معمر عطوي
يخطيء من يظن أن 13 نيسان 1975، ذكرى انتهت فصولها في نهاية الثمانينات
مع بداية الحرب ودخول الميليشيات المُسلحة وزعماء الحرب في الدولة
ومؤسساتها. فنهاية الحرب الرسمية عام 1990، كانت مجرد محطة انتقلت بعدها
بلاد الأرز الى أشكال أخرى من الصراع وصور مختلفة من معاداة منطقة الدولة
والانقلاب على شرعيتها.
لعل أبرز أسباب الحرب الأهلية، التي صوّرها الإعلام
العربي والعالمي وبعض الإعلام المحلي في 13 نيسان 75 مشكلة فلسطينية
لبنانية، هو الفوارق الطبقية التي كانت تتعزز على حساب الفقراء من كل
الطوائف والمناطق، وعلى حساب المشرّدين الفلسطينيين في الشتات اللبناني في
الوقت نفسه. لكن دوائر الاستخبارات لم تجد في صالحها استمرار الحرب على
أساس طبقي، لما يحمله من تهديد لمصالح وأصدقاء حلفائها من تجار أسلحة
وشركات تعمل في صناعة البترول ومؤسسات ريعية وربوية تنتعش على حساب الفقراء
الساعين الى تحسين ظروفهم بالديون والقروض.
لهذا حوّلت مسار الحرب الى حرب
“وطنية” يجابه فيها اللبناني “الغريب” الفلسطيني الذي هرب من الاحتلال
الصهيوني ليزاحمه على رغيف الخبز وفرص العمل ومن بعد لينافسه على مواقع
نفوذ سياسية واقتصادية وعسكرية. ولما كان هذا السبب غير كاف لإشعال الحرب
بالشكل المطلوب إقليمياً ودولياً، تحولت الأزمة الى معارك طائفية مسيحية –
إسلامية، ثم دخل العامل السوري ليحد من نفوذ الفلسطينيين، لكنه سرعان ما
أصبح هو نفسه عدواً للقوى الانعزالية التي كانت في الأصل بحمايته من قوى
إسلامية وفلسطينية ويسارية تنشط على الجانب الغربي من بيروت.
بعد ما يقرب
من 40 سنة من بداية الحرب وحادثة “بوسطة عين الرمانة”، لا تزال أسباب الحرب
قائمة، بل أكثر حضوراً؛ فلا التفاوت الطبقي انتهى مع ظهور الليبرالية
الجديدة في الاقتصاد واختفاء الطبقة الوسطى من المشهد الاجتماعي، ولا بقي
لبنان بمنأى عن العامل الدولي وتأثيرات الأزمات في الدول المجاورة. وعلى
الصعيد الطائفي ازدادت وتيرة الإنقسام فأصبح الاقتتال داخل الطائفة الواحدة
(سنة وشيعة وسط المسلمين، وسنة موالون لسوريا وأخرون ضدها، ومسيحيون
موالون لسوريا وآخرون ضدها، ودروز مع “خط الممانعة” وآخرون ما بين وبين).
وفي ظل استمرار الطبقة الحاكمة متجاهلة لمطالب الناس وحقوقهم، وارتهان كل
فريق لدولة في المحور الإقليمي أو العالمي، لا تزال الحرب متواصلة بصور
مختلفة، يظهر منها كل يوم شكل مختلف عن الشكل الآخر، فيما لا تزال اسرائيل
تحتل فلسطين وتهدد أمن كل دول العرب، وخصوصاً لبنان الدولة الأصغر والأقوى
بمقاومتها مواجهة هذا الكيان الغاصب.
المفارقة المُزعجة أن أسباب قوتنا ضد
إسرائيل أصبحت سبباً آخر لضعفنا وتشرذمنا وفتيلاً قابلاً للاشتعال في أي
لحظة تماهياً مع سياسات اقليمية ترهن القوى المحلية للدفاع عن نفوذها
وكياناتها. طبعاً “بوسطة عين الرمانة” لا تزال واقفة عند كل منعطف خطير
يؤكد أن الحرب في لبنان لم تتوقف يوماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق