«باب الحريّة» لم يجعل منه مناضلاً سياسيّاً
معمر عطوي
«إذا كانت الفلسفة ــ في أحد تعريفاتها الشهيرة ــ فنّ صياغة المفاهيم، فإنّ ناصيف نصّار فيلسوف بامتياز. وليس قولي هذا نوعاً من التقويم، بل تأكيدٌ لأولئك الذين ما انفكّوا يصرخون في عالم العرب: أين هم الفلاسفة العرب؟». بهذا القول استهل المُفكّر السوري أحمد برقاوي، مناقشته للفيلسوف ناصيف نصّار، في مطارحة عميقة تحت عنوان «فلسفة السلطة عند ناصيف نصّار والسلطة العربية».المناسبة، تكريمٌ أرادته الجامعة الأنطونية، على طريقتها، في نشر سلسلة كتب تحت عنوان «اسم علم»، فكان الكتاب الأول مناقشة لمقولات نصّار في الفلسفة والفكر السياسي تحت عنوان «ناصيف نصّار ــ علم الاستقلال الفلسفي».ولأنّ العقل عند نصّار هو المنطلق، فقد أخذ البحث نصيبه الكافي في مناقشة رؤيته للعقل والتفكير. مناقشة بدأت مع أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس في الرباط، د. محمد المصباحي بعنوان «جدليّة العقل والمدينة في فلسفة ناصيف نصّار». يوضح فيها عناية الأخير بالعقل العملي بدل العقل النظري «ما أضفى على نظرته الفلسفية سمات الواقعيّة والجدليّة والعمليّة».ومن المعروف تأثر نصّار، أستاذ الفلسفة العربية في الجامعة اللبنانية بعالم الاجتماع العربي ابن خلدون، الذي كان موضوع أطروحته للدكتوراه في فرنسا، حيث صدرت الطبعة الأولى باللغة الفرنسية تحت عنوان «الفكر الواقعي عند ابن خلدون». هنا تحتدم المناقشة عند المصباحي لنصّار حين يرى أنّ ابن خلدون منقذه من «الفشل الفكري»، مضفياً على كتابته بعداً أصيلاً من خلال «طرافة موضوع الفكر الخلدوني، الفساد العمراني والفشل الحضاري».هذه الإشكالية النظرية في رأي المصباحي «أحاطت بنصّار أثناء تكوينه الفلسفي الأساسي وخروجه من القوّة إلى الفعل فيلسوفاً له رؤية تكاد تكون متبلورة للعالم».لعلّ في هذا التوصيف وإن خلص إلى الاعتراف بمكانة نصّار كفيلسوف، بيد أنّ فيه بعض الإجحاف بحقّ صاحب «منطق السلطة»، إذ إنّ اتساع مطالعات نصّار الفلسفية والفكرية العربسلامية والغربية، تجعله في موقع أقوى من أن يكون مرتهناً لمنبع فكري واحد في تسلّقه عرش الفلسفة.المناقشة الثانية كانت للمفكّر السياسي ــ الاقتصادي، جورج قرم، بعنوان «ناصيف نصّار والحداثة العربية». أهمية هذه المناقشة تشابه الاهتمامات بين نصّار وقرم، اللذين تجمعهما الرؤية العلمانية، وتفرّقهما المشارب الإيديولوجية، فيما تصحّ المقاربة بين رؤيتي الرجلين تجاه النهضة العربية والفكر السياسي الإسلامي وتموضعه في الحقل الاجتماعي العربي.من هنا، «يرى قرم أن هدف نصّار في كل كتاباته هو مساعدة المجتمع العربي على التكيّف مع الحداثة التي هجرها منذ زمن».وبالعودة إلى الفكر الذي يمثّل المحور الرئيسي في فلسفة نصّار إلى جانب الحريّة، يقفز قرم نحو «تصنيفات المثقّف» لدى الكاتب الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، ليجري مقارنة بين إدوارد سعيد ونصّار، على ضوء اهتمام المفكر بالسياسة وعلاقته بالشأن العام.ويستحضر قرم «صور المثقّف» للمفكّر الفلسطيني الذي يستقي رؤية غرامشي في سياق حديثه عن المثقّف التقليدي والمثقّف العضوي. ويخلص قرم الى أنّ الفارق بين نصّار وسعيد هو أن صاحب «باب الحرية»، هو «مفكّر ليس همّه إلّا الفكر... وليس مناضلاً سياسياًً»، بينما يقف سعيد في صفوف المناضلين كونه فلسطينياً منفيّاً.غير أنّ مقاربة برقاوي لفلسفة السلطة عند نصّار والسلطة العربية، كان من شأنها توريط صاحب «طريق الاستقلال الفلسفي» في الشأن السياسي من خلال إضاءة جوانب من تحليله لعلاقة السلطة السياسية بالتسلّط الإيديولوجي للنظر إلى تلك العلاقة المتعيّنة في الوطن العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق