الأخوَان لاريجاني عن يمينه ورفسنجاني عن يساره والمرشد يضبط الإيقاع
معمر عطوي
يبدو واضحا أن المواجهة الساخنة بين الأقطاب والمراجع المتصارعين على المسرح السياسي الإيراني، قد انتقلت من الشارع إلى أروقة القرار، ويخوضها المتنافسون على حلبة التعيينات الوزارية والإدارية
معمر عطوي
بات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قطب الرحى في الصراع السياسي الداخلي الإيراني. صراع درجت العادة على أن يكون بين إصلاحيّين ومحافظين، لكنه بات الآن بين المحافظين أنفسهم، ولا سيّما بعد تفرّد الرئيس بقراراته عن أصدقائه المحافظين، بدرجة لا تقل عنها مع الإصلاحيّين. رغم ذلك، بدا نجاد كأنه يبعث بإشارت إيجابية إلى الداخل والخارج، بشأن إمكان حدوث تغيير في سياسته. تغيير يستهدف من خلاله التأكيد أن المرشح الخاسر مير حسين موسوي، لا يتمتع بما يتمتع به الرئيس «المتشدّد» من انفتاح اقتصادي يعتمد الخصخصة، ويعطي الدور الرائد للنساء، في جمهورية الملالي.على صعيد الملف النووي، بعث نجاد بإشارات عن استعداد طهران للتفاوض مع الغرب، مفسحاً في المجال أمام المفتشين الدوليين، لتفتيش مفاعل نووي يعمل بالماء الثقيل في آراك، بعد سنة من المنع.ليس بعيداً عن هذه السياسة، تعيين علي أكبر صالحي، المفاوض الهادئ، رئيساً لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية. لعل ما يقوم به نجاد يوحي بأنه يضع الملف النووي في قائمة أولويات حكومته الواعدة.وربما يبحث نجاد، المُحاصر باعتراضات الداخل وعقوبات الخارج، عن كوّة يفتحها في جدار سياسته الاقتصادية العقيمة، بالتساهل قليلاً في الملف النووي، في مقابل انتعاش اقتصادي يمتص غضب الإيرانيين، ولعل بشارته الأخيرة بإمكان التوصل إلى اكتفاء ذاتي بعد عامين على صعيد تأمين البنزين المكرّر تصب في هذا السياق.يأتي هذا الإلحاح على تحريك الملف النووي، قبل أيام من تقرير معتزم سيصدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران، وعلى أعتاب المهلة الأخيرة المعطاة لطهران لتنفيذ مطالب المجتمع الدولي بوقف تخصيب اليورانيوم.أمّا صورة التنافس الدائر على حلبة التعيينات، فقد بدأت مع رفض المرشد الأعلى علي خامنئي تعيين قريب نجاد، أسفنديار رحيم مشائي، في منصب النائب الأول للرئيس، تماهياً مع موقف المحافظين، الذين انتقدوا تصريحات مشائي عن «الصداقة مع الشعب الإسرائيلي».لقد حاول نجاد في إطار الخلاف بين المحافظين، على خلفية تعيين مشائي، إيجاد مخرج لقريبه المثير للجدل، من خلال تعيينه مديراً لمكتبه. لكن هذه المحاولة لا يبدو أنها نجحت، بل نجح الطرف الآخر في ليّ ذراع نجاد، حين علّق ديوان المحاسبة، الأسبوع الماضي، مهمّات الأول، بتهمة استغلاله للسلطة.ومن الواضح أن المعركة الشهيرة بين الإصلاحيين والمحافظين، انتقلت الى داخل معسكر المتشددين أنفسهم. وبات خامنئي الذي يدعم نجاد بوضوح، أحد أهمّ ضابطي إيقاع هذه المعركة. بدا ذلك جليّاً من خلال التبدلات التي طرأت على سياسة رئيس مجلس الخبراء علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي وقف في البداية مع الإصلاحيين وهاجم الحكومة وسياسة القمع المتّبعة. بيد أنه منذ خطبة الجمعة التي ألقاها في جامعة طهران الشهر الماضي، بحضور قادة إصلاحيين، اعتمد لغة جديدة، تؤكد تقاربه مع المرشد الأعلى، ما يثير تساؤلات عن صفقة قد تكون عقدت بين الطرفين.رفسنجاني المشهور بحنكته السياسية، ونفوذه الواسع، لعب ورقة المحافظين المعارضين لسياسة نجاد، من خلال التماهي مع دعوة حوالى ثلثي أعضاء مجلس الخبراء له الشهر الماضي، لإبداء مزيد من التأييد لخامنئي. وربما ركب الرئيس الأسبق موجة المحافظين المعارضين لنجاد، الذين طالبوا الأخير «بتقديم اعتذارات إلى الشعب»، لأنه تأخر في تنفيذ أوامر خامنئي، بغية مضاعفة الضغوط عليه.
ويأتي تعيين آية الله صادق لاريجاني، رئيساً للسلطة القضائية، ليزيد الخناق على نجاد. ومعروف أن صادق لاريجاني هو شقيق رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، الذي لا تربطه بنجاد مودة كبيرة منذ خلافهما على إدارة الملف النووي عام 2007. وبذلك باتت السلطة التنفيذية ممثلة بنجاد محاصرة بسلطتين (القضائية والتشريعية) يمثلهما الأخوَان لاريجاني، بما يشير إلى الحدّ من حركة الرئيس.قد يكون أحد تجليات هذه المحاصرة للرئيس العنيد، انتخاب وزير الأمن السابق، غلام حسين محسني اجائي، مدعياً عاماً لإيران، والذي أقاله نجاد أخيراً.لكن المعركة الأكثر ضراوةً، في هذا السياق، هي حول وزارة الطاقة، بما تمثّله من ثقل في دولة نفطية كبرى كإيران؛ فرغم نجاح نجاد في قص الأذرع العديدة لرفسنجاني داخل هذا القطاع، لا يزال الرئيس يعاني انقساماً شديداً بشأن الأسماء التي اقترحها ويقترحها لهذا المنصب.في أي حال، لن يكون سهلاً تصميم نجاد على السير بخططه، بعيداً عن الأقطاب الآخرين في البلاد؛ فمجلس الشورى سيبدأ الأحد المقبل التصويت على الثقة بكل وزير على حدة؛ من أصل 21 وزيراً اختارهم نجاد، هناك خمسة وزراء، بينهم ثلاث نساء، يواجهون إمكان عدم نيل الثقة. والأنكى من ذلك، حال الاستياء الدولي التي ستنتج من تعيين أحمد وحيدي، المطلوب بتهمة التورط في تفجيرات الأرجنتين، وزيراً للدفاع، والذي سيقدّم حجة إضافية لمحاصرة نجاد خارجياً.
عدد الثلاثاء ٢٥ آب ٢٠٠٩
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق