معمر عطوي
كل الخطابات متشنجة في لبنان اليوم، حتى تلك التي تزعم أنها تهدف لخلق مساحات من الحوار ومساعي حميدة على طريقة بطل المسلسل اللبناني التاريخي الشهير «أبو ملحم».
تجلس مع مؤيدي الشيخ أحمد الأسير، أو الجماعة الإسلامية أو السلفيين، فتكاد تذرف دمعاً حين تسمعهم يتحدثون عما «ما يلحق بأهل السنة من غبن وتعسف وظلم». يزعمون أن حربهم سياسية تقتصر على مقارعة نفوذ «حزب السلاح» حزب الله وحركة أمل لكنهم يهربون الى قضية سب الصحابة وعائشة، وتزلّ ألسنتهم بما يكيدون به من حقد تاريخي ضد الشيعة «الرافضة» فيتفنّنون في زيادة النعوت على الخصم الايراني فيصفونه بالمجوسي، علماً ان المجوسية ديانة كانت سائدة في بلاد فارس ولم تعد موجودة اليوم.
وإمعاناً في خطاب تحريضي يردّده الصغار وراء الكبار والعناصر خلف الكوادر، يلجأون الى استخدام صفات عديدة للصقها بأهل مذهب إسلامي طويل عريض؛ منها الفرس، والصفويون، وكأن كلمة الفرس مهينة وهي التي تتناول حضارة لها من العمر آلاف السنين لطالما كانت حضارة رائدة ومتفوقة، بينما كانت الدولة الصفوية مثل اي دولة مرت في التاريخ الاسلامي.
وفي محاولة لإقناع السامع بما يضمرونه من خطط للقضاء على كل من لا ينتمي الى «أهل السنة والجماعة»، يزيدون في سرد اخبار تاريخية فيستحضرون أشخاصاً أو مجموعات شيعية من التاريخ تورطت في حروب مع مسلمي الخلافة (نموذج العلقمي مثلاً)، ليُسقِطوا تصرفاتها تلك وسياساتها على كل الشيعة اليوم، فيستخدمون بموازاة الحديث عن تلك الأخبار كلمات مثل «الحاقدون.. والغدارون.. والمخادعون والعملاء.الخ»، متناسين أن هذه الصفات هي صفات معظم الناس بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الدينية أو العرقية أو القومية.
والمفارقة أن هناك ثنائيات دائمة الاستعمال في هذا الخطاب وفي الخطاب الآخر، يرددونها كالببغاوات؛ فإذا تحدثت أمام أحد هؤلاء عن مصدر المؤامرة صرخوا فوراً «سوريا وإيران» أو «جماعة المقاومة والممانعة»، ومنهم من يكون أكثر تفصيلية فبقول «نصرالله وبري» أو «نجاد والأسد».
واذا اراد أن يكشف عورته المذهبية اكثر يتهم «النصيريين والشيعة» بالمسؤولية عن كل مصائب الأمة منذ أبو عبدالله الصغير وحتى سعد الدين الحريري.
وبالتالي يطلقون أحكاماً شمولية اعتباطية بينما المطلوب دائماً أن يراعي الشخص في خطابه المسألة النسبية حتى لا يصيب قوماً كاملاً بجهالة.
في المقابل، يحاول الخطاب الآخر في طرف الأحزاب الشيعية الظهور بمظهر من لا يستخدم الخطاب الطائفي، فيتحدث دائماً عن مقاومة تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية، وتكاد أيضاً تذرف دمعاً على ما يُحاك للمقاومة، فيتصرفون مع كل الشرائح بما فيها تلك التي اسست المقاومة، وكأنهم من الطبقة الثانية، فيسمعون النقد لسياسة حزبهم ويتعالون عن الرد بحكم أنهم أنصاف آلهة لا يخطئون. هؤلاء يكابرون الى درجة أنهم لا يسألون أنفسهم: «كيف يمكن مقاومة وطنية عروبية شاملة أن تنحصر في أتباع مذهب واحد؟»، وإذا سؤِلوا هذا السؤال لجأوا للحديث عن سرايا المقاومة التي لا يخجلون من ذكر إسمها وقد أنشأوها لأهداف إعلامية فقط، أو لوجستية لا طائل منها.
يتعامى هؤلاء عما فعلوه بالمقاومة منذ 2006، حين نسفوا أشرف وأهم انجاز نضالي عربي بسياساتهم الخاطئة التي أظهرت عورتهم المذهبية، تارة بدخولهم في زواريب السياسة الداخلية تحت شعار اسكات المؤامرة او اجهاض محاولات الفتنة، وتارة بتدخلهم في سوريا وقبلها بمناصرة أبناء جلدتهم في العراق حتى لو كان هؤلاء من الظالمين.
هم لا يخجلون من نفي صفة المذهبية عنهم، في الوقت الذي يمارسون السياسة وفق عقيدة شيعية اثني عشرية تابعة مباشرة لأوامر «السيد القائد» علي خامنئي في ايران.
هم ليسوا طائفيين ولا مذهبيين لكنهم ضد السلفيين والوهابيين وقد يصفونهم بأوصاف يزيد بن معاوية وجماعته، مستحضرين الأساطير المؤسسة لنشوء المذاهب.
لقد انتصروا في حروب عديدة على ألدّ أعداء الأمة، لكنهم رجعوا من الجهاد الأصغر الى الجهاد منتصرين ليفشلوا فشلاً ذريعاً في جهادهم الأكبر. وبذريعة مقاتلة جبهة النصرة السلفية دخلوا في فخ لعبة الأمم وخسروا كل ما جنوه من احتضان جماهيري وتأييد عربي اسلامي في صراعهم مع عدو الأمة، فأصبحوا كالقصعة تتكالب عليها الأمم بسبب سياساتهم الإجرامية بحق الشعب السوري، وتحولهم من تيارات تحررية ثورية الى «شبيحة» لمساندة نظام فاسد يقوم على معادلة مصلحة العائلة والحزب قبل كل شيء.
هؤلاء سينحدرون بكل أسف، اذا استمروا في مكابرتهم وعدم استماعهم الى عقلاء الأمة بتجنب أي خلاف او قتال مذهبي، فتصبح ظاهرتهم الفريدة المشّرفة محل تحسّر وندم على خسارتها.
كل من يناهض بعض افكارهم أو يوجه اليهم النقد فهو من «شلة 14 شباط» أو من عملاء «أميركا واسرائيل ودول الخليج». ينبغي على هؤلاء دائماً أن يتصرفوا كطهرانيين لا تشوب أعمالهم شائبة ومن ينتقدهم هو في الدرك الأسفل من الجهل.
أما هم فيحق لهم استفزاز الناس والإمعان في تجويعهم وإفقارهم من خلال ما يشرّعونه من قوانين في مجلسي النواب والوزراء وللمفارقة المزعجة بالتعاون مع الفصيل الآخر «الغربي التوجه».
أما ثنائيات الخطاب الاتهامي فهي دائماً تحمّل أشخاصاً من الطرف الآخر مسؤولية ما يدور من مشكلات او خروقات امنية؛ مثل «جنبلاط وجعجع» أو «الحريري والأسير» وقد تكون موجهة ضد دول «السعودية وقطر» فرنسا ,اميركا» أو «أميركا واسرائيل»، وأخيراً أصبحت المعزوفة الرائجة حول من يتدخل في سوريا«قطر وتركيا» أو النصرة والسلفيون».
خطاب تعميمي شمولي، لكنه بسيط في مضمونه، ساذج الى حد الهبل في إطلاقه جزافاً عند كل شاردة وواردة. الفرق بين الأول والثاني، أن الأأول لم يقم لا بجهاد أصغر ولا بجهاد أكبر، أما الآخر فيوظف جهاده الأصغر في عملية التعمية على فشله في الجهاد الأكبر. والمشكلة تبدأ من الخطاب المتشنج الذي ينهل من معين الحقد المذهبي الدفين.
كل الخطابات متشنجة في لبنان اليوم، حتى تلك التي تزعم أنها تهدف لخلق مساحات من الحوار ومساعي حميدة على طريقة بطل المسلسل اللبناني التاريخي الشهير «أبو ملحم».
تجلس مع مؤيدي الشيخ أحمد الأسير، أو الجماعة الإسلامية أو السلفيين، فتكاد تذرف دمعاً حين تسمعهم يتحدثون عما «ما يلحق بأهل السنة من غبن وتعسف وظلم». يزعمون أن حربهم سياسية تقتصر على مقارعة نفوذ «حزب السلاح» حزب الله وحركة أمل لكنهم يهربون الى قضية سب الصحابة وعائشة، وتزلّ ألسنتهم بما يكيدون به من حقد تاريخي ضد الشيعة «الرافضة» فيتفنّنون في زيادة النعوت على الخصم الايراني فيصفونه بالمجوسي، علماً ان المجوسية ديانة كانت سائدة في بلاد فارس ولم تعد موجودة اليوم.
وإمعاناً في خطاب تحريضي يردّده الصغار وراء الكبار والعناصر خلف الكوادر، يلجأون الى استخدام صفات عديدة للصقها بأهل مذهب إسلامي طويل عريض؛ منها الفرس، والصفويون، وكأن كلمة الفرس مهينة وهي التي تتناول حضارة لها من العمر آلاف السنين لطالما كانت حضارة رائدة ومتفوقة، بينما كانت الدولة الصفوية مثل اي دولة مرت في التاريخ الاسلامي.
وفي محاولة لإقناع السامع بما يضمرونه من خطط للقضاء على كل من لا ينتمي الى «أهل السنة والجماعة»، يزيدون في سرد اخبار تاريخية فيستحضرون أشخاصاً أو مجموعات شيعية من التاريخ تورطت في حروب مع مسلمي الخلافة (نموذج العلقمي مثلاً)، ليُسقِطوا تصرفاتها تلك وسياساتها على كل الشيعة اليوم، فيستخدمون بموازاة الحديث عن تلك الأخبار كلمات مثل «الحاقدون.. والغدارون.. والمخادعون والعملاء.الخ»، متناسين أن هذه الصفات هي صفات معظم الناس بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الدينية أو العرقية أو القومية.
والمفارقة أن هناك ثنائيات دائمة الاستعمال في هذا الخطاب وفي الخطاب الآخر، يرددونها كالببغاوات؛ فإذا تحدثت أمام أحد هؤلاء عن مصدر المؤامرة صرخوا فوراً «سوريا وإيران» أو «جماعة المقاومة والممانعة»، ومنهم من يكون أكثر تفصيلية فبقول «نصرالله وبري» أو «نجاد والأسد».
واذا اراد أن يكشف عورته المذهبية اكثر يتهم «النصيريين والشيعة» بالمسؤولية عن كل مصائب الأمة منذ أبو عبدالله الصغير وحتى سعد الدين الحريري.
وبالتالي يطلقون أحكاماً شمولية اعتباطية بينما المطلوب دائماً أن يراعي الشخص في خطابه المسألة النسبية حتى لا يصيب قوماً كاملاً بجهالة.
في المقابل، يحاول الخطاب الآخر في طرف الأحزاب الشيعية الظهور بمظهر من لا يستخدم الخطاب الطائفي، فيتحدث دائماً عن مقاومة تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية، وتكاد أيضاً تذرف دمعاً على ما يُحاك للمقاومة، فيتصرفون مع كل الشرائح بما فيها تلك التي اسست المقاومة، وكأنهم من الطبقة الثانية، فيسمعون النقد لسياسة حزبهم ويتعالون عن الرد بحكم أنهم أنصاف آلهة لا يخطئون. هؤلاء يكابرون الى درجة أنهم لا يسألون أنفسهم: «كيف يمكن مقاومة وطنية عروبية شاملة أن تنحصر في أتباع مذهب واحد؟»، وإذا سؤِلوا هذا السؤال لجأوا للحديث عن سرايا المقاومة التي لا يخجلون من ذكر إسمها وقد أنشأوها لأهداف إعلامية فقط، أو لوجستية لا طائل منها.
يتعامى هؤلاء عما فعلوه بالمقاومة منذ 2006، حين نسفوا أشرف وأهم انجاز نضالي عربي بسياساتهم الخاطئة التي أظهرت عورتهم المذهبية، تارة بدخولهم في زواريب السياسة الداخلية تحت شعار اسكات المؤامرة او اجهاض محاولات الفتنة، وتارة بتدخلهم في سوريا وقبلها بمناصرة أبناء جلدتهم في العراق حتى لو كان هؤلاء من الظالمين.
هم لا يخجلون من نفي صفة المذهبية عنهم، في الوقت الذي يمارسون السياسة وفق عقيدة شيعية اثني عشرية تابعة مباشرة لأوامر «السيد القائد» علي خامنئي في ايران.
هم ليسوا طائفيين ولا مذهبيين لكنهم ضد السلفيين والوهابيين وقد يصفونهم بأوصاف يزيد بن معاوية وجماعته، مستحضرين الأساطير المؤسسة لنشوء المذاهب.
لقد انتصروا في حروب عديدة على ألدّ أعداء الأمة، لكنهم رجعوا من الجهاد الأصغر الى الجهاد منتصرين ليفشلوا فشلاً ذريعاً في جهادهم الأكبر. وبذريعة مقاتلة جبهة النصرة السلفية دخلوا في فخ لعبة الأمم وخسروا كل ما جنوه من احتضان جماهيري وتأييد عربي اسلامي في صراعهم مع عدو الأمة، فأصبحوا كالقصعة تتكالب عليها الأمم بسبب سياساتهم الإجرامية بحق الشعب السوري، وتحولهم من تيارات تحررية ثورية الى «شبيحة» لمساندة نظام فاسد يقوم على معادلة مصلحة العائلة والحزب قبل كل شيء.
هؤلاء سينحدرون بكل أسف، اذا استمروا في مكابرتهم وعدم استماعهم الى عقلاء الأمة بتجنب أي خلاف او قتال مذهبي، فتصبح ظاهرتهم الفريدة المشّرفة محل تحسّر وندم على خسارتها.
كل من يناهض بعض افكارهم أو يوجه اليهم النقد فهو من «شلة 14 شباط» أو من عملاء «أميركا واسرائيل ودول الخليج». ينبغي على هؤلاء دائماً أن يتصرفوا كطهرانيين لا تشوب أعمالهم شائبة ومن ينتقدهم هو في الدرك الأسفل من الجهل.
أما هم فيحق لهم استفزاز الناس والإمعان في تجويعهم وإفقارهم من خلال ما يشرّعونه من قوانين في مجلسي النواب والوزراء وللمفارقة المزعجة بالتعاون مع الفصيل الآخر «الغربي التوجه».
أما ثنائيات الخطاب الاتهامي فهي دائماً تحمّل أشخاصاً من الطرف الآخر مسؤولية ما يدور من مشكلات او خروقات امنية؛ مثل «جنبلاط وجعجع» أو «الحريري والأسير» وقد تكون موجهة ضد دول «السعودية وقطر» فرنسا ,اميركا» أو «أميركا واسرائيل»، وأخيراً أصبحت المعزوفة الرائجة حول من يتدخل في سوريا«قطر وتركيا» أو النصرة والسلفيون».
خطاب تعميمي شمولي، لكنه بسيط في مضمونه، ساذج الى حد الهبل في إطلاقه جزافاً عند كل شاردة وواردة. الفرق بين الأول والثاني، أن الأأول لم يقم لا بجهاد أصغر ولا بجهاد أكبر، أما الآخر فيوظف جهاده الأصغر في عملية التعمية على فشله في الجهاد الأكبر. والمشكلة تبدأ من الخطاب المتشنج الذي ينهل من معين الحقد المذهبي الدفين.
"برس نت" 23 حزيران 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق