معمر عطوي
لم يكن تأسيس منظمة الحرس الثوري الإيراني «الباسدران» في أيار عام 1979 مُجرَّد محاولة وقائية لحماية منجزات الثورة الإسلامية من «أعداء الداخل والخارج»، لكن بيّنت الأحداث في ما بعد أن هذه المنظمة ما هي إلا هيكلية كاملة للنظام الإسلامي، تتجذَّر في فكر مؤسس الجمهورية الإمام الخميني وتمتد أغصانها إلى جميع مفاصل الدولة، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والعسكرية والثقافية. بينما تُلقي بظلالها على المجتمع الإيراني من خلال قوات التعبئة «الباسيج» التي تتولّى مسألة فرض الشريعة الإسلامية على الأفراد والمجتمع.وكان «الحرس» في بداية الأمر مجرَّد مجموعات صغيرة تمارس حرب العصابات لم يتجاوز حجمها عشرة أفواج وبعض الخلايا الفدائية، حتى عام 1981، حينها بدأت عملية تكوين قوات المشاة ليبلغ حجمها عام 1985 مئة وخمسين فرقة عسكرية مدربّة، تخوض الحرب مع العراق. وتوسعت مسؤوليات الحرس الثوري في التسعينيات لتشمل الإشراف على تطوير البرنامج النووي والصناعات العسكرية المتطورة إلى جانب إدارته لمشاريع إنتاجية واقتصادية.والحرس الثوري هو بمثابة الجيش العقائدي، والحرس الوفيّ لقائده الذي يعطيه الأوامر، المرشد الأعلى للثورة، آية الله علي خامنئي، وهو مؤسسة مستقلّة عن الجيش.أما في ما يختص بعدد هذه القوات، فإن هناك تناقضاً بين المصادر. إذ يرى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن أن عدد عناصر الحرس يُقدّر بنحو 350 ألفاً، بينما يرى معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن عدد أفراده لا يتجاوز 120 ألفاً.لعلَّ المفارقة الأهم التي أرساها الحرس الثوري في إيران، هو العمل على إظهار مجموعة من الشُبَّان المتدينين المؤيدين لـ«خط الإمام»، لكنهم من خارج المؤسسة الدينية «الحوزة». لذلك، أنتج الحرس نخبة سياسية غير «مُعمَّمة»، على غرار رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد وعمدة طهران، قائد الشرطة السابق محمد باقر قاليباف، والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني وغيرهم، بعدما سيطر لفترة طويلة حضور رجال الدين، ما أعطى إيران صفة «جمهورية الملالي».وخلال ثلاثة عقود، تغلغل الحرس الثوري في المؤسسات السياسية للدولة، ليتمكن في عام 2005 من إيصال نجاد، وهو أحد ضباطه، إلى سدة الرئاسة، فيما عيَّن الأخير لدى اعتلائه منصبه خمسة وزراء في حكومته من الحرس الثوري، الذي وصل عشرات من أفراده إلى البرلمان.على الصعيد العسكري، تمكَّن «الباسدران» من تحقيق نقلة نوعية في الصناعات الدفاعية، وامتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ بعيدة المدى، مثل بطاريات الصواريخ «شهاب»، وأنظمة صواريخ بإمكانها حمل رؤوس عنقودية، يمكنها رمي 1400 قنبلة صغيرة على الهدف. وباتت القُدرة الصاروخية لدى هذه المنظمة تُهدّد السفن الحربية التي تجوب الخليج وخليج عُمان وإسرائيل.وفي تشرين الأول من العام الماضي، حذَّر قائد المدفعية وشبكات الصواريخ في القوات البرية التابعة للحرس الثوري، الجنرال محمد شهرباقي، من أن بلاده ستطلق في الدقيقة الأولى لأي غزو تتعرَّض له 11 ألف صاروخ وقذيفة مدفعية على قواعد العدو.ومما لا شك فيه، أن هذه المنظمة أسهمت في تأسيس «الباسيج»، وهي منظمة شبه عسكرية غالبيتها من الشباب وطلاب الجامعات ويُقدَّر عدد عناصرها بعشرة ملايين شخص.لقد أسهم الحرس الثوري إلى حد كبير في دعم منظمات عسكرية في لبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق. وأنشأ «فيلق القدس» لهذه الغاية تحت عنوان «تصدير الثورة»، ما دفع الإدارة الأميركية في أيلول الماضي، إلى وضعه على لائحة الإرهاب.كما تضمنت قرارات مجلس الأمن الدولي (1737 و1747و1803) تجميد أصول ضباط الحرس الرفيعي المستوى، وذلك بسبب «روابطهم بالبرامج النووية والصاروخية الحسّاسة».ويرى المتخصص في قسم الأبحاث التابع للكونغرس الأميركي، كينث كاتزمان، أن الحرس الثوري، منذ نهاية النزاع العراقي ـــــ الإيراني عام 1988، اختار لنفسه دوراً عسكرياً دفاعياً مع قيامه ببعض المهام المدنية في مجال إعادة الإعمار. وكان في عام 1985 قد أسَّس وحدات جويّة وبحريّة خاصة به، ثم طوَّر هيكلية رسمية لتجنيد وتدريب جنود الجبهة الأمامية وعملاء الثورة الإسلامية الذين حاولوا نشر الثورة في العالم العربي بجميع الوسائل.أمّا الدور الاقتصادي للحرس، فيقول كاتزمان إنه يرتكز على درجة النفوذ التي كان بوسعه أن يمارسها على مؤسسة ثورية أخرى هي جهاد البناء، التي كانت الأداة لتطبيق السياسة الاقتصادية للحكومة في المناطق الريفية على وجه الخصوص.وشقَّ «الباسدران» عدداً كبيراً من الطرق السريعة، كما بنوا سدوداً، مثل سد كركيه (غرب) وحصل على وكالات شركات دولية مثل «مرسيدس بنز». وفاز العام الماضي بعقد بقيمة 1.3 مليار دولار لمد أنبوب غاز بطول 900 كيلومتر بين حقل فارس ـــــ جنوب ومحافظة سيستان ـــــ بالوشستان (جنوب شرق).من هنا، أصبح دور الحرس الثوري في الكثير من المناطق الساخنة في المنطقة، ملتبساً، إذ إن امتداداته الخارجية، وضعته في موقع الاتهام، للاشتباه بتورطه في دعم أعمال عنف ذات طابع طائفي ومذهبي، فيما يرى آخرون أنه أسهم إلى حد كبير في دعم حركات تحرّرية على غرار حزب الله و«حماس» والمقاومة العراقية.
الأخبار: ٦ أيار ٢٠٠٨
الأخبار: ٦ أيار ٢٠٠٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق