جائزة «ليو بيك»، التي تمنحها الجالية سنوياً. كما منحتها الجامعة العبرية في القدس المحتلة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة.
في أي حال، ورغم نتائج الاستطلاعات التي تشير إلى تقدّمها على منافسها شتاينماير، يبقى وضع ميركل الانتخابي، غامضاً بانتظار ما ستؤول إليه أصوات الضبابيّين من المقترعين، الذين يراهنون على تحسّن مفقود في خطابها السياسي، ولا سيّما أن المناظر التلفزيونية مع شتاينماير أفقدتها بعض رصيدها الشعبي.
في المقابل، بدأ شتاينماير (1956) نشاطه السياسي منذ شبابه، حين كان عضواً في شبيبة الحزب الاشتراكي. ثم اقتفى أثر المستشار شرودر، الذي عيّنه رئيساً لمكتبه ومن ثم مستشاراً له أثناء توليه الحكم (1999- 2005).
ابن مدينة «دتمولد» في ولاية شمال الراين ـــــ فستفاليا (غرب ألمانيا)، أدى شتاينماير الخدمة العسكرية الإلزامية قبل أن يتابع دراسته في القانون والسياسة ليحصل على الدكتوراه.
وشارك شتاينماير، الذي شغل منصب رئيس مجلس شورى الاتحاد الأوروبي للنصف الأول من عام 2007، في إعداد الإصلاحات الاقتصادية في عهد شرودر. لكنه لم يستطع أن يملأ موقع الأخير لذلك خرج من تحت عباءته ليتبنّى نهجاً يمينياً وسط الاشتراكيين. راهن ابن النجار في المؤتمر العام لحزبه في برلين في حزيران الماضي، على الفوز قائلاً «إننا نريد الفوز وسنحقّقه». ودخل حلبة السباق إلى أهم منصب إجرائي في البلاد، الذي يملك صلاحيات كبيرة، على عكس رئيس الجمهورية، معتبراً أنه «سيصبح مستشاراً لكل الألمان». بيد أن صاحب الابتسامة العريضة يجهد بقوة لتحقيق تقدّم على «فتاة كول»، فيما يقف الألمان متأهّبين لحسم المعركة غداً، لعلّهم ينجحون في إيصال أحد الحزبين إلى الحكومة من دون الاضطرار إلى عقد ائتلاف صعب.
الأخبار: ٢٦ أيلول ٢٠٠٩
25/9/2009
عبء التاريخ لا يزال يثقل ألمانيا
«عقدة الذنب» تجاه إسرائيل تتحكّم في البرامج الانتخابية
لا تختلف الأحزاب الألمانية في رؤيتها لمسألة الحفاظ على أمن إسرائيل، وطناً قومياً لليهود، ذلك أن عقدة الذنب تجاه هؤلاء، والمتولّدة من ممارسات النازية التي حكمت البلاد بين عامَي 1933 و1945، لا تزال تتحكّم في طريقة التعاطي السياسي في مراكز القرار. وإذا كان البعض يتعاطى مع هذه القضية من منطلق الخضوع لوسائل الضغط اليهودية الموجودة على أرض «الرايخ الثالث»، إلّا أن بعض الأحزاب، أو الأجنحة اليسارية فيها، باتت تؤمن أن المسؤولية الأخلاقية تجاه «مظلومية اليهود» هي محض وهم، وأن الإسرائيلي الذي يبتزّ الحكومة الألمانية ومثلها الحكومات الغربية، ما هو سوى نازيّ جديد يشرّد الفلسطينيين بأموال دافعي الضرائب الألمان
معمر عطوي
على أعتاب استحقاق الانتخابات التشريعيّة في ألمانيا، التي تُجرى بعد غد الأحد، تتنافس الأحزاب على العديد من القضايا. لكن رغم أن حجر الرحى بالنسبة إلى الناخب الألماني هو القضايا الداخلية، يمثّل الشرق الأوسط، مادة حيّة في البرامج الانتخابية التي تدعو معظمها إلى استضافة «مؤتمر للسلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين على الأراضي الألمانية.
إلى جانب الحزبين الحاكمين، الحزب الاشتراكي الديموقراطي «SPD» والاتحاد المسيحي الديموقراطي المحافظ «CDU» برئاسة أنجيلا ميركل، هناك ثلاثة أحزاب فاعلة على الخريطة السياسية، وهي الحزب الديموقراطي الحر (الليبرالي) «FDP» والحزب اليساري وحزب الخضر.
يمكن القول إن الحزب المحافظ هو الأكثر تطرفاً في علاقته بإسرائيل، وممالئته للولايات المتحدة في مشاريعها العسكرتارية. علاقة بدأت منذ تسلّم «الاتحاد المسيحي» السلطة بعد وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتوّجت بلقاء «تاريخي» هو الأول من نوعه بين أول مستشار لألمانيا، كونراد أديناور (محافظ)، وأول رئيس وزراء لإسرائيل دايفد بن غوريون، عام 1952.
أمّا الحزب الاشتراكي، فرغم ميوله اليسارية وتعاطفه مع الفلسطينيين، ودعمه لمشاريع التسوية في المنطقة، لم يستطع الخروج من العقدة التاريخية. لذلك كان من الداعمين والمباركين لنشوء إسرائيل عام 1948، ثم سار في سياسة دعم هذا الكيان والدفاع عن «حقه في الوجود» ويهوديته. غير أنه في الوقت نفسه، دعم «حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنشاء دولة فلسطينية قادرة على الحياة».
رغم ذلك، تميّزت الحكومات الاشتراكية، بعلاقة جيدة مع الفلسطينيين والعرب، وأسهمت في تقديم الدعم إليهم والتعاطف مع قضاياهم. وبرز في هذا الحزب جناح يساري مثّله في الفترة الأخيرة المستشار السابق غيرهارد شرودر، الذي كان يطلق عليه الألمان لقب «غيرهارد العرب» لتعاطفه مع الشعوب العربية ومساندته لقضاياهم ورفضه المشاركة في غزو العراق عام 2003. لكن شرودر عاد وخضع للضغوط اليهودية، ووافق على بيع غوّاصتين نوويتين من طراز «دولفين» المتطورة، لإسرائيل، وبتسهيلات مالية كبيرة. وكان الحزب الاشتراكي من المؤيدين لاستخدام الشعب الفلسطيني السلاح من أجل تحرير أرضه «حسب تعريف القانون الدولي»، غير أنه في عهد نائب المستشار، المرشّح الثاني لمنصب المستشار في الانتخابات المقبلة، فرانك فالتر شتاينماير، أصبح الحزب أقرب في توجهاته إلى المحافظين.
في المقابل، يقف الحزب اليساري بقيادة أوسكار لافونتين، الذي ارتدّ عن الـ «SPD» ليؤسس مع رئيس الحزب الشيوعي السابق غريغور غيزي الحزب اليساري الجديد عام 2007، على ضفة أخرى.
لقد ورث الحزب اليساري، الاشتراكيين في بعض طروحاتهم. بل ذهب أبعد منهم في تأييده للقضية الفلسطينية، ورفضه كل مشاريع العسكرة الأميركية. وأخذ اليساريون على الحكومة الألمانية، تبعيتها للولايات المتحدة، على قاعدة أنها لا تمارس الضغط اللازم على إسرائيل لوقفها عن تعنّتها في رفض مؤتمر للسلام، وفي دعمها بناء المستوطنات والجدار العازل وإقفال المعابر وحصار غزة. ويتضمّن برنامجه مطالبة إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
في السياق نفسه، يؤمن الحزب الليبرالي «FDP» بدعم «حق إسرائيل في الوجود، وحق الفلسطينيين في الحياة الحرة الكريمة ضمن دولة مستقلة قابلة للحياة». كما وقف الحزب ضد حرب الولايات المتحدة على العراق.
وتميّز الحزب الليبرالي بشخصيات عُرفت بعلاقتها الطيّبة مع العرب، ودعمها للقضية الفلسطينية، مثل العضو البرلماني الاتحادي، القيادي الراحل يورغن موليمان، الذي كان يرأس جمعية الصداقة العربية ـــــ الألمانية.
وتعرّض موليمان لهجوم عنيف من جانب إسرائيل والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، بسبب ما قيل عن تورّطه في صفقات أسلحة مع العالم العربي. ثم لدعمه منظمة التحرير الفلسطينية، وقيامه بزيارة الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقرّه في رام الله، وتفهّمه للعمل الفدائي، إلى أن اتُّهم بالعداء للسامية وبتلقّي تبرعات من دول عربية. كان يرد على هذا الاتهام بالقول إن «العرب أيضاً ساميّون فكيف أكون معادياً للسامية؟». وقد قُتل موليمان عام 2003 بحادث سقوط أثناء ممارسته للقفز بالمظلة، حيث كانت هوايته المفضلة.
يبقى على الخريطة حزب الخضر، الذي تأسس على أيدي بعض اليساريين السابقين والمدافعين عن البيئة. هذا الحزب تميّز بمواقفه الرافضة للحروب، والداعمة للديموقراطية وحقوق الإنسان. عرف الخضر قادة يساريين أمثال وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر. لكن هؤلاء القادة، الذين كانوا مؤيدين لحركات التحرر، شهدوا تحوّلات جذرية في مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية؛ ففيشر، الذي كان من المتحمسين في شبابه للثورة الفلسطينية، أصبح خلال توليه منصب وزير الخارجية يرى أن «إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل ستظل من أولويات الدبلوماسية الألمانية في المستقبل».
في أي حال، تُجمع الأحزاب الألمانية، رغم تفاوت نظرتها للقضية الفلسطينية، على ضرورة التخلص من عبء التاريخ، وتحمّل وزر الأجداد. وهذا ما لا يمكن القيام به في ظل موقف ألمانيا المتماهي مع موقف الاتحاد الأوروبي، وبالتالي الولايات المتحدة، طالما أن إسرائيل بنظرهم هي ذلك الطفل المُدلّل.
لا تختلف الأحزاب الألمانية في رؤيتها لمسألة الحفاظ على أمن إسرائيل، وطناً قومياً لليهود، ذلك أن عقدة الذنب تجاه هؤلاء، والمتولّدة من ممارسات النازية التي حكمت البلاد بين عامَي 1933 و1945، لا تزال تتحكّم في طريقة التعاطي السياسي في مراكز القرار. وإذا كان البعض يتعاطى مع هذه القضية من منطلق الخضوع لوسائل الضغط اليهودية الموجودة على أرض «الرايخ الثالث»، إلّا أن بعض الأحزاب، أو الأجنحة اليسارية فيها، باتت تؤمن أن المسؤولية الأخلاقية تجاه «مظلومية اليهود» هي محض وهم، وأن الإسرائيلي الذي يبتزّ الحكومة الألمانية ومثلها الحكومات الغربية، ما هو سوى نازيّ جديد يشرّد الفلسطينيين بأموال دافعي الضرائب الألمان
معمر عطوي
على أعتاب استحقاق الانتخابات التشريعيّة في ألمانيا، التي تُجرى بعد غد الأحد، تتنافس الأحزاب على العديد من القضايا. لكن رغم أن حجر الرحى بالنسبة إلى الناخب الألماني هو القضايا الداخلية، يمثّل الشرق الأوسط، مادة حيّة في البرامج الانتخابية التي تدعو معظمها إلى استضافة «مؤتمر للسلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين على الأراضي الألمانية.
إلى جانب الحزبين الحاكمين، الحزب الاشتراكي الديموقراطي «SPD» والاتحاد المسيحي الديموقراطي المحافظ «CDU» برئاسة أنجيلا ميركل، هناك ثلاثة أحزاب فاعلة على الخريطة السياسية، وهي الحزب الديموقراطي الحر (الليبرالي) «FDP» والحزب اليساري وحزب الخضر.
يمكن القول إن الحزب المحافظ هو الأكثر تطرفاً في علاقته بإسرائيل، وممالئته للولايات المتحدة في مشاريعها العسكرتارية. علاقة بدأت منذ تسلّم «الاتحاد المسيحي» السلطة بعد وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتوّجت بلقاء «تاريخي» هو الأول من نوعه بين أول مستشار لألمانيا، كونراد أديناور (محافظ)، وأول رئيس وزراء لإسرائيل دايفد بن غوريون، عام 1952.
أمّا الحزب الاشتراكي، فرغم ميوله اليسارية وتعاطفه مع الفلسطينيين، ودعمه لمشاريع التسوية في المنطقة، لم يستطع الخروج من العقدة التاريخية. لذلك كان من الداعمين والمباركين لنشوء إسرائيل عام 1948، ثم سار في سياسة دعم هذا الكيان والدفاع عن «حقه في الوجود» ويهوديته. غير أنه في الوقت نفسه، دعم «حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإنشاء دولة فلسطينية قادرة على الحياة».
رغم ذلك، تميّزت الحكومات الاشتراكية، بعلاقة جيدة مع الفلسطينيين والعرب، وأسهمت في تقديم الدعم إليهم والتعاطف مع قضاياهم. وبرز في هذا الحزب جناح يساري مثّله في الفترة الأخيرة المستشار السابق غيرهارد شرودر، الذي كان يطلق عليه الألمان لقب «غيرهارد العرب» لتعاطفه مع الشعوب العربية ومساندته لقضاياهم ورفضه المشاركة في غزو العراق عام 2003. لكن شرودر عاد وخضع للضغوط اليهودية، ووافق على بيع غوّاصتين نوويتين من طراز «دولفين» المتطورة، لإسرائيل، وبتسهيلات مالية كبيرة. وكان الحزب الاشتراكي من المؤيدين لاستخدام الشعب الفلسطيني السلاح من أجل تحرير أرضه «حسب تعريف القانون الدولي»، غير أنه في عهد نائب المستشار، المرشّح الثاني لمنصب المستشار في الانتخابات المقبلة، فرانك فالتر شتاينماير، أصبح الحزب أقرب في توجهاته إلى المحافظين.
في المقابل، يقف الحزب اليساري بقيادة أوسكار لافونتين، الذي ارتدّ عن الـ «SPD» ليؤسس مع رئيس الحزب الشيوعي السابق غريغور غيزي الحزب اليساري الجديد عام 2007، على ضفة أخرى.
لقد ورث الحزب اليساري، الاشتراكيين في بعض طروحاتهم. بل ذهب أبعد منهم في تأييده للقضية الفلسطينية، ورفضه كل مشاريع العسكرة الأميركية. وأخذ اليساريون على الحكومة الألمانية، تبعيتها للولايات المتحدة، على قاعدة أنها لا تمارس الضغط اللازم على إسرائيل لوقفها عن تعنّتها في رفض مؤتمر للسلام، وفي دعمها بناء المستوطنات والجدار العازل وإقفال المعابر وحصار غزة. ويتضمّن برنامجه مطالبة إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
في السياق نفسه، يؤمن الحزب الليبرالي «FDP» بدعم «حق إسرائيل في الوجود، وحق الفلسطينيين في الحياة الحرة الكريمة ضمن دولة مستقلة قابلة للحياة». كما وقف الحزب ضد حرب الولايات المتحدة على العراق.
وتميّز الحزب الليبرالي بشخصيات عُرفت بعلاقتها الطيّبة مع العرب، ودعمها للقضية الفلسطينية، مثل العضو البرلماني الاتحادي، القيادي الراحل يورغن موليمان، الذي كان يرأس جمعية الصداقة العربية ـــــ الألمانية.
وتعرّض موليمان لهجوم عنيف من جانب إسرائيل والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، بسبب ما قيل عن تورّطه في صفقات أسلحة مع العالم العربي. ثم لدعمه منظمة التحرير الفلسطينية، وقيامه بزيارة الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقرّه في رام الله، وتفهّمه للعمل الفدائي، إلى أن اتُّهم بالعداء للسامية وبتلقّي تبرعات من دول عربية. كان يرد على هذا الاتهام بالقول إن «العرب أيضاً ساميّون فكيف أكون معادياً للسامية؟». وقد قُتل موليمان عام 2003 بحادث سقوط أثناء ممارسته للقفز بالمظلة، حيث كانت هوايته المفضلة.
يبقى على الخريطة حزب الخضر، الذي تأسس على أيدي بعض اليساريين السابقين والمدافعين عن البيئة. هذا الحزب تميّز بمواقفه الرافضة للحروب، والداعمة للديموقراطية وحقوق الإنسان. عرف الخضر قادة يساريين أمثال وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر. لكن هؤلاء القادة، الذين كانوا مؤيدين لحركات التحرر، شهدوا تحوّلات جذرية في مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية؛ ففيشر، الذي كان من المتحمسين في شبابه للثورة الفلسطينية، أصبح خلال توليه منصب وزير الخارجية يرى أن «إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل ستظل من أولويات الدبلوماسية الألمانية في المستقبل».
في أي حال، تُجمع الأحزاب الألمانية، رغم تفاوت نظرتها للقضية الفلسطينية، على ضرورة التخلص من عبء التاريخ، وتحمّل وزر الأجداد. وهذا ما لا يمكن القيام به في ظل موقف ألمانيا المتماهي مع موقف الاتحاد الأوروبي، وبالتالي الولايات المتحدة، طالما أن إسرائيل بنظرهم هي ذلك الطفل المُدلّل.
15/9/2009
أكراد إيران ونضال الهويّة
نزاع بدأ قوميّاً وانتهى مذهبياً
سلّطت عملية اغتيال أحد رجال الدين الأكراد في إيران السبت الماضي (12 أيلول)، الضوء على القضية الكردية في الجمهورية الإسلامية، حيث تخوض هذه القومية، كما في تركيا وسوريا والعراق (سابقاً)، نضالاً من أجل إثبات الهوية. المفارقة أن إمام الجمعة في أحد مساجد مدينة سنندج، التابعة لمحافظة كردستان الإيرانية، ماموستا برهان عالي، كان مؤيداً للسلطة، بل هو أحد مسؤولي الحملة الانتخابية للرئيس محمود أحمدي نجاد في المحافظة الواقعة غرب البلاد. لكن ولاء الشيخ عالي لنجاد لا ينفي مشكلة قائمة منذ قرون بين الكرد والفرس، وصلت إلى أوجها مع تحول النزاع إلى سُنّي شيعي، في ظل النظام الإسلامي
معمر عطوي
تمثّل القضية الكردية في الجمهورية الإسلامية، امتداداً واضحاً لما تشهده في المنطقة الواقعة بين العراق وتركيا وسوريا وإيران. لكنها في هذه الأخيرة تأخذ منحىً ثانياً، إذ بدأ النزاع قومياً (كرد وفرس) لينتهي مذهبياً (سُنة وشيعة). ووفق إحصائيات عام 2006، فإن الأكراد يمثّّلون نحو 7 في المئة من سكان إيران البالغ عددهم نحو 70 مليون نسمة. ويعيش أكثر من ستة ملايين كردي في شمال غرب البلاد، وهم موزّعون على محافظات آذربيجان الغربية وكردستان وكرمانشاه وإيلام وهمدان ولورستان وخراسان الشمالية.في أي حال، لا يمكن الاستناد إلى الإحصائيات الرسمية، حيث تعد أعداد الأقليات سلاحاً سياسياً للسلطات والأقليات على حد سواء. سلاح تستخدمه هذه الأقليات بمضاعفة العدد من أجل تبرير المطالبة بالانفصال والاستقلال، بينما تستخدمه السلطة للتقليل من شأن هذه المجموعة البشرية، وشرعنة مصادرة حقوقها.ويبرر أكراد إيران نشاطاتهم العسكرية واحتجاجاتهم ضد السلطة، بتعرضهم «لاضطهاد منظم» من السلطات الحاكمة؛ ففي إيران، كما في تركيا، يُحظر عليهم تعلم اللغة الكردية في المدارس الرسمية، ولا يمكنهم نشر الأدب الكردي إلاّ بإشراف جهاز الاستخبارات. وذلك برغم أن البند الـ15 من الفصل الثاني من الدستور الإيراني ينص على حق الأقليات في استعمال لغاتها في المجالات التعليمية والثقافية.كذلك، هناك المادة 19 من الفصل الثالث، التي تنص على عدم التمييز بين الإيرانيين على أساس عرقي، فيما يعاني الأكراد من التمييز ضدهم في فرص العمل والقبول في الجامعات والمناصب العليا في مناطقهم.وفي محاولة تاريخية فاشلة لتحقيق وطنهم المستقل عام 1946، استغل بعض الأكراد اجتياح الاتحاد السوفياتي للأراضي الايرانية، وهروب الشاه رضا بهلوي، بسبب تعاطفه مع ألمانيا النازية، فقام أحد زعمائهم، ويدعى قاضي محمد، بإعلان «جمهورية مهيباد» الكردية.لكن الشاه، الذي خلفه ابنه محمد رضا في الحكم آنذاك، طلب من حليفته الولايات المتحدة الضغط على موسكو، ما أدى إلى انسحاب القوات السوفياتية من الأراضي الايرانية. انسحاب لم يكن في مصلحة الأكراد، الذين يدفعون دائماً فواتير النزاعات السياسية بين الدول، حيث قامت الحكومة الايرانية بإسقاط «جمهورية مهيباد» بعد 11 شهراً من إعلانها وأعدم قاضي محمد في 30 آذار 1947.في ذلك الوقت، برز الحزب الديموقراطي الكردستاني، بقيادة عبد الرحمن قاسملو، ليخوض في ستينيات القرن الماضي حرب عصابات ضد نظام الشاه في جبال كردستان الوعرة. لكن الجيش الشاهنشاهي تمكن من قتل بعض قياداتهم وتقليص نشاطاتهم.أمّا في عام 1978، فقد شاركت مجموعات كردية، في أعمال الثورة الاسلامية، بيد أن المرحلة التي تلت انتصار الثورة ودخول تشكيل الدولة، خلقت مشكلة بين الأكراد والسلطة الاسلامية، التي جعلت الفقه الشيعي مصدراً للتشريع في البلاد. مشكلة تجلّت صورتها حين رفضت السلطة الإسلامية السماح لممثلين عن الأكراد بالمشاركة في كتابة الدستور الإيراني الجديد.وتطورت فصول النزاع في ظل نظام الخميني، إذ اندلعت بين عامي 1979-1982 اشتباكات مسلحة بين القوات الحكومية والأكراد ممثلين بالحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني والحزب اليساري الكردي «كومه له».وفي العام 1983، تمكنت الحكومة من بسط سيطرتها على معاقل الحزبين. وقامت قوات الحرس الثوري الإيراني «الباسدران»، باعتقال وإعدام الكثيرين من الأكراد في إيران. وتقول المصادر الكردية إن هذا النزاع أدى الى تدمير ما يقارب 271 قرية كردية، فيما اتخذ الحزبان من العراق مقراً لهما بدعم من حكم الرئيس الراحل صدام حسين.وبعدما وضعت الحرب العراقية ــــ الإيرانية أوزارها عام 1988، تفاوض الحزب الديموقراطي الكردستاني مع حكومة طهران، لكن اغتيال قائد الحزب الدكتور قاسملو، عام 1989، قتل المفاوضات في مهدها.مع ذلك، شهد عهد الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني بعض الانفتاح تجاه الأكراد. وتطورت هذه السياسة في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، حين منحت بعض الحقوق الإدارية لكردستان، وحصل اهتمام بالثقافة واللغة الكردية. وذهبت الحكومة أبعد من ذلك بتعيين أول محافظ كردي لمحافظة كردستان. وأنشئ حزب الإصلاح الكردي ومنظمة الدفاع عن حقوق الأكراد. لكن في المقابل، شهدت الأشهر الأخيرة من حكم خاتمي استقالة ستة نواب أكراد من البرلمان، بدعوى عدم اهتمام الحكومة بالمطالب القانونية والحقوق المتكافئة للأكراد.كذلك تأسس عام 2004، حزب الحياة الحرة «بيجاك»، الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني التركي. وأنشأ مواقع حصينة في جبال القنديل النائية شمال شرق العراق، وكانت أولى عملياته اختطاف 4 من عناصر الشرطة الإيرانية في آب عام 2005.في عهد الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، تعززت المواجهات الدامية بين القوات الحكومية والفصائل الكردية. وخصوصاً أن الرئيس المحافظ متهم بالضلوع في تصفية قاسملو.ويبدو أن التغيير الذي حصل في العراق بعد احتلاله عام 2003، وما تبعه من وضع مميز حظي به أكراد العراق في إقليم كردستان، شجّع أكراد إيران على زيادة نشاطهم للمطالبة بحقوقهم. وكان نتيجة هذه التحولات ظهور «الجبهة الكردية الموحدة»، التي هدفت لتحصيل حقوق الأكراد والدفاع عن قضاياهم بالوسائل السياسية والسلمية.
جذور تاريخيّة للصراع
تشير مخطوطة قديمة من كتاب «أعمال أردشير بن باباك» الفارسية، الى أن صراعاً نشأ بين مؤسس الدولة الساسانية (الفارسية قديماً) أردشير الأول، وملك كردي كان يدعى ماديغ، وذلك كان قبل القرن الرابع عشر. في ذلك القرن، وصلت إمارة أردلان (الكردية)، إلى أوج قوتها، إلى أن أنهى الملك القاجاري (الفارسي) ناصر الدين شاه، نفوذ الأردلانيين عام 1867. وفي عهد الصفويين، تعرض الأكراد لمحاولات إخضاع. وأدّت هذه المحاولات إلى صراعات دموية انتهت بهزيمة الأكراد أثناء حكم طهمسب الأول (1514-1576)، الذي دمّر معظم القرى الكردية وتهجير ساكنيها إلى منطقة جبال البرز وخراسان.رغم هذا التباين بين القوميتين، يؤكد المؤرخون أن اللغة الكردية تنتمي إلى فرع اللغات الفارسية، التي تنتمي بدورها إلى مجموعة اللغات الهندو-أوروبية.ويتشارك الأكراد والفرس في مناسبات اجتماعية، وباعتماد تقويم السنة الايرانية، حيث يحتفلون كل عام بعيد «النوروز» الموافق لـ21 آذار.
عدد الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠٠٩
جذور تاريخيّة للصراع
تشير مخطوطة قديمة من كتاب «أعمال أردشير بن باباك» الفارسية، الى أن صراعاً نشأ بين مؤسس الدولة الساسانية (الفارسية قديماً) أردشير الأول، وملك كردي كان يدعى ماديغ، وذلك كان قبل القرن الرابع عشر. في ذلك القرن، وصلت إمارة أردلان (الكردية)، إلى أوج قوتها، إلى أن أنهى الملك القاجاري (الفارسي) ناصر الدين شاه، نفوذ الأردلانيين عام 1867. وفي عهد الصفويين، تعرض الأكراد لمحاولات إخضاع. وأدّت هذه المحاولات إلى صراعات دموية انتهت بهزيمة الأكراد أثناء حكم طهمسب الأول (1514-1576)، الذي دمّر معظم القرى الكردية وتهجير ساكنيها إلى منطقة جبال البرز وخراسان.رغم هذا التباين بين القوميتين، يؤكد المؤرخون أن اللغة الكردية تنتمي إلى فرع اللغات الفارسية، التي تنتمي بدورها إلى مجموعة اللغات الهندو-أوروبية.ويتشارك الأكراد والفرس في مناسبات اجتماعية، وباعتماد تقويم السنة الايرانية، حيث يحتفلون كل عام بعيد «النوروز» الموافق لـ21 آذار.
عدد الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠٠٩
2/9/2009
شبح ماركس يخيّم على قلب أوروبا
اليسار الألماني يُعيد خلط الأوراق قبل الانتخابات العامّة
رغم عدم مرور عامين على ولادته، اقتحم حزب اليسار الألماني الحياة السياسية بقوة، محققاً نتائج غير مسبوقة على مستوى الانتخابات المحلية. لعل آخرها في ولايات سكسونيا وتورنغن وسارلاند. المفارقة أن هذا التقدم اليساري أتى على حساب الحزب الاشتراكي الديموقراطي (يسار الوسط) في الولاية الاولى، فيما تراجع الاتحاد المسيحي في تورنغن وسارلاند، حيث كان يحكم منفرداً كلاً من الولايتين منذ سنوات طويلة. وقبل نحو أربعة أسابيع من الانتخابات الاتحادية، التي ستفرز الحزب الأكثر شعبية لتسلّم السلطة، يجرى الحديث عن إمكان تحالف الحزب الاشتراكي مع اليسار في ما يسمى «تحالف الحمر مع الحمر»، رغم معارضة بعض الاشتراكيين لهذا التحالف
معمر عطوي
من خلال نتائج انتخابات ولايات سكسونيا وتورنغن وسارلاند (30 آب)، يمكن القول إن الحزب اليساري الألماني نجح في اقتحام الحياة السياسية، واحتل مكاناً لائقاً في المشهد العام، قد يؤهله في ما بعد لتأليف حكومة ائتلافية مع أحد الحزبين الرئيسيين في البلاد: الحزب الاشتراكي الديموقراطي «SPD»، الذي يعتبر الأقرب الى طروحات اليسار رغم اعتماده، منذ سقوط الرايخ الثالث (1945)، رؤية «واقعية» تولّف بين اقتصاد السوق ورقابة الدولة.وبدا الحزب اليساري، الذي يحظى وفق استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات العامة التي تجرى في 27 أيلول الحالي بنسبة 9 في المئة، متقدماً في ولاية تورنغن حيث حقق 27.4 في المئة، في مقابل 24 في المئة في الانتخابات السابقة عام 2004. وفي ولاية سارلاند، قفز من 15 في المئة إلى 21.3 في المئة، بينما تراجع قليلاً في سكسونيا، فنال نسبة 20.6 في المئة مقابل 21 في المئة عام 2004. أمّا الاتحاد المسيحي الديموقراطي «CDU»، فقد بقي في هذه الولاية في الطليعة (40.2 في المئة) على عكس الولايتين الأخريين.لم يكن هذا النجاح لليسار جديداً على المراقبين، إذ استبشر القيادي في حزب اليسار، ديتمار بارتش، منذ أسابيع، خيراً من هذا الاستحقاق، حين ذكر لـ«صحيفة برلينر»، أن الحزب الاشتراكي لن يتجاوز حزب اليسار خلال الانتخابات المحلية في ولايات سكسونيا وتورنغن وسارلاند. وسبق ذلك نجاح الحزب في ولايات هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورغ، العام الماضي، حيث تجاوز اليسار نسبة الحد الأدنى من الأصوات التي تمكّنه من الدخول إلى البرلمان.هذا الواقع أدى إلى إعادة التموضع على الخريطة الحزبية لألمانيا، ولا سيما أن الحزبين الكبيرين «CDU» و«SPD»، لم تعد لأيٍّ منهما الغالبية التي قد تخوّل أحدهما لأن يؤلف الحكومة منفرداً. كذلك فإن حظوظ إعادة تحالف ما يسمى «الأحمر والأسود» القائم حالياً بين الاشتراكيين والمحافظين، برئاسة المحافظة أنجيلا ميركل، تراجعت كثيراً في ظل التباين الذي ظهر خلال الحكومة الائتلافية منذ عام 2005، والذي سُمّي تحالف الضرورة.وفي ظل الخريطة الجديدة، بات أمام الحزب المسيحي خيار التحالف مع الحزب الديموقراطي الحر الليبرالي «FDP»، فيما تتوافر معطيات أفضل للحزب الاشتراكي الذي تربطه رؤى مشتركة مع حزبي الخضر واليسار.وبات من المؤكد أن تقدّم اليساريين لم يُعِد خلط الأوراق فقط، بل أسهم في تبديل اقتناعات داخل الاشتراكيين أنفسهم، لجهة «مشروعية» التحالف مع الحزب اليساري. فقد نشأ بعد انتخابات ولاية هيسن المحليّة العام الماضي، جدل حاد وسط الحزب الاشتراكي، الذي لم يحقق وحليفه التقليدي حزب الخضر، الغالبية المطلوبة لتأليف الحكومة في الولاية. يومها أعطى رئيس الحزب، كورت بيك، الضوء الأخضر لمرشحته في الولاية، أندريا يبسيلانتي، للتحالف مع اليسار، ما أدى إلى ظهور تيارين متعارضين وسط الاشتراكيين: الأول يمثله بيك ولا يرى ضيراً من التحالف مع اليسار، والآخر يمثله نائب رئيس الحزب، بيتر شتاينبروك، الذي حذر من فقدان الحزب لصدقيته، ووزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير، الذي وافق أخيراً على مضض على هذا التحالف، بشرط أن يكون فقط على مستوى ولاية هيسن ولا ينسحب على مستوى الانتخابات الاتحادية للعام الحالي.وسط هذه الأجواء، بدأ الحديث يدور في أوساط المحافظين عن احتمال فرط عقد الائتلاف الحاكم في ولاية هيسن، ولا سيما بعد ظهور إشارات من الحزب الاشتراكي بإمكان انتخاب مرشحته، بمساعدة أصوات نواب حزب اليسار، لرئاسة الحكومة المحليّة. لعل التيار اليساري وسط الاشتراكيين، لا يزال يحتفظ بعلاقة ود مع أحد قياديي حزب اليسار، أوسكار لافونتين، الذي خرج من رحم الحزب الاشتراكي، منشقاً، ليؤسس مع زعيم حزب الاشتراكية الديموقراطية الشيوعي السابق، غريغور غيزي، «اليسار الجديد». ففي الحزب الاشتراكي الذي لا يزال في بعض طروحاته يتجه نحو شرائح المجتمع والنقابات العمالية، ثمة من يرى صعوبة في إقصاء حزب اليسار. بل يحلم هذا التيار بتكوين ائتلاف واسع مع اليسار والخضر، في وجه المحافظين والليبراليين. مع الإشارة هنا الى أن حزب الخضر أيضاً خرج من رحم اليسار. كما هو حال الحزب الاشتراكي الذي بدأ في أوائل القرن العشرين، ماركسياً.وكان الرئيس الألماني الأسبق، المحافظ رومان هيرتزوغ، قد توقّع في أوائل العام الماضي أن يؤدي حزب اليسار دوراً حاسماً على المستوى الاتحادي خلال الانتخابات العامة. وحذر، في مقال كتبه بصحيفة «زود دويتشه»، من مخاطر ظهور حكومات أقلية، الأمر الذي يضطر المستشار لطرح «حلول وسط شديدة الحماقة»، تهدف لدفع برنامجه وإمراره، مشيراً إلى أن ذلك سيجعل المستشار في الساحة الخارجية بمثابة «بطة عرجاء».ربما استفاد اليسار من الانعطافة الشديدة التي شهدها «الاشتراكي» حين بدأ بعد الوحدة بتبني شعار «الوسطية الجديدة». شعار دفع شريحة واسعة من مؤيدي الطروحات اليسارية والماركسية، التي كانت تجد في الاشتراكيين أفضل الممكن لتمثيلها، إلى البحث عن خيار آخر جديد.في أي حال، يبدو أن شبح كارل ماركس، عاد ليحلّق في قلب أوروبا، وبالذات فوق موطنه الأصلي ألمانيا. ففي ظل الأزمة المالية العالمية الناتجة من السياسات الرأسمالية، ورغم تصاعد التيارات اليمينية والمحافظة، ثمة شريحة أدركت أهمية طروحات اليسار في تطبيق العدالة الاجتماعية، ولا سيما أن المحافظين، ومعهم الاشتراكيون قد ذهبوا أخيراً بعيداً في ممالأة الولايات المتحدة وسياساتها.
1/9/2009
نجاد يعاني حصاراً في الداخل... والخارج
الأخوَان لاريجاني عن يمينه ورفسنجاني عن يساره والمرشد يضبط الإيقاع
معمر عطوي
يبدو واضحا أن المواجهة الساخنة بين الأقطاب والمراجع المتصارعين على المسرح السياسي الإيراني، قد انتقلت من الشارع إلى أروقة القرار، ويخوضها المتنافسون على حلبة التعيينات الوزارية والإدارية
معمر عطوي
بات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قطب الرحى في الصراع السياسي الداخلي الإيراني. صراع درجت العادة على أن يكون بين إصلاحيّين ومحافظين، لكنه بات الآن بين المحافظين أنفسهم، ولا سيّما بعد تفرّد الرئيس بقراراته عن أصدقائه المحافظين، بدرجة لا تقل عنها مع الإصلاحيّين. رغم ذلك، بدا نجاد كأنه يبعث بإشارت إيجابية إلى الداخل والخارج، بشأن إمكان حدوث تغيير في سياسته. تغيير يستهدف من خلاله التأكيد أن المرشح الخاسر مير حسين موسوي، لا يتمتع بما يتمتع به الرئيس «المتشدّد» من انفتاح اقتصادي يعتمد الخصخصة، ويعطي الدور الرائد للنساء، في جمهورية الملالي.على صعيد الملف النووي، بعث نجاد بإشارات عن استعداد طهران للتفاوض مع الغرب، مفسحاً في المجال أمام المفتشين الدوليين، لتفتيش مفاعل نووي يعمل بالماء الثقيل في آراك، بعد سنة من المنع.ليس بعيداً عن هذه السياسة، تعيين علي أكبر صالحي، المفاوض الهادئ، رئيساً لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية. لعل ما يقوم به نجاد يوحي بأنه يضع الملف النووي في قائمة أولويات حكومته الواعدة.وربما يبحث نجاد، المُحاصر باعتراضات الداخل وعقوبات الخارج، عن كوّة يفتحها في جدار سياسته الاقتصادية العقيمة، بالتساهل قليلاً في الملف النووي، في مقابل انتعاش اقتصادي يمتص غضب الإيرانيين، ولعل بشارته الأخيرة بإمكان التوصل إلى اكتفاء ذاتي بعد عامين على صعيد تأمين البنزين المكرّر تصب في هذا السياق.يأتي هذا الإلحاح على تحريك الملف النووي، قبل أيام من تقرير معتزم سيصدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران، وعلى أعتاب المهلة الأخيرة المعطاة لطهران لتنفيذ مطالب المجتمع الدولي بوقف تخصيب اليورانيوم.أمّا صورة التنافس الدائر على حلبة التعيينات، فقد بدأت مع رفض المرشد الأعلى علي خامنئي تعيين قريب نجاد، أسفنديار رحيم مشائي، في منصب النائب الأول للرئيس، تماهياً مع موقف المحافظين، الذين انتقدوا تصريحات مشائي عن «الصداقة مع الشعب الإسرائيلي».لقد حاول نجاد في إطار الخلاف بين المحافظين، على خلفية تعيين مشائي، إيجاد مخرج لقريبه المثير للجدل، من خلال تعيينه مديراً لمكتبه. لكن هذه المحاولة لا يبدو أنها نجحت، بل نجح الطرف الآخر في ليّ ذراع نجاد، حين علّق ديوان المحاسبة، الأسبوع الماضي، مهمّات الأول، بتهمة استغلاله للسلطة.ومن الواضح أن المعركة الشهيرة بين الإصلاحيين والمحافظين، انتقلت الى داخل معسكر المتشددين أنفسهم. وبات خامنئي الذي يدعم نجاد بوضوح، أحد أهمّ ضابطي إيقاع هذه المعركة. بدا ذلك جليّاً من خلال التبدلات التي طرأت على سياسة رئيس مجلس الخبراء علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي وقف في البداية مع الإصلاحيين وهاجم الحكومة وسياسة القمع المتّبعة. بيد أنه منذ خطبة الجمعة التي ألقاها في جامعة طهران الشهر الماضي، بحضور قادة إصلاحيين، اعتمد لغة جديدة، تؤكد تقاربه مع المرشد الأعلى، ما يثير تساؤلات عن صفقة قد تكون عقدت بين الطرفين.رفسنجاني المشهور بحنكته السياسية، ونفوذه الواسع، لعب ورقة المحافظين المعارضين لسياسة نجاد، من خلال التماهي مع دعوة حوالى ثلثي أعضاء مجلس الخبراء له الشهر الماضي، لإبداء مزيد من التأييد لخامنئي. وربما ركب الرئيس الأسبق موجة المحافظين المعارضين لنجاد، الذين طالبوا الأخير «بتقديم اعتذارات إلى الشعب»، لأنه تأخر في تنفيذ أوامر خامنئي، بغية مضاعفة الضغوط عليه.
ويأتي تعيين آية الله صادق لاريجاني، رئيساً للسلطة القضائية، ليزيد الخناق على نجاد. ومعروف أن صادق لاريجاني هو شقيق رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، الذي لا تربطه بنجاد مودة كبيرة منذ خلافهما على إدارة الملف النووي عام 2007. وبذلك باتت السلطة التنفيذية ممثلة بنجاد محاصرة بسلطتين (القضائية والتشريعية) يمثلهما الأخوَان لاريجاني، بما يشير إلى الحدّ من حركة الرئيس.قد يكون أحد تجليات هذه المحاصرة للرئيس العنيد، انتخاب وزير الأمن السابق، غلام حسين محسني اجائي، مدعياً عاماً لإيران، والذي أقاله نجاد أخيراً.لكن المعركة الأكثر ضراوةً، في هذا السياق، هي حول وزارة الطاقة، بما تمثّله من ثقل في دولة نفطية كبرى كإيران؛ فرغم نجاح نجاد في قص الأذرع العديدة لرفسنجاني داخل هذا القطاع، لا يزال الرئيس يعاني انقساماً شديداً بشأن الأسماء التي اقترحها ويقترحها لهذا المنصب.في أي حال، لن يكون سهلاً تصميم نجاد على السير بخططه، بعيداً عن الأقطاب الآخرين في البلاد؛ فمجلس الشورى سيبدأ الأحد المقبل التصويت على الثقة بكل وزير على حدة؛ من أصل 21 وزيراً اختارهم نجاد، هناك خمسة وزراء، بينهم ثلاث نساء، يواجهون إمكان عدم نيل الثقة. والأنكى من ذلك، حال الاستياء الدولي التي ستنتج من تعيين أحمد وحيدي، المطلوب بتهمة التورط في تفجيرات الأرجنتين، وزيراً للدفاع، والذي سيقدّم حجة إضافية لمحاصرة نجاد خارجياً.
عدد الثلاثاء ٢٥ آب ٢٠٠٩
13/8/2009
ألمانيا «الموحّدة» تستعدّ للانتخابات العامّة
5 أحزاب تتنافس... واليسار عنصر جديد
في مثل هذا اليوم (13 آب) من عام 1961، بُدئ ببناء جدار برلين ليفصل بين شطري ألمانيا، الشرقي «الشيوعي» والغربي «الرأسمالي». لكنّ هذا الجدار أصبح في عام 1989 رمزاً لسقوط فكرة التقسيم، بعد هدمه بأيدي الشعب الألماني من الجهتين، تمهيداً لتوحيد الجمهورية الاتحادية. توحيد استغرق تنظيمه بعض الوقت على صعيد إعادة توزيع المؤسسات السياسية والإدارات الحكومية وتموضعها. بيد أن الفشل الحكومي في ترسيخ إنماء متوازن بين شطري ألمانيا أسهم في خلق تيارات يمينيّة متطرّفة، غيّرت وجه المشهد السياسي الذي يستعد لانتخابات برلمانية عامة في أيلول المقبل، فيما دخل اليسار بقوة إلى المشهد من خلال مقاعد نيابية محليّة
معمر عطوي
من الطبيعي أن إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990 خلطت الأوراق في المشهد السياسي، وخصوصاً مع دخول حزب جديد إلى الحياة السياسية «الموحّدة»، هو الحزب الشيوعي الحاكم سابقاً في جمهورية ألمانيا الديموقراطية (DDR). مع ذلك، بقي هذا المشهد محافظاً على صورته، إذ ظلّ الحزب الاشتراكي الديموقراطي (SPD) والاتحاد المسيحي الديموقراطي (CDU) يتناوبان على السلطة، بالتحالف مع الحزب الديموقراطي الحر ـــــ الليبرالي (FDP)، والاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU)، وحزب الخضر، فيما يبقى هناك بعض الأحزاب الأخرى، ولا سيما الحزب اليميني القومي (النازي) الذي أثار جدلاً واسعاً بفوزه في برلمانات بعض الولايات الشرقية.يُعدّ الـ(CDU) من أعرق الأحزاب بعد (SPD) والحزب الشيوعي، إذ قام بتعيين كونراد أديناور أول مستشار ألماني للجمهورية الاتحادية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. كذلك تولّى هذا الحزب، الذي تأسس في عام 1945، عدة حكومات بالائتلاف مع الحزب الليبرالي، كان آخرها بزعامة المستشار السابق هيلموت كول (1982ـــــ1998)، الذي شهد عهد توحيد الألمانيتين.أما الحزب المسيحي الاجتماعي (CSU)، فيؤلّف تحالفاً تاريخياً مع الـ«CDU»، الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل، لكنه يدخل الانتخابات في ولاية بافاريا، بينما يشارك الـ«CDU» في انتخابات كل الولايات الأخرى. وبدا واضحاً أن تأسيس هذين الحزبين «التوأم» جاء ردّة فعل على المد اليساري الاشتراكي آنذاك، ولا سيما أنهما مثّلا منذ عام 1949 جناحاً داخل مجلس النواب الألماني (بوندستاغ)، حيث يخوضان دوماً الانتخابات الاتحادية معاً.ويُعدّ الـ«CSU» وريثاً للحزب الشعبي البافاري، وهو أكثر يمينية من شقيقه الـ«CDU». ويتزعمه اليوم هورست زيهوفر. يحكم الحزب ولاية بافاريا، الأكبر والأغنى من بين الولايات الألمانية الـ16، منذ تأسيسه في عام 1949. لكنه مُني في الانتخابات المحلية الأخيرة بهزيمة تاريخية تراجعت معها قوته في هذه الولاية، التي شهدت تأسيس الحزب النازي في ثلاثينيات القرن الماضي.في المقابل، ينافس الـ«SPD» الحزب المسيحي منذ سقوط النازية. ويُعدّ من أقدم الأحزاب السياسية في ألمانيا، ويرجع تاريخه إلى عهد الثورة الديموقراطية الشعبية سنة 1848. لكنه حُظر في عهد الرايخ الثالث (1933ـــــ1945). وبعد انتهاء الحرب، أعيد تأسيسه بقيادة كورت شوماخر. كان هذا الحزب منذ البداية ممثلاً للطبقات الشعبية الفقيرة ولمصالح العمال والنقابات، لكنه ابتعد في ما بعد عن الفكر الماركسي، ليصبح حزباً «واقعياً» يحاول التوفيق بين اقتصاد السوق والاشتراكية، علماً بأن برنامجه في البداية دعا إلى تأميم الصناعات الرئيسية ومشروعات الدولة. يرأس الحزب اليوم فرانز مونتيفرينغ، فيما يمثّله في الحكومة وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينمر.أما الحزب الديموقراطي الحر (FDP)، رغم وقوفه على مسافة من الحزبين الكبيرين، إلا أنه تميّز بتحالف تاريخي مع الحزب المسيحي. وهو تأسّس ممثلاً للاتجاه السياسي الليبرالي في عام 1948. ويرأسه الآن غودي فيسترفيلله. وغالباً ما يكون مشاركاً في الحكومات، سواء كانت ائتلافية أو من حزب واحد. وتتمثل مبادئ الحزب الأساسية في توفير الحرية الشخصية للمواطن وضمانها وتركيز المذهب الحر في التعاملات التجارية. تزعّم هذا الحزب في السابق رئيس جمعية الصداقة العربية الألمانية يورغن موليمان، الذي تعرّض لحملة شرسة من اليهود في ألمانيا بسبب دعمه للعرب ومناهضته للعنصرية الصهيونية. قتل أثناء ممارسته لرياضته المفضّلة، السقوط بالمظلة في حزيران 2003، فيما بقيت أسباب سقوطه غامضة.ومن الأحزاب الفاعلة على الساحة الألمانية أيضاً، حزب الخضر، الذي نشأ في عام 1980 على أيدي يساريّين سابقين، مثل وزير الخارجيّة السابق يوشكا فيشر، وبعض أنصار حماية البيئة. اقتحم هذا الحزب المسرح السياسي بقوة منذ عام 1984، حين دخل البرلمان للمرة الأولى. وعقب توحيد ألمانيا، أنشأ الحزب ائتلافاً مع حزب «تعاضد ـــــ الـ90»، الذي كان ناشطاً في الشطر الشرقي قبل الوحدة. وبرزت أهداف الخضر كحزب تقدّمي يدعو إلى تنمية القيم الديموقراطية في المجتمع والمساواة بين الجنسين، إضافة إلى الحفاظ على البيئة والحياة الاجتماعية الآمنة. وكان لافتاً موقفه من الأجانب، الذين خصّهم برعايته وبالمساعدة على الاندماج في المجتمع الألماني. يتزعّم حزب «الخضر» هذه الأيام كلوديا روث، والناشط التركي الأصل جيم أوزديمير.في قائمة الأحزاب ذات التمثيل أيضاً، يقف حزب اليسار الجديد، الذي شهد مخاضاً عسيراً قبل أن يولد في عام 2007. إلّا أنه حقّق الكثير من التقدّم، واستطاع أن يحصل على مقاعد في البرلمانات المحلية، ولا سيما الشرقية منها.وحزب اليسار الجديد هو وريث حزب الاشتراكية الديموقراطيّة (PDS)، الذي خلف الحزب الشيوعي الألماني، الحزب الذي حكم ألمانيا الشرقية الديموقراطية باسم «SED». تمكن هذا الحزب من دخول البرلمان أكثر من مرة، بعدما حقق نسبة الـ5 في المئة، لكنّه لم يكن في الطليعة. وأعاد هيكلة نفسه عدة مرات لتتناسب سياسته مع التحولات التي شهدتها ألمانيا ونشوء الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2007، أنشأ مع حزب «الخيار البديل للعمل والعدالة الاجتماعيّة» (WASQ) حزب اليسار الجديد بزعامة الشيوعي السابق لوثر بسكي والقيادي السابق في الحزب الاشتراكي الديموقراطي أوسكار لافونتين. تتمثل برامج الحزب السياسية في تثبيت مبادئ الاشتراكية الديموقراطية ورفع شعارات المساواة.
----------------------------------------------------------------------------------------
شراكة «المسيحي» و«الاشتراكي»
تألّفت الحكومة الاتحادية في عام 2005، بين الحزبين الرئيسين، الاشتراكي الديموقراطي والمسيحي الديموقراطي، وشغلت أنجيلا ميركل منصب المستشارة في هذا الائتلاف، الذي شهد مخاضاً عسيراً قبل ولادته، نظراً إلى تقارب النتيجة بين الحزبين. وأصبح فرانك فالتر شتاينماير (SPD) نائباً للمستشارة ووزيراً للخارجية.وتُعدّ «فتاة كول»، كما يلقبون ميركل لكونها كانت الفتاة المدللة عند المستشار السابق هيلموت كول، المرأة الأولى على رأس الحكومة الاتحادية الألمانية، وأول ألمانية شرقية. وتتألف الحكومة الألمانية الحالية من 15 وزيراً، سبعة منها للحزب المسيحي و8 للحزب الاشتراكي. وفيها 7 نساء، إضافة إلى المستشارة ميركل. أمّا أهم الوزارات التي حصل عليها الاشتراكيون فهي العدل والمال والعمل والصحة والبيئة والنقل، فيما كانت الداخلية والدفاع والاقتصاد والزراعة وإدارة شوؤن المستشارية من نصيب المحافظين.
شراكة «المسيحي» و«الاشتراكي»
تألّفت الحكومة الاتحادية في عام 2005، بين الحزبين الرئيسين، الاشتراكي الديموقراطي والمسيحي الديموقراطي، وشغلت أنجيلا ميركل منصب المستشارة في هذا الائتلاف، الذي شهد مخاضاً عسيراً قبل ولادته، نظراً إلى تقارب النتيجة بين الحزبين. وأصبح فرانك فالتر شتاينماير (SPD) نائباً للمستشارة ووزيراً للخارجية.وتُعدّ «فتاة كول»، كما يلقبون ميركل لكونها كانت الفتاة المدللة عند المستشار السابق هيلموت كول، المرأة الأولى على رأس الحكومة الاتحادية الألمانية، وأول ألمانية شرقية. وتتألف الحكومة الألمانية الحالية من 15 وزيراً، سبعة منها للحزب المسيحي و8 للحزب الاشتراكي. وفيها 7 نساء، إضافة إلى المستشارة ميركل. أمّا أهم الوزارات التي حصل عليها الاشتراكيون فهي العدل والمال والعمل والصحة والبيئة والنقل، فيما كانت الداخلية والدفاع والاقتصاد والزراعة وإدارة شوؤن المستشارية من نصيب المحافظين.
12/8/2009
"مجاهدو خلق": بدأت قتالها مع الخميني وانتهت «منظمةً للمنافقين»
أعاد اقتحام «معسكر أشرف» التابع لـ«مجاهدي خلق» في العراق، الثلاثاء الماضي، إلى الواجهة قضية هذا التنظيم الإيراني المعارض المسلّح والمحظور، ولا سيما أن المواجهات التي حدثت في المعسكر، وأدّت إلى سقوط 7 قتلى وعشرات الجرحى، أتت بعد أسابيع من اندلاع اشتباكات دموية بين القوى الأمنية الإيرانية والمعارضة في الداخل، التي احتجّت على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. توقيت يثير سؤالاً عن دور «مجاهدي خلق» في الأحداث الإيرانية تلك، الذي ربما دفع النظام الإيراني إلى الضغط على حكومة العراق القريبة منه لحسم أمر هذا التنظيم. وفي ظل هذا الواقع، تبقى المنظمة تتخبط في معمعة المساومات الدولية
معمر عطوي
منظمة «مجاهدي الشعب» الإيرانية، أو «سازمان مجاهدين خلق إيران»، هي أكبر وأنشط حركة معارضة إيرانية مسلّحة، تركت بصماتها الدموية على العديد من الأحداث التي مرّت بها إيران منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وخلال عهد الجمهوريّة الإسلاميّة.فالمنظمة، التي تقوم فلسفتها على توليفة غريبة بين الإسلام والماركسية، لم تكن ضد الحركة الإسلاميّة بالمطلق، بل هي منذ البداية تحمل بعض المفاهيم الإسلامية، فيما يظهر معظم نسائها بالحجاب الإسلامي.ولا شك في أن المنظمة، التي أسّسها مسعود رجوي في عام 1965 مع مثقّفين وأكاديميين إيرانيين بهدف إسقاط نظام الشاه، تأثرت إلى حد كبير بثورة رئيس الحكومة اليساري، محمد مصدّق في عام 1952 على الهيمنة الأميركية البريطانية. من هنا كانت المنظمة على عداء واضح مع أميركا، رغم التقارير التي تقول بدعم واشنطن لها من وراء الكواليس، وبأنها تسهّل لها على أراضيها وجود محطات تلفزيونية موجّهة ضد النظام الإسلامي في إيران، وذلك في سياق خطّة أميركية واضحة لدعم حركات التمرد ضد حكومة طهران، بغية إسقاطها، على طريقة زعزعة النظام من الداخل.شاركت «مجاهدي خلق» في العديد من التظاهرات والعمليات المسلّحة ضد نظام الشاه، الذي أعدم الكثير من قادتها وأعضائها، واعتقل جهاز الأمن آنذاك «السافاك»، زعيمها مسعود رجوي لسنوات طويلة. أما إطلاقه من السجن فجاء قبيل بدء الثورة، حيث شارك مع التنظيمات الإسلامية واليسارية في دحر الشاه عن السلطة. وبعد سقوط نظام الشاه، ظهرت خلافات بين المنظمة ونظام الحكم الإيراني الجديد، بقيادة الإمام الخميني. خلافات تحولت بعد عامين ونصف عام من نجاح الثورة إلى مواجهة دموية شرسة بين عناصر المنظمة وعناصر السلطة. ولجأت «زمرة المنافقين»، كما يرغب النظام الإسلامي بتسميتها، إلى تفجير العديد من العبوات الناسفة التي أودت بحياة كبار قادة الثورة الإسلامية، منهم رئيس المحكمة العليا، محمد حسين بهشتي، ومعه 72 من النواب والوزراء وكبار المديرين في البلاد، في تفجير استهدف مقر حزب «جمهوري إسلامي».كذلك قتلت المنظمة رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر في عام 1981، واغتالت العديد من رجالات الثورة ومفكريها. ومن ضحايا أعمالها، المرشد الأعلى الحالي للثورة، السيد علي خامنئي، الذي أصيب في يده اليسرى جراء إحدى هذه الهجمات.في المقابل، أعدمت السلطات الإسلامية عشرات الآلاف من أعضاء «مجاهدي خلق» ومؤيديها، وهو ما دفع بمعظم قادتها، وفي مقدمتهم رجوي، إلى مغادرة إيران في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي بعدما استطاع توفير طائرة خاصة خرقت كل ترتيبات أمن المطارات بسرية مطلقة، وقادته إلى باريس، ليعلن من هناك مرحلة تصعيد التصدي للإمام الخميني.وانضمت «مجاهدي خلق» إلى ائتلاف إيراني واسع معارض لحكم رجال الدين في طهران، يسمى «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، برئاسة مسعود رجوي، الذي يعمل كبرلمان إيراني في المنفى، ويضم 5 منظمات وأحزاب و550 عضواً شهيراً من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والخبراء والفنانين والمثقفين والعلماء والضباط، إضافة إلى قادة «جيش التحرير الوطني الإيراني»، الذراع المسلّحة للمنظمة، التي تضم العديد من النساء في قيادتها.حاولت الدول الغربية، ومنها فرنسا، مغازلة السلطات الإيرانيّة، بأن وضعت «مجاهدي خلق»، على لوائح المنظمات الإرهابية، ما اضطر القيادة إلى ترك باريس والتوجه إلى العراق، حيث أقامت هناك في العديد من المعسكرات، ولا سيما معسكر أشرف (شمالي بغداد، على بعد 100 كيلومتر من حدود إيران الغربية)، التي كانت تضم نحو 6000 عنصر، مدعومين لوجستياً وعسكرياً ومالياً من نظام البعث بقيادة صدام حسين، الذي استخدم المنظمة في حربه الطويلة مع إيران (1980ـــــ 1988).أمّا وضع المنظمة في الغرب، فقد شهد تطورات لافتة خلال العامين الماضيين، إذ إنها، بعد معركة قانونية في المحاكم الأوروبية استمرت سنوات، ألغت محكمة العدل الأوروبية قراراً سابقاً من الاتحاد الأوروبي يقضي بتجميد أموال «مجاهدي خلق» بسبب إدراجها على «اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية». كذلك قررت دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، رفع المنظمة عن قائمته للمنظمات الإرهابية. غير أن الولايات المتحدة لا تزال تضعها على لائحة المنظمات الإرهابية من عام 1997.لكن واشنطن، التي حمت المنظمة منذ غزوها للعراق وتسلمت منها أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، تضغط على الحكومة العراقية لإيجاد حلّ لها يضمن سلامة عناصرها وعدم عودتهم إلى بلادهم، حيث يمكن أن يواجهوا الإعدام. لكن المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، أوضح إنه «لا وضع قانونياً يُجبر الحكومة العراقية على قبول المعسكر، غير أنها لن تجبر أحداً على مغادرة العراق رغماً عنه».وأعلنت المنظمة أخيراً استعدادها للعودة إلى إيران إذا وافق «النظام الحاكم» في طهران على «شروط» حددتها مريم رجوي، منها عدم التعرض لعناصرها بالسجن أو القتل. أما طهران فقد عرضت أخيراً العفو عن عناصر الحركة من دون الزعماء، إذا عادوا إلى إيران وأعلنوا توبتهم.وأمام هذه التطورات، يبقى أمام المنظمة خيارات ضئيلة، إما أن يُرَحَّل عناصرها الـ 3500، الباقون في العراق، إلى معسكر مقترح في باكستان أو في مصر، وإمّا أن تظل عرضة لهجمات القوات العراقية للإجهاز عليها وتفكيكها، أو أن يرحل أعضاؤها إلى دول الغرب في إطار لجوء إنساني.
--------------------------------
مريم رجوي رئيسة في المنفى
وُلدت مريم قاجار أزادنالو رجوي (الصورة) في عام 1953 في طهران. شاركت أثناء سني مراهقتها بالعديد من نشاطات المعارضة، التي كانت تهدف إلى إطاحة الشاه، وانضمت إلى «مجاهدي خلق» خلال دراستها الجامعية.وساعدت مريم، إلى جانب مسعود رجوي، الذي لم يكن زوجها آنذاك، في تنظيم تظاهرات مناوئة للخميني. وفي عام 1985 كُلفت قيادة الحركة مع زوجها مسعود، الذي تزوجته في العام نفسه في باريس.وفي عام 1987، أصبحت مريم نائبة قائد جيش التحرير الوطني. وأعلنت الحركة تصديقها على القيام بتوغلات في الأراضي الإيرانية.وفي عام 1993، انتخب المجلس الوطني للمقاومة في إيران، الذي يطلق على نفسه حالياً «برلمان» المقاومة الإيرانية، مريم «رئيسةً» لحكومة إيران الانتقالية. وتخلت مريم بناءً على هذا القرار عن مناصبها في جيش التحرير الوطني والمنظمة، تاركة قيادة الحركة لزوجها.
عدد السبت ١ آب ٢٠٠٩
17/7/2009
استقالة آغازاده والسياسة النوويّة الإيرانيّة
هل دفع رئيس هيئة الطاقة ثمن علاقته التاريخيّة بموسوي؟
لا يمكن فصل استقالة رئيس هيئة الطاقة الذريّة الإيرانيّة، غلام رضا آغازاده، عن مجريات تركيب الصورة المقبلة للنظام الإسلامي، بعد تولّي محمود أحمدي نجاد، الرئاسة لولاية ثانية
معمر عطوي
تأتي استقالة غلام رضا آغازاده من رئاسة هيئة الطاقة الذريّة الإيرانية، ومن منصب نائب رئيس الجمهوريّة، في ظل ما تقوم به طهران من إعداد لرزمة اقتراحات دبلوماسية جديدة تتعلّق بالقضايا «السياسية والأمنية والدولية»، التي ستعرضها على المفاوض الغربي ممثلاً بمجموعة «5+1»، فيما يبدو أن الرئيس محمود أحمدي نجاد يقوم بالإعداد للمرحلة المقبلة، بعد فوزه بولاية ثانية.ويبدو أن الاستقالة المزدوجة، التي أكدها آغازاده أمس لوكالة الأنباء الطلابيّة الإيرانيّة (إسنا) بعد عشرين يوماً من حدوثها، هي نتيجة طبيعية لتباين واضح في الرأي حول كيفية إدارة الملف النووي، حسبما يرى مصدر مطّلع لـ«الأخبار»، موضحاً أن هذا الملف تتجاذبه أربع مرجعيّات سياسيّة في البلاد، هي رئاسة الجمهورية، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ووزارة الخارجية، وهيئة الطاقة الذريّة.
المعارضة الإيرانيّة تستعرض قوّتها في صلاة الجمعة اليوم خلف رفسنجاني
وقد تكون هذه الاستقالة في هذا الوقت بالذات، امتداداً للمواجهة القائمة بين نجاد ومنافسه الخاسر في الانتخابات الرئاسية مير حسين موسوي، وخصوصاً أن رئيس هيئة الطاقة مقرّب من الزعيم الإصلاحي، منذ عام 1979 (تاريخ انتصار الثورة). فحينها عاد آغازاده من الولايات المتحدة، حيث كان يتابع دراسته في هندسة الكمبيوتر، لينضم الى الثوّار. ثم بدأ نشاطه الى جانب موسوي في إدارة مجلة «جمهوري إسلامي». وتطورت العلاقة بين الرجلين مع تعيين موسوي وزيراً للخارجيّة عام 1980، إذ عمل آغازاده مساعداً للوزير للشؤون الاقتصادية والمالية.وبعد أشهر من تسلّم موسوي رئاسة الحكومة عام 1981، عيّن آغازاده وزيراً للشؤون التنفيذية، مُلحَقاً بمكتب رئاسة الوزراء، ليصبح بعدها بفترة نائب رئيس الحكومة للشؤون التنفيذية المتعلّقة بالتفاوض مع الشركات الأجنبية في ملف النفط، الى أن قادته موهبته في هذا المجال، إلى تولي وزارة النفط في تشرين الأول 1985. منصب شغله حتى عام 1997.ورغم أن آغازاده اليوم، محسوب على خط الأصوليين، بيد أن تألّقه السياسي برز في عهد الإصلاحيّين، إذ عيّنه الرئيس السابق محمد خاتمي، حين تسلّم السلطة عام 1997، نائباً لرئيس هيئة الطاقة الذريّة، التي تولّى بعد ذلك رئاستها حتى تاريخ الاستقالة.المفارقة أن علاقة آغازاده بالمرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، شابها بعض الفتور منذ عام 2003، حين قرّر المرشد سحب ملف البرامج النووية الايرانية من يدي آغازاده، وإسناده الى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني، المقرّب من رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني. إثر ذلك تعرّض آغازاده لأزمة قلبية عنيفة، بعد سماعه خبر تكليف روحاني بأمور تدخل في إطار صلاحياته ومسؤولياته. ونُقل عنه تفكيره الجدّي بالاستقالة من منصبه.من وجهة نظر أخرى، قد تمثّل استقالة ابن منطقة آذربيجان (شمال غرب)، التي ينتمي إليها خامنئي وموسوي أيضاً، امتداداً للخلاف حول إدارة الملف النووي بين رئيس البرلمان علي لاريجاني والرئيس نجاد، الذي أدى الى استقالة لاريجاني من رئاسة أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي في خريف عام 2007. خلاف أكد شخصيّة نجاد السلطوية، ومحاولته الدائمة الاستئثار بإدارة الملفات الحسّاسة، لدرجة أنه سعى منذ تسلّمه الرئاسة عام 2005 الى الإمساك بحزم بتفاصيل الملف النووي، وعمد الى قصّ أجنحة كل من حاول التدّخل بهذا الملف، ولا سيما رفسنجاني.في أي حال، يبدو أن الرئاسة، مدعومةً من المرشد الأعلى، هي التي ربحت معركة التجاذبات حول الملف النووي. ورست سياسة نجاد على أن البحث في هذا الملف مع القوى الكبرى «أصبح وراء ظهورنا»، وأن رزمة المقترحات الإيرانية المقبلة تقتصر على تقديم رؤية أمنية واقتصادية للعالم، لا مجال فيها لمناقشة حق إيران في تخصيب اليورانيوم. موقف بات مثار انتقادات واسعة في الوسط الإيراني، على اعتبار أن الغرب يجعل من هذا الملف قميص عثمان، لا يمكن فصله عن ملفّات أخرى هي موضوع نقاش مفترض بين طهران والقوى الكبرى، التي وإن اعترفت بأحقيّة إيران بامتلاك الطاقة النوويّة السلميّة، فإنها لن تتركها تقوم بعمليّات التخصيب على هواها لدرجة تسمح بصنع قنبلة.لعلّ ما يصبّ في دعم هذه الفكرة تصريح رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، أمس، الذي حدّد الخطوط العريضة لاستراتيجية بلاده الجديدة بشأن الأسلحة النووية، معتبراً إيران «حالة اختبار» قبل القمة المقرّرة عام 2010 في الولايات المتحدة لمراجعة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.ويبدو أن الغزل بين طهران وواشنطن متواصل، حتى لو كان في سياق دبلوماسية التعزية بضحايا الطائرة المنكوبة، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن «الولايات المتحدة تقدّم تعازيها لأسر من فقدوا أرواحهم في تحطم طائرة شركة خطوط قزوين الجوية اليوم (الأربعاء) التي كانت تقل ركاباً من طهران في إيران إلى العاصمة الأرمنية يريفان».
المعارضة الإيرانيّة تستعرض قوّتها في صلاة الجمعة اليوم خلف رفسنجاني
وقد تكون هذه الاستقالة في هذا الوقت بالذات، امتداداً للمواجهة القائمة بين نجاد ومنافسه الخاسر في الانتخابات الرئاسية مير حسين موسوي، وخصوصاً أن رئيس هيئة الطاقة مقرّب من الزعيم الإصلاحي، منذ عام 1979 (تاريخ انتصار الثورة). فحينها عاد آغازاده من الولايات المتحدة، حيث كان يتابع دراسته في هندسة الكمبيوتر، لينضم الى الثوّار. ثم بدأ نشاطه الى جانب موسوي في إدارة مجلة «جمهوري إسلامي». وتطورت العلاقة بين الرجلين مع تعيين موسوي وزيراً للخارجيّة عام 1980، إذ عمل آغازاده مساعداً للوزير للشؤون الاقتصادية والمالية.وبعد أشهر من تسلّم موسوي رئاسة الحكومة عام 1981، عيّن آغازاده وزيراً للشؤون التنفيذية، مُلحَقاً بمكتب رئاسة الوزراء، ليصبح بعدها بفترة نائب رئيس الحكومة للشؤون التنفيذية المتعلّقة بالتفاوض مع الشركات الأجنبية في ملف النفط، الى أن قادته موهبته في هذا المجال، إلى تولي وزارة النفط في تشرين الأول 1985. منصب شغله حتى عام 1997.ورغم أن آغازاده اليوم، محسوب على خط الأصوليين، بيد أن تألّقه السياسي برز في عهد الإصلاحيّين، إذ عيّنه الرئيس السابق محمد خاتمي، حين تسلّم السلطة عام 1997، نائباً لرئيس هيئة الطاقة الذريّة، التي تولّى بعد ذلك رئاستها حتى تاريخ الاستقالة.المفارقة أن علاقة آغازاده بالمرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، شابها بعض الفتور منذ عام 2003، حين قرّر المرشد سحب ملف البرامج النووية الايرانية من يدي آغازاده، وإسناده الى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني، المقرّب من رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني. إثر ذلك تعرّض آغازاده لأزمة قلبية عنيفة، بعد سماعه خبر تكليف روحاني بأمور تدخل في إطار صلاحياته ومسؤولياته. ونُقل عنه تفكيره الجدّي بالاستقالة من منصبه.من وجهة نظر أخرى، قد تمثّل استقالة ابن منطقة آذربيجان (شمال غرب)، التي ينتمي إليها خامنئي وموسوي أيضاً، امتداداً للخلاف حول إدارة الملف النووي بين رئيس البرلمان علي لاريجاني والرئيس نجاد، الذي أدى الى استقالة لاريجاني من رئاسة أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي في خريف عام 2007. خلاف أكد شخصيّة نجاد السلطوية، ومحاولته الدائمة الاستئثار بإدارة الملفات الحسّاسة، لدرجة أنه سعى منذ تسلّمه الرئاسة عام 2005 الى الإمساك بحزم بتفاصيل الملف النووي، وعمد الى قصّ أجنحة كل من حاول التدّخل بهذا الملف، ولا سيما رفسنجاني.في أي حال، يبدو أن الرئاسة، مدعومةً من المرشد الأعلى، هي التي ربحت معركة التجاذبات حول الملف النووي. ورست سياسة نجاد على أن البحث في هذا الملف مع القوى الكبرى «أصبح وراء ظهورنا»، وأن رزمة المقترحات الإيرانية المقبلة تقتصر على تقديم رؤية أمنية واقتصادية للعالم، لا مجال فيها لمناقشة حق إيران في تخصيب اليورانيوم. موقف بات مثار انتقادات واسعة في الوسط الإيراني، على اعتبار أن الغرب يجعل من هذا الملف قميص عثمان، لا يمكن فصله عن ملفّات أخرى هي موضوع نقاش مفترض بين طهران والقوى الكبرى، التي وإن اعترفت بأحقيّة إيران بامتلاك الطاقة النوويّة السلميّة، فإنها لن تتركها تقوم بعمليّات التخصيب على هواها لدرجة تسمح بصنع قنبلة.لعلّ ما يصبّ في دعم هذه الفكرة تصريح رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، أمس، الذي حدّد الخطوط العريضة لاستراتيجية بلاده الجديدة بشأن الأسلحة النووية، معتبراً إيران «حالة اختبار» قبل القمة المقرّرة عام 2010 في الولايات المتحدة لمراجعة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.ويبدو أن الغزل بين طهران وواشنطن متواصل، حتى لو كان في سياق دبلوماسية التعزية بضحايا الطائرة المنكوبة، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن «الولايات المتحدة تقدّم تعازيها لأسر من فقدوا أرواحهم في تحطم طائرة شركة خطوط قزوين الجوية اليوم (الأربعاء) التي كانت تقل ركاباً من طهران في إيران إلى العاصمة الأرمنية يريفان».
الأخبار: 17-تموز-2009
16/7/2009
إيران وكعكة الثورة الناعمة
معمر عطوي
طرحت الأحداث التي شهدتها إيران خلال الأسابيع الأخيرة أسئلة جوهريّة بشأن مفهوم «الستار الحديدي» ونجاعته، في ظل ثورة الاتصالات والمعلوماتية، التي جعلت العالم قرية كونيّة واحدة. وبدا من خلال سياسة التعتيم التي قامت بها الجمهوريّة الإسلامية، على ما يجري داخل طهران وبعض المدن من احتجاجات واعتقالات وقمع وقتل، أنّ هذه السياسة تضرّ بسمعة النظام وتزيد من نقمة الداخل وشماتة الخارج، بدلاً من إخفاء معالم «جريمة مفترضة».ذلك أن الصمت عمّا يجري، أو عدم إيضاح بعض الالتباسات التي تظهر عن حادثة هنا أو عملية اعتقال هناك أو جريمة قتل هنالك، يزيد من مساوئ الحدث، ويعرّض النظام لجرعة أكبر من الاتهامات المسنودة بتقارير أصبحت بفعل الانتشار الإلكتروني مُتاحة للجميع. بل هي وجدت الساحة أمامها مفتوحة لتتسلل من دون محامي دفاع، إلى ما خلف الحدود، حيث تتوثّب جمعيات حقوقية ودول ومنظمات سياسية ومدنية وراء منصة محاكمة جاهزة بكل الملفات والحيثيات، لاتهام النظام الإسلامي.
حاول أوباما حفظ «خط الرجعة» مع إيران بما أنه لا يمكن تسوية الملفات الحساسة من دون التفاهم معها
هكذا بدا المشهد منذ 12 حزيران، حين نزل أنصار المعارضة الإيرانيّة إلى الشارع على اختلاف توجهاتهم وتطلعاتهم، للاعتراض على نتيجة الاقتراع للرئيس محمود أحمدي نجاد، لولاية ثانية. بدا المشهد كأن المعركة هي بين حكومة دينية متشددة تفرض قادتها على الشعب بالقوة، ودعاة للحرية وللدولة المدنية العصرية التي لا تستقي مبادئها من أسس لاهوتية وميتافيزيقية. بطبيعة الحال، كان المشهد يضم بعضاً من هذه العناصر، من دون أن يختصر النزاع بمحوريتها. فالاستغراق في ما نقله «الفايسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» من تقارير وصور عمّا يجري في الشارع، لم يكن إلا صورة مشوّهة لواقع معقّد في الأصل، لا يمكن اختزاله بشعار «أين صوتي؟»، أو «نجاد ديكتاتور» أو «الباسيج قتلونا». حالة بكائية، ربما عرفت المعارضة كيف توظّفها لمواجهة الحكومة، وتمكّنت الدول التي لها تاريخ من العداء مع النظام الإسلامي، من استغلالها، لكنها لم تكن سوى أداة تعويم لتيارات هي في الأصل غير متّفقة على برنامج واضح بديلاً لنظام الملالي.كان ينقص هذه الطفرة الإعلامية المستحدثة، التي عوّضت عن سياسة التعتيم وكسرت عنق الرقابة المحليّة، أن تحمل في المقابل مشروعاً واضحاً لما يريده الإيرانيون من نظامهم، ومعرفة طبيعة الديموقراطية الشعبية التي يؤمنون بها. إذ إن مقولة التزوير لا يمكن أن تصمد أمام الفارق الكبير بين ما حازه المرشّح الأول الأصولي (محمود أحمدي نجاد) والمرشّح الثاني الإصلاحي «قسراً» (مير حسين موسوي). فحين نجد أن أكثر من عشرين مليوناً من الشعب الإيراني يختار التشدد والنظام الإسلامي، بما فيه من ولاء لشخصية «قداسوية» شبه معصومة، ممنوع عليهم مناقشتها، وحين تبنى المعتقدات على أساطير تحرّك الوعي الجماعي نحو عالم طوباوي طهراني «خال من الظلم والجور ومليء بالقسط والعدل»، لا يمكن الوقوف ضد إرادة من يختار ذلك، سوى بالمنطق والحوار، من منطلق احترام اللعبة الديموقراطية.بالتالي تصبح حركة الشارع، ممثلة بالشباب والشابات، الذين تمنّوا لو تطول هذه التحركات لسنوات، مستغلين فرصة الفوضى وغياب الرقيب ـــــ الفتيات والشبان في الشارع معاً، يرقصون ويغنّون ويصرخون بشعارات سياسية قد لا تكون من أولويات أهدافهم ـــــ تعبيراً يؤكد ميل الجيل الذي لم يعش مناخات الثورة والالتزام بمبادئها، نحو مزيد من الاختلاط والتعبير عن الهواجس، وعيش مرحلة المراهقة والشباب من دون أي كبت أو قمع أو تابوهات.ماذا يعني أن يرفع المزيد من شباب طهران، وبالتحديد الجزء الشمالي من العاصمة الإيرانية حيث غالبية المؤيّدين للإصلاح، الرايات الخضراء تعبيراً عن تأييدهم لمير حسين موسوي؟ هل هم أغبياء إلى هذه الدرجة حتى يجهلوا أن المرشّح الإصلاحي هو في الأصل محافظ ومتديّن ومتشدد في أفكاره وقناعاته على غرار الرئيس الذي يرفضونه؟ أم أنهم صدّقوا لعبة الإصلاحيين الذين خذلوهم خلال ولايتين كان خلالها الرئيس السابق محمد خاتمي أشبه بالمحافظين، لولا بعض الضغوط التي رفعها نسبياً من الشارع، لمصلحة الحريات، ولولا تكراره الدائم لمقولة فلسفية، لم تجد طريقها إلى الحقل السياسي، على غرار «حوار الحضارات».في معزل عن الشعارات التي طرحت، ومعظمها مشروع ويؤكد نبض الشارع وميله نحو التغيير، كان لا بد خلال أسبوعين من العنف والمواجهات، التي شهدتها إيران وبالتحديد مدينة طهران وضواحيها، من رصد عوامل التدخّل في هذه الأحداث، خارجياً، وأسباب تمظهر قوى غير معهودة في الساحة، داخلياً. وبين الخارج والداخل علاقة عضوية لم تنفصل عراها رغم ثلاثين عاماً من سيادة الجمهورية الإسلامية.على المستوى الخارجي، بدت الولايات المتحدة، التي من المفترض أن تكون المعنية الأولى بالتغيير في إيران، في موقف حرج وخجول، لا يتناسب مع «عظمة» الإمبراطورية الممتدة إلى ما وراء البحار. لقد وضعت خيارات الانفتاح والحوار مع «العدو اللدود» ورأس محور الشر، على محك الصدقيّة في مباشرة الحوار، ما يمنع مساهمتها السافرة مباشرة في استنهاض «ثورة مخملية» ضد النظام الإسلامي. خطوة قد تعوق سياستها الجديدة، التي لا يبدو أن ثمة بديلاً منها في ظل فشل خيار الحسم العسكري.لذلك بدت تدخلات أميركا بالوكالة، ومن خلف حُجب، رغم انتقادات الجمهوريين. وكان ذلك محاولة من الرئيس باراك أوباما لحفظ «خط الرجعة» مع الجمهورية التي لا يمكن تسوية الملفات الحساسة في الشرق الأوسط من دون التفاهم معها. أمّا وكلاء واشنطن في هذه الحرب، فكانوا موزعين على جهات عديدة، أدّت دوراً أمنياً بحدود خفيفة جداً، فيما كان للإعلام الحصة الأكبر من هذه المعركة، التي نجحت نسبياً في فضح بعض آليات النظام الأمنية في التعاطي مع شعبه. وكلاء يمكن أن تتقاطع مصالحهم مع مصلحة الاستخبارات الغربية، على غرار الأقليات العرقية في بلوشستان وكردستان وخوزستان، من دون أن يعني ذلك عمالتهم للخارج. في الدرجة الثانية، تأتي الجمعيات الحقوقية وتلك المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان، والمنظمات الأهلية وبقايا حاشية النظام الشاهنشاهي البهلوي، والتي تجد في بعض عواصم الغرب متنفساً لها للصراخ ضد الملالي، سواء من خلال نشاطات منظمة ومدروسة ومدعومة من كبريات المنظمات الدولية، التي ترعى «ثورات» مخملية وبرتقالية وناعمة، خلف الأسوار الحديدية. ويمكن لحظ غياب الأحزاب اليسارية، وهي عريقة في التجربة السياسة الإيرانية، وخصوصاً «حزب تودة» الشيوعي، عن المشهد السياسي. أمّا عن الموقف العربي الصامت، الذي اكتفى بتحريك آلاته الإعلامية في السعودية ومصر والأردن، فوفّر على نفسه ارتكاب سخافة رشق الزجاج من بيوت الزجاج، بما يشبه سخرية المرأة المنقّبة من مرتدية التشادور، بما أن هذه الدول لا تعرف الديموقراطية أساساً.لعلّ الدور الأكبر الذي أدّته بعض العواصم الغربية وإسرائيل، وكالة عن واشنطن، التي تأخر موقفها حوالى أسبوعين عن اللحاق بأقرانها الغربيين، كان يسير في اتجاه مدروس مع إدراك تام لمحدودية الحركة والتأثير على الواقع الإيراني الصلب. على كل حال، حاولت كل ألوان الطيف السياسي والثقافي، وإلى حد ما الإثني، أن تجد لها موطئ قدم وسط هذا الزحام، حتى ولو من خلال استغلال بعض ما نشرته مواقع الإنترنت، لكنها لم تنجح في السير قدماً، حتى في استغلال مقتل الشابة نِدا سلطاني، لما للواقع السياسي الإيراني المتشابك مع العامل الأمني الحساس من تعقيدات لا يمكن من خلالها الجزم بصدقية «خبر النت»، كأداة لنجاح ثورة مخملية مفترضة.بيت القصيد هنا، أن ثمة معركة تتصاعد بين تيارين ينسجان أفكارهما من قماشة واحدة. هذه المعركة عززتها شعبية كلا التيارين واندفاعهما نحو تأكيد حضورهما أو الدفاع عن مصالحهما. وبالتالي، كان هناك من يستغل هذا الموقف وسط حركة الشباب الذي يتمتع بقضيته الخاصة، لعلّه يحظى ولو بفُتات من كعكة «الثورة الناعمة»، التي بدت بوضوح من غير أفق.
عدد الخميس ١٦ تموز ٢٠٠٩
حاول أوباما حفظ «خط الرجعة» مع إيران بما أنه لا يمكن تسوية الملفات الحساسة من دون التفاهم معها
هكذا بدا المشهد منذ 12 حزيران، حين نزل أنصار المعارضة الإيرانيّة إلى الشارع على اختلاف توجهاتهم وتطلعاتهم، للاعتراض على نتيجة الاقتراع للرئيس محمود أحمدي نجاد، لولاية ثانية. بدا المشهد كأن المعركة هي بين حكومة دينية متشددة تفرض قادتها على الشعب بالقوة، ودعاة للحرية وللدولة المدنية العصرية التي لا تستقي مبادئها من أسس لاهوتية وميتافيزيقية. بطبيعة الحال، كان المشهد يضم بعضاً من هذه العناصر، من دون أن يختصر النزاع بمحوريتها. فالاستغراق في ما نقله «الفايسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» من تقارير وصور عمّا يجري في الشارع، لم يكن إلا صورة مشوّهة لواقع معقّد في الأصل، لا يمكن اختزاله بشعار «أين صوتي؟»، أو «نجاد ديكتاتور» أو «الباسيج قتلونا». حالة بكائية، ربما عرفت المعارضة كيف توظّفها لمواجهة الحكومة، وتمكّنت الدول التي لها تاريخ من العداء مع النظام الإسلامي، من استغلالها، لكنها لم تكن سوى أداة تعويم لتيارات هي في الأصل غير متّفقة على برنامج واضح بديلاً لنظام الملالي.كان ينقص هذه الطفرة الإعلامية المستحدثة، التي عوّضت عن سياسة التعتيم وكسرت عنق الرقابة المحليّة، أن تحمل في المقابل مشروعاً واضحاً لما يريده الإيرانيون من نظامهم، ومعرفة طبيعة الديموقراطية الشعبية التي يؤمنون بها. إذ إن مقولة التزوير لا يمكن أن تصمد أمام الفارق الكبير بين ما حازه المرشّح الأول الأصولي (محمود أحمدي نجاد) والمرشّح الثاني الإصلاحي «قسراً» (مير حسين موسوي). فحين نجد أن أكثر من عشرين مليوناً من الشعب الإيراني يختار التشدد والنظام الإسلامي، بما فيه من ولاء لشخصية «قداسوية» شبه معصومة، ممنوع عليهم مناقشتها، وحين تبنى المعتقدات على أساطير تحرّك الوعي الجماعي نحو عالم طوباوي طهراني «خال من الظلم والجور ومليء بالقسط والعدل»، لا يمكن الوقوف ضد إرادة من يختار ذلك، سوى بالمنطق والحوار، من منطلق احترام اللعبة الديموقراطية.بالتالي تصبح حركة الشارع، ممثلة بالشباب والشابات، الذين تمنّوا لو تطول هذه التحركات لسنوات، مستغلين فرصة الفوضى وغياب الرقيب ـــــ الفتيات والشبان في الشارع معاً، يرقصون ويغنّون ويصرخون بشعارات سياسية قد لا تكون من أولويات أهدافهم ـــــ تعبيراً يؤكد ميل الجيل الذي لم يعش مناخات الثورة والالتزام بمبادئها، نحو مزيد من الاختلاط والتعبير عن الهواجس، وعيش مرحلة المراهقة والشباب من دون أي كبت أو قمع أو تابوهات.ماذا يعني أن يرفع المزيد من شباب طهران، وبالتحديد الجزء الشمالي من العاصمة الإيرانية حيث غالبية المؤيّدين للإصلاح، الرايات الخضراء تعبيراً عن تأييدهم لمير حسين موسوي؟ هل هم أغبياء إلى هذه الدرجة حتى يجهلوا أن المرشّح الإصلاحي هو في الأصل محافظ ومتديّن ومتشدد في أفكاره وقناعاته على غرار الرئيس الذي يرفضونه؟ أم أنهم صدّقوا لعبة الإصلاحيين الذين خذلوهم خلال ولايتين كان خلالها الرئيس السابق محمد خاتمي أشبه بالمحافظين، لولا بعض الضغوط التي رفعها نسبياً من الشارع، لمصلحة الحريات، ولولا تكراره الدائم لمقولة فلسفية، لم تجد طريقها إلى الحقل السياسي، على غرار «حوار الحضارات».في معزل عن الشعارات التي طرحت، ومعظمها مشروع ويؤكد نبض الشارع وميله نحو التغيير، كان لا بد خلال أسبوعين من العنف والمواجهات، التي شهدتها إيران وبالتحديد مدينة طهران وضواحيها، من رصد عوامل التدخّل في هذه الأحداث، خارجياً، وأسباب تمظهر قوى غير معهودة في الساحة، داخلياً. وبين الخارج والداخل علاقة عضوية لم تنفصل عراها رغم ثلاثين عاماً من سيادة الجمهورية الإسلامية.على المستوى الخارجي، بدت الولايات المتحدة، التي من المفترض أن تكون المعنية الأولى بالتغيير في إيران، في موقف حرج وخجول، لا يتناسب مع «عظمة» الإمبراطورية الممتدة إلى ما وراء البحار. لقد وضعت خيارات الانفتاح والحوار مع «العدو اللدود» ورأس محور الشر، على محك الصدقيّة في مباشرة الحوار، ما يمنع مساهمتها السافرة مباشرة في استنهاض «ثورة مخملية» ضد النظام الإسلامي. خطوة قد تعوق سياستها الجديدة، التي لا يبدو أن ثمة بديلاً منها في ظل فشل خيار الحسم العسكري.لذلك بدت تدخلات أميركا بالوكالة، ومن خلف حُجب، رغم انتقادات الجمهوريين. وكان ذلك محاولة من الرئيس باراك أوباما لحفظ «خط الرجعة» مع الجمهورية التي لا يمكن تسوية الملفات الحساسة في الشرق الأوسط من دون التفاهم معها. أمّا وكلاء واشنطن في هذه الحرب، فكانوا موزعين على جهات عديدة، أدّت دوراً أمنياً بحدود خفيفة جداً، فيما كان للإعلام الحصة الأكبر من هذه المعركة، التي نجحت نسبياً في فضح بعض آليات النظام الأمنية في التعاطي مع شعبه. وكلاء يمكن أن تتقاطع مصالحهم مع مصلحة الاستخبارات الغربية، على غرار الأقليات العرقية في بلوشستان وكردستان وخوزستان، من دون أن يعني ذلك عمالتهم للخارج. في الدرجة الثانية، تأتي الجمعيات الحقوقية وتلك المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان، والمنظمات الأهلية وبقايا حاشية النظام الشاهنشاهي البهلوي، والتي تجد في بعض عواصم الغرب متنفساً لها للصراخ ضد الملالي، سواء من خلال نشاطات منظمة ومدروسة ومدعومة من كبريات المنظمات الدولية، التي ترعى «ثورات» مخملية وبرتقالية وناعمة، خلف الأسوار الحديدية. ويمكن لحظ غياب الأحزاب اليسارية، وهي عريقة في التجربة السياسة الإيرانية، وخصوصاً «حزب تودة» الشيوعي، عن المشهد السياسي. أمّا عن الموقف العربي الصامت، الذي اكتفى بتحريك آلاته الإعلامية في السعودية ومصر والأردن، فوفّر على نفسه ارتكاب سخافة رشق الزجاج من بيوت الزجاج، بما يشبه سخرية المرأة المنقّبة من مرتدية التشادور، بما أن هذه الدول لا تعرف الديموقراطية أساساً.لعلّ الدور الأكبر الذي أدّته بعض العواصم الغربية وإسرائيل، وكالة عن واشنطن، التي تأخر موقفها حوالى أسبوعين عن اللحاق بأقرانها الغربيين، كان يسير في اتجاه مدروس مع إدراك تام لمحدودية الحركة والتأثير على الواقع الإيراني الصلب. على كل حال، حاولت كل ألوان الطيف السياسي والثقافي، وإلى حد ما الإثني، أن تجد لها موطئ قدم وسط هذا الزحام، حتى ولو من خلال استغلال بعض ما نشرته مواقع الإنترنت، لكنها لم تنجح في السير قدماً، حتى في استغلال مقتل الشابة نِدا سلطاني، لما للواقع السياسي الإيراني المتشابك مع العامل الأمني الحساس من تعقيدات لا يمكن من خلالها الجزم بصدقية «خبر النت»، كأداة لنجاح ثورة مخملية مفترضة.بيت القصيد هنا، أن ثمة معركة تتصاعد بين تيارين ينسجان أفكارهما من قماشة واحدة. هذه المعركة عززتها شعبية كلا التيارين واندفاعهما نحو تأكيد حضورهما أو الدفاع عن مصالحهما. وبالتالي، كان هناك من يستغل هذا الموقف وسط حركة الشباب الذي يتمتع بقضيته الخاصة، لعلّه يحظى ولو بفُتات من كعكة «الثورة الناعمة»، التي بدت بوضوح من غير أفق.
عدد الخميس ١٦ تموز ٢٠٠٩
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)