منافسة حامية بين «فتاة كول» وابن النجّار على منصب «المستشار»
في مكتب في الطابق السابع من مقرّ المستشارية، لوحة للأميرة الألمانية «كاثرين العظمى»، التي أصبحت إمبراطورة روسيا. تلك هي غرفة أنجيلا ميركل التي تناضل لمنع الاشتراكي فرانك فالتر شتاينماير من احتلالها
معمر عطوي
اعتاد الإعلام مخاطبتها بـ«أقوى امرأة في العام»، بعدما أطلقت عليها مجلة «فوربس» هذا اللقب لثلاث سنوات متتالية، تلك هي أنجيلا دوروثيا ميركل (1954)، ابنة القس البروتستانتي، التي عاشت في كنف الشيوعية، لتصبح بعد ذلك أول بروتستانتية تتزعم حزباً كاثوليكياً متشدّداً هو الحزب المسيحي الديموقراطي (CDU). لقد نشطت ميركل كعضوة في منظمة الشبيبة التابعة لجمهوريّة ألمانيا الديموقراطية (الشرقية). لكنها بعد سقوط جدار برلين، أصبحت «فتاة كول» المفضّلة، حيث لازمت المستشار السابق هيلموت كول (CDU).
ورغم أن الألمان يحبون فيها تلك البساطة المعهودة والعفوية في التعاطي مع الآخرين، فإنهم مؤمنون بأن براغماتيتها الزائدة، تخفي قناعاتها الحقيقية. وقد واجهت منذ وصولها إلى منصب المستشارة عام 2005، انتقادات بسبب عدم اهتمامها بأناقتها.
درست ميركل، التي ربحت معركة المستشارة ضد منافسها الحالي، نائبها ووزير خارجيتها، فرانك فالتر شتاينماير، الفيزياء، في جامعة لايبزغ (جامعة كارل ماركس سابقاً) ونالت الدكتوراه في هذا الاختصاص.
عملت ميركل، التي تزوجت مرتين، وولدت طفلة واحدة، نادلة في حانة أثناء دراستها. وفي المرحلة التي سبقت سقوط الجدار بين الألمانيّتين، بدأت ميركل تنشط سياسياً باتّجاه التغيير، لتتحوّل إلى عنصر فاعل يدعو إلى الحرية السياسية لمواطنيها الشرقيين.
لهذا، انضمت إلى حزب «نهضة الديموقراطية» عام 1989، ثم تسلّمت بعدما أجريت أول انتخابات حرة في الشطر الشرقي، منصب المتحدثة باسم الحكومة المنتخبة، التي كانت برئاسة لوثار دي مايزيير. حكومة سبقت إعلان الوحدة الألمانية بأشهر، وشهدت سقوط الجدار.
لكنها بعد الوحدة عام 1990، انضمت إلى الاتحاد الديموقراطي المسيحي. بموجب الانتخابات الأولى التي أُجريت على مستوى ألمانيا الاتحادية «الموحّدة»، تولّت ميركل حقيبتين وزاريتين في عهد كول (1990- 1998).
استقال كول بعد هزيمته في انتخابات عام 1998 أمام زعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي غيرهارد شرودر، وصعدت ميركل لتصبح أمينة عامة لـ «CDU». ثم انتُخبت في سابقة تاريخية عام 2000 رئيسة للحزب، وكانت أول امرأة وأول بروتستانتية تتولى هذا المنصب في حزب له جذور مسيحية محافظة.
منذ وصلت ميركل، في 22 تشرين الثاني 2005، كأول امرأة وأول مواطن من ألمانيا الشرقية يتولى هذا المنصب، كان في طليعة اهتماماتها الخارجية، تعزيز محور برلين ـــــ باريس. كما عملت جاهدة لإعادة العلاقات الطبيعية مع واشنطن بعدما توتّرت في عهد شرودر بسبب غزو العراق. وأسهمت في تعزيز سياسة التدخل العسكري في أفغانستان، فيما رفضت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي شهد اعتماد معاهدة لشبونة، البديلة لمشروع دستوره عام 2007، فترة رئاسة ألمانيا للاتحاد.
كما سعت ميركل، التي تتحدث الروسية والإنكليزية إضافة إلى لغتها الأم، إلى ترسيخ فكرة الالتزام الألماني بأمن إسرائيل وتبني «المسؤولية الأخلاقية» تجاه اليهود في العالم. الأمر الذي دفع الجالية اليهودية في ألمانيا إلى منحها عام 2007 جائزة «ليو بيك»، التي تمنحها الجالية سنوياً. كما منحتها الجامعة العبرية في القدس المحتلة الدكتوراه الفخرية في الفلسفة.
في أي حال، ورغم نتائج الاستطلاعات التي تشير إلى تقدّمها على منافسها شتاينماير، يبقى وضع ميركل الانتخابي، غامضاً بانتظار ما ستؤول إليه أصوات الضبابيّين من المقترعين، الذين يراهنون على تحسّن مفقود في خطابها السياسي، ولا سيّما أن المناظر التلفزيونية مع شتاينماير أفقدتها بعض رصيدها الشعبي.
في المقابل، بدأ شتاينماير (1956) نشاطه السياسي منذ شبابه، حين كان عضواً في شبيبة الحزب الاشتراكي. ثم اقتفى أثر المستشار شرودر، الذي عيّنه رئيساً لمكتبه ومن ثم مستشاراً له أثناء توليه الحكم (1999- 2005).
ابن مدينة «دتمولد» في ولاية شمال الراين ـــــ فستفاليا (غرب ألمانيا)، أدى شتاينماير الخدمة العسكرية الإلزامية قبل أن يتابع دراسته في القانون والسياسة ليحصل على الدكتوراه.
وشارك شتاينماير، الذي شغل منصب رئيس مجلس شورى الاتحاد الأوروبي للنصف الأول من عام 2007، في إعداد الإصلاحات الاقتصادية في عهد شرودر. لكنه لم يستطع أن يملأ موقع الأخير لذلك خرج من تحت عباءته ليتبنّى نهجاً يمينياً وسط الاشتراكيين. راهن ابن النجار في المؤتمر العام لحزبه في برلين في حزيران الماضي، على الفوز قائلاً «إننا نريد الفوز وسنحقّقه». ودخل حلبة السباق إلى أهم منصب إجرائي في البلاد، الذي يملك صلاحيات كبيرة، على عكس رئيس الجمهورية، معتبراً أنه «سيصبح مستشاراً لكل الألمان». بيد أن صاحب الابتسامة العريضة يجهد بقوة لتحقيق تقدّم على «فتاة كول»، فيما يقف الألمان متأهّبين لحسم المعركة غداً، لعلّهم ينجحون في إيصال أحد الحزبين إلى الحكومة من دون الاضطرار إلى عقد ائتلاف صعب.
الأخبار: ٢٦ أيلول ٢٠٠٩
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق