ما المغزى من السياسة التي يسير بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، منذ توليه رئاسة البلاد في عام 2005، لجهة عدد الإقالات على مستوى وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى، والتخبُّط الاقتصادي والمعيشي الذي يشهده أداء الحكومة؟
معمر عطوي
سؤال ربما أجابت عنه صحيفة «واشنطن بوست» جزئياً في 11 شباط الماضي، حين تحدّثت عن أداء جديد يعتمده المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بتعزيز دور الشباب في الإدارات العامة في مقابل إقصاء «الملالي» و «الحرس القديم».لكن الجزء الآخر من الجواب يكمن في الإقالات نفسها والظروف الموضوعية المُسبِّبة لها، حيث كان آخر ضحاياها، وزير الداخلية، مصطفى بور محمدي.اللافت أن محمدي، رجل الدين الذي يحمل صفة «حجة الإسلام»، يختلف مع رئيسه على ملفات عديدة، من بينها تشجيع «زواج المتعة». اقتراح رفضته الحكومة العام الماضي.في المقابل، يتميّز الوزير الجديد (بالوكالة) مهدي هاشمي، بإلمامه بعلم الإدارة، الذي تخصَّص به أكاديمياً، وبكونه ليس من مجتمع الملالي. وفي ذلك خطوة إيرانية غير مسبوقة، لجهة التقليد الذي ساد منذ انتصار الثورة في عام 1979، باختيار رجل دين لحقيبة الداخلية وكذلك حقيبة الاستخبارات.ولعلّ ما يزيد حظوظ هاشمي (55 عاماً) هو تاريخه الشبيه بتاريخ نجاد، إذ كان نائباً لقائد قوات الباسيج «التعبئة» للشؤون الهندسية، المنظمة التابعة للحرس الثوري، الذي حضن نجاد في شبابه. ورافق هاشمي نجاد في مسيرته السياسية، منذ كان نائباً له أثناء توليه رئاسة بلدية طهران، وكان خياره الأول لشغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية في التشكيل الحكومي في آب 2005. إلا أن هاشمي لم يتمكن من الحصول على ثقة البرلمان.يبدو واضحاً أن الرئيس الإيراني المحافظ، الذي يواجه انتقادات لاذعة من الإصلاحيين والمبدئيين على السواء بسبب سياسته الاقتصادية الفاشلة، يتخبّط في موضوع اختيار الأشخاص المناسبين للمناصب الحساسة، ولا سيما في الشأن الاقتصادي. تخبُّط ليس طارئاً على الحكومة الإيرانية التي شهدت تسعة إقالات في مناصب وزارية كانت آخرها، في نيسان الماضي، حين أقيل وزير الاقتصاد والمالية، داود دانيش جعفري، الذي عارض نجاد علناًَ بسبب سياساته الاقتصادية.وخلال الأشهر الماضية خرج من حكومة نجاد وزراء الشؤون الاجتماعية، والجمعيات التعاونية، والنفط، والصناعة، والاقتصاد، والتعليم، إضافة إلى استقالة أو إقالة رؤساء عدد من أجهزة التخطيط ومحافظ المصرف المركزي.أمّا قضية السياسة المصرفية، فتحتاج إلى معالجة أخرى، وخصوصاً أن استقالة المحافظ السابق إبراهيم شيباني في شهر آب من العام الماضي، لم تحلّ مشكلة الفائدة المصرفية، التي حددها نجاد بما بين 10 و12 في المئة في مقابل 14 و17 في المئة سابقاً.المشكلة بدت جليّة، حين كشف المحافظ الحالي، طهمسب مظاهري، عن خلافه علناً مع نجاد بسبب قرار الأخير الجديد بشأن تحديد قيمة الفائدة. فقد أعلن مظاهري صراحةً لصحيفة «سرماية» الاقتصادية، أن «هذا القرار لا يمكن إبلاغه للمصارف». فالعديد منها يرفض إقراض أموال لأن نسبة التضخم بلغت في نيسان 24.2 في المئة خلال سنة. وذلك بسبب سوء سياسة الرئيس في توزيع عائدات «الطفرة» النفطية على المواطنين والمشاريع في المناطق.لذلك طلب مظاهري الشهر الماضي ربط نسب فوائد القروض بنسبة التضخم، مشيراً إلى أن الحكومة رفضت هذا المُقترح.يفسِّر هذا الخلاف بين مظاهري ونجاد، سبب إقالة وزير الاقتصاد والمالية الذي كان قد دعا إلى جانب محافظ المصرف المركزي في كانون الثاني الماضي، إلى تحرير نسبة الفائدة المصرفية، في معارضة واضحة لسياسة نجاد.ويبدو أن مظاهري (54 عاماً )، الذي تبوأ منصب محافظ المصرف المركزي أيضاً من 1991 إلى 1994، وتولّى حقيبة المالية والاقتصاد في حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، حريص على إتقان الأداء المالي للحكومة رغم «حرتقات» نجاد غير الملمّ أصلاً بالشأن الاقتصادي، فهو من الداعين إلى أن تكون سياسة النظام المصرفي في البلاد مستقلّة عن الحكومة. ومن الداعين أيضاً إلى تطبيق سياسة اقتصادية تخفض التضخم في البلاد إلى الصفر أو إلى نسبة قريبة منه، وإلى حذف الأرباح من القروض المصرفية.بيت القصيد هنا أن سياسة التبديل في بعض المناصب لا تتلاءم فقط مع رؤية المرشد لضخ الدم الجديد في شرايين المشهد السياسي، بل تسهم أيضاً في تعديل بعض الرؤى الاقتصادية في محاولة لإنقاذ نجاد قبل بلوغ الاستحقاق الرئاسي في العام المقبل.
معمر عطوي
سؤال ربما أجابت عنه صحيفة «واشنطن بوست» جزئياً في 11 شباط الماضي، حين تحدّثت عن أداء جديد يعتمده المُرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بتعزيز دور الشباب في الإدارات العامة في مقابل إقصاء «الملالي» و «الحرس القديم».لكن الجزء الآخر من الجواب يكمن في الإقالات نفسها والظروف الموضوعية المُسبِّبة لها، حيث كان آخر ضحاياها، وزير الداخلية، مصطفى بور محمدي.اللافت أن محمدي، رجل الدين الذي يحمل صفة «حجة الإسلام»، يختلف مع رئيسه على ملفات عديدة، من بينها تشجيع «زواج المتعة». اقتراح رفضته الحكومة العام الماضي.في المقابل، يتميّز الوزير الجديد (بالوكالة) مهدي هاشمي، بإلمامه بعلم الإدارة، الذي تخصَّص به أكاديمياً، وبكونه ليس من مجتمع الملالي. وفي ذلك خطوة إيرانية غير مسبوقة، لجهة التقليد الذي ساد منذ انتصار الثورة في عام 1979، باختيار رجل دين لحقيبة الداخلية وكذلك حقيبة الاستخبارات.ولعلّ ما يزيد حظوظ هاشمي (55 عاماً) هو تاريخه الشبيه بتاريخ نجاد، إذ كان نائباً لقائد قوات الباسيج «التعبئة» للشؤون الهندسية، المنظمة التابعة للحرس الثوري، الذي حضن نجاد في شبابه. ورافق هاشمي نجاد في مسيرته السياسية، منذ كان نائباً له أثناء توليه رئاسة بلدية طهران، وكان خياره الأول لشغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية في التشكيل الحكومي في آب 2005. إلا أن هاشمي لم يتمكن من الحصول على ثقة البرلمان.يبدو واضحاً أن الرئيس الإيراني المحافظ، الذي يواجه انتقادات لاذعة من الإصلاحيين والمبدئيين على السواء بسبب سياسته الاقتصادية الفاشلة، يتخبّط في موضوع اختيار الأشخاص المناسبين للمناصب الحساسة، ولا سيما في الشأن الاقتصادي. تخبُّط ليس طارئاً على الحكومة الإيرانية التي شهدت تسعة إقالات في مناصب وزارية كانت آخرها، في نيسان الماضي، حين أقيل وزير الاقتصاد والمالية، داود دانيش جعفري، الذي عارض نجاد علناًَ بسبب سياساته الاقتصادية.وخلال الأشهر الماضية خرج من حكومة نجاد وزراء الشؤون الاجتماعية، والجمعيات التعاونية، والنفط، والصناعة، والاقتصاد، والتعليم، إضافة إلى استقالة أو إقالة رؤساء عدد من أجهزة التخطيط ومحافظ المصرف المركزي.أمّا قضية السياسة المصرفية، فتحتاج إلى معالجة أخرى، وخصوصاً أن استقالة المحافظ السابق إبراهيم شيباني في شهر آب من العام الماضي، لم تحلّ مشكلة الفائدة المصرفية، التي حددها نجاد بما بين 10 و12 في المئة في مقابل 14 و17 في المئة سابقاً.المشكلة بدت جليّة، حين كشف المحافظ الحالي، طهمسب مظاهري، عن خلافه علناً مع نجاد بسبب قرار الأخير الجديد بشأن تحديد قيمة الفائدة. فقد أعلن مظاهري صراحةً لصحيفة «سرماية» الاقتصادية، أن «هذا القرار لا يمكن إبلاغه للمصارف». فالعديد منها يرفض إقراض أموال لأن نسبة التضخم بلغت في نيسان 24.2 في المئة خلال سنة. وذلك بسبب سوء سياسة الرئيس في توزيع عائدات «الطفرة» النفطية على المواطنين والمشاريع في المناطق.لذلك طلب مظاهري الشهر الماضي ربط نسب فوائد القروض بنسبة التضخم، مشيراً إلى أن الحكومة رفضت هذا المُقترح.يفسِّر هذا الخلاف بين مظاهري ونجاد، سبب إقالة وزير الاقتصاد والمالية الذي كان قد دعا إلى جانب محافظ المصرف المركزي في كانون الثاني الماضي، إلى تحرير نسبة الفائدة المصرفية، في معارضة واضحة لسياسة نجاد.ويبدو أن مظاهري (54 عاماً )، الذي تبوأ منصب محافظ المصرف المركزي أيضاً من 1991 إلى 1994، وتولّى حقيبة المالية والاقتصاد في حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، حريص على إتقان الأداء المالي للحكومة رغم «حرتقات» نجاد غير الملمّ أصلاً بالشأن الاقتصادي، فهو من الداعين إلى أن تكون سياسة النظام المصرفي في البلاد مستقلّة عن الحكومة. ومن الداعين أيضاً إلى تطبيق سياسة اقتصادية تخفض التضخم في البلاد إلى الصفر أو إلى نسبة قريبة منه، وإلى حذف الأرباح من القروض المصرفية.بيت القصيد هنا أن سياسة التبديل في بعض المناصب لا تتلاءم فقط مع رؤية المرشد لضخ الدم الجديد في شرايين المشهد السياسي، بل تسهم أيضاً في تعديل بعض الرؤى الاقتصادية في محاولة لإنقاذ نجاد قبل بلوغ الاستحقاق الرئاسي في العام المقبل.
الاخبار: 16-5-2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق